27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية الجزء الثاني .شرح داود القيصري فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
الفص المحمدي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الجزء الثاني27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتلك الدرجة التي تميز الحق بها عنه ) أي ، عن الرجل . ( بها ) أي ، بتلك الدرجة ( كان ) الحق ( غنيا عن العالمين وفاعلا أولا ، فإن الصورة ) أي ، الصورة النوعية التي هي الحقيقة الإنسانية المخلوقة على صورة الحق ( فاعل ثان . ) أما كونه فاعلا ، فلأنه خليفة في العالم ، متصرف في أعيانها كلها .
وأما وقوع فعله في ثاني المرتبة ، فلأن فعله على سبيل التبعية والخلافة ، لا الأولية والأصالة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما له الأولية التي للحق ) أي ، فليس للإنسان الأولية الحقيقية التي للحق إذا أوليته غير أولية الأعيان ، كما مر في أول الكتاب .
( فتميزت الأعيان بالمراتب ) أي ، تميزت الأعيان الكونية من الحق تعالى بمراتبها التي اتصفت بها في الأزل وتميز بعضها عن بعض بحصة من عين تلك المراتب ، إذ لكل منها مرتبة معينة وحد مخصوص واستعداد مناسب أفاض الحق لها بالفيض الأقدس .
كما قال تعالى : ( أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف . ) أي ، كل من عرف الحقائق والمراتب ، أعطى كل عين حقها وما نقص عنه ولا زاد عليه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلهذا كان حب النساء لمحمد ، صلى الله عليه وسلم ، عن تحبب إلهي ، وإن الله "أعطى كل شئ خلقه " ) أي ، ولأجل أن العارف المحقق يعطى حق كل ذي حق ، كان حب النساء في القلب المحمدي عن تحبب إلهي ، أي ، جعل قلبه محبا للنساء لاقتضاء أعيانهن أن تكن محبوبات للرجال واقتضاء أعيانهم حبهن .
( وهو عين حقه ) أي ، ذلك العطاء عين حق ذلك الشئ ، فحب محمد صلى الله عليه وسلم ، للنساء عين حق محمد ، لأن أعيان الرجال يقتضى حب النساء ، وان كان من وجه آخر الرجل محبوبا للمرأة ومعشوقا لها ، والمرأة محبة وعاشقة له .
وباجتماع صفتي العاشقية والمعشوقية في كل منهما حصل الارتباط بينهما وسرت المحبة في جميع المظاهر ، فصار كل منهما عاشقا من وجه ، معشوقا من وجه ، كما أن الحق محب من وجه ، محبوب من وجه ، فصارت المحبة رابطة بين الحق والخلق أيضا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما أعطاه ) أي ، فما أعطى الحب لمحمد ، صلى الله عليه . ( إلا باستحقاق استحقه بمسماه ، أي ، بذات ذلك المستحق . ) أي ، عين المستحق طلب ذلك الحب من الله ، فأعطاه إياه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإنما قدم النساء ، لأنهن محل الانفعال ، كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة . ) أي ، تقديم النساء في الحديث إشارة إلى تقدم مرتبتهن ، لأنهن محل الانفعال ، ولا بد أن يتقدم القابل على المقبول ، كما يتقدم الفاعل على مفعوله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني ، فإنه فيه انفتحت صور العالم ، أعلاه وأسفله ، لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم الأجرام خاصة . ) قد مر في ( الفص العيسوي ) أن الطبيعة نسبتها إلى النفس الرحماني نسبة الصورة النوعية التي للشئ إليه .
فقوله رضي الله عنه : ( على الحقيقة ) إشارة إلى أن العقل وإن كان يميز بين الشئ وبين صورته النوعية ، لكنها في الحقيقة عين ذلك الشئ .
وقوله : ( فإنه فيه ) أي في النفس انفتحت صور العالم ، أي عالم الأجسام أعلاه وأسفله ، تعليل ذلك . أي ، فإن الصور النوعية التي للعالم الجسماني موجودة في النفس . وهي كأفراد مطلق الطبيعة الكلية .
وقد بان أن الصور النوعية التي للشئ عين ذلك الشئ في الوجود ، فالطبيعة الكلية عن النفس الرحماني .
