الحكماء يقولون أن الإنسان هو العالم الأصغر وإن الإنسان هو العالم الأكبر .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
الحكماء يقولن أن الإنسان هو العالم الأصغر على مدونة عبدالله المسافر باللهالحكماء يقولون أن الإنسان هو العالم الأصغر وإن الإنسان هو العالم الأكبر المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
في بيان أن الحكماء يقولون أن الإنسان هو العالم الأصغر ويقول الحكماء الإلهيون : إن الإنسان هو العالم الأكبر
ذلك لأن علم الحكماء كان مقصوراً على صورة الإنسان وعلم هؤلاء
الحكماء والإلهيين كان متصلا في الحقيقة بحقيقة الإنسان
« 86 »
- إذن فأنت في الصورة العالم الأصغر ، وأنت في المعنى إذن العالم الأكبر .
- وفي الظاهر يكون ذلك الغصن أصلا للثمرة ، لكن الفرع في الحقيقة صار من أجل الثمرة .
- فإن لم يكن الميل إلى الثمرة والأمل فيه ، متى كان البستاني يغرس جذور الشجر ؟
- ومن ثم فإن ذلك الشجر على سبيل المعنى ولد من الثمر ، وإن كان الثمر قد ولد منه على سبيل الصورة .
525 - ومن هنا قال المصطفى عليه السلام ، إن آدم والأنبياء خلفي تحت لوائي .
- ومن أجل هذا ساق صاحب الفنون قوله : نحن الآخرون السابقون .
- فبالرغم من أنني ولدت من آدم بالصورة ، فإنني كنت في المعنى جدا للجد .
- ومن أجلى كانت سجدة الملائكة ، ومن أجلى صعد إلى الفلك السابع .
- ومن ثم فمنى ولد أبى في المعنى ، ومن ثم ولد الشجر في المعنى من الثمر .
530 - وفي البداية يكون الفكر وفي النهاية يكون العمل ، خاصة ذلك الفكر الذي يكون وصفا للأزل .
- والنتيجة ، إنه في لحظة واحدة ، تأتى قافلة من السماء وتذهب قافلة .
- وليس هذا الطريق طويلا على القافلة ، فمتى تكون المفازة صعبة على سالكها ؟! «1» .
- إن القلب ليذهبن إلى الكعبة كل لحظة ، ويتطبع الجسد بطبع القلب امتنانا .
..............................................................
( 1 ) في تفسير للسبزواري « متي تمتلئ الصحراء بسالكيها ؟ شرح المثنوي ص 275 .
« 87 »
- إن هذا الطول والقصر يكون بالنسبة للجسم ، فأي طول وقصر حيثما يكون الله .
535 - وعندما بدل الله الجسم ، جعل ذهابه وسيره ( لا يقاسان ) بفراسخ أو أميال .
- وفي هذه اللحظة يوجد مائة أمل ، فاخط أيها الفتى بعشق وخل الكلام .
- وبالرغم من أنك تطبق جفنى عينيك ، إلا أنك تقطع طريقك نائما في سفينة .
تفسير هذا الحديث : مثل أمتي كمثل سفينة نوح من تمسك بها
نجا ومن تخلف عنها غرق
- من أجل هذا قال الرسول عليه السلام : إنني كالسفينة في طوفان الزمن .
- أنا وأصحابي مثل سفينة نوح ، وكل من تعلق بها يجد الفتوح .
540 - وما دمت ( عاكفا ) على شيخ فأنت بعيد عن القبح ، أنت مسافر ليل نهار ، لكنك ( مستريح ) في سفينة .
- وفي حمى الحبيب الذي يهب الروح ، تقطع طريقك نائما في سفينة .
- ولا تنقطع عن رسول زمانك ، وقلل الاعتماد على فنك وعلى هواك .
- وحتى إن كنت أسدا ، حينما تمضى في الطريق بلا دليل ، فأنت مغرور وفي ضلال وذليل .
- انتبه ، ولا تحلق إلا بجناح الشيخ ، حتى ترى العون من جنود الشيخ .
545 - ففي لحظة يكون موج لطفة بمثابة القوادم لك ، وفي لحظة أخرى تكون نار قهرة حمالة لك .
« 88 »
- وقلل اعتبار قهرة مضادا للطفة ، وانظر إلى اتحادهما معا في التأثير .
- وهو في لحظة يجعلك أخضر كما يخضر التراب ، وفي لحظة أخرى يملؤك بالريح فيجعلك ضخما .
- إنه يعطى جسد العارف صفة الجماد ، حتى ينمو عليه الورد والنسرين نضرين .
- لكن ما يراه هو لا يراه غيره ، ولا يعطى الخلد عبيره إلا للعقل الطاهر .
550 - فافرغ العقل من إنكار الحبيب ، حتى تجد الريحان من روضة الحبيب .
- حتى تجد عبير الخلد من حبيبي ، كما وجد محمد عليه السلام رائحة الرحمن من قبل اليمن .
- وإن وقفت في صف أهل المعراج ، يجذبك العدم كأنه البراق .
- ليس كمعراج الأرضي حتى ( وصوله ) إلى القمر ، بل كمعراج البوص حتى ( وصوله ) إلى مرتبة السكر .
- وليس كمعراج البخار حتى السماء ، بل كمعراج الجنين إلى ( أن يكون من أهل ) النهى .
555 - لقد صارت مطية العدم براقا جيدا ، يأتي بك إلى الوجود إن كنت عدماً .
- إن حافره يحول الجبال والبحار إلى نحاس ، حتى يجعل عالم الحس تابعا له .
- فضع قدمك في السفينة وداوم على السير ( خفيفا ) حاذا ، كالروح تمضى نحو محبوب الروح .
- فسر نحو القدم ، ولا يد ولا قدم ، مثلما تهجم الأرواح من العدم .
- وإن لم يكن هناك كلل من سمع السامع ، لمزقت في الكلام حجب القياس .
« 89 »
560 - فلتمطر أيها الفلك جوهرا على أقواله « 1 » ، ولتخجلى أيتها الدنيا من ( عظمة ) عالمه .
- وإن فعلت تضاعف جوهرك مئات المرات ، بل يصير جامدك ناطقا ومتحدثا .
- وبذلك يكون نثارك ( وجودك ) من أجل نفسك ، ما دام كل رأسمال عندك يتضاعف مئات المرات .
[ إرسال بلقيس هدية ]
قصة إرسال بلقيس هدية من سبأ إلى سليمان عليه السلام
- كانت هدية بلقيس أربعين جملا ، كلها محملة بلبنات الذهب .
- وعندما وصلت إلى الصحراء السليمانية ، وجدتها كلها مفروشة بالذهب النضار .
565 - أخذت تسير مسيرة أربعين منزل على أرض من الذهب ، حتى لم يعد هناك رونق للذهب في أنظارهم .
- فقالوا مرارا : لنرد الذهب إلى مخزنه ، فأية سخرية هذه وعمل لا طائل من ورائه ( نقوم به ) .
- إنه من البلة أن يحمل الذهب إلى الساحة التي يكون ترابها ذهباً خالصا .
- ويا من حملت العقل هدية إلى الله ، العقل هناك أقل من تراب الطريق .
- وعندما صار كساد هديتهم ظاهرا لهم ، كان خجلهم يجذبهم إلى الوراء .
570 - ثم قالوا : إذا كانت هديتنا كاسدة أو رائجة ، ماذا علينا . . إننا عبيد مأمورون .
..............................................................
( 1 ) الضير هنا عائد علي الشيخ أو المرشد .
« 90 »
- فإذا كان علينا أن نحمل الذهب أو نحمل التراب ، فيجب علينا أن ننفذ الأمر فحسب .
- وإن أمرو أن عودوا بها وردوها . . فما علينا إلا طاعة الأمر .
- وعندما رآها سليمان عليه السلام غلبه الضحك . . وقال : متى طلبت منكم ثريداً ؟ !
- إنني لا أقول لكم قدموا لي هدية ، إنني أقول لكم : كونوا لائقين للهدية جديرين بها .
575 - إن لدى من الغيب هدايا نادرة ، لا يجرؤ البشر على مجرد طلبها .
- إنكم تعبدون كوكبا هو الذي يصنع الذهب ، فامضوا وتوجهوا إلى صانع هذا الكوكب .
- إنكم تعبدون شمس الفلك ، وأرخصتم الروح التي هي غالية الثمن .
- إن الشمس ( تقوم لنا بعمل ) الطباخ بأمر الحق ، ومن البله أن نقول أنها الإله .
- وماذا تصنع إذا أصاب الكسوف شمسك ؟! وكيف تطرد عنها ذلك السواد .
580 - ألست تصرخ على الأعتاب الإلهية داعيا : إكشف السواد ( يا إلهي ) وأعد الشعاع .
- وإذا هم أحد بقتلك في منتصف الليل ، فأين الشمس لكي تجأر إليها بالشكوى أو تطلب منها الغوث ؟ !
- وأغلب الحادثات إنما تقع بليل ، وفي ذلك الزمان يكون معبودك غائبا .
- وإنك إذا انحنيت بصدق أمام الله ، لتخلصت من ( عبادة ) الكوكب وصرت من المسموحين لهم ( بالسر ) .
« 91 »
- وعندما تصير من المسموحين لهم أتحدث معك ، حتى ترى الشمس في منتصف الليل .
585 - وليس لهذه الشمس من مشرق إلا الروح الطاهرة ، وليس عندها في الطلوع فرق بين ليل أو نهار .
- يكون النهار عندها إذا أشرقت ، ولا يبقى الليل ليلا لو أنها برقت .
- وكيف تبدو الذرة أمام الشمس ؟ هكذا تكون شمس ( المعنى ) ( أمام أولى ) الألباب .
- والشمس التي تكون ساطعة ، وتصبح العين أمامها كليلة حائرة .
- نراها كالذرة أمام نور العرش ، أمام نور العرش الموفور الذي لا حد له .
590 - تراها ذليلة مسكينة لا قرار لها ، لكن البصر أكتسب قوة من الخالق .
- وكيمياء ( الخلق ) التي هي مأثرة واحدة من مآثرة ، سقطت على الدخان فصار منه كوكب .
- إنه أكسير النار الذي كان منه خافتا ، رمى به على الظلام فحوله إلى شمس .
- إنه الكيميائى العجيب الذي جعل لزحل كل هذا العدد من الخواص بعملية واحدة .
- وقس على هذا أيها الطالب بقية الكواكب وجواهر الروح .
595 - إن بصر الحس ضعيف أمام الشمس ، فابحث عن البصيرة الربانية تجدها .
- حتى تضعف أمام تلك البصيرة ، شعشعات الشمس التي تلقى بالشرر .
« 92 »
- فإن هذه البصرة نورانية بينما هذه ( أي الشمس الحسية ) نارية ، والنار أمام النور تكون مظلمة جدا .
كرامات الشيخ عبد الله المغربي قدس الله سره ونوره
- قال الشيخ عبد الله المغربي : أنني لم أر ظلمة من الليل طيلة ستين عاما .
- أنني لم أر ظلمة خلال الستين سنة ، لا في نهار ولا في ليل ولا من علة .
600 - قال الصوفية : إنه صادق في قوله ، كنا نسير ليلا في أثره .
- وفي الصحارى المليئة بالشوك والحفر ، كان قائدا ( ودليلا ) لنا كبدر التمام .
- وكان يقول ليلا دون أن يدير وجهه ، انتبه فهناك حفرة ، مل ناحية اليسار .
- وبعد لحظة كان يقول : بل مل إلى اليمين ، فأمام القدم شوكة .
- وفي الصباح كانت قدمة تتحول إلى موضع لقبلنا ، وكانت قدمه كقدمى العروس .
605 - فلا أثر من التراب أو من الطين عليها ، ولا من خمش الشوك وأذى الحصى .
- لقد جعل الله المغربي مشرقا ، وجعل المغرب كالمشرق مشعا بالنور .
- ونور هذه الشمس الغالب ظاهر وباهر ، وهو حارس ليوم الخواص ويوم العوام .
- وكيف لا يكون حارسا ذلك النور المجيد ، الذي يبدع آلافا من الشموس .
- فامض على نوره في أمان ، بين الأفاعي وبين العقارب .
« 93 »
610 - فإن هذا النور الطاهر يتقدمك ، يمزق كل قاطع طريق إربا .
- وأعلم أذن أن « يوم لا يخزى الله النبي » قوله صادقة ، واقرأ «نورهم يسعى بين أيديهم».
- وهذا النور وإن كان يزداد يوم القيامة ، فاطلب من الله قبسا منه هنا .
- فهو الذي يهب السحاب والضباب نور الله ، والله أعلم بالصواب .
رد سليمان عليه السلام لرسل بلقيس بتلك الهدايا التي كانوا
قد أحضروها ودعوة بلقيس إلى الإيمان وترك عبادة الشمس
- عودوا خجلين أيها الرسل ، فالذهب لكم ، وايتونى بالقلب الذي هو قلب .
615 - وذهبي هذا ضعوه على ذهبكم ذاك ، ومن عمى قلوبكم إجعلوه على مؤخرة البغال .
