مقدمة المحقق أحمد فريد المزيدي لكتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشريف ناصر السبتي الكيلاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين ويسمى حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني
مقدمة المحقق على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
مقدمة التحقيق للكتاب الشيخ أحمد فريد المزيدي الأكبر المصطفوي الجزء الأولالحمد لله الذي أوضح لأوليائه سیل الهدايات، ورقاهم بمعرفته إلى أعلى المقامات، وسني الدرجات، ووصلهم به إليه فنالوا الفوز بشر یف المخاطبات، و كشف لهم عن سبحات وجهه فشهدوا مكنونات الصفات، وقربهم بمجالسته فمنحوا بشریف المكالمة، وتلقي الإفاضات، واصطفاهم واصنعهم لنفسه دون سائر البريات، واختصهم ومحبته فوقفوا على أسرار كرائم التحيات المباركات، و الصلوات الطيبات.
وأشهد وجوههم حقيقة نظره المكاشفات، و نزه أفئدتهم و أسرارهم عن ملا حفلة السوي ولفتة الغفلات، وروح أرواحهم بأريج الروح والريحان في رياض الفردوسیات.
فولجوا في رحاب حضرة القدس، ولبسوا حلل الكرامات، وفرغ قلوبهم من سواه، فأضاءت بإشراق أنوار التنازلات.
وكتب فيها أحرفا إيمانية فتأيدت بروج الأنس والمخاطبات، وفتح ما كان مقفة عليها من ملاحظة نيل الكرامات، والاشتراك في الأعمال للثواب والجزاء في بلوغ رفيع الدرجات.
وشرح صدورهم لقبول إسلام الاستسلام، فوقر فيها رشق سهم التوجه للذي فطر الأرضين والسماوات.
وزكی نفوسهم وطهرها فنقت من دنس شبه الشهوات، ورقت في درج الطمأنينة إلى أقصى النهاية في الدرجات، وصفی هياكلهم الجسمانية فتلطفت بنزع أثواب الطبیعات.
وتخلصت من درن لوث الكدورات، فقامت على أقدام العبادات بأوصاف العبودية، والمثابرة على الأعمال الصالحات، فوصفت بالتشريف والتكريم، وحظيت بالدخول في أهل الاختصاصات من عباد الله المصطفين.
ودخول الجنات تلو سيد إمام الملأ الأعلى، والأنبياء والمرسلين من أهل الأرضين والسموات: سیدنا محمد إمام رسل وأنبياء رب العالمين، وسيد ولد آدم من مضى منهم و من هو آت إلى يوم الدين.
صلى الله عليه وعلى آله صلاة لا يبلغ حصرها وعدها أهل الأرضين والسموات، ولا يدرك وصفها الثقلان وسائر المخلوقات.
وبعد..
فهذا كتاب يشرح فصين من فصوص الحكم (الأدمي و الشيثي) للخاتم الثاني من الختام الثلاثة:
فإن الخاتم الأول: سیدنا محمد كما قال الله تعالى: "لكن رسول الله خاتم النبيين" [الأحزاب:40]
والخاتم الثاني: الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره، ختم الله به الولاية الخاصة المحمدية، كما أعلمه تعالى بأنه خاتم الولاية بمدينة فاس سنة 591هـ.
وأما الخاتم الثالث: فهو سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام ختم الله تعالى به الولاية العامة كما ورد: إنه ينزل من السماء، ويكسر الصليب، ويدعوا الناس إلى دين نبينا صلى الله عليه وسلم ، و يكون وليا تابعا نفعنا الله بهم، وأفاض علينا من بركاتهم.
وكتاب الفصوص ألفه الشيخ في دمشق سنة 627 هـ قد احتوى على «27 » فصا، كل منها يحتوي على جوهرة ثمينة ترمي إلى جانب عظيم من الحكمة الإلهية ، أوحي إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، ابتداء بفص آدم عليه السلام (حكمة إلهية في كلمة آدمية) وانتهاء بالفص المحمدي (حكمة فردية في كلمة محمدية).
وقد قام الشيخ الشريف ناصر الحسيني الكيلاني بشرح فصين (الآدمي و الشيثي) وأجاد في شرح و أفاد، حيث أعد هذا الشرح من أفضل الشروح، ولو كمل شرحه السائر الفصوص، لكان أوسعها وأعظمها، ولكنها حكمة ربانية.
هذا .. وقد أذن لنا شيخنا قدس سره، وحثني على تحقيق هذا الشرح، بعدما قرأ عليه، فحصل الثناء الحسن.
فقمت بالتحقيق و العزو والتخريج و التعليق لبعض المغاليق، وما كان ذلك إلا فتحة من الله وتوفيق، والفضل عائد إلى الله ثم إلى شيخ الطريق، سيدي مصطفى بن عبد السلام الملواني، إمام أهل عصره، وعمدة أرباب التحقيق، قدس الله سره ونور ضريحه... أمين.