وقوله رضي الله عنه : ( السريان النفخة ) تعليل لقوله : ( فإنه فيه انفتحت صور العالم . ) أي ، وذلك لسريان النفخة الإلهية في الجوهر الهيولاني الذي هو القابل لصور الأجسام خاصة .
وإنما قيدنا العالم بعالم الأجسام ، وإن كان عالم الأرواح أيضا صورا منتفخة في النفس الرحماني ، لقوله : ( وأما سريانها لوجود الأرواح النورية والأعراض ، فذلك سريان آخر . ) أي ، وأما سريان الطبيعة في وجود الأرواح النورية التي هي المجردات وفي الأعراض ، فذلك سريان آخر .
وذلك لأن سريان النفس في الجواهر الروحانية كلها بواسطة سريان الطبيعة الجوهرية فيها ، لا بواسطة الهيولى الجسمية ، وفي الأعراض بواسطة الطبيعة العرضية التي هي مظهر التجلي
الإلهي وظهوره
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم ، إنه ، عليه السلام ، غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير ، لأنه قصد التهمم بالنساء ، فقال : " ثلاث " ، ولم يقل : ثلاثة . ب " الهاء " الذي هو لعدد الذكران ) ظاهر .
قوله رضي الله عنه : ( إذ وفيها ذكر الطيب ) تعليل . أي ، لأن فيها ذكر النساء وذكر الطيب . ف ( الواو ) في ( وفيها ) للعطف . ( وهو مذكر ) أي ، الطيب مذكر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وعادة العرب أن يغلب التذكير على التأنيث ، فيقول : الفواطم وزيد خرجوا . ولا يقول خرجن . فغلبوا التذكير ، وإن كان واحدا على التأنيث ، وإن كن جماعة . وهو عربي ) أي ، ورسول الله المتكلم بهذا الكلام عربي وأفصح الفصحاء كلهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فراعى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، المعنى الذي قصد به في التحبب إليه ما لم يكن يؤثر حبه ) قوله : ( قصد ) يجوز أن يكون مبنيا للمفعول .
أي ، راعى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في هذا التغليب المعنى الذي قصده الله بالتحبيب إلى الرسول . وقوله ، صلى الله عليه وسلم : ( حبب إلى . . . ) يؤكده .
ويجوز أن يكون مبنيا للفاعل . أي ، راعى المعنى الذي قصده الرسول بهذا التغليب في التحبيب إليه ما دام لم يكن مؤثرا حب ذلك المعنى لنفسه ، بل يختاره ويؤثره لله تعالى ، فيحبهن بحب الله.
فضمير ( به ) للتغليب و ( به ) متعلق ب ( راعى ) . وضمير الصلة محذوف . أي ، قصده به . وضمير ( إليه ) للنبي صلى الله عليه وسلم . و ( ما ) للمدة . وضمير ( حبه ) ( المعنى ) والإضافة إلى المفعول .
ويجوز أن يكون ضمير ( حبه ) عائد إلى ( النبي ) صلى الله عليه وسلم ، فيكون الإضافة إلى الفاعل . ومعناه : ما دام لم يكن مؤثرا حبه لهن لنفسه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعلمه الله ما لم يكن يعلم ، وكان فضل الله عليه عظيما . ) أي ، علمه الله المعنى الموجب لمحبة النساء لذلك غلب التأنيث على التذكير . ولولا تعليمه إياه ، لكان كلامه على ما جرت به عادة العرب .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فغلب التأنيث على التذكير بقوله عليه السلام : "ثلث" بغير "هاء" . فما أعلمه ، صلى الله عليه ، بالحقائق وما أشد رعايته للحقوق . ثم ، إنه ) أي ، أن النبي .
قال الشيخ رضي الله عنه : (جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث ، وأدرج بينهما التذكير ، فبدأ بالنساء وختم بالصلاة . وكلتاهما تأنيث ، والطيب بينهما ك "هو" ) أي ، كالنبي ، عليه السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( في وجوده ، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها ، وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنثين : تأنيث ذات ، وتأنيث حقيقي . كذلك النساء تأنيث حقيقي ، والصلاة تأنيث غير حقيقي ، والطيب مذكر بينهما ، كآدم بين الذات الموجودة هو عنها ، وبين حواه الموجودة عنه . وإن شئت قلت : الصفة فمؤنثة أيضا ، وإن شئت قلت : القدرة فمؤنثة أيضا . فكن على أي مذهب شئت ، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم ، حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم ، والعلة مؤنثة . )
أشار رضي الله عنه ، بلسان الذوق أن الخاتمة نظيرة السابقة الأزلية . وذلك لأن آدم الحقيقي الغيبي وآدم الشهادة كل منهما مذكر ، واقع بين مؤنث غير حقيقي ، وهو لفظة ( الذات ) ، وبين مؤنث حقيقي ، وهي حواء ، عليها سلام الله .
