02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الأول .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي
شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر
الفص الشيثي على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكمالفص الشيثي
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية الجزء الأولمتن نص فصوص الحكم :
علم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية
عطايا أسمائية
و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن
شرح الجامي :
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
النفث : لغة إرسال النفس رخوا.
وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني
أعني : فاضة الموجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به ، أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في نوع من أستعد لها. أي: قلبه.
فالحاصل : أن خلاصة العلوم المتعلقة بالعطايا الحاصلة من مرتبة الغياضية والمبدئية و محل انتقاشها وهو القلب.
أو خلاصة العلوم الحاصلة على سبيل الوهب والتفضل لا على سبيل الكسب والتعمل.
أو محل انتقاشها متحققة في كلمة شيثية أحدية جمع روحه ويديه.
وإنما خصت الحكمة نفثية بالكلمة الشيثية، لأن ثبث عليه السلام كان أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية ونزلت عليه العلوم الوهبية.
ولما كانت أول المراتب المتعلقة التعيين الجامع للتعينات كلها وله أحدية الجمع وكانت المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفیضانية التي هي عبارة عن نفث النفس الرحماني في الماهيات القابلة.
وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى كما كان شيث عليه السلام عالما بالعناية الحاصلة من المرتبة الثانية علما وهبيا قدم المعنی الآدمي في الذكر وجعل الفص الشيثي يتلوه موافقا للوجود الخارجي بتقسيم تلك العطايا.
فقال مبتدئا : (اعلم أن العطايا) جمع عطية (والمنح) جمع منحة وهي العطية (الظاهرة في الكون ) مطلقة بل في الكون الجامع كما تدل عليه التقسيمات الآتية وغيرها الواصلة إلى مستعديها (على أيدي العباد).
أي بواسطة العباد المنفقين مما رزقهم الله تعالى من البشر كانوا أو من غيره .
كالعلم الحاصل للمتعلم من المعلم وللكمل بواسطة الملائكة والأرواح البشرية الكاملة (أو على غير أيديهم وهي على قسمين) أي بغير واسطتهم كما إذا تجلى الحق سبحانه بالوجه الخاص وأورث ذلك التجلي علما ومعرفة .
ويجوز أن يقال : معناه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه .
و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي
شرح الجامي :
الظاهر مطلقا وعبر واسطتها.
(منها ما يكون عطايا ذانية) منسوبة إلى ذات أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية من غير خصوصية صفة دون صفة إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا (و) منها ما يكون (عطايا اسمائية) يكون مبدؤها خصوصية صفة من الصفات من حيث تعينها وتميزها عن الذات وسائر الصفات.
(وتتميز) العطايا الذاتية والأسمائية كل واحدة من الأخرى (عند أهل الأذواق) الذين دأبهم معرفة الحقائق ذوقة وكشفا لا نظرة وكسبأ .
و بهذين القسمين صارت القسمة مربعة .
ثم أشار إلى تقسيم آخر وقال (كما أن منها)، أي من العطايا (ما يكون عن سؤال) صوري (في) مسؤول (معین و) عن (سؤال غير معین) بإضافة السؤال إلى غير أو بنوصيفه به على أن يكون وصفة حال المتعلق أي سؤال غير معين مسؤوله.
وفي بعض النسخ:
وعن سؤال غير معین (ومنها ما لا يكون عن سؤال) صوري فإن العطاء لا بد له من سؤال.
إما بلسان المقال أو الحال أو الاستعداد (سواء كانت العطية) الحاصلة على الوجوه الثلاثة أي على كل واحد منها (ذاتية أو أسمائية) .
وإنما أعاد ذلك تنبيها على أن هذين القسمين يجريان في كل من الوجوه الثلاثة، وبضرب الأقسام الأربعة السابقة في هذه الوجوه الثلاثة يحصل اثني عشر قسما (فالمعين كمن يقول)، أي فالمسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني كذا فيعين أمرأ ما) من الأمور كالعلم والمعرفة وغيرهما.