وشكر الله لإخواننا في طريق القوم، سائلا الله أن يشرح الصدور، وينورما بنور أول نور، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ترجمة الشيخ الأكبر صاحب الفصين
قال صاحب جلاء القلوب: وأما الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ذو المحاسن التي تأخذ القلوب وتبهر العالم العادل، القدوة الكامل، إمام الواصلين. قرة عيون الكاملين، فخر الأولياء والأقطاب العارفين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، قطب دائرة المحققين، صفوة الصفوة من المقربين، ذو المقامات الفاخرة والكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، سلطان أهل الحقيقة على الإطلاق، و شيخ مشايخ أهل المعرفة بالاتفاق، و كاشف الأسرار الإلهية، الموصوف نختم الولاية الجامعة المحمدية، الذي قيل فيه: إنه لا تسمع مثله الدهور والإعصار، ولا يأتي بقرينة الفلك الدوار، الوارث المحمدي محيي الملة والحق والدين: أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن العربي - بالألف واللام - على ما وجد بخطه، وهو الموجود في عدة نسخ من فتوحاته وبخط جماعة من العلماء.
وذكر جماعة أخرون منهم صاحب القاموس: أن القاضي أبا بكر المالكي وهو محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي دفين فاس وصاحب التصانيف المشهورة التي منها عارضة الأحوذي في شرح الترمذي قال معرفا بالألف واللام.
وأن الشيخ محيي الدين هذا يقال منكرا بلا ألف و لام، وهو اصطلاح اصطلح عليه الكثير وتداولوه، وسمع أيضا من أفواه الثقات، وكأنه للتفرقة بينهما، حتى لا يلتبس أحدهما بالآخر.
وفي «نفح الطيب» كان في المغرب يعرف بابن العربي بالألف واللام، واصطلح أهل المشرق على ذكره بغير ألف ولام فرق بينه وبين القاضي أبي بكر بن العربي .انتهى.
و نكروا الأول لمناسبة كونه باطنية أي: يميل إلى باطن الشريعة، وهو الحقيقة، والباطن غير مألوف.
الطائي نسبا، من ذرية عبد الله بن حاتم الطائي أخي عدي بن حاتم، وأما عدي فلم يعقب.
الظاهري مع الاجتهاد في شيء من الفروع مذهبا وتعبد، الصوفي مشربا وأدبا، الأندلسي إقليما، المرسي مولدا، الدمشقي دارا ووفاة ومزارا.
فإني اقتبست كثيرا من فتوحاته البهية، و تحليت بها ما أمكنني من فصوصه الشهية اللذين هما من آخر ما ألف، و لفضلهما تأنس بمطالعتهما والاقتباس من أنوارهما كل من له ذوق و تألق.
وقد علم من هذا أنه رضي الله عنه من أهل الأندلس الذين هم من أهل المغرب الأقصى في الفضائل المعروفة ظاهرة و نصا.
وقد أقام بفاس مدة، ولقي بهما من الأفاضل عدة، وكان له بها مسجد بعين الخيل منها يوم فيه، ولا زال كثير من أهل الخير إلى الآن يقصده يتبرك به وينتحبه.
وهذا المغرب الأقصى وخصوصا منه فاسا ونواحيها هو الذي خرجت منه الأولياء الجماهير، والكبار المشاهير، كالشيخ الأكبر هذا.
و كالإمام الشهير أبي عبد الله: محمد بن سليمان الجزولي مؤلف «دلائل الخيرات»
والشيخ أبي الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية المشهورة شرقا وغربا.
والقطب سيدي أحمد البدوي دفين طنطا.
والقطب الغوث سيدي عبد العزيز بن مسعود الدباغ.
والغوث الذي مكث جل عمره في الغوثانية سيدي علي الجمل.
وتلميذه مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية الدرقاوية وإمامها.
والقطب سيدي أحمد بن إدريس العرائشي المشهور باليمن، صاحب الأحزاب والصلوات، والذي تفرعت عنه طرائق مختلفات .
وغيرهم ممن يكثر جدا، ولكنه هاجر الكثير منهم إلى البلاد المشرقية ليعم النفع كم سائر البرية، ولأها منبع الأنوار والحقائق بحلول سید السادات ها و خير الخلائق و وفي ذلك يقول صاحب الترجمة عنه :
رأى البرق شرقيا فحن إلى الشرق ….. ولو لاح غرببا لحن إلى الغرب
إن غرامي بالبريق ولمعه …… وليس غرامي بالأماكن والترب
ولد رضي الله عنه ليلة الاثنين سابع رمضان المعظم سنة ستين وخمسمائة مرسية، ثم انتقل منها لإشبيلية وللمرية، وطاف وجال في البلاد المغربية.
وكتب لبعض الولاة بالأندلس، ثم ترك ذلك وخرج تائها في البراري إلى أن نزل في قبر فمكث فيه أياما ، ثم خرج يتكلم بهذه العلوم التي نقلت عنه.
