منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا   ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالإثنين سبتمبر 07, 2020 4:55 am

ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )     

مقدمة مولانا المثنوي المعنوي على منتدى عبدالله المسافر بالله

مقدمة مولانا المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

« 31 »
[ الدفتر الأول ]
( النص )
« 32 »
.
« 33 »
[ ديباجة الدفتر الأول ]
مقدمة مولانا : هذا كتاب المثنوى ، وهو أصل أصول الدين في كشف أسرار الوصول واليقين ، وهو فقه الله الأكبر ، وشرع الله الأزهر وبرهان الله الأظهر ، " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " ، يشرق إشراقا أنور من الإصباح ، وهو جنان الجنان ذو العيون والأغصان ، منها عين تسمى عند أبناء السبيل سلسبيلا وعند أصحاب المقامات والكرامات خير مقاما وأحسن مقيلا . . .
 الأبرار فيه يأكلون ويشربون ، والأحرار فيه يمرحون ويطربون ، وهو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون والكافرين ، كما قال " يضل به كثيرا ويهدى به كثيراً " .


وإنه شفاء الصدور وجلاء الأحزان وكشاف القرآن وسعة الأرزاق وتطييب الأخلاق " بأيدي سفرة كرام بررة " ، يتمتعون بأن " لا يمسه إلا المطهرون " ، "
تنزيل من رب العالمين " ، " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " والله يرصده ويرقبه ، وهو " خير حافظا وهو أرحم الراحمين " ،
وله ألقاب أخر لقبه الله تعالى " بها " واقتصرنا على القليل " والقليل يدل على الكثير ، والجرعة تدل على الغدير ، والحفنة تدل على البيدر الكبير .
يقول العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله تعالى محمد بن محمد بن الحسين البلخي تقبل الله منه : 
اجتهدت في تطويل المنظوم المثنوى المشتمل على الغرائب والنوادر وغرر المقالات ودرر الدلالات وطريقة الزهاد وحديقة العباد ، قصيرة المباني ، كثيرة المعاني ، لاستدعاء سيدي وسندى ومعتمدى ومكان الروح من جسدي وذخيرة يومى وغدى ، وهو الشيخ قدوة العارفين ، إمام الهدى واليقين ، مغيث الورى ، أمين القلوب والنهى ، وديعة الله من خليقته ، وصفوته في بريته ووصاياه لنبيه وحناياه عند صفيه ، مفتاح خزائن العرش وأمين كنوز الفرش ،

« 34 »
 
أبو الفضائل حسام الحق والدين حسن بن محمد بن حسن المعروف بابن أخي ترك ، بايزيد الوقت ، جنيد الزمان ، صديق بن صديق بن صديق رضي الله عنه وعنهم ، الأرموي الأصل المنتسب إلى الشيخ المكرم بما قال الشيخ رضي الله عنه
 [ أمسيت كرديا وأصبحت عربيا ] - قدس الله روحه وأرواح أخلافه –
فنعم السلف ونعم الخلف ، له نسب ألقت عليه الشمس رداءها وأرخت النجوم لديه أضواءها ، لم يزل فناؤهم قبلة الإقبال يتوجه إليه بنو الولاة ، 
وكعبة الآمال يطوف بها وفود العفاة ، ولا يزال كذلك ما طلع نجم وذر شارق ، ليكون معتصما لأولى البصائر الربانيين الروحانيين السمائيين العرشيين النوريين ، السكوت النظار والغيب الحضار ، الملوك تحت الأطمار ، أشراف القبايل ، أصحاب الفضايل ، أنوار الدلايل . . 
آمين يا رب العالمين ، وهذا دعاء لا يرد ، فإنه دعاء لأصناف البرية شامل ، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وعترته وحسبنا الله ونعم الوكيل .



« 35 »
 
01 - استمع إلى هذا الناى يأخذ في الشكاية ، ومن الفرقات يمضي في الحكاية .
- منذ أن كان من الغاب إقتلا عى ، ضج الرجال والنساء في صوت إلتياعى .
- أبتغي صدرا يمزقه الفراق ، كي أبث شرح آلام الاشتياق .
- كل من يبقى بعيدا عن أصوله ، لا يزال يروم أيام وصاله .
 
05 - نائحا صرت على كل شهود ، وقرينا للشقى وللسعيد .
- ظن كل امرئ أن صار رفيقي ، لكنه لم يبحث من داخلي عن أسرارى .
- وليس سرى ببعيد عن نواحي ، لكن العين والأذن قد حُرمتا هذا النور .
- وليس الجسد مستورا عن الروح ولا الروح مستورة عن الجسد ، لكن أحدا لم يؤذن له بمعاينة الروح .
- وإن هذا الأنين نار وليس هواء ، وكل من ليست لديه هذه النار ليكن هباءا .
 
10 - ونار العشق هي التي نشبت في الناى ، وغليان العشق هو الذي سرى في الخمر .



« 36 »
 
- والناى صديق لكل من إفترق عن أليفه ، ولقد مزقت أنغامه الحجب عنا .
- فمن رأى كالناى سما وترياقا ؟ ، ومن رأى كالناى نجيا ومشتاقا ؟ .
- إن الناى يتحدث عن الطريق الملىء بالدماء ، والناى هو الذي يروى قصص عشق المجنون . « 1 » .
- وهذا الوعي محرم إلا على من فقد وعيه ، كما أنه لا مشتر للسان إلا الأذن « 2 » .
 
