أمير جاد
عدد الرسائل : 3071 تاريخ التسجيل : 25/07/2007
| موضوع: الولاية - القشيري الثلاثاء سبتمبر 04, 2007 6:25 pm | |
| باب الولاية
قال الله تعالى: " ألا إنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " .
عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى: من آذى ولياً فقد استحل محاربتي،
وما تقرب إلى العبد بمثل أداء ما افترضت عليه،
ومايزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه،
وما ترددت في شيء أنا فاعلة كترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛
لأنه يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه.
الواليّ: له معنيان: أحدهما: فعيل بمعنى مفعول،
وهو من يتولى الله سبحانه أمره؛
قال الله تعالى: " وهو يتولى الصالحين " فلا يكله إلى نفسه لحظة،
بل يتولى الحق، سبحانه، رعايته.
والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل، وهو الذي يتوالى عبادة الله وطاعته،
فعبادته تجري على التوالي، من غير أن يتخللها عصيان.
وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليَّا:
يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء،
ودوام حفظ الله تعالى إياه في السراء والضراء.
ومن شرط الولي: أن يكون محفوظاً، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً،
فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخدوع.
سمعت الأستاذ أبا عليّ الدقاق رحمه الله،
قصد أبو يزيد البسطامي بعض من وصف بالولاية،
فلما وافى مسجده قعد ينتظر خروجه، فخرج الرجل، وتنخم في المسجد،
فانصرف أبو يزيد ولم يسلم عليه.
وقال: هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب الشريعة،
فكيف يكون أميناً على أسرار الحق؟!
واختلفوا في أن الولي: هل يجوز أن يعلم أنه وليّ، أم لا؟
فمنهم من قال: لايجوز ذلك؛ وقال: إن الولي يلاحظ نفسه بعين التصغير،
وإن ظهر عليه شيء من الكرامات خاف أن يكون مكراً،
وهو يستشعر الخوف دائماً أبداً؛ لخوف سقوطه عما هو فيه،
وأن تكون عاقبته بخلاف حاله، وهؤلاء يجعلون من شرط الولاية: وفاء المآل.
ومنهم من قال: يجوز أني علم الولي أنه وليّ،
هي: تعريف الحق إياه أنه مأمون العاقبة؛
إذ القول بجواز كرامات الأولياء واجب، وهو وإن قارفه خوف العقابة،
فما هو عليه من الهيبة والتعظيم والإجلال في الحال أتم وأشدّ؛
فإن اليسير من التعظيم والهيبة أهدأ للقلوب من كثير من الخوف.
ويدخل في جملته العلمُ بحقيقة الكرامات،
فإذا رأى الكرامات ظاهرة عليه لا يمكنه أن لا يميز بينها وبين غيرها،
فإذا رأى شيئاً من ذلك علم أنه في الحال على الحق.
ثم يجوز أن يعرف أنه في المآل يبقى على هذه الحالة،
ويكون هذا التعريف كرامة له. والقول بكرامات الأولياء صحيح.
وقيل: إن إبراهيم بن أدهم قال لرجل: أتحبُّ أن تكون لله ولياً؟
فقال: نعم، فقال: لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة؛
وفرغ نفسك لله تعالى، و أقبل بوجهك عليه ليُقبل عليك و يواليك.
وقال يحيى بن معاذ في صفة الأولياء:
هم عباد تسربلوا بالأنس بالله تعالى بعد المكابدة،
واعتنقوا الروح بعد المجاهدة، بوصولهم إلى مقام الولاية.
أبي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: أولياء الله تعالى عرائس الله..
و لا يرى العرائس إلا المحرومون. و هم مخدرون عنده في حجاف الأنس،
لا يراهم أحد في الدنيا و لا في الآخرة.
سمعت أبا بكر الصيدلاني - كان رجلاً صالحاً –
قال: كنت أصلح اللوح في قبر أبي بكر الطمستاني أنقر فيه اسمه
في مقبرة الحيرة كثيراً،
وكان يقلع ذلك اللوح ويُسرق!! ولم يقع مثله في غيره من القبور،
فكنت أتعجب منه،
فسألت أبا علي الدقاق، رحمه الله، يوماً عن ذلك فقال:
إن ذلك الشيخ آثر الخلفاء في الدنيا،
وأنت تريد أن تشهر قبره باللوح الذي تصلحه فيه،
وإن الحق سبحانه يأبى إلا إخفاء قبره، كما آثر هو ستر نفسه.
