منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:35 pm

هوامش وشروح 01 - 110 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 01 - 110 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 01 - 110 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مقدمة مولانا وحكمة التأخبر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي

« 317 »
 
شروح المقدمة
: تعد المقدمة من أكثر مقدمات الأجزاء الستة للمثنوى غموضا في العبارة أدى بدوره إلى غموض المعنى . ويرى كولبنارلى ( نثر وشرح مثنوى شريف ، الترجمة الفارسية لتوفيق سبحانى ، دفتر دوم ، جاب أول ، زمستان 1371 ، ص 20 ، فيما بعد كولبنارلى ، الترجمة الفارسية ) .
 أن مولانا كان قد كتب مقدمة أكثر تفصيلا على المجلد الثاني . لكن هذه المقدمة كتبت فيما بعد بشكل آخر هو الذي وصلنا . وأن المقدمة القديمة كانت تحتوى على هذه السطور « في سبب تأخير إنشاء هذا النصف الثاني من كتاب المثنوى نفع الله به قلوب العارفين وبيان الشروع فيه بعد فتور وشروح الوحي على المرء بعد فتور وانقطاعه بسبب زلة وسبب فتور كل صاحب حال وسبب زوال ذلك الفتور بشرح الصدور والسلام :
حلو هو في رأس المجنون هوسه * بشرط أن يكون هو سالكا أيضا 
فإذا اتخذ المرء فاتنا في دنياه * فلن يأخذ ما هو أحلى من سلطاننا 
هذا كولبنارى ، 2 / 21 .
 
1 - ويدور افتتاح المقدمة - مثل افتتاح النص - حول تأخر بدء مولانا جلال الدين في نظم الكتاب الثاني ، ويقول فيما بعد ( النص 6 - 7 ) : أنه بدأ نظم الكتاب الثاني في الخامس عشر من رجب عام 662 ه : 13 مايو 1264 م . ويقول الأفلاكى ( مناقب العارفين / 113 ) : أن مدة التأخير عامان ( وهو ما عليه الجمهور ) ويرى أن السبب فيه هو وفاة زوجة حسام الدين جلبي كاتب إلهام مولانا ، لكن مولانا في أواخر الكتاب الأول يتحدث عن خلافة العباسين في بغداد ويقول أن خلافتهم مستمرة إلى آخر الزمان ، ومعنى هذا أنه كان ينظم أبياته هذه قبل سقوط بغداد على أيدي المغول . ونهاية الحكم العباسي سنة 656 / 1258 ومن هنا يكون نظم المثنوى قد بدأ قبل سنة 656 وأن الكتاب الأول للمثنوى قد تم قبل السنة المذكورة ، وقد توفى صلاح الدين زركوب القونيوى


 
 
« 318 »
 
 
سنة 657 هـ - ( 29 / 11 / 1258 م ) ومن هنا يكون سبب التأخير ليس فحسب وفاة زوجة حسن حسام الدين وانشغاله بنفسه عن الكتابة لمولانا ، بل يضم إليها سبب آخر هو وفاة صلاح الدين ، ومن ثم يكون التأخير أكثر من عامين ولفترة تقترب من خمس سنوات ( كولبنارلى ، الترجمة الفارسية ، ص 32 ) ، لكن قد تكون هناك أسباب أكثر منطقية لتوقف مولانا جلال الدين عن النظم وهي أن نمط تلقى الجمهور لنص مثل المثنوى ، وبخاصة المجلد الأول الذي يعد أكثر أجزاء المثنوى صعوبة وأحفلها بقضايا التصوف مثار الخلاف - كان أحد الأسباب لتوقف مولانا عن الإملاء والنظم لا عن الفكر .
والظاهرة الملفتة لأي قارىء متذوق للمثنوى انه كلما تقدمنا في أجزاء المثنوى قلت ظاهرة الصعوبة والغموض والإغراب ، وكثرت الحكايات ، وزاد ضرب الأمثال ، وازداد النص وضوحا ، فلعل مولانا بفترة توقفه - أميل إلى تقبل رأى كولبنارلى بأنها خمس سنوات وليست سنتين - لإعادة النظر في أسلوب عرض قضايا المثنوى - الذي كان كتابا تربويا من الطراز الأول ، وأن الأسباب الأخرى كان مجرد أسباب عارضة .
والدليل :
2 - يقول مولانا " إن الحكمة الإلهية كلها برمتها معلومة للفقير ، ولفائدة هذا العمل توقفت عنه " أي أن التوقف لم يكن لانقطاع في العرض بل لبيان الحكمة بالقدر المستطاع ، والتفكير فيها لعدم تحملها - لأنها على حد قوله - تدمر إدراك الفقير . " وبيان قدر من الحكمة " يشبه خطام البعير ، يقوده ( وفي الكتاب الذي بين أيدينا يشبه الحكمة بأنها ناقة المؤمن الضالة يطلبها )


 3 - أن الحكمة تؤخذ بالهوادة ، مثل سوق البعير من خطامه ، إن تركتها تنهمر ، لاغرقت ، وإن منعتها لشحت بل ينبغي أن تعرض بالقدر المعلوم الذي يتحمله البشر .


 
 
« 319 »
 
 
4 - وبتعبير مولانا أن عدم عرض الحكمة انصبابا هو من الحكمة والوسطية التي كان يتوخاها في كل الأمور ، ويضرب المثل بالتراب ( الجسد ) والماء ( المعرفة ) فإن زاد الماء لما أصبح مدرأ ( تمثل بشرا ) وإن قل الماء فالنتيجة واحدة ، ويستشهد بالآية الكريمةوَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ( الحجر / 21 ) . جاء في شرح المولوي ( يوسف بن أحمد المولوي " المنهج القوى لطلاب المثنوى ، ج 2 ، ص 3 - 4 ، فيما بعد مولوى / 2 ) نقلا عن تفسير نجم الدين كبرى : ( يشير أن لكل شئ خزائن مختلفة مناسبة له ، كما لو قدرنا شئيا من الأجسام فله خزانة لصورته وخزانة لاسمه وخزانة لمعناه وخزانة لرائحته وخزانة لطعمه وخزانة لطبعه وخزانة لخواصه وخزانة لأحواله المختلفة الدائرة عليه بمرور الأيام وخزانة لنفعه وضره وخزانة لظلمته ونوره وخزانة لملكوته . . . وغير ذلك ، وهو خزانة لطفه وقدره ، وما من شئ إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون وقلوب العباد خزائن صفات الله بأجمعها ) .
 
5 - ويعبر مولانا عن أهمية وجود " التوازن " في الأعمال الأدبية الكبرى - والواقع أنه في هذه المقدمة إنما يتحدث عن برنامج لكتابة الأعمال الأدبية الكبرى - وليس الموضوع هو موضوع تأخر الجزء الثاني بقدر ما هو بيان لأسباب الفترة والتوقف بأسلوب كان بلا شك مفهوما في عصره . والتعبير عن التوازن هنا " بالميزان " الوارد في الآية الكريمةوَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ( الرحمن / 7 ) وفي حديث نبوي شريف « الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين » وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « بالعدل قامت السماوات والأرض » . وقال نجم الدين ابن الداية : والسماء رفعها يعنى سماء الصدر ، رفعها فوق أرض البشرية ووضع الميزان ، يعنى وضع القوة المميزة العاملة بين القوى السماوية والأرضية .
 
 
« 320 »
 
 
( مولوى / 2 - 4 ) . هذه هي العدالة الإلهية ، وبالظلم تخرب الأرض ، ويختل نظام المجتمع ، وتضيع القيم ، وتكسد الأسواق ، وتضل العقول .
 
6 - إن الله يعطى كل شئ بقدر وبميزان ، وبقدر الحاجة - ولا يفور الثدي باللبن ما لم يبك الطفل ، لكن هذا ينطبق على البشر العاديين ، لا على أولئك الذين بدلوا ، أي الواصلين إلى الحق ، الذين عرض نحاسهم على كيمياء التبديل ( الشيخ ) وصاروا ربانيين وفرغوا من الحياة المادية ، والله تعالى يرزقهم الحكمة بغير حساب ، وبقدر ما يريدونهايَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ *( البقرة / 212 ) .
 
7 - أن المعاني هنا ليست بحساب العقول ولا بما يجرى على كل المعاني ، بل هي أمور بالذوق ، فالعشق لا يشرح ، ومن ذاق عرف ، ولا يدرك الوجد إلا من يكابده ، فكأن مولانا يريد أن يقول أن هناك أمورا أخرى حددت مصير هذا العمل وأخرته ، لا يمكن بيانها وإنما على المرء أن يدركها هو بذوقه إن كان عاشقا ( عن العشق ، أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
8 - من الذي يمكن أن يتحدث عن العشق ، وعشق البشر كله على سبيل المجاز .
وعشق الحق هو الحقيقة ، فمحبة الله مقدمة على محبة المؤمنين ، فمحبة الله للمؤمنين تظهر محبة المؤمنين لله ، محبة العبد لله فناء الناسوتية في بقاء اللاهوتيّة ومحبة الله للعبد إبقاء اللاهوتية في فناء الناسوتية . وقال نجم الدين كبرى في معنى هذه الآية : الإشارة فيها أن الدين الحقيقي هو طلب الحق ، فقال تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا . . .يطلب الحق بعد أن كانوا في ضلالة طلب غير الحق. . . مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . . .وهو طلب الحق حقيقة طالبا غير الله من الدنيا والآخرة كما قال تعالى :مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَحتى قرئت هذه الآية عند الشبلي رحمه الله ، فشهق شهقة ، وقال :
ثمة أحد يقول ومنكم من يريد الله ( مولوى / 2 - 5 ) .

 
« 321 »
 
 
[ شروح الأبيات ]
( النص ) ( 1 - 2 ) : يعتذر عن تأخير بدء الجزء الثاني من المثنوى بأنه كان لا بد وأن يترك الأفكار دون تعبير ليتم نضجها داخله ، تماماً مثلما تلزم المهلة ليتحول الدم داخل الجسد إلى لبن سائغ للشاربين ، ثم ينتقل إلى فكرة الحاجة . الحاجة هي التي تول الفكرة مثلما يفور الثدي باللبن بمجرد ميلاد الطفل واحتياجه إلى الرضاع .
 
( 3 - 4 ) : الأبيات هي التي دفعت الشراح إلى اعتبار أن غيبة حسن حسام الدين كانت السبب في تأخر صدور الجزء الثاني من المثنوى . لقد كان في " معراج الحقائق " وكان في " بحر الروح " ولعل حسام الدين بعد فقد لزوجته قد اعتزل الحياة العملية فترة من الزمان والشغل بمجاهداته الروحية " معراج الحقائق وبحر الروح " . تلك الفترة التي توقف فيها مولانا عن نظم المثنوى لأسباب كانت لديه .
 
وبعوده حسن حسام الدين ، وجد مولانا ملهمه الذي كان يجعل المعاني تنفجر منه ( عن حسن حسام الدين ، أنظر مقدمة ترجمة الكتاب الأول ) . وكعادة مولانا يمزج بين الفكر والطبيعة ، فحسن حسام الدين هو الربيع ، وبراعم الفكر لا تتفتح إلا بوجود الربيع .
 
( 5 - 7 ) : المثنوى الذي هو يقوم بصقل الأرواح مما علق بها من أدران من اقترانها بالجسد ، كانت عودته يوم استفتاح ، وبينما عبر الشراح عن الاستفتاح بمعناه الحرفي ، أي فتح أبواب العالم الروحي وعودة إلى فتح أبواب المثنوى بعد أن أغلقت تلك الفترة . في حين توقف الأنقروى ( إسماعيل حقي الأنقروى ، شرح المثنوى ، المجلد الثاني ص 9 ، استانبول 1289 ، فيما بعد انقروى ) ، عند المعنى فقال أن بعضهم يقول أن يوم الاستفتاح هو يوم المعراج وهو خطأ والشائع أنه يوم الجمعة الأول من رجب ، ثم التقط جلبنارلى الخيط
 
 
« 322 »
 
 
( شرح جولبنارلى 2 / 33 ، من الترجمة الفارسية ) وقال أن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه ( متوفى 148 ه / 765 م ) علم أم داود بن المثنى ابن الإمام الحسن رضي الله عنه دعاء نتلوه في الأيام الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة من شهر رجب بعد صلاة الفجر وبعد قراءة سور معينة من القرآن الكريم ، وهذا الدعاء معروف بدعاء الاستفتاح ودعاء أم داود ، وكانت قد طلبته من الإمام لفك أسر ابنها من السجن . وهذا التفسير يتوافق مع ما هو مذكور ومشهور من بداية مولانا للكتاب الثاني في شهر رجب من سنة 662 ه . وفي يومه الخامس عشر منه بالذات الذي قبله استعلامى كتاريخ ليوم الاستفتاح ( محمد استعلامى : مثنوى جلال الدين محمد بلخى ، جلد 2 ، ص 176 ، ط 1 تهران ، زوار ، 1362 ه . ش ، فيما بعد استعلامى / 2 ) .
( 8 - 9 ) : البلبل والبازي من الممكن أن يكونا كناية عن حسن حسام الدين ومن الممكن أيضا أن يكونا كناية عن الأفكار التي هاجرت فترة من الوقت عالم البر إلى عالم بحر المعاني ثم عادت ، والملك هو المرشد ، " وهذا الباب " يقصد به المثنوى وهو باب الرحمة والولوج إلى العالم الروحاني والاستفادة من المعاني ، والتعرض لكيمياء التبديل .
 
( 10 - 14 ) : ها هي هذه المعاني صارت مبذولة بعد أن صار هذا الباب مفتوحاً ، لكن أين المتلقى الجدير بهذا الطعام المعنوي ؟ ! إن أمامه حجاباً من هذا الفم الجسدي المغرم بأطايب الطعام ، ( انظر لهذا المعنى الأبيات 1631 و 1651 و 1972 و 3077 و 4005 من الكتاب الأول وشروحها ) ، وإن الشهوة لتسد عليه آفاق المتعة الروحية ، وإن هذا الغم هو فوهة جحيم الجسد ، والدنيا في حد ذاتها ليست بالجحيم ، وليست بالجنة لكنها على مثال البرزخ ، أو الأعراف
 
 
« 323 »
 
 
ينتقل منها إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فهي إما تقود إلى النور الباقي فهو مبدؤه ، مثلما يوجد اللبن الصافي داخل الفرث والدم ، وهذا يتفق مع المنحى الفكري لمولانا جلال الدين من أن الجهاد الحقيقي هو في هذه الدنيا ، وأن جنة المرء وجحيمه في داخله هو " روحه ونفسه " ( موسى وفرعون داخلك ، أنظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، الأبيات 1252 - 1255 وشروحها ) .
ومن ثم ينبغي أن يكون المرء في هذه الدنيا على حذر واحتياط دائمين ، حتى لا ينقلب صفوه إلى كدر ، ولبنه إلي دم .
 
( 15 - 18 ) : إشارة إلى سيرة آدم عليه السلام وأكله الحنطة وطرده هو وحواء من الجنة ( أنظر الأبيات من 1258 إلى 1270 و 1490 و 1623 و 2151 في الكتاب الأول ) وفي البيت رقم 16 إشارة إلى بكاء آدم عليه السلام ، قال وهب بن منبه " سجد آدم على جبل الهند مائة عام يبكى حتى جرت دموعه في وادى سرنديب ، وأنبت الله في ذلك الوادي من دموعه الدارصينى والقرنفل وغير ذلك من الطيب ، وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ، ثم جاءه جبريل عليه السلام ، فقال له : إرفع رأسك فقد غفر لك ، فرفع رأسه وأتى الكعبة فطاف بها أسبوعاً فما أتمه حتى خاض في دموعه . ( مولوى 2 / 14 ) . لقد كان ذنبه قليلًا ، لكنه عظيم بالنسبة لنبي . وهكذا مثلما تكون الشعرة في العين إنها مجرد شعرة لكنها تحجب الرؤية الحقيقية بشكل تام . لقد كان ينظر بالنور الأزلي ومن ثم كان الذنب عظيماً .
 
( 19 - 23 ) : لما ذا عصى آدم ولم نجد له عزماً ؟ يقول مولانا : إنه لم يتشاور ، بل كانت مجرد مشاورته مشاورة نفس مع نفس ( آدم مع حواء ) ويدق مولانا كثيراً على المشورة ولزومها في أكثر من موضع من مواضع المثنوى ( أوضحها

 
« 324 »
 
 
ما ورد في الكتاب الرابع في قصة مشورة فرعون مع هامان وفي قصة السمكات الثلاث الواردة في الكتاب الرابع أيضاً ) . ولزوم المشورة عند مولانا نابع من تركيزه على لزوم المرشد ، فمن أولى بالمشورة من مرشد يستمد مباشرة من العقل الكلى فهو جزء منه . وهو - بعيداً عن شروح أصحاب الإشراق وترتيب المراتب - ذلك العقل الذي يكون مستمداً للنور وقابلًا له من الحق مباشرة .
 
والرفيق الإلهى المذكور هو المرشد ، ويقول بعض الشراح ( إستعلامى 2 / 177 ) أن المقصود به هو حسن حسام الدين ، لكن الحديث هنا عام لأنه ترك الحديث عن موضوع تأخر البدء في الدفتر الثاني من المثنوى ( عن العقل أنظر الأبيات 1510 و 1905 و 2062 من الكتاب الأول ) فالمرء مع من أحب ( حديث نبوي ) والمرء مع من أحب وله ما اكتسب ( جلبنارلى ، الترجمة الفارسية ، 2 / 33 ) .
 
( 24 - 29 ) : تناول لموضوع الخلوة والعزلة وبينما يميل مولانا دائماً إلى الحديث عن أهمية الوجود داخل تيار المجتمع ، ويذم التنطع في العزلة والتزهد ( كما هو موجود في الكتاب الثالث ، حكاية الزاهد الذي نذر ألا يأكل من فاكهة الجبل ) يرى هنا أن العزلة ذات شروط يعلمها المرشد اصلًا ، وأن العزلة تكون عن الأغيار لا عن الأحباء ، فصحبة الأحباء ذات فائدة ، هذه الفائدة هي تمحيص الرأي وإبداء المشورة ، فعقلٌ على عقل يساوى نوراً على نور ( والوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة ، وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر ) .
 ( أحاديث نبوية عن جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 2 / 33 ) والربيع المذكور هو السير إلى الله والشتاء هو الاشتغال بأمور الدنيا ( تكون الخلوة بمثابة فراء يحفظنا - وعكس العقل النفس الأمارة بالسوء ) وإذا اجتمعت نفسان فقد زادت الظلمة وادلهمت ، فكلتاهما
 
 
« 325 »
 
 
توسوس للأخرى ، ولسان كل منهما إنما يثير الغبار ، ويجعل القذى ( طعام الدنيا ) يرتفع أمام عين القلب فيحجبها عن الرؤية .
 
( 30 - 33 ) : كل صديق بمثابة المرآة لصديقه ، والمؤمن مرآة المؤمن ( حديث نبوي ) ( أنظر شروح على الحديث في الكتاب الأول ، الأبيات 1337 و 3160 و 3534 وشروحها ) . فصفاء المؤمن ينعكس في صفاء مرآة مؤمن آخر . ومن تفسير المناوي : أي يبصره من نفسه بما لا يراه من دونه . وقال العامري : كن لأخيك كالمرآة تزيد في محاسن أحواله وتبعثه على الشكر وتمنعه من الكبر وتريه قبائح أموره بلين نصحه ولا تفضحه ( مولوى 2 / 16 ) فحذار ، حافظ على هذه المرآة ، وإياك أن تجعل وجهها كدراً غير عاكس بما تنفثه فيها من هواء النفس ، واكتم هذا الهواء عنها ، اكتم كل ما توسوس به نفسك لك .
 
( 34 - 40 ) : لا يزال مولانا يواصل الحديث عن أهمية الرفقة الطيبة ويقدم صوراً من الطبيعة ، فالرفقة الطيبة للتراب مع الجو المناسب والبذرة الحسنة أنبتت شجرة طيبة ، رفقة الربيع للتراب جعلته خضرة ونضرة وأنبتة وروداً ورياحين ، وعندما حل الخريف ، آثرت أن تختفى تحت التراب ، هرباً من ذلك البلاء وانتظارا لحلول الربيع ، وقالت النوم خيرٌ من صحبة الأشرار ، ( والمثل ورد في معارف بهاء ولد ، ص 38 : إن لم يكن التراب ذكيا فلم يحفظ نفسه من فصل الشتاء المجنون وينتحى جانباً عنه ، وإن لم يكن يعرف الحبيب ، فلما كان يضحك للربيع ويعرض محصوله عليه ) .
ونوم أهل الكهف ( أنظر الأبيات من 406 - 409 و 1026 و 3019 من الكتاب الأول ) خيرٌ من ظلم دقلديانوس ، ليس نوم أهل الكهف نوماً ، إنه عبادة ، ولو كان من أهل الكهف قد بقوا أيقاظاً لأخذهم فساد دقلديانوس ، لكن نومهم كان أساساً للعز والشرف ، كان نومهم
 
 
« 326 »
 
 
فراراً والفرار من الفساد أولى . وهكذا تكون الخلوة عن الأغيار ، " ونوم على علم خير من صلاة على جهل " ( أحاديث مثنوى / 42 ، حديث نبوي عن جلبنارلى 2 / 33 ) تماما مثلما تصمت البلابل في الخريف وتختفى عندما تسيطر طيور الزاغ ( فصيلة من الغربان ) على الروضة والبستان .
 
( 41 - 44 ) : البلابل كناية عن رجال الحق ، وطيور الزاغ كناية عن العوام والجهال والأغيار ، وعندما تغيب الشمس يحل الوسن ، لكن هناك شموساً لا تغيب ، بل أنها عندما تموت الموت الجسدي ، إنما تنقل أنوارها إلى طباق الثرى فتملأها بالنور . هذا عن نور الأجساد ، لكن شمس نور العلم ليل نهار ، هل يمكن أن تكون شمس الكمال هنا إشارة إلى شمس الدين التبريزي ؟ ! ! ( أنظر الأبيات 120 - 124 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 45 ) : فاطلب هذه الشمس إن كنت عظيماً في عظمة الإسكندر ذي القرنين الذي وردت سيرته في سورة الكهف ( آيات 83 - 89 ) وثمة اختلاط هناك بين ما ورد في الآية وبين ما ورد عن حياة الإسكندر المقدوني في كتب التاريخ ، حيث خاض المفسرون في هذا الموضوع وتبعهم بشكل أو بآخر كتاب المنظومات القصصية الفارسية ( أنظر في الأدب المقارن لمحمد كفافى ، وبحث عبد النعيم حسنين المنشور في مجلة كلية الآداب - جامعة عين شمس ) . وقد تناول المفكر الهندي المسلم أبو الكلام آزاد هذا الموضوع في بحث ترجمه سعيد نفيسى إلى اللغة الفارسية مقارنة ما ورد عن هذا الموضوع بما ورد في أسفار العهد القديم بما يوحى بأن المقصود هو قورش الكبير الأكمينى ( المتوفى سنة 519 ق . م ) .
 
ويفسر أبو الكلام آزاد ذهابه إلى المغرب بفتح ليديا وذهابه إلى الشرق بفتح بكتريا ( بلخ ) والمقصود بقوم يأجوج ومأجوج شعوب كانت تعيش في جنوب
 
« 327 »
 
 
البحر الأسود ، والسد معابر جبال القفقاز كان يسميه العرب باب الترك وباب الخزر . وعلى كل حال فإن كل هذه التفسيرات تفسيرات اجتهادية ، إلا أنها ترسم صورة في المأثور الإسلامي لذي القرنين على أنه نبي من الأنبياء أو على الأقل ولى من الأولياء ، وثمة رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه - ما معناه - إن لك منزلا في الجنة وأنت ذو القرنين في هذا المنزل " . كما أن علياً قال عن نفسه :
أنا ذو القرنين هذه الأمة ، وثمة تأويل صوفي للقصة ، فذو القرنين هو القلب المستعد للمعرفة حبيس في أرض الجسد وعنده الاستعداد للوصول إلى الكمال ، وهو يميل إلى المغرب أي إلى الجسم ويرى فيه قوى النفس ، ويميل إلى الشرق أي مشرق الروح وينظر إلى نور الشمس بالقوى القدسية التي ليس دونها حجاب . وهناك دونه سدود الدنيا والحواس المرتبطة بالبدن ، وهذه الحواس لا تدرك المفاهيم ، وما لم يخلص منها إسكندر القلب فإنه لا يجد علماً عما وراءها .
 
( باختصار عن شرح جلبنارلى / 2 ، الترجمة الفارسية صص 33 - 36 ) والتفسير الصوفي هنا متوافق مع نص مولانا جلال الدين .
 
( 46 - 48 ) : ذلك أن المرء إن عثر على القلب وسيطر عليه ، فإنه يجد مشارق الأنوار حيثما ذهب وأينما حل ، وحيث تتبدل الأحاسيس الجسدية ( الخفاشية ) إلى أحاسيس نورانية ناثرة لدرر المعرفة وتصبح مصداقاً ل " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " وإنك إن أدركت أن آفاق المعرفة هي ما تمليه عليك هذه الحواس ، فأنت والحمار سواء لأنه يشاركك هذه الحواس الخمسة الظاهرة ، والراكب : كناية عن الإنسان المشرف بصفة الإنسانية عليه أن يكون ممتطياً هذه الحواس ، مسيطراً عليها موجهاً لها لا أن تمتطيه هي ( أنظر الأبيات 570 و 1020 و 1032 و 3293 و 3408 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
« 328 »
 
 
( 49 - 51 ) : تكرار للمضمون الوارد في البيتين 3590 و 3591 من الكتاب الأول عن الحواس الباطنة ، فالحواس الظاهرة دليل إلى عالم المادة والحواس الباطنة مرتبطة بالحقيقة أو روح الروح ومن هنا فهي بمثابة الذهب والحواس الظاهرة بمثابة النحاس ، والحواس الظاهرة يربيها البدن ، بينما يربى الحواس الباطنة ولى أو مرشد أو بتعبير مولانا جلال الدين " شمس ما " ( أنظر 3590 و 3591 من الكتاب الأول ) .
 
( 52 - 60 ) : يتجه مولانا إلى محبوب حقيقي هو الله سبحانه وتعالى الذي يحمل متاع الحواس إلى الغيب . أي يجعل من متاع الحواس غيبا ، ويطلب مولانا من الله سبحانه وتعالى أن يعيد ثانية معجزات رجال الحق ، وهذا ما يعبر عنه هنا باليد البيضاء ( القصص / 132 ) معجزة موسى عليه السلام ، إن صفاتك كلها شموس للمعرفة ، والخطاب للولي المتحقق بينما شمس الفلك ذات صفة واحدة مقيمة عليها لا تريم ، فأنت تكون حينا شمساً من حيث منحك للنور ، وحيناً بحراً من حيث إحاطتك بالمعارف الإلهية ، وحينا جبل قاف بك يكون ثبات العالم ، وحينا عنقاء شديد الشهرة خفى الذات ، وفي شرح السبزواري ( ص 98 ) :
 
وفسر جبل قاف أيضاً بعالم المثال لأنه يحيط الدنيا وعالم المثال محيط بعالم الدنيا ، والعنقاء هي الجوهر المجرد وروح القدس وملاك النجاة والناموس الأكبر والعقل الفعال . لكنك في الحقيقة لست هذا ولا ذاك ، إنك في الحقيقة تعلو عن هذا وعن ذاك ، " كل ما ميزتموه بعقولكم أو تصورتموه بأذهانكم فالله غيره " .
 
وإن روح الوجود أي الروح بمعناها المطلق والوجود بلا قيد ولا شرط ( أنظر 605 و 1128 و 3287 من الكتاب الأول ) هذه الروح منبعثة من العلم الإلهى والعقل الكلى ، ولا يمكن أن تبين بالألفاظ سواء كانت هذه الألفاظ عربية
 
 
« 329 »
 
 
أو تركية ، وأنت يا حقيقة أزلية أبدية بلا صورة ، لكنك متجل في كل الصور ، يحار فيك المشبه الذي يقيسك بصور الموجودات من مخلوقاتك فيجعل لك يداً وقدما ووجهاً ، والموحد الذي ينزعك عن كل شئ ، والأمر كله في يدك أنت يا الله الذي تجعل المشبه موحداً ، والموحد مشبهاً ، بحيث يخاطبك كما يخاطب محبوباً أرضياً قائلا لك " يا صغير السن يا رطب البدن " ( في بحث قام به جلبنارلى ذكر أن مولانا أورد في غزلية في الديوان الكبير أي ديوان شمس ما يفيد من أن الشطرة المذكورة هي للحسين بن منصور الحلاج ، وإن لم ترد في نسخة ماسينيون 37 - 38 من الترجمة الفارسية لشرحه ، والغزلية التي ورد فيها الشطرة عربية كلها وهذا نصها ( من الديوان الكبير ، ص 797 - 798 ) :
يا صغير السن يا رطب البدن * يا قريب العهد من شرب اللبن
هاشمي الوجه تركى القفا * ديلمى الشعر رومى الذقن
روحه روحي وروحي روحه * من رآى روحين عاشا في بدن
صح عند الناس أني عاشق * غير أن لم يعرفوا عشقى لمن
اقطعوا شملي وإن شئتم صلوا * كل شئ منكم عندي حسن
ذاب مما في متاعي وطني * ومتاعي باد مما في وطن
وقال جلبنارلى عن البيت الرابع انه ورد في فصوص الحكم لابن عربى ، غير منسوب إلى أحد ( ص 38 ) .
والخطاب هنا فيه تورية ، يذكر بما قاله أو يزيد البسطامي ، أنا أكلم الله وأسمع منه منذ ثلاثين سنة والناس يظنون أنى أكلمهم ، ومعاذ الله أن تكون مخاطبة أولئك السلاطين ومعاملتهم مثل المحجوبين من البشرية والمحبوسين في سجن الطبيعة والشهوة - حفظنا الله وإياكم من سوء الخواطر إلى الأكابر . ( أنقروى : شرح المثنوى 2 / 21 ) .
 
 
« 330 »
 
 
وقال سبزوارى ( ص 110 ) أن المعنى هو ما عبر عنه في تائية ابن الفارض :
وصرح باطلاق الجمال ولا تقل * بتقييده ميلا لزخرف زينة
فكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة
بها قيس لبنى هام بل كل عاشق * كمجنون ليلى أو كثير عزة
فكل صبا منهم إلى وصف لبسها * بصورة حسن لاح في حسن صورة
وما برحت تبدو وتخفى لعلة * على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعة
ففي مرة لبنى وأخر بثينة * وآونة تدعى بعزة عزت
وليس سواها لا ولا كن غيرها * وما إن لها في حسنها من شريكة
كذاك بحكم الاتحاد بحسنها * كمال بدت في غيرها وتزيت
 
( 61 - 64 ) : يعود مولانا مرة ثانية إلى مناقشة معطيات الحس الظاهر ومعطيات الحس الباطن . ويفرق مولانا بين نظريتين : نظرة يشجبها ويرفضها وهي نظرة المعتزلة ( ناقش مولانا في أكثر من موضع بعض نظريات أهل الاعتزال ، أنظر مثلا مناقشة تسبيح الجماد في الكتاب الثالث ، كما نوقش مذهب أهل الجبر من وجهة نظر أهل الاعتزال في الكتاب الأول ، الأبيات 621 - 632 و 943 - 948 و 1501 - 1512 وناقش أيضاً تساوى عقول البشر عند الميلاد في الكتاب الثالث ) .
أما أهل السنة هنا فهم بالطبع الأشاعرة ، ويقارن بين نظرتين : نظرة أهل الاعتزال العاكفة على الحس والتي لا تعترف بأية معطيات خارجة ، ونظرة أهل السنة ( والواضح أنها مرادفة للمؤمنين عموماً ) وهو الذي يؤمن بأن رؤية الله ممكنة ، وذلك أنه خرج عن الحس ولم يقم عليه ! !
( 65 - 73 ) : لو كان المقصود بالإنسان هو هذه الحواس الظاهرة ، لتساوى
 
 
« 331 »
 
 
الإنسان مع الحيوان ، لكن الإنسان مكرم ، وإن لم يكن مكرما متى كان يسمح له بالحس المشترك الذي يربط الحواس الظاهرة بالحواس الباطنة ، فكيف تحكم بأنه مُصور أو غير مصور ما دمت أنت نفسك لا تزال رهين عالم الصورة مقيداً به ، إنما يجوز فقط لمن جاوز عالم الصورة ( القشور ) وصار بأجمعه لبا ( عقلًا ) أن يخوض في مثل هذه الموضوعات . فإن كنت لا تملك هذه البصيرة ( أعمى ) فلا حرج عليك ، أما إن كانت لديك ، فامض في الطريق ، وثابر ، وأصبر ، فالصبر مفتاح الفرج ، وبالصبر تستطيع أن تنزع حجب البصيرة حجاباً وراء حجاب .
وبالصبر تجلى مرآتك ، فتنعكس عليها الصور من وراء الجسد وأدرانه فترى الصنع وترى الصانع .
 
( 74 - 80 ) : الصور أصنام تحول دون الحقيقة ، لكن صورة الحبيب تكون بمثابة الخليل تحطم الأصنام كلها ، وأليس الخليل نفسه في صورته الجسدية مشابها لغيره من الصور لكنه في الحقيقة محطم للأصنام ، وحمدا لله على أنه عندما ظهر ( استعلامى 2 / 181 الضمير هنا عائد على حسن حسام الدين ) انعكس ما في الروح في مرآته فهو مرآة الروح - لكن سياق الحديث يدل على أن المقصود هو الذي في مرآة حسام الدين يبدو حسنه وتنزل إفاضاته ويتجلى ، وهو من لا يمكن الصبر عليه ولا على تراب عتبته ، وهو " الجميل الذي يحب الجمال " ولا يشترى القبح ، ومن ثم ينبغي أن أكون قابلًا ، فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله العبد من نفسه . ( مولوى 2 / 33 ) .
وعند الأنقروى ( 2 / 52 ) : من كان يريد أن يعرف منزلته عند الله فلينظر منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله البعد من نفسه . وكيف يقبل الله غير الطيبين وهو الذي يقول الطيبين للطيبات ؟ !
 
 
« 332 »
 
 
( 81 - 93 ) : ليس هذه القاعدة فحسب قاصرة على الأمور الروحانية بل إنها قاعدة من قواعد الحياة البشرية ، فكن طالبا للنور ، وجرب إنك إن أغمضت عينيك عن النور القادم إليك من الكوة أحسست بالاضطراب ، فإن أحسست بالاضطراب وأنت مفتوح العينين ، فاعلم أن صبرك عن النور الأزلي قد نفد ، فواظب إذن على طلب هذا النور ، فإذا كنت تضطرب لفراق نور الكوة ونور العين الظاهرة ، فداوم على طلب النور الثابت ، وإذا كان ثمة جذب من الحبيب ينبغي إذن أن تكون جديراً بهذا الجذب لائقا به ، وإلا متى يلحق اللطيف بنفسه قبيحاً ، وكل شئ في الدنيا يجذب شيئاً ( عن معارف بهاء ولد ص 357 ) .
 
( 94 - 102 ) : متى أرى وجهي ؟ ! ! مرات عديدة يتساءل مولانا جلال الدين بهذا التساؤل ، أتراه لا يرى وجهه ؟ ! المراد هنا وجه الروح ، لون الروح ، فترة من الزمن ( تراها فترة غياب حسن حسام الدين ؟ ! ) لم تكن الصورة تبدو في مرآة إنسان ! ! وحتى إن وجدت فهي لن تبدى إلا الصورة ، ولا علاقة لها بالروح ، هي بالنسبة لتلك المرآة الكلية كالجدول بالنسبة للبحر ، لكن مرآة حبيب من تلك الديار كفيلة بأن تريك صورة روحك ، فاطلبه ، فمن هذا الطلب يكون الوصول ، مثلما جذب ألم المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة ، لقد صارت البصيرة الإلهية ( وليست بصيرة حسن حسام الدين ، كما يقول استعلامى 2 / 183 ) مقترنة ببصيرتي ، ومن ثم رأيت الطريق اللائح .
 
( 103 - 112 ) : لكني عندما رأيت حقيقتي في عين رفيقي الناظر للحقيقة قال لي وهمى : لا تصدق إن ما تراه هو خيالك لا حقيقتك ، لكن صورتي هتفت من عينيك : أنا الحقيقة ما دمت قد صرت في اتحاد مع الحقيقة ، والخيال لا يجد طريقة إليها . كما قال الشيخ الأكبر : إعلم أن الوهم هو السلطان الأعظم في هذه

 
« 333 »
 
 
النشأة الإنسانية ولا بد أن يحكم على العقل ، فإن العاقل ولو بلغ في عقله كمالا لا يخلص عن أحكام الوهم عليه ( انقروى 2 / 29 ) . وعند السبزواري ( شرح ص 119 ) عن ابن عربى : يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها وهذا هو الأمر العام لكل أحد والعارف يخلق بالهمة ما لا يكون له وجود من خارج محل الهمة . ( العين تكررت ثلاث مرات على أن الأولى والثانية المراد منها ذات الباري على موجب كنت سمعه وبصره والثالثة المراد منها العين الباصرة ،
ثم قال : رأيتك مرآة كلية باقية إلى الأبد ، ورأيت نقشى في ذاتك يعنى أسقطت جميع الإضافات وفنيت فيك ، ثم قال : من شدة سروري وجدت نفسي في عيني محبوبى بمعنى تيسر لي الوصال الإلهى بصفتي الجلال والجمال ، ثم قال : قال لي وهمى هذا الوصال الذي اتخذته خيالك أصح ، وفرق نفسك وذاتك من خيالك ، فإن خيالك عدم محض ظننه وجوداً مطلقاً وهذا خطأ فاحش من طرف الوهم .
فرد : نقشى وخيالي أعطيانى صوتا من عينيك أن أنا هو وأنت أنت أنا في الاتحاد فإذا محيت فالناظر هو ولهذا قال في البيت السابع : لأن في عين الاله المنيرة أي عين الله ناظرة إلينا ، متى يلقى الخيال لها طريقا فعلم أن الأولياء نجوا من خيال الباطل ثم قال : وإن رأيت أنت نقشك في غير عيني ، اعلم أنه خيال وعلم بهذا ان من اتخذ من غير الله مرآة فهو خيال باطل لأن سوى الله باطل ، ثم قال : لأن ما عداى يتكحل بكحل الفناء والعدم ويذوق شراب التسويلات الشيطانية ( مولوى 2 / 37 ) .
إن الفيصل هو الاكتحال بالمعرفة الإلهية ، فمن تكحل بالمعرفة الإلهية لا تجد الخيالات سبيلها إليه وإنما تظهر الخيالات إن كان ثم شعرة من انيتك موجودة أمامك ، فإنها هي التي لا تجعلك تفرق بين الجوهر وبين حجر اليشم الرخيص . وهناك ثم فرق لا بد أن تعرفه بين
 
« 334 »
 
الحقيقة القائمة على العيان والحقيقة القائمة على الظن والقياس ، أسوق لك الحكاية التالية لأبينها لك :
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.docx   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:36 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.pdf






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 113 - 505 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:37 pm

هوامش وشروح 113 - 505 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 113 - 505 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 113 - 505 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر رضي الله عنه
( 113 ) : الحكاية هنا فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / ص 43 ) وردت في صحيح مسلم ، وأن الحوار كان بين عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهما في حوار لا علاقة له بشعرة الحاجب أو غيرها .
 
( 119 - 124 ) : إذا كانت شعرة حاجب بهذا القدر من الضآلة قد حجبت رؤية الأفلاك ، فإذا كان الإعوجاج في كل أعضائك ، حتى تطمع في رؤية ؟ ! ! وإنما تكون مستقيماً بصحبة المستقيمين ، وهم لك بمثابة الميزان ( أنظر عن المرآة والميزان بمثابة المحك الكتاب الأول ، الأبيات 3559 - 3564 وشروحها ) وكما تستقيم من المستقيمين ، إنما يصيبك الإعوجاج من المعوجين .
 
( 125 - 135 ) : وإذا كنت حقا من متابعى الرجال ومن متابعى محمد صلى الله عليه وسلم ، فكن ممن جاء ذكرهم في الآية الكريمةمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ( الفتح / 29 ) ، فكيف تقوم بحيل الثعالب وأنت أسد من أسود الله ، وكيف تترك لذئاب النفوس الطريق إلى يوسف القلب ، وها هو إبليس يوسوس لك مثلما وسوس لأبيك ، إنه يناديك بحلو الألفاظ ، ليهزمك في لعبة شطرنج الحياة ، فهو ماهر فيها ، يتناوم أمامك كالغراب بحيث تخطىء في اللعب ، ويرغبك في قذى الحياة وهو مالها وجاهها ، إن حلقك يغص به فيمنع من نزول ماء الحياة فيه ، يمنعك عن المعرفة الإلهية ، ومال الدنيا ليس ملكاً لأحد ( ! ! )
فإن سطا أحدهم على آخر ، فكأن لصا قد سطا على لص آخر ! ! ( 136 ) : الحكاية القصيرة التي وردت هنا عن المشعوذ الذي سرق حية من
 
 
« 335 »
 

مشعوذ آخر لم يهتم أحد من شراح المثنوى بالبحث عن أصلها ، ومن الواضح أنها من وضع مولانا لكي يلبس المعنى الوارد في البيت رقم 135 شخوصا تجليها وتبين معناها ، والبيت رقم 141 ناظر إلى الآية الكريمة :وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا( الإسراء / 11 ) وهكذا تدور الحياة في تشاحن وبغضاء ، وتفسد الأسرة ، ويفسد المجتمع ، وينقلب إلى غابة في سبيل التشاحن على المادة ، وجعل المادة هدفاً للحياة .
 
( 142 - 152 ) : الحكاية هنا فيما يراه فروزانفر ( مآخذ / 43 ) مأخوذة من منظومة إلهي نامه لفريد الدين العطار ، ولها مثيلات في فحواها ومغزاها وهو أن الإنسان يطلب أحيانا ما يضره ، وما لا يقوى على تحمله ( مثل حكاية من أراد أن يتعلم لغة للطير المذكورة في الكتاب الثالث ) والاسم السني المذكور في البيت 143 هو نفس الاسم الأعظم ، وهو الاسم الذي لو أقسم به على الله تعالى لأبر واستجاب . ولكن في اعتقاد بعضهم أن الذي يجعل الأقطاب والأوتاد قادرين على الإتيان بالافعال الخارقة ليس كلمة واحدة ، لكنها قدرة روحانية ورابطة معنوية تربط قدرة العبد بقدرة الحق ، فتكون إرادة العبد وفعله هي إرادة الحق وفعله ، وفي الكتاب الرابع في قصة سليمان وبلقيس ، ينقل آصف بن برخيا عرش بلقيس بقوة اسم الله الأعظم ( استعلامى 2 / 185 ) .
ويقول المولوي ( 2 / 48 ) أسماء الله تعالى كلها عظام وبالعمل بما أمر الله على لسان حبيبه يكون الرجل أمين خزائن مفاتيح الأفلاك ، ويفسر مولانا بأن القوة لم تكن في عصا موسى عليه السلام ، بل في شخصية موسى نفسه ، وإن قوة كل امرئ كما جاء على لسان عيسى عليه السلام في نفس الحكاية ليست نابعة من خارجه ، بل من داخله هو " من الروح " ، ومن لا يهتم بالروح فهو مجرد جيفة ، والاهتمام بها هو الذي يهب الإنسان
 
« 336 »

 
القوة ، ومن لا يهتم بنفسه وبالسمو بجسده هو وبإحياء العظام الرميمة التب يحتوي عليها هذا الإهاب من الجلد ، كيف يمكن له أن يهتم بإحياء العظام الرميمة الملقاة في الطريق ؟ ! 
ومن لا يصلح نفسه ، كيف يمكنه أن يصلح الآخرين ، إبدأ بنفسك ، هذا هو المبدأ السامي الذي لو نفذ لصلح المجتمع كله بصلاح أعضائه .
 
( 153 - 156 ) : وهكذا يكون المحروم من إقبال الحق ومن السعادة الأزلية ، إنه لا يصدر عنه إلا كل سوء ، تكون نتائج أعماله كلها شؤما عليه وخسارة ، إنه يطلب ما يظنه خيراً ، وهو شر عليه ، هذه علامة من علامات الشقاء ، إن كيمياء التبديل ( الوسائل التي يلجأ إليها المرء للوصول إلى أغراضه ) عند هذا المرء الشقي معكوسة النتائج ، فالورود في يده أشواك ، والصديق معه حية ، وكل ما يطلبه ويسعى في أثره يأتي بعكس ما يريد ويرجو ، وذلك لأن الله تعالى لم يفتح بصيرة قلبه ، فصار ما يطلبه لغير الله ، ولغير صالح نفسه .
 
( 157 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يبدو مما التقطه مولانا جلال الدين من الحكايات الشعبية الشائعة حول الصوفية ومن ثم لم يهتم شراح المثنوى بالبحث عن أصول لها . وعن لا حول ولا قوة إلا بالله ، ورد في الحديث الشريف : قال عليه السلام : ألا أخبرك بتعبير لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ ! أي لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله ( انقروى 2 / 47 ) .
 
