شرح:( قال رب اغفرلي...)لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم
شرح آية:( قال رب اغفر لي ...)
للشيخ المبجل و الفقير إلى الله تعالى سيدنا ومولانا
الشيخ باسل صالح جرار
رضي الله تعالى عنه وأرضاه
شرح:( قال رب اغفرلي...)لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه 690774

شرح:( قال رب اغفرلي...)لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه 690774

شيخ ومؤسس الطريقة النورانيةالمحمدية الربانية الإلهية
ببيت المقدس ـ أرض الإسراء والمعراج

الحمد لله رب العالمين حمدا ًكثيرا ًطيبا ًمباركا ًفيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت مما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، أنت أهل الثناء وأهل المجد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، شهادة ًمبرّأة ًمن الشك والتهم، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد العرب والعجم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أفضل الأمم، الحمد لله الذي أنار الوجود بسيد الوجود - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد،،،

يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} ص/ ٣٥.
هذه آية عظيمة في كتاب عظيم نزلت على نبي عظيم بطلب نبي عظيم فيها من المعنى العظيم. لقد أبدع المفسّرون فيها ولكن لا يمكن لأحد أن يوفيها حقها، كيف لا!! وهي كلام الله سبحانه وتعالى، ولكن للأسف منهم من أخذ الآية فقط من ظاهرها وكاد البعض منهم أن يَنسِب السوء لنبي الله عز وجل سيدنا سليمان عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام بقوله أنه حَجَّر ذلك الأمر بذلك الطلب وهذا بعيد كل البعد عن ذلك المعنى لأن الآية تحمل في طيَّاتها من المعنى وخصوصا من معاني الرحمة التي لا توصف. طبعا سيدنا سليمان عليه السلام بدأ الطلب بطلب المغفرة له حتى يكون طلبه خارجاً من أدب عظيم جدا، فطلب الاستغفار والمغفرة قبل الطلب، ولولا أنه هُيِّء لهذا الطلب من الله سبحانه وتعالى ما طلب، فحاشا أن تطلب الأنبياء ما تعلم أن ليس لها ذلك، فما طلب إلا ما أراد الله سبحانه وتعالى وما تعدَّى ذلك. إذاً كما قلنا قدَّم الأدب قبل الطلب لعلمه أن الإنسان لا يأتي منه إلا التقصير في الحضرة، فقدَّم العذر على ذلك ومن ثُم طلب طلبه، وليس له مطمع نفس أو حظ في ذلك إنما طلبه من الله لله سبحانه وتعالى. لقد بدأ سيدنا سيدنا سليمان عليه السلام طلبه من حضرة الوهب بقوله هب لي لأن طلبه لا يمكن له أن يكون بالكسب بأي طريقة ممكنة لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى فهو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الذي بيده أن يوهب من يشاء وكيف يشاء، ومن البديهي أن النبوة أعظم من أي ملك دنيوي مهما كان ومهما عَظُم ومن كان نبيا لا بد وأن تكون الأسرار بيديه من الله سبحانه وتعالى لأي شيء ولو دعا الله عز وجل بأي شيء لكانت إجابته سريعة جدا أكثر من أي مخلوق فهو أقرب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى في زمانه ونبي ذلك الزمان، فطلبه مع ما هو عليه شيء بسيط. ولكن لأن سيدنا سليمان عليه السلام أعلم الناس بزمانه وبالأمة التي هو فيها التي يكثر فيها السحر وظهور الجن والفساد وكان التعامل بين الإنس والجن في ذلك الوقت واضح للعيان وظاهر بشكل ملحوظ، لا يأتي أحد ليقول أن الله عز وجل خلقهم لا يُرَوْن فإنهم يتشكلون كيفما شاءوا. فكانوا يظهرون على الإنس ويقدِّمون لهم الخدمات الكثيرة لفسادهم ولبعدهم عن الله سبحانه وتعالى وعما جاء به سيدنا داوود وسيدنا سليمان عليهما وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام ولذلك طلب هذا الطلب من الله سبحانه وتعالى رحمة بالأمة التي هو فيها وتحجيماً لظهور الجن على الإنس وحفظاً لأمته وتقليلاً لفسادها، فسسدنا سليمان عليه السلام يعلم علم اليقين أنه سيكون بعده أفضل الأنبياء والمرسلين وسيكون بيده من الله سبحانه وتعالى طلب سيدنا سيلمان وطلب غيره وسيكون مالكا بالله سبحانه وتعالى، فهل يتجرأ سيدنا سليمان عليه السلام بأن يُقْدِم على طلب يكون فيه حجر على من هو أفضل منه عند الله سبحانه وتعالى وهم أهل المعرفة والعلم بالله سبحانه وتعالى؟ لا يمكن ذلك على الإطلاق إنما كان طلب سيدنا سليمان عليه السلام من الله عز وجل ذلك الطلب ليس لنفسه وإنما أن يجعل الله سبحانه وتعالى ملك هذه الأمور وأسرارها لسيدنا سليمان عليه السلام ولمثل سليمان أي من كان شبيها لسيدنا سليمان عليه السلام عند الله سبحانه وتعالى، فشبيه الشيء منجذب إليه، وكأنك ترى - لا ينبغي لأحد من بعدي إلا لمن هو مثلي وشبيه إلي- وهي حفظا للأنوار وللأسرار والدليل على ذلك الذي كان مع سيدنا سليمان عليه السلام آصف بن برخيا عندما كان مثل وشبيها ومرآة لسيدنا سليمان ملَّكه الله عز وجل من الأسرار العظيمة التي لا يمتلكها إلا نبي أو ولي عظيم عند الله سبحانه وتعالى فكيف يكون ذلك لو كان الأمر في طلب سيدنا سليمان عليه السلام التحجير؟ والذين يحتجُّون بحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بما معناه بقوله حاول شيطان أن يفسد علي صلاتي فمسكته بيده حتى وجدت برد لعابه على يدَيْ فأردت أن أربطه بسارية المسجد لتروه فتذكرت دعوة أخي سليمان فتركته، أصلا يجب أن يُفْهَم من الحديث أن طلب سيدنا سليمان عليه السلام ليس تحجيرا وإلا لما استطاع سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مسكه والسيطرة عليه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لم يرد الظهور بذلك ليكون ظهور الأمر بهذا الأمر لسيدنا سليمان عليه السلام. ولا يجب أن ننسى لهذا الطلب علاقة عظيمة بقصة إسلام بلقيس مع سيدنا سليمان عليه السلام وما فعل لها من صرح وغير ذلك وهذا يدلك على علم سيدنا سليمان عليه السلام بالأمر،،، أمر بلقيس وإنما الهدهد لموعد ظهور الوقت . والآن اسمع أيضا في حضرة التجلي الأعظم في حقيقة الأمر أن الأنبياء والرسل مرائي للنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وهم فروع وهو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الأصل، ففي حضرة تجلٍّ رجع الفرع إلى الأصل وغاب الظل بصاحبه هناك تم الطلب لعلمه بما له من الله سبحانه وتعالى ولأنه لا يمكن لأحد أن يكون له ذلك وتلك الملكية إلى الأصل، فعندما الفرع بالأصل غاب تم الوهب من الوهَّاب. فالأمر ترى كأنه توريث للصلاح وللكمال وهذا موجود، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام طلبوا من الله سبحانه وتعالى توريث البعض للصلاح كسيدنا موسى بطلبه من الله لهارورن عليه السلام وسيدنا زكريا بطلبه يحيى من الله سبحانه وتعالى بقوله يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. وقول سيدنا يعقوب لسيدنا يوسف ويتم نعمته عليك وعلى أبويك من قبل ابراهيم واسحق. فمن هنا أراد سيدنا سليمان أن تُقَيَّد هذه الملكية بشبيهه ومن هو مثله. وطبعا من المعروف أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام تمنى أن يكون من أمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لما لها من كرامة عند الله سبحانه وتعالى لأجل سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالأنبياء تعلم أنه سيكون بعد النبي أولياء في أمته عظماء مُمَدُّون من الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم فأراد أن يكون له نصيب في ذلك في مد الأولياء بالنبي بما عنده من أسرار سليمانية عن طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فكل ولي على قدم نبي. ودعوة سيدنا سليمان عليه السلام سهلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دعوته