ولم يزل سائحا في كل بلد بحسب اللذة، ثم يرحل منها، ويخلف ما ألفه من الكتب فيها، وارتحل إلى المشرق حاجا فحج و زار، وأقام بالحجاز مدة، ودخل مصر و بغداد والموصل وبلاد الروم وسكنها مدة ، ولقي جماعة من العلماء والصلحاء وجهابذة الحديث، وأخذ عنهم و أجازوه، و لقيه هو جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه، وكان آية من آيات الله علما وعملا ودينا، وتقى وزهدا وتوكلا ويقينا، وكان أعلم زمانه بحيث إنه كان في كل فن متبوعا لا تابعا لأحد من أقرانه.
وكان في الكشف والتصوف والتحقيق بحر لا يجارى وإماما لا يغالط ولا يباري متضلعا بالحقيقة والشريعة، متمسكا منهما بأقوي ذريعة .
وله في التوحيد القدم الراسخة، وفي العلوم اللدنية والمعارف الإلهية الذروة الشامخة ، محیط بما في الكتاب والسنة من العلوم.
مستنبط منهما ما تقف دون إدراكه أقدام الفهوم، منصفا بالولاية العظمى والصديقية الكبرى، وما له من المناقب والكرامات ما لا تحصره مجلدات.
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الله القوري والشيخ أبو العباس زروق وغيرهما من الفحول العارفين بالفروع والأصول: أنه كان أعرف بكل فن من أهله وذويه، وأتقن في كل علم ممن يحاوله وينتقيه.
الأكبر في عرف، القوم فهو المراد، هو في كلام بعضهم أنه أعطي نواطق أكثر أهل القرب والوداد، ووصل في العلوم كلها إلى مرتبة الاجتهاد.
و سبب فتحه و منة الله عليه كان بمحاماته لفقراء الصوفية ومدافعته عنهم وانتصاره لهم كما في كتابه روح القدس في ترجمة شيخه أبي محمد المروزي: ولم أزل أبدا والحمد لله أجاهد الفقهاء في حق الفقراء السادة حق الجهاد، وأذب عنهم وأحمي وبهذا فتح لي ومن تعرض الذمهم والأخذ فيهم على التعيين، و حمل من لم يعاشر على من عاشر، فإنه لا نحفاء لجهله ولا يفلح أبدأ .
وقال في كتابه «شرح الوصية اليوسفية»: ولقد رأيت - والله أعلم - رسول الله في النوم أو بعض المعصومين فقال: أتدري بم نلت ما نلت من الله تعالى؟
قلت: لا.
قال: باحترامك من يدعي أنه من أهل الله سواء كان ذلك في نفس الأمر كما ادعاه أم لا، فراعى الله تعالى تلك ذلك وشكره منك، فأعطاك ما قد علمت.
ومن شيوخه وعمده في الطريق الشيخ أبو جعفر العربي لقيه بإشبيلية في أول دخوله في طريق القوم، وكان الشيخ أبو جعفر هذا بدويا أمية لا يحسب ولا يكتب، وإذا تكلم في علم التوحيد، فحسبك أن تسمع.
ومنهم الشيخ الإمام أبو يعقوب يوسف، بن يخلف الكوفي العبسي من أصحاب شیخ المشایخ و سید العارفين وقدوة السالكين أبي مدين شعيب بن الحسين المغربي البجادي دفين عباد تلمسان، ولسان هذه الطريق و محييها ببلاد المغرب.
قال الشيخ: دخلت تحت أمره فربي وأدب، فنعم المؤدب ونعم المربي.
وقال: وسمعته يقول: إذا شاء الشيخ أخذ بيد المريد من أسفل سافلين وألقاه في عليين في لحظة واحدة.
قال: وجل ما أنا فيه من بركته وبركة أبي محمد المروزي يعني عبد الله ابن الأستاذ المروزي من أصحاب الشيخ أبي مدين أيضا وأشياخ صاحب الترجمة.
قال له: عاشرته معاشرة انتفعت به، وأطلعنى الله ليلة على المقامات و مشي في عليها حتى وصلت مقام التوكل، فرأيت شيخنا عبد الله المروزي في وسط ذلك المقام، والمقام يدور عليه كدوران الرحى على قطبها وهو ثابت لا يتزلزل فكتبت په بذلك
ومنهم الشيخ سيدي أبو مدين المذكور، فإنه رضي الله عنه كان معاصرا له في حياته بأشبيلية، والشيخ أبو مدين ببجاية وبينهما مسيرة خمسة وأربعين يوما، وكان يريد الرحلة إليه شديد الرغبة في لقائه، و يتمني أن يجتمع به وقد سكن أبو مدين إذ ذاك عن الحركة فأتاه غيبا وأمده بروحانیته، فاكتفى بذلك عن رؤية الحس و مصاحبته وصار يحليه بشيخنا و بسیدنا و بخلاصة الأبرار، ويذكر أحواله ومآثره، ويعظمه كثيرا ويحتج بكلامه، وقد لقي كثيرة من أصحابه، وأخذ من أخباره عنهم ما تضيق به العبارة.