15 - لقد صارت الأيام تسعى في أحزاننا بغير وقت ، وأصبحت قرينة للأحزان والمحن .
- فإن مضت الأيام فقل لها إذهبى ولا خوف ، ولتبق أنت يا من لا مثيل لك في الطهر .
- ولقد ملّ هذا الماء من ليس بحوته ، وطويلٌ يوم من لا قوت له منه .
- إن أحوال الكمل العارفين لا يدركها فج ساذج ، ومن ثم ينبغي أن نقصر الكلام . . .
فسلاما .
...............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ويرمز لها فيما بعد ب ج ( مجلد 1 ص 3 من طبعة 11 تهران خريف 1366 ه . ش ) أربعة أبيات زائدة ووردت في الكتاب السادس من المثنوى وهي :
- إن لنا فمين ناطقين كالناى ، وأحدهما مختف بين شفتيه .
- وأحد الفمين ناتح أمامكم ، وألقى بضجيجه في السماء . - لكي يعلم من هو من ذوى الشهود ، أن الضجيج هنا أصله من هناك . - وضجيج هذا الناى من أنفاسه ، وضجيج الروح من صيحات وجده .
( 2 ) ج / 1 - 3 : وإن لم يكن للناى من ثمر ، لما ملأ الدنيا بالشهد .


 
« 37 »
 
- ولتحطم القيد ولتكن حرا يا بنى ، فحتام تظل عبدا للفضة وعبدا للذهب ؟ .
 
20 - وإنك إن تصب البحر في إناء ، فكم يسع ؟ نصيبا يكفيك ليوم واحد - وإن آنية أعين الحريصين لم تمتلئ قط ، وما لم يقنع الصدف لا يمتلئ بالدر .
- وكل من مزق ثوبه من عشق ما ، فقد برئ تماما من الحرص ومن كل العيوب .
- ولتسعد إذن أيها العشق الطيب ، يا هوسنا ، يا طبيبا لكل عللنا .
- يا دواءً لكبريائنا وعنجهيتنا ، يا من أنت لنا بمثابة أفلاطون وجالينوس .
 
25 - لقد سما الجسد الترابى من العشق حتى الأفلاك ، وحتى الجبل بدأ في الرقص وخف .
- أيها العاشق ، لقد حل العشق بروح طور سيناء ، فثمل الطور وخر موسى صعقا « 1 » - وأنا لو كنت قرينا للحبيب ، لكنت كالناى ، أبوح بما ينبغي البوح به .
- لكن كل من إفترق عمن يتحدثون لغته ، ظل بلا لسان ، وإن كان لديه ألف صوت .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 4 : إن السر مختبىء في وترى الجهير والخفيض ، وإن بحت به حطمت العالم .
- وما يقوله الناى في هذين البابين ، إن أفصحت عنه صار العالم خرابا .


 
« 38 »
 
- والورد عندما مضى " أوانه " وماتت روضته ، فلن تسمع البلبل بعد يروى سيرته . « 1 »
 
30 - والكل معشوق ، والعاشق مجرد حجاب ، والمعشوق حي ، والعاشق إلى موت .
- ولو لم يقم العشق برعايته ، يبقى كطائر بلا جناح ، ويل له . « 2 »
- فكيف يكون لي علم بما أمامى وبما ورائي ، إن لم يكن نور حبيبي أمامى وورائي . « 3 »
- إن العشق يريد أن يصدر منى هذا الشعر ، وإن لم تكن المرآة منبئة فماذا تكون ؟
- أتدري لماذا لا تنبىء مرآتك ؟ ذلك لأن الصدأ لم يُجل عن وجهها . « 4 » .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 4 : - عندما مضى أوان الورد وصارت الروضة خرابا . . فمن أين تبحث عن رائحة الورد ؟ من الجلاب ؟ !
( 2 ) ج / 1 - 4 : - إن أجنحتنا وقوادمنا في وهق عشقه ، تجذبنا من نواصبنا إلى حي الحبيب .
( 3 ) ج / 1 - 4 : - ونوره من يمين ومن يسار ومن تحت ومن فوق ، فوق رأسي كالتاج وحول رقبتي كالطوق .
( 4 ) ج / 1 - 4 : - والمرآة التي جلى عنها الصدأ ، مليئة بأشعة نور شمس الله - فامض ، وامح الصدأ عن وجهها ، ثم أدرك بعد ذلك ذلك النور . - واستمع إلى هذه الحقيقة بأذن القلب ، حتى تنجو تماما من أدران الجسد . - وإن كنت تفهم فاسمح للروح بالطريق ، ثم أخط في الطريق شوقا .
. 

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: هوامش وشروح مقدمة مولانا فى المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. أبراهيم الدسوقي شتا    ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالإثنين سبتمبر 07, 2020 4:55 am

هوامش وشروح مقدمة مولانا فى المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. أبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ ) 

مقدمة مولانا المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

« 353 »
[ شرح ] مقدمة مولانا :
-اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ * الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ * يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ * نُورٌ عَلى نُورٍ * يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ * وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( النور / 35 ) ،
فالمعرفة نور يقذفه الله في القلب ، وهذا المثنوى المعنوي حصيلة هذا النور ، فمعانيه نور ، وألفاظه وكلماته كالمشكاة والمصباح .
 
