25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الخامس .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب
تعليقات أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية الجزء الخامس
6 - وحدة الوجود – المرايا المرايا فص 2، هامش 6، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل
المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316. أهـ ""
ص 410
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كونه مجنونا، زاد موسى في البيان ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم».
«إن كنتم تعقلون»: أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد.
فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود.
فقال له «إن كنتم موقنين» أي أهل كشف ووجود، فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم، فإن لم تكونوا من هذا الصنف، فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل و تقييد و حصر. ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم.
فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه. "36"
وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية، فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما فلذلك أجاب.
ولو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال.
فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون.
فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس. "37"
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند )
………………………………….
36 - راجع هامش 34 *
37 - المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب
راجع الظاهر في المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 5
لا تشهد الأعيان إلا بمراتبها لا بأعيانها ، فإنه لا فرق بين الملك والسوقة في الإنسانية ، فما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعض إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره وإن كان يقول
ص 411
الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، "38"
…………………………………….
إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، وما من حركة ينحركها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهي عليه ، هذا مفروغ منه عندنا في الحقائق الإلهية ، والعارف يشهد الأسماء الإلهية «ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ) ومعها يتأدب.
الفتوحات ج 1 / 644 - ج 3 / 225
راجع الظاهر في المظاهر
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر قفرة 6 ص 84
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694 , ج2 / 40,42,99,160,435,606 أهـ ""
"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
( الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""
9 - تفاضل الأسماء والصفات الإلهية والمراتب
تفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 9
للشيخ في هذه المسألة نظرتان :
الأولى من حيث دلالة الأسماء على الذات الإلهية الواحدة فلا تفاضل بينها ،
والأخرى من حيث دلالة كل اسم على معنی لیس للاسم الآخر في العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ،
لذلك نراه يقول :
الحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشيء لا يفضل نفسه ، فكما هو الأول هو الآخر وكما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فيها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ، ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله ، فيكون بعض الأسماء الإلهيه أفضل من بعض ، وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا يدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول ، أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الكثرة ، والشيء لا يفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا يقال إن خلة الحق أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد ، فهي بالنسبة إلى كذا خالقة ، وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة .
أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهي من الممكنات فلا نشك أن العلم أكثر إحاطة منها ، لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات ، مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده.
لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بكل شيء علما» ولا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كان معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذي أحاط بكل شيء علما سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم لهذا كان المعلوم محاطا به ،
فقال تعالى « أحاط بكل شيء علما » من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمير المراتب ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد ، فلو لم يقع التفاضل في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر ، وما في الوجود شيء معطل بل هو معمور كله ، فلابد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته ،
ولذلك فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله في الأسماء الإلهية ، أين إحاطة العالم من إحاطة المريد من إحاطة القادر ، فتميز العالم عن المريد ، والمريد عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المريد والقادر بشيء لا يكون للمريد ولا للقادر من حيث أنه مريد وقادر ،
فإنه يعلم نفسه ولا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقيقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ،
ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناك ظهر التفاضل في العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرين لها ، فلابد من التفاضل في العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لايدرك کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المكاشف عمارة المراتب بكشفه للعامرين لها ، ولا يعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهي .
الفتوحات ج 1 / 141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317
"" أضاف الجامع :
قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله" :
قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله". رواه ابو داود والبيهقي
فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم
فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه
فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره
فلا يعلم الخلق إلا به ..... ولا يعلم الحق إلا بها
وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم
وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشيء نفسه فلا يضاد نفسه
فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه
فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول
فبالعلم يعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط
وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو
فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به فقال ما هو غيره
فحار فنطق بما أعطاه فهمه
فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره
ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد
فما يزيد المتكلم على من يقول" إِنَّ الله فَقِيرٌ" إلا بحسن العبارة
ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . أهـ. ""
38 - الحقائق لا تتبدل والجوهر يخلع صورا ويلبس صورا *
إن أعيان الصور لا تنقلب فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق ، وإنما الإدراكات تتعلق بالمدركات ، تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها ، فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت وما انقلبت ، مثل عصا موسى عليه السلام ما انقلبت حية تسعى ، فإن الأعيان لا تنقلب ، فالعصا لا تكون حية ولا الحية عصا ، ولكن الجوهر القابل صورة العصا قبل صورة الحية ،
فهي صور يخلعها الحق القادر الخالق عن الجوهر إذا شاء ويخلع عليه صورة أخرى ، فلولا ما بين السيء والحسن مناسبة تقتضي جمعها في عين واحدة يكون بها حسنا سيئا ما قبل التبديل ،
ومثال ذلك شخص في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار ،
فنظف من ذلك الوسخ العارض، فبان جماله ،
ثم كسي بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ،
ففي حق أهل الشهود الذين يرون ويشهدون الأفعال كلها لله ، :
فما كان من حسن أضافوه إليه تعالی خلقا فيهم
وأضافوه إليهم من كونهم محلا لظهوره ،
وإن كان سيئا أضافوه إليهم بإضافة الله فيكونون حاکین قول الله ،
فيريهم الله حسن ما في ذلك المسمى سوءا
ص 412
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال،"39"
فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه )
………………………………………………….