وأرسل الشيخ سيدي أبو مدين مع بعضهم وهو الشيخ أبو عمران موسی السدراني و كان من الأبدال - يقول له: أما الاجتماع بالأرواح فقد صح بيني و بينك وثبت، وأما الاجتماع بالأجسام في هذه الدار فقد أبي الله ذلك.
فسكن خاطري والموعد بيني وبينك عند الله في مستقر رحمته، ذكر ذلك الشيخ في رسالته روح القدس.
والشيوخ الذين لقيهم وأخذ عنهم وانتفع بهم كثيرون، وقد صرح بذكر الكثير منهم في بعض كتبه ك «الفتوحات»، ورسالة «روح القدس» وألف فيهم كتابا سماه «الدرة الفاخرة في ذكر من انتفعت به في طريق الآخرة». .
ومن أسباب فتحه أيضا دخول الخلوة، قال العارف بالله القطب سيدي عبد الوهاب بن أحمد الشعراني في كتابه الذي سماه بـ «الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار و العلوم»، وهو كتاب ذكر فيه من علوم القرآن العظيم نحو ثلاثة آلاف علم.
قال في كتابه «المیزان»: لا مرقي لأحد من طلبة العلم الآن فيما نعلم إلى التسلق أي: التسور إلى معرفة علم واحد منها بفكر وإمعان نظر في كتاب، وإنما طريقنا الكشف الصحيح. انتهى من نصه.
ومنها - يعني من علوم الخلوة - أن يفتح عليه - أي: على المختلي - بما شاء من نواطق الأولياء كما وقع لأخي الشيخ أبي العباس الحريثي والشيخ عمر البجائي ففتح على الأول بناطقة الشيخ عبد القادر الجيلي .
وفتح على الثاني بناطقة أبي الحسن الشاذلي وسيدي علي بن وفا.
ولم يكن يعهد منهما قبل الخلوة شيء من ذلك، و كانت خلوة أبي العباس أربعين يوما، و خلوة الشيخ عمر البجائي سبعة أيام كما أخبراني بذلك.
وأكمل من بلغني أنه أعطي نواطق غالب الصوفية الشيخ محيي الدين بن عربي رضي الله عنه و كانت خلوته ثلاثة أيام بلياليها في قير مندرس.
ثم خرج بهذه العلوم التي انتشرت عنه في أقطار الأرض، وكان موقعا يعني كاتب إنشاء عند بعض ملوك المغرب، ولم يكن يعهد منه علم واحد مما أبداه في كتبه قبل تلك الخلوة.
كما ذكره الشيخ عز الدين ابن جماعة، والشيخ محمد الدين الفيروزابادي صاحب «القاموس» رضي الله عنه انتهى.
ويقال : إنه رضي الله عنه أول من بسط الكلام في الحقائق الإلهيات والمعارف الربانیات، وصنف الكتب الكثيرة في هذا الشأن تنشيطا وتمثيلا على أهل السلوك في طريق العرفان، وكلامه أول دليل على مقامه الباطن.
وقد أخبر حسبما في «فتوحاته» وهو الصادق أنه دخل مقام القرية وتحقق به، وذلك في شهر محرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة، ومقام القربة هذا بين الصديقية و النبوة، وهو مقام الخضر عليه السلام كما يأتي .
وقال في الباب الحادي عشر وثلاثمائة: ما أعرف اليوم في علمي من تحقق بمقام العبودية أكثر مني وإن كان ثم فهو مثلي فإني بلغت من العبودية غايتها، فأنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طمعا. انتهى
وذكر في الباب السادس والثلاثين: أن بدايته كانت عيسوية، ثم نقل إلى الفتح الموسوي الشمسي ثم إلى هود، ثم إلى جميع النبيين، ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي الباب الثالث والستين وأربعمائة: أنه رأى جميع الرسل والأنبياء كلهم مشاهدة عين، ورأى المؤمنين كلهم مشاهدة عين أيضا، من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة، وصاحب من الرسل وانتفع به سوی محمد صلى الله عليه وسلم جماعة منهم إبراهيم الخليل عليه السلام قرأ عليه القرآن، وعيسى تاب على يديه.
وموسى أعطاه علم الكشف والإيضاح وعلم تقليب الليل والنهار.
وهود سأله عن مسألة فعرفه بها، فوقعت في الوجود كما عرفه.
وعاشر من الرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم وموسى و عیسی و هود أو داود عليهم السلام وما بقي فرؤية لا صحبة.
وقال أيضا في الكلام على حضرة الجمال من الباب الثامن والخمسين وخمسمائة :
وهنا سر نبوي إلهي خصصت به من حضرة النبوة مع كوني لست بني وإني الوارث ثم أنشد:
إني خصصت بسر ليس يعلمه ..... إلا أنا والذي في الشرع نتبعه
هو النبي رسول الله خير فتى ..... بالله نتبعه فيما يشرعه
وقال في الباب السادس والعشرين وخمسمائة: وقد ذكر كتابه مواقع النجوم الذي ألفه، وهو في المرية بلاد الأندلس ما نصه: وهو كتاب يقوم للطالب مقام الشيخ يأخذ بيده كلما عثر المريد ويهديه إلى المعرفة إذا هو ضل وتاه به. انتهى المراد
وذكر الشيخ الشعراني في «الأجوبة المرضية» عنه أنه قال في باب الحج من الفتوحات المكية: إن الكعبة كلمته وكذلك الحجر الأسود، وأنا طافت به ثم تلمذت له، وطلبت منه ترقيتها إلى مقامات في طريق القوم فرقی بها و ناشدها أشعارا و ناشدته.
