قال الشيخ الحافظ أبو نعيم رحمه الله:
ومنهم التائه الوحيد، الهائم الفريد،
البسطامي أبو يزيد. تاه فغاب، وهام فآب،
غاب عن المحدودات إلى موجد المحسوسات والمعدومات،
فارق الخلق ووافق الحق. فأيد بأخلاء الخير، وأمد باستيلاء البر،
إشارته هانئة، وعبارته كامنة. لعارفيها ضامنة، ولمنكريها فاتنة.
عن أبي يزيد البسطامي قال: ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب، من حبك لي وأنت ملك قدير.
و يقول: غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء:
توهمت أني أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه، فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري ومعرفته سبقت معرفتي ومحبته أقدم من محبتي وطلبه لي أولاً حتى طلبته.
و يقول: اللهم إنك خلقت هذا الخلق بغير علمهم وقلدتهم أمانة من غير إرادتهم فإن لم تعنهم فمن يعينهم.
،
عن أبي موسى، عن أبي يزيد،
قال: إن لله خواص من عباده لو حجبهم في الجنة لاستغاثوا بالخروج من الجنة كما يستغيث أهل النار بالخروج من النار.
قال عبيد بن عبد القاهر: جلس قوم إلى أبي يزيد فأطرق ملياً ثم رفع رأسه إليهم،
فقال: منذ أجلستم إلي هو ذا أجيل فكري ألتمس حبة عفنة أخرجها إليكم تطيقون حملها فلم أجد قال:
وقال أبو يزيد: غبت عن الله ثلاثين سنة فكانت غيبتي عنه ذكري إياه فلما خنست عنه وجدته في كل حال
فقال لي رجل: ما لك لا تسافر، قال: لأن صاحبي لا يسافر،
وأنا معه مقيم فعارضه السائل بمثل
فقال: إن الماء القائم قد كره الوضوء منه لم يروا بماء البحر بأساً هو الطهور ماؤه الحل ميتته،
ثم قال: قد ترى الأنهار تجري لها روي وخرير حتى إذا دنت من البحر وامتزجت به سكن خريرها وحدتها ولم يحس بها ماء البحر ولا ظهر فيه زيادة ولا إن خرجت منه استبان فيه نقص.
و
قال أبو يزيد: لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالاً لله أن أذكره.
قال أبو يزيد البسطامي: لم أزل أجول في ميدان التوحيد حتى خرجت إلى دار التفريد،
ثم لم أزل أجول في دار التفريد حتى خرجت إلى الديمومة فشربت بكأسه شربة لا أظمأن من ذكره بعدها أبداً.
قال يوسف: وكنت أسمع هذا الكلام على غير هذا اللفظ من ذي النون وفيه زيادة.
كان ذو النون لا يبديها إلا في وقت نشاطه وغلبة حاله عليه فيقول ذلك
ويقول بعده:
لك الجلال والجمال ولك الكمال سبحانك سبحانك قدستك ألسن التماديح وأفواه التسابيح، أنت أنت أزلي أزلي. حبه لي أزلي.
قال أبو يزيد: غبت عن الله ثلاثين سنة وكانت غيبتي عنه ذكري إياه فلما خنست عنه وجدته في كل حال حتى كأنه أنا.
و جاء رجل إلى أبي يزيد فقال: أوصني. فقال له:
انظر إلى السماء فنظر صاحبه إلى السماء فقال له أبو يزيد أتدري من خلق هذا؟
قال: الله. قال أبو يزيد إن من خلقها لمطلع عليك حيث كنت فاحذره.
جاء رجل إلى أبي يزيد فقال: بلغني أنك تمر في الهواء. قال: وأي أعجوبة في هذه؟
طير يأكل الميتة يمر في الهواء، والمؤمن أشرف من الطير؟
قال: ووجه إليه أحمد بن خرب حصيراً
وكتب معه إليه: صل عليه بالليل.
فكتب أبو يزيد إليه:
إني جمعت عبادات أهل السموات والأرضين السبع فجعلتها في مخدة ووضعتها تحت خدي.
قال أبو يزيد: طلقت الدنيا ثلاثاً ثلاثاً بتاتاً لا رجعة فيها، وصرت إلى ربي وحدي فناديته بالاستغاثة إلهي أدعوك دعاء لم يبق له غيرك.
فلما عرف صدق الدعاء من قلبي والاياس من نفسي
كان أول ما ورد على من إجابة هذا الدعاء أن أنساني نفسي بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم.
عن أبي يزيد، قال: إن في الطاعات من الآفات مالا تحتاجون إلى أن تطلبوا المعاصي.
قال أبو يزيد: علمت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً أشد علي من العلم ومتابعته،
ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد.
وقال أبو يزيد: لا يعرف نفسه من صحبته شهوته.
وقال أبو يزيد: الجنة لا خطر لها عند المحبين وأهل المحبة محجوبون بمحبتهم.
سمعت أبا الحسن المروزي يقول:
سمعت امرأة أبي يزيد تقول:
سمعت أبا يزيد يقول: دعوت نفسي إلى الله فأبت علي واستصعبت فتركتها ومضيت إلى الله.
و قال: أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة،
فأولهم الزاهد بزهده،
والثاني العابد بعبادته،
والثالث العالم بعلمه،
ثم قال: مسكين الزاهد قد ألبس زهده وجرى به في ميدان الزهاد ولو علم المسكين أن الدنيا كلها سماها الله قليلاً فكم ملك من القليل وفي كم زهد مما ملك؟
ثم قال: إن الزاهد هو الذي يلحظ إليه بلحظة فيبقى عنده ثم لا ترجع نظرته إلى غيره ولا إلى نفسه. وأما العابد فهو الذي يرى منه الله عليه في العبادة أكثر من العبادة،
حتى تعرف عبادته في المنة.
وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ،
فكم علم هذا العالم من ذلك السطر وكم عمل فيما علم؟