(لا يخطر له) بالقلب عند السؤال (سواه)، أي سوى ذلك الأمر .
(وغير المعين كمن يقول)، أي وغير المسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي).
وقوله : (من غير تعيين)، أي من غير تعيين مسؤول معين من كلام الشيخ لا من كلام السائل .
كما كان قوله : فيعين أمر ما في المسؤول المعين من كلامه لا من كلام السائل. وقوله : (لكل جزء ذاتي)، أي أحدية جسمي و روحي من كلام السائل والمراد به الإشارة الإجمالية إلى ما فصله النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه.
حيث قال : "اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا " حديث البخاري، ولا وجه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
لطيف و كثيف.
و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل.
فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما
شرح الجامي :
تتعلق اللام في لكل جزء إلى التعيين وإن فرض أنها من كلام متكلم واحد.
إذ المراد ههنا تعيين المسؤول لا المسؤول له وقوله : (من لطيف) روحاني (وكثيف) جسمانی بیان الجزء ولو جعل بيانا لما تعلم فيه مصلحتي.
فاللطيف هو الأغذية الروحانية كالعلوم والمعارف والكثيف هو الأغذية الجسمانية كالأطعمة والأشربة.
ولما فرغ من هذه التقسيمات أشار إلى تقسيم آخر باعتبار السائلين
فقال : (والسائلون) بالقول : الذين ليسوا من أهل الحضور ومراقبة الأوقات، وإنما قيدنا بذلك لئلا يرد على السائل لمحض امتثال الأمر كما سيجيء.
فهؤلاء السائلون (صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا) فهو إما أن يوافقه الاستعداد الحالي فيقع، وإما أن لا برافقه فلا يتع.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال) علمه (لما علم) بتشديد اللام وحينئذ يكون قوله : بعثه جوابا له بحسب المعنى في حكم المتأخر عنه فيصح إضمار الفاعل فيه وإرجاعه إلى العلم المفهوم من علم.
ويكون تقدير الكلام: والصنف الآخر لما علم أن ثمة عند الله أمورة كذا بعثه علمه على سؤال، فلما مع جوابه خبر المبتدأ .
وقيل : يحتمل أن يكون بكسر اللام على أنه للتعليل، أي بعثه علمه على السؤال لم علم (أن ثمة أمورا) وفيه إضمار قبل الذكر.
قوله : (عند الله) بدل من ثمة ، أي لما علم أن عند الله أمورة (قد سبق العلم) الإلهي بأنها، أي تلك الأمور (لا تنال إلا بعد سؤال) .
فولی: (فيقول) هذا الصنف (فلعل ما نسأله) على غير المنصوب.
إما للموصول وإما للحق ويدل عليه إردافه بقوله (سبحانه) في كثير من النسخ. وضمير الموصوف محذوف أو ما مصدرية (يكون من هذا القبيل)، أي من قبيل ما لا ينال إلا بعد السؤال.
(فسؤاله احتياط لما هو) ضمير مبهم يفسره قوله: (الأمر)، أي المسؤول .
وضمير (عليه) للموصول و(من الإمكان) بيان للموصول، أي سؤاله احتیاط الإمكان أن يكون المسؤول مما لا ينال إلا بعد سؤال.
(وهو) من علم إجمالا أن عند الله
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، و صنف يعلمون من
شرح الجامي :
أمورا لا تنال إلا بعد سؤال (لا يعلم) تفصيلا (ما) عين (في علم الله) له من تلك الأمور المسؤولة ومن أوقات حصولها (ولا) بعلم أيضا (ما يعطيه) ويقتضيه من المسؤولات (استعداده في القبول).
أي في قبول تلك الأمور، أي لا يعلم مقتضی استعداده في قبولها بأنه، أي أمر من الأمور يقتضي وفي أي زمان يقتضي (لأنه) هذا بحسب الظاهر تعليل للدعوى الثانية .