- إن مؤخرة البغل جديرة بحلقة الذهب ، وذهب العاشق وجه أصفر شاحب .
- فهو موضع نظر الله ، ومن نظرة من الشمس يكون المنجم .
- وأين موضع نظر شعاع الشمس من موضع نظر رب الأرباب .
- واجعلوا من الروح مجنا من أخذى ، بالرغم من أنكم الآن أسارى لي . .
620 - إن الطائر المفتتن بالحبة موجود على السطح ، لقد فتح الجناح لكنه مقيد بالفخ .
- وما دام قد أعطى جماع قلبه للحبة ، اعتبره أسيرا وإن لم يؤخذ بعد .
- وتلك النظرات التي يلقيها على الحبة ، أعلم أنها عقدة عقدت حول قدمة .
« 94 »
- إن الحبة تقول : إذا كنت تسترق النظر ، فإنني أسرق منك الصبر والقرار .
- وما دام ذلك النظر قد جذبك في أثرى ، أعلم إذن أنني لست غافلة عنك .
قصة العطار الذي كان حجر الميزان عنده من الطفل وسرقة المشترى
آكل الطين من ذلك الطين عند وزن السكر خلسة وخفية .
625 - ذهب أحد آكلي الطين إلى عطار ، كي يشترى قطعة ضخمة خاصة من السكر الأبيض .
- وكان عند العطار السارق المرائي ، حجر للميزان من حجر الطفل .
- فقال هل : إن موازينى من حجر الطفل ، إذا كانت لديك رغبة في شراء السكر .
- قال : إنني أريد السكر في أمر مهم ، ولتكن موازينك ما تكون .
- وقال في نفسه : بالنسبة لآكل الطين . . ماذا يكون الحجر ؟! إن الطين عنده أفضل من الذهب .
630 - مثل تلك الخاطبة التي قالت ( لأحدهم ) : يا بنى ، لقد وجدت ( لك ) عروسا باهرة الجمال .
- إنها حسناء جدا لكن هناك أمرا واحدا ، إن هذه العقيلة ابنة صانع للحلوى .
- قال : إنني أفضل أن تكون هكذا ، فإن هذه العروس تكون أحلى وأطعم .
- وهكذا ، إن لم يكن لديك صنج وصنجك من الطين ، فهذا أفضل ، وأفضل لي الطين ثمرة للقلب .
« 95 »
- فوضع وهو واثق تماما في كفة الميزان الأخرى طينا بدلا من الصنج .
635 - وأخذ بيديه يقطع السكر ويضعه في الكفة الأخرى بقدر ذلك الطين .
- وتأخر في عمله إذ لم تكن لديه بلطة ، وجلس المشترى ينتظر هناك .
- كان وجهه إلى الناحية الآخرى آكل الطين المسكين ، وأخذ في سرقة الطين ( من الكفة ) خلسة .
- كان خائفا وجلا يقول لنفسه : علّ عينيه لا تقع على فجأة وتكون ضجة وبلاء .
- ورأى العطار ذلك وشغل نفسه عنه ، قائلا لنفسه : اسرق أكثر من هذا يا أصفر الوجه .
640 - فإذا كنت تسرق من طيني ، فامض إذ أنك تأكل من جانبك ونصيبك .
- إنك تخشانى وهذا من حماريتك ، إذ أنني أخشى أن تأكل أقل .
- وبالرغم من أنني مشغول إلا أنني لست ذلك الأحمق . . بحيث أجعلك تأخذ من بوصى سكراً أكثر .
- وعندما ترى السكر في الميزان ، تعلم إذن من الذي كان أحمق غافلا .
- إن الطائر ينظر سعيدا إلى الحبة ، والحبة أيضا على البعد تقطع الطريق عليه .
645 - ألست عندما تنال حظا من زنا العين . . تأكل الشواء من جنبك ؟!
- فهذا النظر من على بعد كالسهم والسم ، يجعل عشقك زائدا والصبر قليلا .
- إن مال الدنيا هو شبكة الطيور الضعيفة ، وتلك العقبى هي شبكة الطيور الشريفة .
« 96 »
- حتى أنهم بهذا الملك وهو فخ عميق ، يقومون بصيد الطيور الضخمة .
- إنني سليمان ولا أريد ملككم ، لكني أخلصكم من كل هلاك .
650 - إنكم أنفسكم الآن مملوكون للملك ، ومالك الملك هو الذي نجا من الهلاك .
- ويا أسير هذه الدنيا ، إنك على العكس قد سميت نفسك أميرا على هذه الدنيا .
- ويا من أنت عبداً لهذه الدنيا حبيبا لها بالروح ، حتام تسمى نفسك سيدا للدنيا !!إ
كرام سليمان لأولئك الرسل وملاطفتهم ودفع الخوف والضيق عن قلوبهم ،
وشرح الاعتذار عن عدم قبول الهدية لهم .
- أيها الرسل ، سوف أرسلكم رسلا ( منى ) ، إن ردى أفضل لكم من القبول .
- فقولوا لبلقيس ما رأيتموه من العجب ، وحدثوها عن صحراء الذهب .
655 - حتى تعلم أننا لسنا طامعين في الذهب ، لقد أتيتنا بالذهب من خالق الذهب .
- ذلك الذي إن شاء جعل كل تراب الأرض ذهبا ودراثمينا .
- من أجل هذا يا من اخترت الذهب ، يجعل الله الأرض يوم القيامة من الفضة .
- إننا لا نفكر في الذهب . . فإن لدينا الكثير من الفنون ، نجعل بها أهل التراب بأجمعهم من الذهب .
« 97 »
- فمتى نتسول نحن الذهب منكم . . ونحن نقوم بالكيمياء ( الروحانية ) من أجلكم ؟ !
660 - واتركوا هذا بأجمعة ، فإن كان هناك ملك سبأ ، فهناك كثير من الممالك خارج الماء والطين .
- إنه جبيرة ساق ذلك الذي تسمونه عرشا ، تظنه صدر ( المجلس ) وهو قد بقي على الباب .
- وإن لم يكن هناك سلطان لك على لحيتك ، فكيف تقوم بالملوكية على الخير والشر .
- تصير لحيتك بيضاء على الرغم منك ، فاخجل من لحيتك يا معوج الأمل .
- إنه هو مالك الملك وكل من يطأطئ الرأس أمامه ، يهبه مائة ملك خارج عالم التراب .
665 - ولذة سجدة واحدة أمام الله ، تفضل لديك مائتي دولة .
- فتشكو حينذاك صائحا : لست أريد الممالك ، لكن سلمني ملك تلك السجدة .
- وإن ملوك الدنيا من دناءتهم ، لم ينالوا النذر اليسير من العبودية « 1 » .
- وإلا ( صاروا ) ذاهلين مشردين كأدهم ، وجعلوا عالي ملكهم سافله في التو واللحظة .
- لكن الحق وضع الختم على أفواههم وعيونهم ، من أجل ثبات هذه الدنيا .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : لم يشموا رائحة من العبودية .
« 98 »
670 - حتى يحلوا لهم العرش والتاج ، ( وقولهم ) : إننا نأخذ من أهل الدنيا الخراج .
- وإنك إن جمعت الخراج مالا كالرمل ، فإنه يبقى عنك في النهاية ميراثا .
- ولا يكون الملك والذهب رفيقين لروحك ، فادفع الذهب وخذ الكحل من أجل ( جلاء ) البصر .
- حتى ترى هذه الدنيا بئراً ضيقة ، فتثبت كأمثال يوسف عليه السلام بهذا الحبل .
- حتى تقول الروح : يا بشرى هذا غلام ، عندما تصعد من البئر إلى سطح ( الأرض ) .
675 - وفي هذه البئر أنعكاسات النظر ، وأقل ما يبدو فيه هو حجر الذهب .
- وعند اللعب ، يبدو ذلك الخزف عند الأطفال ذهبا ومالا من عدم نضج عقولهم .
- لقد صار العارفون به من محترفى كيمياء ( الروح ) ، حتى صارت المناجم أمامهم بلا قيمة .
رؤية درويش لجماعة من المشايخ في النوم ، وطلبه لرزق حلال دون انشغال بالكسب عن العبادة وإرشادهم إياه وتحول فاكهة الجبل المرة الحامضة إلى فاكهة حلوة في فمه بهمة أولئك المشايخ .
- قال أحد الدراويش في سمره ، لقد رأيت المنسوبين إلى الخضر عليه السلام في النوم .
- فقلت لهم : من أين أطلب رزقا حلالا . . خاليا من وبال ( الكدح ) ؟ .
« 99 »
680 - فقادونى إلى الجبل ، وكانت الثمار تتساقط من الغابة في ذلك المكان .
- وقالوا : إن الله تعالى قد قسم أن تكون هذه الفاكهة حلوة في فمك بهمتنا ودعائنا .
- هيا . . كل . . أكلا طاهرا حلالا بلا حساب وبلا تعب وبلا سعى هنا وهناك .
- ومن ذلك الرزق انبعث في نوع من النطق بحيث كانت لذة أقوالي تخطف القلوب .
- قلت : هذه فتنة يا رب العالمين . . هبني عطاءً خفيا عن كل الخلق .
685 - فذهب هذا النطق عنى ، وصرت سعيدا ، وأخذت اتشقق حلاوة كأنني الرمان .
- وقلت : لو لم يكن هناك شئ في الجنة إلا هذا السرور الذي أحس به في جبلتى .
- فإنني لن أتمنى نعمة أخرى ، ولن أشغل عنها بالحور أو بقصب السكر .
- وكانت قد بقيت معي حبة وحبتان (من الذهب)، خطت عليهما بطانة جبتى من أيام الكسب.
قوله في نفسه : لقد نويت أن أعطى هذا الذهب لذلك الحطاب حيث أنني
وجدت الرزق بكرامات المشايخ وضيق ذلك الحطاب مما في ضميره ونيته .
- وكان هناك فقير يحمل الحطب ، قد وصل من الغابة متعبا مهدودا .
690 - فقلت في نفسي : أنني فارغ من أمر الرزق ، ومن الآن فصاعدا ليس عندي هم الرزق .
« 100 »
- إن الفاكهة الممجوجة قد صارت حلوة بالنسبة لي ، وحصل جسدي على رزق خاص به .
- وما دمت قد أصبحت فارغاً من أمر الخلق . . فلأعطه هذه الحبات « من الذهب » .
- لأعط هذا الذهب لذلك الذي يعاني التكليف ، حتى يفرغ من أمر الرزق يومين أو ثلاثة .
- لكنه كان يعلم حتى ما في ضميري ، وذلك أن سمعه كان ذا نور من شمعه ( جل وعلا ) .
695 - كان سر كل فكر موجوداً عنده . كأنه مصباح داخل زجاجة .
- لم يكن الضمير يخفى عليه قط ، كان أميرا على مضامين القلوب .
- ومن ثم أخذ يهمس لنفسه جوابا على نيتي ذلك ( الرجل ) العجيب .
- ( قائلا ) : أمثل هذا التفكير من أجل الملوك ؟ ! « كيف تلقى الرزق إن لم يرزقوك » ؟ « 1 » .
- لم أكن أفهم كلامه جيدا ، لكن عتابه كان يدق على قلبي شديدا وعنيفا .
700 - واتجه إلى بهيبة كهيبة الأسد ، وقد حط حمل الحطب عن كاهله .
- إن شعاع الحالة التي إنتابته عندما وضع الحطب ، جعل الرعدة تصيب كل عضو فىَّ .
- وقال : يا رب ، إن كان لك خواص دعوتهم مباركة وخطاهم مباركة .
- فإني التمس من لطفك أن يكون مشتغلا بكيمياء ( التبديل ) ، وتتبدل حزمة الحطب هذه إلى ذهب في التو واللحظة .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتني الفارسي .
« 101 »
- فرأيت أن حطبه قد تبدل إلى ذهب على الفور . . أخذ يلمع لمعانا شديدا على الأرض كأنه النار .
705 - فقدت الوعي برهة من الزمن ، وعندما عدت إلى وعيى أصابني الوله .
- ثم قال : يا إلهي : إذا كان هؤلاء الكبار غيورين جدا زاهدين في الشهرة .
- فاجعل هذه ثانية حزمة من حطب على الفور وعلى نفس الحال التي كانت عليها .
- فصار ذلك الذهب حطبا في التو واللحظة ، وحار في عمله هذا العقل والنظر .
- ثم حمل حطبه ومضى نحو المدينة متقدما إياي مسرعاً جلدا .
710 - فأردت أن أسير خلف هذا السلطان ، أساله عما لدى من مشكلات واسمع منه .
- لكن الهيبة التي كانت عليه قيدتنى ، فليس هناك طريق للعوام إلى الخواص .
- وإذا أصبح هناك طريق لأحد ، فقل له ضح بروحك ، فهذا يكون من رحمتهم وجذبهم .
- ثم اغتنم إذن هذا التوفيق ، عندما تجد صحبة صديق .
- ليس مثل ذلك الأبله الذي يجد القرب من الملك سهلا يسيرا فيسقط في تلك اللحظة خارج الطريق .
715 - وعندما يعطونه من الأضحية نصيبا أكبر ، يقول : لعل هذه فخذ بقرة .
- ليست هذه فخذ بقرة أيها المفترى ، إنما تبدو لك فخذ بقرة من حماريتك .
- إن هذا بذل الملوك دون مقابل « 1 » ، هو عطاء محض من الرحمة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : دون رشوة .
« 102 »
حث سليمان عليه السلام الرسل على التعجيل في
هجرة بلقيس من أجل الإيمان .
- وهكذا فإن الملك سليمان في نزاله ، جذب خيل بلقيس وعسكرها .
- قائلا : تعالوا أيها الأعزاء على وجه السرعة ، فقد تعالت الأمواج من بحر الجود .
720 - إن هدير أمواجه يقذف صوب الساحل كل لحظة مائة جوهرة بلا خطر .
- لقد قلنا : هيا : هيا يا أهل الرشاد ، ففي هذه اللحظة فتح في هذا الدين .
- ثم قال سليمان : اذهبوا أيها الرسل صوب بلقيس وادخلوا في هذا الدين .
- ثم قولوا لها أن تأتى إلى هنا سريعا فإن الله يدعو للسلام .
- هيا أسرع وتعال يا طالب الدولة ، فالفتوح موجود في هذه اللحظة ، وانفتاح الأبواب .
725 - وتعالى أيضا يا من لست بطالب ، حتى تجد الطلب من هذا الصديق الوفي .
سبب هجرة إبراهيم بن أدهم قدس الله سره
وترك ملك خراسان
- أهجر الملك مثل أدهم سريعا حتى تجد مثله ملك الخلود .
- كان ذلك الملك نائما ليلا في فراشه ، والحراس فوق السطح يمارسون الضبط والربط .
- ولم يكن هدف الملك من الحرس ، هو أن يدفع بهم اللصوص والغوغاء .
- فقد كان يعلم أنه عادل ، وأنه فارغ من الحادثات ، مطمئن الفؤاد .
« 103 »
730 - إن العدل هو حارس الرغائب ، وليس بمن يدقون العصى على السطوح ليلا .
- لكن هدفه من صوت الرباب ، كان « كهدف » المشتاقين ، خيال ذلك الخطاب .
- إن أنين المزمار وهدير الطبول ، فيه شبه قليل من ذلك الناقور العام .
- ومن ثم قال الحكماء : لقد أخذنا هذه الألحان من « حركة » دوران الفلك .
- إنها أنغام دوران الفلك ، تلك التي يتغنى بها الخلق بالطنبور والحلق .
735 - ويقول المؤمنون إن آثار الجنة ، جعلت كل صوت قبيح حلوا .
- لقد كنا جميعا أجزاء من آدم ، وسمعنا تلك الألحان في الجنة .
- وبالرغم من أن الماء والطين قد صبا علينا شكا ( في هذا الأمر ) ، فإننا لا نزال نتذكر منها النذر اليسير .
- لكن ( هذا التذكر ) عندما امتزج بالتراب ، كيف « لو ترى » الخفيض والجهير أن يمنحا الطرب ؟ !
- إن الماء عندما اختلط بالبول وبول الحيوان ، صار مزاجه من هذا الاختلاط مرا حريفا ! !
740 - وهناك في جسده ( أي الإنسان ) شئ من الماء ، فاعتبره بولا يطفئ النيران .
- وبالرغم من أن هذا الماء قد صار نجساً فقد بقيت طبيعته فيه ، هو بهذه الطبيعة أطفأ نيران الحزن .
- ومن هنا فإن السماع كان قوت العاشقين ، فإن فيه خيالا للوصال .
« 104 »
- و ( به ) تقوى خيالات الضمير ، بل تتحول إلى صور ( من تأثير ) الصوت والصفير .
- ولقد أسعرت نار العشق من الألحان ، مثل ( أسعرت ) نار ذلك الذي كان يرمى الجوز .
حكاية ذلك الرجل الظمآن الذي كان يلقى بالجوز من فوق شجرة جوز في جدول ماء كان في منخفض ولم يكن يصل إلى الماء ، فكان يفعل هذا حتى يسمع صوت الماء من سقوط الجوز فيه ، إذا كان يطربه هذا الصوت كسماع حسن .
745 - كان الماء غورا فتسلق ذلك الظمآن شجرة جوز ، وأخذ يلقى الجوز فيه .
- وكان الجوز يسقط من فوق شجرته في الماء ، وكات صوت ( ذلك ) السقوط يبلغ مسمعه ، ويرى الحباب .
- فقال له أحد العقلاء : أقلع عن هذا الأمر أيها الفتى ، إن الجوز في حد ذاته يصيبك بالظمأ .
- فكلما كثر سقوط الثمر في الماء ، ابتعد عنك الماء وغار أكثر .
- وحتى تنزل أنت من عل بكل مشقة ، يكون ماء الجدول قد حملها بعيدا عنك .
750 - قال : ما إلى هذا قصدت من إلقاء الجوز ، أنظر بعمق أكبر ولا تقف عند الظاهر .
- إنما أقصد أن أسمع صوت الماء وأرى هذا الحباب على سطحه .
- وأي عمل للظمآن في هذا العالم ، إلا أن يطوف دائما بجوار ( حوض ) الماء ؟ ! !
« 105 »
- ( والطواف ) حول النهر وحول الماء وخرير الماء ، كالحاج الطائف حول كعبة الصواب .
- وكذلك مقصودى من هذا المثنوى ، هو أنت يا ضياء الحق ويا حسام الدين .
755 - فالمثنوى بأصوله وفروعه كله لك ، وقد جعلته ( أنت ) كله مقبولا .
- إن الملوك يقبلون الحسن والقبيح ، وعندما يقبلون ، فالغالب ألا يكون رد .
- وما دمت قد زرعت غرسا فاروه ، وما دمت قد سمحت له بالسموق ، ففك ما فيه من عقد .
- إن هدفى من ألفاظة هو سرك ، وهدفى من إنشائه هو صوتك .
- إن صوتك عندي هو صوت الله ، وحاشا أن يكون العاشق منفصلا عن المعشوق .
760 - وهناك اتصال بلا كيفية أو قباس ، لرب الناس مع أرواح الناس .
- لكني قلت الناس ، لا النسناس ، والناس ليسوا سوى الروح العارفة بروح الروح .
- الناس هم البشر وأين البشر ، إنك لم تر رؤوس البشر ، فأنت ذيل .
- لقد قرأت « ما رميت إذ رميت » ، لكنك جسد ، فبقيت في تحلل وتجزؤ « 1 » .
- فاترك ملك جسدك أيها الغبي ، مثلما فعلت بلقيس من أجل سليمان النبي .
..............................................................
( 1 ) عند يوسف بني أحمد ( 4 / 106 ) بقيت في التحري ( بدلا من التجزي ) أي بقيت تسأل وهذا في رأيي أقرب إلي المعني
« 106 »
765 - أنني أستعيذ بالله ، ليس من قولي ، بل من وساوس ذلك الذي يعبد الظن .
- إنه يستريب في قولي ، وفي قلبه ما فيه من الوساوس وانكارات الظن .
- أنني أقول « لا حول ولا قوة إلا بالله » أي لا حيلة ، ما دام هناك في قلبك حديث ضدى جدير بالقول .
- وما دام حلقك قد غص بقولي ، فها أنا قد صمت ، فهات ما عندك .
- كان أحدهم من نافخى الناى ينفخ في نايه سعيداً ، فخرج من مقعده ريح على حين غرة .
770 - فوضع الناى على مؤخرته قائلا : إذا كنت تستطيعين النفخ أفضل منى فانفخى .
- أيها المسلم ، إن الأدب في الطلب ، ليس إلا التحمل من كل من لا أدب عنده .
- فكل من تراه يشكو قائلا : إن فلانا سئ الطبع وسئ الجبلة .
- فأعلم أن ذلك الشاكى سئ الطبع ، ذلك أنه أساء القول في سئ الطبع ذاك .
- ذلك أن حسن الطبع ذلك الذي يكون في استسلام متحملا لسئ الطبع والجبلة .
775 - لكن الشكوى ( الصادرة ) من الشيخ هي بأمر الله ، ليس من الغضب أو المراء والهوى .
- ليست شكوى بل هي إصلاح للروح ، إنها مثل الشكوى التي تصدر عن الأنبياء .
- وعدم احتمال الأنبياء أعلم أنه بأمر الله ، وإلا فإن أحلامهم حمالة للسوء .
« 107 »
- لقد قتلوا طبعهم ( كبشر ) في تحملهم للسوء ، فإن كان هناك ثمة عدم تحمل فهو بأمر الله .
- فيا سليمان كن حكما بالحق بين البزاة وطيور الزاغ ، وأئتلف مع كافة الطيور .
780 - ويا من المئات « 1 » مثل بلقيس ضعيفات أمام حلمك ، عندما قال : اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون .
.