إن عبرت عنها بالحقيقة الأصلية أو العين الإلهية ، فكذلك . وإن جعلت السبب لوجود آدم
الصفة ، كالقدرة ، وجعلتها مغائرة للذات كما هو مذهب المتكلمين أو جعلتها عينا كما هو مذهب الحكماء الإلهيين أو جعلت الذات من حيث هي بلا اعتبار الصفة علة لوجود العالم، أيضا كذلك.
ولما كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أفصح فصحاء العرب والعجم وأعلم علماء أهل العالم ، أشار فيما تكلم به إلى ما عليه الوجود تنبيها لأهل الذوق والشهود .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأما حكمة الطيب وجعله بعد النساء ، فلما في النساء من روائح التكوين )
أي ، روائح تكوين أهل العالم . لأن المرأة لها رتبة الأمومة التي بها وجود الأولاد .
وصاحب الكشف يشم روائح وجودهم فيها ويدرك بذوق الشم ، فلذلك جعله بعد ذكر النساء . وتلك الرائحة ألذ الروائح .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنه "أطيب الطيب عناق الحبيب" . كذا قالوا في المثل السائر . ) أي ، الشأن أن أطيب الطيب ما يجده المحب من عناق الحبيب ، وذلك لأنه يجد فيه رائحة عينه وحقيقته .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولما خلق ) رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . ( عبدا بالأصالة ، لم يرفع رأسه قط إلى السيادة ) مراعاة لما تقتضيه عينه الثابتة من العبودية الذاتية الحاصلة من التعين والتقيد وحفظا للأدب مع الحضرة الإلهية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بل لم يزل ساجدا ) لربه متذللا لحضرته ( واقفا مع كونه منفعلا ) أي ، واقفا في مقام عبوديته ومرتبة انفعاليته . ( حتى كون الله عنه ما كون . ) أي ، حتى وجد الله من روحه جميع الأرواح ومظاهرها .
كما جاء في الحديث : ( إن الله لما خلق العقل ، قال له : أقبل ، فأقبل . ثم قال له : أدبر ، فأدبر . فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلى منك ، بك آخذ وبك أعطى وبك أثيب وبك
أعاقب ) . - الحديث . و ( العقل ) المذكور هو روحه المشار إليه بقوله : ( أول ما خلق الله نوري ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأعطاه رتبة الفاعلية ) بأن جعله خليفة للعالم ، متصرفا في الوجود العيني ، معطيا لكل من أهل العالم كماله .
ولما كان كلامه صلى الله عليه وسلم في الطيب ، جعل ذلك التصرف في عالم الأنفاس فقال رضي الله عنه : ( في عالم الأنفاس التي هي الأعراف الطيبة ، فحبب إليه الطيب ، فلذلك جعله ) رسول الله ، صلى الله عليه . ( بعد النساء . ) المراد ب ( عالم الأنفاس ) هو عالم الأرواح المؤثرة بأنفاسهم في الوجود الظاهري ، وب ( الأعراف الطيبة ) الروائح الطيبة الوجودية .
ولما كانت الأرواح مبادئ للموجودات الشهادية التي تحملها الطبيعة الكلية الروحانية ، صارت موصوفة ب ( الأعراف الطيبة ) .
وهي الروائح الوجودية للأعيان الأزلية العلمية . ولكون هذه الروائح حاصلة بعد وجود الطبيعة التي هي أم بالنسبة إلى الكل ، جعل الطيب بعد ذكر النساء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فراعى الدرجات التي للحق في قوله : "رفيع الدرجات ذو العرش" لاستوائه عليه باسمه "الرحمن ". ) أي ، فراعى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، هذا الترتيب : الدرجات الإلهية والمراتب الكلية التي للحق المشار إليها في قوله : ( رفيع الدرجات ذو العرش ) .