- وهو جنان الجنان : الجنة عند العرفاء آجلة وعاجلة ، فالآجلة نتيجة الأعمال الصالحة في الآخرة ، والعاجلة الأذواق الروحانية والعلوم والمعارف الربانية دلت عليها الأحاديث الشريفة وهو قوله عليه السلام : ارتعوا في رياض الجنة قالوا : وما رياض الجنة يا رسول الله ؟
قال : مجالس العلم وقال عليه الصلاة والسلام : إذا لقيتم شجرة من أشجار الجنة فارتعوا في ظلالها وكلوا من ثمارها ، قالوا : وكيف يمكن هذا في دار دنيانا يا رسول الله ؟
فقال عليه السلام إذا لقيتم صاحب العلم فكأنما لقيتم شجرة من أشجار الجنة ( يوسف بن أحمد المولوي : المنهج القوى لطلاب المثنوى ، ج 1 ، ص 5 يذكر بعد ذلك تحت اسم مولوى فحسب ) - « خير مقاما وأحسن مقيلا » ناظرة إلى الآية الكريمةأَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا( الفرقان / 24 ) .
 
- « وهو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون الكاذبين » أنظر لتفصيلات هذا المعنى ، الترجمة العربية للكتاب الرابع من مثنوى مولانا جلال الدين ، لكاتب هذه

 
« 354 »
 
السطور ، الأبيات 3430 - 3524 وشروحها ( القاهرة 1993 ، ت . مدبولي ) . حيث يفصل ايضاً في المقارنة بين المثنوى بين متقبليه وكارهية بماء النيل بين قوم موسى وآل فرعون .
 
- وسعة الأرزاق : الأرزاق هنا هي الحكمة ( أنظر لتفصيلات الترجمة العربية ، الكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ، الأبيات 3746 - 3750 وشروحها . الزهراء للاعلام العربي . القاهرة سنة 1992 ) .
 
-يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراًجزء من الآية 26 من سورة البقرة : وأن يضل به محض عدله أي يمنع عنه الاهتداء وذلك لضعفهم بتراكم المخالفات فلا تظهر إلا ظلمتهم ( مولوى 1 / 6 - 7 ) .
 
-بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ( عبس / 15 - 16 ) ومقارنة المثنوى ( في مفاهيمه والتزامه وجانبه التعليمي والروحي ) بالقرآن الكريم ترددت كثيرا في كتب المثنوى الستة ( لأكثر الإشارات تفصيلا ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى ، لكاتب هذه السطور ، الأبيات 4230 - 4246 وشروحها ) . وغنى عن الذكر أن المثنوى يسمى بالقرآن البهلوى من قبل الناطقين بالفارسية تعظيماً لشأنه واحتراما له ولا يكاد بيت في إيران حديثاً والدول الناطقة بالفارسية من قبل يخلو من المثنوى .
 
-لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ( الواقعة / 56 ) .لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ( فصلت / 42 ) .
فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَوعن حفظ الله للقرآن ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1197 - 1214 وشروحها .
 
 
« 355 »
 
- « القليل يدل على الكثير والجرعة تدل على الغدير والحفنة تدل على البيدر الكبير » تبدو مثلا عربيا لكني لم أجد له أصلا .
 
- اجتهدت في تطويل المنظوم المثنوى : الواقع أن مولانا جلال الدين قد استرسل في بعض المواقع ، وكرر كثيراً من الأمثال والصور ، وعلينا ألا ننسى أن المثنوى في البداية كتاب تعليمي وأنه يحتوى على عدة مستويات وذلك لاختلاف مستويات المخاطبين ومع ذلك ففي مواضع كثيرة منع مولانا نفسه من الاسترسال واعترف بأنه لو استرسل لما تحمل أحد منظومة المثنوى ولصارت في سبعين مجلدا .
 
وطريقة الزهاد : لا تدل العبارة على أن مولانا كان يفضل الزهد كسلوك إلى طريق المعرفة . . بل توجد في المثنوى سخرية من الزهاد المتنطعين وكيف يصلهم العقاب الإلهى فالأصل عند مولانا التوسط في الأمور ( أنظر على سبل المثال لا الحصر : مثنوى عربي ثالث ، الأبيات : 1636 - 1639 و 1674 - 1694 وشروحها ومثنوى عربي خامس ، الأبيات 3440 - 3464 وشروحها ) .
 
لاستدعاء سيدي وسندى . . . إلى آخره : الأوصاف كلها من شيخ إلى مريده وليست من مريد إلى شيخه ( ! ! )
ولعل في هذا نوعاً من الإيهام ، فإذا كان المريد على هذه الدرجة من المعرفة والمشيخة فما بالك بالشيخ ؟ وفي الأبيات ( 430 - 432 ) من الكتاب الذي بين أيدينا يطلب من المستمع إن أشكل عليه شئ أن يسأل شمس الدين التبريزي ، فإن لم يجبه فحسن حسام الدين ، وأسقط نفسه تواضعاً ، والحب الذي يكنه مولانا لحسن حسام الدين لا يقل بحال من الأحوال عن الحب الذي يكنه لشمس الدين التبريزي ، وحسن حسام الدين مذكور في كل كتب المثنوى في مواضع الافتتاح وفي غيرها ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر : الكتاب الثاني : 3 - 5