وقال تلميذه القونوي: كان شيخنا ابن العربي متمكنا من الاجتماع بروح من شاء من الأنبياء والأولياء الماضين على ثلاثة أنحاء:
إن شاء استنزل روحانيته في هذا العالم، وأدركه مجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية العنصرية التي كانت له في حياته الدنيوية.
وإن شاء أحضره في نومه.
وإن شاء انسلخ من هيكله واجتمع به، وهذا معدود من كراماته رضي الله عنه.
وقد أشار في غير ما كتاب من كتبه نظما ونثرا إلى أنه خاتم الولاية المحمدية الخاصة، وأقر ذلك عليه غير واحد من العارفين كسيدي علي الخواص وغيره كما يأتي وفي ذلك يقول:
بنا ختم الله الولاية فانتهت ….. إلينا فلا ختم يكون من بعدي
وما فاز بالإرث الذي لمحمد …… من أمته في الكون إلا أنا وحدي
وعندما تحقق بمظهرية الذات والأسماء والصفات وصار خليفة الله في خلقه.
وأنشد لنفسه:
في كل عصر واحد يسمو به ……. وأنا لباقي العصر ذاك الواحد
و من نظمه رضي الله عنه :
خصصت بعلم لم يخص بمثله ….. سواي من الرحمن ذي العرش
وأشهدت من علم الغيوب عجائبا …… تصان عن التذكار في عالم الحس
فيا عجبا إني أروح وأغتدي …….. غريبا وحيدا في الوجود بلا جنس
لقد أنكر الأقوام قولي وشنعوا ……. علي بعلم لا ألوم به نفسي
فلا هم مع الأحياء في نور ما أرى ….. ولاهم مع الأموات في ظلمة الرمس
فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره …… و أفقدهم نور الهداية بالطمس
علوم لنا في عالم الكون قد سرت …… من المغرب الأقصى إلى مطلع الشمس
تجلى بها من كان عقلا مجردا ….. عن الفكر والتخمين والظن والحدس
وأصبحت في بيضاء مثلي نقية …… إماما وإن الناس فيها لفي لبس
ومن نظمه أيضا:
أنا المختار لا المختار غيري …… على علم من اتباع الرسول
و دنت الهاشمي أخا قريش …… بأوضح ما يكون من الدليل
أبايعه على الإسلام كشفا ……. وإيمانا لألحق بالرعيل
أقدم به وعنه إليه حتى ……. أبينه لأبناء السبيل
وقد كان بعض الأولياء من أهل المعرفة الإلهية يقول:
أعطي الشيخ الأكبر التفصيل و نحن أعطينا التفصيل والإجمال.
فظن بعض الناس من هذا أن هذه زيادة على الشيخ الأكبر.
قال بعضهم: وأنا أقول ليس الأمر كذلك، لأن الله تعالى يقول:
"وكل شيء قناة تفصيلا" (الإسراء:12] فعلم الله كله مفصل ويستحيل عليه الإجمال.
والشيخ الأكبر كان كلما وجد الحق فصيرته إلى شيء أدر كه تفصيلا من غير إجمال.
وهذا العارف كان العلم الذي يلقي إليه فيه التفصيل والإجمال، فكان مقام الشيخ أعلى.
ومن كراماته رضي الله عنه :
ما حكاه صاحب «القاموس» في جواب له من أنه لما فرغ من تصنيف «الفتوحات المكية» وضعها على ظهر الكعبة ورقا مفرقا من غير وقاية عليه، فمكث على ظهرها سنة، ثم أنزلها فوجدها كما وضعها ولم يمسسها مطر، ولا أخذ منها الريح ورقة واحدة مع كثرة الرياح والأمطار وهذا من أعظم الكرامات وأكبر الآيات وهو ما يدل على إخلاصه في تأليفها.
وأنه بريء مما نسب إليه في تصنيفها، وما أذن للناس في كتابتها وقراءتها إلا بعد ذلك
ومنها أيضا: ما حكي عنه من أنه مكث مرة ثلاثة أشهر على شيء واحد، وأنه اقتات من أول المحرم إلى عيد الفطر بلوزة واحدة.
ومنها: ما حكاه الشعراني في «طبقاته» من أن شخصا من المنكرين عليه أتى بعد صلاة العشاء بنار يريد أن يحرق بها تابوته، فخسف به دون القبر بتسعة أذرع وغاب في الأرض، فلما علم أهله بالقصة جاءوا وحضروا فوجدوا رأسه ، فلما حفروا نزل وغر في الأرض إلى أن عجزوا و ردموا عليه التراب.
وكراماته ومناقبه لا تحصرها مجلدات.
ومما اتفق له أنه لما أقام ببلاد الروم أمر له ملكها بدار تساوي مائة ألف درهم، فلما نزل ما وأقام بها مر به في بعض الأيام سائل، فقال له: شیء الله، فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلمها السائل وصارت له.
ولما حل دمشق حصلت له بها دنيا كثيرة، فما ادخر منها شيئا.
وقيل: إن صاحب حمص رتب له كل يوم مائة درهم، والقاضي ابن الزكی كل يوم ثلاثين درهما، فكان يتصدق بالجميع.
وكان يقول: أعرف اسم الله الأعظم، وأعرف الكيمياء والسيمياء بطريق التنازل، لا بطريق التكسب.
وحكى الشيخ عبد الغفار القوصي في كتاب «الوحيد في أخبار أهل التوحيد"
قال: حدثنا الشيخ عبد العزيز المنوفي عن خادم الشيخ محيي الدين بن العربي قدس الله سره قال: كان الشيخ يمشي و إنسان يسبه وهو ساكت لا يرد عليه.
فقلت يا سيدي ما تنظر إلى هذا؟
قال: ولمن يقول؟
قلت: يقول لك؟
فقال : ما يسبي أنا،
قلت: كيف؟
قال: تصورت له صفات ذميمة وهو يسب تلك الصفات، وما أنا موصوف بما انتهى.
وهذه فضيلة تدل على غاية الفضل والكمال، وهي شبيهة بما ورد في حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد" أخرجه البخاري .
رواه الحميدي في كتاب «الجمع بين الصحيحين» من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
وقد ترجمه غير واحد ممن عاصره أو تأخر عنه من الكبار، كالشيخ الإمام العارف بالله أستاذ الحقيقة و شيخ الطريقة صفي الدين حسين بن علي بن أبي المنصور الأزدي الأنصاري في رسالته الفريدة المحتوية على من رأى من سادات مشايخ عصره. قال فيها: «رأيت في دمشق الشيخ الإمام الوحيد العالم العامل محيي الدين ابن العربي، وكان من أكبر علماء الطريق، جمع بين سائر العلوم الكسبية وما وقر له من العلوم الوهبية، ومنزلته شهيرة، وتصانيفه كثيرة، وكان غلب عليه التوحيد علما و خلقا و حالا، لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا.
وله أتباع علماء أرباب تواحید و تصانیف، وكان بينه وبين سيدي أبي العباس الحذاء إخاء ورفقة في السياحات".
والشيخ الحافظ محب الدين ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد:
وقال فيه: «كانت رحلته إلى المشرق، وألف في التصوف وفي التفسير ونمير ذلك تواليف لا يأخذها الحصر ، وله سمعة وتصرف في الفنون من العلم وتقدم في الكلام والتصوف».
وقال أيضا: «صحب الصوفية وأرباب القلوب، وسلك طريق القوم، وحج وجاور، وصنف وكتب في علم القوم وفي أخبارهم، وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادهم، وله أشعار حسنة وكلام مليح، اجتمعت به في دمشق في رحلتي إليها، وكتبت عنه شيئا من شعره، ونعم الشيخ».
والشيخ صلاح الدين الصفدي في كتابه الجليل الذي وضعه في تاريخ علماء العام، وهو في مجلدات كثيرة.
وقال الشعراني في كتابه «الیواقیت والجواهر »: ممن أثنى عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في «تاريخ علماء العصر » وقال: من أراد أن ينظر إلى كلام أهل العلوم اللدنية فلينظر في كتب الشيخ محيي الدين، انتهى.
والشيخ الإمام شمس الدين محمد بن مسدي في معجمه البديع المحتوي على ثلاث مجلدات، فإنه ترجمه فيه ترجمة عظيمة مطولة، ومن جملتها قوله: وكان يلقب القشيري لقب غلب عليه، لما كان يشتهر به من التصوف، وكان جميل الجملة والتفصيل محصلا لفنون العلم أتم تحصيل، وله في الأدب الشأن الذي لا يلحق، و التقدم الذي لا يسبق.
وقوله أيضا: وكان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات، خاض بحار تلك العبارات، وتحقق بمحيا تلك الإشارات، وتصانيفه تشهد له عند أولي النظر بالتقدم والإقدام، ومواقف النهايات في مزالق الأقدام، وهذا ما ارتبت في أمره، والله تعالى أعلم بسره، انتهى.
والشيخ العلامة فريد زمانه و نادرة أوانه أبي العباس أحمد المقري وذلك في كتابه الذي سماه «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» فإنه ترجمه فيه ترجمة حسنة طويلة، ونقل فيها كلام غير واحد ممن ترجمه، قال: «وقد زرت قبره و تبركت به مرارا، ورأيت لوائح الأنوار عليه ظاهرة، ولا يحيد منصف محيد الإنكار ما يشاهد عند قبره من الأحوال الباهرة». .
وغيرهم ممن يكثر جدا من أهل المشرق والمغرب، ووصفه الكثير منهم بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان والعلم والأدب وعزة الشأن.
وفي "لسان الميزان" للحافظ الذهبي قال: قد اعتد بالمحتج ابن العربي أهل عصره، فذكره ابن النجار في «تاريخ بغداد» وابن نقطة في «تكملة الإكمال»، و ابن العديم في «تاريخ حلب» والزكي المنذري في «الوفيات» راجع كلامه.
وقد ذكر بعضهم أن شيخه الشيخ سيدي أبا مدين الغوث كان يلقبه بسلطان العارفين، ويسميه بالشيخ الأكبر .
وسئل عنه الإمام القطب سعد الدين الحموي حين رجع من الشام إلى بلده : كيف وجدت ابن عربي؟
فقال: وجدته في العلم والزهد والمعارف بخرة زاخرة لا ساحل له.
وحكي اليافعي في كتاب «الإرشاد» أن الشيخ رضي الله عنه اجتمع مع الشهاب السهروردي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام.
فقيل للشيخ: ما تقول في السهروردي؟
فقال: مملؤ سنة من قرنه إلى قدمه.
وقيل للسهروردي: ما تقول في الشيخ محيي الدين؟
فقال: بحر الحقائق.
وكان الشيخ كمال الدين الزملكاني من أجل مشايخ الشام يقول: " هو البحر الزاخر في المعارف الإلهية".
ويقول: ما أجهل هؤلاء ينكرون على الشيخ محيي الدين ابن العربي من أجل كلمات وألفاظ وقعت في كتبه، قد قصرت أفهامهم عن درك معانيها فليأتوني لأحل لهم مشكلاتهما، وأبين لهم مقاصدها بحيث يظهر لهم الحق، ويزول عنهم الوهم.
وكان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء يحط عليه كثيرا ، ويقول: إنه زنديق.
فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي وعرف أحوال القوم وطريقهم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية، حتى أنه سئل مرة عن القطب الفرد الغوث في زمانه، فتبسم وقال: الشيخ محيي الدين ابن عربي.
ورفع سؤال في شأنه وفي شأن الكتب المنسوبة إليه ك "الفتوحات" و "الفصوص" هل تحل قرائتها و إقرأوها و مطالعتها إلى الإمام بعد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي الصدیقی صاحب «القاموس» في اللغة .
فقال في جوابه و أنصف: الحمد لله، اللهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أعتقده في حال المسئول عنه وأدين الله به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما، وإمام الحقيقة حقيقة ورسم ، ومحيي رسوم المعارف فعلا واسما : قال الطيب المتنبي :
إذا تغلغل فكر المرء في طرف …… من علمه غرقت فيه خواطره
عباب لا تكدره الدلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، كانت دعوته تخترق السبع الطباق، وتفرق بركاته فتملأ الآفاق، وإنى أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته، وناطق بما كتبته، وغالب ظني أني ما أنصفته :
وماعاش إذا ما قلت معتقدي …… دع الجهول يظن الحق عدوانا
والله والله والله العظيم ومن ……. آفاقه حجة الدين برهانا
إن الذي قلت بعض من مناقبه …… ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
قال: وأما كتبه ومصنفاته فالبحار الزواخر الي جواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر، ما وضع الواضعون مثله، وإنما خص الله معرفة قدرها أهلها.
ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها، والتأمل لمبانيها انشرح صدره لحل المشكلات وفك المعضلات.
قال : وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصه الله بالعلوم اللدنية الربانية.
راجع كلامه، وراجع أيضا رسالته التي خاطب با سلطان زمانه، وهي التي سماها
"بالاغتباط بمعالجة ابن الخياط" وهو رجل من أهل اليمن اسمه: رضا الدين أبو بكر الخياط، عرضت عليه فتوى بكر الدين المذكور، فعارضها وخالفها.
وكتب مسائل في درج مشتملة على عقائد زائغة ومسائل خارقة للإجماع، ونسبها للشيخ رضي الله عنه وأرسل إلى العلماء ببلاد الإسلام يسألهم عنها.
وكتب ذلك في كتاب، فانتدب المجد الرد كلامه في هذا الكتاب، وأطال في ذكر مناقب ، الشيخ له وللمحقق المدقق العالم العامل شيخ الإسلام أحمد بن سليمان ابن كمال باشا مفتي الدولة العثمانية فتوی أبدع فيها في مدحه ووصفه.
ثم قال بعد ذلك: وله مصنفات كثيرة منها فصوص حكمية وفتوحات مكية، بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى و موافق للأمر الإلهي والشرع النبوي وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن، ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام لقوله تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" [الإسراء: 36 }.
وكان قاضي القضاة الشافعية في عصره الشيخ شمس الدين الخزرجي يخدمه خدمة العبيد.
وقاضي القضاة المالكية زوجه بابنته، وترك القضاء وتبع طريقته بنظرة وقعت عليه.
وكان الشيخ مؤيد الدين الجندي يقول: ما سمعنا بأحد من أهل الطريق اطلع على ما اطلع عليه الشيخ محيي الدين.
وكذلك كان يقول الشيخ العارف صاحب «عوارف المعارف» المجمع على إمامته في العلوم الظاهرة والباطنة شهاب الدين السهروردي، وكذا الشيخ كمال الدين القاشاني وقال فيه: إنه الكامل المحقق صاحب الكمالات والكرامات.
وكان الشيخ محمد المغربي الشاذلي شيخ السيوطي يترجمه بأنه مربي العارفين، كما أن الجنيد مربي المريدين ويثني عليه بغير هذا من الكلام.
ومن أثنى عليه الشيخ الإمام العلامة الزاهد الورع الصوفي العارف بالله تعالى عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد اليمني اليافعي نزيل الحرمين.
وأحد الأئمة الشافعية والأولياء الكبار، وصاحب المصنفات العديدة التي منها «روض الرياحين» وذلك في كتابه «الإرشاد والتطريز في ذكر الله وتلاوة كتابه العزيز ».
قال : وقد مدحه وعظمه طائفة كالنجم الأصبهاني، والتاج ابن عطاء الله وغيرهما، وتوقف فيه طائفة، وطعن فيه اخرون، وليس الطاعن بأعلم من الخضر عليه السلام إذ هو أحد شيوخه، وله معه اجتماع كثير . ثم قال: وما ينسب إلى المشايخ له محامل ثم ذكرها.
وكذا ذكره وأثنى عليه في كتابه «غاية المعتقد ونهاية المنتقد»، والشيخ الإمام العارف الهمام تاج الدين أبو العباس أحمد بن عطاء الله السكندري في كتابه «لطائف المنن». .
قال السيوطي في «تأييد الحقيقة وتشييد الطريقة الشاذلية»: وهما - يعني اليافعي وابن عطاء الله - شاهدا عدل مقبولان في تزكية مثل هذا، فإنما فقيهان صوفيان .
وأثنى عليه أيضا الشيخ عبد الرؤوف المناوي شارح "الجامع الصغير".
والشعراني في ترجمته من «طبقات الصوفية» لهما، وتكلم الثاني على علومه وأحواله في كتابه «تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء»، وكذا في كثير من كتبه ككتاب «الیواقیت والجواهر » فإنه ذكر فيه نبذة من أحواله، وجماعة ممن مدحه وأثنى عليه من العلماء، واعترف له بالفضل، فليرجع إلى ذلك من أراده
وممن أثنى عليه أيضا العارف بالله سيدي مصطفى البكري في كتابه :"السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد" ، ونقل الثناء عليه من سيدي أبي مدين و غيره من العلماء والأولياء، وذكر عباراهم، ثم نقل كلام صفي الدين أحمد القشاشي في آخر رسالته «وحدة الوجود» فيه.
وقوله: فلو استقصى إنسان وتتبع مناقبة التي تذكر بالسياق والتقريب في مصنفاته وفتوحاته لكان مجلدات، وذكر من جملتها قوله في باب الحب بعد ما ذكر من ذاب منه وصار ماء بين يدي شيخه وإن حبه كان طبيعيا ولم يكن إليا، وإلا لثبت ولم يذب ما نصه : " والله ثم والله لقد أعطاني الله من هذه المحبة ما لو وضع جزء يسير منه على السماوات والأرض لذابتا، ولكن الله تعالى قواني عليها. "
ثم ذكر سيدي مصطفى أبياتا وقصائد مدحه بها، فانظرها.
وممن أثنى عليه الشهاب أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي في غير ما كتاب من كتبه المشهورة، وقد قال في شرحه لهمزية الإمام البوصيري لدي قولها:
«والكرامات منهم معجزات... » البيت، بعد ما ذكر أن من الكفر الصراح قول بعض الكرامية: إن الولي قد يبلغ درجة النبي، وبعض جهلة المتصوفة: إن الولاية فوق رتبة النبوة، وإن الولي قد يبلغ حالة يسقط عنه فيها التكليف.
ونقل عن الغزالي أن قتل الواحد من هؤلاء خير من قتل مائة كافر. لأن ضررهم في الدين أشد.
ما نصه: وليس من أولئك العارفان العالمان المحققان الوليان الكبيران المحيوي ابن العربي والسراج ابن الفارض وأتباعهما بحق خلافا لمن زل منهم قدمه وطغى قلمه، إلا أن يكون أراد ما قاله الذب عن اعتقاد ظواهر عباراتهم المتبادرة عند من لا يحيط باصطلاحهم انتهينا.
و كتب محشية القطب الحفي على قوله: «وليس من أولئك... » ما نصه:
أشار بذلك للرد على ابن تيمية حيث جعلهما منهم، حاشاهما وبئس من نسبهما إلى أدن ضلالة رضي الله عنهما وتبعنا بهما، انتهى.
.
يتبع