وذلك لأن أول ما وجد هو العقل الأول ، وهو آدم الحقيقي ، ثم النفس الكلية ، منها وجدت النفوس الناطقة كلها ، وهي حواء ثم الطبيعة التي بواسطتها ظهر الفعل والانفعال في الأشياء ، ثم الهيولى الجسمية ، ثم الجسم الكلى ، ثم الفلك الأطلس الذي هو العرش الكريم ، ثم الكرسي ، ثم العنصريات من السماوات والأرض ، على ما مر من أن السماوات متولدة من ( دخان ) الأرض ، ثم حصلت المواليد الثلاث ، وتم الملك والملكوت .
وهذه الحقائق كلها درجات إلهية ومراتب رحمانية ، تقدمت عليها النفس الكلية ، وبالتنزل إلى المرتبة الجسمية حصل الاستواء الرحماني .
فالروح المحمدي الذي هو المظهر الرحماني هو الذي استوى على العرش ، فتعم رحمته على العالمين . كما قال : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يبقى فيمن حوى عليه العرش من لا تصيبه الرحمة الإلهية. وهو قوله تعالى: ) أي ، وهذا المعنى المذكور في قوله تعالى : ("ورحمتي وسعت كل شئ ") .
أي ، فليس في كل ما يحيط به هذا الاسم الرحماني ومظهره الذي هو العرش من الموجودات من لا تصيبه الرحمة الرحمانية . وهي كالوجود والرزق وأمثالهما من النعم العامة الظاهرة والباطنة . لذلك قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شئ ) .
ولما كان العرش محيطا بكل ما فيه من الموجودات - كما قد مر أن العرش الروحاني الذي هو العقل الأول محيط بجميع الحقائق الروحانية والجسمانية والعرش الجسماني محيط بجميع الأجسام - قال : ( والعرش وسع كل شئ ) .
وقوله رضي الله عنه : ( والمستوى "الرحمن" ) إشارة إلى قوله تعالى : "الرحمن على العرش استوى" أي ، الحاكم والمستولي على العرش من الأسماء هو الاسم "الرحمن " والعرش مظهره الذي منه وبه يفيض على ما تحته من الموجودات ، فإن الأسماء من حيث إنها نسب الذات لا تصير مصدرا للأنوار الفائضة منها إلا بمظاهرها الروحانية ، ثم الجسمانية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فبحقيقته يكون سريان الرحمة في العالم ) أي ، بحقيقة هذا الاسم الرحماني يحصل سريان الرحمة في العالم ، وهي ما يمتاز الاسم به عن غيره .
وإن شئت قلت : وبحقيقة العرش يكون هذا السريان في العالم . وهي العين الثابتة التي ظهر بها الرحمن في العالم ، كما ظهر بالعقل الأول في عالم الأرواح ، وبالفلك الأطلس في عالم الأجسام ، فإن الظاهر والمظهر بحسب الوجود واحد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كما بيناه في غير موضع من هذا الكتاب ومن الفتوح المكي . ) من أن حقيقة الاسم هو ما يمتاز به عن غيره ، وهي الصفة ، فإن الذات مشتركة في الكل .
وحقيقة الرحمة الرحمانية التي هي الرحمة الذاتية يقتضى الرحمة الصفاتية التي تظهر في المظاهر العينية بسريانها فيها سريان الرحمة في العالم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد جعل الطيب الحق تعالى في هذا الالتحام النكاحي ) الواقع بين الرجل والمرأة ، وجعل الطيب ( في براءة عائشة ، فقال : "الخبيثات للخبيثين والخبيثون
للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات" ) لأن الطيب ماله الطيب ، فشهد الحق فيها بأنها طيبة ونفى الخبث عنها بقوله : ("أولئك مبرؤون مما يقولون") لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أطيب الطيبين ، وعائشة وباقي أزواج النبي ، عليه السلام ، أطيب الطيبات .
وإنما قلنا إنه أطيب الطيبين ونساؤه أطيب الطيبات ، لأن الأفراد الإنسانية من حيث إن كلا منها إنسان ، ليس فيها خبث ، بل كلها طيب بالطيب الذاتي ، لأن كلا منها مخلوق بيديه وحامل لما عنده من الصفات الإلهية .