 
 
« 356 »
 
والثالث 1 - 3 والرابع إشارة في المقدمة بأن المثنوى مدين له في الأبيات 1 - 19 وفي الخامس يفتتح بأن حسام الدين هو الذي طلب منه دفتراً خامساً ( انظر الأبيات 1 - 14 ) وحسن حسام الدين في المأثور المولوي هو الذي طلب من مولانا منظومة على غرار حديقة الحقيقة لسنائى لتعليم المريدين وفي افتتاحية الكتاب السادس الأبيات 1 - 8 يعترف مرة أخرى بأن حسن حسام الدين هو الجاذب للمثنوى )
وحسن حسام الدين الذي كان نائباً لجلال الدين وأميناً لسره وموضعاً لثقته ومثار وجده الصوفي طيلة عشرة سنوات بعد وفاة صلاح الدين زركوب ، اسمه حسن وأبوه محمد وجده حسن ، ويرجع نسبه إلى تاج العارفين أبى الوفاء الكردي المتوفى سنة 501 للهجرة .
ولد سنة 622 في قونيه فكان بينه وبين مولانا ثماني عشرة سنة أو ست عشرة سنة . . توفى والده وهو صبي وكان شيخاً لزاوية الفتيان المسماة بالأخية والتي زارها ابن بطوطة ووصف دراويشها وشيخها ( ابن بطوطة : تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، تحقيق د . على المنتصر الكتابي ، ج 1 ، ص 322 - 322 ، ط 2 مؤسسة الرسالة ، بيروت سنة 1979 ) وأراد الفتيان تنصيبه شيخا مكان أبيه ، إلا أنه فضل الالتحاق بجلال الدين حيث وصل إلى مرتبة نجيه ( أنظر لمعلومات أكثر تفصيلا : بديع الزمان فروزانفر : زندگانى مولانا جلال الدين محمد مشهور به مولوى ، ص 101 - 109 - تهران - زوار - 1354 ه . ش - عبد الباقي كولبينارلى : مولانا جلال الدين محمد ، ترجمة توفيق سبحانى - ، ص 195 - 201 ، تهران 1363 ه . ش ) .
 
- المنتسب إلى الشيخ المكرم بما قال : أمسيت كرديا وأصبحت عربيا : يقول استعلامى ( محمد استعلامى : مثنوى جلال الدين بلخى ، جلد 1 ، ط 1 - تهران 1360 ه . ش ص 193 ، يكتفى فيما بعد بذكر استعلامى ورقم المجلد والصفحة ) نقلا عن يادداشتهاى قزوينى نقلا عن


 
 
« 357 »
 
نفحات الأنس لعبد الرحمن الجامي : أن القول منسوب إلى الصوفي الفارسي بابا طاهر العريان الشهير بالهمدانى انه كان يريد ذات يوم أن ينضم إلى طلاب إحدى المدارس ، فلم يسمحوا له إلا أن يكسر الثلج في ذلك الشتاء ، وأن يغتسل بماء شديد البرودة ، ففعل ما أمروا به ، ونام ليلته ،
فقام من النوم أكثر علما وفتوحا من كل الطلاب وتضرب العبارة مثلا في الفارسية للطفرة ولمن يقطع في ليلة واحدة طريق سنوات والمقصود هنا التطور الروحي السريع ،
غير أن الأمر قد لا يتصل ببابا طاهر العريان وقد يكون الشيخ أبو الوفاء الكردي الذي أشار مولانا نسبة حسن حسام الدين إليه ، كما أشار إليها الباحثون ( أنظر الإشارة السابقة ) وأشار إليها يوسف بن أحمد ( مولوى 1 / 10 )
وساق رواية مفادها أن أهل زمانه طلبوا منه موعظة ، وكان أميالا يقرأ ولا يكتب فقال لهم : غدا تسمعون ،
ثم توجه تلك الليلة إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلّم بتوجه تام ، فرآه وقال له : يا طبيب القلوب عبدك العاشق استدعاه المسلمون للوعظ ولسانه اشتعل بلمعة الوعد ، أما تعلم يا فخر الرسل بأن أمي ؟ !
فتبسم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم له قائلا : تجلى الله عليك باسمه العليم والحكيم ، فاجتمع الناس ثم أتى المسجد وصعد المنبر بعد الصلاة ، وافتتح كلامه بما قال : أمسيت كردياً وأصبحت عربيا ( والرواية موجودة أيضاً عند إسماعيل حقي الأنقروى - جلد 1 ، ص 18 من شرح المثنوى ، استنابول 1115 ه - يذكر فيما بعد اسم انقروى فحسب ) .
- ألقت على الشمس رداءها : إشارة إلى حديث أورده الأنقروى 1 / 91 : إن لله عباداً قلوبهم أنور من الشمس .
 
- الملوك تحت الأطمار : أي الصوفية الأولياء ، مختفون في الخرق ، لكنهم ملوك ذلك العالم . . . وفي موضع آخر يقول مولانا « إنهم تحت قبابى أو تحت قبائى كامنون » أنظر مثنوى عربي ثان : البيتان 931 - 932 ، ومثنوى عربي ثالث الأبيات 79 - 84 وشروحها ) .


