القسم الرابع... وزراء المهدي
تتكامل دولة المهدي بعدد من الوزراء، أصحاب قدرات مخصوصة، يعينونه على القيام بأعباء ملكه. يقول ابن عربي مخبراً عن أعداء المهدي ومبايعيه ووزرائه: أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد، لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه. يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم. يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي. له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلّده الله.[18]
وقد أفرد ابن عربي باباً في الفتوحات المكية هو الباب السادس والستون وثلثمائة، عنوانه:
في معرفة منزل وزراء المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشّر به رسول الله(ص) وهو من أهل البيت.[19]
وهؤلاء الوزراء عددهم دون العشرة تأكيداً، لهم القدم الراسخ في الصدق، والمهدي أصدق أهل زمانه، فوزراؤه الهداة وهو المهدي، لذلك ينصره الله ومن تابعه، لأنّ النصر أخو الصدق حيث كان يتبعه.[20] ويدلّل ابن عربي على التصاق النصر بالصدق بعدم انهزام المسلمين قط، كما أنّه لم ينهزم نبي قط. ويرى ابن عربي أنّه حتى لو تقابل جمعان متناقضان في العقيدة، فالغلبة ليس لمن عقيدته حقّة بل الغلبة للصادق في قضيته وإن كانت باطلة.. لأنّ النصر أخو الصدق.[21]
ويتردد ابن عربي في إثبات عدد وزراء المهدي، ويربط عددهم بعدد سنيّ دولة المهدي. وحيث أنّ مدة إقامة دولته من خمس إلى تسع، فيكون وزراؤه لا أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة، لأنّه لكل عام في دولته أحوال مخصوصة، وعلم ما يصلح في ذلك العام خُصّ به وزير من وزرائه.[22] ويُقتلون كلّهم إلاّ واحداً منهم.
ولا يظلّ ابن عربي متردداً في عدد الوزراء، بل يحسم بالرقم تسعة إثر لقاء حمل إليه تعريفاً دون طلب منه، يقول: قيض الله واحداً من أهل الله تعالى وخاصته، يقال له أحمد بن عقاب اختصّه الله بالأهليّة صغيراً، فوقع منه ابتداءً ذكر هؤلاء الوزراء، فقال لي: هم تسعة، فقلت له: إن كانوا تسعة فإن مدة بقاء المهدي لا بدّ أن تكون تسع سنين.[23]
إن ما استفاد ابن عربي من أحمد بن عقاب هو عدد وزراء المهدي، أما ما تحتاجه دولة المهدي من علوم ويقوم به الوزراء، وبغض النظر عن عددهم، فهي تسعة علوم لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك[24] ويعرف ذلك ابن عربي دون الرجوع إلى أحد. وهذه العلوم التسعة هي:
1. نفوذ البصر.. وذلك ليكون دعاؤه إلى الله على بصيرة في المدعو إليه لا في المدعو، فينظر في عين كلّ مدعو ممن يدعوه فيرى ما يمكن له الإجابة إلى دعوته فيدعوه من ذلك.. فإنّ المهدي حجة الله على أهل زمانه.[25]
2. معرفة الخطاب الإلهي عند الإلقاء.. وهو قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً).[26] أما الوحي فهو ما يلقيه في قلوبهم على جهة الحديث، وأما قوله (أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ )فهو خطاب إلهي يلقيه على السمع لا على القلب فيدركه من أُلقي عليه فيفهم منه ما قصد به من أسمعه ذلك. وأما قوله( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) فهو ما ينزل به الملك أو ما يجيء به الرسول البشريّ الينا إذا نقلا كلام الله خاصة.[27]
3. علم الترجمة عن الله.. يكون المترجم خلاقاً لصور الحروف اللفظية أو المرقومة التي يوجدها ويكون روح تلك الصور كلام الله لا غير، فإن ترجم عن علم فما هو مترجم.[28]
4. تعيين المراتب لولاة الأمر.. وهو العلم بما تستحقه كل مرتبة من المصالح، فينظر صاحب هذا العلم في نفس الشخص الذي يريد أن يولّيه ويرفع الميزان بينه وبين المرتبة، فإذا رأى الاعتدال في الوزن من غير ترجيح لكفة المرتبة ولاّه، وإن رجح الولـي فلا يضرّه، وإن رجحت كفـة المرتبة عليه لم يولّه...[29] وهذا الميزان رمز لدور المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
5. الرحمة في الغضب... وهذا لا يكون إلا في الحدود المشروعة، لأن الإنسان إذا غضب لنفسه فلا يتضمن ذلك الغضب رحمة بوجه، أما إذا غضب لله فغضبه غضب الله سبحانه، وغضب الله لا يخلص عن رحمة إلهية تشوبه... وفي هذا السياق قال أبو يزيد البسطامي: بطشي أشدّ لما سمع القارئ يقرأ: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).[30] والسبب: إنّ بطش الإنسان بالإنسان لا رحمة فيه، أما بطش الله سبحانه فيأتي على رحمة سبقت. والمهدي لا يغضب إلا لله، فلا يتعدّى في غضبه إقامة حدود الله التي شرعها.[31]