وكون بعضها طيبا بالطيب الصفاتي ، وبعضها خبيثا ، إنما هو باتصاف البعض بالكمالات ،
والبعض الآخر بالنقائص ، ولا شك أن أكمل الأفراد الإنسانية من الرجال هو النبي ، وأكملها من النساء أزواجه ، وإذا كان كذلك ، فأولئك مبرؤون عما يقول الظالمون فيهن .
( فجعل روائحهم ) أي ، روائح الطيبين ، يعنى ، لوازمهم من الصفات والأفعال طيبة وأقوالهم صادقة ، وروائح الخبيثين خبيثة وأقوالهم كاذبة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لأن القول نفس ، وهو عين الرائحة ) المراد ب ( الرائحة ) هنا اللازم ، إذ الرائحة كيفية من الكيفيات الوجودية ، لازمة للجوهر الذي عرضت فيه .
وإنما جعل ( النفس ) عين الرائحة ، لأنه لازم لوجود المتنفس ، كما أن الرائحة لازمة لمحلها .
ولما استعار لفظة ( الرائحة ) على لوازم وجوداتهم والرائحة لا تدرك إلا بواسطة الهواء شبه اتصافها بالطيب والخبيث بمرور الرائحة واتصافها بأحكام ما مر عليه بواسطة الهواء ترشيحا للاستعارة ، فقال : ( فيخرج بالطيب وبالخبيث على حسب ما يظهر به في صورة النطق ) أي ، فيخرج النفس من الطيب بسبب أنه طيب في صورة النطق طيبا ، ومن الخبيث بواسطة أنه خبيث في صورة نطقه خبيثا .
فقوله رضي الله عنه : ( في صورة النطق ) متعلق بقوله : ( فيخرج ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن حيث هو إلهي ) أي ، فمن حيث إن النفس منسوب إلى الله ، ( بالأصالة ، كله طيب ، فهو طيب ، ) أي ، فالقول : كله طيب ، لأنه صفة من الصفات الكمالية الإلهية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن حيث ما يحمد ويذم ، فهو طيب وخبيث . ) أي ، ومن حيث إن القول بعضه محمود وبعضه مذموم ، ينقسم بالطيب والخبيث ويوصف بهما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال في خبث الثوم : هي شجرة خبيثة أكره ريحها . ولم يقل : أكرهها . فالعين لا تكره ، وإنما يكره ما يظهر منها . والكراهة لذلك ) أي ، لما يظهر منها : ( إما عرفا ، أو بعدم ملائمة طبع ، أو غرض ، أو شرع ، أو نقص ) أي ، بسبب شرع أو بسبب نقص ( عن كمال مطلوب وما ثم غير ما ذكرناه . ) .
للاختلاف بحسب الطبائع والأغراض والشرائع قد يكون الشئ محمودا بالنسبة إلى البعض ومذموما بالنسبة إلى الآخر ، حراما في شرع ، حلالا في آخر ، كمالا بالنسبة إلى شئ ، نقصانا
بالنسبة إلى الآخر .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولما انقسم الأمر إلى خبيث وطيب كما قررناه حبب إليه الطيب دون الخبيث ووصف النبي ، صلى الله عليه ، الملائكة بأنها تنادي بالروائح الخبيثة لما في هذه النشأة العنصرية من التعفين.)
ولما كان الإنسان مخلوقا من النشأة العنصرية وفيه شئ من التعفين ، قال : ( فإنه ) أي ، فإن الإنسان (مخلوق من"صلصال من حمأ مسنون". أي متغير الريح . فتكرهه الملائكة بالذات ) أي ، فتكره الملائكة الإنسان المتغير الريح الذي هو الخبيث بذواتهم ، لطهارة نشأتهم عن العفونات والفضلات المنتنة .
ولذلك أمرنا بطهارة الثوب والبدن ودوام الوضوء .
واستحب استعمال الروائح الطيبة لتحصل المناسبة بيننا وبين الملائكة ، فتلحق بالطيبن ( كما أن مزاج الجعل يتضرر برائحة الورد ، وهي من الروائح الطيبة ، فليس ريح الورد عند الجعل بريح طيبة . ومن كان على مثل هذا المزاج معنى وصورة ، أضر به الحق إذا سمعه ، وسر بالباطل ) ( وهو ) أي ، هذا المعنى المذكور .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قوله : "والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله" . ووصفهم بالخسران فقال : "أولئك هم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم" فإنه من لم يدرك الطيب من الخبيث ) أي ، من لم يدرك المعنى الطيب الذي هو مدرج في الخبيث وباطن فيه ولم يميز بينهما ( فلا إدراك له . )
وإنما قال كذلك ، لأن ما هو خبيث الذي هو مشتمل بوجه آخر على المعاني الطيبة في نفسها ، فإنه مظهر من مظاهر الهوية الإلهية ، وهي الطيبة ، وإن كان خبيثا في الظاهر .
