حبيبة
عدد الرسائل : 27 تاريخ التسجيل : 04/03/2008
| موضوع: التصوف في الموسيقى الخميس سبتمبر 10, 2009 3:02 am | |
| التصوف في الموسيقى من الامور المحيرة والمعقدة في الاسلام هو موقف الدين من الموسيقى والفنون الجميلة الاخرى كالرسم والنحت، فما جاء في سورة لقمان يدل بمفهومه على مدح الصوت الحسن حسب وجهة نظر البعض ممن يحلل الموسيقى (او الغناء)، وقال هؤلاء: ان ما جاء في سورة فاطر (يزيد في الخلق من يشاء) اشارة الى الصوت الجميل ايضا) كما استندوا الى سورة الاعراف (31) لاثبات اباحة الغناء حيث وردت الاية الكريمة (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده)، وانشغل المتصوفون العرب منذ منتصف القرن الثامن الميلادي بالجانب الروحي للموسيقى فتدارسوا اسباب تأثر الناس بالصوت الجميل وقيل: (والاذن تعشق قبل العين احيانا) ودرس الباحثون من العلماء والفلاسفة العديد من الظواهر الموسيقية التي تؤثر على الانسان والحيوان، وقبل كل شيء تعمقوا في تفسير بعض الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، التي يستدل منها موقف محدد من الموسيقى كقوله تعالى: (آن انكر الاصوات لصوت الحمير) سورة لقمان، لقد استند الطرفان المتجادلان حول موقف الدين الاسلامي من الموسيقى بعد الآيات الكريمة الى عدد غير قليل من الاحاديث النبوية الشريفة وفتاوى علماء المذاهب والطوائف المختلفة. وفي احدث ما قيل في هذا الصدد هو ما جاء في قصيدة الباحث اللغوي الشيخ جلال الحنفي (امام وخطيب جامع الخلفاء)، التي القيت في حفل تكريم الفنان روحي الخماش مساء الاحد 1995/1/8 في قاعة الرباط ببغداد حيث يقول: ما وجدنا في حرمة الفن نصا في الصحيحين مسلم والبخاري انما الفن في الحضارات جذر مثمر في الجنى لذيذ الثمار لقد قيل ان المرجح في اللذة الموسيقية الى الشعور، فالاناء ينضح بما فيه، (والسماع لا يجعل في القلب ما ليس فيه). ويعني القسم الثاني من هذا القول العباسي ان هناك من يتأثر من الناس بالمعنى الروحي للموسيقى، وهناك من يسمع الى الصوت المادي للموسيقى فتدعوه الى الانحراف عما هو سليم ونافع. فالاستماع الى الاصوات المنغمة يجلوا الجوهر الذي صيغ من الرجل والمرأة، فان كان الجوهر نقيا اثار النقاء وان كان خبيثاً آثار الخبث. المتصوفون ينظرون الى الالحان والايقاعات كوسيلة من الوحي يعلون اليها عن طريق النشوة، ووصل البعض منهم كالغزالي الى اراء في سماع الموسيقى تتطابق مع اراء بعض الفلاسفة الاوربيين المعاصرين، (كشوبنهاور) القائل: (الموسيقى لغة الشعور واما الكلام فانه لغة العقل) فالموسيقى عند الغزالي هي الارادة الابدية نفسها ويستطيع الانسان بواسطتها ان يخترق الحجب، ويصل الى الخفي عن الانظار، حتى ان الموسيقار الالماني (بتهوفن) عرف الموسيقى على انها الحلقة التي تربط حياة الحس بحياة الروح، الحياة الباطنة بالحياة الظاهرة، حياة النظر والسمع والذوق واللمس والشم ومااليها... وقد تكون هناك بعض الاراء المتطرفة بعض الشيء بشأن الدور الذي تؤديه الموسيقى في المجتمع والحياة كنظرية الباحث النفسي (فرويد) التي تتميز برؤيا خاصة اذ يقول في نظريته: ان محتويات الموسيقى في الواقع رموز شهوانية لا غش فيها، وان نواتها احلام اليقظة، وذهب اتباع فرويد الى حد ابعد من ذلك فقالوا: ان ارتياح النفس البشرية للموسيقى، وهذا الشعور النرجسي وما يتمثل في الموسيقى من طرب وتوافق ونظم وتوازن، كل هذه رموز للعملية الجنسية في حركاتها التوافقية، فالخط البياني لمسار النغم كالخط البياني في عملية الجماع. ومن التفسيرات الفلسفية او النظرية للموسيقى قول دارون: (بنمو الموسيقى كوسيلة للجاذبية الجنسية)، لذا فهي متصلة باقوى المشاعر كالحب والتنافس والظفر وقيل: من فهم الالحان استغنى عن سائر اللذات). ان المتصوف او الصوفي الذي يقع تحت تاثير الموسيقى المباشر من خلال سماعه وتردده المتكرر لنموذج لغوي ايقاعي او جملة لحنية محددة او مقطع ايقاعي لحني فينتقل الى ما يعرف بحالة الوجد او النشوة او التجلي، وما اضطرابه وخروجه عن طوره الطبيعي الا وصولا الى مستوى معين من حالة الاستجابة الى المنبهات الموجودة في البيئة الخارجية نتيجة استقبال اعضاء الحس الخارجي، كالعين والانف والاذن لها والى مستوى معين من استجابة اعضاء الاستقبال الحسي الداخلي الموجود في ثنايا انسجة البدن الداخلية لمنبهات ضغط تلك الاعضاء الداخلية، وهكذا كانت نظرة الفيلسوف (نيتشه) الى الموسيقى اذا اعتبر انها ذات مقدرة سحرية هائلة على فتح افاق روحية جليلة، وتهيئة صور من صور الوجود جليلة سامية يستثيرها بما له من قوة ايحاء هائلة، واعتبر فن (فاجنر) كما خيلت اليه حينذاك، قادرة على تجديد الحضارة الانسانية، بل خلق حضارة سامية جديدة. وكذلك كانت نظرة رجال الدين في الكنيسة ومنهم القديس (مارتن لوثر) اذ نظر الى الموسيقى على انها من اعظم الهبات التي منحنا الله اياها وانها مقدسة، ولهذا فان الشيطان عدو لها وبمساعدتها يمكن تجنب الكثير من المغريات. كما ان الشرور لا تقيم حيث تكون الموسيقى، واعتبر لوثر الموسيقى من ارقى الفنون الجميلة، وان اصواتها تحكي كلمات الحياة، وتطرد كل الافكار الحزينة عن النفس اما في تقدير لوثر للموسيقيين فيقول: ان من يكون كفوءاً في هذا الفن، فانما هو انسان طيب يصلح لكل المهام الاخرى في الحياة، وذهب الكثير من المتصوفين العرب الى راي ان الاسلام قد غرس حب الجمال والشعور في اعماق كل مسلم، وايد الفن الجميل، واتفق معهم اخرون من رجال دين وعلماء، ولكن بشروط معينة بحيث ان الفن يصلح ولا يفسد، ويبني ولا يهدم، واستندوا في ارائهم على آيات عديدة من القرآن الكريم تنبه على عنصرين هما المنفعة والجمال في السماء والارض والحيوان والانسان، وتشرع الاستمتاع بالجمال او (الزينة) مع المنفعة ايضا ومن تلك الايات الكريمة قوله سبحانه وتعالى: (والانعام خلقها، لكم فيها دفء، ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) (سورة النحل). (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) ((النحل)). (افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج) ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين) ((الحجر)). ان الفنون الجميلة تنقلنا من الزائل الى الخالد ومن الخاص الى العام، واولئك الذين يهملون الفنون الجميلة، او حرموا من تذوقها تكون سعادتهم ناقصة في هذه الدنيا لانهم يحيون حياة هزيلة ينقصها ثراء الفن والتأمل الفني، واكبر ما يصيبنا عند ما لا نتذوق الاعمال الفنية ونجهل ذلك الاحساس المريح الذي يصيبنا، وذلك التطهير والتجلي الذي نرتفع اليه، هو ان اخلاقنا لا تسموا الى مستوى التأنق والجمال وكل ما هو نبيل من القيم والاعراف. ويتملكنا الاحساس الفني ونحن نؤدي عملاً او ننتج سلعة ننشد الجمال ايضا ونعالج القبح حتى يجمل، وبذلك نستطيع القول: ان الفضيلة فضيلة لانها جميلة وان الرذيلة رذيلة لانها قبيحة، وهذا خير ما نميز به الحق من الباطل، نحن نرفض كل فن لايعمل للحق والفضيلة لانه لايمكن ان يكون جميلاً. واما المؤلفات الموسيقية الرفيعة المؤلفة كحفلات الكونسرت والاوبرا والباليه والمهرجانات والاستعراضات العالمية، والموسيقى العربية الشرقية الاصيلة التي تثير في نفوسنا العواطف والافكار السامية الا دليل واضح على رفضنا للموسيقى المائعة لانها لا تثير فينا الخير والمحبة والجمال وانما تعمل على تخديرنا وبث الخمول والكسل واشارة الغرائز والشهوات.
المصدر: جريدة الصباح http://www.alsabaah.com/paper.php? source=akbar&mlf=interpage&sid=54186 | |
|