( 159 - 161 ) : يترك مولانا سياق الحكاية ، ويقول أن الصوفي ربط مطيته في الحظيرة ، وجلس مع رفاقه للمراقبة ( عن المراقبة ، أنظر شرح البيت 1561 من الكتاب الأول ) ، ثم يتحدث مولانا عن فائدة الصحبة ( الحضور مع الرفاق )
 
 
« 337 »
 
 
وعن أنها تعدل كتابا زائد الفائدة ، بل إن معاملات الصوفي كلها لا تحتاج إلى الكتاب ، بل يحتاج إلى قلب تقى طاهر في بياض الثلج ( عند حافظ : امح الأوراق إن كنت رفيقا لنا في الدرس ، فإن علم العشق لا يوجد في دفتر ) ، ويفرق ما بين العالم والصوفي ، فالعالم زاده سعى العلماء من قبله ، لكن الصوفي زاده آثار القدم أي الآثار الأزلية الموجودة في الآفاق والأنفس والرياضة وتصفية القلب وهذا ما ورد في أقوال أوائل الصوفية ، فهو عند الجنيد ذوق تضمحل فيه معالم الإنسانية وتتلاشى علائم النفسانية وعند الشبلي إسقاط رؤية الخلق ظاهرا وباطناً ، وعند الجنيد أيضاً فناء النفس بسطوة الأحدية ( مولوى 2 / 51 ) العلماء يأخذون علمهم ميتاً عن ميت والصوفية يأخذون علمهم عن الحي الذي لا يموت
( 162 - 168 ) : الصوفي صياد المعاني وهو يرى الدرب الذي سار عليه الصوفية من قبله ، ويقتفى آثار غزال الحقيقة ، والسير على الآثار يوصل إلى الذات ( نافجة غزال الحقيقة ) ، إن طلب هذه النافجة لمسافة منزل واحد ( خطوتان وقد وصل ) وإن شكر النعمة التي وصل إليها ، انفتح الطريق أمامه ، وسطعت أنوار أقمار الطريق في قلبه ، وفتحت له أبواب جنة السرو وفردوس الأحدية ، وهو بالنسبة لك يا من لم تسر في هذا الطريق جدار أصم ، وخيال ، لا حقيقة فيه ، ومجرد أقوال لا تدرى عنها شيئاً ، وحجر فوق حجر ، لكنه بالنسبة لمن ذاق وعرف واتصل حقيقة لا خيال فيها ، وباب يدلفون منه إلى أسمى المعاني وأرق المعارف ، وجوهر تراه أنت عند التجلي ويراه الشيخ العارف ( في مرتبة التراب وعالم الغيب ) ( مولوى 2 / 53 ) والبيت 168 مأخوذ من بيت معروف أورده ظهيرى السمرقندي في ترجمة سندباد نامه ( استعلامى 2 / 187 ) .
 
( 169 - 183 ) : حديث عن العارفين والشيوخ الكمل الواصلين ( أنظر أيضاً البيت 2954 من الكتاب الأول ) وهو إشارة أيضا إلى موضوع الأعيان الثابتة ،
 
 
« 338 »
 
 
فهم موجودون في علم الله الأزلي والأبدي ، والله تعالى أعطاهم الوجود من جوده عطية لم تكن مجال طلب ، ولا هي عن عوض ( انظر البيت 470 والبيت 2072 من الكتاب الأول ) تمتعت أرواحهم بالعطاء الإلهى قبل أن يخلقوا أجسادا ،« سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى »لقد خلقت أرواحهم قبل أجسادهم ، بينما كانت المشورة لا تزال دائرة من أجل خلق البشر ( البقرة / 30 - 39 ) ،
لقد كانت أرواحهم تسخر من الملائكة الذين لم يدركوا حكمة الله من خلق البشر وقالواأَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. قال صاحب المدارك في تفسير هذه الآية : وإنما أخبرهم تعالى بذلك ليعلمهم طريق المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وهو غنى بعلمه وحكمته البالغة عن المشاورة ( انقروى 2 / 4 ) .


كانوا مسرورين لأنهم يعلمون أن الله سبحانه وتعالى لن يقبل اعتراض الملائكة ، وسوف يخلق البشر ، ويصطفيهم من بنى البشر ، ويخصهم بعلمه ( در بحره ) ، ولقد علموا أيضا صورة كل شئ قبل أن تخلق النفس الكلية ، وعلموا صورة زحل قبل أن تخلق الأفلاك ، ورأوا محصول الحياة من قبل أن تغرس بذرتها ، ومن قبل أن تخلق لهم الألباب ، كانت عندهم الفكر ، كان لهم وجود ذهني وقوى عقلية من قبل أن تخلق أجسادهم ، لم يكن وجودهم المعنوي في حاجة إلى أدوات مادية ،
ولقد كانت لهم المشاهدة بديلة عن الفكر - فالفكر مرتبط بالزمان ، لكن المشاهدة غير مرتبطة به ، لقد ذاقوا خمر المعرفة الإلهية من قبل أن تخلق الكرم .
ولابن الفارض :شربنا على ذكر الحبيب مدامة * سكرنا بها من قبل ان تخلق الكرم .ولقد شربوها وأحسوا منها بالوجد والذوق والشوق الحقيقي والانفعال وإنما عمر الكون ببركاتهم ، وحفظ من أجلهم ، وكل جمال في الكون انعكاس من جمال أرواحهم .
 
 
« 339 »
 
 
( 184 - 189 ) : الحديث عن وحدة الأولياء وحدة باطنية ومعنوية " الأولياء كنفس واحدة " إذا اجتمع منهم اثنان ، يكونون من ناحية التصرف والقوة بمثابة ستمائة الف " وهذا ينبئ على أن حقيقة الأرواح واقعة وهو الروح الأعظم وحقيقة الحقائق والحقيقة المحمدية ، وتعددهم من جهة التعين باعتبار تعدد أبدانهم ، وأخوة الدين منشأها صلب النبوة وحقيقة نطفها نور الله ( مولوى 2 / 58 ) .
ويقدم مولانا عدة صور بهذا المعنى : فالموج واحد وإنما تفرقه الريح ، وشمس الأرواح تفرقت داخل كوات الأبدان ( أنظر أيضا الأبيات 30 - 35 من الكتاب الثالث وشروحها ) ألم يقل تعالى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ *، النفس الواحدة إذن هي الروح الإنسانية ، والروح الحيوانية ( أساس البدان ) هي عامل التفرقة ، والحق تعالى خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره ( أنظر البيتين 764 و 765 من الكتاب الأول وشروحهما ) .
 
( 190 - 192 ) : يطلب مولانا جلال الدين من المريدين أن يتخلصوا من الملل حتى يصف لهم جمال الروح الإنسانية ، ونقطة الخال ( مركز هذا الجمال ) لا يتأتى وصفه في بيان ، ولا يحتويه مقال ، فالمراد به نقطة الوحدة المطلقة والهوية الذاتية الإلهية ، فإن الدنيا والآخرة والظاهر والباطن عكس نقطة الذات ، واعلم أن أكبر المحققين شبهوا الهوية بالخال ، والكون بالخد ، فقالوا :الكون خد قد بدا من خاله * ولقد تجلى خاله من خده( مولوى 2 / 61 ) وقال المغربي على العكس : الكون خال قد بدا من خده ، ولقد تجلى خده من خاله ( انقروى 2 / 44 ) .
 
وإنني مهما تحدثت عن هذا الجمال فإنما أكون تماما كنملة سحبت حبة من بيدر « وأسحب حمل الأمانة أزيد من وجود بشريتى وأكثر من مقدارى حتى أشكر فيما أنا مسرور به من نعمة » ( مولوى 2 / 62 ) .
 
 
« 340 »
 
 
( 194 - 202 ) : يتناول مولانا جلال الدين هنا جدلية - ظاهر الحكاية ( القش ) والمعنى ( البر ) ، ظاهر الحكاية الذي يتعلق به المستمع ويمنع مولانا من الاسترسال في تعليمه وإفاضاته وجزر بحره ومده ( كلام العارف عن الحقائق الإلهية ) أتراك تود منى أن أعود إلى حكاية الصوفي ؟ ! ! ومن أدراك أنني بهذا الصوفي أقصد صوفيا بالفعل ؟ ! وما تعلقك هكذا بظاهر الصوفي مثل تعلق الأطفال بالجوز والزبيب ؟ ! وما تعلقنا بالأجساد إلا من قبيل تعلق الأطفال بهذا الجوز والزبيب ، لكن إن وصلك إكرام الحق من خلف الطباق التسع فإنك تستطيع أن تدعها وتتركها تماما ، لكنك تريد أن تسمع صورة الحكاية ، إسمعها إذن ، لكن إفصل حبها ( معناها ) عن تبنها ( ظاهرها ) ،
ويشير المولوي ( 2 / 64 - 65 ) إلى هذا الباطن أنه إذا أتى صوفي إلى خانقاه ورأى من خادمها وشيخها تزويرا وتلبيسا إلا يوصى ببهيمة نفسه لهم ولا يسلمها لهم لإصلاحها ولا يغتر بمداهنتهم وتزويرهم ، ولا يخلو عن التقيد بلوازم نفسه كي لا يهبط ويخسر ، والرمز للنفس بالبهيمة ورد في أكثر من موضع من مواضع المثنوى .


( 220 - 223 ) : برغم كل ما قاله خادم الإصطبل لم يكن الصوفي مطمئنا ، ويشير مولانا إلى بعض الحقائق النفسية في هذه الأبيات ،
 أولاها : أن الطمأنينة الزائدة عن الحد الصادرة من اللسان إنما تأتى بنتيجة عكسية تماما ،
والثانية : أن مخاوف اليقظة تنعكس كوابيس عند النوم ، كما يشير إلى عادة عند المسلمين هي قراءة سورتي الفاتحة والقارعة فكلاهما - في المعتقد الإسلامي - يحفظ الإنسان من العذاب يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم « من قرأ القارعة أمنه الله من فتنة الدجال وشدائد يوم القيامة » ( مولوى / 2 - 68 ) .
( 226 - 229 ) : يتساءل الصوفي : ترى ما الذي يدفع ذلك الخادم إلى إهمال
 
 
« 341 »
 
 
خدمة دابته وإلى عداوته ؟ ! !
إنه لم يبد له سوى اللطف واللين ، ثم يشير مولانا إلى أن الحقد في بعض النفوس طبع والعداوة للبشر صفة متأصلة عند بعض الناس ، ويتساءل مرة ثانية : هل تكون العداوة بلا سبب ؟ !
إن الطبيعة هي التجانس وهي التعاون في الحياة ، هذه هي القاعدة . ويعود الصوفي فيتساءل :
وما ذا كان ذنب آدم عند إبليس وأي سوء قدمه آدم لإبليس في الأصل ؟ ! ( عن التجانس أنظر الأبيات من 623 إلى 645 و 867 - 903 من الكتاب الأول وشروحها وعن آدم وإبليس أنظر الأبيات من 1206 إلى 1207 و 1290 و 1623 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 230 - 233 ) : إشارة إلى ما قيل أنه حديث نبوي " سوء الظن من حسن الفطن " " الحزم سوء الظن " ( أحاديث مثنوى / 74 ) ( مولوى / 2 - 70 ) كما ورد في نهج البلاغة " إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم ساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر " وفي لامية العجم للطغرائى :
وحسن ظنك بالأيام معجزة * فظن شرا وكن منها على وجل.
( عن جعفري 3 / 191 - 192 ) ( أنظر أيضا الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 267 - 279 وشروحها ) .
 
( 249 - 260 ) : القوة الكاذبة لا يكون من نتيجتها إلا فعلٌ كاذب أو لا فعل على الإطلاق ، والشحن الكاذب لآلاف البشر بل ملايين البشر بالأغانى والأناشيد وخطب الزعماء دون فعل حقيقي يدعمها تكون نتيجته في النهاية الخراب الكلى والمطلق . ولن يقوم بعملك سواك ، فأي بشر تتكىء عليهم وتستند عليهم وتنتظر منهم أن يقوموا لك بما ينبغي أن تقوم به بنفسك ؟ ! إنهم جميعاً

« 342 »
 
 
مسيرون بالشيطان ، لهم وسوسة كوسوسة الشيطان وإلا ما وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأنهم شياطين الإنسيُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، وهكذا يكون من يسلم قياده لهم ، يكب على جسر الصراط ،
 كما كان حمار الصوفي يكب على رأسه ، إنهم أبالسة في صورة البشر ، كلهم يوسوس لك ،
إن الحية كانت في باب الجنة مليحة الشكل ، فدخل الشيطان بصورته الجنة فلم يصل لسيدنا آدم ، فاجتمع مع الحية وحل بوجودها ثم تشكل بشكلها ودخل الجنة ولاقى سيدنا آدم ورغبه في أكل الحنطة وجرى ما جرى ، ( مولوى / 75 ) وهكذا مثلما حل الشيطان في الحية يحل الشيطان في بعض البشر ، ويتلبس بصورهم ،
فيكون من يتظاهر لك بالصداقة كالقصاب الذي يقوم بسلخ جلدك .
 
( 261 - 263 ) : « قم لصيدك بنفسك » هذه هي النتيجة التربوية التي يصل إليها مولانا في هذا العدد من الأبيات ، نوع من تربية الشخصية ذات التفرد والشموخ ، ومن ثم فليست العزلة لازمة فحسب للطريق الصوفي ، بل إن كل عمل فذ من أعمال الفكر والفن والأدب احتاج إلى نوع من العزلة ، حقيقة شهد بها التاريخ وصدقتها التجربة ، فما بالك بالطريق الصوفي وهو أشق الطرق وأصعبها قاطبة " أوحى الله إلى داود يا داود لا تكن منتبذا وحدانيا ، قال : يا رب تركت الخلق لأجلك ،
قال له : يا داود كن يقظاناً واتخذ لنفسك إخواناً ، وكل خدن لا يوافقك على طاعتي اعتزل عنه ولا تصاحبه فإنه لك عدو ، وقال أبو بكر الوراق الترمذي : وجدت خير الدنيا والآخرة في العزلة وشرهما في الكثرة والخلطة .
وقال الغزالي : إن الناس يفسدون ما يحصل لك من العبادة والطاعة وإن لم يعصم الله فعليك بالعزلة عن الناس والاستعاذة من شر هذا الزمان ، ( مولوى
 

« 343 »
 
 
2 / 76 ) . والواقع أن موقف مولانا ليس داعياً في الحقيقة إلى العزلة والاعتزال ، فهو يكره التنطع والمبالغة ( في هذا الأمر أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1636 - 1640 و 1674 - 1690 وشروحها ) .
 
( 264 - 272 ) : مرحلة أخرى من مراحل هذه الفكرة : إذا كان عليك أن تقوم بالعمل بنفسك ولنفسك وليس للقريب فأعلم أنك تتعامل مع اثنين : جسدك وهو غريب عنك ، وقلبك وهو سرك وجوهرك ومادة وجودك ومهبط فكرك ومحل ذكرك ، ولا شك أن المقصود بالقلب هنا الروح ، لكنك تهمل نفسك وتقوم بتربية الغريب عنك ، تضمخ جسدك بالمسك وما له التراب ، ويتراكم الرين فوق القلب وهو الصائر إلى رب العالمين ،
وهو في هذا ناظر إلى قول القشيري " القلب موضع نظر رب العالمين فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو منظر الخلق فيغسله عن الأقذار والأدناس فيزينه بما أكله لئلا يطلع مخلوق على عيبه ، ولا يهتم بقلبه الذي هو منظر رب العالمين حتى يطهره ويطيبه لنظر ربه " ( مولوى 2 / 78 ) .
وكل هذه عند مولانا من علامات النفاق ، والنفاق هو وجود النفق ( المسافة ، الفاصلة ) بين الظاهر والباطن والجسد والقلب والقول والفعل ، وأعمال المنافق كلها إلى خراب وهي مؤقتة ظاهرة الحسن قبيحة المآل ( كخضراء الدمن ) .
 
( 273 - 280 ) : يفسر مولانا الآية الكريمةالْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ( النور / 26 ) ، على أساس فكرته في أن كل المظاهر الموجودة في الكون من مادية ومعنوية جزء من كل موجود في العالم الآخر ، وأصل الخبث النار والجحيم ، وأصل الطيبة الجنة ، ولا بد للجزء من أن يلتحق بكله ، وكل صفاتنا هنا الطيبة أو القبيحة تتجسد في مظهر من مظاهر الجحيم أو مظاهر الجنة ، ومآلك بحسب صفاتك ، وأنت وما
 
 
« 344 »
 
 
تفكر فيه ، واختلف المفسرون في معنى الفكر في هذا البيت ( 278 ) وقال بعضهم أن المقصود النفس الناطقة القابلة لأنواع العلوم والفكر ( انقروى 2 / 56 ) إلا أن الأبيات التالية فيما يرى جلبنارلى ( الترجمة الفارسية 2 / 71 ) ترى أن الفكر هنا ما هو إلا المذكور في المثل العربي ( فكر المرء قيمته ) وقد سئل مولانا في حياته عن معنى هذا البيت فقال : أنظر إلى هذا المعنى على أساس أن الفكر المقصود هو ذلك الفكر الخاص ، وقد عبرنا عنه بالفكر للتوسع ، ولكنه ليس من جنس ذلك الفكر الذي يفهمه الناس . إذن ما هو : هو ذلك الكلام الذي يتولد من الفكر ( جلبنارلى 2 / 71 ) والواقع أن القدماء توسعوا في معنى البيت دون حاجة تذكر ، فإن قيمة المرء ما قد كان يحسنه ، والمرء بأصغريه لسانه وقلبه ، وآفاق الفكر هي التي تحدد في عالم اليوم القيمة الحقيقية للإنسان ، ومولانا نفسه في الأبيات التالية لذلك البيت أشار بأن الذي يحدد وجود الإنسان هو الفكر الذي يؤمن به ذلك الإنسان ويمارسه ، وهو الذي يجعل منه إما جنة وإما جحيما ، إما مسكاً وإما بولا ، إما شيطاناً وإما إنساناً .
 
( 281 - 294 ) : يشير مولانا هنا إلى أن البشر في أصل الخليقة متمايزون متغايرون مختلفون فيما يتعلق بالنفوس وبالفكر وبالقلوب وبالأرواح ، وإن تشابهت الأجساد والصور ، وبالأجساد والصور يتم الامتزاج والاختلاط والمعاشرة ، وزينة الدنيا في هذا الامتزاج والاختلاط ، والفصل بينهما في هذه الحياة الدنيا أمر صعب ، ويعبر مولانا عن انتقال الأرواح المتمايزة في عالم المثال وامتزاجها في عالم الكون بانكسار الصناديق .
 
( 285 - 294 ) : من هنا تجلت حكمة الخالق - جل شأنه - في إرسال الأنبياء بالكتب ، وذلك لفصل الصالح عن الطالح والمحسن عن المسىء أو بتعبير مولانا :
الزائف والصحيح ، ومن قبلهم كنا بأجا واحداكانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً



« 345 »
 
 
( البقرة / 213 ) وهؤلاء الأنبياء بمثابة العين الخبيرة الواعية التي تستطيع أن تميز بين الزائف والصحيح ( في الكتاب الثالث شبه بلالا رضي الله عنه بأنه كإنسان العين صغير لكنه يرى عالما واسعا ، وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه إنسان عين المؤمنين ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3252 - 3528 وشروحها ) .
وهم - أي الأنبياء - كالنهار أعداء للزيف مثلما يكون الزيف عدوا لهم ، فهم مرآة التعريف ، وميزان الحق والمرآة والميزان لا يكذبان ولا يزيفان ولا يخفيان الحقيقة ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 3559 - 3561 وشروحها ) . من هنا أيضا كانت القيامة نهاراً ، ووصفت بأنها يوم ، وذلك لكي تبين أفعال الناس كما هي وعلى حقيقتها .
 
( 295 - 303 ) : والنهار على الحقيقة ( مبين أحوال الناس كما هي ) هو باطن الأولياء الذي سطعت عليه شمس الحقيقة العليا وانعكست أشعتها عليها ، كما أن الليل هو ذلك الستر الذي يقوم به الأولياء ، فيسترون على عباده عيوباً يرونها ، ويمنعهم ما يتوخونه من ستر عن البوح بها ، ومن هنا أقسم الله تعالى بالضحى ، والضحى المحسوس فإن وزائل وهل يقسم الباقي بالفاني ؟ !
إذن فلا بد أن للضحى هنا معنى آخر : هذا الضحى هو النور المحمدي ، النور الذي يقسم به الله تعالى هو هذا النهار ، فما كان الضحى ضحى إلا بعكسه لنور المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإلا لفنى وزال وغاب كما غابت شمسه وافل ، وإبراهيم الخليل عليه السلام قال :لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ( الأنعام / 76 ) .
ثم إن الله تعالى أقسم بالليل أيضاً ، وما الليل هنا إلا ستر حقيقته المحمدية في لباس الجسد ، وعندما أشرقت شمس الوحي بعد غيبة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : ما ودعك . . أي ما ترك جوهرك الإلهى مخفياً خلف ستار الجسد بانقطاع الوحي ، وما قلى : أي ما غضب عليك ، ومن ثم صار له من البلاء ( انقطاع الوحي ) الولاء والوصال .
 
 
« 346 »
 
 
( 304 - 309 ) : وهكذا - وليس الأمر مقصوراً على تفسير ما مر من آيات القرآن المجيد - فإن كل عبارة بيان لحالة : فالحال بمثابة اليد والعبارة بمثابة الأداة والآلة التي تعمل بها اليد - وكما أن لكل صنعة آلة ، فإن لكل حال عبارة ، وكما أنه يحدث العديد من الأخطاء إذا استخدمت آلة صنعة في صنعة مختلفة ، فالعبارة تكون قاتلة وفضيحة إذا استخدمت لغير حالها ، وهكذا نقرن بين مقولة منصور الحلاج " أنا الحق " وبين مقولة فرعون " أنا ربكم الأعلى " ، وفرق بين العصا في يد موسى ، والعصا في يد الساحر ، ( أنظر البيت 280 وما بعده من الكتاب الأول ) ، ومن ثم كان الحرص على العبارة ، ولم يكن عيسى عليه السلام يريد أن يعلم الاسم الأعظم لذلك الأبله ( أنظر البيت 142 وما بعده من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( ولم يكن موسى يرضى أيضا بتعليم لسان الطيور لذلك الأبله الآخر المذكور في الكتاب الثالث ) فلا هذا ولا ذاك كانا يمتلكان الحال الذي يستوجب العبارة .
 
( 310 - 324 ) : وهكذا تستوجب سنة الله في خلقه : التوفيق ما بين اليد والألة ، وجود التناسق بينهما والضرورة حتى ينتج الفعل ، كما أنه لا بد من زوج وزوجة حتى يحدث الميلاد ، على كل حال هذه هي مظاهر عالم الكثرة ، أما عالم الوحدة فلا يوجد فيه شك . فالشك إنما يظهر من الأعداد ، وإياك أن تظن أن الواحد الأحد قابل للكثرة ، فحتى من قالوا بالاثنين ( الزردشتية الذين قالوا بوجود اله للنور وإله للظلمة ) ومن قالوا بالثلاثة ( المسيحيون ) سرعان ما عادوا ( فقال الزردشتية بزروان الاله الذي نتج منه آهورامزدا وأهريمن وقال المسيحيون ثلاثة في واحد ) وهذا عندما ينتهى حول الروح الذي يرى الواحد أكثر من واحد ، وما أنت إلا كرة في صولجان حكمه ، يلقى بك حيث يشاء ،
 
 
« 347 »
 
 
وبحسب عقيدتك تساق ، والمهم أن تكتحل بنور المعرفة الصادر من الكمل الواصلين ، عالج عينيك عن طريق أذنك ، واجعل قلبك مستعدا لإصدار الحكمة لا لتلقيها ، وإلا فمهما تلقيتها وثرثرت بها وبينتها دون أن تكون ذا قلب واع ، فلا قيمة لها بالنسبة لك ، وأنت تلقى السمع وأنت شهيد ، وأن تكون مشتاقاً متحرقاً ، طالبا ودؤباً ، وإن افتقرت إلى هذه الصفات صارت الحكمة عندك كأنها طاووس في منزل قروى ، وجوده مؤقت ، وفناؤه مؤكد .
 
( 325 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ورد ذكرها قبل مولانا في كشف المحجوب للهجويرى ( ص 8 من النص الفارسي ، ص 12 من النص العربي ) كما ورد في اسرار نامه للعطار ، وفي مقالات شمس الدين التبريزي ( مآخذ / ص 44 - 45 ) ، كما أشار مولانا إلى نفس المعنى في إحدى غزليات الديوان الكبير : " لقد كنت بازيا خاصا في حجرة امرأة عجوز ، فلما سمعت طبل العودة ، ذهبت إلى اللامكان " ، والملك في الحكاية هو الله والبازي الروح والمرآة العجوز الدنيا ورفاق السوء ، وفي الكتاب الرابع ( ابتداء من البيت 362 يروى مولانا القصة ثانية لبيان معان أخرى .
 
( 337 ) في إحدى روايات الأفلاكى ( مناقب العارفين / 1 - 523 ) أن مولانا جلال الدين ذهب يوماً لزيارة قبر والده وبعد فترة من المراقبة طلب دواة وقلما وذهب إلى الشاهد الجيرى على قبر ولده علاء الدين ( المتهم باغتيال شمس الدين : أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) وكتب هذا البيت :إن كان لا يرجوك إلا محسن * فبمن يلوذ ويستجير المجرم( وفي الكتاب الرابع ابتداء من البيت 81 حكاية الواعظ الذي كان لا يدعو إلا للظلمة والمجرمين ) .

 
« 348 »
 
 
( 338 - 342 ) : الإنسان يذنب ، والله يتوب ، ولولا طمع الإنسان في عفو الله ما تجرأ على ارتكاب الذنب ،إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( الفرقان / 70 ) .
وهناك ثمة نقطة كانت مثار خلاف في مسألة التوبة ، وخاض علماء الإسلام في التوبة عن الكبائر والتوبة عن الصغائر ، والوقت المعين للتوبة ، فضلا عن أن تحويل السيئات والكبائر عند التائب إلى حسنات قد يضرب مسالة العدل الإلهى في الصميم ، فإن الأمر هنا لا يتوقف على المساواة بين الصالح والطالح فحسب ، بل ويتفوق الطالح التائب الذي تتحول سيئاته إلى حسنات ، والواقع أن الروايات التي قيلت في هذا المجال متناقصة أشد التناقض ، وربما كان الحث على التوبة بمثابة الحث عن الانصراف عن طريق العصيان ، وما زينه الشيطان ، ويبقى للتائب بعدها وجدانه وضميره الذي قد يثقل عليه أحياناً لما ارتكبه من ذنوب بما يفوق عقاب الآخرة ، والندم عند التوبة ، والدمع ، والبكاء في حضرة الباري تعالى كلها من عبادات الخواص ، وهذا هو المقصود بإبدال السيئات إلى حسنات . ثم تبقى نقطتان لازمتان جدا للتوبة وخصوصاً عن الكبائر : رد الحقوق والتعرض للقود الذي قد يدفع التائب حياته نفسها ثمنا لها . ويشير مولانا إلى نقطة أخرى : ذلك العجب الذي ينتاب الطائع ، فيحس أنه بمعاملته هذه قد قدم ما طلبه منه الخالق ، وهو بهذا يطلب المقابل ، فتكون تجارة لا عبادة ، وجرأة على الحق ، وتزيدا على الخالق ، وهذا هو عين الذنب ، فانظر إلى الطاعة في الذنب وإلى الذنب في الطاعة ( وهو ما عبر عنه مولانا في مواضع أخرى بالنعال المعكوسة ، أنظر الكتاب الأول 2493 وبشكل أكثر تفصيلا في الكتاب الخامس ، الأبيات 2753 وما بعده ) ويقدم مولانا صورة أخرى : هل إذا قرب الملك أحدهم يكون هذا مدعاة لجرأته وتوقحه ؟ ! وأليس في هذا في حد ذاته مدعاة لفقدانه القرب بل
 
 
« 349 »
 
 
فقدانه رأسه ؟ !
وفي تفسير نجم الدين كبرى في تفسير الآية الكريمةالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ( أي الخشوع بالظاهر والباطن أما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه ، وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات ، وخشوع الأذن بالتذلل للإستماع ، وخشوع اللسان بالقراءة مع الحضور ، وخشوع اليدين بوضع اليمين على الشمال مع التعظيم كالعبيد ، وخشوع الظاهر بانحنائه في الركوع مستويا ، وخشوع الفرج بنفي الخواطر الشهوانية ، وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة . أما الباطن فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس ، وخشوع القلب بمداومة الذكر ودوام الحضور ، وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحظات والمكونات ، وخشوع الروح استغراقه في بحر المحبة وذوبانه عند تجلى صفات الجمال والجلال ، ( مولوى 2 / 97 - 98 ) .
 
( 343 - 355 ) : يقدم الصقر ( الروح ) هنا عذرا صوفيا وهو سكر العاشقين الذي يدعوهم إلى الانبساط في حضرة المليك ( عن السكر أنظر البيتين 579 و 580 من الكتاب الأول ) . وما دام الله قد أعطانا الاستعداد للكمال ، فمن المطلوب منا أن نسعى في سبيل الوصول إليه ، وأية قيمة للخلقة المحسوسة مهما كانت ضخامتها إذا فقدت قوة الله ، ومهما كانت ضآلتها إذا استمدت قوتها من الله سبحانه وتعالى ، وما ذا يضر الجسد إذا قل ما دامت الروح باقية ، ما ذا يضير الفارس إن ضاع الجواد إذا كان الفارس باقياً ؟ !
وانظر : ألم تكن نهاية النمرود المتجبر على يد بعوضة ؟ !
سلط الله عليه أحقر خلقه وأهونهم شأناً ( أنظر الكتاب الأول ، بيت 1197 ) وألم يسلط الطير الأبابيل على فيلة أبرهة ، وألم يسلط موسى عليه السلام على فرعون وفي يده مجرد عصا ؟ ! وألم يجعل الطوفان جيش نوح عليه السلام وسلاحه ؟ !
 
( 356 - 363 ) : كل القدرات والقوى التي وهبت للأنبياء إنما هي انعكاس
 
 
« 350 »
 
 
للقدرة التي وهبها جل شانه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ما كان للأنبياء متفرقين ، كان له وحده ، وبحركة من إصبعه عليه السلام انشق القمر ، وموسى الذي يضرب به المثل في الأنبياء بالقوة تمنى أن يكون من أمة محمد ( رأى كعب الأحبار حبراً من اليهود يبكى فقال له : ما يبكيك ؟ !
قال : ذكرت بعض الأمر ، فقال كعب الأحبار : أنشدك الله لئن أخبرتك بما أبكاك لصدقتنى ؟ قال : نعم ،
قال : أنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل على موسى عليه الصلاة والسلام أن موسى نظر في التوراة فقال : إني أجد أمة هي خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والأخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال .
فقال موسى : رب إجعلهم أمتي قال : هم أمة محمد يا موسى ) . ثم يستمر الخبر فيصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم ( بما أراده الله منها وبما ينبغي أن يكون فيها ) فقال موسى : يا ليتني من أصحاب محمد .
 
( قصص الأنبياء للثعلبي ص 205 - 206 ) كما وردت في تفسير الطبري ، وللحافظ ابن نعيم في دلائل النبوة وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ( فروزانفر : مآخذ / 45 - 46 ) .
 
( 364 - 368 ) : إن الله تعالى يذيق عبده بعض رحمته حتى يطمع في الرحمة كلها ( نظيرها : إذا أحب الله أن يلزم عبدا حرفة أذاقه بعض حلاوتها ليلزمها ) هذا هو الجذب الإلهى من الله للعبد ، وهو شبيه بجذب الأم التي توقظ طفلها من النوم ليرضع ، المُعطى يريد العطاء مثلما يطلبه المُعطى ، الماء يريد الظمآن مثلما يريد الظمآن الماء ، وما بالك إذن بالرحمة الإلهية ( وكل ما في الأرض من أنواع الرحمة يبلغ فحسب عشرها ) هذا هو المستفاد من الحديث الذي يرويه الصوفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : كنت رحمة مخفية فانبعثت إلى أمة مهدية
 
.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 113 - 505 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:38 pm

هوامش وشروح 113 - 505 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 113 - 505 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 113 - 505 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر رضي الله عنه
« 351 »
 
( استعلامى 2 / 197 نقلا عن نيكلسون كما وردت في شرح الأنقروى 2 / 70 ) ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إنما أبدى الكرامات لك لكي تطمع فيها مصداقا ل " ما للأنبياء يكون للأولياء " .
 
( 371 - 378 ) : يشتم من هذه الأبيات أن مولانا يريد أن يبين دور الأولياء بعد دور الأنبياء ، وقيامهم بمهام النبوة في نوبتهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خلص الجسد من السجود للأصنام ، ووجدت أنت هذه الهدية بالمجان فلم تعرف قدرتها ، وبقي عليك أن تخلص القلب من السجود لصنم النفس ، والهداية كلها من الله تعالى :
إنه أراد هدايتك ودلك عليه وفتح في قلبك كوة معرفته ، ورزقك نعمة الدمع ، وفضيلة البكاء ، وموهبة الدعاء ، هذا إذا أراد أن تنزل عليك رحمته وعطاياه .
 
( 379 ) : الشيخ أحمد بن خضرويه البلخي من عرفاء القرن الثالث الهجري ، متوفى سنة 240 ه ، والحكاية التي ينقلها مولانا هنا وردت قبله في الرسالة القشيرية وفي تذكرة الأولياء للعطار كما لفقها مولانا مع حكاية أخرى وردت في اسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد ( الترجمة العربية لاسعاد قنديل ، ص 112 / الأصل ص 78 ) ( فروزانفر / مآخذ : 46 - 47 ) .
 
( 382 ) : قصة تحول الرمل إلى دقيق لإبراهيم الخليل عليه السلام أوردها الأنقروى في أكثر من موضع من شرحه على الجزء الثاني من المثنوى ووردت في قصص الأنبياء صص 95 - 96 .
 
( 383 - 384 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا " ( صحيح مسلم 3 - صص 83 - 84 ) ، وأنظر أيضا الكتاب الأول الأبيات 2234 - 2236 وشروحها .
 
( 385 - 388 ) : أعظم الإنفاق إنفاق الروح ، فإنه يهب الحياة ، يقدم حلقه
 


 
 
« 352 »
 
 
للسكين كإسماعيل عليه السلام ( عن رواية الذبح ، أنظر الثعلبي ، قصص الأنبياء 91 - 95 ) ، وهكذا كل شهيد ، إن ماتت منهم حلوق الأجساد ، تفتحت حلوق الأرواح ، وهذا هو مصداق الآية الكريمةوَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( آل عمران / 169 - 171 ) .
 
( 432 ) : الشطرة الأولى إشارة إلى المعجزة المعروفة للرسول صلى الله عليه وسلم ( أنظر الأبيات 118 و 1085 من الكتاب الأول و 356 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
( 438 ) : إشارة إلى قصة عيادة الأصم لجاره المريض الواردة في الكتاب الأول ( 439 ) : عن موسى والخضر ، أنظر الأبيات 225 و 2982 من الكتاب الأول ( 445 - 447 ) : الظاهر : أن بكاء الطفل بائع الحلوى حرك رحمة الله ، والمعنى الذي فسر به مولانا هو طفل العين أو إنسان العين الذي ينبغي أن يبكى من أجل أن تتحرك رحمة الله سبحانه وتعالى ( أنظر 630 و 824 و 1552 من الكتاب الأول و 367 - 378 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 448 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في أكثر من موضع من طبقات ابن سعد والبيان والتبيين للجاحظ وتمهيدات عين القضاة ، وأقرب ما ورد إلى الحكاية هنا ما ورد في ربيع الأبرار للزمخشري " كان في زمن الحسن بن قتادة عابدة اسمها بريرة وكانت بكاءة ، فقيل له عظها فإنا نخشى على عينيها فقال لها : إن لعينيك عليك حقا فاتقي الله ، فقالت : إن أكن من أهل النار فأبعد الله بصرى ، وإن أكن من أهل الجنة ليبدلنى الله بهما خيراً " ( مآخذ / 49 ) .
 
( 452 - 459 ) : المقصود بعيسى هنا روح الولي المتصلة بالروح الإلهية والتي لا تكون في حاجة إلى عينين من أجل الرؤية ، وليس معنى ذلك أن تحمل الولي
 


 
 
« 353 »
 
 
هموم جسدك ، فتكون مثل ذلك الأبله الذي رويت طرفا من قصته من قبل " الذي طلب من عيسى عليه السلام تعلم الاسم الأعظم " " بداية من البيت 142 " أتراك تطلب حياة الجسد من عيسى وتطلب هوى فرعون من موسى ؟ ؟
وما اهتمامك هكذا بالمعاش ؟ ! ( والله تعالى قد مد موائده أكثر من الآكلين " كما قال سنائى الغزنوي في الحديقة )
المهم أن توجد الروح ، فإن وجدت لا جدال أن يوجد الجسد حولها " فالروح هي الكيان والبدن مجرد خيمة ، الروح هي التركي المغير المهاجم وإن وجد لا بد وأن يقيم له السلطان ( الله ) خيمة في المعسكر .
 
( 460 - 466 ) : نهاية مصير ذلك الأبله الذي طلب فوق ما تحتمله قواه ( مثل أبله الكتاب الأول الذي طلب ان تحمله الريح إلى الهند ، وأبله الكتاب الثلث الذي طلب من موسى عليه السلام أن يعمله لغة الطير ) ، فقد تمثلت العظام أسدا ، وحطمت مخ ذلك الذي طلب أن يتعلم اسم الله الأعظم ، وكان أصلًا بلا عقل ، لأن لو كان له عقل ، لما طلب ما طلب . كان قد بقي للأسد بعد أن تحول إلى رميم رزق في الدنيا ، وكان لا بد أن يرتد حيا وأن يناله ( هكذا عند استعلامى 2 / 202 ) وإن كان مولانا يفسر بأن الأسد قضى على الرجل لأنه ضايق عيسى عليه السلام ، وإن لم يشرب دمه لأنه لم يكن رزقا له فالرزق ينتهى مع الأجل .
 
( 467 - 470 ) : ملاحظة اجتماعية أخرى عن أولئك الذين " يصيدون " ولا يأكلون " صيدهم " يكون قسمة لغيرهم ، يعيشون عيشة الفقراء ويحاسبون حساب الأغنياء وتكون أموالهم للورثة ، يكون بلا نصيب بينما هو يهىء الأنصبة للآخرين ، يعيش في الدنيا مسخرا مجبراً .
ومن ثم يتجه مولانا إلى الله تعالى بأن يخلصنا في الدنيا من السخرة والإجبار ، وألا نسرع كالأسماك في أثر طعم موجود في شص فيه نهايتنا ، نلهث خلفه كالأسماك ثم يأخذ بحلوقنا ، ويدعو


 
 
« 354 »
 
 
بذلك الدعاء الذي دعاه الرسول عليه الصلاة والسلام « اللهم أرنا الأشياء كما هي » واللهم أرنا الأشياء كما تريها صالح عبادك " ( أنظر أحاديث مثنوى / 45 ) .
 
( 471 - 481 ) : يجيب الأسد على عيسى عليه السّلام بسبب آخر من أسباب افتراسه للأحمق ، وهو أنه فعل الأمر لمجرد الاعتبار والعظة ، أي أن يجعل منه عبرة وعظة لأولئك الذين يكرمهم الله بصحبة الأولياء فلا يطلبون منهم إلا مال الدنيا وجاه الدنيا ولا يطلبون كنز الأرواح ونجاة الروح ، وما أشبههم بذلك الذي يقف أمام قيم المياه " المشرف على توزيع المياه " وبدلا من يطلب منه نصيبه من المياه ، يبول في تلك المياه ، ومن هذا المثل نصل إلى مثل آخر ، ماء المعرفة وقيمة الرسول ، وبدلا من أن يطلب الحياة الخالدة ، وموت الجسد بأمر " كن فيكون " ، يطلب الحياة لكلب النفس ، وهو العدو اللدود ف " أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك " لكن ما ذا تفعل إزاء معرفة أهل الظن الذي لا يغنى من الحق شيئاً ؟ ! ! هذا عن أهل الظن ، والظن يعتريه عين الآن والآخر على سبيل السهو فما بالك بمن حجبت رؤيته تماما فهو متخبط ! !
 
( 482 - 487 ) : تعالى إذن أيتها العين ( يا صاحب العين ) الباكية من أجل الآخرين ، وابك على نفسك ، فمن هذا البكاء والدمع الغزير تخضر حديقة معرفتك ، ويتألق شمع روحك ، وابحث عن النائحين الآنين من خوف المطلع وسوء العاقبة وهول الملتقى ، وابك معهم على نفسك وخطيئتك ، وأولئك الباكون منهم من يبكى شوقاً إلى الباقي ، ومنهم من يبكي لفوات الفاني ، منهم من هم من أهل التقليد ، ومنهم من هم من أهل التحقيق ، والتقليد سد أمام القلب لا يمحوه إلا البكاء ، وهو آفة كل حسن فأي حسن هذا الذي يعبر عنه بالتقليد ولا يعبر عنه بذوق التحقيق .
 


 
 
« 355 »
 
 
( 488 - 494 ) : فاقد بصيرة المعرفة وإن كان ضخما فخما فهو مجرد كومة من اللحم ، إنه متفيهق لبق اللسان حلو الحديث يفيض حكمة ، لكنه مجرد لسان ناطق ، هو بائع للكلام غير منتفع به ، حامل للعلم وعلمه معه لا ينفعه ، مزدهر الظاهر ، لكن باطنه أجدب من كف اللئيم ، وأشد ظلمة من قبر الكافر ، هو نهر ماء لا يستفيد من مائه ، ومزمار يئن مجبرا من أجل سامع ، هو نادبة أجيرة وليست ثكلى ، ليس في القلب حرقة ، وكل همها الأجر ، وإن كان كلامها موجعا يثير الدموع من الآخرين .
 
( 495 - 505 ) : تريد فروقا أخرى بين المحقق والمقلد : الأول مثل داود في ترتيله لمزاميره ، والثاني مجرد مردد لصدى الصوت فهو غير نابع منه وإن كان حسناً ، الأول أقواله نابعة من حرقة قلبه ، والثاني مجرد متعلم ، الأول يشعر بالحمل على كاهله ، والثاني يئن كعجلة العربة التي عليها الحمل الذي يجره الثور ، ومع ذلك فالمقلد أيضا ليس محروما من الثواب ، فكل ما ينطق باسم الله يكون له ثوابه ، ولكن بقدر هدفه من هذا النطق ، الكافر ينطقهوَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ( العنكبوت / 61 ) ، لكن شتان بين نطقه لاسم الله ونطق المؤمن لاسم الله ، والشحاذ ينادى باسم الله من أجل الخبز ، ولو علم من ينادى لما بقي للدنيا كلها قدر عنده ، وما أشبه الله على لسانه " بالحمار يحمل أسفارا " ، ولو أدرك قيمة ما ينطق لتفتت جسده إلى ذرات ، وأليس من المعيب أن يستخدم اسم الشيطان في الشعوذة من أجل جلب الدنيا ثم يستخدم اسم الله من أجل نفس الهدف ؟ ! فما ذا يكون الفرق إذن ؟ !
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 506 - 845 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:39 pm

هوامش وشروح 506 - 845 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 506 - 845 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 113 - 845 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع

( 506 ) : هذه الحكاية تشبه من بعض جوانبها حكاية وردت قبل مولانا في سندبادنامه عن لص سطا على حظيرة مواشي بقافلة ، وركض ليسرق دابة في
  
« 356 »
 
الظلام ويتسلل بها من خلف ظهور الحراس اليقظين ، كان ثمة أسد ينتظر غفلة من الحارس ليسطو على دابة ، فكان أن التقى اللص بالأسد في الظلام ، وامتطاه على أنه دابة ، فلما أشرق الصباح ، علم ما ذا يركب ، وساق الأسد حثيثا حتى شجرة تعلق بفروعها ونجا منه ( فروزانفر 49 - 51 ) والرمز في القصة واضح .
لو عمل أولئك الذين يستخدمون اسم الله من أجل الحصول على مال الدنيا بما ذا يتوسلون لتمزقت قلوبهم رعبا وهلعاً .
 
( 511 - 517 ) : إن الجبل قد عرف قيمة اسم الله لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( الحشر / 21 )
وألم يحدث هذا عندما تجلى الله للجبلفَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، وفي رواية عن الأفلاكى ( 1 / 409 ) أن صاين الدين المقرى من مريدى مولانا قال له ذات يوم متكلفا : لقد ختمت القرآن اليوم على عشق مولانا ، فقال له : فكيف لم تنفجر ؟ ! ،
أتراك لم تقرأه هذه الآيات من قبل ؟ قرأتها بالتأكيد ، لكنك قرأتها قراءة المقلد ، ونقلتها عن أبيك وأمك ، فغفلت عن معانيها ، فما أشبهك بهذا المقلد الذي يباع حماره ، ومع ذلك أخذ يغنى ويرقص مع من باعوه مقلدا ، ولا يدرى بالضرر الذي حاق به .
 
( 517 ) : ذكر فروزانفر حكايتين عن شرح نهج البلاغة وعن المستطرف عمن أكل حماره ( حقيقة لا مجازاً ) على أساس أنهما قد تعتبران أساساً للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ( مآخذ / 51 ) والواقع أن الحكاية التي رواها مولانا هنا تختلف إلى حد ما ، كما أنها تتميز بالطرافة ، وبفنية شديدة في توالى الأحداث والسخرية وتصوير جو الزاوية والدراويش الفقراء وهي حافلة بالحياة والحركة .
 
