موقف الدلالة
أوقفني في الدلالة وقال لي المعرفة بلاء الخلق خصوصه وعمومه وفي الجهل نجاة الخلق خصوصه وعمومه.
وقال لي معرفة لا جهل فيها لا تبدو، جهل لا معرفة فيه لا يبدو.
وقال لي أدني ما يبقى من المعرفة اسم البادي.
وقال لي عرفني إلى من يعرفني يراني عندك فيسمع مني، ولا تعرفني إلى من لا يعرفني يراك ولا يراني فلا يسمع مني وينكرني.
وقال لي إذا عرفت من تسمع منه عرفت ما تسمع.
وقال لي لن تعرف من تسمع منه حتى يتعرف إليك بلا نطق.
وقال لي إذا تعرف إليك بلا نطق تعرف إليك بمعناه فلم تمل في معرفته.
وقال لي أنكرتني كل معرفة لم أشهدها أنني جاعلها، وهربت إلي كل سريرة لم أشهدها أنني مطالبها.
وقال لي خوف كل عارف بقدر ما استأثرت معرفته بنفعه في معرفته.
وقال لي كل أحد تضره معرفته إلا العارف الذي وقف بي في معرفته.
وقال لي إن عرفتني بمعرفة أنكرتني من حيث عرفتني.
وقال لي إذا ذكرتني عند الواقف فلا تصفني يطلع عليك ما استودعته من أنواري.
وقال لي أطرد عني كل من لم يرني تظفر بالحيوة بين يدي.
وقال لي من سألك عني فسله عن نفسه فإن عرفها فعرفني إليه وإن لم يعرفها فلا تعرفني إليه فقد غلقت بابي دونه.
وقال لي المعارف المتعلقة بالسوى نكر في المعارف التي لا تتعلق به.
وقال لي لو أحبني الجاهل لعفوي عما جهل ولو أحبني العالم لجودي عليه بما علم فالجاهل يعلم عفوي ولا يشهده فيحبني بإشهاده والعالم يعلم عطائي وجودي ويشهد في جريرته مواقع عفوي فيحبني لما شهد.
وقال لي من أحببته أشهدته فلما شهد أحب.
وقال لي المعرفة نار كل المحبة لأنها تشهدك حقيقة الغنى عنك.
وقال لي الوقفة نار تأكل المعرفة لأنها تشهدك المعرفة سوى.
وقال لي الشهوة نار تأكل الوقار ولا طمأنينة إلا فيه ولا معرفة إلا في طمأنينة.
وقال لي الهوى يأكل ما دخل فيه.
وقال لي الجزاء مادة الصبر إن انقطعت عنه انقطع.
وقال لي الصبر مادة القنوع إن انقطعت عنه انقطع.
وقال لي القنوع مادة العز إن انقطعت عنه انقطع.
وقال لي سرت الدلالة إلا إلي فلا دليل يعلم ولا مدلول يسلك.
وقال لي الدال كالطالب فانظر على ماذا تدل فإنك طالبه وبطلبك آخذ.
وقال لي الخوف مصحوب المعرفة وإلا فسدت، والرجاء مصحوب الخوف وإلا قطع.
وقال لي مصحوب كل شيء غالب حكمه وحكم كل شيء راجع إلى معنويته ومعنوية كل شيء ناطقة عنه ونطق كل شيء حجابة إذا نطق.
وقال لي المعرفة الصمتية تحكم والمعرفة النطقية تدعو.
وقال لي الحكم كفاية والدعاء تكليف.
وقال لي اردد إلى كل قلب ينصح لي في الموعظة.
وقال لي إن رددت القلوب إلى الذكرى فما رددتها إلي.
وقال لي أنا العزيز الذي لا يهجم عليه بذكره ولا يطلع عليه بتسميته.
وقال لي أنا القريب الذي لا يحسه العلم، وأنا البعيد الذي لا يدركه العلم.
موقف حقه
أوقفني في حقه وقال لي لو جعلته بحراً تعلقت بالمركب
فإن ذهبت عنه بإذهابي فبالسير فإن علوت عن السير فبالساحلين
فإن طرحت الساحلين فبالتسمية حق وبحر
وكل تسميتن تدعوان والسمع يتيه في لغتين فلا على حقي حصلت ولا على البحر سرت،
فرأيت الشعاشع ظلمات والمياه حجراً صلداً.
وقال لي من لم ير هذا فما وجب عليه حقي ومن رآه فقد وجب عليه حقي
ومن عليه فكلم سواي كفر والحد كله حجاب لا أظهر من ورائه
وليس في رؤية حقي إلا رؤيته،
فرأيت ما لا يتغير فأعطاني حكماً يتغير فرأيت كل شيء خلق.
وقال لي لا تستثن، فما هو بقي خلق وانقسمت الرؤية عينية وعلمية فإذا هو كله لا يتحرك ولا يتكلم.