 
 
« 358 »
 
[ شرح الأبيات ]
( 1 - 2 ) : البيتان هنا كما ورد في النسخ القديمة كلها على وجه التقريب في موضعين ذكر « هذا الناى » بدلًا من النص الأكثر انتشاراً « من الناى » وذكر في صوت التياعى بدلًا من صوت التياعى . . وكلاهما انتشر مع نسخة نيكلسون . وبهذين البيتين يبدأ مثنوى جلال الدين . .
ومن قائل أن هذا الافتتاحية للمثنوى والتي لا تزيد في أغلب النسخ على أربعة وثلاثين بيتاً هي خلاصة الأفكار التي ساقها مولانا في كتب المثنوى الستة ، وهو قول فيه تزيد كبير . على كل حال اختلف الشراح في تفسير المقصود بالناى فمن قائل أنه الإنسان الكامل ( مولوى 1 / 15 ) ، ومن قائل أنه الروح القدسية ، ومن قائل أنه النفس الناطقة ، وقال بعضهم بل الحقيقة المحمدية ( استعلامي / 194 ) ،
وقال الأنقروى ( 1 / 24 - 25 ) بل هو القلم ، فالناى والقلم من أصل واحد ، ونفير الناى كناية عن صرير القلم ، وساق بعض الأحاديث النبوية منها « القلم أحد لساني الانسان يؤدى به ما في الجنان ويبلغ البعيد كما يبلغ القريب باللسان » .
وقال بعض الشراح بل هو الروح أُنتزعت من نبتها من الجنان فلا تزال تئن شوقا إلى موطنها وحنينا إلى أو أن عودتها .
وقال عبد الرحمن الجامي في شرح له على بعض أبيات المثنوى أن الناى هو مجرد الإنسان المتصل بالله التواق إلى رحابه فليس هو الذي ينطق بل ينطقه الله سبحانه وتعالى ويضع على فمه هذا الحنين ،
وقد نقل السبزواري هذه الأبيات ( ملا محمد هادي سبزوارى ، شرح مثنوى ، ص 8 ، تهران 1285 ، بعد ذلك يكتفى باسم سبزوارى ) ، وجاءت عند عبد الرحمن الجامي كاملة :
- من هو الناى ؟ ! ! إنه ذلك الذي يتحدث لحظة بعد لحظة . .
قائلًا : أنا لست سوى موج بحر القدم - وعندما أصبحت خاليا عن وجودي ، لم يعد لي علمٌ سوى بالله .
- فأنا فانٍ عن نفسي باقٍ بالحق ، وشق عنى لباس الوجود دفعة واحدة .


 
 
« 359 »
 
- واسترحت إلى الحق نفوراً عن نفسي ، وأطلق خارجا ما ينفخه فىّ الحق .
- ولقد صرت مقترنا بشفتى نجيي ، ولا أنبس بشفتى إلا ما قاله .
- ومن صوتي وجد كلام الحق الظهور ، سواء كان الفرقان أو الإنجيل أو الزبور .
- ورقص الأنجم والأفلاك إنا يكون من لحنى ، وتسبيح الملائكة المقربين من صوتي .
- وكل من سقط من جراء حظه العاثر ، إنما أنبهه أنا بصوتى العال .
- أما من جلس في صف المقربين ، فأنا اهمس له بالسر في أذنه هوناً .
- أحياناً أشرح محنة الهجران ، وأضع الجراح على أرواح مسلوبي القلوب .
- وأحيانا آتى ببشرى قرب الوصال ، وأهب أهل الوجد مائة وجد وحال .
- وأقوم ببيان الشرائع ، كما أجعل الحقائق عيانا .
- ومن هذه الانغام العذبة التي تربى الروح ، المثنوى في ستة مجلدات موحدة النغمة ! !
- وإنما تتبغى فرصة سانحة وعمر طويل . . حتى أقص ثانية نبذة عن عمرى .
 
- وما دام هذا الكلام تتبغى له نهاية ، فتلأضع ختم الصوت فوق فمي ! ! ( رسالة الناي لمولانا عبد الرحمن الجامي وهي في شرح البيتين الأولين من المثنوي في أبيات شعرية وبعض الشروح النثرية - بتصحيح حامد رباني - تهران ب . ت . )
ويرى استعلامى أن الناى هو مولانا جلال الدين نفسه فقد شبه نفسه في المثنوى وفي الديوان الكبير حيناً بالناى وحيناً بالصنج " آلة وترية " ( أنظر البين 602 و 603 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وقد ذكر جعفري ( نقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد مولوى ، جلد 1 ، ، ط 11 ، ص 3 ، تهران خريف 1366 ه . ش .
يكتفى فيما بعد باسم جعفري فحسب ) خلال نص المقدمة خمسة أبيات أخرى منهما بيتان وردا في الكتاب السادس ( البيتان رقم 2009 و 2013 ) والأبيات الأخرى أثبتتها



« 360 »
 
في هامش النص على أساس أن نص جعفري المطول قد يكشف عن بعض معاني النص الأكثر اشتهارا ( وهو أمر كشف عن بعض خلل النص الأشهر في مواضع عديدة من كتب المثنوى الستة مما يشار إليه في موضعه )
ومفاد البيتين أن للناى فيمن أحدهما يخرج انينه والآخر مختف بين شفتيه ، وأن الأنين والضجيج منتشران في السماء مثلما ينتشران في الأرض ، ولو لم يكن النفخ من هناك لما كان الضجيج هنا ، وفي البيتين 602 و 603 من الكتاب الذي بين أيدينا معنى قريب من هذا المعنى ، فنحن الصنج وهو العازف بريشته ، ونحن الناى والأنغام فينا منه . .