( 518 ) : إشارة إلى حكاية الصوفي الذي أسلم حماره لخادم الحظيرة الواردة في الكتاب الذي بين أيدينا من البيت 157 حتى البيت 250
 
 
« 357 »

 
( 519 ) : " إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه " ( حديث نبوي ) وانظر أيضا شروح البيت 1202 من الكتاب الأول .
 
( 520 ) : " كاد الفقر أن يكون كفرا " حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 89 .
وقال الجنيد : أقرب الناس إلى الكفر ذو حاجة لا صبر له ( انقروى 2 / 88 ) .
 
( 522 ) : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ، الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( المائدة / 3 ) .
 
( 526 - 529 ) : يقدم الصوفية الأدلة الشرعية التي تتيح لهم الاستيلاء على حمار الضيف وبيعه ناسين أن الأمر كله أمر جسد ولا علاقة للروح به ! !
 
( 533 - 537 ) : يشير مولانا هنا إلى واقع شهده ، فالصوفى يسلم نفسه لمشيئة الحق ، إن وجد أكل وإن لم يجد صبر ، ومن ثم يكون شرها إن أدرك رزقاً كافيا ، وهناك نوع آخر من الصوفية مشبعون بأنوار الله ، ويعتبرون الدق على الأبواب والكدية عارا ( أنظر حكاية الصوفي محمد سرزرى الغزنوي من الكتاب الخامس ) ويعتبرون الوقوع في الكدية ترديا وابتلاءً من الله واختبارا قاسياً وحطا للقدر .
وهذا النوع من الصوفية - باعتراف مولانا - قليلون جداً ، والباقون يعيشون في ظل إقبالهم ( الشيخ هو الأسد الذي يصيد وبقية من في الغابة يأكلون من صيده ، أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2341 - 2345 وشروحها ) .
 
( 539 - 540 ) : يغنى الصوفية بضياع الحمار ، ليس حمار المسافر ، بل
 
 
« 358 »
 
 
حمار النفس والجسد ، وشبع الجسد وانطلاق الروح ( استعلامى 2 / 205 ) هذا هو التحقيق ، أما التقليد فهو ما فهمه الضيف وفهمه خادم الحظيرة .
 
( 555 ) : " على اليد ما أخذت حتى تؤدى " حكم فقهى ( جعفري 3 / 300 ) والمناقشة شرعية ، ناظرة إلى حديث نبوي آخر " الآخذ ضامن والزعيم غارم " ( مولوى 2 / 149 ) ولكن بماذا تفيد المناقشات الشرعية إذا كان الأمر قد انتهى وحل واقع آخر ؟ ! ! ( 575 - 576 ) : أنظر في نفس المعنى الكتاب الأول ، الأبيات 3560 - 3565 وشروحها .
 
( 577 - 580 ) :قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ *إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ( الأنعام ) وتكرر المعنى في أكثر من آية ، أنظر هود / 49 - 51 والفرقان / 57 والشعراء / 109 و 127 و 145 و 180 وص / 86 والشورى 23 .
وإن ما ينفقه المؤمنون في سبيل الله ليس أجرا للرسول ، فالله هو الذياشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ( هود / 111 ) وما دفعه أبو بكر رضي الله عنه في سبيل الإسلام ليس أجرا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس ثمنا للإسلام ( عن تفصيلات ، أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 2979 - 2982 وشروحها ) .
 
( 588 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت باختصار قبل مولانا في محاضرات الراغب الأصفهاني وأخبار الظرفاء والمتماجنين لابن الجوزي ( فروزانفر ، مآخذ ص 52 ) .
 
( 593 - 596 ) : يترك مولانا هنا خاطف اللقم ذاك ، ويتحدث هو نفسه مع رفاقه ومستمعيه ، فإن وجود من يؤذى السجناء ويخطف الطعام من أفواههم داخل السجن نفسه ، جعل سجنا آخر يتوارد على ذهن مولانا . . . الدنيا التي هي
 

 
« 359 »
 
 
" سجن المؤمن وجنة الكافر " ( أنظر البيت 986 من الكتاب الأول ) لكنها لا تخلو من فائدة " دق الحصير وحق القدم " أي الضيافة فيها ، لكنه المؤمن فيها معرض للأذى مهما اعتزل وانطوى على نفسه ، مصداقا للحديث النبوي " لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه " ( حديث نبوي ) ( أنظر أحاديث مثنوى ص 46 ) .
 
( 579 - 600 ) : لكن الإنسان خلق ضعيفاً ، يتعيش من الخيال ، ويقتات عليه ، يسمن به ، وينحل من جرائه ، هلع ، قلق ، فلذ بخيالات الطيبين وأفكارهم وإن وجدت بين الثعابين والعقارب ، خيالك هذا - المقصود به الفكر والباطن - هو مؤنس لك ، يكون كالكيمياء التي تحول كل مظاهر السوء من حولك إلى حسن وجمال .
 
( 601 - 604 ) : الأبيات ناظرة إلى الحديث النبوي الشريف " من لا صبر له لا إيمان له " ( أحاديث مثنوى / 46 ) والحديث الشريف " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد " ( الجامع الصغير / 2 - 49 ) والقول المأثور " الصبر مفتاح الفرج " ( أنظر الأبيات 95 و 1076 و 1612 من الكتاب الأول ) .
 
( 605 - 616 ) : لب هذه الفكرة عند مولانا - وهي تتكرر دائما - أن أفكارنا وحالاتنا النفسية هي التي تؤثر عند الحكم على الآخرين . فالأمور متصلة بنمط الرؤية التي ننظر بها ونحكم على أساسها ويمكن أن توجد في كل إنسان تجليات للإيمان والكفر على السواء ( أنظر 1328 - 1333 و 2376 من الكتاب الأول وشروحها ) ، والأمور نسبية فمن يكون في نظرك كالحية قد يكون في نظر آخر شديد الحسن ، والأمر مرده إلى أنك كافر به ، بينما قد يكون سواك مؤمنا به ، وكلا كما قد يكون على حق ، فالإنسان جامع المتناقضات نصفه مؤمن ( الروح )

 
« 360 »
 
 
ونصفه مجوسي ( الجسد ) نصفه حرص ونصفه صبر ، والله تعالى خلق المؤمن وخلق الكافرهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( التغابن / 2 ) .
وفسرها الزجاج : معناه فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافقين ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار قبل إظهار الإيمان ، وعن الضحاك : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالأصنام ( أنقروى 2 / 100 ) . وهل خلق الله أحدا في حسن يوسف عليه السلام ، ومع ذلك فما رآه يعقوب من الحور ، رآه إخوته من الدواب ، والنظر هنا من عين الفرع ( عين الجسد ) وهي تعكس ما تلقيه عليها عين الفكر ( عين الباطن ) وأنت نفسك ( باطنك وروحك ووجودك الحقيقي ) من اللامكان ، فأغلق هذا الحانوت ( أي عين الظاهر ) وافتح ذاك الحانوت أي عين الباطن المتصلة بعالمك الأصلي والفعلي ، ودعك من الجهات الستة ( الدنيا ) فهي أشبه بخانات النرد الستة عندما تكون ( محبوسا ) فيها ، وتكون النتيجة هي الهزيمة المحققة .
 
( 623 ) : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً ( المائدة / 88 ) .
 
( 632 ) : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " مر ذكره .
 
( 633 - 637 ) : من كلام السجين الشره للقاضي يتذكر مولانا يوم أن قال إبليس لله تعالى رب أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * ( الأعراف / 14 )
وفي البيت إشارة إلى الآية الكريمة لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أجمعين وفي البيت 636 الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة / 268 ) .
 
( 638 - 645 ) : ينتقل مولانا من الحديث عن السجن الخاص إلى الحديث عن السجن العام سجن الدنيا : والقوت فيه الإيمان ، ولا يزال الشيطان يسلب إيمان ابن آدم ، وهو " يجرى من ابن آدم مجرى الدم " ، وكل من يجعلك باردا محبطا في طريق الله وعن الشوق إلى المعرفة ، اعلم أن الشيطان متمثل فيه ، وعندما
  
 
« 361 »
 
 
لا يستطيع الظهور لك ، يتمثل لك في شخص ، فإن لم يتمثل لك في شخص تمثل لك في فكرة وفي خيال وفي هوس : المال والعمل والأهل والجاه والأبناء ، ولن تستطيع أن تبعد هذا الشيطان عنك إلا بأن تستعيذ بحول الله وطوله ، ليس ب « لا حول ولا قوة إلا بالله " جارية على اللسان بل قلها من صميم القلب ولب الروح .
 
( 656 ) : الإنسان في هذا العالم حبيس حتى يثبت إفلاسه ، وإن كان غنيا لا يشبع فإن هذا يؤدى إلى إفلاسه الروحي ، ويمضى مفلسا ، ثم إن الروح أحست قبل أن تركب في الجسد ببعض الكبرياء ، فأسكنت الجسد ليقل كبرياؤها ، وتجاهد في عالمها ، وما لم تحس بالإفلاس التام فلا نجاة لها .
 
( 657 - 659 ) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ( النور ) ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً .
 
( 669 ) نبه المولوي ( 2 / 176 ) والأنقروى ( 2 / 106 ) إلى أن في البيت إشارة إلى حكاية عامية عن لصين تباحثا عن مهارتهما في السرقة فنصبا سارقا ماهرا حكما بينهما ، فقال لهما : أيكم يقدر أن يبيع بقرة ثم يسرقها اليوم ؟ فأبى أحدهما وأجاب الثاني وذهب وباع بقرة لحراث ، فأخذها الحراث وجعلها مع بقرة له زوجاً وذهب ليحرث ، فأخذ السارق رفيقه إلى طريق الحراث واختفى أحدهما وقعد الآخر على الطريق يقول : العجب ، العجب فقال الحراث أي شئ يتعجب منه هنا ، وترك بقره وذهب ينظر ، فخرج المختفى وسرق البقرة وذهب بها ، ورجع الحراث يقول للمتعجب : أنت تقول العجب العجب من الصباح ، ولم أر شيئاً فأجابه وهل أعجب من هذا أنك تحرث على بقرة واحدة ؟ ! !
 
( 677 ) : في جواب المفلس على الكردي : ليس في الدار ديار تعنى أليس عندك
  
 
« 362 »
 
 
عقل ؟ ! ! وفي الأسلوب المعاصر وهل أجرت الدور العلوي في منزلك ( هل أعرت عقلك ) ؟ ! ! ( استعلامى 2 / 211 ) .
 
( 682 - 688 ) : يجر غباء الكردي الذي لم يفهم فيم كان طوال النهار مولانا إلى الحديث عن غباء البشر عموما وتوقف حواسهم عن العمل ما لم يفتح الله عليهم أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً ؟ ! فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ؟ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( الجاثية / 22 ) .
فما بال الناس مرضى لا يعرفون " إن الله تعالى خلق لكل داء دواء " و " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " و " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله " و " إن الله تعالى أنزل الداء والداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام " و " لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار " ( الأحاديث مذكورة عند فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 47 ) ، المهم : أن يبصر الله تعالى عبده بالدواء .
 
( 689 - 693 ) : مرة ثانية يقارن مولانا بين عالمين : عالم الوجود الذي هو في الحقيقة عدم ، وعالم العدم الذي هو الحقيقة وجود ( وهو مصنع الوجود ومخزنه ) ، فليكن اهتمامك كله منصبا نحو العدم ، مثلما يتبع روح القتيل ضياع بصره ، وهنا إشارة إلى حديث نبوي : " عن أم سلمة : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره ، قالوا : بلى ، قال فذلك حين يتبع بصره نفسه " وفي حديث آخر : إن الروح إذا قبض تتبعه البصر " ( أحاديث بأسانيدها ، فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 48 ) .
فكن طالبا المدد من العدم ( عن الوجود انظر 522 - 524 من الكتاب الأول
 
 
« 363 »
 
 
وعن العدم أنظر 2489 - 2491 م الكتاب الأول ) والمعطل ( الذي يرفض القدرة الإلهية ) هو فحسب الذي يعكف على عالم الوجود ولا يعرف له عالما سواه ويعتبر أن عالم العدم عدم مطلق .
 
( 694 - 704 ) : يناجى مولانا ربه سبحانه وتعالى فمنه الهداية ومنه الإصلاح ، ومنه التبديل ، يستطيع أن يجعل النيل على قوم فرعون دما وعلى آل موسى ماء ، وهو صاحب الأسرار وواهب الأسرار ، والإنسان هو سر الأسرار ، مزجة من ماء وطين « وجعل منه نسبا وصهرا » ، واصطفيت من البشر من جعلته لك ، فصار كل قبيح في عينه حسنا لأنه منك ، ونتجته من إسار الحس وغلبة الطبع ، وفضلته بموهبة العشق ، عشق منلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، فعشقه ظاهر ، ومعشوقه خفى ، وعشقه سار في الأكوان ، به تتحرك الأفلاك ، ويتعاقب الليل والنهار .
 
( 705 - 712 ) : دعك من هذا ، تقول أنك أيضا عاشق ، فأنظر لمن توجه عشقك ؟ للصورة ! ! للجسد ! ! والجسد عندما تغادره الروح يظل في مكانه ، فلما ذا تنفر منه ؟ ! تقول أنت لا تعشق إلا المحسوس ، وكل الموجودات ذات حس ، فلماذا يكون عشقك موجها إلى بعضها دون الآخر ؟ ! إنه ضوء شمس الجمال الأزلي سطع على المدر ، على الجدار ، وأحببته ، فانظر إلى الجدار عندما تغادره شمس الأزل ؟ !
أصم ، أخرس ، مظلما لا نور عليه ( أنظر لتفصيل هذه الفكرة ، الأبيات 552 و 553 و 559 من الكتاب الثالث والأبيات 372 - 379 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
( 713 - 721 ) : هناك غير العشاق بالصورة عشاق العقل الذين يجعلون العقل تكئة وسندا على عشقهم ، ويقومون بعشق العقل أيضا ، والعقل هنا مجرد طلاء
  
 
« 364 »
 
 
ذهبي على نحاس لا ينفى عنه صفة النحاسية ، وأي عقل هذا الذي إذا زاد عمره خرف وجدف ، وإن لم تكن تصدق فاقرأوَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ( يس / 68 ) فلا يبقى إلا جمال القلب ، الذي يرتوى دائما من ماء المعرفة ، أو بقول أبى يزيد البسطامي " رأيت العاشق والمعشوق والعشق واحدا " ( استعلامى 2 / 213 ) ، وإن هذا يحدث إذا انتفت الذاتية والأنية ، وبقي الواحد الأحد ، الذي لا يعرف عن طريق العقل أو القياس ، بل عن طريق العبودية ، ولا شئ سواها .
 
( 722 - 726 ) : وإنك لتدعى أنك تملك عالما من المعنى ، وهذا هو الخطأ ، إنها صور جمعتها إلى جوار بعضها وتظن أنها معنى تماما كالذي يجمع الحروف إلى جوار بعضها ، ويكون منها ألفاظاً ، ويظن أن هذا هو المعنى ، وهو خيال ، تماما كما يكون في ذهن الأعمى خيال عن كل شئ قد يكون بينه وبين حقيقته بعد المشرقين ، والعين التي تنظر إلى الظاهر مثلها كمثل الأعمى تماما .
 
( 727 - 731 ) : إمض في أثر الحمار ( فهو الأساس والضرورة ) فما تعلقك بالسرج ( الإضافات والأمور الثانوية ) : فإن كان ثمة معنى في ذهنك سوف تجد اللفظ المناسب له ، المهم أن تصل إلى المعنى ، هذا هو الروح ، طهرها الكسب والنفع ، والقلب إن امتلأ بدر المعنى صار أساسا لمائة جسد ومائة قالب ، وإذا كان السرج هو الأساس وليس الحمار ، فقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يركب دون سرج ، ( عن جابر ابن سمرة : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرورى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشى حوله ) و ( كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار عريانا ليس عليه شئ ) ( الأحاديث بأسانيدها من فروزانفر ، أحاديث مثنوى 48 - 49 ) . وعند الأفلاكى
 
 
« 365 »
 
 
( 1 / 115 - 116 ) أن مولانا ركب حمارا ذات يوم وقال : هذا مركب الصالحين ، ركبه عدد من الرسل كشيث وعزير والمسيح وحضرة المصطفى عليهم جميعا الصلاة والسلام .
 
( 732 - 741 ) : وحتى لا تتعلق بلفظ الحمار . هناك حمار آخر أخبرك به حتى لا تلتبس عليك الحمر ، هذا الحمار هو حمار النفس العاكف على وتده ( نزوات النفس ومهاوسها ) لا يريم ، وأولى به أن يعتاد أحمال الشكر وأحمال الصبر ، وأن تروضه على احتمالها حتى في عشرين أو في ثلاثين عاما ، فلن يحمل عنها وزرها أحدإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى( الزمر / 7 ) ،
قال نجم الدين : والنفس مؤاخذة بوزرها معاقبة بما هي عليه ولا يتألم القلب لعذابها ، وإن كان القلب منقلب الحال وأزاغه الحق تعالى بإصبع القهر إلى مؤاخاة النفس ، فتتطبع مرآة القلب بصفات النفس وأخلاقها فيتتبع النفس وهواها ، فيزين بطبع الشهوات ولذتها ويكسب الاثم والوزر بترك ما هو مأسور به من الطهارة والصفاء والسلامة والذكر والفكر والتوحيد لله تعالى والإيمان به والتوكل عليه والصدق والإخلاص في القلب والعبودية وغير ذلك ، فيكون مأخوذا بوزره لا بوزر غيره ) ( مولوى 2 / 192 ) .
فما بالك تقعد عن العمل ؟ ! أتراك واجد كنزاً ؟ ! وما قعودك في انتظار الحظ والصدفة لأنها حدثت لأحدهم ؟ ! ألا تخشى من فوات الوقت والوقوع في الندم ، وقولك " لو كنت قلت كذا لكان كذا ، ولو كنت فعلت كذا لكان كذا " وألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إياكم واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان " وألم تسمع قوله عليه السلام " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شئ فلا تقل لو أنى فعلت كذا كان كذا ولكن قل قدر الله

 
« 366 »
 
 
وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ( الحديثان واردان بأسانيدهما عند فروزانفر ، أحاديث مثنوى / 49 ) وهناك حديث آخر ينطبق أكثر على أبيات المثنوى هو " إياكم وكلمة لو فإنها من كلام المنافقين " ( مولوى 2 / 193 ) .
 
( 742 - 745 ) : من الواضح أن الفكاهة الواردة في هذه الأبيات من المأثور الشعبي الذي كان منتشرا في زمن مولانا .
 
( 746 - 757 ) : الناس كلهم طلاب للذة ، لكنها لذة عادية مؤقتة وسيئة العاقبة ( سواء في الدنيا فمصير كل الحضارات عابدة اللذة معلوم ) وسواء في الآخرة ، وثمة شعاع من التحسين والتزيين قد نفذ إلى هذا الزيف ، فزينه وحسنه ، ولا بد من محك لتعلم أن هذه الزينة حقيقة منه ، أو شراك لجرك ، والمحك إما أن يكون داخلك : " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " أو خارجك : من أنيرت بواطنهم بنور الله ، والغيلان في انتظارك إن سلكت الطريق وحيدا ( الغول مخلوق خرافي في المأثور الفارسي يشبه النداهة في المأثور الشعبي المصري يناديك بصوت تألفه ثم يأخذك إلى المتاهة ، إلى حيث توجد الوحوش والذئاب ) . لكنك قد تمارى وتقول : أنا لا أسمع أصواتا ولا يهتف بي الهاتفون ،
فأقول لك : لا : إنها تناديك من داخلك ، غيلان المال وغيلان الجاه والحيثية والنفوذ ، وذكر الحق فقط هو الذي يجعلها لا تنفذ إلى داخلك ( هناك مثل فارسي : يهرب الجنى من بسم الله ) ( استعلامى 2 / 215 ) فأغمض عين النرجس عن هذا النسر : وعين النرجس هي عين العجب والاختيال وعبادة الذات ، نارسيس ابن كينيتس عاشق صورته في الماء حتى ليمتنع عن الري منه ، حتى يغرق ، وتنبت من جسده زهرة النرجس ( شرح جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 1 / 115 )
والنسر : النفس الحيوانية ، عاشقة جيفة الدنيا والتي لا تزال تحوم حولها ولا تشبع منها .
 
( 758 - 761 ) : كم من الزيف يغطى وجه الحقيقة ، ومعرفة الحقيقة بمنزلة
 

 
« 367 »
 
 
الصبح الصادق ، ومعارف الدنيا بمنزلة الصبح الكاذب ، المعارف الحقيقة هي الخمر ولونها الحقيقي ، ومعارف الدنيا هي لون الكأس ، ولا طريق لك إلا بالصبر والتأمل ، فتختفى عين الحس ، وتظهر عين الباطن التي ترى الأشياء على حقيقتها والألوان على حقيقتها وتميز بين الحجر والدر ، حجر الدنيا وحصاها الذي نملأ به حجورنا تماما كالأطفال وتظنها كنوزاً ، ودر بحر الحقيقة وأسرار الغيب ، بل تصير أنت نفسك بحرا فيستخرج منه الدرر ، وتفيض عنه الأسرار ، ولا تصبح بعد قابلا للنور ، بل تصبح أنت نفسك مصدرا للنور .
 
( 762 - 766 ) : العامل يكون مختفيا في عمله ، العمل يدل على العامل ، وكل عامل يقول : هذا عملي ولا يقول هذا أنا ، وإنك لا ترى سوى العمل ، فإذا كنت تريد أن ترى العامل فاذهب إذن إلى محل عمله ، وأنت تعلم موضع عمل الصانع الأول ومادة عمله ، إنه العدم ، فكن فانيا ، وكن عدما ، تصل إلى موضع العدم وموضع الصانع ( أنظر 3241 من الكتاب الأول و 693 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
( 767 - 778 ) : مهما بحثت في الوجود فلن تجد شيئا ، دبر وفكر وامكر وانسج الحيل ودبج الأكاذيب ، ورتب المقدمات ثم انظر إلى نفسك لم تصل إلى النتائج التي كنت ترجوها ، تماما مثل فرعون ، فعل الأفاعيل لكي يمنع ميلاد موسى ، وولد ، وقتل الأطفال لينجو من نبوة الشؤم على ملكه ، وموسى المستهدف المقصود ربيبه الذي يصنع على عينه ( أنظر التفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 840 - 969 وشروحها ، وعن الفلسفة الكامنة وراء قصة موسى وفرعون المفسرة في كتب المثنوى الستة أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ،
وما أشبه فرعون هذا بمن يهتم بالنفس فتتسلط عليه ويكون خسرانه كله منها ، لكنه لا يزال يتهم هذا ويتهم ذاك ، وعدوه كامن بين جنبيه
 
 
« 368 »
 
 
يكيد له ولا يدفع كيدا ، وينزلق به فلا يرى مواطىء قدميه ، ذلك لأنه دائم النظر إلى الخارج ، ولا يهتم بالنظر إلى الداخل لحظة .
 
( 779 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، لم يقترب الشراح المعاصرون من البحث في أصولها على أساس أنها من الحكايات الشعبية التي كانت رائجة في القرن السابع الهجري ، والواقع أنها ذات أصول إما يونانية وإما لاتينية ، وقد أوردها مولانا نفسه في كتاب فيه ما فيه " . . . قال : لم قتلت أمك ؟ ! قال : رأيت منها ما لا يليق . قال : كان ينبغي عليك قتل ذلك الغريب ، قال : أأقتل شخصا كل يوم ؟ ! والآن ، مهما يحدث لك ، أدب نفسك ، حتى لا يلزمك قتل أحد من الناس كل يوم ( عن استعلامى 2 / 216 ) .
 
( 785 - 788 ) : المستفاد من الحكاية ، الأم هي النفس التي بين جنبي الإنسان ( في مقابل العقل وهو الأب وقد تكرر هذا التشبيه كثيرا في المثنوى ) وهي التي إن تدخلت في كل شؤون الحياة أفسدتها ، فأنت إن فعلت ذلك فلن ترتكب عملا يلزمك من بعده بالاعتذار .
 
( 792 - 813 ) : أولئك الذين يطعنون الأنبياء إنما هم في الحقيقة يطعنون أنفسهم ، ويسددون أمام أنفسهم طرق الهداية ( أنظر لتفصيلات هذه الفكرة الكتاب الرابع ، الأبيات 2120 - 2109 و 2123 - 2135 وشروحها ) والخفاش لا يمكن أن يكون عدوا للشمس ، بل هو عدو لنفسه ، والغلام الذي يثور على سيده ويحاول قتله ، يقتل نفسه في النهاية ، وهل يعادى المريض طبيا أو الطفل أستاذا أو القصار شمسا أو السمكة ماءاً ؟
وإذا كان الله قد أصابك بنقص ما بحيث تعادى من عنده فائدتك ونفعك ، أليس من سوء الطالع أن تجمع إلى سوء الخلقة سوء الخلق ، وإنك إن عاديت من هم أفضل منك لنقص فيك ، فقد ابتليت بداء الحسد وانظر إلى مشاهير الحاسدين : إبليس وحسده لآدم ، وأبى جهل الذي حسد
 
« 369 »
 
 
محمدا صلى الله عليه وسلم ، كلاهما كان يريد بهذا الحسد أن يرفع من نفسه ، فهوى بها إلى أسفل سافلين ، وإلى حضيض الكفر وذل العداء مع الله نفسه ، والاشتهار بسوء الخلق ، في حين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خير ما أعطى الناس خلق حسن " و " خير الناس أحسنهم خلقاً " و " خير ما أعطى الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطى الرجل قلب سوء في صورة حسنة " ( الأحاديث بأسانيدها ، أحاديث مثنوى 49 - 50 ) .
 
( 814 - 818 ) : يشير مولانا هنا إلى حكمة أخرى من حكم إرسال الأنبياء وبعث الرسل في البشر ، فهذا هو مقياس الإيمان بالغيب ، ولأن أحداً لا يستطيع أن يعادى الله جلا وعلا ، وأن ارسال الأنبياء من البشر ، يجعل الحاسد يبدي حسده والحاقد يبدي حقده ، نتيجة للقلق الذي يعتريهم والاضطراب الذي ينتابهم :
لما ذا فلان هذا من بين البشر ؟ ألا يأكل الطعام ؟ ! ألا يمشى في الأسواق ؟ ! !وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ !وإنما يعترف بالرسول من يحس بعظمته .
 
( 819 - 829 ) : يتحدث مولانا هنا عن التنظيم الصوفي القائم بعد انقضاء دور النبوة ويصفه بأنه " الإمام الحي القائم " وهو " قطب الزمان " ويرد على الشيعة الذين يشترطون أن يكون الإمام من نسل علي رضي الله عنه ، فإنه لا يهم أن يكون من نسل من : من نسل على أو من نسل عمر رضي الله عنهما ، فليست القضية قضية الأصل ، بل القابلية ، وعندما ذكر مولانا ألفاظ المهدى والهادي ينطلق شراح المثنوى من الشيعة على أساس أنه يقصد " مهديهم " ( جلبنارلى مثلا في شرحه - الترجمة الفارسية 2 / 124 - 125 ، جعفري 3 / 407 - 419 )
في حين أن الاستخدام هنا - كما انتبه إليه استعلامى - للصفة لا للشخص
 

 
« 370 »
 
 
( 2 / 217 ) والولاية درجات ( وفكرة درجات النور أقرب إلى فكر الإسماعيلية ، أنظر مقدمة الترجمة العربية لكتاب ناصر خسرو جامع الحكمتين لكاتب هذه السطور ) فهناك نور وهو متصل اتصالا مباشرا والعقل له بمثابة جبريل ، وهناك قنديل ، وهناك مشكاة ، ويحتاج مولانا على طبقات النور ودرجاته بالحديث النبوي الشريف " الله دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحرقتنا سبحات وجه ربنا " والحديث " إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " و " إن بين الله وبين خلقه سبعين الف حجاب "
 
( الأحاديث وأسانيدها في أحاديث مثنوى 50 - 51 ) ومن هذه الحجب توجد مقامات القوم ، وكل قوم صف ، والقمة هي الإمام ، وقيمة كل قوم بقدر قابليتهم للنور ( التأييد عند الإسماعيلية ) وهكذا يرقى السالك درجة بعد درجة ، وترتفع من أمامه الحجب ، حجاب بعد حجاب ، وينتفى عنه الحول الذي يغشى بصره ، فإن كل سالك يتقبل من النور ما يوافق درجته ، ويكون ما فوقه ضارا به ، يقول أبو سعيد الخراز : " إذا أراد الله أن يوصل عبدا لمرتبة ولايته فتح عليه باب الذكر ، فإذا تلذذ به ، فتح عليه باب القرب بأن رفعه وقربه وأزال عنه الحجب الظلمانية وفتح له أستار العظمة والجلال فإذا شاهدها فنى وبقي محفوظاً " ( مولوى 2 / 212 - 213 ) .
 
( 830 - 845 ) : الحديث هنا عن أهلية المتلقى لهذا النور ، وهو يعبر هنا عنه بالنار ( موسى عليه السلام آنس نارا فوجد عندها نورا ) ، هذه النار تصلح للتعامل مع الحديد أو مع الذهب لا مع الفواكه الغضة الهشة ، فالطريق شاق ، إنما يتحمله الفقير ( الدرويش ن السالك ) الكادح ويتهلل في مشاقه مثلما يتهلل الحديد من النار ويحمر ، يمضى إليها مباشرة ، ويدخل فيها ، ولا يكون بينه وبينها حجاب أو
 
 
« 371 »
 
 
واسطة ، لا يحتاج للنضج إلى قدر أو إلى مقلاة ، هذا هو الفقير الدرويش وهذا هو أبسط تعريف له الذي يدرك نور الحق مباشرة ، مثل هذا الدرويش هو قلب العالم ، به تنظم أمور العالم ، مثلما ينتظم الجسد بالقلب ، وليست كل القلوب صالحة لتلقى هذا النور ، فالقلوب المشغولة بأمور الدنيا لا قابلية عندها لهذا النور ، فمتى ينظر الله إلى قلب لا يجد لنفسه فيه موضعاً ؟ إن القلوب هي موضع تجل الله فنقها من أجله ، وصفها لنظره ، وقلوب أصحاب القلوب مناجم معرفته ، ومخازن أنواره ، في حين أن هذه القلوب المشغولة بأمور الدنيا وهمومها هي مجرد أجساد . تراني وضحت ما أود قوله ؟ ! لا . . .
إنه لا يزال يتطلب شرحا وتفسيراً ، لكن أخشى ما أخشاه أن تنزلق أوهام العوام ، ويكون كل حسن تتحدث عنه قبحاً ، لقد قلت ما قلت وأنا في مقام " غيبة " ، وهؤلاء المتسولون أمام مائدة الإنعامات الإلهية ، أولى بهم أن يظلوا على باب الدار .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 846 - 1230 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:40 pm

هوامش وشروح 846 - 1230 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 846 - 1230 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 846 - 1230 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا
( 846 ) : لم يورد فروزانفر أصلا للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، كما لم يورد زرين‌كوب ( بحر در كوزه ) لها أصلًا ، وقال استعلامى ( 2 / 219 ) إنها من الممكن أن تكون اقتباسا من حكايات عديدة .
 
( 848 ) : « تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه » قول أسنده فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 51 ) إلى الإمام علي رضي الله عنه ، وفي الحديث النبوي الشريف : " المرء بأصغريه لسانه وقلبه " وفي الأقوال المأثورة : اللسان ترجمان القلب .
 
( 854 - 859 ) :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً( الأنفال / 29 ) ، وهذا الفرقان هو النور الإلهى لو نورت به أعيننا ، لكان السؤال منا ولكان الجواب منا أيضا ، أي لظهرت الأمور ووضحت بحيث يبدو أن عين


 
« 372 »
 
السؤال منها هو عين الجواب ( جعفري / 3 - 448 ) ، والمثال المذكور عن الأحول الذي رأى القمر فوق كبد السماء قمرين ، مأخوذ من حديقة سنائى ( أنظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 412 - 414 وشروحها ) .
 
( 860 - 865 ) : يفرق مولانا هنا بين نوعين من المعرفة : معرفة أهل الظاهر ومعرفة أهل المعنى ، أي ما يراه الإنسان بعين الباطن ، بين ما يتعلمه المرء عن طريق السماع من المعلم والمرشد والكتاب وبين النور الذي يستقر في القلب ، بين أهل المقال وأهل الحال ( عن الحال والمقال أنظر البيتين 555 و 2223 من الكتاب الأول وشروحهما ) ، إن معرفة السمع قد تغير الصفات ، ولكن معرفة القلب تغير كل الوجود ، إنك من الممكن أن تسمع عن النار ولا تعرفها ، إنما يعرفها من " رأى " إحراقها وإنضاجها ، ومن ذاق عرف ، وهناك ثلاثة مراتب للمعرفة ، يصل السالك في البداية إلى علم اليقين ثم يصل إلى عين اليقين أو حق اليقين ( أنظر 3507 من الكتاب الأول ) وإلا بقي مجرد أذن وصاحب أذن أسيرا للفظ فحسب . ( استعلامى 2 / 220 ) : و " علم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر ، وعين اليقين ما يحصل عن العيان ، وحق التيقن ما يحصل عن اجتماعهما معا " ( مولوى / 2 - 221 ) .
 
( 872 ) : إن هذا الإبعاد ليس حطا من شأنك ، فهكذا درجتك ومنزلتك أن ترسل إليك الأوامر والتوقيعات كتابة ، لا أن تكون جليسا ونديماً .
 
( 875 ) : إحراق الكليم من أجل برغوث مثل دارج فارسي يضرب للتضحية بالشئ الثمين من أجل نقص تافه فيه ( جلبنارلى 2 / 152 : تستخدم أيضا في التركية ) .
 
( 882 ) :وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
 
 
« 373 »
 
( 884 - 885 ) : " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعد منها إلى البدعة " ( حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 55 ) .
 
( 886 - 888 ) : أصدق حالاتك هي ما يراك الآخرون عليها لا ما ترى أنت نفسك عليه ، فانتظر ما يقوله الناس عنك ، لا ما تقوله أنت عن نفسك ، فإنك لن تبصر نفسك إلا بنور من الخالق ، وهو ليس نوراً حسيا و " المؤمن ينظر بنور اللّه " أنظر 1340 و 2646 و 2792 و 3534 من الكتاب الأول وشروحها .
 
( 895 - 903 ) : إن الله سبحانه وتعالى وهب البشر أرواحا عديدة ، ومن أدرك هذا كان بذل روح واحدة امرا هينا عنده ، ولما ذا يبخل الإنسان والحسنة تعود عليه بعشرة أمثالها ،مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( الأنعام / 161 ) وهناك حديث نبوي هو " من أيقن بالخلف جاد بالعطية " وأنكر فروزانفر كونه حديثا نبويا ( أحاديث / 51 ) وأرجعه إلى أقوال الإمام علي رضي الله عنه ، وورد عند الأنقروى " من تيقن بالخلف جاد في السلف " ( عن جلبنارلى 2 / 152 ) ، والسخاء من رؤية جود الخالق وعوضه لا من اليد ، ومن ثم فالجواد بصير والبخيل أعمى .
 
( 923 ) : السماء الرابعة هي موطن عيسى عليه السلام ، حبس عن بقية السماوات فيما يروى المأثور الصوفي لأنه وجد في خرقته من متاع الدنيا إبرة يرتق بها هذه الخرقة .
 
( 929 ) : الجنيد هو أبو القاسم الجنيد الزجاج أو القواريري ، نسبة إلى صنعة أبيه ، نهاوندى ولد في العراق ، يسمى عند المولوية بسيد الطريقة لأنه نسبة الخرقة المولوية ترجع إليه . توفى سنة 297 ه ( 909 - 910 م ) ودفن في بغداد
 
 
« 374 »
 
( جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 2 / 154 ) ، ( أنظر 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول ) .
 
( 930 ) : بايزيد هو أبو اليزيد طيفور بن عيسى البسطامي مؤسس مدرسة " السكر " في التصوف الإسلامي والمتوفى سنة 261 ه . ( أنظر الأبيات 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول وأنظر تعليقات جلبنارلى على البيت 2284 من الكتاب الأول ) .
 
( 931 ) : معروف بن فيروز الكرخي من متصوفى القرن الثاني ، توفى سنة 200 ه .
 
( 932 ) : إبراهيم بن أدهم ، توفى سنة 161 ه ، يضرب به المثل لترك ملك الدنيا لسلوك طريق العرفان ، ورويت عنه أكثر من حكاية في المثنوى .
( 933 ) : شقيق البلخي من طبقة إبراهيم بن أدهم - استشهد في المولتان سنة 174 ه ، ( جلبنارلى 2 / 154 ) .
 
( 934 - 938 ) : الكلام من البيت 908 يجرى على لسان الغلام وفيض النور الإلهى الذي غمر الأنبياء وانتقل منهم إلى الخلفاء ثم الأولياء والصوفية ثم يضيف : وهم أكثر من هذا بكثير لكنهم أخفياء وذلك مصداقا للحديث القدسي :
أوليائي تحت قبابى - أو تحت قبائى - لا يعرفهم غيري ، والإخفاء هنا من غيرة الحق عليهم ، فليس كل إنسان جديرا بمعرفتهم ( أنظر عن الغيرة الأبيات 1722 و 1755 و 3910 من الكتاب الأول )
ويعتقد العرفاء أيضا أنه من الممكن لرجال الحق ألا يعرف كل منهم الآخر ، وأحياناً يكونون من المحو في الحق في درجة لا يعرفون معها مرتبتهم ( استعلامى 2 / 223 ) فكأنهم أسماك في ذلك البحر ، بحر الروح أو روح البحر ( عند احمد الغزالي الرحلة تتم في بحر الحقيقة ) وليست كل هذه التعبيرات إلا قشور إلى جوار هذا اللباب .
 
« 375 »
 
( 947 ) : لجزاء الحسنة بعشرة أمثالها ينبغي أن تكون الحسنة خالصة لله تعالى .
 
( 948 - 951 ) : ينبغي أن تكون حسنات الإنسان صادرة من جوهره ( حقيقته وذاته وقلبه وروحه ) لا من عرضه ( جسده وكيانه الجسدي ) ثم يدخل مولانا في بحث عن الجوهر والعرض ، فجوهر الإنسان هو قيمته المعنوية والباطنية ، وأعراضه هي آثار وجوده المادية ، وحتى الصلاة والصوم والعبادات أعراض لأنها محدودة بزمان خاص وينتفى وجودها ، وهي تنفع في هذا العالم للتزكية ، لكن قيمتها الحقيقة ونتيجتها المادية تظهر في العالم الآخر ، كما أنها ذات هدف في هذا العالم هو جوهرها ، جاء في نهج البلاغة " فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقربة للدين ، والجهاد عزاً للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود اعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاهدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف " ( نهج البلاغة - ترجمة سيد جعفر شهيدى ، ص 402 ) . وكما أن الحمية تزيل المرض ، فإن جوهر الآدمي يتبدل ويتغير من أعراض العبادة .
 
( 952 - 960 ) : العرض يصير بالجهاد جوهراً ، فالزرع عرض يتحول إلى سنابل ، والنكاح عرض يتحول إلى ولد ، واستخدام كيمياء تحويل المعادن عرض ، لكن كن منتبهاً إلى النتيجة ، وصقل النفس عرض مثلما يصقل الحديد فيصير سيفا باترا ، لا تقل إذا لقد قمت بكذا بل قدم نتيجة عملك ، وقال الملك
 
 
« 376 »
 
ردا على الغلام : إذن فهذه الأوصاف كلها عرض ، فدعك منها ، وحدثني عن جوهر الغلام ، ما دمت تقول أن الأعراض لا تنقل .
 
( 961 - 964 ) : يقول الغلام : إن لم تنقل الأعراض لكان هذا موجبا لقنوط الخلق ، فإن السائرين في طريق الحق يعتبرون هذه الأعراض وسيلة لوصال الحق ، وينبغي ان تنقل هذه الأعمال العرضية إلى العالم الآخر وتقيم وإلا كان كل عمل نقوم به باطلا ، وكل قول هذيانا ، فلهذه الأعمال والأعراض حشر يوم القيامة لك ليس بصورها الحالية لكن بصورة أخرى .
 
( 966 - 977 ) : تماما مثلما تكون الأعمال هنا صورا ثم تكون أفعالًا ، أنت نفسك كنت مجرد غرض " من النكاح " والمنزل كان صورة في ضمير المهندس ، كل حرفة وكل مهنة تكون خيالا وفكرة في ذهن صاحبها ، والعالم كله كان مجرد فكرة ثم أصبح عملا ، والثمار غرض ، ثم يأتي الشجر ، وتكون الثمرة أيضا نهاية الشجرة ، والفكرة هنا ترجمة لعبارة ذكرها ناصر خسرو في خوان الإخوان منسوبة إلى ابن قتيبة " أول الفكر آخر العمل " .
وهناك غرض من خلق كل هذا العالم هو محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وذلك تطبيقا لحديث قدسي يرويه الصوفية " لولاك لما خلقت الأفلاك " ،
والحديث لم يرد بهذه الصورة إلا في كتاب متأخر نسبياً هو كتاب شرح التعرف على مذهب أهل التصوف لإبراهيم بن المستملى البخاري " لولا محمد ما خلقت الدنيا والآخرة ولا السماوات والأرض ولا العرش ولا الكرسي ولا اللوح ولا القلم ولا الجنة ولا النار ولولا محمد ما خلقتك يا آدم " ، وقال مؤلف اللؤلؤ المرصوع : لم يرد بهذا اللفظ بل ورد : لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار وعند ابن عساكر : لولاك ما خلقت الدنيا ( عن أحاديث مثنوى : 172 ) .
 
 
« 377 »
 
( 978 - 985 ) : يوافق مولانا رأى الغلام " بطل الحكاية " من أن الأعراض تقبل النقل ، فكل هذه الأقوال من قبيل النقل ، مثل نقل حكاية ابن آوى والأسد في كليلة ودمنة ، والآية الكريمة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( الإنسان / 1 )
في حد ذاتها دليل على أن العالم بأجمعه ليس إلا عرضاً ، لكنه ينتقل بعدها إلى عالم آخر . هذه الأعراض تتولد كلها من الصور ( بقول استعلامى 2 / 226 ) إن الصور هنا بمعنى الوجود المادي والظاهري أو بوجودها المثالي في الفكر الأفلاطونى ، هذه الصور بدورها تتبع من الفكر الذي هو منبع كل شئ . ثم يتحدث مولانا عن فكرة أقرب إلى فكرة الفيض الأفلوطينى ( وقد سبقه إليها سنائى ، أنظر حديقة الحقيقة ، الفصول الخاصة بالعقل الكلى والنفس الكلية ) .
والعقل الكلى وهو أول فيض هنا متمثل صورا في الرسل والأنبياء ، ثم يعود مولانا إلى سورة الإنسانإِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِفالمجىء إلى العالم هو امتحان وابتلاء ، ثم ينتقل الإنسان ( وهو عرض ) إلى العالم الثاني ، فينال جزاءه من خير أو شر . فكل عمل له وقوع عرضى ونتيجة ، والجواهر والأعراض تتولد من بعضها كالطائر وبيضة الطائر .
 
( 986 - 992 ) : يسأل الملك : لنفرض أن الأمر هكذا ، فأي جوهر إذن وأية نتيجة وصلنا إليها من كل كلامك عن رفيقك ؟ ! ويجيب الغلام : إن العقل الكلى لا يظهرها في عالم الوجود ، فلو كانت الحقائق ظاهرة ، لكان الكافر ذاكراً لله قبل المؤمن ، ويظهر إيمان المؤمن وكفر الكافر على جبينه ، ولما كان هناك غيب ، ولا أصنام ، ولا عباد أصنام ، ولما كانت الدنيا دنيا ، بل كانت قيامة ولا تنفى الخطأ ولصار الناس جميعا بأجا واحداً .
 
( 993 - 1005 ) : قال الملك : لقد أخفى الله جزاء السوء على العوام لا على
 
« 378 »
 
خاصته ، فأنا إن أخذت أحد الأمراء بجرم أخفى الأمر عن بقية الأمراء لا عن الوزير كاتم السر . فأنا أعلم جزاء الأعمال ، كما أعلم كثيراً من صور الأعمال التي تستوجب هذا الجزاء ، فأظهر لي أنت أيضاً - وأنت تعلم جزاء الأعمال - بعضها لي . ويجيب الغلام : إذا كنت تعلم فما الفائدة التي ستجنيها من قولي ؟ !
ويجيب الملك : من أجل الإظهار ، من أجل أن يخرج كل ما عمله عياناً ، ولولا ذلك لما كانت الدنيا دائما في مخاض ، وعالم الأعراض في الحقيقة هو إظهار العلم الإلهى ، والمخاض دلالة على الميلاد المستمر في الدنيا ، وأنت مطالب بالعمل لكي يظهر سرك على الملأ ، فالأعمال بيان للأفكار ، والأسباب أساس لميلاد الآثار ، والآثار بدورها تتحول إلى أسباب وهلم جرا . وأين العين البصيرة التي تكون مقترنة بالنور بحيث تدرك كل هذه الأمور ؟ ! !
( 1020 ) : " نعمة الجاهل كروضة في مزبلة " من الأقوال المنسوبة إلى الإمام علي رضي الله عنه ( استعلامى 2 / 227 ) .
 
