ولد المبدع عبد الحكيم قاسم بقرية البندرة قرب طنطا سنة 1934 وحصل علي ليسانس الحقوق من جامعة الاسكندرية انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات واعتقل في الواحات خمس سنوات متواصلة أثناء الحملة الشهيرة ضد الشيوعيين عام1959 والتي استمرت حتي عام1964 وبعد الافراج عنه عمل موظفا في المعاشات لعدة سنوات حتي أتيحت له الفرصة وسافر الي المانيا عام1974 لينال الدكتوراه عن الأدب العربي من جامعة برلين, إلا أنه لم ينجز انجازا أكاديميا, وعاد بعد عشر سنوات عام1984 دون أن يحصل علي إجازة علمية, وإن كان قد حصل علي ذوق موسيقي واوبرالي واطلاع علي ثقافة مختلفة وتعلم لغة أجنبية.
عاش في المنفى ببرلين من عام 1974 إلى عام 1985 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام 1990.
يعتبر القاص والروائي المصري عبدالحكيم قاسم (حكم.. كما يسميه اصدقاؤه ) من العلامات البارزة في الكتابة القصصية والروائية العربية، وينتمي لموجة الحساسية الجديدة بتوصيف ادوار الخراط والتي كان جيل الستينات الكبير بكل رموزه الفكرية و زخمه وحيويته وثوريته وعراكه الثقافي والايديولوجي والسياسي اهم افرازات ومميزات هذه الحقبة التاريخية ، و لانكاد نذكر هذا الجيل دون ذكر اسماء عبد الحكيم قاسم و صنع الله ابراهيم وابراهيم اصلان ومحمود الورداني وابراهيم عبد المجيد وعبد القادر القط وجمال الغيطاني وعبده جبير ومجيد طوبيا ومحمد مستجاب ويحيى الطاهر عبد الله واحمد هاشم الشريف وبهاء طاهر ومحمد البساطي وصبري موسى ويوسف القعيد وغيرهم من من يمثلون بحق نواة هذا الجيل الكبير بما للكلمة من معنى، و الذي حمل هم وطن مزقه الفقر والتخلف وشتته القمع ورسم بحق ملامح مجتمع في مفترق الطرق ودافع عن مكاسبه بما اوتي من صلابة راي وصدق مواقف .!
*** اعمــــــــــــاله
له خمس روايات أبرزها ( أيام الانسان السبعة, المهدي, قدر الغرف المقبضة, محاولة للخروج) وأربع روايات قصيرة, وخمس مجموعات قصصية ومسرحية واحدة.
نبذة عن رواية ....................... ايام الانسان السبعــــــة
في رواية "أيام الإنسان السبعة" يتوفر قاسم علي عالم خاص جدا، داخل البيئة الريفية هو عالم التصوف حيث "الحضرة" التي تقرأ فيها دلائل الخيرات وبردة البوصيري، وحيث حضور مولد السيد البدوي في طنطا.
والرواية مقسمة إلي سبع لوحات بما يمتلك الرقم سبعة من دلالات أسطورية واجتماعية: الحضرة، الخبيز، السفر، الخدمة، الليلة الكبيرة، الوداع، والطريق. هي تقريبا رحلة الإنسان في حياة راكدة شقاؤها كبير ورضاها كثير مع ذلك، حيث تصنع الغبطة بأفراحها القليلة سيمفونية للبهجة تتردد أصداؤها علي مدي مئتي وخمسين صفحة.
ليست لغة عبد الحكيم قاسم هي الخاصة فقط، وإنما وإحساسه بالجانب الروحي من حياة المجتمع الريفي المصري الذي لم يسبقه إليه أحد، أما الصور الشعرية فتفاجئ قارئ الرواية منذ المفتتح:" طول عمر الولد عبد العزيز وهو يحب صلاة المغرب، فهي تأتي في وقت يكون فيه النهار رقيقا، الشمس غاربة، والأضواء لينة، وربما حزينة قليلا، والأب الحاج كريم يقول في وقار وترتيل: المغرب جوهرة فالتقطوها..".
علي هذا النحو الشاعري يبدأ الراوي متناوبا القص مع "الولد عبد العزيز" في سرد وقائع ليلة الحضرة، والتي تبدأ بعودة الحاج كريم من صلاة المغرب مبكرا ليجلس في شرفة الدوار، علي جبينه تراب من أثر السجود وفمه مشغول بالتسابيح في انتظار أصدقائه الذين يتوافدون واحدا بعد الآخر في ليلة للسمر يتثاءب فيها الوقت ويمد السلام جناحيه فوقها: وقت للرب ووقت لرواية الحكايات وربما النكت والنوادر، وجل أبطالها من الحاضرين. وذكرياتهم المشتركة في الغالب ذكريات من رحلة السنة الماضية إلي المولد، بما جري فيها من صلاة وإطعام للطعام وأخذ العهود من شيوخ الطريقة إلي وقائع السرقة أو التعرض لعملية نصب من أبناء المدينة وحتي الفسق والاختلاط بالغجريات.
وفي عالم سكوني كذلك الذي يصفه عبدالحكيم قاسم تقوم اللغة وصورها الشعرية بالعبء الأكبر في الحكاية فتصبح حركة لف سيجارة أو إنضاج فنجان من القهوة، أو إشعال المصباح عملا كبيرا، بينما يمثل "يوم الخبيز" الذي يسبق السفر إلي طنطا نوعا من ملحمة، ابتداء من استيقاظ الزوجتين المبكر، مرورا بمعاينة درجة خجمر العجين وإحماء الفرن وما إلي ذلك من تفاصيل نري خلالها خلافا يمتد بطول العمر بين الحاج كريم وإحدي زوجتيه (أم عبدالعزيز) الزوج المتصوف يري أن تكثير القليل الذي يملكه لا يمر إلا عبر منحه للفقراء، والأم وزير الخزانة اليقظ، تعرف بالأرقام والأوزان حجم ما تبقي في مخازنها، لكن السلام الذي يهيمن علي الرواية كلها لا يستثني هذا الخلاف، الذي يظل قائما دون أن يكف الحاج كريم عن بذل ماله في سبيل الله ودون أن تعصاه زوجته أو تمتنع عن خبز الزوادة التي سيأخذها زادا لنفسه ولأصدقائه من أهل الطريق.!