فقير الاسكندرية
عدد الرسائل : 192 تاريخ التسجيل : 14/10/2007
| موضوع: خواطر السر في تنزل الأمر بين ليلة النصف وليلة القدر السبت أغسطس 08, 2009 11:03 am | |
| الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتفرد بالخلق والإيجاد، والصلاة والسلام على أشرف العباد سيدنا محمد وآله وصحبه صلاةً وسلاماً دائمين إلى يومِ التناد أما بعد... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. ثم أما بعد...
خواطر السر في تنزل الأمر بين ليلة النصف وليلة القدر فقد كانت لنا مشاركة سابقة باسم (ليلة النصف من شعبان والنقل إلى ديوان الإختصاص) وقد جمعنا فيها أموراً في الكلام على هذه الليلة، إلا أنه قد خطرت لنا خواطر أثناء إعداد وجمع وترتيب هذه المشاركة، لم تكتمل إلا بعد الليلة المباركة، فأحببنا أن نثبتها هنا في مشاركة مستقلة، لأن طبيعتها تختلف عن المشاركة الأصلية، وهي كما أشرنا خواطر – قد تخطيء وقد تصيب – لذا نسأل السادة الكرام الذين يطلعون على هذه المشاركة أن يثبتوا ما فيها من الحق، ويبطلوا ما بخلاف ذلك – إن وُجد – (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : 4]. ولن نذكر هنا النقول التي كانت مفتاحاً لهذه الواردات فقد اكتفينا بوجودها في المقالة المشار إليها. فنقول مستمدين من الحق مستمطرين منه سُحب النفحات: إن الليلتين العظيمتين هما ليلة النصف من شعبان وليلة القدر، وهما ليلتان مباركتان، وفيهما تنزل القرآن إلى السماء الدنيا فُرقاناً في الأولى ويؤخذ من قوله (فيها يُفرقُ كلُّ أمرٍ حكيم) وقرآناً في الثانية ويؤخذ من قوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : 185] ولسيدي محيي الدين رضي الله عنه كلاماً يشبه هذا إلا أنه جعل نزول القرآن قرآناً في شهر رمضان ولم يحدد ليلة القدر حيث قال في الفتوحات: ("ثم اعلم أن الله أنزل الكتاب فرقاناً في ليلة القدر ليلة النصف من شعبان وأنزله قرآناً في شهر رمضان كل ذلك إلى السماء الدنيا ومن هناك نزل في ثلاث وعشرين سنة فرقاناً نجوماً ذا آيات وسور لتعلم المنازل وتتبين المراتب فمن نزوله إلى الأرض في شهر شعبان يتلى فرقاناً ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآناً)، إلا أننا هنا نتكلم عن الليلتين بالذات، ويرى سيدي محيي الدين أن ليلة القدر تتنقل في السنة وأنه حين نزل القرآن فرقاناً في ليلة النصف من شعبان كانت ليلة القدر في تنقلها توافق هذه الليلة، وعليه فإنا نرى أن نزول القرآن فرقاناً كان في ليلة النصف من شعبان عندما كانت ليلة القدر توافقها، ونزوله قرآناً كانت في ليلة القدر عندما كانت في شهر رمضان، فإن نزوله في بعض الشهر وهو ليلة القدر منه نزولٌ في الشهر، فكانت بركة الليلتين مستمدة من نزول القرآن فيهما، ولذا فإننا نرى قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : 3 ، 4] أن تنكير لفظة "ليلة" ولم يقل تعالى - إنا أنزلناه في الليلة المباركة – لكون الليلة جمعت الليلتين معاً، فلما افترقتا ظلت البركة فيهما جميعاً: في ليلة القدر على تنقلها وفي ليلة النصف من شعبان على ثباتها. فهذا في الليلة المباركة، أما ليلة القدر فاختصت بقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : 1] فجاءت لفظة "ليلة" هنا معرفة بالإضافة . ثم يرد علينا خاطراً آخراً يخص تنزل المقادير: فإننا نظن أن مقادير العام تنزل إجمالاً في ليلة النصف من شعبان، وتنزلُ تفصيلاً في ليلة القدر ولذا كان تسليمها إلى أربابها من الملائكة ليلة القدر، فمثلاً فلانٌ من الناس تتنزل مقاديره الإجمالية الفرقانية في ليلة النصف من شعبان، فينقل مثلاً من ديوان الغفلة إلى ديوان الاختصاص، أو من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، أو من ديوان إقتار الرزق إلى سعته، أو من ديوان الحرمان إلى ديوان وفرة الخيرات، أو من ديوان البعد إلى ديوان القرب، أو من ديوان الفصل إلى ديوان الوصل، أو من ديوان الخذلان إلى ديوان التوفيق، أو تنقل الأمة من ديوان الهزيمة إلى ديوان النصر أو من ديوان القحط إلى ديوان الخصب، أو حتى ينزل إجمالي الأنصبة، فلفلان في هذا العام قدر كذا من البسط وكذا من القبض، وهكذا في الأمور العظام التي فيها الفُرقان، ثم يتنزل تفصيلُ ذلك في ليلة القدر. وليلة القدر يغلب عليها أنها في العشر الأواخر من رمضان على تنقلها، ومن هنا جاءت لفظة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (التمسوها). وقد اختلفت رواية الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الالتماس، وكلٌّ له حالٌ وذوق وما يخصه به النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يعيه الصحابي منه صلى الله عليه وسلم فيمكنكم مراجعة الأحاديث في