( 1030 - 1031 ) : العين برغم أنها عضو صغير جداً في الجسم إلا أنها تفضل كل الأعضاء ، " الإنسان رؤية " هذا ما يقوله مولانا جلال الدين .
 
( 1032 - 1034 ) : هذا عن العين فما بالك بعالم الفكر ومركزه ، المخ ، إن فكرة واحدة قد تقلب العالم رأسا على عقب ، وعالم الباطن هذا بمثابة السلطان :
يبدو في الصورة جسدا واحداً ، لكن مئات الآلاف من العسكر والجند وعمال الدولة يدورون في فلكه ، والمثل وارد في معارف بهاء ولد ، ص 236 ، ومع ذلك فإن هذا السلطان قد يحكم بفكرة واحدة تسيطر عليه سيطرة تامة رغم سيطرته هو على دولة بأكملها .
 
( 1035 - 1036 ) : وهذه المخلوقات كلها منبعها فكرة واحدة ، هذه الفكرة تبدو
 
 
« 379 »
 
امام الناس هينة ، لكنها ابتلعت العالم كله واجتاحته ، وقد سكت الشراح عن هذه الفكرة تماماً ، العالم كله فكرة عند الخالق سبحانه وتعالى ، ثم قال له : كن فكان ، الفكرة كلها هينة عند الخالق ، وإن بدى أمره هذا مجتاحا العالم كله جارفا إياه كالسيل .
 
( 1037 - 1045 ) : إذن ما دام قد ثبت لك أن أصل كل ما في العالم هو الفكر ، لما ذا يبدون لك الجسد في عظمة سليمان والفكر في حجم النملة ؟ ! يبدو لك الجسد كالذئب والفكر كالحمل ؟ ! ذلك لأنك جاهل محض ، مجرد صورة خالية من الفكر ولا نصيب لها من العقل والمعرفة ، إنما يلتبس عليك الشخص وظله ، فتظن أنه من السهل معرفة هذا الشخص .
 
( 1046 - 1049 ) : وإن كنت لا تصدق أن العالم كله مخلوق بفكرة منه ، وأن أصله الفكر ، فانتظر زوال العالم والخليقة بأمر منه لتعرف أنكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ( القصص / 88 ) وهذه القصة التي قصصتها قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة ، لكن ذلك من ظاهرها ، فإنها يمكن أن تكون مظهرة لك بعض الحقائق ، معلمة إياك بعض المعارف .
 
( 1050 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يقوله استعلامى ( 2 / 228 ) لم ترد بعينها في كتاب قبل المثنوى ، والظن الأغلب أن مولانا وفق بين بعض جوانب ما روى عن إياز غلام السلطان محمود الغزنوي المقرب ، والحكيم وقصة لقمان ثم قدم هذه القصة ، والواقع أن مولانا ترك القصة بعد أبيات أربعة ولم يعد إليها إلا من البيت 1566
 
( 1053 - 1067 ) : وجودنا قبل أن يظهر في عالم التعين ويتمثل في القالب الترابى ، موجود في العلم الإلهى ( أنظر 169 من الكتاب الذي بين أيدينا
و
 
« 380 »
 
2954 من الكتاب الأول ) وهذا الوجود الترابى حادث ولذا فهو غير ثابت ، ولكن وجود تلك الأعيان الثابتة متصل بوجود الحق ومن هنا فهو خالد ، ومتصف بالوحدة ، وما خلق في الأزل واحد ، ويتجلى في صور عديدة في هذا الكون .
 
والعارف ( الذي نجا من الحول ) هو الذي حين ينظر يبصر هذه الوحدة عياناً ، والكون كله وحدة في عدد من التجليات ، ومن ثم فهو أقدر على التفرقة بين الغث ( الشعير ) والثمين ( القمح ) حتى عند غراسه ، إنه ناظر إلى ما استتر في عالم ليل الأسرار الأزلية ، لا يأبه بكل ما يتوسل به الناس من حيل ومكر ، يعرف أن الليل لا يلد إلا ما هو حامل به ( مثل مستخدم في اللغات الإسلامية الثلاثة ، الفارسية والتركية والعربية ) ،
وللشاعر العربي :أحسن ما صفة الليل وجد * الليلة حبلى ليس يدرى ما تلد .إن هذه الحيل نوع من الشراك والفخاخ ، تزين الحياة الدنيا ، وهو أصلا لا يأبه بزينة الحياة الدنيا ، يعلم أنها فانية ، وإن الثابت فيها ما غرسه الله في الغراس الأول ( التدبير الإلهى ) وكل تدابيرنا هي من قبيل الغراس الثاني ، والذي ينفع هو ما غرسه الله تعالى ، وغراس البشر لا نفع فيه ، ولا طائل من ورائه ، وحتى إن كان من المسلم به أن تدابيرنا أيضا من فعل الله ، إلا أنه من الواجب عليك أن تلقى بكل تدابيرك أمام تدابيره ، " فالتصوف هو ترك التدبير " ، وليكن غراسك كله من أجله ، ما دمت أسيرا لعشقه ، وانظر في فعلك أنه فعل الحق .
 
( 1066 - 1068 ) : إن النفس لصة ( أنظر الأبيات 378 - 380 من الكتاب الأول وشروحها ) وهي تسرق بليل ، إلا أن سرقتها تفتضح أماممالِكِ يَوْمِ الدِّينِيوم القيامة ، وتأتى إلى الملك وما سرقته معلق في عنقها وهو متاع الدنيا ولذتها التي يسرع اللص خلفها ، إلا أن مولانا يرى في موضع آخر أن
 
 
« 381 »
 
متاع هذه الدنيا إن كرس لخدمة الدين ، فلا عيب في امتلاكه ( أنظر 584 و 989 من الكتاب الأول ) ( استعلامى 2 / 229 ) .
 
( 1069 - 1087 ) : كلنا تحت سيطرة الإرادة الإلهية ، ولا يتأتى من تدابيرنا شئ ، فالتدبير الإلهى بالمرصاد ، ( أنظر لتفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 969 و 1094 - 1098 وشروحها ) . وكل ما في الكون خلق لحكمة . فإن لم تكن ثم فائدة للوجود فما قيمة سؤالك عن حكمة وجوده ؟ ! !
وإذا كان حتى سؤالك المنكر ذا فائدة ، فكيف تكون الدنيا بلا فائدة ؟ !
وإذا كانت الدنيا من وجهة نظرنا بلا فائدة ، أي بالنسبة لنا ( والتعبير وارد في معارف بهاء ولد ، ص 119 )
بالنسبة لي أو بالنسبة لك والأمثلة كثيرة : حسن يوسف بين أبيه وإخوته ، لحن داود بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للمحروم ، ماء النيل بالنسبة لآل موسى وآل فرعون ، الشهادة بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للكافر ، السكر بالنسبة للبشر وبالنسبة للدواب ، وعند ابن الفارض :
فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة
( انقروى 2 / 175 )
ولكل امرئ قوته ، وما يكون عارضا على قوته غريب عنه ، ينبغي نصحه فيه ، كآكل الطين ، يظن أن الطين قوته ، فيبغى نصحه ، ففي الحديث الشريف " من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه " ( جلبنارلى 2 / 157 والحديث وارد في الجامع الصغير ) ، والطين هو شهوات الدنيا .
 
( 1088 - 1104 ) : من سار في أثر الطين نال جزاءه ، ومن سار في أثر الغذاء الحقيقي للإنسان وهو نور السماء ذات الحبك ، صار خفيفا حاذا حكيما حاذقا ، فهو طعام الخواص ، وهو بلا حلق ولا آلة ( عن الحلوق والطعام ، أنظر
 
 
« 382 »
 
الكتاب الثالث ، الأبيات 17 - 68 وشروحها ) والشمس ( الرسول ) يتغذى مباشرة من نور الله ، بينما تتغذى شياطين الإنس والجن من دخان هذا العالم ونجسه ، هذا الغذاء الروحي والمعنوي له طرق عديدة ، فالعشق يغنى القلب ، والمحبة بين البشر غذاء ، والعلاقات الروحية الطيبة القائمة على الود غذاء ، وصورة كل إنسان كالوعاء تشرب منه ما يفيض عنه : إن حباً فحب وإن بغضاً فبغض ( خمر قيس كانت موجودة في وعاء وجه ليلى : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 3288 - 3308 وشروحها ) ، وكل نوع من الاقتران له نتيجة : الشرر نتيجة اقتران الحديد بالحجر ، البشر من قران الزوج والزوجة ، الثمار والخضر من قران المطر مع التراب ، السرور من قران الخضرة والإنسان ( ثلاثة يذهبن الحزن ، الماء والخضرة والوجه الحسن ) وقران الشمس ( الأنبياء والأولياء ) بما تحت الجلد يولد الحمرة ، قران الأرض مع زحل ( كوكب النحس ) يولد البوار ، انتقال القوة إلى الفعل إن كان ثم اتفاق ، كقران الشيطان تماما مع أهل النفاق .
 
( 1105 - 1112 ) : وهذه المعاني التي أنقلها إليك تتقاطر مظاهرها من الفلك التاسع ، وكل مظاهر وكوكبة ودبدبه تراها في الخلق كلها عارية ، بل يظهر فيها التناقض الحاد ، فالناس على أمل عز الدنيا يتردون إلى هاوية الذل ، ومن خوف الفقر في فقر ومن خوف الموت في موت ، فلما ذا لا يأتون إلىّ ، إلى هذا الموضع الذي أنا فيه ؟ ! وأنا في عز الاستغناء ، وبهاء التجرد كالشمس المشرقة ، ولم لا ؟ ! أليست شمسنا
 
( شمس الدين التبريزي ) خارجة عن المشارق ، علاقتها مع أجزاء العالم مستمرة لا مغيب فيها ولا أفول ، ونحن أقل ذراتها ، ومع ذلك فنحن شمس مشرقة على الدوام ، لا يلقى شئ بظله علينا .
 
« 383 »
 
( 1113 - 1117 ) : ثانية ذكرى شمس ؟ ! ! مع كل ما نلته من صحبة شمس ؟ ! ! وأنا ذرة لا قيمة لها أمام هذه الشمس ، ومع ذلك ، أطوف حولها ، وهذا من عطيتها ، حينا توصل الأسباب وحينا تقطع الأسباب ، فهل تصدقون أنني قطعت الأمل مرات ثم لحقتني عناية الحق ؟ !
وأنا إن قلت لك : لقد سلوت شمساً فلا تصدقني ، أو تصبر السمكة عن الماء ؟ !
إن هذا القنوط عطية أيضا من الله ، ولا فراق بعده ولا انفصال ، فهل يستطع الصنع أن ينفصل عن الصانع ، وهل ثمة موجود يكون خارج الوجود ؟ ! !
 
( 1119 - 1125 ) : كل موجود في ظل الحق ، وفي حمى وجوده ، مهما كان إحساسه بهذا الوجود وبهذا الموجد ، لكن ثمة موجودات عمياء تخطىء الأصل والأساس ، ولا تزال تنتقل من سيد إلى سيد ، ومن محراب إلى محراب ( ومن تيار فكرى إلى تيار فكرى ) تتردد بين المياه المالحة ولا ترتوى من بحر الحقيقة العذب ، فتزداد عمى ، ويناديه البحر العذب : اغرف بيمينك من مائي ( خذ كتابك بيمينك ) ويمينك هو ظنك الحسن بخالقك ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ) وأنت كالحربة وهو كاللاعب بالحراب .
 
( 1126 - 1134 ) : ولو كان عشق شمس الدين قد ترك لي قدرة ، لحولت كل تلك الحيوانات التي ترعى على العمياء إلى مبصرين ، فهيا أنت يا حسام الدين عالج أولئك المرضى ، فأنت حلال المشكلات ( أنظر الأبيات 3 - 9 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها )
عالجهم يا حسام الدين بذلك الدواء الذي يمحو الظلمات المتراكمة ، والعميان كلهم قابلون لعلاجك ، اللهم إلا الحسود الذي ينكر قدرتك وينكر علاجك ، ولا تهب هذا الدواء حتى لي إن كنت حاسدا :
فكل العداوة قد ترجى مودتها * إلا عداوة من عاداك عن حسد
 
 
« 384 »
 
ودعني أعانى نزع الروح ، وأي علاج لذلك الذي سقط في قاع الهاوية ، وقطع ما بينه وبين شمس الأزل ، وأنكرها فلا مراده يتأتى ولا هو ينجو :
مت حتى تنجو أيها الحسود فهذا ألم * لا تخلص من مشقته إلا بالموت ( عن جعفري 3 / 569 ) ( 1135 ) : المثل الموجود هنا من الواضح أنه من إبداع مولانا جلال الدين ( وشبيه به المثل المذكور في الكتاب الخامس ، ابتداء من البيت 834 عن حبس غزال في حظيرة الحمير ) ويريد مولانا أن يقول أن في كل إنسان استعدادا للهداية وإدراك الحقيقة لكن الانشغال بهذه الدنيا يعمى العين الناظرة إلى الحقيقة ويصبح كالبازى الأعمى ( الروح ) الذي يفر من ساعد المليك ( الله ) ليقع في خرابة ( دنيا ) البوم ( أهل الدنيا ) .
 
( 1137 ) : ما حدث للبازى إنما حدث له أيضاً في القضاء ، وإذا جاء القضا ضاق الفضا - من الأفكار التي ترددت كثيرا عند مولانا جلال الدين ، وهو بأجمعه نور من نور الرضا ، أي أن الجانب الروحي غالب عليه .
 
( 1157 - 1161 ) : الأنبياء والأولياء دائما في حمى الله ، وإنما يرسل الله على من يؤذونهم عذابه ونكاله انتقاما لهم وبيانا لأقدارهم عند الله تعالى ، وهي فكرة تكررت كثيرا في المثنوى ( أنظر قصة صالح عليه السلام في الكتاب الأول 2521 - 2581 وشروحها على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 1162 - 1165 ) : من الواضح أن الحديث هنا عن الولي الكامل ( البازي الملكي ) الناظر بنور الله التابع في فعله لمشيئة الله ، فهو ناظر إلى ما وراء الحجب ، مضىء للعقول الباحثة عن الحق بنوره ، وإن خلقة رجال الحق موجبة لشق أستار السماوات وكشف أسرارها ، فالإنسان هو الجدير فحسب بحمل الأمانة
 
 
« 385 »
 
( الأحزاب / 72 ، وأنظر البيت 1021 من الكتاب الأول ) ، وهو وإن كان بازيا إلا أنه أقوى في تأثيره من طائر البُلح ( ترجمة هُما الفارسية ، كما ترجمها الزمخشري وهو طائر مبارك كل من أظله صار ملكا ويلتبس على المترجمين مع طائر السيمرغ أو العنقاء ) .
 
( 1166 - 1173 ) : ولطف الله سبحانه وتعالى من جراء هؤلاء الأولياء ينصب على سجناء التراب فيخلصهم من سجن الدنيا ، ومن هنا يسمح للبازى بأن يكون سجينا مع البوم ، ففي ذلك عز البوم ومجدهم ، وهو مع البوم ليس غريبا ، فمتى يحس من أعزه الله بالغربة ، إنه كالناى ينفخ الله فيه أنغامه وألحانه ، وعشق الحق زاده ، وأذنه دائما على طبول العودة يدقها له المليك ، وفي ديوان شمس :
لما ذا لا يعود البازي قافلا نحو السلطان ، عندما يسمع نداءارْجِعِيمن الطبل وما يقرعه ( غزل 1353 / ص 525 ) هذا النداء هويا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً( الفجر / 28 ) ( أنظر 572 و 2668 وشرحيهما ) .
 
( 1174 - 1180 ) : في البيت 1165 يسأل البوم : أي تجانس بين الملك والبازي ؟ ! وهنا يرد البازي على السؤال : إنني لم أدع أنني والمليك واحد ، جل شأنه عن ذلك وعلا ، لكن مع ذلك ففىّ قبس منه يتجلى على ( أنظر 1086 و 1111 من الكتاب الذي بين أيدينا )
والتجانس أي الخاصية المشتركة بين المتجانسين ( أنظر الأبيات 623 - 625 من الكتاب الأول ) ليست مرتبطة بالشكل أو حتى بالذات ، وإلا أي تجانس بين النبات والتراب ؟ !
وأي تجانس - من هذه الوجهة - بيننا وبين المليك ونحن فانون وهو الباقي ؟ !
وأي تجانس في الأصل ما بين النار والهواء وهما عنصران مختلفان ؟ !
إن التراب الذي يبقى بعد
 
« 386 »
 
فنائنا دليلٌ على بقاء مليكنا ، وعلى ترابنا آثار فعله ، وهذا التراب ، وإن كان ترابا إلا أنه أولى بأن يكون تاجا على رؤوس جبارى الدنيا ، ليعملوا أنهم إلى فناء ويخففوا من غلوائهم ، ويقللوا من طغيانهم .
 
( 1181 - 1195 ) : كما أن العلاقة بين التراب والنبات علاقة تجانس غير ظاهر ولا يتم ظهور النبات إلا بفناء التراب ، فإن العلاقة بين الإنسان والله لا صلة لها بالشكل أو بالصورة والظاهر ، فلا تغرنكم صورتي ، واستمعوا إلى قولي ( المرء مخبوء تحت لسانه ) ، ورب إنسان قطعت عليه الصورة طريق الحقيقة ، وجادل الرب ( بإهانة أوليائه ) ، وانظروا إلى أنفسكم لتبصروا شواهد عديدة على قولي : الروح المتصلة بالبدن : فهل ثم تجانس بينهما ، والنور الصادر من شحمة هي العين ( من أقوال الإمام علي رضي الله عنه : ينظر بشحمة ويسمع بعظمة ) والقلب قطرة من دم ، والكلية مصدر السرور ، والكبد مصدر الغم ( في الطب القديم لارتباطهما - في رأى جلبنارلى 2 / 158 بجريان الدم )
والعقل كشمعة داخل مخ الرأس ، والفكر وما يتصل به : الوهم والإلهام والإرادة ، واتصال الروح الجزئية بالروح الكلية والنتائج التي حصلتها الروح الجزئية من هذا الارتباط ، مثلما حملت مريم من اتصال الروح بها ( عن طريق جيب ثوبها - فيما تقول بعض التفاسير - في حين أن النص الإسلامي يقول أنه تمثل لها بشرا سوياً ) ،
ومن هذا الاتصال كان المسيح ، ليس مسيح الجسد الذي شهدتم معجزاته ، بل المسيح الذي كانت روحه أكثر عظمة من أن يستوعبها هذا الكون ، والتي ينصرف تأثيرها إلى الدنيا بأكملها ( تصبح الدنيا حاملًا ) ،
فعندما تحمل الروح الإنسانية بالمعرفة الإلهية تستطيع أن تجعل الدنيا حاملا وتشع أنوار المعرفة على العالم كله ، ومن هذا الحمل تنتج دنيا أخرى وعلى هذا العالم
 
 
« 387 »
 
الترابى تولد دنيا أخرى من المعرفة ، وتقوم قيامته ، وهذا الحمل والميلاد دائمان ، والناس يرون قيامة بعد قيامة ، قيامة لا يمكن وصفها ولا يمكن بيانها ، إن ما أقوله مجرد ذكر لتلك الحسناء مقدسة الجمال ، ووسيلة تجعلنا نناجيها ، فلما ذا الصمت والدعاء هو عين الإجابة
( لتفصيلات الفكرة ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 198 وشروحها )
حتى ولو تسمع الإجابة بلبيك فإنك تستطيع أن تحس بها . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قال العبد يا رب يقول الله تعالى لبيك عبدي سل تعط .
وفي الخبر الصحيح أن موسى عليه السلام قال في بعض مناجاته : قال الله تعالى لبيك يا موسى ، فقال موسى عليه السلام : أنت أنت يا ربي ، فمن أنا حتى أجبت بالتلبية ؟
فقال الله تعالى : يا موسى إني كتبت على نفسي إذا دعاني عبد من عبادي بالربوبية أجبته بالتلبية ، فقال موسى عليه السلام : يا رب هذا لكل عبد طائع ، فقال تعالى : بل لكل عبد مذنب ، فقال موسى عليه السلام ، أما الطائع فبطاعته ، فما بال المذنب ؟ !
فقال الله تعالى :
يا موسى إني إذا جازيت المحسن بإحسانه ومنعت المسىء بإساءته فأين جودي وكرمى ؟ ! ( أنقروى 2 / 193 ) .
 
( 1196 - 1203 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يبحث لها فروزانفر عن أصل ، فهي مجرد مثل " إلباس المعاني لباس الحكاية " وقد تكررت بتغير طفيف في الكتاب الرابع ( أنظر الأبيات 745 - 759 وشروحها ) ويرى استعلامى ( 2 / 236 )
 
أن الحكاية تمثيل لعلاقة الإنسان بالله ، فالإنسان ظمآن إلى رؤية الحق والحياة المادية جدار ، والماء هو الحقيقة وعالم الغيب ، والخطاب المذكور في البيت 1198
هو الخطاب الإلهى الذي يدرك بالذوق ولا يسمع بالأذن :
وصوت الماء بالنسبة للظمآن كصوت الرباب ، واختيار الرباب هنا ليس لمجرد
 
 
« 388 »
 
حبك القافية ، فلقد فصل مولانا في إحدى غزليات ديوان شمس ما يثيره في نفسه صوت الرباب من معان ( غزل 304 / ص 159 ) ، وانظر ترجمته في أخبار الأدب العدد 87 ، 11 مارس 1995 ص 16 ) :-
ألست تدرى ما ذا يقول الرباب * عن دمع العين والأكباد الحرى ؟
 
- كنت جلدا وفصلت عن اللحم * فكيف لا أئن من الفراق والعذاب ؟
- وتقول خشبة الأوتار : كنت غضنا أخضر وتحطمت عقدي وتمزق ذلك الركاب
- نحن غرباء في فراق أيها الملوك * فاستمعوا إلينا ، إذ إلى الله المآب
- لقد نبتنا في البداية في الدنيا من الحق ونمضى إليه أيضا منقلبين
- وأصواتنا كالأجراس في القافلة * أو كالرعد عندما يزجى السحاب
فكأن أنين الرباب هنا من قبيل أنين الناى المذكور في افتتاحية المثنوى .
 
( 1204 - 1209 ) : يذكر مولانا أمثلة على الأصوات المبشرة بقرب الوصول إلى الحقيقة : صور إسرافيل الذي يحيى الموتى ، هزيم الرعد الذي يبشر بقرب سقوط المطر ، موسم الزكاة بالنسبة للفقير ، رسالة النجاة بالنسبة للسجين ، أو كأنه نفس الرحمن القادم إلى أنف الرسول من اليمن " ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن " و " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " .
( مع أسانيدها ، أحاديث مثنوى / 73 ) والمقصود أويس القرني ومما يروى أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يدرك كل أحواله عن بعد ، ( استعلامى 2 / 237 ) .
وهو عند الصوفية رمز للذي يصل دون أن يحضر على الشيخ بجسده ، وما أشبه صوت الماء هنا برائحة قميص يوسف التي هبت على يعقوبإِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ( يوسف / 94 ) .
 
( 1210 - 1218 ) : الفائدة الثانية من نزع طوب الجدار ( نزع شهوات الدنيا


 
« 389 »
 
شهوة بعد شهوة ) إنها تقرب من زوال هذا الجدار من أجل الوصول إلى الماء ، ومن هنا تكون القربى ، وما أشبهه بالسجود ، السجود تجرد عن الطين ، والجسد ، ومقرون بالقربوَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ( العلق / 19 ) ، كما قال عليه الصلاة والسلام : أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ، وكما روى عن ثوبان رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها الله درجة وحط عنك بها خطئيه .
 
( أنقروى 2 / 195 ) . والجسد الترابى هو المانع لماء الحياة ( العشق والمعرفة ) ، والعاشق إنما يسرع في التجرد ، والطوب الذي ينتزعه من الجدار أضخم ، لكن من لم يثمل بالعشق لا يدرك من هذا الاقتلاع إلا الصوت .
 
( 1219 - 1230 ) : يترجم مولانا هنا الحديث النبوي " اغتنم خمسا قبل خمس ، حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " . ( الجامع الصغير 1 / 48 ) : فاقتلاع الجدار يريد قوة وفتوة وجلدا ومن ثم ينبغي أن تبدأ به في أوان شبابك ، حيث تكون شهوات الدنيا في فورانها ، وإلا فما قيمة أن تقاوم الدنيا بعد أن تكون قد أدبرت عنك وأعطتك ظهرها وخمد أوارها ؟ ! فضلا عن أن العادات السيئة إن تركتها تأصلت فيك وكان اقتلاعها صعبا عليك ( النفس كالطفل ) .
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 1231 - 1723 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:41 pm

هوامش وشروح 1231 - 1723 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 1231 - 1723 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 1231 - 1723 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح مجيء الرفاق إلى البيمارستان لعيادة ذي النون المصري
رحمة الله عليه
( 1231 - 1244 ) : يضرب مولانا المثل على تارك العادات السيئة حتى تتأصل في ذاته بزارع أجمة شوك في الطريق العام ، ولامه الناس في البداية ، ثم رفعوا أمره إلى الحاكم الذي أمره بإزالة الشوك من الطريق ، فأخذ يماطل ، وينصحه الحاكم بأن الأمر ليس في صالحه فأجمة الشوك في ازدياد وقوته في نقصان ، ثم يفسر مولانا نفسه
 
( البيت 1244 ) بأن أجمة الشوك هي العادة السيئة
 
 
« 390 »
 
التي تصيبك أنت نفسك بالضرر قبل أن تصيب الآخرين . " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ( أنقروى 2 / 200 ) .
 
( 1248 ) : عن أقتلاع باب خيبر بيد علي رضي الله عنه ، أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لسنائى ، تعليقات الأبيات 3331 - 3234 و 3329 .
 
( 1249 - 1264 ) : وصل أجمة الشوك بأيكة الروض كناية عن الاتصال بشيخ أو مرشد والحضور عليه والاستفادة من معارفه والاقتباس من نوره ، فهذا هو الجدير حقا بأن يحول شوكك إلى ورد ونارك إلى نور ( نوركم أطفأ نور الكافرين : البيت 3714 من الكتاب الأول ) ،
ثم يشير مولانا إلى الحديث الذي يرويه الصوفية " تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري " . أتدرى لما ذا يقضى نور المؤمن على النار ؟ ! !
 
ذلك لأنهما ضدان ، فالنار من القهر ، ونور المؤمن من الرحمة ، والنفس نارية الطبع ، وفكر الشيخ ماء زلال ، والنار لذلك جافلة من الماء ، يسقط عليها الماء ، فيرتفع لهيبها مقاومة للماء ، ثم لا تلبث أن تخمد ، وعندما تخمد ، فإن كل صفاتك الطيبة تنبت لك داخل نفسك الرياض والبساتين والورود والرياحين .
 
( 1265 - 1279 ) : ها نحن قد خرجنا عن الموضوع مرة ثانية ، ( هو في الحقيقة لم يخرج عن الموضوع فكل موضوعات الطريق والسلوك تصب في النهاية في قضية لزوم المرشد ) ثم يعود إلى الموضوع :
ضياع العمر مع لزوم فعل السوء والعكوف عليه ، ووقوع الدود في أصل الشجرة ، وسيطرة الذنب سيطرة تامة ، وينادى مولانا السائلين والمريدين : هيا أيها السالك ، فقد أفلت شمس عمرك ( كان القدماء يعتقدون أن الشمس عندما تغيب تسقط في بئر )
 
« 391 »
 
والجود هو الذي يقضى على الشيخوخة ، جد بنفسك تبعث شابا ، وهذا الجسد قد هرم وقدم في السوء ، فأخرج عن هذا القديم إن كنت تريد الجديد ، وكن سخيا والسخاء ترك الشهوات ، وهو غصن من سروة الجنة " السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا ، من أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة ، والبخل شجرة من أشجار النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قادة ذلك الغصن إلى النار " ( الجامع الصغير / 2 - 37 ) .
 
( 1280 - 1289 ) : يشبه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات الإنسان الذي يسلك طريق الله بترك الشهوات مستعينا بالصبر بأنه يوسف الصديق عليه السلام ، ألقى به إخوته في غيابة الجب ، والحبل الذي ألقى إليه من السيارة هو الصبر ، وها أنت الأن وأنت في بئر نفسك ، يتدلى لك حبل الله المتين وعروته الوثقى ، وفضله ورحمته فاستمسك بهما ، وإن استمسك بهما ولدت في عالم الروح الجديدة ، فكيف تريد الجديد ، إذا كنت ميالا إلى القديم ؟ ( والتعبير ورد في معارف بهاء ولد ، ص 324 ) .
وعالم الروح الجديد هو عالم واضح لكنه خفى عليك ، لكنك إذا تخليت عن رداء الجسد ، وعن هذا الوجود المجازى الذي يحجب عنك الوجود الحقيقي تجلى لك الوجود الحقيقي الذي تظنه عدما ، وذلك عندما تذرو رياح الحقيقة هذا التراب ، وتعلم آنذاك أن جسدك الذي تظن أنه القائم بكل عملك ، مجرد عاطل ، وأن الروح الخفية هي لبه وأصله ، أو أن هذا التراب الذي أنت عاكف عليه دون سواه عاطل وباطل ، وعالم العدم الذي تعتبره عدما هو أصل الوجود . لكن ما ذا أقول لك وأنت تنظر بعين الجسد التي لا ترى سوى التراب .
 
( 1290 - 1295 ) : يشبه مولانا هنا الوجود المادي الظاهري بأنه الجواد ، أما
 
« 392 »
 
الفارس فهو الروح الإنسانية التي تستطيع أن تكبح جماح هذا الجواد وتسوقه إلى طريق الحق ، ومن ثم فالجواد يعرف الجواد ، والفارس يعرف الفارس ، وهذه العين الحسية ( عين الجواد ) لها قائد من عين الفارس ، ( البصيرة ، عين الروح ) وبدونها لا تستطيع أن تعرف طريقها ، والمرشدون الكمل فرسان الروح هم على علم بالطريق ، وبدونهم تسير على العمياء .
 
( 1296 - 1306 ) : فدعك من حس الجسد ، وامض إلى حس الروح ذات النور ، وإن كان في حس البصر نور ، فإن حس البصر الذي أدركه نور الله ( عن طريق المرشدين والأولياء ) نور على نور ، ونور الحس يبصر في حدوده ، في حدود التراب والدنيا ، لكن نور الروح هو الذي يبصر العلا ، وإذا كنت تريد أن تعرف ما قيمة نور البصر إلى جوار نور الروح ، فأعلم أن نور البصر بمثابة قطرة الطل ، ونور الروح بمثابة البحر ، وإذا كان نور الحس مخبوءا في سواد العين ، فكيف لا يكون نور الروح مخبوءا ، والدنيا بأجمعها بمثابة القشة تحركها ريح الغيب أنى تشاء ، وهي عاجزة مسكينة ، تمضي حينا ذات اليسار وحينا ذات اليمين ، حينا ترتفع وحينا تنخفض ، ولا علم لها بهذه القدرة التي تحركها .
 
( 1307 - 1321 ) : القدرة الحقيقية في الوجود هي القدرة التي لا يحدث إدراكها بالحواس الظاهرة ، فوراء يد الحس يد خفية ، هي التي تحرك القلم ، وهي التي تطلق السهم ، وتلك القدرة هي قدرة روح الروح ( روح الروح ، أنظر الأبيات 605 و 1128 و 3287 من الكتاب الأول و 1190 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فلا تعترض على فعل الحق وعلى مشيئته ( لا تكسر السهم ) ، فليس الرامي بالسهم شخصا ، لكنه الحق سبحانه وتعالى ، فقبل السهم واحمله إلى

 
« 393 »
 
المليك كناية عن الرضا التام بما جرت به المقادير الإلهية ، هذه هي القوة الخفية الحادة المسيطرة تماماً ، وإنك لترى السهم ولا ترى القوس ، وترى الكرة ولا ترى الصولجان ، وترى الصيد ولا ترى الشبكة ، ومقادير الناس في تغيير مستمر حينا يجعل الصديق كافرا ، ( إبليس وبلعام ) وحينا يجعل الزنديق وليا ( عدد كبير من الصوفية ) وذلك لأن المخلصين على خطر عظيم ، فخف في تلك اللحظة التي تظن منها أنك أصبحت من " المخلصين " وأنك وصلت ، والمهم أن تتأكد أنك قد صرت من المخلصين ( بفتح اللام ) فهذا هو مقام الأمن ، ولا تقهقر بعده في السير الروحي .
 
( 1322 - 1326 ) : يضرب المثل في تعلم الطريق ببرهان الدين محقق الترمذي وصلاح الدين فريدون زركوب ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول لكاتب هذه السطور ) .
 
( 1327 - 1330 ) : الحديث ليس عن ببرهان الدين وصلاح الدين بل عن المرشد والشيخ بوجه عام . هذا التأثير الفعال " دون أداة " بل بالهمة ، والقلوب في يده في ليونة الشمع ، يختم عليها بخاتم الشرف أالعار ، فقد يصل المريد بهمة الشيخ ، وقد لا يصل ، فخاتم الشمع هو تأثير الشيخ والخاتم والفص الروح والقلب .
( يستمد ) مولانا مصطلحات الصاغة تحببا إلى مريده صلاح الدين زركوب ( الصائغ ) ومن ثم فإن قلب الشيخ وروحه أيضا من صنع صائغ يحول نحاس الوجود إلى ذهب ومن ثم فكل حلقات الوجود متصلة بالحق .
 
( 1331 - 1335 ) : القلوب مثل سلسلة من الجبال ، يرن منها صوت الحق ثم يرتد ، ليس الصوت هنا بمعناه الحرفي بل المقصود به الواردات الغيبية ، أحيانا ترد على القلب ، وأحيانا تغيب عنه ، وهذه الواردات معلمة وأستاذة ومرشدة إلى
 
 
« 394 »
 
طريق الحق ، حيثما تكون منه فلا خلا منها القلب ، وكل القلوب تردها واردات من الحق ، لكن ثمة قلب يكون جديرا بها فيتقبلها وينميها بقدر ما فيه من نور ، قد يجعلها ضعيفة وقد يجعلها مائة ضعف ، وتفيض جبال القلوب بمئات الينابيع من المعرفة ، لكنك إن لم تكن أيضا مستعدا لها لسالت لك دما ، وبدلا من تفيض بالماء تفيض بالدم .
 
( 1336 - 1344 ) : عن سكر الطور بالتجلي الإلهى ( أنظر الكتاب الأول البيتين 25 - 26 وشروحها ) ، لقد قبل جبل التجلي الإلهى واندك ، فهل نحن أقل من الجبل ؟ لما ذا إذن لا تفور عن المعرفة من قلوبنا ؟ ولا بدن لدينا بصير في طهر الملائكة من فيض المعرفة من القلوب إليه ، وأرواحنا لا شوق فيها ولا شربت جرعة واحدة من خمر الحقيقة ، ومن ثم ينبغي القضاء على هذا القلب الذي لا استعداد عنده لتقبل الحقيقة ولتقبل النور ، فربما يجد شعاع القهر إليه طريقا ، ونحن في انتظار قيامة تدمر جبال الداخل وجبال الخارج ، تدمر السدود التي تقف أمام هذا النور ، ولا بد من قيام ( هذه ) القيامة ، قبل أن تقوم ( تلك ) القيامة ، أي القيامة الحقيقية ، فهذه القيامة هي التي تضمد جراحك ، في حين أن القيامة الحقيقة تبدى كل جراحك على الملأ .
 
( 1345 - 1349 ) : كيف تقوم هذه القيامة التي أتحدث عنها ؟ الاقتران بشيخ مرشد ولزومه ، ويضرب الأمثلة على ذلك : صحبة التراب بربيع ، صحبة الخبز للجسد الإنسانى وتحوله إلى فكر ، صحبة الحطب الأسود للنار المتوردة المتأججة ، الحمار الذي سقط في أرض مالحة وتحلل وصار ملحا ينفع الناس ، تتحول الألوان كلها في دن الوحدة صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ( البقرة / 138 ) وأنظر 769 و 770 من الكتاب الأول ) لون الحقيقة ، الذي
 
« 395 »
 
يجعل من الألوان والصور والمشاهد المختلفة التي تدل على حقيقة واحدة متجردة منها ويظهر لون الحقيقة واضحاً
 
( 1350 - 1356 ) : يقدم مولانا تفسيرا جديداً لقول الحسن بن منصور الحلاج " أنا الحق " ، إن هذا أشبه بمن سقط في دن الوحدة وقام فقال " أنا الدن " كان يتحدث عن الصبغة ولم يكن يتحدث عن الذات ، وكان الحق يتحدث على لسانه ، ولم يكن هو يتحدث على لسان الحق ( يشبه هذا ما ورد عن بايزيد البسطامي وهجوم مريديه عليه الوارد في الكتاب الرابع ) ، إنه أشبه بالحديد يحمر من النار ، فيقول : أنا النار بلسان حاله ، وينتفج بالنارية ، ويطلب منك أن تجربه وأن تطلب منه خصائص النار ، كل هذا وهو ليس بنار بل تقبل جزءا من خصائصها .
 
( 1357 - 1363 ) : إن الإنسان جزء من آدم ، وآدم شرف بالنفخة الإلهية ، ومنها تم الاجتباء ، وتم أمر الملائكة بالسجود له ، ثم يفطن مولانا إلى أن الألفاظ لا تسعفه ، إن كل ما يتوسل به من صور لبيان حقيقة هي أعلى من الألفاظ إنما يعرضه لتهمة " التشبيه " ومن شبه فقد كفر فليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ إن كل ما تستطيعه إزاء هذا البحر ( بحر معرفة الله ) أن تقف على ساحله صامتا متحسرا ، ثم يعود فيقول : أليس هو نفسه أولى بهذه النصيحة ؟ ! !
 
إنه لا يزال غارقا في هذا البحر ، عاشقا للغرق فيه ، ومن غرق فيه هو ديته " من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته " ومن ثم فأنا منصرف إليه بكل ما تسعفنى فيه قدمي من قوة ، وإذا ضاعت القدم ، أصبحت كطير البط اسبح فيه على صدري ،
يقول المولوي ( 2 / 318 ) : وهذا ينبئ السالكين على أنه لا بطالة ولا تهاون وإن حصل بعض فتور في عالم الاستغراق عند أهل الظاهر .
 
 
« 396 »
 
( 1364 - 1369 ) : يستخدم مولانا مصطلحين : الغيبة والحضور ، ويفضل الحضور حتى وإن خان الحاضر فيه أدبه ، وإن لم تكن لك قدرة على تحمل البحر فلتحم حول حوض فيه من ماء البحر ( قلب الشيخ أو المرشد ) فبدون ذلك لا تتم لك طهارة الجسد ، حتى وإن توخيت طهارة الجسد الظاهرية تظل طهارتك موضع شك ، وبين قلب الشيخ وبين البحر طريق خفى ، فليكن هدفك من هذا الحوض هو الوصول إلى البحر ، وإلا فإن الحوض نفسه قد يتعرض للتلوث إن لم يستمد هو أيضا من ماء البحر .
 
( 1370 - 1375 ) : يسوق مولانا حوارا بين الماء وبين النجس ( هو أشبه أيضا بتحليل في نفس الموضوع يتناول جوانب أخرى منه في الكتاب الخامس ، انظر الأبيات 201 - 236 وشروحها ) ، والجملة المذكورة هنا ( الحياء يمنع الإيمان ) لم ترد كحديث نبوي ، بل الحديث النبوي هو " الحياء من الإيمان " ، ويبدو أن المقصود هو أن حياء النجس ( المتعلق بالجسد ) إذا منعه من الاستعانة بماء حوض الشيخ ، فكأنه يمنع إيمانه هنا من الاكتمال ، وهي أقرب إلى قول الإمام علي رضي الله عنه " قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب " ، ويقدم مولانا بعض سمات الهداية من جانب الشيخ أمام الأجساد الدنسة ( ومن هنا يتضرع الماء إلى خالقه في الكتاب الخامس أن يطهره من دنس كل ما علق به أثناء رحلة تطهيره ) ، لكن هذه هي طبيعة الهداية والإرشاد ، فبحر الجسد ( الملح الأجاج ) وبحر الروح ( العذب الفرات ) يلتقيان ، لكن يظل بينهما "بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ( أنظر الكتاب الأول ، الأبيات 297 - 299 وشروحها ) .
 
( 1376 - 1384 ) : سواء أردت الهداية أو لم تردها ، فتقدم ، إياك أن تعود القهقهرى ، وكن دائما راجيا ، فمن الأفضل بك أن تكون في الطريق ، ومهما كان هناك خطر في القرب من الملوك ، إلا أن صاحب الهمة لا يصبر عنه ، وإن

 
« 397 »
 
آثرت السلامة ، فلتكن السلامة لك ، فهذا هو منتهى همتك ومبلغ علمك ، وليكن قلبي أنا كأنه الكير متأججا بلهيب العشق ، وليكن الاستغناء لي أنا ( المصطلح مأخوذ من سنائى ) فمن هذا الاقتران يتم الحصول على الروح الباقية المتصلة بالله ( أنظر الأبيات 119 و 1938 من الكتاب الأول و 388 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ولم يعد الموت يخفينا بعد ، وحتى الحزن في طريق العشق يزيد في السرور ، ونحن آمنون في البحر كالبط ( إشارة إلى حكاية سوف ترد في البيت 3782 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1385 - 1389 ) : وإن قلت أن هذا هو الجنون بعينه ألا فلتعلم أنني عدت إلى الجنون ، ليس ذلك الجنون الذي تعلمونه ، فإنه ذلك الهيام والوله في مظاهر الجمال الأزلي وتجلياته ، يمنح كل تجل منها جنونا من نوع آخر ( أنظر الكتاب الخامس : ما جنون واحد لي في الشجون ، بل جنون في جنون في جنون ، الأبيات 1894 - 1919 وشروحها ) ، ومن هنا قيل : الجنون فنون ، وإن هذا الجنون الذي أعانيه بل أنا سعيد منه ، يحطم كل قيود العقل ، بحيث يبدو المجانين العاديون عقلاء بالنسبة لي يسدوننى النصح .
وعند الأفلاكى ( 1 / 90 ) لا يتم إيمان أحدكم حتى يرميه الجهال بالجنون .
( 1390 ) : القصة التي أسندها مولانا هنا إلى ذي النون المصري ( المتوفى سنة 254 ه ) وردت في معظم كتب التصوف ، مثل الرسالة القشيرية واللمع للسراج الطوسي ، منسوبة إلى الشبلي ( فروزانفر : مآخذ / 53 ) .
 
( 1393 - 1394 ) : فرق بين إفاضات العوام التي تحرك جراح الدنيا ، وإفاضات الأطهار والخواص وبثهم لأحزانهم التي تحرك الشوق إلى الملأ الأعلى ، إن إفاضات الإطهار تفضح اهتمامات العوام ، وتهتك حرماتهم المصطنعة ، فكأنها نار شبت في لحيهم .
 
« 398 »
 
( 1395 - 1404 ) : ليس من الممكن أن توقف إفاضات المشايخ عند غلبة الشوق مهما كان العوام لا يتحملونها ، ومن ثم يتعرض المشايخ لهذه الكوارث التي وصلتنا أنباؤها ، يكون ذو النون في السجن ، وتقع هذه الدرر والشموس في أيدي أطفال ( الدنيا ) ، ألم ترى ما ذا حدث للحسين بن منصور الحلاج ، كان مصيره في أيدي قضاة غادرين فأسلموه إلى المشنقة ، ( أنظر سيرة ابن خفيف الشيرازي ، ترجمة كاتب هذه السطور ، صص 160 - 168 وصص 279 - 286 ) .
 
ولما ذا الأولياء وكبار المشايخ ؟ الأنبياء أنفسهم كان أعداؤهم من السفهاء واقرأ الآية الكريمة إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ( آل عمران / 21 ) ،
( وأنظر إلى وصفه تعالى الذين يأمرون بالقسط في مستوى واحد مع الأنبياء ) وفي البيت التالي إشارة إلى الآية الكريمة قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ( يس / 18 ) .
 
( 1405 - 1414 ) : يعيب مولانا على النصارى التناقضات التي تحيط بعقيدتهم بالنسبة لعيسى عليه السلام : إنهم يقولون أن اليهود صلبوه ، ومع ذلك يتوسلون به ، فكيف يمنحهم الوسيلة من لم يمنحها لنفسه ؟ ! !
وانظر إلى هذه العقيدة إلى جوار عقيدة المسلمين في نبيهم ، إن وجوده بينهم في حد ذاته ، أمان من العذاب وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( الأنفال / 33 ) ،
وجواهر البشر الثمينة أكثر تعرضا للخطر ، تماما مثلما يتعرض الذهب النضار الخالص وصائغه إلى الخطر من المزيف الخائن ، ومثلما يختفى الحسان خوفا من حسد القبحاء ، وفي ديوان شمس :
- اعبس ، فكلهم عبوسون هنا ، وكن أعمى ، حتى لا تلقى من كل أعمى عصا

 
« 399 »
 
- واعرج ، فكلهم في هذا الحي عرجى ، ولف قدمك بخرقة ، واجعل قدمك ملتويا وأيضا رأسك .
- وحك وجهك بالزعفران إن كنت قمري الوجه ، فإن أبديت وجها جميلا صفعت على قفاك .
- وأخف المرآة تحت إبطك عندما ترى وجها قبيحا ، وإلا سوأت سمعة المرآة يا مولانا ( غزل 169 / ص 112 ) ، وإذا كنت تريد مثلا عن حسد القبحاء للحسان وما يترتب عليه ، فانظر إلى ما حدث بين يوسف وإخوته ، لقد كانوا أشد تعطشا إلى دمه من الذئب ، وحين قالوايا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ( يوسف / 17 ) كانوا يفضحون عن أمانيهم وعما في داخلهم ، وكانوا هم الذئاب الحيقيقية .
 
