بصمات ابن عربي في مصر!
عندما نتناول تاريخ الفكر الإسلامي عامة والتصوف خاصة، نجد للمعلِّم الأكبر "محيي الدين بن عربي المرسي"، (560هـ/1165م-638هـ/1240م) تأثيرا كبيرا في التصوف الإسلامي ليس في زمنه فقط بل إلى الآن، ويعتبر ابن عربي أحد أبرز المفكرين المسلمين الذين حظيت أعمالهم بالدراسة والترجمة في مختلف أنحاء العالم.
وبالرغم من الترجمات والدراسات التي حظيت بها أعماله إلا أنه لم يلق أحد الضوء على العلاقة بين ابن عربي ومصر، فهناك تيار مصري ترك بصمته على "ابن عربي" من خلال علاقته بـ"ذي النون المصري" المتصوف المصري الشهير، وأيضا تأثيره في شعر "ابن الفارض" الشاعر المصري، بالإضافة إلى التأثير الواضح له في الفكر المصري المعاصر
ومن هنا انطلق المؤتمر الدولي "ابن عربي في مصر" ملتقى الشرق والغرب الذي عقد في القاهرة في الفترة من 13 إلى 16 ديسمبر تحت رعاية دار الكتب والوثائق المصرية، وجامعة الأزهر، والسفارة الإسبانية بالقاهرة، ودار الأوبرا المصرية، وضم أكثر من 25 عالما وباحثا متميزين في مجال التصوف الإسلامي بصفة عامة وابن عربي بصفة خاصة، جاءوا من بلاد مختلفة ليتحاوروا ويتناقشوا في الجوانب المختلفة لفكر ابن عربي وعلاقته بمصر على وجه الخصوص في أول مؤتمر دولي يحدث في مصر ويتناول هذه العلاقة.
والجديد في المؤتمر أنه غير قاصر على الحضور فقط بل تم متابعته على الإنترنت من خلال موقع المؤتمر الذي قام بعرض الجلسات مباشرة من القاهرة، وسيظل مفتوحا لمدة عامين.
المشاركون
شارك في المؤتمر الكثير من الشخصيات المهتمة بابن عربي ومن أبرزهم الكاتب المصري المعروف جمال الغيطاني؛ حيث شارك بورقة بحثية بعنوان: "الإبداع تحت ظلال ابن عربي". وأيضا نجد عدة مشاركات متميزة من مؤسسات أجنبية تهتم بعمل ترجمات وأبحاث علمية ومناقشات حول فكره وأعماله ودوره في الفكر الإسلامي ولاسيما الفكر الصوفي، ومن أبرزهم "مجتمع ابن عربي" ومقره إنجلترا الذي قدم عدة أبحاث وترجمات لأعمال ابن عربي على مستوى العالم، وأصبح من أهم المصادر الخاصة بابن عربي؛ لما يحتويه من أبحاث وترجمات مختلفة لأعماله.
ومن أبرز المشاركين من "مجتمع ابن عربي" سيسليا توينش "الباحثة والمترجمة لأعمال ابن عربي" والتي قالت عنه: "إن مجتمع ابن عربي الذي أنشأ عام 1997 يهدف إلى نشر فكر ابن عربي بجميع لغات العالم؛ وذلك من خلال ترجمة أعماله، كما يهتم بعمل أبحاث حول فكره وذلك للرد على الرافضين له، فابن عربي فكره يربط بين كل الأديان السماوية، ويدعو إلى المحبة، ولذلك ساهمنا في هذا المؤتمر لفتح جسور بيننا وبين المصريين في محبة ابن عربي. قدمنا الكثير من الندوات حول ابن عربي ونكون سعداء بسماع آراء مختلفة حوله، ونسعى للرد عليها فنحن مجتمع مفتوح واجتمعنا على حب ابن عربي، ولدينا هدف آخر هو أن يعرف الشباب من هو ابن عربي، ونسعى لذلك من خلال تقديم جريدة تصدر مرتين في العام تتضمن مقالات وأبحاث عن ابن عربي، ونهدف بها الوصول إلى كل الناس والشباب ونشر فكر ابن عربي".