لكنه لما كان العلم بما يعطيه الاستعداد و هو من جملة ما في علم الله متعذرة يلزم منه تعذير العلم بما في علم الله (من أغمض المعلومات)، أي من أغمض العلم بالمعلومات، ومن العلم بأغمض المعلومات.
(الوقوف في كل زمان فرد)، أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان الفرد)، أي في كل زمان فرد بأن يكون واقفا في كل زمان على ما تحرى عليه في جميع الأزمنة.
وذلك لا يتيسر للسائل احتياطا وإلا لم يكن الأمر مبهما عنده بل هو من خواص الكمل الندر من أهل الله ، وذلك السائل المحتاط وإن كان لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده إنما يسأل الإعطاء لإعطاء استعداده السؤال.
(ولولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لم يكن له علم بذلك الاستعداد قبل السؤال كسائر المسؤولات.
فحكم السؤال معه حكم سائر المسؤولات ما في قوله ما أعطاه مصدرية ، أي لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل .
(فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا)، أي مثل العلم الذي يحصل للكمل الندر.
بما في علم الله وبما يعطيه الاستعداد في جميع الأزمنة والأوقات على أن يكون مفعولا مطلقا.
ومثل ما في علم الله وما يعطيه الاستعداد فيكون مفعولا به ويكون لفظ المثل مقحمة (أن يعلموه في الزمان الذي يكون فيه) ويرد عليهم فيه ما يعطيهم الحق (فإنهم الحضورهم) مع ما يرد في كل زمان و مراقبتهم ذلك الزمان.
(یعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان) الذين هم فيه (و) يعلمون أيضا (أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) لما أعطاهم (وهم)، أي أهل الحضور الذين يعلمون ما أعطاهم الحق في الزمان الذي يكون فيه.
(صنفان صنف يعلمون من قبولهم) لما أعطاهم (استعدادهم) له فإنهم إذا وقفوا على ما أعطاهم الحق رجعوا إلى أنفسهم فوجدوا فيها استعداده الخاص و عرفوه حق المعرفة لأنهم يعلمون
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في
قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، و ليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، و إنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به،
ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه
شرح الجامي :
أن لهم أستعداد ما لذلك.
فإن أهل الحضور وغيرهم في هذا العلم سواء (وصنف يعلمون من معرفة خصوص استعدادهم ما يقبلون) العطايا فإنهم إذا علموا حصول كمال استعدادهم الخاص لأمر ما حصل نهم يحصل من ذلك الأمر والتيقن بوجوده.
(هذا)، أي كون العلم بالاستعداد سابقا على العلم بما يقبلون (أتم ما يكون)، أي أكمل ما يكون (في معرفة الاستعداد في هذا الصنف).
أي أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا فإنه بمنزلة الاستدلال من المؤثر الى الأثر أو بمنزلة الاستدلال من الأثر إلى المؤثر (ومن هذا الصنف)، أي أهل الحضور المذكورين أو من الصنف الثاني منهم.وهو من يعلم من استعداده القبول.
فإن الصنف الأول لا سؤال له, فإن بعد العلم بقبوله المسؤول لا معقولية للسؤال (من يسأل لا للاستعجال) الطبيعي .
فإنه لا حكم للطبيعة على أهل الحضور (ولا للإمكان)، لأنه على يقين في حصول السؤال في الزمان الذي هو فيه وإنما يسأل امتثالا لأمر الله .
في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم " (فهو العبد المحض) لله سبحانه ليس فيه شوب ربوبية ولا شائبة رقيه الأمر سواه.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من) مسؤول (معين أو غير معين وإنما همته مصروفة في امتثال أوامر سيده) غير متجاوزة إلى مطلوب غيره.
فإنه لا مطلوب له سواه، ولا يطلب في الدارين إلا إياه .
(فإذا اقتضى الحال السؤال) اللفظي (سال عبودية وإذا اقتضى التفويض)، أوكله الأمر إليه سبحانه.
(والسكوت) عن السؤال (سكت) عنه (فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره) من الأنبياء والأولياء (وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به) أولا (ثم اقتضى لهم الحال) ثانيا .