وأيضا ، لو لم يكن كذلك ، لما وجد من الطيب الحقيقي ، إذ لا بد من المناسبة بين العلة والمعلول ولو بوجه ما . وفي الحقيقة خبث الخبيث وطيب الطيب أمران نسبيان ، يعودان إلى المدرك ، وليس في نفس الأمر إلا الطيب .
( فما حبب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا الطيب من كل شئ ، وما ثمة إلا هو.) أي ، وما يكون في حضرته إلا الطيب .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شئ ولا يعرف الخبيث ، أم لا ؟ قلنا : هذا لا يكون : فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه ، وهو الحق ، فوجدناه يكره ويحب ، وليس الخبيث إلا ما يكره ، ولا الطيب إلا ما يحب )
على المبنى للمفعول . ( والعالم على صورة الحق . )
ولا يتوهم أن قول الشيخ : ( فإنا ما وجدناه في الأصل ) ينافي ما ذكرناه ، لأن الحق يحب وجود كل شئ ويريده ، فيوجده ، سواء كان طيبا أو خبيثا . ولو كان يكره شيئا ما مطلقا ، لما أوجده وما يتعلق إرادته به .
وقوله رضي الله عنه : ( فوجدناه يكره ويحب ). محمول على أنه تعالى في المظاهر يحب الشئ ويكرهه ، لا في مقام جمعه ، فإن ( الكراهة ) من الصفات المنسوبة إلى العالم ( الضحك ) و ( الاستهزاء ) وغيرهما ، فما هو منسوب إلى الله في القرآن والحديث كقوله تعالى : (الله يستهزئ بهم) . (وضحك الله البارحة مما فعلتما) .
(والإنسان على الصورتين.) أي ، مخلوق على صورتي الحق والعالم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا يكون ثمة مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شئ . ) إما الطيب ، وإما الخبيث . ( بل ثمة مزاج يدرك الطيب من الخبيث ) إذ لا خبيث إلا وله نصيب من الطيب ، ولو بالنسبة إلى بعض الأمزجة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه. ) كما روى عن بعض المشايخ أنه مر مع جمع من المريدين ، فرأى جيفة ملقاة . فقال : ( ما أشد بياض أسنانه ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذا قد يكون . وأما رفع الخبث من العالم ، أي من الكون ، فإنه لا يصح . )
لأن الطبائع مختلفة : فما يلائم طبيعة هو عندها طيب ، وما لا يلائمها فهو عندها خبيث . والخبيث عند طبيعة أخرى يلائمها طيب . فإن لعاب فم الإنسان طيب عنده ، سم بالنسبة إلى الحية ، وكذا سم الحية سبب الحياة عندها ، قاتل بالنسبة إلى الإنسان .
والعسل نافع بالنسبة إلى مزاج المبرودين كالمشايخ ، ضار بالنسبة إلى مزاج المحرورين كالشبان ، فلا يمكن رفعه من الكون .
فأما أعيان الأشياء وذواتها لكونها راجعة إلى عين الذات الإلهية فليس شئ منها خبيثا .
( ورحمة الله في الخبيث والطيب . ) أي ، ورحمة الله حاصلة فيهما . ولولا تلك الرحمة ، لما وجد شئ منهما ، إذ الوجود عين الرحمة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والخبيث عند نفسه طيب ، والطيب عنده خبيث . ) لأن الشئ لا يحب إلا نفسه وما يناسبه ، لا ما يضاده .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما ثمة شئ طيب إلا وهو من وجه في حق مزاج ما خبيث ، وكذلك بالعكس. ) كما مر .
( وأما الثالث الذي به كملت الفردية فالصلاة . ) وفيه إيماء بقوله ،
صلى الله عليه وسلم : ( حبب إلى من دنياكم ثلاث : النساء ، والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) .