ونحن الجبال وما يتردد فينا صدى صوته . فحتى أنين الناى وشوق الروح إنما يكونان من عطاياه . على كل حال : الموسيقى على وجه العموم في رأى مولانا نفحة سماوية ( لأكثر التفصيلات عن هذه الفكرة ، أنظر مثنوى عربى رابع ، الأبيات 730 - 744 وشروحها ) وكان العلاج بالموسيقى معروفا في بيمارستان أُسست في قونيه سنة 625 ه - أي في شباب مولانا جلال الدين ( أنظر آنا ماريا شميل طارئ : شكوه شمس ، ترجمة حسن لاهوتي ، ص 297 ، ط 2 ، 1370 ه . ش . ، والفصل الرائع الذي خصصته للموسيقى والرقص عن مولانا جلال الدين من 296 - 312 حيث تفصل قيمة الناى في الرقص والسماع المولوي )


واستخدام الناى كرمز لم يكن من ابتكار مولانا جلال الدين بل يشير فروزانفر إلى عبارة أسندها إلى أبى طالب المكي
( مثل المؤمن كمثل المزمار لا يحسن صوته إلا بخلاء بطنه ) وهو ما عبر عنه مولانا نفسه في احدى غزلياته :
إنك إن خلوت من كل شئ كالناى ، فإنك تمتلئ كالبوص بالسكرMESNEVI , TERECAMSI VE S , ERHE - CILT I , ABDULBAKI GOLBINARLI , UCUNC " U BASKI , ISTANBUL , 1990 , S . 19 -يكتفى بعد ذلك بذكر كلبينارلى . الترجمة الفارسية ،

« 361 »
 
توفيق سبحانى ، ط 1 ، تهران ، سنة 1371 ه . ش ، ص 68 - 69 . كما أن الناى الذي يفشى أسرار الملك الإسكندر عندما ينفخ فيه الراعي من قصص سنائى الشهيرة ( أنظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة ، ترجمة كاتب هذه السطور ، الأبيات 7334 - 7361 وشروحها - دار الأمين - القاهرة 1995 ) كما وردت فكرة مولانا بنصها في سير العباد لسنائى ( عن شكوه شمس 298 ) هذا الناى آخذ في الشكوى من وجوده في غير موطنه من أنوع الفرقة وأنواع الغربة : غربة الإنسان عن الله الذي هو مبدأه ومنتهاه ، وغربة الإنسان عن الجنة التي هي موطنه الأصلي ، وغربة الإنسان عن أخيه الإنسان ، واختلاف اتجاه كل إنسان عن أخيه واختلاف الألسنة والمشارب والأهواء ( وكلها موضوعات تناولها مولانا في المثنوى ) .
هذا الاغتراب يعد ميداناً من ميادين الشعر الصوفي الرئيسية ، وهو من جوانب الضعف الإنسانى الذي يعترف به مولانا جلال الدين وينظر إليه نظرة إنسانية شديدة الرقى ، وغربة الولي هي أقسى أنواع الغربات فبينما يكون ملتفتا بأجمعه إلى الله ، إذا به مضطر إلى معاشرة هذا ومعاشرة ذاك وتحمل أذى هذا وعنت ذاك . .
وها هو الناى يواصلُ شكواه : منذ أن اقتلعت من الغاب وفارقت وطنى والناس كلهم يجدون أنينهم في أنينى ، يجدوننى خير تعبير عنهم ، وهذا هو الموضع الثاني في اختلاف هذه النسخة عن نسخة نيكلسون المشهورة –
وأغلب النسخ القديمة روت البيت برواية النسخة التي بين أيدينا - وفي تفسير آخر ورد على لسان مولانا جلال الدين أن الغاب هو الناس ، هو نحن ، وأن هذا الغاب في انتظار العشق لكي يضرم فيه النار :
1 . نحن الغاب وعشقه نار * ونحن ننتظر أن تضرم هذه النار في الناى ( كليات ديوان شمس غ 831 ، ص 338 )
 
« 362 »
 
إن أنواع الهموم التي يعبر عنها الناس بشتى أنواع الفنون ، المكتوبة والمنظومة والمجردة هي قبسٌ من هذا الأنين ويمكن أن يكون هذا الأنين المنطلق من الناى تعبيرا عنها . . .
 والناى منذ أن اجتث من الغاب وهو يقطع المراحل مرحلة بعد مرحلة « والحاصل أن الإنسان يتولد من صلب السماء إلى بطن الأرض ومنها إلى عالم النبات ومنها إلى عالم الحيوان ثم إلى مرتبة الإنسان » ( مولوى / 1 - 17 ) مرحلة بعد مرحلة وعذاب بعد عذاب ( لمولانا جلال الدين شعر عن هذه الفكرة بتعبيرات منبثة خلال كتب المثنوى أروعها المذكور في الكتاب الثالث الأبيات 3903 - 3908 ) . ( في شرح مثنوي شريف لبديع الزمان فروزانفر تفصيلات عن ورود الناي والآلات الموسيقية في الديوان الكبير ، كما أنه فسر الناى بأنه جلال الدين نفسه - أنظر الجزء الأول من الدفتر الأول صص 1 - 10 من ط 7 تهران 1373 ه . ش . يكتفي بعد ذلك بشرح فروزانفر ) ( 3 - 8 ) : الجنسية علة الانضمام ( مولوى / 1 - 18 )
وعادة ما يكون الحديث إلى من لا يحس بنفس آلام الشاكى بغير جدوى ولا نتيجة ، كان يعقوب عليه السلام يفتأ يذكر يوسف وعاب عليه أولاده . . . فقال : إنما أشكو بثي وحزنى إلى الله . ويدق مولانا كثيراً على هذه النقطة كثيراً وهي أن التجانس أساس التفاهم ، وليس الأمر هنا بظاهر اللغة ،
بل التجانس في المشاعر والأحاسيس . . . ويقول الصوفية « يعرفنا من كان منا وسائر الناس لنا منكرون »
ويقولون « من ذاق عرف » ويستشهدون بالبيت العربي الشهير :لا يدرك الوجد إلا من يكابده * ولا الصبابة إلا من يعانيهاثم يعود الناى ( أو الروح أو مولانا جلال الدين نفسه ) فيقول : وأي بدع في أن أئن وأبوح وأشكو



« 363 »
 
الآلام المبرحة التي نتجت عن مفارقة الموطن ومعاناة الغربة ؟ ! إن هذه هي الطبيعة ، فكل إنسان يحن إلى أصله ويترقب انتهاء غربته ، هذه إشارة إلى مبدأ النفس ومنتهاها ( مولوى 1 / 18 ) المهم أن يعرف المرء أصله - أين كان ومن أين جاء وكيف أصبح ، فمبدأ البحث عن الأصل هو معرفة هذا الأصل ،
والمثنوى كتاب يأخذ بيد المرء إلى مراحل خلقه ، ويحمله إلى منازل رحلته الطويلة من الجمادية إلى النباتية إلى الإنسانية ثم إلى ما لا يحده وهم ولا يحيط به فهم ، وإلى المبدأ يكون المعاد ، ومبدأ الخلق ومعادهم الواحد الأحد ، و « إنا إليه راجعون » ، هكذا يغنى أرغنون الروح .
 
والأمر كله كدائرة مفروضة متوهمة على كرة ( انقروى 1 / 31 ) و ، وليس هذا الأمر خاصاً بالعارفين والصادقين فحسب ، فالاشقياء والسعداء يعانون هذا الشوق ، والأشقياء أكثر حزنا وإن لم يشعروا ، ومن ثم يقدمهم مولانا عن السعداء ، فمن عرف المبدأ سهل عليه المعاد ، ومن لم يعرفه أحاط به الشقاء وسقط من النجاد إلى الوهاد وتفرقت به السبل ، فهم يظنون الوصل وهم في فصل ، والقرب وهم في بعد ، وكل مقيم على ظنه « كل حزب بما لديهم فرحون » ، قال ابن عطاء : قدم الظالم لئلا ييأس من فضله ، لأنه لم يكن له شئ يتكل عليه إلا ربه ، وأخر المعتقد ليعلمه أن المنة لله عليه ( مولوى / 1 - 19 ) ،
وهكذا فكل أمرؤ يظن أنه قد صار رفيقا لي ، وهذا مجرد ظن ، والظن لا يغنى عن العلم شيئاً ، تراه يستطيع أن يدعى هذا الادعاء وهو لا يبحث عن أسرارى ، وهل يظن أنه من الممكن أن يصل إلى الحقيقة دون بحث ودون سلوك للطرق المهولة ، ودون جهاد يهون دونه أي جهاد ؟ !
هذا وان كان سرى ليس ببعيد عن نواحي وأنينى ، لكني لا زلت أؤكد أن هذا الأمر أمر إدراك السر ليس في مقدور أي انسان ، فلا بد لأذنه وعينه من هذا النور الذي يمكنه من إدراك السر ،
فان هناك كثيرا من الناس لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، والله هو الواهب للبصيرة والإدراك والفهم ، وأنظر هل يفهم كثير من الناس ما يقال لهم

 
« 364 »
 
بنفس الدرجة ؟ وأنظر إلى الشبلي لما سمع بائع السعتر ينادى على بضاعته « سعتر برى » فتواجد لأنه سمعها « اسع ترى برى » ، وألم تسمع ما قاله علي رضي الله عنه عندما سمع صوت الناقوس فقال : هل تعلمون ما يقول ؟ قيل لا ، قال : يقول سبحانك الله حقا إن المولى يبقى . . . وألم يقل محمد الباقر رضي الله عنه : يتجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون » ( مولوى 1 / 20 - 21 ) والعلاقة بين اللفظ والمعنى ، والتعبيرات والأسرار هي تماما مثل العلاقة بين الجسد والروح . . .
 