وعن أعضاء ونشاط "مجتمع ابن عربي" تقول: "لا نهتم بدين أو سن العضو فلدينا أعضاء يهود ومؤمنون بفكر ابن عربي ومسيحيون ومسلمون، المهم لدينا هو تقبل فكره، ولسنا من إنجلترا فقط بل لدينا أعضاء في كل دول العالم ومنهم من قدم ترجمات كثيرة ودراسات متخصصة جبنا فيها بلادا كثيرة للبحث عن مخطوطات ابن عربي، ففكره هو اللغة المشتركة بيننا ولذلك نسعى إلى ترجمة أعماله بكل لغات العالم". وتقول حول المعارضين لفكر ابن عربي: "هؤلاء على اختلاف أفكارهم ودياناتهم لم يبذلوا أي مجهود لقراءة ابن عربي؛ فنصوصه ليست بالنصوص السهلة فهي تحتاج إلى تأمل وإلى فهم واع، وإذا تأمل أي شخص في نصوص ابن عربي فسوف يلمح إيمانه بالمحبة والتسامح بين كل الأديان وهذا ما جاء به موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم".
البرازيل
بالإضافة إلى المشاركات الإنجليزية والفرنسية نجد المشاركة البرازيلية والتي تمثلت في الأبحاث التي قدمها باحثون عبر موقع المؤتمر على الإنترنت، وحضرت ممثلة عنهم إليزا توليدو إحدى منظمي المؤتمر، وأكدت "أن لابن عربي شعبية كبيرة في البرازيل وكثير من الدراسات العلمية كتبت عنه وعن تأثيره في الفكر الإنساني عموما، وجئت من بلادي خصوصا لكي أستمع إلى الدراسات المتميزة التي عرضت خلال جلسات المؤتمر المختلفة، وسوف نضع كل الأبحاث العربية والأجنبية في موقع مجتمع ابن عربي؛ فهذا الموقع يحوي الكثير والكثير حول فكر ابن عربي المتميز".
ولم يغفل المؤتمر أثر نصوص ابن عربي في ورثته ولاسيما المتصوفات، ومن أبرزهم "ست العجم بنت النفيس البغدادية"، تلك المتصوفة التي عاشت بالقرن الثالث عشر وقامت بشرح الأسرار القدسية والأنوار الإلهية لابن عربي، فهي كما تعرف نفسها: "أنا امرأة عامية أمية خالية من كل العلوم ما خلا العلم بالله تعالى". وأوضحت الباحثة العربية فاطمة الزهراء نقاط التميز للمرأة المتصوفة الوارثة لابن عربي في شرح نصوصه ودلالة كونها امرأة أمية متصوفة في شرحها لنصوص ابن عربي، وأيضا دورها في تاريخ التصوف الإسلامي.
محاور
ركز المؤتمر على أربعة محاور الأول عن "ابن عربي في مصر"؛ وذلك في الدراسات التي تناولت علاقة ابن عربي والطريقة الشاذلية، مع إلقاء الضوء على ابن عطاء السكندري وتأملات في قباب مصر وموالدها من خلال نصوصه، وأيضا في قراءة في دراسات أبي العلا عفيفي (الذي يعد واحدا من أقدم دارسي ابن عربي) وعلاقة ابن عربي بابن الفارض، والمقاربة بينهم، وأخيرا موقف المتكلمين المصريين المتأخرين من ابن العربي.
والمحور الثاني تضمن الإبداع الشعري لابن عربي وفيه دراسة لجماليات السرد في نصوصه ولغة الرمز والإشارة في أشعاره. والمحور الثالث يهتم بأثر ابن العربي في الثقافة الإسبانية؛ وذلك من خلال دراسة لكتاب "فصوص الحكم" ومدى أثره في الثقافة الإسبانية ودراسة لابن عربي كفقيه ظاهري وعرض مخطوطات من حياة ابن عربي تجسد حياته وخصوصا حياته في الأندلس.
وأخيرا المحور الرابع الذي يهتم بفلسفة ابن عربي الصوفية، وتضمنت الأبحاث تأويل القصص القرآني لدى ابن عربي والسيميولوجيا العرفانية، ووحدة الوجود في مذهب ابن عربي، وقراءة ابن تيمية لابن عربي.
آيات الحبال
صحفية مصرية