( 1415 - 1419 ) : وذئاب البشر أكثر خطرا من الذئاب الحقيقية ، فهذه حالها معلوم ، فما بالك بمن يخفى الذئبية تحت صورة إنسان شديد الجمال الظاهري ، لبق ذرب اللسان ؟ وهؤلاء سوف يفتضحون في النهاية ، فيحشرون كما عاشوا ، وعند مولانا أن المسخ عند الأمة الإسلامية يكون في الدنيا مسخ مقلوب ثم تظهر الصور الحقيقة الموجودة في القلب على ظاهر البشر عند الحشر
( أنظر لتفصيل الفكرة : الكتاب الخامس ، الأبيات 2593 - 2601 وشروحها )
 
وها هنا يفصل مولانا حشر الناس على ما جبلوا عليه ( وهي الصور السائدة في بعض تفسيرات المعراج عند كتاب التفاسير وفي بعض الروايات الشعبية ) فالحاسد ذئب والخسيس خنزير والزاني نتن العورة ، وهلم جرا ، يطفح الشئ الخفي على ظاهر الجسد والعياذ بالله . وفي مناقب العارفين للأفلاكى ( 1 / 36 )
السيرة الغالبة على وجودك حشرك عليها واجب .

 
« 400 »
 
( 1420 - 1433 ) : يقدم مولانا صورا شاعت فيما بعد في الآداب المعاصرة ( مذكرات بشر الحافي عند صلاح عبد الصبور على سبيل المثال لا الحصر وهي أيضا ذات أصل تراثي عربى ) فوجود الإنسان وداخله وباطنه على مثال الغابة ، تعدد فيها الحيوانات ، فإن كنت إنسانا حقيقيا كن حذرا ، ولا يسيطر على باطن الإنسان حيوان واحد ، بل هو يتقلب بين الحيوانات ويكون أخطر منها ، ثم ينقلب في لحظة إلى وجود إنساني بحيث لا تستطيع إدراك الحيوان داخله ، وأنت وما يغلب عليك ، وهذه الصور الباطنية أن لم تكن محسوسة إلا أنها تمضى من الصدور إلى الصدور ، بل إن نفس هذه الخصال تنتقل من الإنسان إلى الحيوان ، فيدرب الكلب على الصيد والحراسة
( وأنشطة أخرى لم تكن معروفة في عهد مولانا كتعذيب المخالفين والسرقة ! ! ) ويدرب الماعز ، ويروض الحصان ، بل إن صفات العارفين انتقلت من أصحاب الكهف إلى كلبهم
( أنظر البيت 1026 من الكتاب الأول ) ومن صدر الإنسان يطل في لحظة حيوان : وإذا كنت تريد أن تعلم مقام المشايخ والأولياء في هذه الغابة فاعلم أنهم أسدها ، وهم على علم بطرق كل حيوان
( عن تفصيل الفكرة أنظر الكتاب الخامس الأبيات 2341 - 2344 وشروحها ) ، فاختلس الروح من بواطنهم ، وإن كنت سارقا فاسرق الدرة ( أنظر الكتاب الأول البيت 2871 ) .
 
( 1441 - 1448 ) : يشير ذو النون هنا إلى حادثة بقرة بني إسرائيل التي أمرهم موسى عليه السّلام بذبحها لضرب القتيل ببعضها " ذيلها " ليقوم حيا ويرشد عن قاتله البقرة / 67 - 73 " ( هناك إشارة أخرى إلى القصة في الكتاب الثالث : الأبيات 3885 - 3901 فانظر إليها وإلى شروحها ) . يقول ذو النون : إن جسدي بعلة اتصاله بهذه الدنيا ، صار كالميتة ، فاضربوه بذيل البقرة " السوط " فهو كقتيل
 
« 401 »
 
بني إسرائيل ، ولا بد أن تقتل بقرة النفس هذه داخله ، فإن قتلت ، تبدت الأسرار ، وانكشفت الحجب ، ورأى القلب ورأت الروح النار والجنة ، لأنها تسترد علمها بكل ما كانت تعرفه قبل أن تحبس في الجسد .
وفي الأبيات أيضا إشارة إلى فكرة أخرى : إن كل ألم يصيب الجسد ، يكون في صالح الروح وكل خسارة تحيق به كسبٌ للروح ، ومن ثم فإن ذا النون عندما عرض نفسه للعوام ، وانتهى أمره إلى مستشفى المجانين ، كان يفعل هذا لأنه أحس أن في روحه كسلا .
 
( 1464 - 1465 ) : " إن الله تعالى يجرب عبده بالبلاء ، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار " ( أحاديث مثنوي / 54 ) .
 
( 1466 ) : الحكاية التي يبدأها مولانا هنا ثم يتركها ولا يعود إليها إلا في البيت 1514 وردت قبل المثنوي دون ذكر لقمان في الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي وأسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد ، كما نظمها العطار في منطق الطير وذكرها عوفي في جوامع الحكايات . ( فروزانفر :مآخذ / 55 - 56 ) .
 
( 1469 - 1472 ) : الحكاية المذكورة في هذه الأبيات وردت قبل مولانا في كتاب الملل والنحل للشهرستاني عن ديوجانيس ، وفي أخبار الحكماء للقفطي عن سقراط ، وأوردها الهجويري في كشف المحجوب والآبي في نثر الدر ، وذكرها سنائي في بيتين من ديوانه ، ونظامي في إسكندر نامه والعطار في منطق الطير . ( فروزانفر : مآخذ 53 - 55 ) .
 
( 1473 - 1474 ) : يترك مولانا سياق القصتين ليتحدث عن معالم السيادة الحقيقية وأمارات الملك الحقيقي ، فالملك الحقيقي هو الذي يسمو على كل ما في
 
« 402 »
 
الدنيا من زخرف ، مثل هذا الملك يستمد نوره من الله تعالى مباشرة ، وهكذا صاحب الخزانة ، خزانته الحقيقية ذاته ، وليست خزانة أمواله ، لأنه إن كان بخيلا أو حريصا أو مقترا ، لما كان لخزانته قيمة في الدنيا أو الآخرة ، ومن فنى وجوده ، وجد وجوده .
 
( 1475 - 1479 ) : يعود إلى القصة في بيت واحد فيقول أن السيادة الحقيقية كانت للقمان العبد ، أما العبودية فكانت لسيده . هذا إذا وضعت القيم الإنسانية أساسا ومعيارا للبشر ، ثم يتحدث مولانا عن أمارات هذا الوضع في الدنيا المقلوبة التي تسمي الأشياء فيها على عكس طبيعة مسمياتها ، فتسمى الصحراء بالمفازة ، ليس هذا فحسب بل يصنف الناس بملابسهم ، فإن ارتدى قباءً قيل من العوام ، وإن إرتدى خرقة قيل زاهد ، وزهده رياء ، وينبغي نورٌ يميز به بين زهد الرياء والزهد الحقيقي .
 
( 1480 - 1488 ) : نور رجال الحق فحسب هو الذي يستطيع أن يميز ، فهو النور الذي لا تقليد فيه ولا شائبة ، وهو الذي يستطيع أن يدرك حقيقة المرء دون أن يتحدث ، ودون أن يصدر منه فعل ، فهم جواسيس القلوب ، والتعبير هنا مأخوذ من عبارة لأحمد بن عاصم الأنطاكي ( وعند الأنقروي لأبي يعقوب السوسي 2 / 240 ) : " إذا جالستم أهل التصوف فجالسوهم بالصدق ، فإنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في إسراركم ، ويخرجون من هممكم " ( أحاديث مثنوي / 55 ) .
 
إنهم يتسللون إلى بواطنهم كالخيال فيدركون ما في هذه البواطن ، وهم كالبزاة ، والناس بالنسبة لهم كالعصافير . ولما ذا تستبعد هذا ؟
أية قيمة لأسرار الناس وما يضمرونه بحيث لا يستطيع أن يدركها المطلع على الأسرار الإلهية ؟ وإذا كان محلقا بفكره على ما فوق الأفلاك ، فكيف يخفى عليه

 
« 403 »
 
ما هو على الأرض ؟ وإذا كانت المشكلات قد حلت لداود عليه السلام بحيث " ألنا له الحديد " ، ومن لان له الحديد ، كيف يكون الشمع بين يديه ؟
 
( 1489 - 1499 ) : يعود مولانا إلى الحديث عن السادة في ملابس عبيد ، والعبيد في ملابس سادة ، ويقدم صورة حية من مجتمعة آنذاك ، السيد الذي يرتدي ملابس غلامه ، ويُلبس غلامه ملابسه ، ويلعبان اللعبة المعكوسة :
لهبة السيد العبد والعبد السيد ، للتجديد أو لتنفيذ أمر من الأمور أو تدبير مكيدة من المكائد ، أو أن يكون السيد معرضا لخطر بليل ويريد أن يكون عبده فداءً له .
كثيرون هم السادة الذين قاموا بهذا النوع من العبودية ، سواءٌ كانوا من سادة الدنيا أو سادة القلوب الذين يسقطون أحيانا إلى حضيض الكدية ( انظر في الكتاب الخامس حكاية الصوفي محمد سررزي الغزنوي ) هذا في حين أن عبيد الهوى أولاء يبدون أنفسهم سادة ، وهناك مقياس : فالسيد الحقيقي يظهر التواضع ، ومن الممكن أيضا أن يكون عبدا ، والعالم مليء بهذه الأمور المعكوسة غير المنطقية .
 
( 1501 - 1508 ) : وكان لقمان يعرف ، لكنه كان يتجاهل الأمر ، ويترك الأمور تجري في أعنتها ، وكان سيده يعرف يريد أن يعتقه ، لكنه كان يعلم أيضا أن لقمان يريد أن يخفي عظمته في العبودية ، كان يريد أن يخفي عظمته حتى عن نفسه ، وذلك حتى لا يعتقه سيده ، فكأن لقمان في غيبة عن نفسه . وأنت إن استسلمت بكليتك إلى خالقك ، وغبت عن نفسك ، فاغتنم هذه الغيبة ، وكما يُغيب الجريح لتستخرج النصال من جسده ، استخرج من نفسك بعض ما يعطل سيرك ، ويقطع الطريق عليك .
 
( 1509 - 1514 ) : الإنسان عندما يسلم نفسه بالكلية لفكرة ما ، أو لاهتمام ما ،
 
« 404 »
 
ويكون منصرفا إليه بكل قواه ، لا بد أن يسلب منه شيء ، فانظر إلى الفكرة التي تمضي في أثرها ، هل تستحق أو لا تستحق ، وكن كالتاجر الذي يغرق متاعه ، مد يدك إلى الثمين منه فانقذه ، وانشغل بما هو أفضل ، حتى إذا سُلب منك شيء أثناء إنشغالك ، كانت خسارتك طفيفة .
 
( 1535 - 1545 ) : أية محبة أقصدها وتكون لها كل هذه الخاصيات التي ذكرت ؟ محبة التراب ؟ محبة الجماد ؟ محبة الصورة ؟ محبة حالة من الحالات التي يكون عليها المحبوب ؟ لا بالطبع ، بل المحبة الناتجة عن المعرفة ، المعرفة الحقيقية ، وهي في تفسير السبزواري ( ص 135 ) العشق بلا نهاية .
 
والمعرفة الناقصة لا تؤدي إلى العشق ، وكل ناقص ملعون ، وليس المقصود هنا نقص البدن ، فنقص البدن موجبٌ للرحمة ، وفي الحديث " ذهاب البصر مغفرة للذنوب ، وذهاب السمع مغفرة للذنوب ، وما نقص في الجسد على قدر ذلك " ( مولوي 2 / 352 ) وكما يوجب نقص الجسد الرحمة ، يوجب نقص العقل النقمة " لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ، ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ في حين لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ( الفتح / 17 )  
 
( 1546 - 1558 ) : يفرق مولانا بين نوعين من النور " القيم ، وسائل المعرفة ، وسائل الوصول " وسائل مؤقتة وآفلة وقصيرة الأمد " وإن بهرت الأبصار " ، مثل البرق " كلما أضاء لهم مشوا فيه ، وإن أظلم عليهم قاموا " وهو ضاحك ، لكن سخرية ممن يقتدون به ، ويسيرون على نوره .
ثم إن هناك أنوار أخرى تأتي من الفلك ومن كواكبه ، وهي أيضا معقورة القدم ولا تقاس بالنور الذي لا هو بالشرقي ولا بالغربي ، فمن الذي يقرأ كتابا على نور البرق ؟ " التعبير من حديقة سنائي " ، والاعتماد على البرق والنور الآفل من قبيل عدم تدبر العواقب ، في حين أن من صفات العقل تدبر العواقب والنظر إليها ، وإن
 
 
« 405 »
 
لم يكن هكذا ، فهو نفس ، همها لذتها الوقتية ، يصبح العقل بعدها كنجم سعد " المشترى " تغلب عليه نجم " نحس " " زحل " وجعله نحسا بدوره ، والذي ينظر بعين العاقبة إلى هذا الإنتقال ، وإلى الجزر والمد ، يجد طريقا من النحس إلى السعد ، فهو عارفٌ للضد من الضد ، يخاف ذات الشمال ، ويرجو ذات اليمين " وعند استعلامي أن المعنى إشارة إلى تقليب أهل الكهف " ومن ثم يطير المؤمن بجناحين هما الخوف والرجاء ، فإن اعتمد على أحديهما فحسب ، سقط .
وعند الأنقروي ( 2 / 253 ) ويقلبك الحق من حال إلى حال ، حتى يتولد لديك الخوف أن تكون من أصحاب الشمال .
 
( 1559 - 1564 ) : يوجه مولانا الحديث إلى المريدين أو إلى حسن حسام الدين وهي وقفة من وقفات مولانا عن الاسترسال في الكلام خشية الوصول إلى منزلقات قد لا يحمد عقباها ، فإن من يتمكن حقيقة من التمييز بين السعد والنحس تمييزا حقيقيا بحيث لا يسقط أسيرا للظواهر ، ينبغي أن يكون روحا عظمى كإبراهيم عليه السّلام الذي وصل إلى التوحيد بنفسه ومن التقلب بين الظواهر الآفلة ، فمثله عليه السلام هو الذي يستطيع أن يرى في كل الظواهر على اختلافها وتناقضها وصالا للحق . لكني أستطيع أيضا أن أدلك على محك وهو مدى اهتمامك بعالم الجسد الملئ بالشهوات ، ولا نجاة منه إلا لمن تحرر منها .
 
( 1565 - 1566 ) : عودة إلى القصة التي بدأها في البيت 1050 ويعتذر مولانا أن الكلام جره ، والكلام ذو شجون .
 
( 1567 - 1572 ) : يترك مولانا خط سير القصة مرة ثانية ، ويتحدث عن بستاني الملك " الشيخ الواصل " الذي يستطيع أن يميز بي شجرة وشجرة " مريد ومريد " ، إنه يعرف الأشجار ويميز بين ثمارها . وكيف لا يعرفها وفراسة العبد المؤمن ليس بينها وبين الله حجاب ( أنظر البيت 1320 و 2646 من الكتاب

 
« 406 »
 
الأول ) إنه يعرفها من البداية إلى النهاية ، وذلك قبل أن تخلق في عالم الصور .
 
( 1573 - 1579 ) : عودة إلى قصة الغلام المقرب المحسود من بقية الأمراء : لقد أخذ أولئك الأمراء في الكيد للغلام ، وأي كيد يحيق فيمن صارت روحه وروح الملك واحدا ؟ إنه في عصمة الملك ورعايته وكيف يخشى شيئا من هو في عصمة الملك ورعايته ؟ 
والملك على علم بكل ما يدبر لغلامه في الخفاء لكنه يتجاهل مثل أبي بكر الربابي ، وقد ذكر أبو بكر الربابي في أكثر من موضع من ديوان شمس ( أنظر شرح جولبنارلي 2 / 207 - 208 من الترجمة الفارسية ) كما ينقل عن الأنقروي أنه كان شيخا ملامتيا دائم الصمت ومن ثم ضرب به المثل للصوفي الذي يتعرض للإهانة ويصمت . كان الملك يعرف ويصمت ساخرا ، إنهم يريدون خداع الملك " إسقاطه في الفقاع " .
 
( 1580 - 1595 ) : هذا الملك العظيم الشأن ، هل يمكن خداعه ؟ هل يمكن أن تحتويه أية خدعة ؟ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ، وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ و يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ إنهم يخيطون الشباك ويقومون بالحيل ، فممن تعلموا خياطة الشباك والقيام بالحيل أصلا ؟
أو لا يكون نحسا على التلميذ أن يبدأ في مطامنة الأستاذ ؟ وأي أستاذ ؟ أستاذ الدنيا ، الشيخ العظيم الذي " ينظر بنور الله"، وبأي شيء يا ترى تريد أن تصنع للشيخ شبكة ؟
 
من قلب مهترىء ممزق به ألف ثقب كأنه الغطاء المهلهل ؟ لكن الشيخ يستر على جهل الجاهل ، ويخاطبه بينه وبين نفسه : يا أقل من كلب ( الكلب موصوف بالوفاء والجاحد أقل من كلب .
 
لنفصيلات أنظر : الكتاب الثالث الأبيات : 286 - 295 وشروحها ) لقد كنت موضع تربيتك فكيف تحطم موضع تربيتك ؟ وكانت لك مني الفنون والفضائل والآداب في روحك وفي قلبك ، وبعد كل هذا التعليم ، لا
 
« 407 »
 
زلت تظن أن شيئا فيك خافٍ علي بحيث تدبر ضدي في الخفاء ؟ ألست تعلم ، وألم أعلمك أن من القلب إلى القلب كوة ؟ ، إني أتغاضى عن هفواتك كرما مني وسترا عليك ، وأضحك في وجهك خداعا لك ، أليس الخداع في النهاية هو جزاء الخداع ؟ .
 
( 1596 - 1605 ) : ورضا الشيخ وما أدراك ما قيمة رضا الشيخ ؟ أتراك تعلم قيمته على وجه الحقيقة ؟ إن رضاه أشبه بدخول الشمس في برج الحمل « في بداية الربيع » .
ويشير جلبنارلي ( 2 / 209 ) أن هناك اعتقادا بأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الكائنات ، كانت الشمس في برج الحمل ، ويشير إلى أن مولانا أشار أكثر من مرة في الديوان الكبير أن أحواله كلها تكون في ربيعها عندما تكون الشمس في برج الحمل .
 
وعندما ينحسر عنك ظل الشيخ ويغضب عليك ، شاهد أمارات ذلك في نفسك وفي روحك : وجهك مصفر ومسود ، وأوراق روحك صفراء متساقطة . والشيخ مثل عطارد « كوكب القلم والفكر » ، وكتابته ميزان لنا « برج الميزان » ، والشيخ إذن هو الذي يستطيع أن يخلص المريدين من الهوس والعجز ، ويجعل ألوانه في جمال قوس قزح . ( استعلامي - 2 / 254 ) .
 
( 1605 - 1608 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من قصص القرآن الكريم الواردة في سورة النحل ( الآيات 20 - 44 - وهناك تفصيلات لها في الكتاب الرابع - انظر الأبيات : 536 - 574 و 614 - 624 و 653 - 662 و 718 - 724 و 781 - 914 و 1041 - 1044 وشروحها )
 
والمقصود هنا تفسير العلاقة بين سليمان عليه السلام وبلقيس كعلاقة بين شيخ ومريد ، وعن تعظيم المريد لرسول الشيخ وهو الهدهد مع كونه طائرا صغيرا ، فقد كان في نظرها روحا كالعنقاء وبحرا عميقا يغطيه زبد صغر جرمه .

 
« 408 »
 
( 1609 - 1614 ) : وهكذا يكون التناقض بين عالم الجسد وعالم الروح ، وعالم العقل وعالم الحس ، والعقل مثاله محمد صلى الله عليه وسلم والحس مثاله أبو جهل عليه اللعنة ، إن الكفار رأوا محمدا بشرا ، ولم يروا سوى جانبه البشري ، وذلك لأنهم لم يروا معجزاته « لم ينظروا إليها ولم يأبهوا بها » ، وعين الحس لا تستحق إلا التراب يحثى فيها ، وهذه العين اعتبرها الحق سبحانه وتعالى عينا عمياء وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ( الأعراف / 119 )
فهي عين غير متعمقة لا ترى إلا الظاهر وإلا السطح ، ترى الزبد ولا ترى البحر ، فضلا عن أنها عين غير ناظرة للعاقبة ، ترى الحاضر ولا ترى الغد ، إن سيد الكائنات ماثل أمام تلك العين ، كنز من المعاني والذكر ، وهي لا ترى من هذا الكنز إلا ربع دانق .
 
( 1615 - 1619 ) : وكيف تنكر أصلا عظمة الإنسان حتى وإن كان جسدا ، وذرة التراب إن اتصلت بها شمس الحقيقة ، تصبح شمس الدنيا تابعة لها ، وعلم الحقيقة وبحرها إن سقطت منه قطرة في بحار الدنيا السبعة « في الجغرافية القديمة البحار سبعة : بحر الصين وبحر المغرب والبحر الأسود والبحر الأحمر وبحر الخزر وبحر الروم والخليج - ( جلبنارلي / 2 - 213 ) لأحالتها إلى بحار عذبة ، وكف التراب حرك الله لعظمته الأفلاك ، ولم نبعد ؟ ألم تؤمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وهو قبضة من تراب ؟ وألم ينشق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو من تراب ؟
 
( 1620 - 1636 ) : إن هذه الحقيقة نتصرف حتى على حقيقة العناصر وطبيعتها ، أليس الماء يعلو التراب ، والتراب يترسب في الماء ؟ فانظر إلى تراب « الإنسان » يجاوز الأفلاك والعرش « المعراج » ، ومن ثم فالماء لا يعلو التراب للطف فيه ، بل هو اللطف الإلهي ، والله تعالى يستطيع أن يغير مكانة كل عنصر ، فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الفعاللِما يُرِيدُ *، فكل
 
« 409 »
 
هذا اللطف لمخلوق من تراب « آدم » ، وكل هذا الذل لمخلوق من عنصر أعلى هو النار « إبليس » ، يهبط به إلى أسفل سافلين . كل هذا بلا علة ولا أداة ولا مادة ولا صورة ولا هيولي ، ولا طباع أربعة ولا جهات ستة ولا كل هذه المصطلحات التي تتشدقون بها ، تكون الجبال كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ، ويجعل من البحار نارا وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ( التكوير / 6 ) و إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ ( التكوير / 11 )
و جُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ( القيامة / 9 ) وعين الدم وهي الشمس يجلها مسكا « بركة وخيرا وجمالا » وفي 1636 إشارة إلى رواية اعتبرت حديثا وليست بالحديث
[ الشمس والقمر ثوران عقيران في النار إن شاء أخرجهما وإن شاء تركهما ]
( بالأسانيد - أحاديث مثنوي / 56 ) .
 
( 1637 ) : ورد أصل هذه الحكاية في تفسير الآية الكريمةقُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ( الملك / 30 ) في تفسير أبي الفتوح الرازي وفي تفسير القرآن الأوسط لموفق الدين أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الكواشي « المتوفى سنة 680 هـ » وفي تفسير مخطوط في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري ، وفي إسكندر نامه المنثور المكتوب في أواخر القرن الخامس الهجري عن مدينة من العميان ( فروزانفر - مآخذ / 56 - 58 ) .
 
( 1646 - 1649 ) : التوبة أيضا هبة من الله تعالى ، ومن يستوجب القهر الإلهي يسد أمامه باب التوبةوَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَوهُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *وزراعة القلب وضع أصول الإيمان فيه .
 
( 1650 - 1652 ) في البيت الأول إشارة إلى ما ورد في معارف بهاء ولد عن لوط عليه السلام ، فقد ساق قومه مواشيه إلى جبل صخري لا نبات فيه ، فدعا الله فأنبت فيه النبات ، وعندما ساق قومه مواشيهم إليه هلكت . أما ما ورد في البيت الثاني عن الخليل عليه السلام فربما كانت إشارة إلى تحول الرمل له إلى دقيق وقد مرت
 
« 410 »
 
أما البيت 1652 فهو توفيق بين رواية وردت عند بهاء ولد أيضا وأخرى وردت في عجايب نامه من مؤلفات القرن السادس الهجري وفحواها أن المقوقس سأل عمرا بن العاص أن يبيعه سفح المقطم لأنه غراس الجنة ، وكتب عمرو إلى عمر رضي الله عنه ، فرد : إنا لا نجد غراس الجنة إلا المؤمنين ، ورفض بيعها له ، وطلب بأن يدفن فيها موتى المسلمين ( عن فروزانفر : مآخذ / 59 ) .
وبالنسبة لقصة شعيب عليه السلام أوردها الأنقروي منسوبة إليه ( عن جلبنارلي 2 / 216 ) .
 
( 1653 - 1656 ) : هذا عن همم رجال الله وأصفيائه ، أما الجحود فيأتي بنتائج عكسية ، فالمنكر والجحود يتحول الحسن في أيديهما إلى قبيح ، يتحول النحاس إلى ذهب والصلح إلى حرب والتراب الخصب إلى أرض بور ، والسجود لله تعالى عطية منه سبحانه ، والرحمة لا توهب لكل عابد ( انظر البيت 1647 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فلا تتجرأ على الذنب إذن اعتمادا على رحمة الله .
 
( 1657 - 1672 ) : التوبة يلزمها شرائط : الحرقة والدمع « البرق والسحاب » ، وهي أشبه بالثمار التي يلزمها ري « دمع » وحرارة « حرقة » ، وبهذا الدمع تخمد نار غضب الرب .
وهذه هي سنة الله في خلقه ، يحيي الأرض بالمطر بعد موتها ، فتصبح مروجا وزهورا ، وترفع شجرة السنار « أوراقها على هيئة الكف » أيديها بالدعاء ، وتتألق زهور الشقائق « القلوب الدامية » ، ويسقول طير اللقلق « المؤمن المناجي » : لك لك ، أي لك الملك ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، جمال الطبيعة كله آثار من المليك ، وأعظم آثاره قلب العابد ، تتفتح فيه عوالم من الجمال ، وكلها أمارات على خلقه ، يفرح بها من عاينه في صنعه ، وثمل بعهده منذ يوم العهد والميثاق ( الأعراف / 172 ) ، وكل هذا
 
« 411 »
 
الجمال عبير لخمر العهد ، وكيف يعرف عبيرها من لم يذقها؟!
 
( 1673 - 1674 ) : المؤمن دائما في بحث عن الحكمة ، فهي ضالته .
[ الحكمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها ] ( أحاديث مثنوي / 57 )، والحكمة عند ملوك الطريق، يعلمون لمن يكون هذا البعير الضال.
 
( 1675 - 1708 ) : يقدم مولانا مثالا عن شيخ يأتي إلى مريد في النوم ، يعده بنوال المطلوب ، ويقدم له أمارات وآيات معينة ، ويطلب منه لكي تتحقق رؤياه أن يكتم ما رأى ، وليس هذا بالشيء العجيب فقد كانت هذه أيضا آية زكريا عليه السلام قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ( مريم / 10 )
 
فالكتمان إذن هو سبيل نيل المطلوب . ومطلوبك أيها المريد هو الملك والجاه ، في سبيله تضرعت ، وصمت حتى نحلت ، وأخرجت كل مالك ، وسهرت وعانيت وكابدت وكدحت « الرؤيا نالها عن عمل لا عن إجتباء » ، ومن ثم أراد الله أن يبشرك عن طريق هذا العابد في الرؤيا .
إنك إن رأيت هذا بالفعل ، فماذا يكون سلوكك عندما تستيقظ من النوم ؟
تطوف بالوجوه ، تسير في الطرقات ، تثير في بحثك عن تحقق رؤيتك عجب الناس ودهشتهم ، يسألونك فلا تجيب ، فلقد أمرت بالكتمان ، وتتوسل بإجابات عامة غامضة غير شافية « كأني بمولانا يقص عن تجربة شخصية عندما كان في انتظار شمس الدين ، وكان شمس الدين في إنتظاره ! ! » . ،
هذا لأن [ من طلب شيئا بجد وجد ، ومن قرع بابا ولج ولج ] كما قال الجنيد البغدادي .
هنا تتحقق رؤيتك ، يأتيك فارس فيحتضنك ، وتخر مغشيا عليك ، ويعتريك الوله والوجد .
ما قيمة هذا كله عند من لم ير رؤياك ؟ رياء ونفاق ، مع أنه بالنسبة لك كما يكون الماء بالنسبة لسمكة مسكينة وقعت على اليابسة تعاني نزع الروح وأوصل إليها المد « المدد » الماء ، إن كل أمارة
 
« 412 »
 
يجدها ذلك الذي رأى الرؤيا تبث فيه الروح وتمدها ، وهكذا الأنبياء ، يعرفهم أصحاب الأرواح العارفة .
 
( 1709 - 1724 ) : هذا الكلام ناقص ، إنه مجرد مثال ، وإلا فهل يتيسر لي أن أعدد لك كل الآيات والأمارات على وجوده جل شأنه وهي عدد ذرات هذا الكون ؟
هل يتيسر لي ذلك أنا الذي أفقده العشق اللب ؟
إنها أشبه بعد أوراق البستان وهديل القطا ونعيق الغربان ، ومع ذلك فمن أجل فائدة المريد المستفيد أحاول أن أعدها .
وطالع الكواكب من سعد ونحس لا صورة لها ، لكن من الممكن الحديث عن بعض آثارها ، وهي من القضاء الإلهي ، وينبغي تحذير من يكون طالعه نحسا ، فهو يستطيع أن يقاوم هذا الطالع بذكر الله الذي أمرنا به قائلا « أذكروااللَّهَ *»
( البقرة / 198 - 200 - 203 - 239 ، النساء : 103 ، الأنفال / 45 ، الأحزاب / 41 ، الجمعة / 10 ) ، إلجأ إلى ذاته التي بلا مثال ، ودعك من ذكر الجسد فهو خيال ناقص ، وحذار من وصف المليك بلغتك وأسلوبك وإدراكك الناقص ، فلن تستطيع أن تقدم إلا أوصافا سلبية ، كأن تقول في تعريف الملك أنه ليس نساجا ، فهل هذا تكريم ؟
 .

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 1724 - 2145 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:43 pm

هوامش وشروح 1724 - 2145 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 1724 - 2145 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 1724 - 2145 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي
( 1725 ) : ورد أصل الحكاية المذكورة هنا فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 60 ) في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه وفي شرح نهج البلاغة ، وفي كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة ، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ، وإحياء علوم الدين للغزالي .
 
( 1741 - 1742 ) : [ إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، فيقول : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ . يا ابن

 
« 413 »
 
آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أنه إستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم إستسقيتك فلم تسقني ، قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : إستسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ] ( جلبنارلي : 2 / 229 )
 
( 1743 ) : [ لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، وقدمه التي يسعى بها ، ويده التي يبطش بها ] ( أحاديث مثنوي / 18 - 19 ) .
 
( 1747 ) بالطبع لأنه اسم فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
 
( 1755 ) : [ ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق ] ( أحاديث مثنوي / 58 ) ( 1764 ) [ إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] ( أحاديث مثنوي / 59 )
 
( 1770 ) أخطاء المحبين في التعبير بمثابة دماء الشهداء شرف لهم ، ودليل على حرقة القلب وصدق العبادة ، فالغائب الثمل لا ينمق العبارة ، وخطؤه هذا بمثابة دماء الشهيد التي ينبغي أن يكفن بها ، فهي شاهد له لا عليه [ ويبعث يوم القيامة ، واللون لون الدم ، والريح ريح المسك ] .
 
( 1773 - 1775 ) : لقد وصل الراعي إلى الكعبة « الكعبة هي القلب كما أشار مولانا في أكثر من موضع من ديوان شمس » فما فائدة التحري والسؤال عن القبلة ؟ وإذا وجدت الحرقة ، فما فائدد تنسيق الألفاظ ؟ ، الياقوت ياقوت سواء وجد عليه ختم أو لم يوجد .
 
 
« 414 »
 
( 1776 - 1780 ) : السر في مصطلح الصوفية مرتبة من المراتب الروحانية للكمال ، وكل وجود ترابي ينبغي له سبع مراتب : الطبع والنفس والقلب والروح والسر والخفي والأخفى . فالوحي للسر ، ولا علاقة للوحي بالروح أو القلب ، فلا يزال فيهما بعض آثار البشرية ، وفيهما الحقيقة ومشاهدة الحقيقة معا . هذه الحالة غير قابلة للتفسير ، فإذا كان موسى عليه السلام وهو نبي لم يتحملها ، فكيف بكم ؟ وأنا لو تحدثت عنها لما تحملتها العقول ، ولانكسرت الأقلام .
 
( 1783 - 1786 ) : المفتون الذي يمضي في الصحراء إلى غير غاية ، لا يكون خطوه مستقيما ، لأنه لا يهدف في مشيه إلى وجهة معينة ، بل يكون سيره كنقلات الفيل والرخ في الشطرنج ، حينا يكون خفيفا بحيث لا يترك أثرا على الرمل وكأنه موج ، وحينا يكون يائس الخطى بحيث يظهر أثره كله كأنه سمكة ، حينا يجلس ويخط خطوطا في الرمال ، وكأنه ضارب رمل .
 
( 1789 - 1790 ) : ليست هناك رعاية للتدابير والآداب لمن هو متصل بالحق إذ أنه « بين الأحباب تسقط الآداب » ، وإن نطقوا بالكفر فهو دين . فدين العاشقين يهب قلوبهم النور ، وعشاق الحق هم الملاذ في الدنيا ( أنظر : زلته في حكم الطاعة عند الحق في الكتاب الأول البيت 1598 ) ، إنك أصبحت معافا مرحوما أيها الراعي مصداقا لقولهيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ( إبراهيم / 27 ) .
 
( 1791 - 1794 ) : يرد الراعي : لم تعد المشكلة مشكلة تعبير وبيان ولسان ، المشكلة الآن في القلب الذي أصبح غارقا في الدم في طريق الفناء ، ذلك أني بما حدث لي من جذب ، جاوزت سدرة المنتهى ، ويسر لي المعراج الروحي ، لقد ضربتني يا موسى بسيف تأديبك فانطلق جواد روحي ، وقفز وجاوز الأفلاك
 

« 415 »
 
، ومع أني في الظاهر في الناسوت ، صرت أحد أسرار العالم الإلهي ، فالثناء على يدك .
 
( 1795 - 1804 ) : على كل حال فأنا لا أستطيع التعبير عن أحوالي ، وما تراه أو تحسه صورتك أنت ، وما تسمعه نفختك في الناى ، وكلاهما ليسا جديرين بالمرآة أو بالناي ، وحمدك وشكرك مهما نمقت فيهما ، فهما أشبه بهراء ذلك الراعي
[ لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ]
لأن المقياس هنا ليس كلام الراعي ، بل قيمة المخاطب ، وكله سواء : قولك وقول الراعي وقول الخطباء والفصحاء ومديح الشعراء في جناب الحق ، كله لا يساوي شيئا ، وهذا تعرفه عندما يكشف الغطاء يوم القيامة ، فتعلم أن أوصافك دون الموصوف بكثير ، وأنه من قبيل الرحمة فحسب أن قبل منك هذا الذكر الناقص ، إنه يقبله كما تقبل صلاة الحائض فهي رخصة ، وهي ملوثة بالدم ، والذكر الذي تقوم به أنت فيه تشبيه وفيه حديث عن الكيفية ، ودم الحائض يطهر بالماء ، لكن نجاسات الباطن . . كيف تطهر ؟
إنما لا يطهرها شيء إلا لطف الخالق سبحانه وتعالى ورحمته .
 
( 1805 - 1808 ) : لا يزال الكلام لمولانا جلال الدين : ليتك تنتبه وأنت في سجودك إلى قولك سبحان ربي الأعلى ، إنه يعني : سجودي هذا كوجودي تماما غير جدير بك ، وهو شر مني ، لأني لست أدري معناه الحقيقي وهو تنزهت عن كل صفة يصفك بها البشر ، أو « سبح اسم ربي الأعلى تسبيحا عما لا يليق بشأنه » ( أنقروي / 2 - 296 ) ، وعلى هذا فذكري هذا شر ، لكنك تجازيني عليه بالخير حلما منك ، ذلك الحلم الذي شمل الأرض كلها ، تلقي عليها أيها الإنسان بخبثك فتستره ، وتمبت بدلا منه الزهور والبراعم .
 
« 416 »
 
( 1809 - 1819 ) : من هنا يعد الكافر من وجهة نظر العطاء والجود أقل من التراب ، وهذا بعكس الصوفي « لأنه كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها الاكل مليح » ( أنقروي / 2 - 296 ) ، والكافر لا محالة نادم على هذا ، يعلم أنه أقل من التراب يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ، وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ( النبأ / 40 )
إن ميله كله إلى التراب ، لأنه لم يحمل إلى الحضرة من سفره ما ينفعه ، فهو يتقهقر ، وبخله وحرصه هو سبب تقهقره ، وهو نبات يلتصق بالأرض ولا يسمق ولا ينمو ، ولا يطمح إلى العلا فيموت ، والروح ميالة إلى العلا ، فلا تحبسها في طين الأرض ، ولا تقلب طبيعة وجودك ، فلقد نزلت من السماء إلى الأرض ، أو على حد قول ملا هادي السبزواري ( شرح / 145 )
كل موجودات هذا العالم الأدنى ظلال وانعكاسات لموجودات العالم الأعلى ، وفي الحقيقة كل الموجودات ظلال للوجود الأحدي ، ومن ثم مطلوب منك أن تنظر دائما إلى موطنك ، لا أن تكون آفلا ، فالله لا يحب الآفلين .
 
( 1820 - 1829 ) : يقدم سيدنا موسى عليه السلام بعض الأسئلة إلى الخالق سبحانه وتعالى ( من قبيلها أيضا ما ورد في الكتاب الرابع الأبيات : 3001 - 3029 )
ويرى استعلامي ( 2 / 263 ) أن البحث الذي يدور هنا حول تفسير لحكمة الله تعالى في خلق الكفرة والعصاة مع سابق علمه تعالى بأنهم سوف يكونون من الكفرة والعصاة .
والواقع أن الأبيات تحتوي على أكثر من قضية من القضايا التي كان يحلو لمولانا جلال الدين الخوض فيها ، سؤال موسى عليه السلام : ما المقصود بكل هذا الإعوجاج الذي يسود العالم من حولنا ؟
غلبة الظلمة وأنين المظلومين ، وهذا التناقض الشديد الذي نراه ، وتلك المظاهر التي تثير الغيظ والثورة ، ثم ما هو السر في خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ثم أفوله وشيخوخته

 
« 417 »
 
وموته ، ويتدارك موسى عليه السلام : إنه يعلم أن كل هذا لحكمة ، وهو لا يعترض ، إنه يسأل فحسب ، والملائكة عندما اعترضوا على خلق آدم ، أبدى لهم الله سبحانه وتعالى السر بعرضه لنور آدم عيانا ، وموسى عليه السلام يريد الجواب أيضا عيانا ، فالله سبحانه وتعالى هو كاشف الأسرار ، الحشر يكشف سر الموت ، والثمرة تبوح بسر الشجرة ، وهلم جرا .
 
( 1830 - 1845 ) : لكل شيء سر ، هذا أمر معلوم ومفهوم . حسن الإنسان هو سر الدم والنطفة ، وكل رحمة في الآخرة لا بد وأن يسبقها في الدنيا بلاء ومعاناة ، فكل زيادة يسبقها نقصان ، وكل بناء يسبقه هدم وإليك هذه الأمثال :
لوح الكتابة يغسل ويمحى في البداية ثم يكتب عليه ، والقلب يعاني العذاب ويصير دما حتى تكتب عليه أسرار الإله ، والمنزل عند بنائه يحفر أساسه ، والأطفال ينوحون من إبرة الحجام وفيها خيرهم ، والحمالون يتخاطفون الأحمال على ثقلها فكلما كانت أثقل كان نفعها أكبر ، واقرأ الحديث النبوي الشريف
[ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ]
ومن عكف على لذائذ الشهوات هنا ، صار إلى النار هناك ، ومن عانى مشقة الطريق وناره هنا ، مضى إلى الجنة هناك ، هذا البلاء الدنيوي إذن مقدمة للنعمة الأخروية ، وهذا هو ما تلاحظه حتى في الدنيا ، السجين سجين بسبب شهوته ، والعظيم عظيم بسبب تحمله المشاق وصبره على التكسب .
 
( 1846 - 1851 ) : وهناك صنفان من البشر : صنف نافذ البصر ، ينظر بنور الله ، يرى أن الأمر كله يرجع إليه ، وصنف مقيم على الحس يتوخى الأسباب . الأول روحه خارج الطبائع أي لا يعتبر الطبائع وانسجامها أو تنافرها سببا لكل شيء ، ومن ثم فهو المميز بخرق الأسباب ، أي لا يتوقف عند الأسباب
 
« 418 »
 
ولا يرى أنها تؤدي إلى نتائج حتمية ، فالطبيب سبب لكن ليس من المحتم أن يؤدي علاجه إلى الشفاء ، وهذا الصنف الآخر كالمصباح يحتاج إلى فتيل ، لكن هل تحتاج الشمس إلى فتيل؟ وسقف الدار في حاجة إلى طلاء، لكن هل يحتاج ذلك سقف السماء؟
 
( 1852 - 1865 ) : وقفة أخرى من وقفات مولانا : اغتنم الوقت الذي يكون فيه الحبيب معك في خلوة الليل فسرعان ما يطلع النهار وتعود إلى حالتنا اليومية .
والقمر لا يتجلى إلا ليلا ، فكن دائما على استعداد لهذا القمر ، ولا يكون هذا الاستعداد إلا بالبحث من أعماق القلب ، تربية عيسى ( الروح ) وإهمال حمار عيسى ( الجسد ) ، وانك لم تسمع « أخروهن » من الحديث النبوي »
[ أخروهن من حيث أخرهن الله ]
وربما تكون قد سمعته ، وفهمت منه أن المقصود من هذا الحديث النساء ، وسقت طويلا في هذه المعاني متناسياً النصوص التي توصى بهن ، ولم تدر أن المراد هو النفس وهي حمارية الطبع فأخرها ، واجعل العقل متقدما إياها ، لا تابعاً لمزاجها ، تراني شبهتها بحمار عيسى ؟ !
أبداً ، إنها حتى لا تصل إلى هذا المستوى ، فحمار عيسى كان منقاداً لعيسى متأثرا بقوته الروحية العظيمة منقادا لها ، ولا تحرن المطية إلا إذا كان الفارس ضعيفاً ، فإذا عز عليك الدواء لا تطلب الداء إلا منه ، والزمه ، فإنه هو القادر على علاج ما بك من ألم وضعف .
 
( 1866 - 1881 ) : حتى وإن كنت عيسى ، حتى وإن كانت لك روح قوية كروح عيسى عليه السلام وكان لك نفس يحيى الموتى كنفسه ، فالأمر منك في حاجة إلى جد واجتهاد ، فعيسى نفسه عانى من اليهود ، ويوسف عانى من الاخوة الماكرين الحسودين ، وأنت لا بد ستعانى من هؤلاء الحمقى الغاضبين
 
« 419 »
 
الصفراويين ، الذين يصبون حقدهم عليك فينقلب إلى ازعاج لك ووجع رأس ، فهل يقعدك هذا عن الطريق ؟ !
هل يمنعك عن إتمام الطريق ؟ ! هل يحول بينك وبين مجاهداتك ورياضاتك وتفردك العظيم ؟ ؟ !
إنك أنت العسل ، وهؤلاء الناس هم الخل ، وعلاج الصفراء الناجع بمخلوط العسل والخل ، وإن زاد أهل الجحيم هؤلاء في نسبة الخل فزد أنت في نسبة العسل ، قدم أنت الخير إن قدموا لك الشر ، وهم يفعلون ما هم جديرون به ، فافعل أنت ما أنت جدير به [ صل من قطعك واعط من منعك وأعف عمن ظلمك ] ،
وليكن تأسيك بمحمد صلى الله عليه وسلم ، تعرض لما لم يتعرض له بشر ، وكان رده الدائم : [ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ] ،
 
 لتكن محترقا كالعود تنشر الأريج وأنت تحترق ، فإن احترق العود ، فإن منبع العود موجود وهو أصل النور ، وليكن صفوك دائما مع العاقل ، فجفاء العاقل خير من وفاء الأحمق الجاهل ، وهكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ يا بنى إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ]
( منسوبة في شرح نهج البلاغة إلى علي رضي الله عنه ومنسوبة في عيون الأخبار إلى عمر رضي الله عنه ورويت كحديث في اللؤلؤ المرصوع وقال إنه موضوع - فروزانفر : أحاديث / 60 - 61 ) .
 