(في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك)، أي رفع ما ابتلاهم به (فسألوا رفعه فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسؤول فيه)، أي الشيء الذي وقع السؤال في شأنه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه.
فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.
و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
شرح الجامي :
(والابطاء) إنما هو (للقدر المعين له).
أي تئوقت المقدر المعين المسؤول فيه (عند الله) لا دخل لدعاء العبد ربه أصلا (فإذا وافق السؤال)، أي وقته (الوقت) المقدر عند الله للإجابة بإعطاء السؤال فيه بأن يكون واحدة (أسرع) الله (سبحانه بالإجابة إذا تأخر الوقت).
أي حصل الوقت المقدر للإجابة متأخرة عن وقت السؤال (إما في الدنيا) كما إذا حصل الأمر المسؤول فيه في الدنيا (وإما في الآخرة) كما إذا حصل الأمر فيه في الآخرة.
(تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه) يعين إجابة (لا الإجابة التي هي لبيك من الله سبحانه).
فإنها لا تتأخر عن السؤال لما جاء في الخبر الصحيح:
"إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صبا، وثجه عليه ثجا،
فإذا دعا العبد قال: يا رباه!
قال الله: لبيك عبدي، لا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك".أورده المنذري في الترغيب والترهيب
وما بين الإجابتين من الالتباس، أردفه بقوله: (فافهم).
وأما القسم الثاني من التقسيم الثالث للعطايا وهو قولنا: (ومنها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال اللفظ به)، أي السؤال اللفظي لا السؤال مطلقا (فإنه في نفس الأمر لا بد) في حصول المسؤول (من سؤال إما باللفظ) كما إذا قال : اللهم أعطني عطية أو مقيدة كما قال : اللهم أعطني علما نافعا.
(أو بالحال أو الاستعداد) ولا بد أن يكون السؤال الواقع بلسانهما مقيدة، فإن لسان الحالي أو الاستعداد لا يسأل إلا مقيدة لعدم اقتضاء الحال المعين أو الاستعداد إلا أمر معينة فلا يصح سؤال عطاء معلقة إلا في اللفظ .
وأما في نفس الأمر فلا بد أن يقيده الحالي أو الاستعداد (كما أنه لا يصح حمد مطلق إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله سبحانه هو القيد لك باسم فعل) كما إذا كنت مريضة مثلا ويشفيك الله تعالى، فقلت:
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال.
و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم.
و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه
شرح الجامي :
الحمد لله، نحمدك وإن وقع على اسم الله المطلق.
لكن حالك الذي هو الشفاء بعد المرض يفيد حمدك بالاسم الشافي.
فكأنك قلت : الحمد للشافي (أو باسم تنزيه) كما إذا تجلى عليك الحق سبحانه بالأسماء التنزيهية ، فتنزه من الشرك عن ملاحظة الأغيار.
فقلت : الحمد لله نحمدك وإن وقع على الله لكن حالك يقيده بالأسماء التنزيهية التي بها وقع النجلي عليك (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه).
إلا إذا كان من الكمل لكونه موقوفا على العلم بعينه الثابتة وأحوالها وهو أصعب الأمور وأعزها لا يظفر به إلا الندر من الكامل.
(ويشعر بالحال) صاحبه (فإنه يعلم الباعث) له على الطلب (وهو)، أي الباعث هو (الحال فإن الاستعداد أخفى سؤال) بالنسبة إلى اللفظي والحالي.
(وإنما يمنع هؤلاء) السائلين بلسان الحال والاستعداد (من السؤال) اللفظي (علمهم بأن الله سبحانه فيهم)، أي في شأنهم.
(سابقة قضاء)، أي قضاء سابقا على حال الطلب بل على وجودهم بوقوع ما قدر لهم وعليهم بلا تخلف فاستراحوا من تعب الطلب (فهم قد هيئوا محلهم)
بتطهيره عن درن التعلقات الفانية أو تحليته عن الانتقاش بالصور الكونية وتفريغه عن شواغل السؤال والدعاء (لقبول ما يرد عليه).