تقديره : النساء والطيب والصلاة ، وجعلت قرة عيني في الصلاة . وحذف الثالث اكتفاء بذكر ما بعده .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقال : "وجعلت قرة عيني في الصلاة" لأنها مشاهدة .) أي ، لأنها سبب المشاهدة ومشاهدة المحبوب قرة عين المحب .
"وذلك لأنها مناجاة بين الله وبين عبده كما قال تعالى : " فاذكروني أذكركم " أي ، لأن الصلاة مناجاة ."
كما قال صلى الله عليه وسلم : ( المصلى يناجى ربه ما دام في الصلاة ، فهو في المناجاة ) . ولما كانت مستلزمة للذكر من الطرفين ، استشهد بقوله تعالى : "فاذكروني أذكركم".
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهي ) أي ، الصلاة ( عبادة مقسومة بين الله وبين عبده بنصفين : فنصفها لله ، ونصفها للعبد ، كما ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى أنه قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل .
يقول العبد : "بسم الله الرحمن الرحيم" يقول الله : ذكرني عبدي .
يقول العبد : الحمد لله رب العالمين يقول الله حمدني عبدي . يقول العبد الرحمن الرحيم . يقول الله تعالى : أثنى على عبدي .
يقول العبد : "مالك يوم الدين" يقول الله : مجدني عبدي ، فوض إلى عبدي . فهذا النصف كله له تعالى خالص . ثم يقول العبد : "إياك نعبد وإياك نستعين"
يقول الله : هذه بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . فأوقع الاشتراك في هذه الآية .
يقول العبد : " إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين" يقول الله تعالى : فهؤلاء لعبدي ، ولعبدي ما سأل . فخلص هؤلاء لعبده
كما خلص الأول له تعالى . فعلم من هذا وجوب قراءة "الحمد لله رب العالمين" . فمن لم
يقرأها ، فما صلى الصلاة المقسومة بين الله وبين عبده . ) كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ) . ولزم من هذا الحديث أيضا ( الفردية ) .
فإن القسم الأول خالص لله ، والثاني مشترك بين العبد وبين الله ، والثالث خالص للعبد . ولزم أيضا إن البسملة من ( الفاتحة ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولما كانت ) الصلاة ( مناجاة ، فهي ذكر ، ومن ذكر الحق فقد جالس الحق وجالسه الحق . فإنه صح في الخبر الإلهي أنه تعالى قال : "أنا جليس من ذكرني" . ومن جالس من ذكره وهو ذو بصر )
كقوله رضي الله عنه : ( فبصرك اليوم حديد ) ( رأى جليسه . فهذه ) أي ، الصلاة ( مشاهدة ورؤية ) أي ، يحصل للمصلى الشهود الروحي والرؤية العينية في مواد الأعيان الموجودة الروحانية والجسمانية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن لم يكن ذا بصر ) وعرفان أنه هو المتجلي لكل شئ وهو المتجلي عن كل شئ . ( لم يره . فمن هناك يعلم المصلى رتبته : هل يرى الحق هذه الرؤية ) العيانية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( في هذه الصلاة، أم لا. فإن لم يره، فليعبده بالإيمان كأنه يراه ) كالمؤمنين المحجوبين . ( فيخيله في قبلته عند مناجاته ، ويلقى السمع لما يرد به عليه من الحق ) من الواردات الروحانية والمعاني الغيبية ( فإن كان إماما لعالمه الخاص به ) أي ، للأناسي .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وللملائكة المصلين معه - فإن كل مصل فهو إمام بلا شك ، فإن الملائكة تصلى خلف العبد إذا صلى وحده كما ورد في الخبر - فقد حصل له رتبة الرسل في الصلاة . ) لأن إمامة الناس من مراتب الرسول .
وقوله : ( فقد حصل ) جواب الشرط . أي ، فإن كان إماما للناس ، فقد حصل له رتبة الرسول .