( 1882 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت أورد فروزانفر ( مآخذ 61 - 62 ) حكايتين من فردوس الحكمة والفرج بعد الشدة قريبتين منها في بعض المواقع إلا أنهما لا ينطبقان عليها ، والواقع أن مولانا استفاد من حكاية قيىء لقمان للفاكهة المذكورة في الكتاب الذي بين أيدينا ، والعاقل هو المرشد والنائم الذي دخلت الحية في بطنه هو المريد الجاهل ، وما قام به المرشد من مكابدات مع النائم حتى يخرج
 
« 420 »
 
الحية ، كناية عن الجهود التي يقوم بها المرشد لتخليص المريد حتى وإن كان هو غافلا عنها .
 
( 1915 - 1919 ) : الحديث عن النفس الأمارة بالسوء [ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ] فضلا عن حديث آخر استفاد منه مولانا في وصفه [ لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلًا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون لله تعالى ، لا تدرون تنجون أو لا تنجون ] ( أحاديث مثنوى : 61 ) .
 
( 1920 ) : عن أبي بكر الربابى ( أنظر شروح البيت 1577 من الكتاب الذي بين أيدينا ، والشطرة الثانية من نفس البيت إشارة إلى حكاية واردة في الكتاب الثالث ، الأبيات 1844 - 1856 ) .
 
( 1922 - 1925 ) : الكلام هنا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم و يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى بيعة الرضوان ، وتوارد " اليد الطولى " أي القوة التي لا يفهمها الضعفاء ، اليد القادرة بإشارة من طرف الإصبع على شق القمر .
 
( 1926 ) : من هنا حديث للعاقل مع النائم الذي أخرج الحية من بطنه .
 
( 1935 ) : مصدر الحكاية كما أورده فروزانفر ( مآخذ / 62 - 65 ) كتاب فرائد السلوك ، الذي انتهى تأليفه سنة 610 هـ
- والمصدر يذكر قرداً بدلًا من دب ويرى أن فحوى الحكاية ناظرٌ إلى قول الإمام علي رضي الله عنه : يا بنى إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وقول عبد الله بن داود بن حربي : " كل صديق ليس له عقل أشد عليك من عدوك " وجاء في شعر صالح بن عبد القدوس :عدوك ذو العقل أبقى عليك * من الصاحب الجاهل الأخرقوضرب المثل بالحكاية في المأثور الشعبي الفارسي : فيقال ( دوستى خاله خرسه ) عداوة الخالة الدبة لصداقة الجاهل الغادر . وكتب محمد على جمالزاده الكاتب

 
« 421 »
 
المعاصر قصة مستخدماً المثل كرمز سياسي للصداقة المدعاة من قبل الروس لإيران في مرحلة من تاريخها ( أنظر مجموعة يكى بود يكى نبود ) .
 
( 1936 - 1942 ) : يتحدث مولانا هنا عن المسؤولية الاجتماعية عن العارفين :
ليس العارف معتزلًا ، همه أن ينقذ نفسه ، بل هو موكل بالدفاع عن المظلومين والمطحونين ، تحركهم الرحمة ، فهم جزء من الرحمة الكلية ، وهم ملح الأرض ، ودواء الخلل ، وهم الدواء الذي يبحث عن الداء والماء الذي يبحث عن الظامىء . وعند الأفلاكى 1 / 260 ذكر لبيت " أن المدد يكون لأسود لرجال . . . الخ " في معرض ما حدث من خراب لبلخ بعد خروج بهاء ولد منها ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) .
 
( 1934 - 1954 ) : الحديث عن الرحمة الإلهية ، ولكي تنزل عليك اعتبر نفسك وحياتك الدنيا هباءً ، حينذاك تنصب عليك المعرفة الإلهية التي تسترك ، ورحمة الله واسعة متصلة لا حدود لها ، فداوم على طلبها ، ولا تقنع بالقليل منها ، وفكر فيما وراء عالم المادة ، حينذاك تسمع الأنغام مما وراء العرش ، تخلص من كل ما يحول بينك وبين هذه المرتبة : طهر أذنك من الوسواس ، وعينيك من الشعر وأنفك من الزكام ، وداخلك من الحمى الصفراء ، ورجولتك من العنة ، وروحك من نير الجسد ، ويدك وعنقك من نير البخل ، تنال جزاء كل فعل ، تسمع ضجيج الفلك ، وترى بستان الله ، وتشم ريح الله ، وتحس بلذة الدنيا ، وتتزوج الحور العين ، وتطوف حول محفل الرجال .
 
( 1955 - 1958 ) : وإن لم تستطع أن تفعل ذلك ، فاحمل كل همومك إلى كعبة اللطف ، ونح وتضرع فهذه هي وسيلة الوعي وعامل اليقظة ( أنظر 630 و 832 و 1552 من الكتاب الأول ) وهو أحن عليك من الأم على طفلها ، وحاجتك طفل
 
« 422 »
 
لا بد أن يبكى حتى يفور ثدي الأم باللبن ( أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الخامس ، الأبيات 135 - 144 وشروحها وأنظر الكتاب الذي بين أيدينا البيتين 446 - 447 وشروحهما ) ألم يقل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ ( الاسراء / 110 ) والدعاء لله هو بكاؤك وتضرعك .
 
( 1959 - 1964 ) : هزيم الريح وانصباب المطر من السماء هو الإجابة على دعائك ، وهذا هو معنىوَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ( الذاريات / 22 )
والمعنى : إن التصاقك بالأرض لا معنى له إذا كان رزقك في السماء ، وخوف الفقر هو الذي يضلك الشيطان يخوفكم الفقر ويأمر بالفحشاء وفيك لمة من الملك ولمة من الشيطان ، لمة تدعوا إلى العلا ، ولمة تدعو إلى الحضيض ، ولست أقصد بالرفعة هنا رفعة المكان ، بل هي كمال العقل وكمال الروح التي تتصل بالملأ الأعلى .
 
( 1965 - 1974 ) : يوضح أن الرفعة ليست بالمكانة ، فمن المعروف أن الأسباب مقدمة في الظاهر على نتائجها ، لكن حتمية وجودها في أنها تسبب هذه الآثار ، والعظماء في الدنيا في مكانة أعلى ، لكن [ رب أشعث أغبر ] يكون في مكانة عند الله أفضل منهم جميعاً ، والأسباب مقدمة في العمل والنتائج مقدمة في الأثر .
 
( 1976 ) : الشطرة الثانية ناظرة إلى الآية الكريمةوَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
 
( 1977 - 1986 ) : حيلتك ومكرك مصدرها الخالق ، فعد إلى الخالق ، وكل ما هو موجود في منخفض ( الماء مثلا ) إنما هبط من السماء ، ونظرك إلى أعلى يهبك النور وإن كان يأتيك بالدوار في البداية ، وبعدها يتضح لك كل شئ : أمارة

 
« 423 »
 
النور تدرك أن في شهوتك مماتك ونهايتك ، وتدرك أن تجربتك محدودة ، وأنك مغرور بعمل قليل ، متمرد على أستاذك بهذا العلم القليل فيكون مصيرك كالسامري أضله علم قليل تعلمه من موسى عليه السلام وقضى عليه ( أنظر الكتاب الأول 2269 ) .
 
( 1987 - 1996 ) : المعرفة الناقصة تردى صاحبها ، تجعل منه رئيسا ثم تطيح برأسه ، فكن في حمى شيخ كامل " قطب " واستفد منه ، فعملتك مزيفة ، وعملته صحيحة ، وكمال ذاتك بهمتك ، فكن كالقطا باحثا عنه متسائلًا في كل مكان : كو كو : أين . . . أين ؟ ؟
ولكي تكون مستعدا لخدمة البشر ينبغي أن تلزمه في البداية ، وإلا كنت كالدب في فم الأفعوان ، وأكرر عليك ، التضرع والبكاء هما الوسيلة والشيخ هو واسطة العناية ، فزاول الأنين كما أن الدب ، لكن كن في أنينك خاشعاً طيباً حسن الصوت وإلا كنت كمن سأروى لك حكايته .
 
( 1997 ) : أرجع فروزانفر الحكاية التي تبدأ بهذا البيت إلى محاضرات الراغب الأصفهاني ، كما وردت الحكاية في شرح نهج البلاغة ، وأشار شاعرٌ إلى هذا بقوله :اثنان إذا عدا * حقيقٌ بهما الموت
فقير ماله زهد * وأعمى ماله صوت( مآخذ / 65 )
 
( 2004 - 2014 ) : إن اعتراف الأعمى قبيح الصوت بما فيه من عيب ، أبدى قلبا رقيقاً حساساً انعكس على صوته فجعله حلوا ، وإلا فإن أسود القلب الذي لا يرى عيبه يكون صوت قلبه ايضاً قبيحاً ، فيكون ذا ثلاث عاهات لا عاهتين ، وربما كان قلب ذلك الأعمى قد تعرض للطف أحد المشايخ المرشدين فرقق قلوب المحسنين عليه ، ومن هنا يدعو الكافر فلا يستجاب له بل يستجاب عليه ب

 
« 424 »
 
اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ( المؤمنون / 106 ) ، وفي البيت 2014 إشارة إلى المثل العربي : " آخر الدواء الكي " .
 
( 2040 ) : عودة إلى قصة السامري وعجله الذهبي وموسى عليه السلام ( انظر 2269 من الكتاب الأول ) ويرى فروزانفر أن الأفكار المذكورة هنا ناظرة إلى بيت لسنائى الغزنوي :
العوام يؤمنون بألوهية العجل * لكنهم لا يؤمنون برسالة نوح ( ديوان / 498 ) ( عن مآخذ / 65 ) ( 2043 ) : إشارة إلى معجزة شق البحر بالعصا ( البقرة / 50 ) .
( 2045 ) : إشارة إلى المن والسلوى في تيه بني إسرائيل وانبجاس الماء من الصخر ( البقرة 57 و 60 ) .
 
( 2070 ) : أَعْرِضْ عَنْهُمْ ( السجدة / 30 ) .
( 2071 - 2079 ) : عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى . وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى . وَهُوَ يَخْشى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ( عبس / 1 - 10 ) ،
 
والإشارة إلى مجىء ابن أم مكتوم ، وكان ضريراً وقوله للرسول صلى الله عليه وسلم أثناء جلوسه مع وجوه قريش ( عتبة بن ربيعة ، وأبى جهل ، والعباس ، وأمية ) : علمني مما علمك الله ، وإشاحة الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهه عنه ، ثم نزول الآيات ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يهش في وجهه بعدها كلما رآه ويقول له : أهلا بمن عاتبني فيه ربى ، ( مولوى 1 / 450 ) .
 
وفي تعليق للسبزواري (شرح ص 146) أن هذه لم تكن معصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العبوس والتهلل في وجه الأعمى يستويان .
 
( 2081 ) : [ الناس معادن خيارهم في الجاهلية ، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ]

 
« 425 »
 
( أحاديث مثنوى / 61 - 62 ) وعند جلبنارلى ( 2 / 258 ) رواية أخرى عن الجامع الصغير : [ الناس معادن والعرق دساس وأدب السوء كعرق السوء ] .
 
( 2099 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، قال فروزانفر ( مآخذ / 66 ) أنها مأخوذة عن حكاية وردت في قابوس نامه عن محمد بن زكريا الرازي ( المتوفى سنة 320 ه ) وذكر استعلامى انها تكررت في مصادر عديدة قبل مولانا ، ووردت في بعض المصادر القديمة عن أبو قراط .
 
( 2106 ) : هناك مثل فارسي يقول :
كل طائر يطير مع جنسه * الحمامة مع الحمامة والبازي مع البازي وفي المثل العربي " كل طير يطير مع شكله " ( 2107 ) : المثل الذي يبدأ بالبيت مأخوذ فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 66 ) عن المجلد الثاني من إحياء علوم الدين للغزالي .
 
( 2116 - 2120 ) : وإذا أتتك مذمتي من ناقص ، فهي الشهادة لي بأنى كامل .
( 2144 ) : إشارة إلى الآية الأولى من سورة المائدةيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، والآية 89 من نفس السورةوَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ.
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 2146 - 2614 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:44 pm

هوامش وشروح 2146 - 2614 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 2146 - 2614 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 2146 - 2614 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة 
وبيان فائدة العيادة
( 2146 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 66 - 76 ) ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خف فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو بشئ أو تسأله إياه ، قال : نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبى به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال الرسول صلى اللَّه عليه وسلم سبحان الله لا تطيقه ، أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، قال فدعا به فشفاه .
 
( 2149 - 2160 ) : من الممكن لهذا المريض الذي تعوده أن يكون هو القطب المرتجى للطريق ( للقطب أنظر 249 من الكتاب الأول والبيت 1988 من
 
« 426 »
 
الكتاب الذي بين أيدينا ) ، والفكرة هنا أن الأرض لا تخلو من أقطاب ( عند الشيعة الإمام ) ، لكن ليس من المسموح لكل إنسان أن يعرفه وما دام موجودا في العالم ، فلا بد أنك ستراه وإن لم تعرف أنه هو ، لكن ، لما كان من المحتمل أن يكون من بين الدراويش فداوم على غشيان مجالس الدراويش ، فمن أراد أن يجالس الله فليجلس مع أهل التصوف ( عن استعلامى 3 / 277 ) .
 
وكن دائما مؤمنا بهذا الاحتمال ، أنه موجود وثق أنك سوف تصل إلى نتيجة ، فإن لم تصل إلى القطب ، فقد تصل إلى من يكون دونه كمالا ( فارس الجيش ) والذي يوصلك إليه ، وإن لم يكن هذا أو ذاك ، فأقل فوائد الاحسان إلى الناس أن يقل حقدهم عليك إن كانوا لك أعداء ، والرفقة مهمة ، والصحبة طيبة ،
[ والجماعة رحمة والفرقة عذاب ] ،
ألست ترى النحات ينحت من الحجر ما يكون رفيقا له وشاغلا لوقته ومؤنسا لوحدته ؟ ! ! وإنك لتظن أن هناك كنزا في كل موجود ، وهذا عيب فيك أن تصور أن الله في كل موجود وتسرع متأثرا بهذا الخيال الذي لا حقيقة فيه .
( مناقب العارفين للأفلاكى 1 / 155 ) .
 
( 2161 - 2170 ) أنظر لهذه الروايات الأبيات 1741 - 1742 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها .
 
( 2172 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 67 - 69 ) وردت قبل مولانا في جوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وهي ناظرة أيضاً إلى ما ورد في مجمع الأمثال للميدانى في تعليقه على المثل " إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض " وليس المهم في الحكاية عملية تفريق الناطور للثلاثة : الفقيه والصوفي والعلوي ، لكن نظرة الناطور لكن منهم في حالة التقرب والدس والتفرقة ، ثم نظرته لكل منهم حين يظفر به وحيداً ، وهو تعبير عن واقع
 
 
« 427 »
 
اجتماعي لكثير من الطبقات " واجبة الاحترام " في المجتمع الإسلامي آنذاك ، في حين أن الاحترام الحقيقي للعقل والتصرف وليس للكسوة والمظهر والنسب ، وهو ما صوره سنائى في حديقته ( خاصة في الفصول الأخيرة ) .
 
( 2193 ) : أنظر البيت 216 من الكتاب الأول وشروحه .
 
( 2216 ) : قال استعلامى ( 3 / 279 ) الإشارة إلى كتاب الإمام الغزالي " الوسيط المحيط بأقطار البسيط " في حين أن الوسيط كتاب لأبي حامد لخص فيه كتابه البسيط وهو في فروع المعاملات والعبادات ومن أمهات كتب الفقه الشافعي والمحيط كتاب في الفقه لشمس الأئمة محمد أبى بكر السرخسي ( المتوفى 489 / 1909 ) وقد ورد أسمه أيضاً في سلسلة الطريقة المولوية ( جلبنارلى 20 / 275 ) .
 
( 2224 ) : الحكاية الواردة هنا ( ولا يزال حديث مولانا عن الصحبة عموما وصحبة الأولياء على وجه الخصوص ) وردت قبل مولانا فيما يرى فروزانفر في رسالة النور ( المؤلفة بالعربية في القرن الثامن الهجري ) كما نقلها فريد الدين العطار في سيرة أبى اليزيد في تذكرة الأولياء ، كما وردت في مقالات شمس ( عن مآخذ 69 - 70 ) .
 
وممن الممكن أن يكون من معاني القصة وأهدافها التي لا ينتبه إليها الشراح القدامى أن الإنسان والإحسان إلى الإنسان أولى من الشعائر وإقامتها ( وبخاصة إن لم تكن المرة الأولى ) وفي المأثور الشعبي في البلاد الإسلامية حكايات عديدة قد تكون مستوحاة من هذه الحكاية ، عن احسان المزمع على الحج بنفقات حجه على جار معوز أو أرمل محتاج ، وتنتهى الحكاية دائماً بأن يُشاهد ذلك المزمع على الحج والذي لم يحج من قبل جيرانه في المشاعر وأماكن الحج .
 
ويعلق مولانا على الحكاية : بأن الهدف هو الإنسان والهدف من بين البشر هو الشيخ ، وقلب الشيخ هو الكعبة ( في ديوان شمس : قلب الإنسان
 
« 428 »
 
عموما هو الكعبة ، أنظر عدد 21 ابريل 1996 من أخبار الأدب حيث ترجمة لخمس غزليات في هذا المجال لكاتب هذه السطور ) .
 
( 2234 ) : تحت عنوان الحكاية يسوق مولانا حوار بين شيخ ومريد ومفاده طلب الضروري وتبعاً له سوف تحصل على الثانوي من الأمر وغير الأساسي " فالنور من الكوة ثانوي ولكن الأذان ( من حيث النور الذي لا يخبو ولا يأفل هو الضروري فإن نفذ من الكوة ( كوة لدار أو كوة القلب ) تبعه النور الأصلي .
 
( 2236 - 2241 ) : عودة إلى قصة أبى اليزيد وحجه ، والخضر عليه السلام هو في المأثور الصوفي نبي ولى شيخ حي يظهر لمن يتوسم فيه الاخلاص وينجى الصوفية من متاهات الطريق ، " مجازيها وحقيقيها " وهو أيضا العبد الصالح الذي أوتى علما من لدن الله ، ولم يستطع معه موسى عليه السلام برغم كونه من أولى العزم من الرسل صبراً ، روى البخاري حديثا أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم ، فقال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ( مولوى 2 / 473 ) .
 
ورؤية الفيل الهندي في النوم ، الحنين إلى الموطن الأصلي للإنسان ، وهو تعبير تكرر عند مولانا في المثنوى كثيراً ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الرابع الأبيات 3068 - 3071 وشروحها ) ورؤية الهند هي الحنين إلى الجنة ، فكأن الشيخ الذي لقيه أبو اليزيد ، كان مسروراً وكأنه يشاهد الجنة ، إنه يرى أثناء النوم ما لا يراه في اليقظة ( أنظر البيت 39 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيتين 394 و 395 من الكتاب الأول ) .
 
( 2251 - 2256 ) : [ الإنسان سرى وأنا سره ] حديث قدسي ( لأسانيده أنظر أحاديث مثنوى / 62 )
والبيت ( 2252 ) ترجمة لعبارة شمس الدين التبريزي بنصها " يا أبا يزيد ، هناك بيت الله ، وقلبي أيضا بيت الله ، لكن بالله الذي هو
 
 
« 429 »
 
رب ذاك البيت ورب هذا البيت إنه لم يدخل ذلك البيت مذبناه ، لكنه مذبنى هذا البيت لم يخل منه "
وفي البيت ( 2253 ) إشارة إلى الحديث [ من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي ] ، ومن رآني فقد رأى الحق " ( أحاديث مثنوى / 6399 . والمزاوجة بين ذلك العبد الفقير المحتاج إلى نفقات حج أبى اليزيد البسطامي وبين الحقيقة الإلهية ، وجه من وجوه النزعة الإنسانية البارزة في التصوف الإسلامي ( أنظر شروح البيت 2224 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
ولسعدى الشيرازي :
ليس العبادة بالخرقة والسجادة * ليست العبادة إلا بخدمة الخلق ( 2258 - 2269 ) : عودة إلى حكاية عيادة الرسول صلى الله عليه وسلم للمريض التي بدأها مولانا في البيت 2146 ثم عاد إليها في البيت 2218 وتركها ليعود إليها في هذا البيت ، والمقصود بالنفس ، النفس النبوي الشريف ، الذي جعل المريض يحس أن النعمة التي أسبغها عليه المرض ، بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم تتضاءل إلى جوارها كل النعم .
 
( 2272 - 2289 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ شاوروهن وخالفوهن ] ، وهنا يشمل النفس الأمارة بالسوء ، ( أنظر البيتين 2629 و 2969 من الكتاب الأول ) والنفس الأمارة حتى وإن أمرت بالصوم والصلاة ، فإن ذلك يكون مكرا منها ( لأنها قد تأمر بالصلاة رياءً وبالصوم حيث لا ينبغي الصوم ولا يجب ) ولا حل لها إلا ما يدق عليه مولانا كثيراً ، لزوم الشيخ ، وفي البيت 2289 ليس المقصود بالطبع إفقاد القدرة الجنسية بل المقصود إفقاد الرجل قدرته على طي الطريق وتحمل مشاقه ، ومواجهة النفس ( التي هي بمثابة المرأة ) .
 
( 2290 - 2298 ) : يستنجد مولانا بالخطاب إلى حسن حسام الدين كلما آنس
 
 
« 430 »
 
من بقية المريدين مللا أو إنصرافاً ، فهو يراه حلالا للمشاكل ، والمشكلة الآن أن مولانا يحس بصعوبة في الإفاضة ، وليست هذه الصعوبة إلا لأن أحد من يحبهم الحق قد تعرض لأذى ، ومن ثم وضع الله سترا على الإفاضة وحجبها ، وهذا هو قضاء الله وقضاء الله علاجه من قضاء الله أيضاً . نفر من القضاء إلى القضاء ( أنظر 1267 - 1269 من الكتاب الأول ) ،
ولا جدال أن مولانا يشير هنا إلى حادثة معينة ، لكنها لا تخرج عن أن مريدا كان مبتدئا في الطريق " دودة " ، فلما تقدم في الطريق صار أفعوانا وحية على شيخه ، وها هو يطلب من حسن حسام الدين ، وهو موسى الطريقة أن يلقى عصاه تلقف ما صنعوا ، وأن يخرج يده من جيبه بيضاء فتضىء هذا الليل ، ليل النفوس المظلمة ، وأن يتلو رقية يجعل بها هذا الجحيم ينطفئ .
 
( 2300 - 2305 ) : إشارة إلى ما ورد في الآية الكريمة وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ، وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا ( الأنفال / 44 )
 
والحديث عن المسلمين والكفار في موقعة بدر وفي البيت 2304 إشارة إلى الآيات الكريمات في سورة " الليل " ، إن هذه هي عناية الله التي تيسر عباده لليسرى ، وتيسر مخالفيه للعسرى ، وفي هذا البيت كان الحديث عن أولئك الذين يسرهم الله تعالى لليسرى ( من أمثال حسن حسام الدين ) ، يجعل لهم الصعب هيناً ، والعدو الكثير يبديه في أعينهم قليلا .
 
( 2306 - 2313 ) : يتحدث مولانا عن من لا تشملهم هذه العناية الإلهية ، هؤلاء يبدو أعداؤهم في أنظارهم أقوى ممن هم عليه بالفعل ، " يبدو القط أسدا هصوراً ، فإن أراد الله إهلاكهم أرى لهم سيف علي رضي الله عنه القاصم مجرد حربة ،
 
« 431 »
 
والأسد الهصور مجرد قط ، حتى يسعون إلى حتفهم بأظلافهم ، وعادة ما يبدي أولياءه ضعافاً تزدريهم العيون وكأنهم القشة ، بحيث يتجرأون عليها ، ويهاجمونها ، وبينما تكون الدنيا باكية شوقا إليهم وولها فيهم ، يضحكون هم سخرية منها ، إنه يبديهم ذوى أعماق ضحلة سطحية ، بينما مياه علمهم تغرق العماليق من أمثال عوج بن عنق ( عاج بن عنق زعيم قوم عاد ، ومن أتباع شداد ، كان ضخم الجثة بحيث كان ينحنى فيخرج السمكة من قاع البحر ، ويرفعها فيشويها على الشمس ، وصل طوفان نوح إلى ركبته ، عاش حتى عهد موسى عليه السلام وقام لقتال موسى ، فحمل صخرة من الجبل ليلقيها على موسى وقومه فخرت الصخرة بأمر الله وسقطت في عنقه ، وقفز موسى فضرب كعبه بعصاه فقتله " أشبه بكعب اخيل في الأساطير اليونانية " ، وفي فترة الأكاسرة صنعوا من عظمة من عظامه جسرا على الفرات وعبر عليها الناس طيلة مائة سنة ) ( جلبنارلى 2 / 277 )
 
وعند مولوى ( حكى أن عوج بن عنق كان طوله ثلاثة آلاف وستمائة وثلاثون ذراعاً وعمره ستة آلاف وستمائة سنة ، فلما وقع الطوفان وعلا الماء على الجبال لم يتجاوز ركبته ، وكان هلاكه على يد سيدنا موسى ، وذاك أنه إذا غضب على أهل بلدة بال عليهم وأغرقهم ، فشكوه إلى سيدنا موسى عليه السلام فطلبه ووجده ودعاه إلى الإيمان فامتنع ، وخوفه بالقتل فضحك محقرا لسيدنا موسى فأحال عليه عصاه فبلغت عنقه وشقت رأسه فهلك ( مولوى 2 / 485 ) .
 
( 2314 - 2318 ) : وهكذا تبدو الأمور هيئة سهلة للطواغيت والفراعين ، لقد رأى البحر يابسة ، فساق فيه ، فغرق ( البقرة / 50 ، يونس / 90 وأنظر البيت 867 من الكتاب الأول ) ، وإنما تدرك العيون حقيقة الأشياء عندما تنور بنور الله

 
« 432 »
 
لكن الأحمق يرى الأمور معكوسة ، يرى في الطعام الذي يتناوله بشره شهدا وسكراً وهو له سم قاتل ، ويرى الذي أمامه هو الطريق السليم وهو في الحقيقة المتاهة التي يدعوه إليها الغول .
 
( 2319 - 2324 ) : الخطاب إلى الفلك ، وحدة الفلك في سيره تسرع بعمر الإنسان فلا يستفيد منه في الطاعات ، ويمر على المرء دون أن يحس به ( استعلامى 2 / 283 ) ، وفتنة آخر الزمان هي فتنة الدجال ، تحدث في المأثور الإسلامي في الألف السابعة من عمر البشر ، تكون فتنة لا يدرك فيها المرء الحق من الباطل ، فكأنك أيها الفلك بشر تتجه إلينا ! ! فأين رحمتك ولمَ لمْ تتعلم الرحمة من الحق ، نحن ضعاف كالنمل فهل نتحمل لدغ الحيات ! ! أيها الفلك :
بحق من أدار عجلتك ، إرحمنا ففي ظلك نمت جذورنا ، فكيف تقتلع هذه الجذور .
 
( 2325 - 2331 ) : الحديث إلى الفلك ، لكن مولانا تناول مشكلة أخرى :
مشكلة حدوث هذا العالم وقدمه ، فالدهرى يرى أنه قديم والسنى يرى أنه حديث ، لأن مبدأ كل شئ هو الله سبحانه وتعالى ، ومن أين لهذا الدهري أن يعلم الحدوث والقدم وهو عنكبوت في دار ووردة في بستان ( لتفصيلات أنظر ، الكتاب الرابع ، الجواب على الدهري المنكر للألوهية والذي يقول أن العالم قديم ، الأبيات 2833 - 2863 وشروحها ) .
 
( 2332 - 2340 ) : إن هذا العقل ( هو هنا عقل المعاش وليس بعقل المعاد كما قال استعلامى 2 / 283 ) يبدي لنفسه الصورة إنها صور نابعة منه هو بقدر خياله وتصوره ، وما أشبهها بتصورنا جميعا للجنى ، كلنا نتصوره ، لكن أية صورة يا
 
 
« 433 »
 
ترى تنطبق عليه في الحقيقة ؟ ! ! وهذا العقل الباحث عن المعاد أعلى مرتبة من الفلك بدوره ، لأنه مرتبط بالعقل الكلى أول فيض عن الله تعالى ( أنظر 1909 و 2064 من الكتاب الأول ) ،
والإنسان برغم وجود هذا العقل الذي يطير في الأوج ، ذو جسد متشبث بالحضيض مقيم على التقليد الذي يحد من انطلاق عقله ، يستنيم المرء إلى العلم الناتج عنه ، وهو الذي يحول بينه وبين العلم الحقيقي ، إن الجنون أفضل من هذا العقل ، يقول لك العقل : هذا نفع فاهرب منه ، وهذا سم فتجرعه ، وهذا أمن ، فانتقل منه إلى موضع الخوف ، وهذا شرف ، فاختر الافتضاح ، دعك من معابير عقل هذا العالم ، فهي في الحقيقة جنون في جنون ، وأنا - شخصيا - جربت ذلك العقل الذي يتعمق الأمور ، ولم أجد بعده بدا من التظاهر بالجنون .
 
( 2341 ) : بطل الحكاية هنا " دلقك " ( ترجمتها بالمهرج ) اسم علم عرف بحكاياته الطريفة ، كان معاصرا للسلطان محمود الغزنوي ( المتوفى 421 ه ، 1030 ) وفي رسالة دلكشا " شارحة الصدر " للشاعر الساخر عبيد الزاكانى ( القرن الثامن الهجري ) عرف باسم طلحك ونقل تسع عشرة حكاية عنه ، والسيد الأجل يجب أن يكون من آل على الذين عاشوا في ذلك العصر ، وفي تاريخ اليميني للعتبى تحدث من هذه الأسرة عن سيد جعفر بن سيد محمد وأبى جعفر محمد وأبى البركات على ويجب أن يكون واحدا منهم .
( شرح جلبنارلى 2 / 297 ) كما وردت حكايتان أخريان عن " دلقك " والسيد الأجل في الكتابين الخامس والسادس ، حيث صرح أن السيد الأجل كان حاكم ترمذ ودلقك كان نديما له .
 
( 2346 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال الأنقروي أنها وردت في كتاب بستان العارفين لأبي الليث السمرقندي المتوفى سنة 375 للهجرة " 985 م " ، كما ذكر في بعض نسخ المثنوي غير المعتمدة اسم بهلول ( وهو مجذوب فقير تقترن حكاياته
 
« 434 »
 
باسم هارون الرشيد وتذهب بعض الروايات أنه كان أخا له ) ( استعلامي / 2 - 284 ) ، وذكر فروزانفر ( مآخذ / 70 - 72 ) أن الحكاية وردت في العقد الفريد لابن عبد ربه وربيع الأبرار للزمخشري وإسكندر نامه المنثور وفي جوامع الحكايات لمحمد عوفي . وفي كثير من هذه المصادر لا تجري الحكمة المذكورة في الحكاية على لسان عاقل يبدو مجنونا ، بل تجري على لسان النبي سليمان عليه السّلام حينما كان طفلا عندما أحال إليه داود عليه السّلام سائلا يستشيره في من يتزوج .
وفي جوامع الحكايات يرد عليه : النساء في الدنيا ثلاث ، البكر كالذهب الأحمر ، والأيم كالفضة البيضاء ، والأيم المسن كالرصاص ، وإن كان لها ولد فهي كالفخار ، وتبدو رواية أبي الليث السمرقندي ورواية محمد عوفي أقرب الروايات إلى حكاية مولانا .
 
( 2351 - 2360 ) : لكن - ويحذر مولانا من ظاهرة تفشت فيما بعد - إياك أن تعتبر كل مجنون حكيما ، فأي علم لك بالأسرار التي يبوح لك بها المجنون ، إن لم تكن عليما من البداية لكي تستطيع أن تميز بين الغث والسمين في ما يبوح به ، وما دام في حجاب الجنون ، فلن يعرفه كل أعمى ، والأمر يحتاج إلى بصيرة مستنيرة ، هذه البصيرة تعرف أنه من الممكن أن يغطي الكليم " غطاء الدرويش " كليما " موسى الكليم عليه السّلام " والولي لا يعرفه إلا الولي [ أوليائي تحت قبائي لا يعرفهم غير أوليائي ] . وإذا كان قد جعل نفسه مجنونا ، فكيف تستطيع أن تعرفه بالعقل ؟ واللص المبصر هو النفس ، والأعمى هو غير العارف بالأسرار .
 
( 2362 - 2366 ) : بمناسبة البيت 2361 وفحواه أن الأعمى لا يعرف الكلب الذي يعقره " النفْس التي تتسلط عليه " ، ويضرب مثلا على ذلك بالمتسول " رجل الدنيا " الأعمى الذي يهاجمه كلب ، والحكاية هنا قائمة على تلاعب لفظي
 
 
« 435 »
 
بين لفظي : كور أي أعمى بالفارسية ، وكور أي حمار الوحش ، وقال بعض المفسرين أن الحكيم المذكور هنا المقصود به نصير الدين الطوسي المعاصر لمولانا " كلاهما توفي سنة 672 هـ " ، وقد أنكر استعلامي ( 2 / 285 ) هذا الأمر ، ولم يلتفت كل المفسرين إلى تعبير ذيل الحمار ، وهو يشير إلى شكل من الأشكال التي كان المغول يصففون شعورهم عليها ، ومن ثم يكون المعنى المطلوب أن الرعب دفع حكيما مثل نصير الدين الطوسي إلى ممالأة الحاكم المغولي . والله أعلم .
 
( 2375 - 2379 ) : الأرض رغم كونها عمياء ، إلا أنها أصبحت مبصرة بنور الله ، فخسفت بقارون ( القصص : 76 - 81 ) وزلزلت خسفا بقوم صالح ( الأعراف / 78 - 90 وانظر أيضا الكتاب الأول الأبيات : 2581 . 2521 وشروحها )
واستمعت إلى أمر اللهيا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ( هود / 24 ) ، ليس هذا فحسب ، بل واستمع إليه - أي إلى أمر الله - الماء " قوم موسى " والنار " إبراهيم عليه السلام " والهواء " قوم عاد " ، كل العناصر فهمت دون نبي ودون تدبر ، وامتثلت للأمر ، على عكسنا نحن ، قصرنا معرفتنا على الخلق ، وتركنا معرفة الحق .
 
( 2380 - 2383 ) : لا جرم إذن أن هذه العناصر أشفقت من حمل الأمانة ، وذلك لمعرفتها بالحق ، لكن هذا الإشفاق قد ضعف عندما دب عليها الأحياء ، وامتزجت بالروح الحيوانية ، وهي لا تزال تحس بالضيق من هذه الحياة ، فهم يسمونها حياة ، لكنها عند الحق موت ، وذلك الذي يسمي نفسه حيا يحس باليتم عندما يبتعد عن الخلق ، في حين أن الأنس الحقيقي يكون بالله .
 
( 2383 - 2394 ) : الحديث عن نفس الإنسان ، فما دامت النفس مسلطة عليه يكون كالأعمى الذي يسيطر عليه اللص ، وتعذيب اللص - أو حرفيا عصره - هو الجهاد الأكبر [ رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قيل وما

 
« 436 »
 
الجهاد الأكبر يا رسول الله ؟ قال : جهادك في هواك ] . أتدري ما هذه البضاعة التي يسرقها اللص ؟ إنها كحل البصيرة من البصر والحكمة من القلب ، لكن من عمى قلبه لا يعرف هذا اللص ، كما لا يدلك عليه أيضا جماد في صورة إنسان . ثم يعود مولانا إلى قصة العاقل المتظاهر بالجنون .
لقد تقدم منه طالبا المشورة ، لكنه دفعه عنه ، فلم يكن اليوم يوم البوح بالأسرار ، ولم يكن الموضع موضعه ، ويقول : لو كان عندي أنا أيضا إذن للبوح بالأسرار لكنت أنا أيضا مثل بقية المشايخ صاحب دكان ، ويرى جلبنارلي ( 2 / 298 ) أن مولانا يقصد أولئك المشايخ الذين يفتحون الزوايا كالحوانيت ، ويبدون الكرامات المزيفة ، ويتلقون الهدايا والنذور والخلع ، ويجمعون حولهم أصحاب المال والجاه .
 
( 2395 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم ترد بتفصيلاتها في كتاب قبل المثنوي ، ويرى نيكلسن أن بعض أجزائها يشبه بعض عبارات وردت في المنقذ من الضلال للإمام الغزالي ( استعلامي 2 / 287 ) ونقل فروزانفر ( مآخذ / 72 ) عن نثر الدر للآبي حوار دار بين المأمون وثمامة يبدو أصلا للحكاية ، كما نقل عبيد الزاكاني الجزء الأخير من الحكاية في لطائفه . ولعلها من الحكايات الشعبية التي كانت منتشرة في عصر مولانا ، ونقلها عبيد الزاكاني عنه .
 
( 2400 - 2402 ) : يطلب المحتسب " مراقب حدود الشرع في الأسواق والأماكن العامة " من السكران أن يتأوه ، وذلك بالطبع حتى يشم فمه ، لكن السكران يفطن إلى الحيلة ، فيطلق صياح الدراويش " هو . . . هو " ، حتى يوهم المحتسب أن ما به من سكر الخمر الإلهية ، أو ما يعبر عنه بالسرور .
 
( 2406 ) أنظر شرح البيت 2394 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
« 437 »
 
( 2428 - 2432 ) : يذكر حديث العاقل الذي تظاهر بالجنون هنا بما روي عن تظاهر مسعد بن كدام بالجنون حتى لا يتولى قضاء الخليفة المنصور العباسي ( أنظر الرواية كاملة في كشف المحجوب ، الأصل الفارسي صص 113 - 114 والترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 117 ) .
 
( 2433 - 2436 ) : الحديث هنا يبدو على لسان العاقل الذي يدعي الجنون ، لكنه في الحقيقة على لسان مولانا جلال الدين ، وأن المجنون مجنون بالعشق وسكران بالمشاهدة ، فكنز المعرفة لا يمكن أن يُبدى لكل شخص ، وإلا كان هذا هو الجنون بعينه ، يكون تماما كمن رأى العسس يجوبون الطرقات يأخذون الناس ويقعون فيهم ثم لم يغلق عليه بابه ( الهجوم على العسس والشرطة ملمح بارز من ملامح المثنوي . أنظر لتفصيلات : الكتاب الرابع - الأبيات : 55 - 64 وشروحها )
وفي قصة ذي النون المصري " لقد حبس نفسه في داره هربا من شر العوام
 
- البيت 1438 من الكتاب الذي بين أيدينا " ، ومعرفة الولي جوهر ، والجوهر لا يُبذل من أجل عرض ، وهو متصلٌ بالله " اتصال السكر بقصب السكر " .
 
( 2437 - 2443 ) : يفرق مولانا بين نوعين من العلم : علم تقليدي يتأتى عن طريق التقليد والتكرار والتعلم في المدارس ، وهو العلم الذي ينفر المستمع من صاحبه ضيقا ، ذلك أن طلبه من أجل مشترين ، لا من أجل الله ، لقد طلبه من أجل كسب الجاه بين الناس ، لا من أجل اكتساب نور الحق ، وما أشبه ذلك العالم التقليدي بفأر ينقلب لنفسه جحرا " وما أكثر الجحور التي يلجأ إليها فئران العلم والمعرفة في زمننا الحاضر " ، وهم لا يستطيعون البعد عن الجحر ، تجد الواحد منهم ملازما لجحره الذي اختاره لنفسه ، ولو رآه النور لطرده

 
« 438 »
 
أو لصرخ هو نفسه : واويلاه . ولذلك فهو يبذل جهده ، لكن داخل الظلمات ، لا يستطيع أن يخرج منها ، لأنه لم يوهب " عقل المعاد " ، ولو وهبه ، لحلق بجناحه كالطيور .
 
( 2444 - 2450 ) : علم المقال هو نفس العلم التقليدي ، وهو بلا روح ، وآيته أن يكون طالبا للمشترين ، فإن وجدهم تعمق ، وإن لم يجدهم ، " أغلق دكانه " ومضى . لكن النوع الثاني من العلم هو ذلك النور الذي يقذفه الله في القلب ، مشتريه هو الله سبحانه وتعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة / 111 ) وأترك أنا لك تصور البون الشاسع بين المشتري الذي من الطين ، المفلس ، آكل الطين وبين أن يكون المشتري هو الله . وعليك بقوت القلوب " العلم الإلهي والفيض والنور والحكمة " فيتجلى في وجهك نور الحقيقة .
 
( 2451 - 2456 ) : يناجي مولانا جلال الدين الله سبحانه وتعالى : ليس في مقدورنا أن نحول هذا الطين إلى نور ، لكن لطفك الذي يحيط بنا دون سبب ودون استحقاق " اللطف الخفي " جديرٌ حقا بأن يهب الإنسان المخلوق من الطين والعاكف على الطين ، ملكة التسامي ، فتأخذ بيده وتحرره وتشتريه ، بأن تجعله عبدا خالصا لك ، وتجعله ناظرا إلى الحقيقة دو حجب تحول بينه وبينها ، فحل - يا إلهي - بيننا وبين تسلط هذه النفس ، فقد بلغ بنا منها السيل الزبى والحزام الإبط ، وضع عنا - يا إلهي - إصرنا والأغلال التي تقيدنا بها هذه النفس الدنية ، فلا يستطيع هذا إلا أنت ، وها نحن نستغيث بك من نفوسنا ، لأنك أقرب إلينا مناوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ( ق / 16 ) .
 
( 2457 - 2463 ) : الدعاء أيضا عطية من الله تعالى ، وإذا أراد الله
 
 
« 439 »
 
خيرا بعبده ، أجرى به الدعاء على لسانه ، وإلا فإن هذا الدعاء كالورد ، ومتى ينبت ورد الدعاء من مزبلة الجسد إلا بلطف من الله سبحانه ، ذلك اللطف الذي أجرى كل هذه الملكات من الإنسان ، وأصدرها من جسد الإنسان دون أن يكون هناك تناسب بينهما ، فجعل الفهم والذكاء بين الدم والأمعاء ، وجعل نور البصر في شحمة ، وسيل الحكمة يجري من قطعة لحم " اللسان " وجعل ثقبا وعظمة أداة للسمع ،
وهذه المعاني ناظرة إلى ما روي عن الإمام علي عليه السلام [ اعجبوا لهذا الإنسان ، ينظر بشحم ويتكلم بلحم ويسمع بعظم ويتنفس من خرم ] ( عن استعلامي 2 / 290 )
والشرع " وهو علم ومقال " هو الذي يوصلنا إلى عالم الغيب وعالم الروح ، وبساتين العالم الدنيوي ورياضه فرع لذلك البستان : بستان الغيب ، بستان الجنة التي تجري من تحتها الأنهار ( التوبة / 100 وانظر البيت 2730 من الكتاب الأول ) .
 
( 2471 ) : " الغريق يتشبث بكل حشيش " ( مثل عربي ) .
( 2475 - 2478 ) : أنظر الكتاب الأول الأبيات 3334 وما بعده وشروحها .
( 2495 ) : أنظر الكتاب الأول الأبيات : 80 - 83 وشروحها .
 
( 2501 - 2502 ) : إنني أمدحك أنت ، لكني أذكر اسم موسى عليه السلام ، لأن مدح الحاضر يوجب البعد ، وأنت نفسك يا رسول الله قد قلت
[ لا تمدح أخاك في وجهه ] .
 
( 2503 - 2505 ) : من هذا البيت يبدأ مولانا في مناجاة ، وعهد الله تعالى للإنسان باق ، لكن الإنسان لا يزال ينكص عن عهده لله وينساه ، وينصرف عن عبادته والاعتراف بربوبيته ، ولا يفتأ يتنقل بين الألوان " شهوات الدنيا على
 
« 440 »
 
اختلافها " ، وأمير الألوان هو الله سبحانه وتعالىفِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ( الانفطار / 8 ) . ونحن أدرى بفضائحنا يا الله وبما ارتكبنا من شرور ، فاستر علينا ، ولا تفضحنا .
 
( 2511 ) : لتكن البقية من وجودنا لك - يا الله - فأنقذها من براثن الشيطان .
 
( 2514 - 2524 ) : تندمج قصة الصحابي المريض مع إفاضات مولانا " حتى البيت 2560 " والدعاء أيضا من تعليمك يا إلهي ( أنظر البيت 2457 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والمثال على عفوك أنك عفوت عن آدم ، وأرجعته إلى الجنة ، وفي وسعك أن تعفو عن أبنائه . . . وكيف تبيح يا إلهي أن تنصر الشيطان على الإنسان الذي كرمته ونفخت فيه من روحك ، لكن تراه إنتصر على آدم عليه السلام حقيقة ؟ لقد كان يظن ذلك ، ذلك أنه قنع بالبدايات " النقلة الأولى " ، ولم يكن يعلم أن اللعنة الأبدية سوف تحيق به ، والهزيمة الأبدية سوف تكون له ، وأنه كان يصف جنده ، ويمكر مكره ، لكي تحيق الهزيمة به هو .
 
