سئل الصوفى الكبير ابن عطاء : ما بالكم أيها المتصوفة قد اشتققتم ألفاظاً أغربتم بها على السامعين وخرجتم بها عن اللسان المعتاد . فهل هذا للتمويه أو لستر عوارالمذهب؟
فقال ابن عطاء ما فعلنا ذلك إلا لغيرتنا على المذهب ، ولعزته علينا كيلا يشربها غيرنا. وأنشد:
إذا أهل العبارة ساءلونا أجبناهم بأعلام الإشارة
نشير بها فنجعلها غموضاً تقصر عنه ترجمة الإشارة
فلغة أهل التصوف هى لغة الإشارة ، لا يعرفها سوى الدارس للتصوف والآخذ به ولعله لهذا كان من الضرورى تجميع ألفاظ الصوفية وتفسير لغتهم الإصطلاحية ومتابعة تطور هذه اللغة واختلاف مدلول اللفظ باختلاف العصور واتجاهات الأعلام من الصوفية واهتماماتهم وثقافاتهم وما عانوا من تحولات نفسية وانقلابات روحية وأزمات فكرية.
ولقد قيل إن المصطلح الصوفى الإسلامى يرجع إلى أصول هندية وإيرانية وهيلينية ويهودية ومسيحية ، وتبين بالدراسة وبموضوعية كاملة أن هذه الدعاوى لم تكن إلا عن عن غيرة وحسد ، وان التصوف مثله مثل التوحيد والفقه الإسلاميين ، أصوله إسلامية ،ومنشؤه القرآن والسنة . ولا يوجد مصطلح من مصطلحات الأحوال والمقامات الصوفية إلا وله أصل قرآنى أو سند من أحاديث رسول الله.
ولم يكن التصوف وليد مؤثرات ثقافية أجنبية ، وإنما كان تطوراً طبيعياً للزهد الإسلامى . ومن هؤلاء الزاهدين من كانت حياته العملية والروحية حافلة وملفتة للإنتباه أكثر مما كانت عليه حياة الكثير من أعلام الصوفية ، فالزهد الإسلامى هو أصل التصوف ومنه يصدر .
غير أن التصوف الإسلامى يعنى المعرفة الصوفية ، بينما الزاهد زهده سلوك والصوفى هو العارف المتحقق بعلوم الصوفية وهى علوم كثيرة وأخصها العلوم النفس والخلاق والإلهيات . وللصوفية أقوال وكتابات ليست للزهاد ولهم طرق وربط ومراتب فى المعرفة وحكومة باطنية يقوم بها انتظام العالم . ولابد أن تكون هناك حوارات بين الثقافات المختلفة ، وتلاقح ثقافى وتأثير وتأثر وأما النقل الثقافى والغزو الثقافى فليس منهما فى التصوف شئ.ومن أعلام الصوفية من كان نتاجه الفكرى عبقرياً ، وله شعر وفلسفة وتفسيرات وتأويلات ترقى إلى حد الإعجاز .
وأغلب الصوفية لهم نظرات فى النفس وتحليلات تسبر الأغوار والدخائل والبواطن وتقصر دونها كتابات كثير من علماء التحليل النفسى ، وسيظل بها التصوف الإسلامى فخارأ للفكر افسلامى ، والإسهام الكبر للمسلمين فى الثقافة العالمية القديمة والمحدثة . وسيظل المستشرقون حديثهم عن الفلسفة الإسلامية هو الحديث فى التصوف ما شاء لهم الحديث عن التفكير الإسلامى .
وإنه لابتسار فى القول أن يستشهدوا على التأثيرات الأجنبية على التصوف الإسلامى بأقوال الحلاج والبسطامى ورابعة العدوية وابن عربى والسهرورودى ، وأن يقال بسببها أن هذا المتصوف أو ذاك ، من الحلوليين أو من دعاة وحدة الوجود أو من المتاثرين بالأفلاطونية أو أنه من أصول مسيحسة أو مجوسية .
فالأمر أكبر من ذلك بكثير وربما كان سبب إغراب ألفاظهم ونظرياتهم وأفكارهم حضور القلب والمشاهدة وهما اللذان يجعلان الصوفى من المقربين الذين يرقبون خواطرهم ، حتى ليخرج كل خاطر يخطر بقلب الصوفى وكأن الحق يخاطبه أو كأنه يخاطب به الحق .
وما قول هذا أو ذاك من كلمات بها مسحة الإغراب عن الفكر الإسلامى إلا تعبيرات تخص الصوفية من النساء والرجال على السواء وتصف فناء الصوفى او فنائه عن فنائه من امثال : سبحانى ما أعظم شأنى ، وأنا الحق ، وأنا من أهوى ومن أهوى أنا فإذا أبصرته أبصرتنا ، نحن روحان معاً .
وقيل فى تفسير أمثاله ما رووه عن رسول الله من احاديث مشابهة ، مثل " ما زال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التى يبصر بها إلخ....
ونحن إن كنا نعرف حقيقة الوجد بين المحبين من البشر ، فما يمكن أن يكون عليه الوجد من المخلوق للخالق لابد ان يكون اكبر وأخطر .
وقد قيل إن المحبين لا يبلغون حقيقة المحبة حتى يقول الواحد للآخر " يا أنا " وذلك نفسه - كما قيل- ما قصد إليه الحلاج بقولته " أنا الحق " .فهل فى ذلك ما يمكن أن يفسر ما اصطلح عليه القوم وأطلقوا عليه اسم الشطح الصوفى؟؟؟؟؟؟؟؟؟
علي زين العابدين
الرئيسية