ولما كانت الإمامة قياما بحقوق العباد وهي من جملة شؤون الحق ، قال : ( وهي النيابة عن الله . وإذا قال : "سمع الله لمن حمده" فيخبر نفسه ومن خلفه بأن الله قد سمعه ) أي ، يخبر الإمام نفسه لمن اقتداه بأن الله سمع حمد من حمده ومناجاة من ناجاه . وذلك لأنه مشاهد ربه وعالم بأنه سمع حمد الحامدين .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتقول الملائكة والحاضرون : ربنا ولك الحمد . فإن الله تعالى قال على لسان عبده : "سمع الله لمن حمده ". فانظر علو رتبة الصلاة وإلى أين تنتهي بصاحبها . فمن لم يحصل درجة الرؤية في الصلاة ، فما بلغ غايتها ، ولا كان له فيها قرة عين ، لأنه لم ير من يناجيه . فإن لم يسمع ما يرد من الحق عليه فيها ) أي ، في الصلاة من الواردات الغيبية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما هو ممن ألقى سمعه . ومن لم يحضر فيها مع ربه مع كونه ، لم يسمع ولم ير ، فليس بمصل أصلا ولا هو ممن ألقى السمع وهو شهيد . ) أي ، أدنى مرتبة الصلاة الحضور مع الرب .
فمن لا يرى ربه فيها ولا يشهد شهودا روحانيا أو رؤية عيانية قلبية أو مثالية خيالية أو قريبا منه المعبر عنه بقوله ، عليه السلام : " أعبد الله كأنك تراه " .
ولا يسمع كلامه المطلق بغير واسطة الروحانيات وبواسطة منهم ولا يحصل له الحضور القلبي المعبر عنه : "فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك" . أي فاعلم أنه يراك ، فليس بمصلي . وصلاته أفادت له الخلاص من القتل ، لا غير .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما ثمة عبادة تمنع من التصرف في غيرها ما دامت ) أي ، ما بقيت وثبتت .
ف ( ما دامت ) تامة لا ناقصة ، كقوله تعالى : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) .
( سوى الصلاة ، وذكر الله فيها أكبر ما فيها لما تشتمل ) الصلاة ( عليه من أقوال وأفعال ) ( اللام ) في ( لما تشتمل ) ، مستعمل بمعنى ( من ) للبيان . أي ، مما يشتمل عليه الصلاة من الأقوال والأفعال .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صفة الرجل الكامل في الصلاة في الفتوح المكية كيف يكون . )
هذا اعتراض وقع بين المدلول ودليله وهو قوله : ( لأن الله يقول : "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء" أي ، عن المناهي "والمنكر" . ) أي ، عن الاشتغال بغيره . سواء كان مباحا في غير الصلاة ، أو لم يكن . فالمنكر أعم من الفحشاء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لأنه ) الضمير للشأن ( شرع للمصلى ألا يتصرف في غير هذه العبادة ما دام فيها و ) ما دام ( يقال له مصل . ) هذا تعليل أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وبيان أن الإنسان إذا اشتغل في الصلاة بالقراءة والذكر والأفعال المخصوصة ، لا يمكن أن يشتغل بغير هذه الأشياء ، فبالضرورة ينتهى عما سواها .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( "ولذكر الله أكبر" . يعنى فيها . ) من تتمة الدليل الأول على أن ذكر الله أكبر ما فيها .
ولما كان هذا القول أعلى ولذكر الله أكبر إشارة إلى معنيين ، أحدهما ذكر الحق العبد وثانيهما عكسه ، والأول من تتمة الدليل ، أراد أن يشير إلى المعنى الثاني ، لأن ذكر العبد ربه نتيجة ذكر الرب عبده ،
فقال رضي الله عنه : ( أي ، الذكر الذي يكون من الله لعبده حين يجيبه في سؤاله . والثناء عليه أكبر من ذكر العبد ربه فيها ، لأن الكبرياء لله تعالى . )
لما قال إن الذكر في الصلاة أكبر شئ فيها ، وكان الذكر من الطرفين ، قال الذكر الذي من طرف الحق هو أكبر من الذي من طرف العبد ، لأن الكبرياء حقيقة الحق سبحانه وتعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولذلك قال : "والله يعلم ما تصنعون" ) أي ، ولأجل أن الصلاة مشتملة على الأقوال والأفعال ، قال الله تعالى : ( والله يعلم ما تصنعون )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وقال :"أو ألقى السمع وهو شهيد" فإلقاؤه السمع هو لما يكون من ذكر الله إياه فيها.) أي إلقاء السمع أن يسمع ذكر الله إياه في صلاته ، ويفهم المراد منه بسمع قلبه وفهم روحه .
.
يتبع