( 2525 - 2534 ) : إن الخطوة الأولى عند من يريد العلاج أن يعترف أولا بأنه مريض ، وأن يدرك إلى أي مدى وصل هذا المرض ، وأن يتألم ، وذلك قبل أن يصل مرضه إلى مرحلة غير قابلة للعلاج . يولد الرجاء وينقضي اليأس ، مثلما يولد الطفل من ألم المخاض ، ومثلما تكون الأم حاملا بالطفل ، يكون القلب حاملا بالأمانة ، اى بأسرار الحق ، والأم لا تعلم ، لكن القابلة " المرشد " تعلم ، وهناك مدعون يتظاهرون بأنهم يعانون حمل الأمانة ، لكن حذار ، فثمة فرق بين أن يقول الحلاج " أنا الحق " وبين أن يقول فرعون "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى"
( أنظر الأبيات 1819 من الكتاب الأول و 307 و 1351 و 1402 من الكتاب
 
 
« 441 »
 
الذي بين أيدينا ) ف " أنا " هنا تطرح بمعنيين مختلفين متناقضين ، يستوجب أحدهما الرحمة ، ويستتبع الآخر اللعنة ، بين قولة حق يقولها فإن في الله ، وبين إدعاءٍ للألوهية يصدر عن متكبر جبار وطاغية ظالم يشارك الله ملكوته . يقول مولانا في كتابه " فيه ما فيه "
[ إن الناس يظنون أن قول أنا الحق إدعاءٌ عظيم ، لكن دعوى أنا العبد إدعاءٌ أعظم ، فمن يقول أنا عبد يثبت وجودين : وجوده هو ووجود الله ، لكن من يقول أنا الحق يفني نفسه ويذروها أدراج الرياح ، يقول أنا الحق أي أنا عدم ، والكل هو ، فلا وجود إلا وجود الله ، وأنا بأجمعي عدم محض وهباء ، وفيها تواضع أكثر ، ومن هنا فالناس لا يفهمون ، يقوم العبد بالعبودية حسبة لله ، والخلاصة أن عبوديته موجودة ، بالرغم من أنه يرى نفسه لله وفعله لله ويرى الله ، فهو ليس إلا غريق في ماء ، وغريق الماء هو الذي لا يصدر عنه فعل ولا حركة ، وتكون حركاته هي حركات الماء ]
( عن جلبنارلي 2 / 299 ) ، المهم إذن هو الموقف الذي صدر فيه القول ، والمنطلق الذي انطلق منه ، وانظر إلى هذا المثال البسيط :
إن أذان الديك في أوانه مستحب ، لكن الديك الذي يؤذن في غير أوانه يكون ضار مضلا ، ومن ثم يستوجب قطع رأسه ( مثال تكرر أكثر من مرّة في المثنوي ، على سبيل المثال لا الحصر أنظر الكتاب الأول 947 والبيت 1167 ) وما قتل هذا الديك ؟ المجاهدة والأخذ بالشدة وقتل النفس الأمارة بالسوء .
 
( 2535 - 2542 ) : وفي قتل النفس أمان لها ، ألست ترى أنك بقطع ذنب العقرب تنجيه من التعرض للقتل ؟ وفي قطع ناب الحية تنجيها من الرجم بالأحجار ؟ والشيخ " المرشد " هو الذي يساعدك في قتل النفس ، فقوته من قوة
 
 
« 442 »
 
الله ، لأنها بتوفيق من الله ، وإن لم تصدق أن الله يجري بعض الأفعال على أيدي عباده المخلصين والفعل فعله تعالى فاقرأوَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال / 17 - وانظر أيضا البيتين 619 و 620 من الكتاب الأول )
حتى الروح في كل ما تقوم به تكون صادرة عن الله تعالى وهو روح الروح ، والأخذ المذكور ها هو أخذ العناية لا أخذ العقوبة ، وهو مهما أمهل الداعي ، فإنما يمهله حبا في سماع دعائه ، ويؤخره ليسمع شكواه وبثه ، لا كرها منه سبحانه بل حبا منه ، يريدك حاضرا حضور المحتاج ، لا غائبا غيبة المستغني ، ولو كان لا يريدك ، لما أصابك بلحظة من ألم لأنه لا يجب أن يسمعك تتضرع إليه ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 197 - 207 وشروحها ) .
 
( 2543 - 2551 ) : الإنسان دائما في فصل وفي وصل ، واعلم هذا يقينا ، واقرأ وَالضُّحى متمعنا ، فلقد غاب الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى
( أنظر البيتين 302 و 303 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وإن كان لديك شك وإنكار فعلم أن فضل الله تعالى دائما يفوق استحقاق العبد ( أنظر البيت 1890 من الكتاب الأول والبيت 909 من الكتاب الذي بين أيدينا ) و إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ * ( آل عمران / 73 )
وكل مظاهر الكون من قبيح وجميل من فعله هو ، والنقش القبيح أيضا يدل على أستاذية النقاش ( أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات : 399 - 411 و 441 - 464 وشروحه )
ويضرب مولانا الأمثلة : يوسف والحور في مقابل الشياطين والأبالسة ، كلها من كمال معرفته وحسن صنعه .
 
( 2552 - 2555 ) : البيت 2552 يكاد يكون منقولا من حديقة سنائي ( البيت رقم 11 . أنظر الترجمة العربية للحديقة وشرح البيت رقم 235 ) وكلاهما عابد :
مؤمن يرجو وجه الله ، ومجوسي يعبده من أجل حطام هذه الدنيا ، أو أن المعنى
 
« 443 »
 
المؤمن يعلم أنه يعبد الله ، والمجوسي يعبد ما يرى أن الألوهية متمثلة فيه ، أحدهما يعبد لعمارة الروح ، والآخر يعبد لعمارة الجسد ، وفي النهاية يعود إلى الله ، والقبيح لا يرى في الله إلا أنه خالق القبح الذي هو فيه ، وإبليس نفسه قالرَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي( أنظر البيت رقم 1498 من الكتاب الأول ) لكن الجميل لا يرى فيه سبحانه إلا صفات الجمال .
 
( 2560 - 2567 ) : عودة إلى الحكاية التي بدأت بالبيت 2146 وعاد مولانا إليها في البيت 2218 وفي البيت 2258 : ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي المريض بدلا من أن يطلب من الله أن يعذبه في الدنيا العذاب الذي سوف يتعرض له في الآخرة ، أن يطلب من الله في دنياه حسنة وفي آخرته حسنة ويقولرَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ( البقرة / 201 ) . .
 
يومذاك يتساءل المؤمنون : رب ، ألم تقل في كتابك العزيز وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا إننا لم نمر بنار ، بل كان كل ما مررنا به بساتين ورياض ، والمعنى ناظر إلى الحديث الشريف
[ يأتي أقوام أبواب الجنة فيقولون : ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال : بل مررتم به وهي خامدة ]
( أحاديث مثنوي / 64 - وانظر أيضا معارف بهاء ولد / ص 418 ) .
 
( 2568 - 2582 ) : وإخماد نار الآخرة من أجل المؤمنين جزاء أوفي لقيامهم بإخماد نار شهواتهم وغضبهم وحرصهم وظلمة جهلهم في الدنيا ، لقد قضوا على النفس الامارة وبذروا بذور الوفاء ، واستجابوا لدعاة الحق من أنبياء وأولياء وهَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ( الرحمن / 60 ) ، لقد فنوا عن أنفسهم وبقوا بالحق ( عن البقاء والفناء أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، وخيال الحبيب الأسمى كامن في السرائر " الباطن وهو أعلى من
 
 
« 444 »
 
القلب وبه تبدأ المعرفة - أنظر البيت 264 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامي / 2 - 294 ) .
 
( 2583 - 2590 ) : إشعال شموع البلاء أي جعل القلوب متجهة إلى عشق الحق ، وأولئك العشاق الذين وصلوا إلى معرفة الحق وأصبحوا في أتون العشق ، يضحون بأنفسهم كما يضحي الفراش بنفسه على لهب النار ، وأولئك المميزون شيوخ الإرشاد هم مجنك أمام البلاء ، ويصلون بك إلى مرحلة لا يؤذيك معها العشق ، فتمتليء علما وفيضا ومعرفة ، كما يمتليء الكأس بالخمر ، فاجعل لنفسك منزلا في قلوبهم " الفلك " ، فهم كواكب الهداية والإرشاد والتعليم ( عطارد : أنظر البيتين 158 و 1602 من الكتاب الذي بين يدينا ) ، فهناك يفتحون دفاتر قلوبهم للمريدين الجديرين ويبوحون لهم بالأسرار ، فهم الأهل ، وهم بدور الهدى .
 
( 2591 - 2592 ) : البيتان يؤكدان دور المرشد في كمال السالكين ، فالجزء هو المريد ، والكل هو المرشد ، وقد أثار البيت 2592 مناقشة واسعة لاستخدامه مصطلحي الجنس والنوع ، وأغلب من تناولوا البيت بالشرح كانوا ناظرين إلى المعنى الفلسفي وإن كان استعلامي قد فسر المصطلحين بأنه لا علاقة لهما بمصطلحات الفلاسفة ، وأن المرشدين هنا تشملهم كلية معينة بينما تشمل المريدين كلية أشمل ، أي أن المريد باتصاله بالشيخ يدخل في كلية أجمع ، بحيث يشاهد الغيوب بعين الباطن ( استعلامي / 2 - 295 ) ويستفيض جعفري ( 5 / 185 - 193 ) كعادته في المناقشة وينتهي إلى قبول رأى الأنقروي ( 2 / 308 )
 
الذي قال :
إن كل جنس إمتزج بنوع خاص وآنس إليه يكون في حكم نفس ذلك النوع ، مثل امتزاج كلب أهل الكهف بأهل الكهف ، واتحاد جنس النبات بصورة الحيوان ،
 
 
« 445 »
 
واتحاد الحيوان مع الإنسان ، فيدخل في شكل الإنسان ، وانظر إلى الحقائق الغيبية التي تخلصت من مرتبة الباطن وظهرت في عالم الظهور بمرتبة العيان ، أي اتجه إلى أرواح جاءت من عالم الغيب إلى مرتبة اليقين " وقال المولوي ( 2 / 532 ) تفسيرا قريبا من هذا التفسير .
والواقع أن الشراح قد استفاضوا حيث لا موجب للإستفاضة : فالجنس هنا هم عامة المريدين ، والمرشدون نوع خاص من هذا الجنس ، صار نوعا من سيره وسلوكه ، وبانضمام المريدين إلى المشايخ ، وسلوكهم الطريق ، تتفتح أمامهم الغيوب فيتحولون بدورهم إلى نوع خاص .
 
( 2593 - 2604 ) : يوجه مولانا الكلام إلى أولئك الذين لا يهتمون بالمرشدين الأولياء ، وما أشبههم بالنساء ، كل عملهن الغواية ، ومع ذلك يخدعن بالمداهنة واللفظ الحلو ، وما أشبههن بالنفس الأمارة
( أنظر الأبيات 2629 - 2632 من الكتاب الأول وشروحها )
وسب الملوك لك وصفعهم إياك وشقهم عليك بالتكاليف أفضل لك من ثناء الضالين المضللين ، وخير لك صحبة الشيوخ ، فهم الدولة الخالدة ، وهم خلعة السلطة ، يتحول جسدك بهم إلى روح ، وبهر وبك منهم تصبح عاريا معوزا مثلما يهرب صبي من أستاذه في الصنعة ، فلا يتقن عملا ، وإذا كنت قد عاينت هذا الأمر بالنسبة لحرف الدنيا ، فما بالك بحرفة الدين ؟ تلك التي لا ينفض سوقها هناك ، وليست قاصرة على سوق الدنيا .
 
( 2605 - 2613 ) : إن حرف الدنيا بالنسبة لحرفة الدين لعب ولهووَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ( الأنعام / 6 - العنكبوت / 29 - محمد / 36 - الحديد / 20 ) إنها أشبه بجماع الأطفال ، تماس ولا جماع ، حانوت طفل
 
« 446 »
 
يفتحه للعب ، وهمي ولمجرد إزجاء وقت الفراغ ، وأية قيمة لها عندما يدلهم الليل ، ليل الموت ، ويتفرق الأطفال ويمضي كل طفل إلى منزله . لكن أنظر إلى كسب الدين : العشق والانجذاب والتواصل المستمر مع المحبوب الأزلي ، كسب القلب ، لا كسب النفس الخسيسة التي من ديدنها المكر والحيلة حتى في سبيل الكسب الشريف .
 
( 2614 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 72 - 73 ) ورد أصلها في قصص الأنبياء للثعلبي " ويروى أن رجلا كان يلعن إبليس كل يوم ألف مرة ، فبينما هو ذات يوم نائم ، إذ أتاه شخصٌ فأيقظه وقال قم فإن الجدار ها هو يسقط ، فقال : من أنت الذي أشفقت عليّ هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس ، قال : كيف وأنا ألعنك في اليوم ألف مرة ؟
قال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال ما ينالون " كما أورد فروزانفر ما يشبهه نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، وحديثا عن حلية الأولياء ولا علاقة لكليهما بالحكاية . ومعاوية هنا شخصية ثابتة الإيمان ، متضرعة إلى الله ، به مسحة روحانية ، وعنده معرفة بخداع النفس مما دفع الشراح الشيعة إلى الاعتراض ( ! ! ) ( استعلامي / 2 / 295 - 296 وجعفري 5 / 202 ) .
 .
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 2614 - 3037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:44 pm

هوامش وشروح 2614 - 3037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 2614 - 3037 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 2614 - 3037 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا : استيقظ فهذا وقت الصلاة
( 2614 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 72 - 73 ) ورد أصلها في قصص الأنبياء للثعلبي " ويروى أن رجلا كان يلعن إبليس كل يوم ألف مرة ، فبينما هو ذات يوم نائم ، إذ أتاه شخصٌ فأيقظه وقال قم فإن الجدار ها هو يسقط ، فقال : من أنت الذي أشفقت عليّ هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس ، قال : كيف وأنا ألعنك في اليوم ألف مرة ؟
قال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال ما ينالون " كما أورد فروزانفر ما يشبهه نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، وحديثا عن حلية الأولياء ولا علاقة لكليهما بالحكاية . ومعاوية هنا شخصية ثابتة الإيمان ، متضرعة إلى الله ، به مسحة روحانية ، وعنده معرفة بخداع النفس مما دفع الشراح الشيعة إلى الاعتراض ( ! ! ) ( استعلامي / 2 / 295 - 296 وجعفري 5 / 202 ) .
 
( 2622 - 2623 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ عجلوا الصلاة قبل الفوت ، وعجلوا التوبة قبل الموت ]
 
( 2626 - 2640 ) : عن إبليس في أوان عبادته وطاعته : قيل عبد الله ستمائة سنة حتى سمي طاووس الملائكة ، وكان خازن الأرض والسماء ، وفي حديث عن ابن عباس رضي الله عنه
[ جُعل إبليس ملك سماء الدنيا ، وكان يسوس بين الناس ، وبين السماء والأرض ] ( أنقروي 2 / 408 ) .
 
« 447 »
 
( 2645 - 2647 ) : ينظر مولانا إلى الحديث القدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا عليّ ، ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوي / 58 ) .
 
( 2650 - 2651 ) : يصور مولانا إبليس على أنه لا يزال يطمع في الرحمة ، فالقهر حادث واللطف قديم ، والحادث لا يتغلب على القديم ، وفي الحديث القدسي : [ رحمتي سبقت غضبي ] .
 
( 2652 - 2654 ) : يصور إبليس هنا عدم سجوده لآدم عليه السلام بأن ذلك غيرة على الله تعالى من أن يسجد لسواه ، وقد ورد هذا الجواب في حديث دار بين إبليس وأحد الصوفية ، ورد عليه الصوفي بأن هذا نفاق ظاهر لأن المحب يطيع أمر محبوبه . ويفسر إبليس بأن الغيرة شرط من شروط المحبة ، مثلما يشترط أن تقول للعاطس " عافاك الله أو أبقاك الله ، وفي حديث نبوي [ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وليُقل له : يرحمك الله ] ( مولوي 2 / 530 ) .
 
( 2655 - 2660 ) : يتوسل إبليس بحيلة جبرية ، لقد كانت نقلة واحدة ، إمتناعي عن السجود ، ولم يكن أمامي سواها ، كانت في تقديره ولوحه المحفوظ فيما كتب عليّ منذ الأزل ، كتب علي أن أهزم وأن أحصر في هذه المباراة بيني وبين آدم ، كان عليّ أن ألعب دور إبليس وقد لعبته ، ومن ثم كان هذا العصيان في الأصل طاعة له ، لا زلت أتلذذ بها ، ولا أستطيع أن أتخلص منها . . أكان عصياني إذن مني ؟ بل منه العصيان والطاعة .
 
( 2662 ) : أي كل ما تقوله صحيح - وهو بالطبع ليس كذلك - لكن دورك فيما تسميه لعبة ليس إلا الفساد والإفساد والكفر والفسوق والعصيان .
( 2666 ) : فاذهب فإنعَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
( 2668 - 2670 ) : أنظر الكتاب الأول البيت 318 .
 
« 448 »
 
( 2671 - 2680 ) : يضرب معاوية الأمثلة بمن أضلهم إبليس من الأمم السالفة :
قوم نوح ( الأعراف / 64 ) وقوم عاد ( الحاقة / 6 وانظر البيت 858 من الكتاب الأول ) وقوم لوط ( النمل / 58 وهود / 82 ) والنمرود الذي أعلن الحرب على الله ، ( أنظر آخر الكتاب الخامس ) وفرعون وأبي لهب وأبي الحكم الذي تحول من جرائك إلى أبي جهل و " إلا من عصم " إشارة إلى قوله تعالىلا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ( هود / 42 ) .
 
( 2682 - 2687 ) : يدافع إبليس عن نفسه : إنني أنا المحك الذي يفرق بين الصالح والطالح ( الضرورة الإبليسية أو ضرورة وجود إبليس تعد بابا من أبواب الأدب العالمي الحديث ، ولعل مولانا بأبياته ، هذه كان أول من أثار هذه النقطة على نطاق واسع ) ، غير أن إبليس هنا ينفي عن نفسه تهمة الوسوسة والتوقيع في الشر ، وأنه لو كان منتصرا على طول الخط ، لما كان هناك خير ، ولما كان هناك صالحون ، والمهم هو الإنسان ، إنه عندما يهزم داخل الإنسان ، لا يأمر إلا بالخير ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أسلم شيطاني على يدي فلا يأمرني إلا بخير ] ( مولوي 2 / 537 ) . ثم يقول : إنني مجرد عارض ، أعرض الشر ولا آمرك بعلمه ، وإنما يقوم كل امريء باختيار ما يتوافق مع ميله وطبيعته .
( ألم يقل أنه يزينه ويلح فيه ؟ ) .
 
( 2690 - 2696 ) : ويواصل إبليس : من يقول أن قوام العالم يقوم على الخير فحسب " اللطف الإلهي " ، إنك إن نظرت نظرة متفحصة تجده يقوم على الخير والشر ، فالخير والشر والجميل والقبيح كلاهما تجل للحق ( أنظر البيت 2545 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الخامس الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ، والنفس تطلب العشب والعظام ، والروح تطلب قوتها من العلم

« 449 »
 
والفيض ، ثم يقول : إنني مجرد مرآة ، كل إنسان يرى فيّ صورته ، فإن كان خيرا نبذني ، وإن كان قبيحا قبلني ، وأنا لست خالق الشر على كل حال .
 
( 2697 - 2698 ) : المثال الوارد في البيتين فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 74 - 75 ) ورد في حديقة سنائي ( أنظر الترجمة العربية الأبيات 4035 - 4038 وشروحها ) ، كما ورد حديث مفصل عن الموضوع في مقالات شمس ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 3550 - 3557 وشروحها ) .
 
( 2701 - 2709 ) : يخوض إبليس في قضايا فقهية : إنه مجرد شاهد ، شاهد على الجمال وشاهدٌ على القبح ، ثم يدعي أنه يقوم بتربية الغصن المثمر ، أي أن صلاح الصالحين يزداد ومقدرتهم على الطريق تتشكل بمقاومتهم له ، هو في الحقيقة بستاني يتعهد الأشجار المثمرة بالرعاية ، بينما لا تستحق الأشجار العجفاء منه إلا القطع ، الشر ليس إذن منه ، لكنه من طبع الشرير .
 
( 2719 ) : أنظر البيت 1223 من الكتاب الأول .
( 2721 ) : أنظر البيت 1490 من الكتاب الأول .
( 2732 - 2734 ) : أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث الأبيات : 269 - 274 و 561 وشروحها .
 
( 2735 ) : [ حبك الشيء يعمي ويصم ] ( أحاديث مثنوي / 25 ) .
( 2737 ) إبليس يعتذر بأنه ارتكب ذنبا واحدا ، نعم واحدٌ عددا ، لكنه أصل الذنوب والخطايا : الامتناع عن تنفيذ الأمر الصريح ، والكبر ، والحسد ، وتحدي الإله .
 
( 2745 ) : المعنى ناظرٌ إلى الحديث الشريف [ دع ما يربيك إلى ما لا يربيك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ] ( بأسانيده في أحاديث مثنوي / 65 ) .
 
« 450 »
 
( 2755 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مستندة على حديث نبوي أورده فروزانفر دون إسناد [ القاضي جاهل بين عالمين ] ( أحاديث / 65 ) .
 
( 2764 ) : [ وأما الرشاء في الأحكام يا عمار فهو كفر بالله العظيم ] و [ أيما وال احتجب عن حوائج الناس ، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ، وإن أخذ هدية كان غلولا ، وإن أخذ رشوة فهو شرك ] وردت في المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري ( عن جعفري 5 / 275 - 276 ) .
 
( 2822 - 2826 ) : المتحدث عن الجهات هو الذي يقول بالدلائل والآثار الظاهرية ، والخارج عن الجهات هو الذي عبر هذه المرحلة وأدرك الحقيقة ، وبالنسبة لمن تحقق من رجال الحق ، فإن الآيات والبينات لا ضرورة لها ولا أثر ، وهناك ثلاث مراحل من التكامل الروحاني : فالواصلون في ذات الحق غرقى في الذات ، وأولئك الذين لم يبلغوا الوصال لكن لديهم المعرفة سعداء بمعرفتهم الصفات ، وأولئك المحجوبون عن الصفات يحبون صنع الحق ومخلوقاته ، ومن وصل إلى المرحلة الأولى ثم اهتم بالمرحلتين الأخريين ، يكون كالغريق في الماء ، ثم يصعد لكي يبحث عن صفة الماء ولون الماء ، ومن ثم ينزل عن درجته . ( استعلامي / 2 - 302 ) .
 
( 2827 - 2835 ) : ولكل مرتبة وظائفها ، والله ينتظر الكثير من عباده الكمل ، ومن ثم قيل [ حسنات الأبرار سيئات المقربين ] ( تعامل على أنها حديث نبوي ، واعتبرها صاحب اللآليء المصنوعة من الموضوع ، ونسبت في إتحاف السادة المتقفين إلى الصوفي أبي سعيد الخراز - أحاديث / 65 ) والبيت 2829 ناظر إلى الآية الكريمةإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ( الرعد / 11 ) ثم يقول مولانا : إنما يذنب المرء فيحيق به البلاء فينسب هذا إلى الجبر
 
« 451 »
 
جهلا ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 1473 - 1510 وشروحها ) فلما ذا لم تقل بالجبر حين كنت مكرما ومعززا بطاعتك ؟
 
( 2836 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت قائمة على الآيات الكريمات : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى . وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ، أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( التوبة / 107 - 110 ) ،
 
ذكر ابن هشام ( السيرة النبوية / 2 - 530 ) أنهم إثنا عشر شخصا وذكر أسماءهم ، وذكر غيره أنهم كانوا خمسة عشر شخصا من المنافقين ، بنوا المسجد ليستقدموا إليه أبا عامر الراهب من الشام ليعظهم فيه ، وليلقوا بالفرقة بين جموع المسلمين ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتجهز لتبوك ، فلما دعوه إلى المسجد ، أمهلهم إلى عودته عليه السلام من الغزو ، ثم نزلت الآيات الكريمات وفضحتهم . ودمر المسجد ، مسجد الضرار ( جلبنارلي / 2 - 379 ) ليبين أن الأساس هو المعنى والنية والقصد ، وليس البناء السامق المزين ( وكم من المساجد تعد تحفة للناظرين بنيت على طول العالم الإسلامي وعرضه الآن لترويج النفاق والصد عن سبيل الله ) ، ومسجد الضرار في المصطلح الصوفي هو النفس التي تزين كل قبيح وتلبسه أبهى صورة .
 
( 2851 ) : [ إياكم وخضراء الدمن ، قيل ومن خضراء الدمن يا رسول الله ؟
قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ] ( أحاديث / 65 ) .

« 452 »
 
( 2855 - 2858 ) : التجربة هي المحك ، ولا شجاعة قبل الحروب ، وظاهر القول خداع ، وبالخطب لا تكسب المعارك ، والجبان المتشدق بالشجاعة أخطر على أمته من الجبان الصامت ( أنظر لتعبير آخر عن الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 4022 - 4037 وشروحها ) .
 
( 2865 - 2867 ) :النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ( الأحزاب / 60 ) وفي الحديث الشريف [ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ] و [ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها ، أنا آخذٌ بحجزكم عن النار ، وتفتنون من بعدي ] ( بأسانيدهما في أحاديث مثنوي / 66 ) .
 
( 2870 ) : لينظر مولانا اليوم ، ولير إسلاميين يأتيهم التوجه من اليهود والنصارى ، ويهود ونصارى يستشهدون بآيات القرآن ، ومسلمين بالاسم يجعلون النصارى واليهود قبلتهم ، وكنائس تعد كمنابر إسلامية لترويج الإسلام الأمريكي ، ومدارس تفتتح ، وميزانيات ترصد ، لتربية المسلمين بالاسم ، ليعودوا فيقومون بمهاجمة الوحي والحدود والشريعة مما يطول شرحه ، ولا يغيب هذا عمن تفتحت قلوبهم ، والذين يشاهدون مساجد الضرار تُبنى كل يوم .
 
( 2873 ) : المقصود أبو عامر الراهب ، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق وهو أبو حنيظلة غسيل الملائكة ( أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : دلائل النبوة ج 5 - ص 259 - بيروت 1985 )
 
( 2880 ) : كانت جماعة المنافقين قد لحقت بالرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك ، وأثناء عودته عليه السلام تآمروا على اغتياله في العقبة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى أطلعه على
 
« 453 »
 
أسرارهم ونجاه من مكرهم ( أنظر التفاصيل في دلائل النبوة ج 5 صص 256 - 260 ) وفي النص : " جمعهم رسول الله وهم إثنا عشر رجلا ، الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ، وأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك بعلمه ، ومات الإثناء عشر منافقين محاربين لله ورسوله ، وذلك لقوله عز وجلوَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُواالتوبة / 74 " ( دلائل النبوة / 5 - 259 ) .
 
( 2882 - 2884 ) : المستعد للقسم دائما ، مستعد أيضا للحنث به . والمعنى ناظر إلى الآية الكريمةاتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ( المجادلة / 16 ) .
 
( 2887 ) :وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ( المنافقون / 1 ) ( 2892 - 2896 ) :خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ( البقرة / 7 ) ويقارن مولانا بين صوتين : صوت الحق وما له من قوة حتى وإن كان هامسا ، وصوت الباطل وما فيه من ضعف وإن كان صاخبا ، والذين يصدون عن سبيل الله حجتهم داحضة مهما أوتوا من بلاغة الأسلوب ( أنظر في الكتاب الأول حكاية الوزير اليهودي الذي كاد للنصارى ) ، يظل في أسلوبهم وفي بيانهم شيء ما يقول أنه مأجور " مثل الثوم في حلوى اللوز ومثل الإبر في الخبز " ويشبه مولانا صوت الحق الذي يسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن المنافقين بوضوح الصوت الذي سمعه موسى عليه السلام عند الشجرة المقدسة في طور سيناء ( طه / 10 - النمل / 7 - القصص / 29 ) .
 
( 2899 - 2904 ) : هذا الجزء من قصة مسجد الضرار لم أجد له سندا . وربما يكون من إضافات مولانا جلال الدين كي يخوض بعده في الحديث عن أولئك
 
« 454 »
 
الذين يغترون بالمظهر ، فإن ذلك الصحابي المعترض لم يكن لديه دليل إلا أن هؤلاء المنافقين من أهل الشيب والوقار " مثلما يقال عن بناة مساجد الضرار اليوم أنهم من العلماء وأصحاب الكتب وحملة الدكتوراه والمتعلمين في أوروبا " .
 
( 2906 - 2910 ) : مثلما يحدث كثيراً ، ويقصه مولانا في المثنوى يأتي الجواب لأهل الإيمان عن طريق الرؤيا الصادقة ( أنظر حكاية الملك والجارية المريضة في الكتاب الأول وحكاية الذي قيل له أن هناك كنزا ينتظره في مصر في الكتاب السادس على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 2911 - 2921 ) : أهل المجاز هم أهل الظاهر وأهل الاستدلال . ويقارن مولانا بين بناة مسجد الضرار وبين أبرهة الذي قصد هدم الكعبة . ( سورة الفيل ) ويناقش مولانا قضية أن بعض الصحابة أيضا خدعوا ببناة مسجد الضرار وظاهر تقواهم ، إلا أن كلا منهم إقتنع بواقعة من الواقعات أي مشاهدة من المشاهدات ،
ثم يجمع مولانا كل هذه المشاهدات في تعبير واحد : حكمة القرآن ، وهي ضالة المؤمن ( أنظر 1673 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2922 - 2934 ) : فاقد الناقة ذلك المؤمن الذي يعلم أنه مرتبط بمبدأ الخليقة متصل بها ، وهو لا يزال يبحث عن حقيقة الوجود ، والحكمة هنا هي العلم بالقرآن ، وهي هاربة منك وراء الحجب أي الدنيا وعلائقها المادية وهوى النفس ،
 
والقافلة : هي السائرون في طريق الحق والسالكون ، وصاحب الناقة الضالة لا يزال يبحث بكل الوسائل والسبل حتى يعثر على ضالته وينضم إلى القافلة ، وكل خسيس أي كل جاهل غير عارف بالطريق يرسله إلى جهة ما على العمياء ، إنه يتحدث عن الأمارات لكنه لا يتحدث عن الحقيقة ، وهو عاكف على الإمارات ، ينفق عليها ويدفع في سبيلها ( استعلامى 2 / 306 ) والقصة في الحقيقة على ما لم

« 455 »
 
يفطن إليه الشراح قائمة على مثل شعبى هو " شتر ديدى . . . نديدى " رأيت الجمل . . . لا لم تره " ، وهو منسوب إلى حكاية حدثت لسعدى الشيرازي الشاعر المشهور الذي وصف إمارات جمل ضال لصاحبه دون أن يراه وعلى مظاهر بدت منه ( أمير قلي أميني ، داستانهاى أمثال ص 291 - 292 ، أصفهان 1351 هـ . ش ) : والحكاية ذات أصل عربى ويضرب مثلا على الفراسة .
 
( 2935 - 2947 ) : أولئك الذين يذكرون الأمارات ( وقد تكون صادقة ) دون رؤية ، يسوقون مولانا إلى أولئك الذين يعتدون على الأمارات في معارفهم :
الفلاسفة والفقهاء والمتكلمون الذين حرموا ( الرؤية ) واعتمدوا على ( الأمارة ) ، ثم يعود مولانا فيقول أنه لا يوجد زيف ليس فيه حقيقة ، فالزيفُ يُقبل على أنه حقيقة ، ولو لم يكن الزيف ، لما كانت الحقيقة ( أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ،
الأمور تظهر بأضداها ، ويفصح مولانا : لا خيال هناك في العالم دون حقيقة ، وإنما تختفى الحقيقة في الخيالات إختفاء ليلة القدر بين الليالي فليس معنى أنها مختفية أنها ليست موجودة ، وليس معنى وجودها بين الأيام ، أنها مثل كل الأيام ، ( الفكرة تشبه تماماً فكرة اختفاء الإمام الغائب عند الشيعة الإثنى عشرية ، بين البشر ، ليس معنى أنه غير معروف أنه غير موجود )
 
( 2948 - 2957 ) : من هنا فالمطلوب الامتحان والمحك ( الميزان هو الشيخ والمرشد ، فمن بين لابسي الخرق الذين تزدريهم الأعين قد يكون هناك سلطان حقيقي من سلاطين الدين ، وفي شرح السبزواري ( ص 163 ) بعض الأولياء ضنائن الله فهم مستورون عن نظر الخلق لا يظهرون كأولياء ومعرفتهم صعبة ، وفي الحديث « إن الله خبأ ثلاثة في ثلاثة : رضاه في طاعاته ، فلا تستحقرن شيئا من طاعاته ، فلعل رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معاصيه فلا
 
« 456 »
 
تستحقرن شيئا من معاصيه ، فلعل سخطه فيه ، وخبأ أولياءه تحت خلقه ، فلا تستحقرن أحدا فعله هو الولي . وقدرة التمييز من صفات المؤمن « المؤمن كيس فطن » ( أحاديث مثنوى / 67 )
الخير موجود مهما كان الشر غالباً ، وهكذا سوق الدنيا ، ملىء بالتجار المختلفين : التجار الأنبياء الذين يتاجرون في البضاعة الغالية « سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله هي الجنة » ، أما التجار الآخرون فيبدون الحية مالًا ، " المال حية والجاه أضر منها " ، وإذا كنت تريد أن تعرف حقيقة هذه التجارة ، فأنظر لمن تبعوا الأنبياء ،قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ
( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 420 - 428 وشروحها ) ، ثم أنظر إلى خسر فرعون وثمود ( أنظر الأبيات 867 و 2521 من الكتاب الأول والأبيات 2044 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والله سبحانه وتعالى قد قال لكارْجِعِ الْبَصَرَ.
 
( 2958 - 2972 ) : يفسر مولانا ما ورد في البيت 2957 استنادا على القرآن الكريمالَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ( الملك / 3 - 4 ) .
فإذا كان قد قال هذا بشأن السماء المنيرة فما بالك بالأرض الكدرة ؟ !
تخيل كم من الجهود ينبغي علينا أن تقوم بها حتى تميز الصافي من الكدر ، وبخاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أقام عماد هذه الدنيا على كثير من الظواهر المتناقضة ، شتاء وصيف وربيع ، رياح وسحب وبروق ، تراب بداخله معادن ثمينة سرقها هذا التراب وتخرجها شرطة الحق بالوعد والوعيد ، والتخويف والترغيب ، واللطف والقهر
( أنظر الأبيات 1899 - 1905 من الكتاب الأول ) ، وهكذا أيضا باطن الإنسان تتوالى عليه هذه الظواهر
 
« 457 »
 
( أنظر 1906 من الكتاب الأول في داخلك خريف وربيع لحظة بلحظة ) ، ويكون من نتيجته توالى القبض والبسط عليك ، كآية لا تدري لها سببا ، وسرور لا تدري له باعثا ( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 348 - 363 و 1651 - 1667 وشروحها )
 
( 2973 - 2979 ) : وهكذا يتوالى القبض والبسط على المجاهد ( في الطريق ) ، وذلك لأن الأبدان سارقة لضياء الأرواح ومن ثم تنصب البلايا على الجسد ، ابتلاءً من الواحد الأحد وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ( البقرة / 155 ) . 
و لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ( آل عمران / 141 ) و وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ ( آل عمران / 154 )
 
( 2980 - 2983 ) : موسى عليه السلام هو العبد المستعد للهداية ، والمعنى مستند إلى ما ورد في القرآن الكريم وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( القصص / 7 ) .
ومثلما رضع موسى اللبن من أمه ، فميزه عمن قبله ، رضع المؤمن حلاوة الإيمان في يوم العهد والميثاق ، فهو يعرفه ، ويحن إليه ، ويبحث عنه ، ويميزه من بين ألبان الحواضن ذوات الجبلة السيئة والطينة الدنسة ، وهو بالفعل ناقته الضالة ، يعرفها ويعرف سماتها ، ولا يقعد حتى يجدها ويعثر عليها ، ويقر عيناً بها .
 
( 2984 - 2996 ) : عودة إلى قصة صاحب الناقة الضالة أو الإيمان والعهد ، والصلة بمبدأ الوجود ، وحقيقة الهدف الإنسانى ، وحيثما وجدها فهو أحق بها [ الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ] ( أنظر البيت 1673 والبيت 2922 ) ، وإن المؤمن في بحثه هذا ليصادف الكثير من العقبات والصعاب :
 
« 458 »
 
المقلدين الذين لا يحسون بالفقد لكن مع ذلك يبحثون ، أولئك الذين يعرفون الأمارات لكنهم لا يعرفون الحقيقة نفسها ، وأولئك الذين يطمعون منك في الأجر على إرشاد خاطىء ، وأولئك الذين يريدونك أن تبحث أنت ويتظاهرون بأنهم يساعدونك أملا في مشاركتك فيها ، وأولئك الذين يطعمون في الناقة نفسها أو يدعون أنهم هم أيضا فقدوا نوقا ، إنهم جميعا يعتمدون على أقوالك أنت وأمارتك أنت ، فإن حدثته بالقرآن حدثك به ، إنه يريد أن يصل على أكتافك أنت .
 
( 2997 - 3020 ) : تظل التجربة هي المحك الحقيقي : إن صاحب الناقة الضالة ( الحكمة ) يقول للمدعى : هيا تقدم ، إنك تعلم حقيقة ما أنا أبحث عنه ، لكن ما في هذا المدعى ليس إلا مجرد انعكاس لما في باطن صاحب الناقة الحقيقي ، إنه يصل إلى نتيجة ما : أن كل هذا السعي والجدية والبحث الموجود عند صاحب الناقة الحقيقي لا يمكن أن يكون قائما على خواء ، فيصبح المتبوع تابعاً في الحقيقة ، لا حق له في الناقة ، إلا أنه يبحث عن شئ ضاع منه ولا يدريه ، والباحث ( تقليدا ) إن إقترن بباحث ( حقيقة ) ، فإنه يصل أيضا إلى مطلوبه ، عند البحث في الصحراء يجد ناقته أيضا ، ويتذكر أنها ملكه ، وانقلب من مقلد إلى محقق ، لم يعد في حاجة إلى انعكاس من آخر ، أو إلى تقليد ، ويسأله ذلك المحقق : لما ذا تركتني ؟
 
فيرد : من تقليدك توصلت إلى التحقيق ، ومن الكذب انتقلت إلى الصدق، صرت شريكا لك في الألم ، باحثا عن ناقتي الحقيقية ( جعفري 5 / 372 - 373 ) :
وهكذا الإنسان عموما ، إنه يبدأ من التقليد فيصل إلى التحقيق ، ومن المجاز فيصل إلى الحقيقة ، وأي سعى مهما كان متكلفاً ، إنما يصل إلى البحث الحقيقي ، [ إبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ]
وكل هذا إنما يكون من رفقة الصالحين الصادقين ، هذا هو معنى تبديل السيئات إلى حسنات ، فصدقٌ
 
« 459 »
 
يؤدى إلى البحث ، وبحثٌ يؤدى إلى الصدق ، وهذا هو الطريق بالكسب ، بالسعي وبالجد حتى وإن كان هذا السعي وهذا الجد تقليداً .
 
( 3022 - 3026 ) : يخاطب مولانا المريدين : إن كنت فاترا في الطريق غثا مقلدا ، ومتكلفا ، فلا أقل من أن تكون متحمسا ، وبذلك تصل ، تنزل عليك جذبات الحق ، وجذبة من جذبات الحق تعادل الثقلين ، ففاقد الناقة على الحقيقة ، وفاقد الناقة تكلفاً ، كلاهما يصل إلى ناقته ، وكلاهما حقيقة واحدة . ويتوقف مولانا أمام إحدى مشكلاته المتكررة : التعبير الذي لا يساوى المعنى : ( من كثرة القول صمت ، الكتاب الأول : بيت 1770 )
ومن ثم فأنا أقول لك : من عرف الله كل لسانه ( ذكره استعلامى 2 / 310 على أنه حديث نبوي بناء على نص مولانا وعند صاحب كشف المحجوب ، قول مسند إلى الصوفي الجنيد البغدادي ، ترجمة كاتب هذه السطور ص 429 ، وللواسطي : من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع ، كشف ص 329 ، ولمحمد بن واسع : من عرف الله قل كلامه ودام تحيره ، كشف ص 328 )
واللسان ما هو إلى اصطرلاب يرصد حركة الأنجم ، لكنه لا يدرى شيئا عما يجرى في أقطار سماوات الروح ، وفلك الأرواح ، وشمس الحقيقة العليا التي تعتبر الشمس بمثابة الذرة منها .
 
( 3027 - 3037 ) : عودة إلى قصة مسجد الضرار ( أنظر شرح البيت 3826 )
لقد جرى على مسجد الضرار كل ما ينبغي أن يجرى على أي مكان ظاهر الزينة لكنه فاسدٌ من أساسه ، والمقصود بصاحب المسجد " أبو عامر الراهب ورفاقه من المنافقين " ، ووعظه فخ ، واللحم الذي يقدمه إنما يكون مثل اللحم الذي يوضع في الشص يأخذ بحلوق الأسماك ، لقد كان المسجد المقصود بالمنافسة هو مسجد قباء ( مسجد أسس على التقوى ) ، ولم يجز أمير العدل محمد
 
« 460 »
 
صلى الله عليه وسلم أن يجرى هذا الحيف والظلم على جماد ، فأضرم النار في مسجد الضرار ، وانظر إلى المعنى هنا : المسجد حقيقة إسلامية ، هو بيت المؤمنين ، ودار العبادة والفتوى والحكم ، ومع ذلك فقد أضرم الرسول صلى الله عليه وسلم النار في مسجد ، لأنه كان مجرد بناء قصد به الفرقة والتآمر والدس ، ومن ذلك فاعلم أن الحقائق متفاوتة ، وعالم المعنى يختلف عن عالم المجاز ، فالحياة فيه غير الحياة ، والقبر فيه غير القبور ، والموت فيه غير الموت ، والتفرقة صعبة إلا بهمة المرشد ، فخذ مرشداً ، فهو المحك ، واعرض عليه فعلك ، وإلا بنيت مسجداً يكون مسجد ضرار وكفر وتفريق وصد عن سبيل الله ، وتكون ساخراً من المنافقين لكنك في الحقيقة منهم .

.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 3038 - 3530 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:45 pm

هوامش وشروح 3038 - 3530 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 3038 - 3530 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 3038 - 3530 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه على أمر ما
دون أن يحس أنه مبتلى بنفس الأمر
( 3022 - 3026 ) : يخاطب مولانا المريدين : إن كنت فاترا في الطريق غثا مقلدا ، ومتكلفا ، فلا أقل من أن تكون متحمسا ، وبذلك تصل ، تنزل عليك جذبات الحق ، وجذبة من جذبات الحق تعادل الثقلين ، ففاقد الناقة على الحقيقة ، وفاقد الناقة تكلفاً ، كلاهما يصل إلى ناقته ، وكلاهما حقيقة واحدة . ويتوقف مولانا أمام إحدى مشكلاته المتكررة : التعبير الذي لا يساوى المعنى : ( من كثرة القول صمت ، الكتاب الأول : بيت 1770 )

ومن ثم فأنا أقول لك : من عرف الله كل لسانه ( ذكره استعلامى 2 / 310 على أنه حديث نبوي بناء على نص مولانا وعند صاحب كشف المحجوب ، قول مسند إلى الصوفي الجنيد البغدادي ، ترجمة كاتب هذه السطور ص 429 ، وللواسطي : من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع ، كشف ص 329 ، ولمحمد بن واسع : من عرف الله قل كلامه ودام تحيره ، كشف ص 328 )

واللسان ما هو إلى اصطرلاب يرصد حركة الأنجم ، لكنه لا يدرى شيئا عما يجرى في أقطار سماوات الروح ، وفلك الأرواح ، وشمس الحقيقة العليا التي تعتبر الشمس بمثابة الذرة منها .


( 3027 - 3037 ) : عودة إلى قصة مسجد الضرار ( أنظر شرح البيت 3826 )

لقد جرى على مسجد الضرار كل ما ينبغي أن يجرى على أي مكان ظاهر الزينة لكنه فاسدٌ من أساسه ، والمقصود بصاحب المسجد " أبو عامر الراهب ورفاقه من المنافقين " ، ووعظه فخ ، واللحم الذي يقدمه إنما يكون مثل اللحم الذي يوضع في الشص يأخذ بحلوق الأسماك ، لقد كان المسجد المقصود بالمنافسة هو مسجد قباء ( مسجد أسس على التقوى ) ، ولم يجز أمير العدل محمد
 

« 460 »

 
صلى الله عليه وسلم أن يجرى هذا الحيف والظلم على جماد ، فأضرم النار في مسجد الضرار ، وانظر إلى المعنى هنا : المسجد حقيقة إسلامية ، هو بيت المؤمنين ، ودار العبادة والفتوى والحكم ، ومع ذلك فقد أضرم الرسول صلى الله عليه وسلم النار في مسجد ، لأنه كان مجرد بناء قصد به الفرقة والتآمر والدس ، ومن ذلك فاعلم أن الحقائق متفاوتة ، وعالم المعنى يختلف عن عالم المجاز ، فالحياة فيه غير الحياة ، والقبر فيه غير القبور ، والموت فيه غير الموت ، والتفرقة صعبة إلا بهمة المرشد ، فخذ مرشداً ، فهو المحك ، واعرض عليه فعلك ، وإلا بنيت مسجداً يكون مسجد ضرار وكفر وتفريق وصد عن سبيل الله ، وتكون ساخراً من المنافقين لكنك في الحقيقة منهم .