وقال لي كيف رأيته من قبل رؤية حقي، فقلت يتحرك ويتكلم،
فقال لي اعرف الفرق لئلا تتيه.
وعرج بي عن حقه فلم أر شيئاً، فقال لي رأيت كل شيء
وأطاعك كل شيء ورؤيتك كل شيء بلاء وطاعة كل شيء لك بلاء.
وعرج بي عن ذلك كله.
وقال لي كله لا أنظر إليه ولا يصلح لي.
موقف بحر
أوقفني في بحر ولم يسمه وقال لي لا اسميه لأنك لي لا له
وإذا عرفتك سواي فأنت أجهل الجاهلين،
والكون كله سواي فما دعا إلي لا إليه فهو مني فإن أجبته عذبتك ولم أقبل ما تجيء به،
وليس لي منك بد وحاجتي كلها عندك فاطلب مني الخبز والقميص
فإني أفرح وجالسني أسرك ولا يسرك غيري،
وانظر إلي فإني ما أنظر إلا إليك،
وإذا جئتني بهذا كله وقلت لك إنه صحيح فما أنت مني ولا أنا منك.
موقف هو ذا تنصرف
أوقفني بين يديه وقال لي هل ترى غيري، قلت لا، قال فانظر إلي.
فنظرت إليه يخفض القسط ويرفعه ويتولى كل شيء هو وحده.
وقال لي لا تراني إلا بين يدي وهو ذا تنصرف وترى غيري ولا تراني فإذا رأيته فلا تجحده واحفظ وصيتي فإنك إن ضيعتها كفرت، وإذا قال لك أنا فصدقه فقد صدقته وإذا قال لك هو فكذبة فإني قد كذبته.
موقف الفقه وقلب العين
أوقفني وقال لي ما أنت قريب ولا بعيد ولا غائب ولا حاضر ولا أنت حي ولا ميت
فاسمع وصيتي وإذا سميتك فلا تتسم وإذا حليتك فلا تتحل
ولا تذكرني فإنك إن ذكرتني أنسيتك ذكرى،
وكشف لي عن وجه كل شيء فرأيته متعلقاً بوجهه وعن ظهر كل شيء فرأيته متعلقاً بأمره ونهيه.
وقال لي انظر إلى وجهي، فنظرت.
فقال ليس غيري، فقلت ليس غيرك.
وقال لي انظر إلى وجهك، فنظرت.
فقال ليس غيرك، فقلت ليس غيري،
فقال أخرج فأنت الفقيه،
فخرجت أسعى في الفقه وصح لي قلب العين فقلبتها بالفقه وجئت بها إليه،
فقال لا انظر إلى مصنوع.
موقف نور
أوقفني في نور وقال لي لا أقبضه ولا أبسطه ولا أطويه ولا أنشره ولا أخفيه ولا أظهره،
وقال يا نور انقبض وانبسط وانطو وانتشر وأخف وأظهر،
فانقبض وأنبسط وانطوى وانتشر وخفى وظهر،
ورأيت حقيقة لا أقبض وحقيقة يا نور انقبض.
وقال لي ليس أكثر من هذه العبارة، فانصرف فرأيت طلب رضاه معصيته،
فقال لي أطعني فإذا أطعتني فما أطعتني ولا أطاعني أحد،
فرأيت الوحدانية الحقيقية والقدرة الحقيقية،
فقال غض عن هذا كله وانظر إليك وإذا نظرت إليك لم أرض وأنا أغفر ولا أبالي
موقف بين يديه
أوقفني بين يديه وقال لي ما رضيتك لشيء ولا رضيت لك شيئاً،
سبحانك أنا أسبحك فلا تسبحني وأنا أفعلك وأفعلك فكيف تفعلني.
فرأيت الأنوار ظلمة والاستغفار مناوأة والطريق كله لا ينفذ، فقال لي سبحك وقدسك وعظمك وغطك عني ولا تبرزك فإنك إن برزت لي أحرقتك وتغطيت عنك.
وقال لي أكشفك لي ولا تغطك فإنك إن تغطيت هتكتك وإن هتكتك لم أسترك فتغطيت ولم أبرز وتكشفت ولم أتغط،
فرأيته يرضى ما لا يرضى ولا يرضى ما يرضى،
فقال إن أسلمت ألحدت وإن طالبت أسلمت، فرأيته فعرفته ورأيت نفسي فعرفتها،
فقال لي أفلحت وإذا جئت إلي فلا يكن معك من هذا كله شيء لأنك لا تعرفني ولا تعرفك.
موقف من أنت ومن أنا
أوقفني وقال لي من أنت ومن أنا،
فرأيت الشمس والقمر والنجوم وجميع الأنوار.
وقال لي ما بقي نور في مجري بحري إلا وقد رأيته،
وجاءني كل شيء حتى لم يبق شيء فقبل بين عيني وسلم علي ووقف في الظل.
وقال لي تعرفني ولا أعرفك، فرأيته كله يتعلق بثوبي ولا يتعلق بي، وقال هذه عبادتي،
ومال ثوبي وما ملت فلما مال ثوبي قال لي من أنا،
فكسفت الشمس والقمر وسقطت النجوم وخمدت الأنوار وغشيت الظلمة كل شيء سواه ولم تر عيني ولم تسمع أذني وبطل حسي،
ونطق كل شيء فقال الله أكبر، وجاءني كل شيء وفي يده حربة،
فقال لي اهرب، فقلت إلى أين،
فقال قع في الظلمة، فوقعت في الظلمة فأبصرت نفسي،
فقال لي لا تبصر غيرك أبداً ولا تخرج من الظلمة أبداً فإذا أخرجتك منها أريتك نفسي فرأيتني وإذا رأيتني فأنت أبعد الأبعدين.
موقف العظمة
أوقفني في العظمة وقال لي لا يستحق أن يغضب غيري فلا تغضب أنت فإنك إن تغضب وأنا لا أغضب فإن غضبت أذللتك لأن العزة لي وحدي،
فرأيت كل شيء قد دخل إلى الغضب.
وقال لي انظر كيف أخرجتك منه، فأخرجه فلم أر إلا الحجة وحدها،
فقال رأيت الصحيح.
وأوقفني في الرحمانية فقال لا يستحق الرضا غيري
فلا ترض أنت فإنك إن رضيت محقتك، فرأيت كل شيء ينبت ويطول
كما ينبت الزرع ويشر الماء كما يشربه وطال حتى جاوز العرش.
وقال لي أنه يطول أكثر مما طال وإنني لا أحصده،
وجاءت الريح فعبرته فلم تتخلله وجاءت السحاب فأمطرت على العود وأنبل الورق فاخضر العود واصفر الورق،
فرأيت كل متعلق منقطعاً وكل معلق مختلفاً.
وقال لي لا تسألني فيما رأيت فإنك غير محتاج
ولو أحوجتك ما أريتك ولا تقعد في المزبلة فتهر عليك الكلاب
واقعد في القصر المصون وسد الأبواب ولا يكون معك غيرك
وإن طلعت الشمس أو طار طائر فاستر وجهك عنه
فإنك إن رأيت غيري عبدته وإن رآك غيري عبدك
وإذا جئت إلي فهات الكل معك وإلا لم أقبلك فإذا جئت به رددته عليك ولا تنفعك شفاعة الشافعين.
موقف التيه
أوقفني في التيه فرأيت المحاج كلها تحت الأرض وقال لي ليس فوق الأرض محجة،
ورأيت الناس كلهم فوق الأرض والمحجات كلها فارغة ورأيت من ينظر إلى السماء لا يبرح من فوق الأرض ومن ينظر إلى الأرض ينزل إلى المحجة ويمشي فيها.
وقال لي من لم يمش في المحجة لم يهتد إلي.
وقال لي قد عرفت مكاني فلا تدل علي، فرأيته قد حجب كل شيء وأوصل كل شيء.
وقال لي اصحب المحجوب وفارق الموصول وادخل علي بغير إذن فإنك إن استأذنت حجبتك وإذا دخلت إلي فاخرج بغير إذن فإنك إن استأذنت حبستك،
فرأيت كلما أظهر إبرة وكلما أستر خيطاً.
وقال لي اقعد في ثقب الإبرة ولا تبرح
وإذا دخل الخيط في الإبرة فلا تمسكه وإذا خرج فلا تمده
وافرح فإني لا أحب إلا الفرحان،
وقل لهم قبلني وحدي وردكم كلكم فإذا جاؤوا معك قبلتهم ورددتك وإذا تخلفوا عذرتهم ولمتك، فرأيت الناس كلهم براء.
وقال لي أنت صاحبي فإن لم تجدني فاطلبني عند أشهدهم علي تمرداً وإذا وجدتني فلا تعصه وإن لم تجدني فاضربه بالسيف ولا تقتله فأطالبك به،
وخل بيني وبينك ولا تخل بيني وبين الناس وخاصمني وتوكل لهم علي فإذا أعطيتك ما تريد فاجعله قرباناً للنار،
وقف في ظل فقير من الفقراء فسله أن يسألني ولا تسألني أنت فأمنع غيرك بمسئلتك فتكون ضداً لي وأخذلك، فرأيت طرح كل شيء الفوز.
وقال لي إن طرحت أفلست وأنا لا أحب إلا الأغنياء ولا أكره إلا الفقراء فلا أرى معك غنياً ولا فقيراً فإني لا أنظر إلى الأنواع.