الصحيحين وغيرهما منها حديث البخاري عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: "إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ" وفي البخاري أيضاً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". ونعود إلى لفظة (التمسوها) ولنرجع إلى اللسان العربي: قال ابن فارس في مقاييس اللغة - (لمس) اللام والميم والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تطلُّبِ شيء ومَسيسِه أيضاً. تقول: تلمّست الشّيءَ، إذا تطلَّبْتَه بيدك. قال أبو بكر بن دريد: اللّمس أصلُه باليد ليُعرَف مَسُّ الشّيء، ثم كثُرَ ذلك حتَّى صار كلُّ طالب مُلتمِساً. ولَمَسْت، إذا مَسِسْتَ. انتهى وقال في تاج العروس - لَمَسَهُ يَلْمِسُه ويَلْمُسُه من حَدِّ ضَرَبَ ونَصَرَ : مَسَّه بيَدِه هكذا وَقَع التَّقْيِيدُ به لغَيْرَ وَاحِدٍ وفَسَّره اللَّيْثُ فقالَ : اللَّمْسُ باليَدِ : أَن يَطْلُبَ شيئاً هاهُنَا وهاهُنَا ومنه قولُ لَبِيد :
يَلْمِسُ الأَحْلاسَ في مَنْزِلِهِ ... بيَدَيْهِ كالْيَهُوديِّ المُصَلْ وقيل : اللَّمْسُ : الجَسُّ وقِيلَ : المَسُّ مُطْلَقاً ويَدُلُّ له قولُ الراغِبِ : المَسُّ : إِدراكٌ بظاهِرِ البَشَرَةِ كاللَّمْسِ . وقيل : اللَّمْسُ والمَسُّ مُتَقَارِبانِ ولامَسَهُ : مِثْلُ لَمَسَه . انتهى. قلت – الفقير- : وفي استخدام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلمة "التمسوها" معنىً زائدٍ عن مطلق الطلب فإن اللمس كما قدمنا لغةً يكونُ باليد، ونعتقد أن هذا من الأسرار التي يعرفها من لمسها من الأولياء، وفيه أن طلبها يكون باليد وفي معنى اليد يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (يد) الياء والدال: أصلُ بناء اليَدِ للإنسانِ وغيره، ويستعار في المِنَّة فيقال: له عليه يدٌ. ويجمع على الأيادي واليُدِيّ. قال: * فإنَّ له عندي يُدِيّاً وأنْعُما * واليَدُ: القُوَّة، ويجمع على الأيدي. وتصغير اليد يُدَيَّة. وجَمَع ناسٌ يدَ الإنسان على الأيادِي، فقال:
ساءهَا ما تأمَّلَتْ في أياديـ *** ـنا وإشناقُها إلى الأعناق انتهى. ففي ذلك أيضاً معنيان الأول أن طلبها يكون بالمنة، فلولا منة الله عليك ما طلبتها، وما وُهبتها، ثم يكون أخذ هذا العطاء بقوة قال تعالى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [البقرة : 63] وقال تعالى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [البقرة : 93] وقال تعالى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [الأعراف : 171] وقال لموسى: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) [الأعراف : 145] وقال ليحيى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم : 12] والقوة هنا تشير لمعانٍ جمعناها مما جاد به أهل التفسير فمنها: الجد والحرص والاجتهاد والصدق والحق والعزم والنشاط وقيل: بقوة القلب وصحة العزيمة. وهذا كله يلاءمه حال النبي صلى الله عليه وسلم في وقت مظنة ليلة القدر فقد روى البخاري ومسلم واللفظ له في صحيحهما عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ" ثم ما أجمل ما ذكر حقي في تفسيره عند قوله تعالى: (خذوا ما آتيناكم بقوة ) قال: اشارة الى أن أخذ ما يؤتى الله من الاوامر والنواهى والطاعات والعلوم وغير ذلك لا يمكن للقوة الانسانية إلا بقوة ربانية وتأييد الهي. انتهى. وهذا يناسب ما في معنى (يد) اللغوي من المنة والقوة معاً الذي نقلناه عن تاج العروس آنفاً. وقال سيدي ابن عجيبة في البحر المديد: وقوله تعالى : (فخذها بقوة) أي : بجد واجتهاد . قال في الإحياء : الأخذ بالجد أن يكون القارىء متجردًا لله عند قراءته ، منصرف الهمّة إليه عن غيره ، وهو يشير للحضور . انتهى. وقال في موضع آخر أيضاً: قال الورتجبي : { خُذ الكتابَ بقوة } أي : خذ كتابنا بنا لا بك ، والكتاب كلام الحق الأزلي ، أي : خذ الكتاب الأزلي بالقوة الأزلية . اهـ . ومعناه أن يكون التالي فانياً عن نفسه ، متكلمًا بربه ، ويسمعه من ربه ، فهذا حال المقربين . والله تعالى أعلم . انتهى من البحر المديد. قال السلمي في حقائق التفسير: قال بعضهم: سر الله عند عباده وأهل خصوصيته لا يحمله إلا الأقوياء بأبدانهم وقلوبهم ألا ترى الله جل وعز يقول لكليمه صلى الله عليه وسلم (فخذها بقوة) والقوة هى الثقة بالله والاعتماد عليه, ولذلك قال بعضهم: عطاياه لا تحتملها إلا مطاياه. وقيل فى قوله: (فخذها بقوةٍ): أى خذها بى ولا تأخذها بنفسك, فالقوي من لا حول له ولا قوة, ويكون حوله وقوته بالقوي. انتهى. قلنا: فهذه الليلة تقتضي الجد والاجتهاد والعزم والحزم والتعرض للنفحات والتماس المنن والتبري من الحول والقوة فلنحرص عليها جميعاً ونسأل الله أن يوفقنا لها وفيها به لا بنا.
ويخطر للفقير أيضاً أن تنزلات ليلة النصف من شهر شعبان هي التنزلات الرحمانية والتنزلات في ليلة القدر هي التنزلات الرحيمية ولذا اختصت بليلة القدر هذه الأمة مع مشاركتها لغيرها في التنزلات الرحمانية في ليلة النصف من شعبان. ولما كانت تجليات الرحمة في تنزلات النصف من شعبان يغلب عليها التجليات الرحمانية رُوي عنه فيها صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان – وفيه قالت أمنا السيدة عائشة – إن صح الحديث - وسمعته يقول في سجوده : « أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ، جل وجهك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » ، فلما أصبح ذكرتهن له فقال : « يا عائشة تعلمتهن ؟ » ، فقلت : نعم ، فقال : « تعلميهن وعلميهن ، فإن جبريل عليه السلام علمنيهن وأمرني أن أرددهن في السجود » ، قال البيهقي: « هذا إسناد ضعيف وروي من وجه آخر » والشاهد في الحديث هو التعوذ بعفوه تعالى من عقابه وبرضاه من سخطه وبه منه فإن ذلك يناسب ما ذكرناه من الإنقسام الفرقاني وتنزل النفس الرحماني. ولما كانت تجليات ليلة القدر رحيمية فقد صح عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما، وانظر لفضل سيدتنا أم المؤمنين في معرفة دعاء الليلتين ولون التجلي فيهما، وهي رضي الله عنها أم للمؤمنين ورحم لا بد أن يوصل قطعه بعض من لا ذوق له ولا حظ في مثل هذا الكرم فرضي الله عنك أمي وأمنا سيدتنا عائشة وعن أبيك وعنا بكما. ومما خطر لنا أيضاً في هذا الخصوص أمر تحويل القبلة، فإنه قيل أنه في النصف من شعبان، وقيل في رجب، ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك، ولكن لما كان الكلام هذه الأيام عن هذا التحويل، وكانت لنا مشاركة سابقة باسم (من لطائف تكرار قوله تعالى: "فول وجهك شطر المسجد الحرام")، فقد وردت لنا بعض الخواطر في هذا الأمر أردنا أن نثبتها في هذا الموضع: المسجد الأقصى رمز للإنسان الكامل، لأن الحدث الأكبر الخاص به كان إمامة النبي صلى الله عليه وسلم فيه للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليلة الإسراء. والأنبياء هم الكمل، فكان المسجد عندنا رمزاً للإنسان الكامل، أما الكعبة فإن الشيخ إسماعيل حقي البروسوي في تفسيره قال: "الكعبة اشارة الى الذات الاحدية"، فكأنما كان الرسل قبله صلى الله عليه وسلم يستقبلون المسجد الأقصى إشارة لإئتمامهم برمزه وهو الإنسان الكامل الذي أعظم مظاهره هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك هو عين إتباعهم للميثاق الذي أخذ عليهم (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران : 81]، ثم لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم استقبل قبلة الأنبياء ليكون له بركة استقبال القبلتين، ولأن المسجد الأقصى رمز له، وهو حبيب الله، والحبيب إختار حبيبه إماماً للعالمين، ولكنه هو صلى الله عليه وسلم انصاع للأمر الإلهي وهو يحب أن يولي وجهه لحبيبه، فهو لا يرى إلا هو سبحانه، فكان توجهه إليه بكليته، ويتقلب بصره في السماء إنتظاراً لتحويل القبلة، ويجيب الحبيب حبيبه بما يرضيه قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) [البقرة : 144]. فيؤم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ويدخل بهم على ربه. وفي الجمع بين القبلتين الذي اختصت به الأمة المحمدية إشارة إلى اقتضاء المريد بشيخه (الإنسان الكامل) الذي يأخذ بيده ويقول له: "ها أنت وربك". وصلى الله على من لولاه ما عرف منا أحد، ولا ركع ولا سجد، وآله وصحبه عدد العدد والمدد، والحمد لله الواحد الأحد. | |
|