حكمه "فلسفه" ومنهج ومذهب الاستخلاف: نحو نسق معرفي اسلامى معاصر
د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@gmail.com
أولا: ملخص الدراسة: تهدف الدراسة إلى التأسيس لنسق معرفي اسلامى معاصر، استنادا إلى الأبعاد الحكمية "الفلسفية" والمنهجية والمذهبية لمفهوم الاستخلاف القرانى . والاستخلاف لغة النيابة والوكالة، والاخيره نوعان :عامه وهى نيابة شامله ، وخاصة وهى نيابة مقصورة على موضوع معين، وقد ورد مصطلح الاستخلاف في القران بمعنى الوكالة العامة ، وطبقا للمعنى الحقيقي للمصطلح ، وهو هنا يعنى أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين ، كما في الاستخلاف التكويني ، كما ورد بمعنى الوكالة الخاصة ، وطبقا للمعنى المجازى للمصطلح، حيث يصور القران الوجود"الشهادى" بمملكه ملكها الله تعالى ، والإنسان نائب ووكيل عنه في الأرض، تكريما للإنسان، وهو الاستخلاف التكليفى ، يقول الراغب الاصفهانى (الخلافة النيابة عن الغير إما لغيبه المنوب عنه…وإما لتشريف المستخلف)( المفردات في غريب القران ، ص156). وللاستخلاف أقسام متعددة، فهناك أولا:الاستخلاف الخاص:وهو استخلاف فرد معين، وهو مقصور على الأنبياء والرسل (عليهم السلام )،ومثال له قوله تعالى:﴿ يا داؤد إنا جعلناك في الأرض خليفة فاحكم بين الناس بالحق﴾. ثانيا:الاستخلاف العام : وهو استخلاف الجماعة، ومثال له قوله تعالى:﴿ وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة﴾ ، وينقسم إلى: ا/الاستخلاف التكويني : ومضمونه أن الله تعالى أودع في الإنسان إمكانية تحقيق الاستخلاف في الأرض ، وذلك بتوافر أمكانيه معرفه والتزام السنن إلالهيه التي تضبط حركة الوجود، وفي القرآن العديد من الآيات تشير إلى هذا النوع من الاستخلاف كقوله تعالى:﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾. ومن أشكال هذا الاستخلاف الاستخلاف الاجتماعي،ومضمونه هو أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين: ومن أدلته قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ ﴾( الأعراف:74)، وهو لا يتم جملة واحدة ، بل خلال أطوار نامية خلال الزمان، وهي الاسره :﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ﴾، فالعشيرة:﴿ وانذر عشيرتك الأقربين﴾،فالقبيلة فالشعب: ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ، فأمه "التكوين" التي مناط الانتماء إليها اللسان لقوله ( صلى الله عليه وسلم) (إلا أن العربية اللسان..)، وتتميز بالاستقرار في الأرض الخاصة "الديار"﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾( الممتحنة:8)، فطور العالمية. ب- الاستخلاف ألتكليفي : و مضمونه إظهار الإنسان لربوبية الله تعالى وإلوهيته في الأرض، بالعبودية والعبادة ، على المستوى الصفاتى، يقول الإمام الماتريدى(وجائز أن يكونوا خلفاء في إظهار أحكام الله ودينه)( تأويلات أهل السنة، ج1) ، ومن أدلته: في السيرة: قول الصحابي للرسول (صلى الله عليه وسلم)( تأذن لي يا خليفة الله أضرب عنقه) ( أبي داؤد, حدود,3ك). وعن السلف الصالح: قال علي أبن أبي طالب (… واؤلئك خلفاء الله في أرضه ودعاته إلى دينه فآه لهم وواه شوقاً إلى رؤيتهم)( ابن القيم مفتاح السعادة, دار العهد الجديد, مصر ص 123). وعن علماء أهل السنة: قال ابن الجوزي عن العلماء(...وهم ورثة الأنبياء وخلفاء الله في الأرض)( صيد الخاطر، ج 2 ، ص 151). ورغم إنكار ابن تيميه جواز استخدام مصطلح” خليفة الله ” في بعض السياقات ، ولكنه لم ينكر استخدامه بإطلاق ، بدليل استخدامه له في سياقات أخرى كقوله ( … وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة الله على الأرض قد وكل أعوانًا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض، ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض…) ( الفتاوى/ زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور/حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض).
ويتمثل البعد الحكمي “الفلسفي” لمفهوم الاستخلاف ، في حكمه ” فلسفه ” الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف بكسر اللام” الله تعالى” والمستخلف بفتح اللام”الإنسان” والمستخلف فيه “الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الحكمية”الفلسفية” لهذه المفاهيم الكلية، متخذه من اجتهادات أهل السنة – بمذاهبهم العقدية “الكلامية ” المتعددة – نقطه بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد. و تنطلق الدراسة في تحديدها لحكمه "فلسفه”الاستخلاف ، من المفهوم الاسلامى للفلسفة ، سواء استخدمت مصطلح” الحكمة ” أو مصطلح “الفلسفة” استئناسا بالقاعدة (لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني)( المستصفى: 1/23 ) ، وايضا استخدام العديد من علماء الإسلام لمصطلح الفلسفة ، يقول بْنَ حَنْبَلٍ( الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (البيهقي ، معرفة السنن والآثار :1/118). كما أن الدراسة تستخدم مصطلح “أهل السنة” طبقا لمذهب الشمول الشرعي الذي يقوم على أساس أن لمصطلح أهل السنة دلالات متعددة: خاصة تتمثل في وصف مذهب معين من هذه المذاهب بمصطلح ” أهل السنة ” ، وعامه مضمونها كل مسلم متمسك بالكتاب والسنة ، يقول الإمام ابن تيميه (فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى:3/346) .
وتستند حكمه” فلسفه” الاستخلاف إلى نظريه في الوجود ، تنطلق من ثلاثة مفاهيم قرانيه هي: ا/ مفهوم التوحيد : ومضمونه إفراد الربوبية والالوهيه لله تعالى ، فهو بالتالي ينقسم إلى توحيد الربوبية الذي مضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق، اى الدائم كونه فاعلا بتعبير ابن تيميه :( إن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته) (درء التعارض:1/98.)، أما مضمون توحيد الإلوهية فهو أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة، اى الغاية المطلوب بتعبير ابن تيميه : ( …. ولكن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ….. ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره)..وللفعل المطلق الذي عبر عنه القران الكريم بمصطلح “الربوبية”، ظهور صفاتي وظهور ذاتي :ا/الظهور الصفاتى : ومضمونه أن عالم الشهادة قائم على ظهور صفات الربوبية ” اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى”، يقول ابن القيم ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر ، مظهر الأسماء والصفات ، فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها)، ولهذا الظهور شكلين: الأول تكويني: يتمثل في الكون، والسنن الإلهية التي تضبط حركته ، والثاني تكليفي :يتمثل في الوحي ومفاهيمه وقيمه وقواعده الكلية.ب/ مفهوم التسخير: ومضمونه أن الأشياء والكائنات التي لها درجه التسخير تظهر صفات ربوبية والوهيه الله تعالى ، على وجه الإجبار ، ويترتب على مفهوم التسخير قاعدتان هما: الموضوعية و السببية.ج/ مفهوم الاستخلاف : ومضمونه إظهار الإنسان لربوبية وإلوهيه الله تعالى في الأرض ،على المستوى الصفاتى، على وجه الاختيار، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة، يقول الالوسى ( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لي ومراه لاسمائى وصفاتي)( روح المعنى،ص223)
ب/ الظهور الذاتي( الحياة الاخره): ومضمونه ظهور ذات الفعل المطلق ، وقد عبر عنه القران بمصطلح التجلي كما في قوله تعالى (…فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) (الأعراف: 143)، ولهذا الظهور الذاتي شكلين:الشكل الأول :مقيد: ويتم في الحياة الدنيا وله شكل تكويني يتمثل في معجزات الأنبياء، وشكل تكليفي يتمثل في نزول الوحي على الأنبياء. الشكل الثاني : مطلق: ويتم في الاخره ، فالحياة الاخره هي درجه من درجات الوجود قائمه على الظهور الذاتي (التجلي) ، قال تعالى(وأشرقت الأرض بنور ربها)، غير أن هذا الظهور الذاتي أو التجلي( بالنسبة إلي الناس) ليس شاملا لجميعهم، بل هو مقصور على المؤمنين، وهو ما عبر عنه أهل السنة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة،استنادا إلى العديد من النصوص كقوله تعالى (وجوهٌ يومئذٍ ناضرة، إلى ربِّها ناظرة).
كما تستند فلسفه “حكمه “الاستخلاف إلى نظريه في المعرفة مضمونها أن العلم صفة الوهية،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ، وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:ا/ شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة"المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف" كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد(التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة كوسائل لمعرفته.ب/ شكل تكليفي: يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته.
كما تستند فلسفه “حكمه “الاستخلاف إلى نظريه في القيم مضمونها التمييز بين نوعين من القيم: قيم مطلقة مصدرها الله تعالى"المستخلف"،وقيم محدودة للقيمة مصدرها الإنسان"المستخلف"، هذا التمييز بين النوعين من القيم مصدره توحيد الإلوهية، إذ انه قائم على إفراد المطلق من الصفات- القيم "كالعدل والرحمة والحكمة والعلم..."لله تعالى، يقول ابن القيم (اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد... ثم يرجح أنها (حقيقة فيهما وللرب تعالى ما يليق بجلاله وللعبد ما يليق به)( بدائع الفوائد، ص 164). واستنادا إلى هذا التمييز تقدم هذه النظرية إجابات على الاسئله التي تطرحها نظريه القيم ، مضمونها أن القيم المطلقة التي مصدرها الله تعالى هي قيم: مطلقه / موضوعيه / غاية في ذاتها / معياريه ، بينما القيم المحدودة التي مصدرها الإنسان قيم نسبيه / يمكن أن تتضمن قيم ذاتيه ، ووسيلة إلى غاية غيرها ، ووصفيه. ثم تخلص الدراسة إلى أن حكمه” فلسفه”الاستخلاف هى فلسفه إنسانيه– روحيه”دينيه” متجاوزه لكل من الفلسفات المادية والمثالية في الفلسفة الغربية.
ويتمثل البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف في الاستخلاف كمنهج للمعرفة ، ومضمونه أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، وهى على نوعين:/ السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف ، وهى سنن"الحركة ، التغير،التأثير المتبادل"، ب/السنن الالهيه النوعية: وهى التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى ،كسنه “الكدح إلى الله ” المقصورة على الإنسان ، والتي تشير إليها الايه " يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" ، الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني ولا تلغيه.
ويتمثل البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف في الاستخلاف كمذهب “اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”. حيث أشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف بأممها وشعوبها التكوينية المتعددة: قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55). تتضمن الايه الاشاره إلى أنواع متعددة من الاستخلاف هي : أولا: الاستخلاف الاصلى"المثال" ، ويتضمن أيضا نوعين من أنواع الاستخلاف:ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى)، ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى).ثانيا:الاستخلاف التبعى (استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة)، ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنواع متعددة من الاستخلاف:ا/ استخلاف الامه في الماضي(استخلاف الامه الأول) : وهو استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة، وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال بنوعيه النبوي” والاقتدائى”الراشدي”، كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه، ب/ استخلاف الامه في الحاضر (استخلاف الامه الثاني): وهو استخلاف الامه في الحاضر ، وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه ، وأدله هذا النمط من أنماط الاستخلاف تشير إلى عدد غير معلوم من أنماط الاستخلاف ، ج/ استخلاف الامه في المستقبل(استخلاف الامه الأخير) : وهو استخلاف الامه آخر الزمان- والذي هو ممكن الوقوع في كل زمان- وهو مرتبط بظهور اشراط الساعة الكبرى ، اى الظهور الأكبر لاشراط الساعة .
وهناك مرحلتين أساسيتين للتغير:المرحلة الأولى هي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة ، أما المرحلة الثانية فهي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم .
وغاية الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية ، أما غاية ثنائيه (الاستكبار-الاستضعاف) إلغائها ،أما مراحل تفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية عبر مراحل الاستخلاف أو " الاستكبار- الاستضعاف" التكويني “السياسي" لامه التكوين”الامه العربية ألمسلمه” فهي:أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه (ا) التعطيل الاستبدادي”الداخلي “، (ب) التعطيل الغزوى “الخارجي” ،(ج) التفعيل الزعامي . ثانيا: في مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه : (ا) مرحله التعطيل الارتدادي، وهذه المرحلة هي مرحله الانتهاء “الفعلي ” للاستخلاف العام الأول للامه- مع تضمنها مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه ، (ب)مرحله ظهور” الاراده الشعبية العربية على المستوى الشعبي، وتتضمن مرحلتي التفعيل التلقائي" وتتضمن الموجه الأولى من ثوره الشباب العربي"، والتفعيل ألقصدي " وتتضمن الموجه الثانية من ثوره الشباب العربي".
أما شروط استخلاف الامه في مكان معين ” الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة “، وزمان معين “الحاضر” فتنقسم إلى قسمين الأول: شروطه النصية المطلقة، وتتضمن المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، القسم الثاني: شروطه الاجتهادية المقيده ،وتتمثل في :أولا:في الاستخلاف السياسي : الحرية ( طبقا لمفهومها الاسلامى، المتضمن للشورى والديموقراطيه”طبقا لدلالتها التي العامة التي لا تتناقض مع الفلسفة السياسية الاسلاميه ، والمقيدة بمفاهيمها وقيمها وقواعدها الكلية) - وتحرير الاراده الشعبية الوطنية والقومية – كحل لمشاكل الاستبداد والتبعية السياسية:اى الاستعمار بشكله القديم والجديد” الامبريالي” ، والاستيطاني ” الصهيوني” ، كمظاهر لثنائيه "الاستضعاف – الاستكبار" السياسي الداخلي والخارجي. ثانيا : الاستخلاف الاقتصادي: التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية (طبقا لمفهومها الاسلامى) كحل لمشاكل التخلف والتبعية الاقتصاديين والظلم الاجتماعي ، كمظاهر لثنائيه "الاستضعاف- الاستكبار" الاقتصادي.ثالثا: الاستخلاف الاجتماعي: الوحدة (الوطنية والقومية “العربية” والدينية “الاسلاميه”)- طبقا لمفهوم واقعي-عملي “تدريجي /سلمى /مؤسساتي” – كحل لمشكله التقسيم والتجزئة والتفتيت.رابعا: الاستخلاف الحضاري : الجمع بين الاصاله والمعاصرة ، من خلال الالتزام بمفهوم التجديد "طبقا لضوابطه الشرعية "، كحل لمشاكل الهوية المتمثلة،في الانشطار بين الجمود والتغريب الحضاري)*******************
ثانيا:المتن التفصيلى للدراسه:
تمهيد : تهدف هذه الدراسة إلى التأسيس لنسق معرفي اسلامى معاصر، استنادا إلى الأبعاد الفلسفية والمنهجية والمذهبية لمفهوم الاستخلاف القرانى. وإسلاميه هذا النسق المعرفي لا تعنى انه نص” يقيني الورود قطعي الدلالة “، بل يقصد بها انه اجتهاد مقيد بالنص، فالدراسة لا تقتصر على تناول الاستخلاف كمفهوم ” نصي- جزئي – تاسيسى”، اى باعتباره احد المفاهيم ألقرانيه الكلية ،التي تفسر احد محاور الوجود "الإنسان”، والتي تؤسس للتصور الاسلامى للوجود، بل تتناول أيضا الاستخلاف كنسق “اجتهادي – كلى - بنائي”، اى تستخدم مصطلح “الاستخلاف” للدلالة على اجتهاد لبناء نسق معرفي اسلامى معاصر، ذو مستويات ثلاثة : فلسفيه ومنهجيه ومذهبيه، استنادا إلى الأبعاد المعرفية “الفلسفية والمنهجية والمذهبية ” لمفهوم الاستخلاف . والمقصود بكون هذا النسق المعرفي الاسلامى معاصر: أولا:انه يهدف إلى وضع حلول للمشاكل- المشتركة- التي يطرحها واقعنا الزمانى والمكاني، ثانيا: انه يتجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين من الإسهامات الحضارية “عامه “والمعرفية “خاصة” للمجتمعات الأخرى المعاصرة لنا، إلى موقف نقدي يرفض من هذه الإسهامات ، ما تناقض مع أصول الدين”على المستوى النظري ” ، وواقع المجتمعات المسلمة “على المستوى العملي ” ، ويأخذ ما اتسق معهما.
أولا: مفهوم الاستخلاف تعريفه وأقسامه :
تعريف الاستخلاف لغة واصطلاحا : الاستخلاف لغة النيابة والوكالة (الفخر الرازي ، التفسير الكبير ومفاتيح الغيب،ج26،ص199). والوكالة نوعان:عامه وهى نيابة شامله، وخاصة وهى نيابة مقصورة على موضوع معين، وقد ورد مصطلح الاستخلاف في القران بما يقابل هذين النوعين ، فقد ورد بمعنى الوكالة العامة “الشاملة”، وطبقا للمعنى الحقيقي للمصطلح ، وهو هنا يعنى أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين ، كما في الاستخلاف التكويني “الاجتماعي”، كما ورد بمعنى الوكالة الخاصة ” المقصورة على موضوع معين “، وطبقا للمعنى المجازى للمصطلح، حيث يصور القران الوجود بمملكه ملكها الله تعالى والإنسان نائب ووكيل عنه في الأرض، تكريما للإنسان، وهو الاستخلاف التكليفى ، يقول الراغب الاصفهانى (الخلافة النيابة عن الغير إما لغيبه المنوب عنه…وإما لتشريف المستخلف)( المفردات في غريب القران ، ص156).
أقسام الاستخلاف:
أولا:الاستخلاف الخاص:وهو استخلاف فرد معين، وهو مقصور على الأنبياء والرسل (عليهم السلام )،ومثال له قوله تعالى:﴿ يا داؤد إنا جعلناك في الأرض خليفة فاحكم بين الناس بالحق﴾،وبختم النبوة وانقطاع الوحي بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا القسم من أقسام الاستخلاف .
ثانيا:الاستخلاف العام : وهو استخلاف الجماعة، ولا ينفرد به إي فرد أو فئة دونها، ومثال له قوله تعالى﴿ وإذ قال ربك إني جاعل في الأرض خليفة﴾ ، قالت جمهرة من المفسرين :المراد بالخليفة ذرية آدم بدليل قوله على لسان الملائكة ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾، يقول أبن كثير( الظاهر أنه لم يرد آدم عليه السلام، ولو كان ذلك لما حسن قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها)( أبن كثير , تفسير القرآن العظيم، ص114 )،والذي نرجحه هو أن الآية تضمن الاستخلاف الخاص وهو لآدم (عليه السلام) باعتبار نبوته، كما تتضمن الاستخلاف العام وهو لذرية آدم .وقد أشارت إلي هذا القسم من أقسام الاستخلاف العديد من النصوص منها قوله تعالى ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم﴾،ورد في تفسير الأمام أبن جزئ الكلبي( …..إي يخلف بعضكم بعضاً أو خلائف عن الله والخطاب في هذا لجميع الناس) ( تفسير أبن جزئ الكلبي ،ص41) ، وفي السنة النبوية قوله (صلى الله عليه وسلم)(إن الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون) ( مسلم: ذكر, 99 / الترمذي: فتن،36).
أقسام الاستخلاف العام:
ا/الاستخلاف التكويني : ومضمونه أن الله تعالى أودع في الإنسان( من حيث هو إنسان) إمكانية تحقيق الاستخلاف في الأرض ، وذلك بتوافر امكانيه معرفه والتزام السنن إلالهيه التي تضبط حركة الوجود، وفي القرآن العديد من الآيات تشير إلى هذا النوع من الاستخلاف كقوله تعالى ﴿ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾.
الاستخلاف الاجتماعي: ومن أشكال هذا الاستخلاف الاستخلاف الاجتماعي ، ويستند إلى المعنى الحقيقي لمصطلح الاستخلاف ، ومضمونه هو أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين: ومن أدلته قوله تعالى ﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ ﴾( الأعراف:74)، ورد في تفسير أبن كثير ( اي قوماً يخلف بعضهم قرنا بعد قرن وجيلاً بعد جيل) ،وهذا الاستخلاف الاجتماعي لا يتم جملة واحدة ، بل خلال أطوار هي ذات الوحدات الاجتماعية التي يتم خلالها الاستخلاف الاجتماعي وهي نامية خلال الزمان وهي الاسره ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ﴾، فالعشيرة﴿ وانذر عشيرتك الأقربين﴾،فالقبيلة فالشعب ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ، فأمه "التكوين" التي مناط الانتماء إليها اللسان لقوله ( صلى الله عليه وسلم) (إلا أن العربية اللسان..)،وتتميز بالاستقرار في الأرض الخاصة (الديار) "﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾( ( الممتحنة:8)، فطور العالمية الذي هو غاية الاستخلاف الاجتماعي.
ب-الاستخلاف ألتكليفي : و مضمونه إظهار الإنسان لربوبية الله تعالى وإلوهيته في الأرض، بالعبودية والعبادة ، على المستوى الصفاتى، يقول الإمام الماتريدى(وجائز أن يكونوا خلفاء فى إظهار أحكام الله ودينه)( تأويلات أهل السنة، ج1) ، ويقول الالوسى( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لى ومراه لاسمائى وصفاتي) (روح المعاني،ص223)، و بالتالي فإن هذا النوع من أنواع الاستخلاف مقصور على الذين يلتزمون بالوحي ، فهو يحد النوع السابق ولا يلغيه فيكمله ، وقد أشار القرآن إلى هذا النوع من الاستخلاف أيضا كما في قوله تعالى ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض﴾.
أدلته: ومن أدله الاستخلاف التكليفى – الذي طبقا له يكون الإنسان الملتزم بالوحي”سواء كان فردا أو جماعه ” خليفة الله في الأرض:
في السيرة: قول الصحابي للرسول (صلى الله عليه وسلم)( تأذن لي يا خليفة الله أضرب عنقه) ( أبي داؤد, حدود,3ك). وعن القثوبان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)( من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر هو خليفة الله في الأرض وخليفة كتابه وخليفة رسوله)( السيوطي، الفتح الكبير، ج1، ص 751).
عن السلف الصالح: قال المغيرة لعمر: (يا خليفة الله فقال ذاك نبي الله داؤد)( التاج في أخلاق الملوك, بيروت, 1955 هامش ص162) . وقال علي أبن أبي طالب ( إلا أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة, ومن مؤتمن يصلح لحمل الحق حتى يؤديه لأشباهه من الناس فيزرعه في قلوبهم … أؤلئك خلفاء الله في أرضه بما استلا نوه مما استرعاه المترفون, وانسوا مما استوحش منه الجاهلون, قد صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى, واؤلئك خلفاء الله في أرضه ودعاته إلى دينه فآه لهم وواه شوقاً إلى رؤيتهم)( ابن القيم مفتاح السعادة, دار العهد الجديد, مصر ص 123). وعن الحسن أخرج وضاح في كتاب القطعان وحديث الاوزاعي انه بلغه عنه انه قال( لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده يعرضون أعمال العباد على كتأب الله فان وافقوه حمدوا الله وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالة من ضل وهدى من اهتدى فاؤلئك خلفاء الله)( ألشاطبي, الاعتصام, دار الفكر, ج1, ص43).
عن علماء أهل السنة: قال ابن الجوزي( فكلما جد العباد صاح بهم لسان الحال عبادتكم لا. يتعداكم نفعها, وإنما يتعدى نفع العلماء وهم ورثة الأنبياء وخلفاء الله في الأرض)( صيد الخاطر، ج 2 ، ص 151). وقد قال البعض أن ابن تيميه أنكر جواز استخدام مصطلح “خليفة الله “مطلقا، استنادا إلى نفيه قول الشيعة أن الإمام هو خليفة الله في أرضه(…لان الله تعالى لا يخلفه غيره, فان الخلافة تكون عن غائب وهو سبحانه تعالى شهيد مدبر لخلقه….) ( ابن تيميه، منهاج السنة النبوية، ج1، ص136-137)، والصواب هو أن ابن تيميه أنكر جواز استخدام مصطلح” خليفة الله ” على وجه يفيد أن استخلاف الإمام هو شكل من أشكال الاستخلاف الخاص ، والذي مضمونه استخلاف فرد معين، لأنه مقصور على الأنبياء والرسل، وبختم النبوة بوفاة الرسول انتهى هذا القسم من أقسام الاستخلاف ، وهذا القول يلزم منه المساواة بين الإمام والنبي في الدرجة ، كما أنكر استخدام مصطلح “خليفة الله ” على وجه يفيد غيبه المستخلف ” الله تعالى ” ، ولكنه لم ينكر استخدام مصطلح “خليفة الله ” بإطلاق ، بدليل استخدامه له في سياق أخر حيث يقول ( … وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو خليفة الله على الأرض قد وكل أعوانًا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض، ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض…) ( الفتاوى/ زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور/حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض).
حكمه”فلسفه”الاستخلاف :البعد الحكمي ” الفلسفي”لمفهوم الاستخلاف: يتمثل البعد الحكمي “الفلسفي” لمفهوم الاستخلاف ، في حكمه ” فلسفه ” الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف” الله تعالى” والمستخلف”الإنسان” والمستخلف فيه “الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الحكمية”الفلسفية” لهذه المفاهيم الكلية، متخذه من اجتهادات أهل السنة – بمذاهبهم المتعددة- العقدية “الكلامية ” – نقطه بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد.
الحكمة والمفهوم الاسلامى للفلسفة: والدراسة تنطلق في تحديدها لفلسفه”حكمه”الاستخلاف من المفهوم الاسلامى للفلسفة سواء استخدمت مصطلح” الحكمة ” أو مصطلح “الفلسفة” فالدلالة الأصلية لمصطلح فلسفة يرجع إلى لفظ يوناني مشتق من كلمتي (فيلو) و (سوفيا) أي محبة الحكمة، وهناك من يرى أن هذا اللفظ قال به فيثاغورس الذي رأى أن الإله وحده الحكيم أما الإنسان فيجب أن يكتفي بمحبة الحكمة ،.أما تعريفات الفلسفة في الفلسفة الغربية فقد تعددت طبقاً لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في تعريفها. و إذا كان القدماء اليونانيين قد اكتفوا بوصف الإنسان بأنه محب للحكمة ، فان القران الكريم قد جمع بين وصف الله تعالى بالحكمة، كما في قوله تعالى(والله عزيز حكيم) (المائدة: 38)، ووصف الإنسان بالحكمة، كما في قوله تعالى( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ..)، مع وجوب أن نضع في الاعتبار أن الحكمه إلالهيه مطلقه ،والحكمة الانسانيه محدودة ، بناء على هذا فإننا نرى إن مصطلح (حكمة ) هو المصطلح القرآني المقابل لمصطلح (فلسفة) في الفكر الغربي ، وهذا ما يمكن استنباطه من ورود مصطلح الحكمة في القرآن بمعاني كالعقل والعلم والفهم والإصابة في القول ( ابن كثير، تفسير القرآن العظيم/ زبده التفسير من فتح القدير، ص540.) غير أننا نرى انه لا حرج من استخدام مصطلح الفلسفه ، ما دام هذا الاستخدام للفظ ذو دلاله لا تتناقض مع مفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية ، وهنا نستأنس بتقرير العلماء لقاعدة (لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني)( المستصفى: 1/23 ) ، وإذا كان العلماء قد أجمعوا على أنه ليس في القرآن ” كلام مركب من ألفاظ أعجمية ” يعطي معنى من هذا التركيب ،فأنهم قد اجمعوا أيضا على أن في القرآن ” أسماء أعلام أعجمية ” يقول القرطبي في مقدمة تفسيره ( لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب ، وأن في القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط ) (تفسير القرطبي : 1 / 68 ) ، كما العديد من علماء الإسلام قد استخدموا مصطلح الفلسفة ، يقول أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ( الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (البيهقي ، معرفة السنن والآثار (1/118 ). وابن عساكر ، تاريخ دمشق 51/350).
مذهب الشمول الشرعي لمصطلح ” أهل السنة” : والدراسة تستخدم مصطلح “أهل السنة” طبقا لمذهب الشمول الشرعي ، وليس طبقا لمذهب التضييق المذهبي. فالأخير هو مذهب يقصر دلاله مصطلح ” أهل السنة ” على مذهب معين، وبالتالي يرى انه لا يجوز أن نصف به غيره من المذاهب، ووجه الخطأ في هذا المذهب هو انه يفترض أن لمصطلح ” أهل السنة ” دلاله واحده .آما الأول “مذهب الشمول الشرعي” فهو المذهب الصحيح ، و يقوم على أساس أن لمصطلح أهل السنة دلالات متعددة: خاصة تتمثل في وصف مذهب معين من هذه المذاهب بمصطلح ” أهل السنة ” وعامه مضمونها كل مسلم متمسك بالكتاب والسنة ، يقول الإمام ابن تيميه (فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى (3/346) ،وتندرج تحت هذه الدلالة العامة المذاهب الفقهية:الحنبلي والشافعي والمالكي والحنفي…والمذاهب ألاعتقاديه الكلامية: الحنبلي و الظاهري و الماتريدي والطحاوي والاشعرى والتصوف السني الذي يشكل المذهب الأخير” الاشعرى ” أساسه العقدي . يقول الإمام ابن تيمية ( فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة )(منهاج السنة 2/ 221) ، واستنادا إلى هذا فانه يرى ان وصف مذهب معين بهذا المصطلح ” أهل السنة ” على وجه الخصوص، لا يعنى أن هذا المصطلح مقصور عليه، لذا يجوز ان نصف به غيره من المذاهب على وجه العموم، مادامت هذه المذاهب مقيده بضوابط المصطلح الشرعية..
نظريه الوجود: تستند حكمه” فلسفه” الاستخلاف إلى نظريه في الوجود ، تنطلق من ثلاثة مفاهيم قرانيه هي:
ا/ مفهوم التوحيد : ومضمونه إفراد الربوبية والالوهيه لله تعالى ، فهو بالتالي ينقسم إلى توحيد الربوبية الذي مضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق” الدائم كونه فاعلا فتعبير ابن تيميه “، يقول الإمام ابن تيميه في معرض رفضه لاستدلال المتكلمين على وجود الله بطريقه الأعراض الدالة على حدوث الأجسام ( إن هذا المسلك مبنى على امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع قيام الأفعال الاختيارية بذاته) (ابن تيميه، درء التعارض،1/98.)، أما مضمون توحيد الإلوهية فهو أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة ”الغاية المطلوب بتعبير ابن تيميه”، يقول ابن تيمية ( …. ولكن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ….. ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره)..فالتوحيد بقسميه(توحيد الربوبية و الالوهيه) يتعلق إذا بإفراد الوجود المطلق – فعلا وغاية- لله تعالى، والوجود المطلق هو الوجود القائم بذاته وكل وجود سواه قائم به ، وبتعبير الغزالي( فهو القيوم لان قوامه بذاته ،وقوام كل شيء به ،وليس ذلك إلا الله تعالى)( الغزالي، المقصد الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى).
الظهور الصفاتى والذاتي للربوبية : وللفعل المطلق الذي عبر عنه القران الكريم بمصطلح “الربوبية”، ظهور صفاتي وظهور ذاتي :
ا/الظهور الصفاتى : ومضمونه أن عالم الشهادة قائم على ظهور صفات الربوبية ” اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى”، يقول ابن القيم ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر ، مظهر الأسماء والصفات ، فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها)، ولهذا الظهور شكلين: الشكل الأول تكويني: يتمثل في الكون، والسنن الإلهية التي تضبط حركته ، يقول ابن تيميه(المخلوقات كلها آيات للخالق والفرق بين الايه والقياس إن الايه تدل على عين المطلوب الذي هو أيه وعلامة عليه)( ابن تيميه، مجموع الفتاوى،1/48)، والشكل الثاني تكليفي :يتمثل في الوحي ومفاهيمه وقيمه وقواعده الكلية يقول ابن القيم( القران كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته) ، ولهذا الوجود الشهادى درجتان هما: الوجود التسخيرى "الطبيعي" والوجود الاستخلافى "الانسانى"، لذا يتصل بتفسير الوجود الشهادى تناول مفهومي التسخير والاستخلاف :
ب/ مفهوم التسخير: ومضمونه أن الأشياء والكائنات التي لها درجه التسخير تظهر صفات ربوبية والوهيه الله تعالى ، على وجه الإجبار ، فهي دائما آيات داله على وجوده المطلق ، يقول ابن القيم ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر مظهر الأسماء والصفات فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها). ويترتب على مفهوم التسخير قاعدتان هما:
أولا. الموضوعية: وتنقسم إلى قسمين هما : الموضوعية التكوينية " وتتمثل في الوجود الموضوعي للكون"، والموضوعية التكلفية "وتتمثل في الوحي كوضع الهي مطلق"، وقسما الموضوعية يترتب عليهما تقرير أن الوجود الانسانى غير منفصل عن العالم الطبيعي وقوانينه "سننه الالهيه" ، أو الوحي ومفاهيمه وقيمه وقواعده الكلية.
ثانيا: السببية: وطبقا لها فان مضمون السنن الالهيه “الكلية والنوعية “التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، هو تحقق المسبب بتوافر السبب وتخلفه بتخلف السبب. ويترتب على قاعدة السببية تقرير أن الضرورة ( ممثلة في انضباط حركة الوجود الشهادي بسنن إلهية لا تتبدل) هي شرط – وليس إلغاء – للوجود الانسانى ، أي أن تحقق الوجود الإنساني يتوقف على معرفة والتزام حتمية هذه السنن الإلهية.
ج/ مفهوم الاستخلاف : ومضمونه إظهار الإنسان لربوبية وإلوهيته الله تعالى في الأرض ،على المستوى الصفاتى، على وجه الاختيار، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة، يقول الالوسى ( فلابد من إظهار من تم استعداده وقابليته ليكون مجليا لي ومراه لاسمائى وصفاتي)( روح المعنى،ص223) ، وإظهار صفات الالوهيه يكون بتوحيد الالوهيه والعبادة، وللاخيره معنى خاص ومعنى عام ، ومضمون الأخير كل فعل الغاية المطلقة منه الله تعالى يقول الإمام ابن تيميه ( العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة) (رسالة العبودية ، ص 38) ، والعبادة – طبقا لهذا التعريف – هي ضمان موضوعي مطلق لتحقيق البعد الايجابي للوجود الانسانى(على المستوى الذاتي) ، لأن اتخاذ الله تعالى غاية مطلقة، يمد الذات بإمكانيات غير محدودة للترقي”الروحي” ، لأنه لا تتوافر للذات الإنسانية إمكانية التحقيق النهائي لها. أما إظهار صفات الربوبية فيكون بتوحيد الربوبية والعبودية، التي تعنى تحديد الفعل الانسانى – وليس إلغائه – وذلك باتخاذ مقتضى صفات الربوبية ضوابط موضوعيه مطلقه له ، والعبودية- طبقا لهذا التعريف – ضمان موضوعي مطلق لتحقيق البعد الإيجابي للوجود الانسانى (على المستوى الموضوعي)، لان الفعل الالهى المطلق عندما يحدد الفعل الانسانى ، فانه يكمله ولا يلغيه.
ب/ الظهور الذاتي( الحياة الاخره): ومضمونه ظهور ذات الفعل المطلق ، وقد عبر عنه القران بمصطلح التجلي كما في قوله تعالى (…فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 143)، ولهذا الظهور الذاتي شكلين:
الشكل الأول :مقيد: ويتم في الحياة الدنيا وله شكل تكويني يتمثل في معجزات الأنبياء، وشكل تكليفي يتمثل في نزول الوحي على الأنبياء.
الشكل الثاني : مطلق: ويتم في الاخره ، فالحياة الاخره هي درجه من درجات الوجود قائمه على الظهور الذاتي (التجلي) ، قال تعالى (وأشرقت الأرض بنور ربها)، هذا التجلي يترتب عليه تغيير الوجود الشهادى المحدود بالزمان والمكان ، والقائم على الظهور الصفاتى، بوجود غيبي، قائم على الظهور الذاتى قال تعالى (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) ،وقال تعالى(يوم يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات)، غير أن هذا الظهور الذاتي أو التجلي( بالنسبة إلي الناس) ليس شاملا لجميعهم، بل هو مقصور على المؤمنين، وهو ما عبر عنه أهل السنة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة،استنادا إلى العديد من النصوص كقوله تعالى (وجوهٌ يومئذٍ ناضرة، إلى ربِّها ناظرة).
نظريه المعرفة: كما تستند حكمه “فلسفه “الاستخلاف إلى نظريه في المعرفة مضمونها أن العلم صفة ألوهية،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ،وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:
ا/ شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة"المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف" كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد(التذكير والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة كوسائل لمعرفته.
ب/ شكل تكليفي: يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة ، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات علة توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه). ومضمون الاستخلاف هنا إظهار صفه العلم الالهيه في الأرض، وذلك بإفراد العلم المطلق لله ، واتخاذ صفة العلم الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان لتحقيقه في واقعه المحدود، دون أن تتوافر له أمكانيه التحقيق النهائى له ، وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها .فالوحي يحدد – ولا يلغى – جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي "المشكلة العينية" إلي الذاتي "الحل المجرد" ، إلي الموضوعي"الواقع" مرة أخرى من أجل تغييره ، فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته.
نظريه القيم: كما تستند حكمه “فلسفه “ الاستخلاف إلى نظريه في القيم مضمونها التمييز بين نوعين من القيم: قيم مطلقة تمثل المستوى المطلق للقيمة مصدرها الله تعالى(المستخلف بكسر اللام)،وقيم محدودة تمثل المستوى المحدود للقيمة مصدرها الإنسان(المستخلف بفتح اللام) هذا التمييز بين النوعين من القيم أو بين المستويين من مستويات القيمة مصدره توحيد الإلوهية، إذ انه قائم على إفراد المطلق من الصفات- القيم "كالعدل والرحمة والحكمة والعلم..."لله تعالى، فالإلوهية لا تنصب على هذه الصفات في ذاتها بل على المطلق منها "باعتبار أن مضمونه كونه تعالى الغاية المطلقة" وهذا هو علة وصف القرآن الله تعالى والإنسان بهذه الصفات.فالرحمة قيمة وصف ذاته تعالى بها كما في الآيات (ربك الغني ذو الرحمة) (الأنعام: 132)، كما وصف الإنسان بها كما في الآيات (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (النمل: 77) فالرحمة كقيمة مطلقة عند الله تعالى محدودة عند الإنسان كما تدل الآيات (ورحمتي وسعت كل شئ) (لأعراف: 156 )، يقول ابن القيم (اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد كالحي والسميع والبصير والعليم والقدر والملك ونحوه ثم يورد رأيين... ويقول عن الثالث الذي يرجحه (أنها حقيقة فيهما وللرب تعالى ما يليق بجلاله وللعبد ما يليق به)( ابن القيم، بدائع الفوائد، ص 164). واستنادا إلى هذا التمييز تقدم هذه النظرية إجابات على الاسئله التي تطرحها نظريه القيم ، وأهمها السؤال: ما هي طبيعة القيم؟ : والذي يتناول مشكلة تعريف القيمة من خلال أربعة مشاكل(أ) هل القيم مطلقه " لا تخضع للتغير في المكان و التطور خلال الزمان"، أم نسبية "تخضع للتغير في المكان والتطور خلال الزمان؟ . (ب) هل القيم موضوعية" اى لها وجود مستقل عن عقل الإنسان وغير متوقف عليه"، أم ذاتيه" إي من وضع العقل البشرى واختراعه" ؟. (ج) هل القيم غاية في ذاتها أم مجرد وسيلة إلى غاية غيرها؟ . (د) هل القيم معيارية " إي تنصب على ما ينبغي أن يكون"، أم وصفية" أي تقتصر على ما هو كائن"؟. والاجابه التي تقدمها هذه النظرية في القيم على هذه الاسئله هي أن القيم المطلقة التي مصدره الله تعالى "المستخلف بكسر اللام" هي قيم: (1) مطلقه" فهي ثابتة" لا تخضع للتغير أو التطور في المكان أو خلال الزمان"، (2) موضوعيه "ولها شكلين :موضوعيه تكوينيه تتمثل في الفطرة كمصدر للقيم، وموضوعيه تكليفيه وتتمثل في الوحي كمصدر للقيم" ، (3)غاية في ذاتها " لذا قرر القرآن بصيغ مختلفة أن الله تعالى ينبغي أن يكون هو الغاية المطلقة وراء الغايات المحدودة لأي نشاط فكري أو مادي يقوم به الإنسان:(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام: 162)، (4) معياريه .بينما القيم المحدودة التي مصدرها الإنسان "المستخلف بفتح اللام" فهي قيم: (1) نسبيه ،( 2) يمكن أن تتضمن قيم ذاتيه، (3) ووسيلة إلى غاية غيرها "كالمنفعة " ( حيث اخذ المنظور القيمى الاسلامى بمعيار المنفعة الذي قرره القرآن في عدة مواضع:(وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) (الرعد: 17)، واتساقا مع هذا قرر علماء أصول الفقه أن حماية المصالح من مقاصد التشريع الاسلامى استدلالا بقوله نعالي (وما أرسلناك إلا رحمه للعلمين)،واعتبروا المصالح المرسلة كمصدر من مصادر التشريع التبعية. ولكن وجه الاختلاف مع مذهب المنفعة في الفلسفة الغربية أن المنظور القيمى الاسلامى ميز بين منفعة "مصلحه" مطلقه وضعها الله تعالى، ومنفعة محدودة نسبيه وضعها الإنسان، كما جعل الاخيره مشروطة بعدم التعارض مع أصول الدين النصية الثابتة يقول الغزالي: (إن المصلحة المرسلة إذا كانت ضرورية كلية قطعية يحتج لها فإن فقدت شروط هذه الشروط لا يعمل بها)، (4) وصفيه. أما الجمع بين نسقى القيم: (المطلقة/الموضوعية/المعيارية /الغائية) و(النسبية/ الذاتية /الوصفية /الوسليه) فيتم طبقا لمنهج المعرفة الاسلامى وسنه " الكدح إلى الله " والتي مضمونها " التكليفى "أن تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي محدود بفعل مطلق"الربوبية" وغاية مطلقه " الالوهيه "، فمضمون الاخيره أن الله تعالى ينفرد بكونه غاية مطلقة ، وأن صفات إلوهيته من حيث هي قيم مطلقة ،يسعى الإنسان لتحقيقها في واقعه المحدود دون أن تتوافر له أمكانيه التحقيق النهائي لها يقول الإمام ابن تيمية ( .... ولمن المراد المستعان على قسمين: منه ما يراد لغيره ..... ومنه ما يراد لنفسه فمن المرادات ما يكون هو الغاية المطلوب فهو الذي يبذل له الطالب ويحبه وهو الإله المعبود ومنه ما يراد لغيره)
حكمه” فلسفه”الاستخلاف فلسفه إنسانيه– روحيه”دينيه”، وسطيه متجاوزه لكل من الفلسفات المادية والمثالية : بعد العرض السابق نخلص إلى أن حكمه” فلسفه ”الاستخلاف فلسفه إنسانيه– روحيه” دينيه”، لأنها قائمه على التأكيد على قيمه الوجود الانسانى، وإثباتها لهذا الوجود بأبعاده المتعددة،كوجود محدود تكليفيا بالسنن الالهيه ، التي تضبط حركه الوجود” الشهادى “، فهي تجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى بأبعاده المتعددة علاقة تحديد وتكامل- من خلال تقريرها أن الوجود الالهى يحدد الوجود الانسانى ، فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه – وليست علاقة إلغاء وتناقض كما في الفلسفات الانسانيه الغربية . كما أن حكمه "فلسفه الاستخلاف" قائمه على أن الوجود الانسانى “ المستخلف” ليس وجود بسيط ، بل هو وجود مركب من أبعاد ماديه”حسية شهاديه” وروحيه”غيبيه” متفاعلة ، وضرورة تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة- استنادا إلى مفهوم الوسطية – فهى ترفض إشباع حاجاته المادية وتجاهل حاجاته الروحية”وهو ما يلزم من الفلسفات المادية” ، كما ترفض إشباع حاجاته الروحية وتجاهل حاجاته المادية”وهو ما يلزم من الفلسفات المثالية “،وتدعو إلى إشباع حاجاته المادية والروحية معا قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)(القصص:77)، وقال تعالى(قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ). (الأعراف:32)
منهج المعرفة الاستخلافى : البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف في الاستخلاف كمنهج للمعرفة :
الأسس النظرية لمنهج المعرفة الاستخلافى: منهج المعرفة الاستخلافى يقوم على اتخاذ المفاهيم القرآنية الكلية (التوحيد والتسخير والاستخلاف) (بما هي مبادئ ميتافيزيقية “غيبية”) مسلمات أولى للمنهج تحده ولا تلغيه،ولهذا الموقف شرعيته حتى في الفلسفة الغربية، إذ أن المنهج بما هو الكشف عن القوانين (السنن الالهيه) التي تحكم حركة الأشياء والظواهر والإنسان، يقوم على التجربة والاختبار العلميين، ولكنه في ذات الوقت يقوم على افتراضات سابقة على التجربة مثل الموضوعية والحتمية..كما أن هذا لا يعني أن يتحول المنهج إلي منهج ميتافيزيقي بالمفهوم الغربي ، أي يتحول إلي البحث في مشاكل ميتافيزيقية، إذ المنهج بعد ذلك هو النظر في سنن الله تعالى في الطبيعة والمجتمع ،أي معرفتها والتزامها كي ننجح في تحقيق ما نريد (قد خلت من قبلكم سنن قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين). ويترتب على هذا أن هذه السنن الإلهية تحكم حركة الإنسان كونه إنسان، بصرف النظر عن كونه مسلم أو كافر، كما يجوز أخذها من أي مصدر ماد