أي على ذلك المحل من الواردات والتجليات والحال أنهم (قد غابوا عن) حظوظ (نفوسهم وأغراضهم) في هذه الهيئة بل فعلوها ترقيقة عشقية تقتضي إعراضهم عن الأعراض النفسية والتوجه إليه بالكلية.
(ومن هؤلاء) الذين منعهم عن السؤال عليهم بسابق قضاء الله وقدره بجميع ما يجري عليهم (من بعلم) من عباد الله (أن علم الله به في جميع أحواله) بل متعلق علمه بالعبد.
(هو ما كان) العبد (عليه) من الأحوال (في حال ثبوت عينه) في مرتبة العلم (قبل وجودها).
أي وجود عينه الثابتة في مرتبة العين وحاصله أن علمه سبحانه تابع لعينه الثابتة التي هي المعلوم.
(ويعلم) أيضا ذلك العبد (ان الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه)، أي إلا مقتضى من أعطاه.
أي الحق سبحانه و ضمير الموصرف محذوف، أو الضمير عائد إلى الموصول والمفعول الأول.
أي الحق محذوف (عينه) فاعل أعلاه (من العلم به)، أي بالعبد بيان للموصول (وهو)، أي العلم به بل متعلق ذلك العلم (ما كان) العبد (عليه) من الأحوال
(في حال ثبوته) في مرتبة العلم قبل خروجه إلى العين.
(فيعلم) أن (علم الله به) وبأحواله الجارية عليه إلى الأبد (من أين حصل).
أي من عينه الثابتة وأن كل ما يجري عليه إنما
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
و ما ثم صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر و هم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى:
فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن
شرح الجامي :
هو بمقتضى عينه الثابتة وطلبها إياه بلسان الاستعداد والمطلوب بلسان الاستعداد يعطيه الله الجواد المطلق سبحانه لا محالة .
فلا يحتاجون إلى السؤال اللفظي أصلا (وما ثم صنف من أهل الله أعلى) علما (وأكشف) للأمور على ما هي عليه (من هذا الصنف إنهم الواقفون على سير القدر وهم على قسمين منهم من يعلم ذلك).
أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) كشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه كشفة.
(وإما بأن يكشف له)، أي لأجله الحجاب (عن عينه الثابتة وعن انتقالات الأحوال عليها)، أي عن الأحوال المنتقلة عليها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى) فيشاهدها ويطلع عليها وعلى أحوالها التي يلحقها في كل حين.
نقل الشيخ مؤید الجندي في شرحه لهذا الكتاب عن شيخه الكامل صدر الدين أبي المعالي محمد بن إسحاق القونوي عن شيخه الأكمل محيي الدين بن العربي قدس الله أسرارهم أنه قال :
لما وصلت إلى بحر الروم من بلاد الأندلس عزمت على نفسي أن لا أرى البحر إلا بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية مما قدر الله سبحانه علي وإلى متى إلى آخر عمري.
فتوجهت إلى الله تعالى بحضور تام وشهود عام ومراقبة كاملة .
فأشهدني الله جميع أحوالي مما يجري ظاهرا أو باطنا إلى آخر عمري حتى صحبة ابنك إسحاق بن محمد و صحبتك وأحوالك وعلومك وأذواقك و مقاماتك وتجلياتك و مكاشفاتك وجميع حظوظك من الله.
ثم ركبت البحر على بصيرة ويمين وكان ما كان ويكون من غير خلال واختلال (وهو)، أي الذي يكشف له عن عينه الثابتة (أعلا) رتبة (فإنه)، أي الذي يكشف له عن عينه (يكون في علمه بنفسه)، وأحوال بينة (بمنزلة علم الله به).
أي بمنزلة الله في علمه به (لأن الأخذ)، أي أخذ العلم لكل منهما (من معدن
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
واحد هو العين المعلومة.
إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم.
شرح الجامي :
(واحد) وهو العين الثابتة فكما يتعلق علم الله بعينه الثابتة فيعلم أحوالها به كذلك يتعلق علم هذا الكامل بها وعلم أحوالها به فلا فرق بين العالمين.
(إلا أنه)، أي العلم بالعين الثابتة أو أخذ العلم منها (من جهة العبد عنابة من الله سبحانه سبقت له)، أي للعبد قبل وجوده.
(هي)، أي هذه العناية (من جملة أحوال عينه) الثابتة التي تقتضي جریان تلك الأحوال عليها فحبيت اقتضت تعلق العناية بها تعلقت.
(يعرفها)، أي تلك العناية السابقة وكونها من أحوال عينه (صاحب الكشف إذا أطلعه الله على ذلك)، أي على المذكور من أحوال عينه، فإنه إذا اطلع عليها باطلاع الحق سبحانه عرف تلك العناية التي من جملتها .
وإنما قلنا: العلم بالعين الثابتة من جانب العبد مسبوق بعناية من الله سبحانه (فإنه) الضمير للشأن (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله)، أي أراد اطلاعه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود العيني لهذا المخلوق (عليها).
أي على تلك الأحوال (أن يطلع في هذه) الأحوال اطلاع راقية (على) طريقة (اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) علما و عينة .
فقوله : على هذه الأعيان الثابتة يحتمل أن يكون متعلق بقوله : يطلع.
وبالاطلاع أيضا يمكن أن يقال : المراد باطلاع الحق ما يطلع عليه الحق من هذه الأعيان وحينئذ لفظة على الأولى متعلقة بيطلع والثانية بالاطلاع .
وإنما قلنا: ليس في وسع المخلوق اطلاع مثل اطلاع الحق (لأنها) أي تلك الأعيان يعني الحقائق التي تلك الأعيان صورة معلوميتها (نسب ذاتية) وشؤون عينية مستجنة في عين الذات قبل العلم بها.
(لا صورة لها) تتميز بها لا في العلم ولا في العين ليصح تعتق علم المخلوق بها.
فإذا تعلق علم الحق سبحانه بها وحصل لها تمیز وتعين في العلم صح تعلق علم المخلوق بها .
علما مفيدة للعلم بأحوالها مساوية لعلم الحق سبحانه في تنك الإفادة (فبهذا القدر) من سبق علم الحق بالأعيان على علم العبد بها.
(نقول إن العناية) من الحق سبحانه (سبقت لهذا العبد بهذه المساوات)، أي بمساراته للحق والباء متعلقة بالعناية (في إفادة العلم)، أي إفادة العلم بالأعيان الثابتة العلم بأحوالها الجارية
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و من هنا يقول الله تعالى: « حَتَّى نَعْلَمَ »آية 31 سورة محمد .
و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
شرح الجامي :
عليها في وجوده العيني إلى ما لا يتناهى وتحقيق ذلك أن للحق سبحانه بالنسبة إلى العبد عنایتین.
أحدهما : بحسب فيضه الأقدس ، وهي تقتضي تعين عينه الثابتة في مرتبة العلم بحيث يصلح لأن يتعلق به علم المخلوق و استعدادها الكلي لفيضان الوجود عليها ، وأحدهما بحسب فيضه المقدس وهي تقتضي فيضان الوجود عليها في العين واستعداداتها الجزئية ليترتب عليها أحوالها التي من جملتها صلاحية انكشاف عينة الثابتة وأحوالها عليه.
ولا شك أنه إذا كاشف العبد بعينه الثابتة وعلم بهذا الكشف أحوالها أنه يأخذ العلم بتلك الأحوال من عينه الثابتة .
كما يأخذ الحق سبحانه عنها نكن أخذه منها من رزق بهاتين العنايتين من جانب الحق سبحانه وإلى العناية الأولى أشار الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
أشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن هذا التأخر هو المصحح لما جاء في القرآن
فقال :(ومن هنا)، أي من جهة أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها (يقول الله) سبحانه : ("حتى نعلم" وهي):
أي قوله : حتى نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناه الذي هو تأخر العلم وحدوثه أمر محقق واقع.
أو معنى حقيقي لا مجازي فإن ذلك التأخر والحدوث هو الذاتي لا الزماني (ما هي)، أي هذه الكلمة لغير هذا المعنى المحقق أو الحقيقي (كما يتوهمه).
أي كمعنى يتوهمه (من ليس له هذا المشرب) من المتكلمين وهو أن هذا التأخر والحدوث إنما هو لنسبة تعلق العلم إلى
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود.
شرح الجامي :
المعلوم لا نفس العلم ولا فساد في تغير النسب وتجددها بالنسبة إلى ذات الحق و صفاتها .
وإلى هذا أشار رضي الله عنه بقوله : (وغاية) المتكلم (المنزه) للحق سبحانه تعقله عن سمات الحدوث والنقصان (أن يجعل ذلك الحدوث) الزماني المتوهم من ظاهر مفهوم هذه الكلمة (في العلم للتعلق) لا لنفس العلم.
فقال : العلم أزلي وتعلقه بالأشياء حادثة حدوث زمانية (وهو)، أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلا وجه يكون للمتكلم) .
المنصرف (بعقله في هذه المسألة لولا أنه)، أي المتكلم (أثبت العلم زائدا) في الوجود الخارجي (على الذات) لا عينها (فجعل التعلق له)، أي العلم (لا للذات).
إذ لو لم يكن العلم عین الذات لا معنى لتعلق الذات بالمعلومات لا لأنه يلزم أن تكون الذات محل الحوادث، لأن تجدد النسب لا نستلزمه كما عرفت .
فقوله : وهو على وجه جواب لولا قدم عليه ، ويحتمل أن يكون جوابه مقدرة هكذا لولا أنه أثبت العلم زائدة على الذات.
فجعل التعلق له لا للذات لكان كلامه قريبا من التحقق (وبهذا)، أي بإثبات العلم زائد على الذات وجعل التعلق حادثا بالحدوث الزماني.
(انفصل) المتكلم (عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) الذي انكشف له الحقائق كما هي عليه وجدها بحسب ذوقه ووجدانه من غير نظر فكري.
فإن هذا المحقق لا يثبت العلم زائدة على الذات إلا في العقل ويجعله بحسب الخارج عن الذات ويقول حدوث التعلق بذلك الحدوث الذاتي لا الزماني مبالغة في التنزيه.
فإنهم لو جعلوا الحدوث زمانية لا فساد فيه أيضا إذ لا يلزم التجدد إلا في النسبة فإن قيل : إذا كان العلم من قوله : "حتى نعلم " ولنعلم مرتبا على حادث زماني كالفعل المفهوم من قوله : "ولنبلونكم" و"ثم بعثناكم " آية 56 سورة البقرة.
كيف يصح الحكم بأن حدوثه ذاتي لا زمانی .
قلنا: من جعل العلم المرتب حادثة ذاتية لا زمانية لا بد له أن يجعل العقل الذي يترتب عليه العلم أيضا كذلك نقول مثلا قوله : "ولنبلونكم" .
معناه : ولنبلونكم أيها النسب الذاتية والشؤون الغيبية المستجنة في غيب الذات بإظهار كم في المرتبة العلمية .
حتى نعلم بسبب العلم بكم في هذه المرتبة ما يجري عليكم بحسب الخارج من المجاهدة والصبر فنعلم المجاهدين منكم والصابرين.
وقوله : ثم بعثناهم
معناه : بعثناه من مرتبة الاستحسان في غيب الذات إلى مرتبة التميز العلمي ليعلم بذلك التمييز ما يجري عليكم من الأحوال التي من حملها أحصى مدة اللبث.
على أنه لا يلزم إذا حمل بعض الآية على معنى إشاري أن يجري ذلك المعنى في البعض الآخر منها.
إذ كثيرا ما يشير أهل الإشارة في أنه إلى معنى لا يساعد عليه تمام الآية.
فإن قيل : ما ذكرتم من بعض بطون الآية وهؤلاء المحققون لا
.
يتبع