بأن يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة ، وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع ، فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحكام وهو الدار الآخرة ، رأى عند کشف الغطاء حسن ما في الأعمال كلها ، لأنه يكشف له أن العامل هو الله لا غيره ، فهي أعماله تعالی وأعماله كلها كاملة الحسن لا نقص فيها ولا قبح ، فإن السوء والقبح الذي كان ينسب إليها إنما كان ذلك بمخالفة حكم الله لا أعيانها ، فبدل الله سيانهم حسنات ، وما هو إلا تبديل الحكم لا تبديل العين .
الفتوحات ج 1 / 236 - ج 2 / 141 ، 277 ، 278 - ج 3 / 403 - ج 4 / 34 .
39 - عصا موسى عليه السلام *
فلما ألقى موسی عصاه فكانت حية تلقفت تلك الحية جميع ما كان في الوادي من الحبال والعصي ، أي تلقفت صور الحيات منها المتخيلة في عيون الحاضرين ، فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصيهم التي ألقوها حبالا وعصيا كما هي وأخذ الله بأبصارهم عن ذلك ، فهذا كان تنقفها لا أنها انعدمت الحبال والعصي ، إذ لو انعدمت الدخل عليهم التلبيس في عصا موسى وكانت الشبهة تدخل عليهم ، فإن الله يقول " تلقف ما صنعوا " ، وما صنعوا الحبال ولا العصي ، وإنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات وهي التي تلقفت عصا موسى ،
وما قال تعالى « تلقف حبالهم وعصيهم » « إنما صنعوا کید ساحر » أي فعلوا ما يقارب الحق فإن الكيد من کاد وكاد من أفعال المقاربة ، أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر .
الفتوحات ج 1 / 158 ، 235
ص 413
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي "40" لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.
ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها "41" لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: )
………………………………………………….
40 - راجع هامش 33
41 - تجلي الحق في صور الأسباب
لم يدع الألوهية لنفسه أحد من خلق الله إلا الإنسان الذي ظهر بأحكام الأسماء الإلهية والنيابة ، فكان ملكا مطاعا كفرعون وغيره ، ولما كان الإنسان فقيرا بالذات، احتجب الله بالأسباب وجعل نظر العبد إليها ، وهو من ورائها ، فأثبتها عينا وتفاها حكما ، فإنه لا يفتقر إلى أحد سوى الله ، وعند الكشف يعلم المحجوب أن أحدا ما افتقر إلا إلى الله ، لكن لا يعرفه لتجليه في صور الأسباب التي حجبت الخلائق عن الله تعالى ، مع كونهم ما شاهدوا إلا الله ، ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله » فاتحجب الحق بالإرسال ، ائحجابه بالأسباب ، فوقع الذم على الأسباب ، فهي وقاية الرحمن ، فما خالف أحد الله تعالی وما خولف إلا الله تعالى ، فلا تزال حجب الأسباب للمحجوبين مشهودة ، ولا يزال الحق للعارفين مشهودا ، مع عقلهم الحجب في حق من حجبته ، فإن الله لا يعطل حکم الحكمة في الأشياء ، فالأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع .
الفتوحات ج 2 / 470 ، 533 - ج 3 / 411 ، 547 - ج 4 / 249
ص 414
قال الشيخ رضي الله عنه : («ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين». "42"
والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة. )
…………………………………………………..
42 - الأعيان الثابتة برزت للوجود على ما هي عليه في العلم الإلهي
العين الثابتة اشتركت مع الحق في وجوب الثبوت ، فله تعالى وجوب الثبوت والوجود ، وللعين وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسى ولا تكثره ، كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، وبهذا صح لهذه العين أن يقال فيها إنها على الصورة أي على ما هو عليه الأمر الإلهي ، فحصل لهذه العين الكمال بالوجود الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها ، فما نقصها من الكمال - ألا وهو نفي حكم وجوب الوجود - للتميز بينها وبين الله ، إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم ، ولذلك تقسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وحادث ، فوجود الممكن حادث ، أي حدث له هذا الوصف ، ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قدیم ؟
لأنه لا يدل حدوث الشيء عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا ،
قال تعالى :" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " إن هنا بمعنی ما ، فعم بها وبشيء ، وجعله مخزونا في خزائن غيبه ، ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود ، وهو ما تحويه هذه الخزائن ، إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها ، فلولا نحن ثابتين في العدم ، ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ، فلنا في العدم شيئية غير مرئية ، فما ثم معقول ولا موجود يحدث عند الله ،
بل الكل مشهود العين له بین ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ، والوجود ما يحدث عندنا من تلك الخزائن ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشياء إلى وجود أعيانها ،
فهي في الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها ، غير موجودة لأنفسها، فالأشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن موجودة عن وجود ،
فالأشياء عند الله مختزنة في حال ثبوتها ، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن ، وأمرها أن تكتسي حلة الوجود ، فيظهر
ص 415
.
يتبع