ورسالته لأنه حجّم أمر الفساد وظهور الجن إلى زمانه وإلا لكان منتشرا بكثرة مما يسبب عراقيل وصعوبات في دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لكل نبي دعوة دعا بها إلا أنا فقد أدخرتها لأمتي يوم القيامة. فهذه دعوة سيدنا سليمان عليه السلام كانت لله بالله سبحانه وتعالى، فلو علمت ما جرى في أمة سيدنا سليمان عليه السلام بعد وفاته من الفساد لعلمت كم أنه على حق بما طلب من الله سبحانه وتعالى. وهذا يعلمنا كيف يجب أن تكون رحمتنا بأمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأن ندعوا الله عز وجل بما يصلحها ويرفع قدرها عنده ويعيدها إلى أمجادها وعزها وكذلك يجب على كل مسلم أن يطلب من الله عز وجل أن يكون ذا أنوار وأسرار وأن يسعى بمجاهدة نفسه ليكون من أهل الكمال وأن يكون له ملكية بالله سبحانه وتعالى. ويجب أن تعلم من طلب سيدنا سليمان عليه السلام ما طلب بعد طلب المغفرة بأنه لا يتم الترقي إلا بعد التنقي نقاء ثم إرتقاء، اسعَ في طهارة القلب والقالب لكي تكون على قدر الطلب والملكية التي ستمتلكها من الله سبحانه وتعالى فمن هنا اطلب المغفرة على التقصير في الطاعة والعبادة قبل أن تدخل بها لكي تجبر ما سيكسر ولكي تكون عند الله عز وجل مقبولا، ومن أظهر لله عز وجل عجزه وضعفه كان قويا به سبحانه وتعالى. فسيدنا سليمان عليه وعلى رسولنا افضل الصلاة والسلام لا يدعو إلا بما يوافق العلم الإلهي والإرادة الربانية، وهنا أراد التمييز أن يكون فقط مميزا عند الله سبحانه وتعالى وعند خلقه كي يذكر بها التميز لله بالله عز وجل. وعلى الإنسان الصادق أن يطلب الوهب بالكسب فهذا دليل على صدق طلبه ولذلك إذا وهبك الله سبحانه وتعالى شيئا خاصاً يجب عليك أن لا تفضي منه شيء لأحد إلا لمن هو مثلك أو سيعلو عليك، فحقيقة الوهب يقع على الروح والقلب ومن ثم على العقل ومن ثم على النفس لكي يثمر فيها وتنتفع بهذا الوهب الرباني. فحقيقة جميع ماخلق الله سبحانه وتعالى يعيش بالوهب الإلهي لأن وجوده وهب، فنعمة الإيجاد والإمداد والإسعاد من الوهب الإلهي، ولولا أنه وهبك القدرة على الكسب على أن تفعل الأمور الكسبية لن تستطيع أن تفعلها فافهم هذا،،، فحياتك كلها وهب منه عزوجل. وهناك الكثير من الآيات التي وردت في الكتاب الحكيم التي يتكلم فيها الحق سبحانه وتعالى عن الوهب كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }مريم/٥٣، وتكلم على لسان الأنبياء كقوله: { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً }مريم/٥، وعلى التعامل بين الخلق بهذا المعنى كقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الأحزاب/٥٠، ولا يجب أن يكون هناك أي معترض مهما كان نوع هذا الاعتراض على وهب الله عز وجل لأحد خلقه مهما كان هذا المخلوق في عين الخلق فما وهبه إلا وهو في عين الخالق على قدر هذا الوهب فالله عز وجل يقول: { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ} ومن هنا ترددت كلمة الوهب في كثيرمن الآيات على اختلاف معانيها، وإذا وهبك الحق سبحانه وتعالى شيئا نادرا ما يُسلب. فيجب المحافظة على ما وهبك الحق سبحانه وتعالى وأن تستعمله لله سبحانه وتعالى وما فيه مصلحة هذه الأمة .
أسأل الله عز وجل من فضله الكريم ومنِّه الجسيم أن يمنَّ علينا برضاه ويهبنا محبته...

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

» شرح آية(فبما رحمة من الله..) لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه
» اسئلة واجوبتها حول التصوف لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه
» درس المعاني الاصيلة لمفهوم التوسل والوسيلة لسيدي الامام الباسل رضي الله عنه
» درس (اهل القرآن هم أهل الله وخاصته) لسيدي الإمام الباسل رضي الله تعالى عنه
» (الكينونات الاربع) لسيدي الباسل رضي الله عنه