( 3038 ) : الحكاية إلى تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 76 - 77 ) وردت في مقالات شمس ، كما وردت نظائر لها في عيون الأخبار وفي أخبار الزمان للمسعودي ومجمع الأمثال للميدانى وفي عجايب نامه من مؤلفات القرن السادس الهجري ، ولها نظائر في كل الآداب الشعبية الإسلامية .


( 3044 - 3056 ) : المستفاد من الحكاية أن العائب على غيره غالبا ما يقع في العيب الذي وقع فيه ، ومن عاب على أخيه عيبا لم يمت حتى يبتلى به ، [ من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ] حديث مثنوى ( أنقروى 2 / 464 ) ،

وقد يغفر الله له بعيبك عليه ، بينما تقع أنت في الذنب ، فيثاب وتعاقب ، وما أكثر العيوب التي فيك لكنها خافية عليك ولا بد لها أن تكشف في يوم من الأيام ، وقال حاتم الأصم " لا تغتر بموضع صالح ، فلا موضع أصلح من الجنة وقد لقى فيها آدم ما لقى ، ولا تغتر بكثرة العبادة ، فإن إبليس بعد كثرة عبادته لقى ما لقى ، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يعرف اسم الله الأعظم ولقى ما لقى ، ولا تغتر


« 461 »

 
بمخالطة الصالحين فلا رجل أعظم قدرا من النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتفع أقاربه بمخالطته " ( مولوى 3 / 583 ) فأي أمن تقول أنك في مقامه ، وأنت لم تسمع من الله تعالى « لا تخافوا » فما أمنك هذا ؟ ! ألم تتعظ بما حدث لإبليس ؟

وأية شهرة تبحث عنها ؟ ! ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم

[ بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمة الله ] ،

ولهذا قيل " اذهب واغسل وجهك من الخوف ، ثم ادع واشتهر أي أغسل وجه باطنك بماء الخوف الإلهى ، لتكون من أولياء الله ، ثم أظهر وجهك في الشريعة والطريقة لا تضرك بعد الشهرة ، واحمد الله أن غيرك قد صار عبرة لك ، وأنك لم تصر عبرة لأحد ، وإن رأيت مبتلى فقل :

( الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه ) ( مولوى 2 / 584 ) .


( 3057 - 3069 ) : القصة هنا قد تكون مما يروى عن فظائع المغول وقد عاصر مولانا غزوتهم ( في الكتاب الثالث قصة الذي أوقفه المغولي لقتله وادعى أنه لا يجد من يطلبه ، حتى جمع المصريين جمعا فقتلهم - أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 857 - 861 ) ،

وللإيهام استخدم مولانا هنا خلفية تاريخية ترجع إلى غزوة الغز لخراسان سنة 548 وأسرههم للسلطان سنجر السلجوقى ، وارتكابهم للكثير من المذابح والتخريب المذكور في كتب التاريخ ( استعلامى 2 / 312 )

والمقصود بآخر الزمان العصر المحمدي وعهد الإسلام ، والقرون أي الأمم ، ونحن الآخرون السابقون إشارة إلى الحديث النبوي الشريف

[ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا واوتيناه من بعدهم ، وهذا يومهم الذي فرض عليهم ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فهم لنا فيه تبع ، واليهود غدا ، والنصارى بعد غد ]


( أحاديث مثنوى 1 / 67 - 68 - ولتفسير الحديث تفسيرا آخر ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1117 - 1120 وشروحها ) .


« 462 »


( 3070 - 3074 ) : الضمير عائد على المذكورين في العنوان ، والفراغ من الاهتمام بالغد عدم التفكير في اليوم الموعود ، ووصفهم بالنساء ليس دلالة جنسية ، لكنهم مفتقدون لرجولة الطريق وتحمل مشاقه ، ولاتباعهم هوى أنفسهم ، والنفس والنساء سيان ، والملوك هم ملوك الطريق .
 

( 3078 - 3087 ) :سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا ، يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْقال نجم الدين كبرى " الآية تشير أن القلوب الغافلة عن الله يقول أهلها بألسنتهم ما ليس حقيقة شعورهم ولا شعور قلوبهم "


( مولوى 2 / 587 ) ، كل ما يقوله هؤلاء إذا رأوا وليا : اذكرنا بهمتك في الدعاء ، وهو قول من طرف اللسان ، ويقول : شغلنا بالكسب الحلال ، وهو أمر مردود عليه ، فالكسب الذي يبعد عن الله وعن طلب الحقيقة ليس كسبا حلالا ، إنه يتوسل في البعد عن الله ، فيقيم على طاغوته ، وإذا كان لم يصبر عن الدنيا على فنائها فكيف صبره عن دار البقاء والخلود والنعم ؟ ومن لا صبر له عن البشر ، كيف صبره عن خالق البشر ؟ ! (

 نعم الماهد ) والآية في سورة الذاريات / 48 
 

( 3088 - 3098 ) : يشير إلى جهد إبراهيم عليه السلام في البحث عن الحقيقة وعدم الوقوف على الظواهر المتغيرة والآفلة مهما بدت عظيمة ، ويتحدث مولانا عن نفسه : إنني لا أنظر إلى العالمين نظرة حقيقية ما لم أعلم خالق هذين العالمين ؟ ! والذي يتمتع بنعم هذه الدنيا لا على رجاء الله ، يكون كالأنعام بل أضل ( إشارة إلى الآية 179 من سورة الأنعام ) ، وأن المنغمس في الإثم وعدم الذكر اعتمادا على غفرانه ورحمته يكون متجرئاً ، قد خدعته حيلة النفس اللئيمة ، فإنك إن قل رزقك ، لا تكون هذه ثقتك بالله .


« 463 »

 
( 3099 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت يبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان متداولا أيام مولانا ، ولا يزال متداولا إلى يومنا هذا ( استعلامى 2 / 314 ) ولم يذكر زرين كوب ( بحر در كوزه / 329 ) لها مصدرا ، وإن كان قد التفت إلى المفارقة في حالة الشيخ الذي يتبع أمراضه الجسدية مرضا مرضا دون انتباه إلى حالته العصبية والأخلاقية الظاهرة ( ضيق العطن وسرعة الغضب وحدة اللسان ) .
 

( 3111 - 3117 ) : يتوارد دائما إلى ذهن مولانا عند ذكر الشيخ جسدا ذكر مشايخ وشيوخ الروح ، المرشدون الأولياء ، أولئك الذين قال الله في شأنهم فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ( النحل / 97 )


وهذه الحياة الطيبة تنجيهم وتخلصهم من مظاهر الشيخوخة ( إذا كان جسمك قد شاخ ، فلم الحزن ، ما دامت روحك شابة - ديوان شمس تبريزى ) وعباد الدنيا يعرفونهم ، وإلا فلماذا الحسد الذي يصبونه عليهم ؟ !

( يعرفون الأبناء أضدادهم ، مثلما لا يشتبه أولادهم - البيت 3665 من الكتاب الثالث - وانظر أيضا 3075 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،


هم سيوف الله البتارة ، ولو كان هؤلاء المنكرون يعرفون الجزاء الذي يحيق بهم من أساء منهم إليهم ، ولو كانوا يعرفون أنهم في حمى الحق

( تحت قباء الحق أو تحت قبابه ) ، لما صبوا عليهم الإساءات ووجهوا إليهم الإهانات ، في حين أن غضب رجل الحق يستطيع أن يجعلهم يعانون ( مائة قيامة ) ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1940 - 1946 وشروحها ) .


( 3118 - 3126 ) : إن الولي يحتوى في داخله على ذات الحق ، ومن ثم لا يقيم بموازين الدنيا ، فما وقوفك على باب هذه الدار دون أن تدرى ما بداخلها ؟ ! ! وما وقوفك بالمسجد غافلا عن رب المسجد ؟ ! والله سبحانه وتعالى فضح القرون الأولى والأمم السابقة بسوء معاملتها لأوليائها وأنبيائها ، فهم في غيرة


« 464 »

الله ، وفي حفظه ( انظر قصة صالح وثمود في الكتاب الأول ) ، إذن فاعلم أنك بموقفك المنكر للمشايخ والأولياء تشبه تماما أولئك الذين عذبهم الله لمواقفهم من الأنبياء ، ( ما للأنبياء للأولياء ) فأي طمع لك في النجاة . وفي مناقب العارفين للأفلاكى ذكر البيتين مستشهداً برواية لجلال الدين إن ما حاق بخوارزمشاه على أيدي المغول كان جزاءا على سوء معاملته لوالده 1 / 16 .


( 3127 ) : " جوحى " هو جحا في الأدب العربي ( انظر حديقة الحقيقة ، الأبيات 5698 - 5700 وشروحها ) والحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في الأغانى لأبى الفرج الأصفهاني ومحاضرات الراغب الأصفهاني والمحاسن والمساوىء لإبراهيم بن محمد البيهقي ، ولم يكن جحا بطلها بل ابن أبي رواح ، الذي قال لأبيه : أتراهم يحملون الميت إلى دارنا ؟ ! ( مآخذ / 77 - 78 ) .


( 3139 - 3149 ) : هكذا يعرف ابن جحا أمارات منزله الذي يشبه القبر ، لكن الطغاة لا يعرفون ولا يحسون أن قلوبهم تشبه القبور ، وذلك القلب الذي لا يشع عليه النور الإلهى هو في الحقيقة أشبه بالقبر ، بل أشبه بروح اليهودي ، بينما تستضاء قلوب العارفين بالنور الإلهى ، فلا فتوح فيها ، ولا روح ، ولا زاد من الوهاب الودود ، ولا نور شمس الحقيقة يسطع عليها ، وهذا القلب الذي يشبه القبر ، يكون القبر أفضل لك منه ، فأنت الحي ابن الحي فكيف تليق بك سكنى القبور ، وأنت يوسف الحسن فما مقامك في البئر ، والروح فيك بمثابة يونس عليه السلام ، فكيف تكون في بطن الحوت ولا تنجو من بطن هذا الحوت بالتسبيح : فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( الصافات / 145 ) ،


وما هذا التسبيح الذي ينجيك ؟ ! إنه ذكر يوم العهد ويوم الميثاق ، يوم « ألست » ويوم الإقرار بالعبودية ( انظر 1672 من الكتاب الذي


« 465 »

بين أيدينا ) وتسبيح الروح هو ترديدك ل « بلى » على « ألست بربكم » ، ونحن الأسماك سجناء حوت بحر الحياة .

 

( 3150 - 3155 ) : إن سمكة هذا البحر هي من رأت الله بعينها ، وسبحت في بحر الحقيقة ، والدنيا بحر ، والجسد هو الحوت ، والروح هي يونس ، والروح عليها أن تتجه إلى الحق بالتسبيح وإلا ماتت ، وهذه الأسماك كثيرة في هذا البحر ، رجال الحق كثيرون ، لكنك لا تراهم لأنك تنظر إليهم بعين الجسد .


( 3156 - 3165 ) : الصبر هو تحمل المشاق في طريق الحق ، وهو أيضا نسيان كل شئ ما عدا الحق ، ( انظر 3085 - 3087 من الكتاب الذي بين أيدينا )

وهو روح التسبيح ، أي نسيان كل شئ عند ذكر الحق ، وكما يكون عبور جسر الصراط صعباً لكنه يفضى إلى الجنة ، فإن الصبر مر ، لكن عاقبته حلوة ، مرارته مع حلاوته ، مثلما يحرس الحسناء مارد أسود قبيح ، فإذا كنت تريد الجمال الإلهى ، ينبغي أن تتحمل الصبر ، ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ، وإذا كنت تريد حسناء من " شكل " ( مدينة في ما وراء النهر مشهورة بجمال نسائها ) فعليك بالصبر والتحمل . [ فالصبر ضياء والصلاة نور ] " ( حديث نبوي رواه الأنقروى 2 / 480 ) ،


ولذة الرجل في الكر والفر ، ولذة المخنث في شئ آخر ، فإن لذته تجعله دائما في الحضيض ، وهو في الحضيض حتى وإن كان مظهره يدل على غير ذلك ، والشحاذ وإن حمل علما فهو شحاذ ، ليس غازيا حتى تخاف منه ، فهو يحمل علما من أجل التسول ومن أجل الكدية .


( 3166 ) : المفارقة هنا لإلباس المعاني سالفة الذكر شخوصاً ، ليس المهمة الهيئة ولا المنظر المهيب المرعب ، فالرجولة معنى ، والبطولة معنى ( بحر در كوزه / 402 ) . 


« 466 »


( 3170 - 3174 ) : إشارة إلى قصة الثعلب والطبلة المعلقة الواردة في كليلة ودمنة ( مآخذ / 78 ) .

( 3175 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، وتدور حول نفس معنى التناقض بين المظهر والمخبر وردت قبل مولانا في مقالات شمس الدين التبريزي ( مآخذ / 78 - 79 ) .

 

( 3179 - 3186 ) : في طريق الحق لا يؤدى التظاهر وادعاء الكمال إلى الوصول إلى نتيجة ، وهذا التظاهر يزيد العبد بعداً عن الحق ، تماما كمن يدخل الحرب بسلاح وعدة كاملة ، لكنه يفتقد شجاعة القلب وإقدام الباطن ، وأفضل عدة للمرء في الحرب روح مقدامة وشجاعة . . . شجاعة حقيقية ، فسلاح المكر والحيلة إنما يؤدى إلى الوبال ، وما دمت لم تستفد منه ، فأولى بك أن تتركه ، وأن تقول مثلما قالت الملائكة :لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا( البقرة / 32 ) .

وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه « إن كان العرض على حقا فالمكر لما ذا ؟ ! » وللإمام علي رضي الله عنه « إياك والخديعة ، فإن الخديعة من خلق اللئيم » ،

وله أيضا « من مكر بالناس رد الله سبحانه وتعالى مكره في عنقه » وقال رضي الله عنه : ليس منا من ماكر مسلماً .

( عن جعفري 5 / 443 - 444 ) .

 وأن تدعو بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم [ اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ] ،

والكامل هو كلما ازداد علما عرف ما هو مجهول فيه ، لأن ما يجهله الإنسان دائما فوق ما يعلمه ، والعلم الحقيقي - كما يقول يونس امره - هو عمل معرفة النفس ، فما لم يعرف المرء نفسه بم يفيده قراءة العلوم ؟ ! ! ) ( جلبنارلى 2 / 386 - 387 ) .


« 467 »


( 3187 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في عيون الأخبار للدينوري وفي ذيل زهر الآداب ( مآخذ / 79 ) والذي ورد هو الجزء الأول منها الخاص بصب التراب ( أو الرمل ) وقسمة القمح بين عدلين وبقيتها من إضافات مولانا جلال الدين ، ومضمونها في رأى زرين كوب ( بحر در كوزه / 495 ) ناظر إلى بيت ابن الراوندي :كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه * وجاهل جاهل تلقاه مرزوقاكما ذكر أن الإضافات ورد نظيرها في كلستان سعدى ( الباب الأول حكاية 39 ) كما تذكر بشعر مشهور لشهيدى البلخي .


( 3208 - 3212 ) : الحكمة هنا بمعنى المعرفة عموماً ، وليس الفلسفة والحكمة الإلهية .

قال نجم الدين كبرى : فظن قوم أن الحكمة مما يحصل بمجرد التكرار أو هي من نتائج الأفكار ، وما فرقوا بين المعقولات والحكميات والإلهيات ، فالمعقولات مشتركة بين أهل الدين وأهل الكفر وبين المقبول والمردود ،

فالمعقول ما يحكم العقل عليه ببرهان عقلي ، وهذا متيسر لكل عاقل بالدراية وبالقوة ، فحين صفى عقله عن شوب الوهم والخيال فيدرك عقله المعقول بالبرهان دراية عقلية ، والذي لم يصف العقل من هذه الآفات فهو يدرك المعقول قراءة بتفهيم أستاذ مرشد ، أما الحكمة فليست من هذا القبيل ،

فإن العقول عن دركها بذواتها محتبسة والبراهين العقلية والنقلية عنها مختبئة فإنها مواهب ترد على قلوب الأنبياء والأولياء عند تجلي صفات الجمال والجلال وفناء أوصاف الخليقة لشواهد الخالقية ( مولوى 2 / 605 ) .


والمقصود بالحيل البالية العلوم المتوارثة التي ليست إلا مكرا أو حيلة ، ويضيف الأعرابي : إنني لأفضل أن أكون جاهلا أحمق لكني قلبي حافظ لمئونة إيمانه وروحي حافظة لإيمانها ، والشقاء المقصود هنا الشك في الرزق والرازق والتي تؤدى إلى الكفر والضلال .


« 468 »


( 3213 - 3220 ) : هناك في رأى العارفين نوعان من المعرفة : نوع يحصله المرء عن الطريق الدنيوي المدرسة والبحث والاستدلال والاستناد على موازين العقل ، ويسمى مولانا هذه العلوم بعلوم أهل الحس ( انظر البيت 1020 من الكتاب الأول ) وفي المقابل هناك العلم اللدني وهو نور يقذفه الله في القلب ، ومثاله علم الخضر عليه السلاموَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً( الكهف / 65 )

يقول مولانا :

هناك حكمة من الطبع والخيال ومن الوجود المادي ونتيجتها الظن والشك ، وفي مقابلها الحكمة الإلهية وهي الفيض المباشر لنور الحق وتحمل الإنسان إلى مقام أعلى من هذه الدنيا المادية ( أنظر البيت 1676 ) ،

ويقول مولانا : أن علماء هذا الزمان - حتى في العلوم الظاهرية - أكثر حيلة ومكرا من علماء العصور السابقة ، ويضيف : وأسوأ أخلاقا ، ثم يحدد وظيفة الفكر : الفكر هو الذي يفتح طريقا ، ويقول المفسرون أنه الطريق إلى عالم الغيب والحقيقة ( استعلامى 2 / 318 ) .

والواضح أنه الطريق الذي يخلص البشرية من العبودية للثالوث المسيطر : الدين المزور ، والمال والقوة ، والذي يعلى من شأنه القيم الإنسانية ، وقيمة الإنسان ، وإذا نظرنا إلى علماء الظاهر في زماننا ، لهالنا التردى الذي وصل إليه هدف العلم ، العلم من أجل العلم ، وتقديس العلموية هذا بالنسبة للعلماء ، أما بالنسبة للمتأجرين بالعلم وخدام السادة الجدد وسدنة المال ، وأنصار التبعية والانسلاخ فحدث ولا تسل

( انظر المفكر ومسئوليته في المجتمع ، لعلى شريعتي - ضمن كتاب الثورة الإيرانية الجذور والأيدلوجية - ط 2 )

الطريق الذي يفتحه العلم الحقيقي طريق صالح لأن يسير فيه ملك ، بل قد يضحى الملك بملكه لكي يصل في طريق هذا العلم ، لأنه به يصل إلى الملك السرمدي والعز الحقيقي .


( 3221 ) : الكرامة المذكورة هنا منسوبة إلى إبراهيم بن أدهم ، وتتكرر أخباره


« 469 »

وكراماته في المثنوى ، تروى كتب الصوفية ، أنه كان أميرا على بلخ ، وترك الإمارة وأنخرط في سلك الصوفية وصار عارفاً عظيماً ، استشهد في غزوة على آسيا الصغرى سنة 160 أو 161 هـ ( استعلامى 2 / 318 )

والكرامة المذكورة هنا وردت في تذكرة الأولياء للعطار وإن كان مولانا جلال الدين قد أضاف إليها الكثير .

( مآخذ / 80 ) وردها صاحب نفحات الأنس كرامة شبيهة بها عن أبي الحارث الأولاسى ( جلبنارلى 2 / 387 ) .

 

( 3227 - 3235 ) : يعود مولانا في هذه الأبيات إلى الحديث في أن الأولياء مشرفون على القلوب ( أحذروهم هم جواسيس القلوب ) لأحمد بن عاصم الأنطاكي ( انظر البيت 1482 وما بعده من الكتاب الذي بين أيدينا )

وهو يشبههم في هذا بالخوف والرجاء ، فلا يوجد قلب لا يتواتر عليه هذان للحالان ومع ذلك فلان المرء العادي لا يضرهم ولا يعرفهم على حقيقتهم يسئ الأدب في حضورهم ، وتتزين في مواجهة العميان الذين لا يملكون بصيرة عن سادة الدنيا ، ومن ثم فأنت أسير للشهوات ، لأنهم لا يبصرون إلا ظاهرك ، ولا يعلمون شيئاً عن باطنك ، مع أن زينتك هذه أمام أهل الباطن تبدو وكأنك وضعت غائطا على وجهك ، ومع ذلك فأنت تفخر .


( 3240 - 3250 ) : يترك مولانا الحكاية معلقاً : إنك إذا نظرت إلى ما قام به إبراهيم بن أدهم على أنه أمر خارق للعادة ، فذلك لأنك لا تعرف أن قدراتهم الروحية تفوق هذا الأمر بكثير ، وما أمورهم هذه إلا رائحة من البستان الذي في بواطنهم ، فإن تتبعت هذه الرائحة فقد وصلت إلى هذا البستان ، وألم تكن رائحة قميص يوسف سبباً في رد البصر إلى يعقوب ، وبشرى اللقاء بيوسف نفسه ؟ ! !

وألم يكن أحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم يجدها في الصلاة . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ جعلت قرة


« 470 »

عيني في الصلاة ] ، وأنت تقول لماذا حاسة الشم ؟ ! أقول لك لست أقصد حاسة الشم بعينها ، فالحواس متصلة ببعضها ، وأنت إن طهرت إحداها طهرت بقيتها ، فهي كلها من نبع واحد ، ومن هنا يحدث العشق ، فالعشق أصله الرؤية ، وبالعشق يكون البصر صادقا ، فستستيقظ كل حاسة ، ويكون ثم ذوق لها ، ومن ذاق عرف .

 

( 3251 - 3260 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الحديث عن " حواس السلوك " أو " حواس الباطن " التي يكون العارف مجهزا بها للوصول إلى عالم الغيب ، عالم غير المحسوسات أي ما لا تدركه الحواس غير العادية ، وهذه الحواس الباطنة معطلة لا تعمل طالما نحن أسارى للحياة المادية منغمسين في شهواتها ، وهي " تفك " ويفك أسارها أثناء السلوك ، ويشبه مولانا هذه الحواس بأنها قطيع من الخراف تسير متحدة ، وإن عبر أحدها الجدول عبر بقية القطيع خلفه منطلقين إلى المرعى الإلهى الوارد في الآية الكريمةوَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى( الأعلى / 4 )


حواسك كالخراف ينبغي أن ترعى في مرعى الله ، حتى تصل إلى النور الناظر إلى الغيب ، فكل حتى يرسل النور إلى بقية الحواس في رياض الحقائق ، هذه الحواس تتحدث فيما بينها بلا لغة أو لسان ، وذلك لأن هذه الحقائق لا يستوعبها لسان ، وبأي شكل تقولها ، تحتمل التأويل ( انظر البيت 1088 من الكتاب الأول ) ،


وتؤدى إلى إعمال الخيال ، فيتخيلها كل إنسان بشكل ما ، هذه الحقيقة التي هي كالعيان ترى عن طريق عين الباطن ، بلا كتاب أو مدرسة ، وهذا الاتحاد للحواس الباطنة هو الذي يجعل حواس بواطن رجال الطريق متحدة تتعاون فيما بينها ، وتجعلهم يسيطرون على العوالم والأفلاك ، لأن قدراتهم تتحد مع قدرة الحق ، ( استعلامى 320 - 321 ) .


« 471 »


( 3261 - 3268 ) : يريد مولانا أن يعبر عن حواس الباطن وقدرة " نور الروح " بتعبير آخر ، يقول أن الوجود الحقيقي يختفى داخل الوجود الظاهري والمادي وإنما يحس به من يملكون حسا باطناً ، ويضرب مثالا : إن كانت ثمة دعوى حول ملكية قشر ، فإن اللب الذي يحتوى على هذا القشر يكون من نصيب من تثبت له ملكية القشر ، وكذلك إن قام نزاع حول ملكية عدل من القش ، تثبت ملكية الحب لمن تثبت له ملكية القش ، والعالم تماما على هذا النسق ، الفلك الذي تراه بهذه العظمة هو مجرد قش لنور الروح ، ولا يغرنك أن الفلك واضح والروح خفية ، فالجسد واضح والروح خفية ، ومع ذلك فإن هذه الروح الخفية هي التي تحرك كل قوى الجسد ، والعقل ، العقل الباحث عن الحق أكثر خفاءً من الروح ، فالحس ( الباطني ) من الممكن أن ينعكس في الأحاسيس الظاهرة ، دليلها الحركة ، لكن الحركات لا تدل على العقل بل لا بد من حركات متزنة ولكي تتناسب والشاق في الحركة حتى تدرك أن هناك عقلًا 
 

( 3269 - 3275 ) : وهناك ما هو أكثر خفاء من الروح ومن العقل : روح الوحي ، أي الروح المتصلة اتصالا مباشرا بالحق بحيث يصل إليها الوحي ، وهي من عالم الغيب ( انظر البيت 111 من الكتاب الأول )

لقد رأى كل مشاهد الرسل آثار عقله ، لكن كل روح لا تستطيع أن تدرك آثار الوحي ، فلا بد من أن تكون ثم مناسبة وتجانس من الناظر حتى يستطيع أن يدرك آثار الوحي ، آثار الوحي هذه رآها بعضهم جنونا وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( القلم / 51 )

وبعضهم لا يجد من رد فعل إلا الحيرة ، وروح الوحي ذات درجات ، لقد كان للخضر عليه السلام ما لم يكن لموسى عليه السلام ، ومن ثم اعترض على أفعال الخضر ، فإذا كان عقل موسى قد يعجز عن ادراكه ، فما بالك بعقولنا .

 
( 3276 - 3280 ) : العلوم التقليدية أي علوم هذه الدنيا أو علوم أهل الحس هي


« 472 »


علوم للتجارة ، تجد المشترى فتتألق وتزدهر وتنتشر ، هي علوم أصلا من أجل البيع ولذلك فهي تنتشر ، لكن العلم التحقيقى غالباً ما يكون مكتوما خفيا غير منتشر ،  لأن مشتريه الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى ، ذلك إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ( التوبة 111 ، وأنظر البيت 2721 من الكتاب الأول والبيتين : 2437 و 2448 من الكتاب الذي بين أيدينا ، وأنظر لتعبيرات أخرى عن الفكرة : الكتاب الخامس ، الأبيات 1463 - 1465 ، 1472 - 1474 وشروحها ) .


ولكل بضاعة مشتريها بحسب قيمتها ، فالدرس الذي علمه الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام ، اشترته الملائكة ولم يقدره الشيطان حق قدره ، ولقد تلقى آدم الأمر بأن ينقل الدرس وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( البقرة / 31 )

وآدم هو كل إنسان وصل إلى الحق ، وبلغ مقام « علم الأسماء » يطلب منه مولانا أن ينقل ما تعلمه .


( 3281 - 3290 ) : وقصير النظر كالشيطان ، لا اهتمام له بالعالم الأسمى ، متغير ، يغير لونه ، ليس ثابتاً في طريق الحق ، كل ما يعرفه محدود بعالم الأرض والمادة ، ( أنظر البيتين 2440 - 2441 من الكتاب الذي بين أيدينا ) هذا القصير النظر أشبه بالفأر ، عالمه ضيق ، وأفقه محدود ، وأهتماماته محدودة ، وعقله بقدر حاجته ، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يهب كل إنسان عقلا بقدر حاجته ، وهذه سنته في خلقه ، فالسماء في حاجة إلى الأرض ، والأرض في حاجة إلى الجبال ، والكون في حاجة إلى الأفلاك ، فالحاجة هي الجاذبة وهي الوهق الذي يجذب كل الكائنات من العدم إلى الوجود .
 

( 3291 - 3298 ) : إذا كانت الحاجة إذن هي الوهق الجاذب ، فلما ذا تخفى حاجتك ؟ ! لماذا تكتم احتياجك وهو سبحانه وتعالى يحب أن يسمعه منك ، وذلك


« 473 »


حتى يجيش بحر الكرم ، فهو الذي يضع الدعاء على لسانك لكي يستجيب لك ، والمتسولون المعوقون يعرضون عاهاتهم ليحركوا شفقة البشر ؟ ! وهل سمعت عن متسول يقول أعطونى لأن عندي كذا وكذا ؟ ! ومن هنا لم يخلق الله تعالى للخلد عينين ، فما حاجته إليهما ، لكنه إن خرج من حجره لا يخرج إلا للسرقة وإن خرج ربما طهره الله من هذه السرقة ، وربما خلق جناحا ( كان من المعتقد أن الخفاش في الأصل فأر وخلق له جناحان ) ، فيحلق ذلك الفأر المسكين حبيس التراب إلى الأعالي .


( 3299 - 3313 ) : الشكر كالروضة ، تجعل المغفور له سعيداً متهللا كأنه الروضة فتبدو سيماء الشكر على سيمائه ، ( أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1742 - 1747 وشروحها )

والبيت 3301 ناظر إلى قول الإمام علي رضي الله عنه " عجبت لابن آدم ينظر بشحمة ويسمع بعظمة " ، وهذه المعاني لا علاقة لها بالجسم ، فهل تبصر كل شحمة ؟ ! وهل تسمع كل عظمة ؟ !

ومن ثم أيضا متى تدل الأسماء على المعاني ؟ ! وهل هناك علاقة بين الطائر ( الروح ) وبين الوكر ( الجسد ) وهل هناك علاقة بين الجدول ( الجسد ) والماء الجاري ( الروح ) ؟ !

إن ماء الجدول سيار متدفق لكنه تراه متوقفا ، وإذا لم يكن سيارا ، فمن أين له هذا القذى فوقه ؟

أتعرف ما هو هذا القذى ؟ إنه صور الفكر ، هذه القشور الموجودة هي جيشان ماء الروح المتدفق من حديقة الغيب التي تتوالى عليه ، فابحث عن فكرك من منبعه ، أي من حديقة الغيب ، فالماء يتدفق منها ، وإن كنت لا تملك إدراكا للغيب ، فانظر على الأقل إلى آثاره ، وإذا كان الماء يتدفق سرعة فإن القشور سرعان ما تختفي . . . على هذا النسق تماما يكون التكامل الروحي للإنسان، من شدة تيار الحياة الباطنية تختفي إهتمامات الحياة المادية سريعا .


« 474 »


وهناك مراتب لا يتجلى فيها سير الحياة المادية لكنها ملحوظة : تسامق النبات ونموه ، سرعة قشور الصور بنمو تيار الروح وتناميه ، ازدياد الرضا الروحي والقناعة الروحية يجعل الحزن لا يستقر في قلب العارف ، بل يمر سريعا ( انظر الكتاب الثالث الأبيات : 1820 - 1835 وشروحها ) وعندما يبلغ الماء مداه في السرعة ، لا تظل في الوجود الإنساني إلا الروح المتحركة .


( 3314 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، لم ترد بنصها في مصدر سابق على مولانا ، وإن وجدت حكايات مشابهة لها في سيرة الصوفي الرازي المعروف يوسف بن الحسين " من صوفية القرن الثالث الهجري " ( استعلامي 2 / 323 عن تذكرة الأولياء للعطار ) .

وجو الحكاية عموما جو تقليدي عن اعتراض بعض الجهال على بعض أفعال المشايخ ، وأخذها على ظاهرها والطعن فيها جهلا .


( 3320 ) : يشير هنا إلى قاعدة فقهية فحواها : إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث " ( أحاديث مثنوي / 68 ) والمصطلح من الفقه الشافعي ، والقلة عند ابن دريد خمس قرب من الماء ( جعفري / 5 - 489 ) ونقل ابن منظور في لسان العرب مقادير مختلفة للقلة .

 

( 3321 ) عن إبراهيم الخليل عليه السلام والنمرود انظر البيتين 551 و 1616 من الكتاب الأول والآيات 67 - 70 من سورة الأنبياء .


( 3325 - 3330 ) : الشيخ إن تصرف تصرفات لا يفهمها الجاهل لا يقلل هذا من قدره ، وإن تحدث حديثا دون المستوى فمن أجل أن يفهمه العامة والمريدون ، كالأب ينزل إلى مستوى ابنه ، حتى وإن كان هذا الأب عالم العلماء .


( 3336 ) :كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( القصص / 88 ) .

( 3343 ) : الحس المشترك أحد الحواس الباطنة ( انظر البيت 3590 من الكتاب


« 475 »


الأول والبيت 67 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وهو في اعتقاد العلماء محل ارتسام صور المحسوسات في باطن الإنسان ، وليس للملائكة شأن بالحس المشترك ، إذ لا علاقة لهم بعالم المحسوسات .

( 3350 ) : عودة إلى قصة إبراهيم بن أدهم التي بدأت بالبيت 3321 .

( 3354 ) : فتح ذلك الباب أي بداية الطريق المعنوي والسلوك .

( 3355 ) : عودة إلى قصة العائب على الشيخ .

( 3369 ) :وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ *( البقرة / 144 ) .

( 3379 ) : الحكاية التب تبدأ بهذا البيت - فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 80 ) وردت قبل مولانا في محاضرات الأدباء وفي حلية الأولياء منسوبة إلى حبر من بني إسرائيل .

( 3431 ) : إشارة إلى الآية الكريمة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( النحل / 115 )


( 3437 - 3438 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ لو كانت الدنيا دما عبيطا لا يكون قوت المؤمن فيها إلا حلالا ] ( أحاديث مثنوي / 69 ) .


( 3439 ) الرواية التي تبدأ بهدا البيت لم ترد في مصدر قبل المثنوي ، وربما كانت مستوحاة من الحديث النبوي الشريف [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] . ( أحاديث مثنوي / 69 ) .


( 3451 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في مقالات شمس الدين البريزي ( مآخذ / 80 - 81 ) .

والقصة ترمز إلى وقاحة المريد في محضر الشيخ وتجرؤه عليه لخفض جناحه له ، حتى يتعرض للامتحان الصعب ، ويرى الأنقروي أنها مستوحاة من الحديث النبوي [ المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ ] ( أنقروي 2 / 524 ) .


« 476 »

 
( 3468 ) : المعنى من سنائي الغزنوي : إذا لم تكن نبيا ، فكن من الأمة ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات : 3908 - 3911 وشروحها ) ( 3480 ) البيت منقول من البيت 428 من حديقة سنائي .


( 3493 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في حلية الأولياء والرسالة القشيرية عن ذي النون المصري ، وفي تذكرة الأولياء مرة عن مالك ابن دينار ومرة عن ذي النون المصري بشكل أكثر تفصيلا .

( مآخذ / 81 - 82 ) .

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح 3521 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:46 pm

هوامش وشروح 3521 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

هوامش وشروح 3521 - 3826 على مدونة عبدالله المسافر بالله

هوامش وشروح 3521 - 3826 فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا

شرح تشنيع الصوفية على ذلك الصوفي قائلين :
إنه يتحدث كثيرا في محضر الشيخ
( 3526 - 3527 ) : المعنى ناظر إلى الحديث النبوي الشريف [ خير الأمور أوساطها ] والأخلاط : الصفراء والسوداء والبلغم والدم ، وفي إعتدالها سلامة البدن ، وفي غلبة أحدها المرض .
 
( 3528 - 3531 ) : إشارة إلى قصة موسى والخضر عليهما السلام ( الكهف / 65 - 82 ) وهذا فراق جزء من الآية 78 من نفس السورة .
( 3537 ) : الأسماك هم رجال الحق .
( 3547 ) : إشارة إلى الحكاية التي تبدأ بالبيت 3451 .
 
( 3553 ) : يقصد مولانا الصوفي بشر الحافي « القرن الثالث الهجري » وكان يقول " السير على أبسطة الملوك بالنعل ترك للأدب " ( استعلامي 2 / 332 ) .
 
( 3559 - 3560 ) : المعنى ناظرٌ إلى الآية الكريمة قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ( الكهف / 109 )
وإلى الآية وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( لقمان / 27 ) .
 
( 3564 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ تنام عيناي ولا ينام قلبي ] ( أحاديث / 70 ) .
 
 
« 477 »
 
( 3570 ) : تشبيه الشيخ بكوكب زحل لعلو مقامه .
 
( 3580 ) : جعفر الطيار هو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، استشهد في العام الثامن للهجرة في مؤتة بعد أن قطعت يداه رضي الله عنه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت جعفر وقد أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة . أما جعفر الطرار فهو شخصية شعبية اشتهرت بإتقان النشل ( جلبنارلي 2 / 391 ) .
 
( 3584 ) : لم أتوصل إلى الشيخ الذي نسبت إليه هذه الكرامة .
 
( 3588 - 3607 ) : يواصل المريد المتهم أمام الشيخ : إن أقوالي هذه كلها ليست من قبيل الادعاء ، فلو كنت محجوبا أمامك في الليل ، ثم قلت لك : أنا عندك ، وأنا من أقربائك ، فإن مجرد صوتي ولهجتي دليل على صدقي ، وهما وإن كانا ادعاءين ، إلا أن الادعاء يحمل الدليل في طياته ، قرب الصوت معناه أنا عندك ، ثم اللذة التي تحس بها من صوت القريب ، والجاهل فحسب هو الذي لا يحس بصدق الادعاءين ، لكن صاحب الفراسة المنور بنور العلم يكون الصوت عنده في حد ذاته دليلا . وهذا يشبه أن يقول أحدهم بالعربية أنا أعرف العربية ، أو يكتب كاتب : أنا أعرف القراءة والكتابة ، أو يذكر أحد الصوفية منا ما رآه أحدهم له ، فالحكيم إذن يؤمن بالحكمة عندما يسمعها من أي شخص لأن الحكمة ضالة المؤمن من حيث وجدها فهو أحق بها ( انظر البيتين 1673 و 2921 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 3608 - 3616 ) : والحكمة بالنسبة للمؤمن ليست أمرا قابلا للجدل ، فالظمآن لا يجادل إن وجد الماء ، والأم لا تحتاج إلى تعريف نفسها لطفلها ، والطفل لا يطلب منها الدليل على ذلك ، ومن يدركون بالذوق ، لا يحتاجون إلى المعجزة ، إنهم متعطشون إلى هذا الصوت ، وقد يكون هناك غريبان بالزمان والمكان لكن كلا منهما يسمع صوت الآخر ويفهمه ( أنظر الكتاب الرابع : حكاية أبي اليزيد
 
 
« 478 »
 
البسطامي مع أبي الحسن الخرقاني الأبيات 1925 - 1934 وشروحها ) وهذا الصوت يكون في أذنه شبيها بما ورد في الآية الكريمة وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي ، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ( البقرة / 186 ) .
 
( 3617 ) : الرواية التي تبدأ بهذا البيت وردت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 82 ) في قصص الأنبياء للثعلبي وتفسير الطبري .
 
( 3622 - 3640 ) : لب المعنى هنا هو الهجوم على المنتطعين الذين لا يبحثون عن المعاني ، بل يكون كل وقوفهم على ظاهر القول ، ولا يفهمون أن القائل قد يلجأ إلى قول غير المعقول لبيان المعاني ، وهو يريد أن يقرب ، لكن السامع المنتطع يبتعد ، ويضرب مولانا الأمثال ، فكتاب مثل كليلة ودمنة مليء بالمعاني ، لكن السامع المنتطع لا يفهم ، وكل ما يشغله أن الحيوانات لا تتكلم فكيف جعلها مؤلف الكتاب تتكلم ، ولا يفهم أن الحكاية مجرد إطار ، مجرد كيل والمعنى فيه هو البر . وحكاية الزاغ واللقلق لم ترد في كليلة ودمنة ، ولعل مولانا قرأها في مصدر آخر واختلط عليه الأمر .
 
( 3652 - 3654 ) : المثل هنا مأخوذ من حديقة سنائي ( أنظر الترجمة العربية للحديقة الأبيات 413 - 417 وشروحها ) .
 
( 3657 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 83 ) وردت قبل مولانا في شاهنامة الفردوسي وفي عجايب نامه وفرائد السلوك .
 
( 3724 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ( فاطر / 24 ) .
( 3736 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌوإلى الحديث النبوي الشريف [ المؤمنون كنفس واحدة ] .
 
( 3748 ) : يذكر بشطرة حافظ الشيرازي " ما لدينا بالفعل نطلبه من الغريب " ،
 
« 479 »
 
وأشار السبزواري ( شرح 182 ) إلى بيتين منسوبين إلى الإمام علي رضي الله عنه :قالوا حبيبك دان منك مقترب * وأنت ذو ولهٍ في الحب حيران .
فقلت قد يُحمل الماء الطهور على * ظهر البعير ويسري وهو ظمآن .( 3757 ) : إشارة إلى الآية الكريمة وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ، فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ، هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ( ق / 36 ) .
 
( 3761 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ *( البقرة / 144 ) .
 
( 3762 - 3764 ) : سليمان والبزاة وأعزة الله هم الأولياء والمرشدون .
( 3765 ) : الطيور المنورة من سليمان هم الذين قبلوا إرشاد الأنبياء والأولياء .
( 3768 ) : المؤمن حتى وإن كان قبيح الصورة كطير الزاغ ، لا تزيغ بصيرته مصداقا للآية الكريمة ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ( النجم / 18 ) .
 
( 3774 ) : منطق الطيور الخاقانية إشارة إلى ما وصف به الشاعر خاقاني الشيرواني من شعراء القرن السادس الهجري شعره أكثر من مرة بأنه منطق الطير ولا بد من أن يكون المرء كسليمان عليه السّلام حتى يفهمه ( استعلامي 2 / 342 ) ، ويقول مولانا أنها مجرد انعكاس لمنطق الطيور السليمانية أي الأولياء والمرشدين .
 
( 3782 ) المثال المذكور هنا ورد في مقالات شمس الدين التبريزي " وقعت لهذا الفقير واقعة عجيبة في عهد الطفولة ، فلا كان أبي واقفا على أموري ، ولا كان فاهما ما أنا عليه ، كان يقول لي : أولا ، لست مجنونا ، ولا أدري أي أسلوب تنتهج ، فلا نظام عندك في الرياضة . . وما إلى ذلك . قلت له : استمع مني إلى
 
 
« 480 »
 
مثال واحد : إن مثلي ومثلك كأن يكونوا قد وضعوا بيضة بطة تحت طائر منزلي ، ورباها وفقست فرخ بط ، وترك فرخ البط الدار وذهب مع أمه إلى ساحل الجدول ، فنزل الماء ، والأم طائر منزلي ، أخذت تسير على شاطيء الجدول ، ولا قدرة لها على نزول الماء .
والآن يا أبي أرى أن البحر قد صار مركبا لي ، هذا حالي وهذا وطني ، فإذا كنت مني وأنا منك ، فلتنزل إلى هذا البحر ، وإلا فاذهب إلى الطيور المنزلية .
" كما أن هناك إشارة قصيرة أخرى في مقامات شمس إلى نفس المعنى ، وروى عبد الرحمن الجامي ، في نفحات الأنس ضمن حديث عن مجد الدين البغدادي أنه حين غلبه السكر ذات يوم وسط جمع من الدراويش قال : نحن كنا بيض بط على ساحل البحر ، وكان شيخنا نجم الدين " يقصد نجم الدين كبرى " طائرا ، نشر علينا جناح تربيته ، وخرجنا من البيض ، ولما كنا بيض بط ، فقد إتخذنا سبيلنا إلى البحر ، وبقي الشيخ على ساحل البحر . ( فروزانفر : مآخذ / 84 ) .
والبحر هنا هو بحر الحقيقة ، وهو الموطن الأول ، وهو الجنة ، ولا يزال العبد المؤمن الباحث عن الحقيقة يحن إليه وإن كان قد تربى على الأرض .
 
( 3790 ) : إشارة إلى الآية الكريمة وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا ( الإسراء / 70 ) .
 
( 3794 ) : قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ *( الكهف / 110 ) .
 
( 3795 - 3799 ) : كلنا لدينا الاستعداد لإدراك الحقائق والأسرار الإلهية ، والله يعلم أحوالنا ويعلم كل من له صلة به ، والبحر هو مرتبة الكمال ، يصل فيها رجال الحق إلى الحق ، وفي هذه المرتبة يصبح العاشق والمعشوق والعشق
 
 
« 481 »
 
واحدا ، والسير في معية رجال الحق " أمثال سليمان " سير إلى الحق في بحر المعرفة ، وللبحر من ذلك أمواج رفيقة رقيقة كأنها الدروع التي كان يصنعها داود عليه السّلام ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1844 - 1854 وشروحها ) هذا الولي موجود أمامنا ولا يخلو منه عصر ، أي لا يخلو عصر من ولي ، لكن غيرة الحق تحفظه من أن يراه من ليسوا له بأهل .
 
( 3804 ) : الكرامة المذكورة من هذا البيت لها نظائر كثيرة مروية في كتب التصوف . ولمولانا في المثنوي حكايات أيضا عن صوفية كانوا يعيشون دون أن يؤثر عليهم ما يجري حولهم من كوارث طبيعية وآفات ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث الأبيات 1886 - 1924 وشروحها ) .
 
( 3809 ) : الدُلدُل اسم بغلة كانت للرسول صلى الله عليه وسلم أهداها إلى الإمام علي رضي الله عنه .
 
( 3820 ) :وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ( الذاريات / 22 ) .
( تمت شروح الكتاب الثاني من المثنوي بحمده تعالى )
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. أبراهيم الدسوقي شتا 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.docx   هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالأربعاء سبتمبر 16, 2020 9:47 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.docx

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 2.pdf






عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هوامش وشروح 01 - 3826 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» فهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4814 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» فهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: