الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين . . .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
تبارك الله هو أحسن الخالقين .. .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أدى الرسالة ونصح الأمة وأخرجهم من الظلمات إلى النور
وبشرهم بجنة عرضها كعرض السموات والأرض . .
اللهم صل وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الأمين وعلى آله الصالحين وعلى أصحابه المجاهدين
.
يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }الشمس (7-10)
التصوف هو منهج التربية الروحى والسلوكى الذى يرقى به المسلم إلى مرتبة الإحسان التى عرّفها النبى صلى الله عليه وسلم
: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
رواه البخارى والإمام أحمد و مسلم .
فالتصوف هو : "التخلِّى عن كل دَنِى والتحلى بكل سَنِىّ " .
ويمكن تلخيصه فى كلمة واحدة هى {التقوى }
فالتقوى عقيدةٌ وخُلُق فهى معاملة الله بحسن العبادة ومعاملة العباد بحسن الخلق وروح التقوى هو { التزكى } قال تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}الأعلى (14) فقد إمتاز التصوف بالدعوة والجهاد والخلق والذكر والفكر والزهد وكلها مكونات التقوى .إن التصوف حقيقة من حقائق الدين الإسلامى فالدين لا يخرج عن ثلاث { الإيمان ، الإسلام ، الإحسان }فجميع الكتب السماوية لا تخرج عن ثلاث { التوحيد } وهو يقابل الإيمان ، { المعاملة } هى مقابل الإسلام ، {القصص} وهو مقابل الإحسان . وفى سنه النبى صلى الله عليه وسلم فى أفعاله وأقواله وتقريراته .
فالإيمان يقابل الأقوال والإسلام يقابل الأفعال والإحسان يقابل التقريرات .إن الله قيض فى كل ناحية من نواحيه رجالا قاموا ببحث كل ما ورد ...
فالفقهاء قاموا ببيان الأحكام الشرعية وعلماء التوحيد قاموا ببيان الإيمان والصوفية قاموا ببيان الإحسان .
إن الصوفية لم يُعرفوا إلا فى الأمة المحمدية أما فى الأمم السابقة فكانوا يعرفوا عند اليهود بالربانيين وعند النصارى قسيسين ورهبان .
قال الإمام الغزالى رضى الله عنه : إن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة وأن سيرتهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق بل لو جُمِعَ العقلاء والحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فإن جميع حركاتهم وسكناتهم فى ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة .
قال السهل بن عبد الله رضى الله عنه: الصوفى من صفا من الكدر وإمتلأ من العبر وإنقطع إلى الله عن البشر وتساوى عنده الذهب والمدر .
فائدة التصوف : هو إصلاح الإنسان ظاهراً وباطناً .
غايته : الفوز بأعلى المراتب فى الآخرة .
واضعه : العارفون الأخذون له عن النبى صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل .
نسبته : أنه فرع علم التوحيد واستمداده من الكتاب والسنة .
أسمه : علم التصوف .
حكمه : الوجوب .
يبحث : فى الفناء والتوكل والمحبة والرضا والمشاهده والمراقبة وغيرها .
يقول الإمام مالك رضى الله عنه :
من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق
ومن جمع بينهما فقد تحقق .
وكان الإمام الشافعى رضى الله عنه : يجالس الصوفية
فقيل له ما إستفدت من هؤلاء يا إمام قال :
إستفدت منهم قولهم الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك
وقولهم إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالسوء والشر
الطريق الصوفى هو المدرسة التى يتم فيها التطهير النفسى والتقويم السلوكى والشيخ هو القيم أو الأستاذالذى يقوم بذلك مع الطالب أو المريد .
فالنفس البشرية بطبيعتها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل : الكبر والعجب والغرور والأنانية والبخل والغضب والرياء والرغبة فى المعصية والخطيئة والرغبة فى التشفى والإنتقام والكره والحقد والخداع والطمع والجشع .
والطرق الصوفية ينبغى أن تتصف بأمور منها :-
• التمسك بالكتاب والسنة وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة .
• لا تعد الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة بل جوهرها .
وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث على جميعها القرآن الكريم :-
• الإهتمام بالنفس ومراقبتها وتنقيتها من الخبيث
قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }. الشمس (7-10)
• كثرة ذكر الله عز وجل قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً}الأحزاب (41)
وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
" لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله " .
أخرجه أحمد والترمذى وبن ماجه وبن حبان والحاكم المستدرك
.
• الزهد فى الدنيا وعدم التعلق بها والرغبة فى الآخرة .
قال تعالى : {وَمَا الْحَيَاةُ اِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَ لَلَدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} الأنعام (32)
فالزهد عند الصوفية أن كَوْنَ الدنيا فى يده لا فى قلبه
ومن أعلام التصوف أبو الحسن الشاذُلِىّ رضى الله عنه كان صاحب تجارات ومزارع وهذا شمس الدين الدمياطى كان تاجراً من أثرى علماء الصوفية
وكذلك الليث بن سعد فقيه مصر وإمام زهادها كان أثرى أهل عصره
ولم تمنع هؤلاء أموالهم أن يكونوا أزهد الناس فى الدنيا إذا شغلتهم عن الله
ولكنها لم تشغلهم بعد بل كانت طريقهم إليه عز وجل
و كذلك الشيخ صالح الجعفرى رضى الله عنه فى الأزهر الشريف فى رواق المغاربة وكانت له حجرة مبنية من حقائب السفر الكبيرة وبها سرير من جريد ينام عليه وما فى الحجرة من متاع الدنيا إلا القليل وكان من كبار الصوفية ومؤسس الطريقة الجعفرية الأحمدية المحمدية
وكان فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم أعيان الزاهدين من الصحابة مثل بلال وسلمان وأبوذر وتميم الدارى وقد زهد {العُمَرين } بن الخطاب وبن عبد العزيز بعد سيــدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت الدنيا فى أيديهم ولم تكن فى قلوبهم فاستغنوا برب الدنيا عن الدنيا وما فيها ومن فيها .
إن الذى يملك هو الذى يزهدأما الذى لا يملك ففى أى شىء يزهد .
أما عن الشيخ الذى يلقن المريدين الأذكار فيعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث وشفاء قلوبهم من الأمراض فهو القيم أو الأستاذ الذى يرى منهجاً معيناً هو الأكثر تناسباً مع هذا المريض . أو تلك الحالة أو هذا المريد أو الطالب وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلى الله وفقاً لتركيبه نفس الشخص المختلفة فيأتيه رجل ويقول له
: يا رسول الله أخبرنى عن شىء يبعدنى عـن غضب الله فيقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا تغضب " أخرجه البخارى و الترمذى
ويأتيه آخر يقول أخبرنى عن شىء أتشبث به
فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله " أخرجه الإمام أحمد والترمذى وبن ماجه وبن حبان والحاكم فى المستدرك.
وكان من الصحابة رضى الله عنهم من يكثر من القيام بالليل ومنهم من يكثر من قرأة القرآن ومنهم من كان يكثر من الجهاد والصدقة والذكر .
وهذا لا يعنى ترك شىء من الدنيا وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلى الله توصله إلى الله عز وجل وعلى أساسها تتعدد أبواب الجنة ولكن فى النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة .
يقول النبى صلى الله عليه وسلم: " لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون بذلك العمل ولإهل الصيام باب
يدعون منه يقال له الريان " . أخرجه الإمام أحمد والبخارى ومسلم
فكذلك الطرق تتعدد المداخل والأساليب وفقاً للشيخ والمريد نفسه فمنهم من يهتم بالصيام ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر ولا يهمل الصيام وهكذا .
ما ذُكر يبين التصوف الحق والطريقة الصحيحة والشيخ الملتزم بالشرع والسنة وعَلِمْنَا سبب تعدد الطرق لتعدد أساليب التربية والعلاج وإختلاف المناهج الموصلة ولكنها تتحدد فى المقصد فالله هو مقصود الكل ولا يفوتنا أن ننبه أن ذلك الكلام لا يتنطبق على أغلب المدعين للتصوف الذين يشوهون صورته ممن لا دين لهم و لا صلاح الذين يقومون يرقصون فى الموالد ويعملون أعمال المجاذيب المخرفين فهذا كله ليس من التصوف ولا الطرق الصوفية فى شىء .
وإن التصوف الذى ندعو إليه لا علاقة له بما يراه الناس من مظاهر سلبية سيئة ولا يجوز لنا أن نعرف التصوف ونحكم عليه من بعض الجهلة المدعين وإنما نسأل العلماء الذين يمتدحون التصوف حتى نفهم سبب مدحهم لهم .
وأخيراً يرد على من يقول : لماذا لا نتعلم أداب السلوك وتطهير النفس من القرآن والسنة مباشرة فهذا كلام ظاهرة فيه رحمة وباطنة من قبله العذاب لإننا ما تعلمنا أركان الصلاة وسننها ومكروهاتها بقراه القرآن والسنة وإنما تعلمنا ذلك من علم يقال له علم الفقة صنفه الفقهاء وإستنبطوا كل تلك الأحكام من القرآن والسنة فماذا لو خرج علينا من يقول نتعلم الفقة وأحكام الدين من الكتاب والسنة مباشرة ولن تجد عالماً واحداً تعلم الفقة من الكتاب والسنة مباشرة . وكذلك هناك أشياء لم تذكر فى القرآن والسنة ولابد من تعلمها على الشيخ ومشافهته ولا يصلح فيها الإكتفاء بالكتاب كعلم التجويد بل والإلتزام بالمصطلحات الخاصة به فيقولون مثلا { المد اللازم سته حركات } فمن الذى جعل ذلك المد لازماً ومادليل ذلك ومن ألزمه الناس . إنهم علماء هذا الفن .
كذلك علم التصوف علم وضعه علماء التصوف من أيام الإمام الجنيد رضى الله عنه فى القرن الرابع إلى يومنا هذا ولما فسد الزمان وفسدت الأخلاق فسدت بعض الطرق الصوفية وتعلقوا بالمظاهر المخالفة لدين الله فتوهم الناس أن هذا هو التصوف والله عز وجل سيدافع عن التصوف وأهلة وسيحميهم بقدرته .
قال تعالى : {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا اِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}الحج (3
يقول الشيخ الشعراوى رضى الله عنه : إن الصوفى هـو الذى يتقرب إلى الله بفروض الله ثــم يزيدها بسنه الرسول صلى الله عليه وسلم من جنس ما فرض الله وأن يكون عنده صفاء فى إستقبال أقضية العبادة فيكون صافياً لله والصفاء هو كونك تصافى الله فيصافيك الله . إن الشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة جاءت بتعريف الحق . فالشريعة أن تعبده والطريقة أن تقصده والحقيقة أن تشهده .
"وإعلم أن الشريعة ليست الإ الحقيقة والحقيقة ليست الإ الشريعة فهما شىء واحد لا يتم أحد جزئيه الإ بالآخروقد جمع الحق تعالى بينهما ومحال أن يفرق إنسان ما جمعه الله ثم تأمل قول لا إله إلاالله هذه حقيقة ومحمد رسول الله هذه شريعة فلو فرق بينهما أحد هلك فإن من رد الحقيقة أشرك ومن رد الشريعة ألحد" للشيخ / محمد زكى إبراهيم رضى الله عنه فى كتاب أبجدية التصوف الإسلامى .
ولعل فيما ذكر بياناً لمعنى التصوف والطريقة والشيخ وسبب تعدد الطرق ...
ولماذا لا نتعلم السلوك وتنقية النفس من ذلك العلم المسمى بالتصوف
ونأخذه على المشايخ ولا نرجع مباشرة إلى الكتاب والسنة ونسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا ... والله تعالى أعلى وأعلم