وقال أبو عثمان المغربي: الوليُّ قد يكون مشهوراً، ولكن لا يكون مفتوناً..
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول:
سمعت النصراباذي يقول: ليس للأولياء سؤال؛ إنما هو الذبول والخمول.
قال: وسمعته يقول: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء.
وقال سهل بن عبد الله: الوليّ: هو الذي توالت افعال علي الموافقة.
و كان يحيى بن معاذ: الولي لا يرائي، ولا ينافق، وما أقل صديق من كان هذا خلقه!!
و قال أبو علي الجوزجاني: الولي هو الفاني في حاله،
الباقي في مشاهدة الحق سبحانه،
تولى الله سياسته فتوالت عليه أنوار التولي،
لم يكن له عن نفسه إخبار ولا مع غير الله قرار.
وقال أبو يزيد: حظوظ الأولياء مع تباينها من أربعة أسماء،
وقيام كل فريق منهم باسم؛ وهو: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن،
فمتى فني عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام،
فمن كان حظه من اسمه تعالى الظاهر لاحظ عجائب قدرته
و من كان حظه من اسمه الباطن لاحظ ما جرى في السرائر من أنواره.
و من كان حظه من اسمه الأول كان شغله بما سبق،
و من كان حظه من اسمه الآخر كان مرتبطاً بما يستقبله،
و كل كوشف علي قدر طاقته إلا من تولاه الحق، سبحانه ببره،
وقام عنه بنفسه.
و هذا الذي قاله أبو يزيد يشير إلي أن الخواصّ من عباده ارتقوا عن هذه الأقسام،
فلا العواقب هم في ذكرها، ولا السوابق هم في فكرها،
و لا الطوارق هم في أسرها..
و كذا أصحاب الحقائق يكونون محواً عن نعوت الخلائق كما قال الله تعالى:
" وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود " .
وقال يحيى بن معاذ: الوليّ ريحان الله، تعالى، في الأرض،
يشمه الصديقون فتصل رائحته إلى قلوبهم فيشتاقون به إلى مولاهم،
و يزدادون عبادة على تفاوت أخلاقهم.
و سئل الواسطي: كيف يُغَذى الولي في ولايته؟
فقال: في بدايته بعبادته وفي كهولته بستره بلطافته،
ثم يجذبه إلى ما سبق له من نعوته وصفاته، ثم بذيقة طعم قيامه به في اوقاته.
و قيل: علامة الولي ثلاثة: شغلة بالله، وفراره إلى الله، وهمه إلى الله.
و قال الخراز: إذا أراد الله تعالى أن يوالي عبداً من عبيده فتح عليه باب ذكره،
فإذا استلذ الذكر فتح عليه باب القرب، ثم رفعه إلى مجالس الأنس به،
ثم أجلسه على كرسي التوحيد، ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية.
و كشف له عن الجلال والعظمة،
فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو فحينئذ صار العبد زمناً فانياً،
فوقع في حفظه سبحانه، وبرىء من دعاوى نفسه.
يقول: قاب أبو تراب النخشبي:
إذا ألف القلب الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في أولياء الله تعالى . و قالوا: من صفة الولي أن لا يكون له خوف؛
لأن الخوف ترقب مكروه يحل في المستقبل،
أو انتظار محبوب يفوت في المستأنف، والولي ابن وقته،
ليس له مستقبل فيخاف شيئاً.
و كما لا خوف له لا جراء له؛ لأن الرجاء انتظار محبوب يحصل أو مكروه يُكشف،
وذلك في الثاني من الوقت.
و كذلك لاحزن له؛ لأن الحزن من حزونة القلب،
ومن كان في ضياء الرضا وبَرَدَ الموافقة فأنى يكون له حزن؟!
قال الله تعالى: " ألا إنَّ أولياءَ الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون القشــــــــيري | |
|