فالجسد بلا روح مجرد جثة هامدة لا يتأتى منها شئ . . . وآثار الروح ظاهرة في كل حركاته وسكناته . . . لكن هل يسمح لاحد أن يعلم ما هي الروح أو أن يشاهد الروح أو أن يحدد بالضبط أين تمكن الروح في هذا الكيان الجسدي ؟ ! قل الروح من أمر ربى ( وما أبلغ التعبير العامي المصري الذي يسميها بالسر الإلهى ) وفي قول للجنيد ( الروح شئ استأثر الله بعلمه لا يجوز عنه العبارة )
فاقصر القول في هذا المجال .
( 9 - 10 ) : إياك أن تظن أن أنين هذا الناى مجرد نفخ للهواء فيه ، إنه نار ، نار تضرم في كل دنسك وكدوراتك ، تصفيك وتطهرك ، ليست بعيدة عن فكرة الدور التطهيرى للفن على وجه العموم ، وويله من لم يحصل على هذه النار ، يظل سادرا في غيه مقيما على دنسه ، تغطيه كدورات الدنيا طية بعد طية ، يكدس على جوهره الثمين اكداس التراب وهو لا يدرى ، يخبو وهو يظن أنه يتألق ، ويزداد سقوطاً وهو يظن أنه يزداد علوا . . .
 فما أسعدها من نار تحرق كل ما هو سوى المعشوق ( لتفصيلات أنظر الكتاب الخامس الترجمة العربية الأبيات 589 - 591 وشروحها ) وأنظر إلى تعبير الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربى عن العشق « العشق افراط المحبة »
وكنى عنه في القرآن بشدة الحب في قوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ» وفي قوله تعالى «قَدْ شَغَفَها حُبًّا» أي صار حبها يوسف على قلبها كالشغاف على الجلدة الرقيقة التي تحتوى
 
« 365 »
 
على القلب ، فهي ظرف له محيطة ، فالعشق إلتفاف الحب على المحب حتى خالطه جميع أجزائه ، واشتمل عليه اشتمال العشقة . . .
وقال في محل آخر : فإذا عم الحب الإنسان بجملته وأعماه عن كل شئ سوى محبوبه ، وسرت تلك الحقيقة في جميع أجزاء بدنه وقواه وروحه ، وجرت فيه مجرى الدم في عروقه ولحمه ، واتصلت بجميع أجزائه جسما وروحا ، ولم يبق فيه متسع لغيره ،
وصار لطفه به سماعه ونظره في كل شئ إليه ، ولا يرى شئيا إلا ويقول هو هذا ،
حينئذ يسمى ذلك الحب عشقاً ، كما حكى عن زليخا أنها اقتصدت ، فوقع الدم في الأرض وكتب يوسف يوسف حيث سقط الدم ، لجريان ذكر يوسف مجرى الدم في عروقها . هكذا حكى عن الحلاج لما قطعت أطرافه ،
انكتب بدمه في الأرض الله حيث وقع ولذلك قال رحمه الله " هم الذين استهلكوا في الحب هذا الاستهلاك " ( عن الانقروى 1 / 37 - مولوى 1 / 26 ) . والعشق هو الذي يفور في البدن وتصبح به الخمر خمراً ، ( وفي الكتاب الخامس البيت 3571 : ان الخمر التي تفور في الدن سرا ،
إنما تفور هكذا شوقا إلى وجهك ، وفي الكتاب الذي بين أيدينا البيت 1861 إن الخمر تستمد غليانها من غلياننا ) والخمر في مصطلح مولانا هي المعرفة عادة وهي الفيض ، فكان العشق هو الذي يمهد سبيل المعرفة . . . وفي رأى السبزواري ( ص 120 ) أن المقصود بالغليان سريان العشق في كل الموجودات .
 
( 11 - 12 ) : والناى ( المرشد ، مولانا جلال الدين نفسه ) هو الذي يمكن أن يكون أليفا لكل من انفصل عن أليفه . . . فكلاهما يعاني من نفس الداء ومن نفس الألم ويستطيع أن يفهم آلام صاحبه . . .
ويمكن أن تؤدى الشطرة الثانية معنى ظاهريا يتصل بمهمة الموسيقى ووظيفتها في أن تحرك كوامن الأشجان ، وتجعل الذي يعاني يبوح بما يعانيه وينفث عن أسرار قلبه ، كما أنه من الممكن أن يكون معناه أن هذا الأنين من قبل الروح يطهرها ويزيل عنها الكدورات والحجب التي حجبتها



« 366 »
 
عن الحقيقة ، وحالت بينها وبين المعرفة ، وأخرتها عن المشاهدة ، فعاشق الصورة تفشى أنات الناى أسرار عشقه ، وعاشق الحقيقة ترفع انغام الناى الحجب عن عينيه حتى يدركها . ومن ثم فأنين الناى بمثابة السم لمن لا يعانون ألم الشوق وبمثابة الترياق لعشاق الحقيقة ، فلا يزال أولئك الذين لا يعانون ألم الشوق إلى الحقيقة يحسون بمذاق السم إن حدثتهم عما هم منغمسون فيه من حب للدنيا ولزوم للجسد ( والنصيحة سم ) . . .
كما أن نفوسهم قد ترق لحظة لسماع أنين الناى ، مثلما كان بعض الكفار يدمعون رقة وحشية وحنينا عندما يستمعون إلى القرآن الكريم ، ثم تتغلب عليهم نفوسهم وانغماسهم فيما هم فيه ، ويغلب عليهم كفرهم فإذا بهم يحسون بطعم السم ( والحق مر ) . . .
 
لكن عند أهل الباطل ، ومن ثم فالناى قرين ومشتاق ، ويفسر جعفري ( 1 / 18 ) هذا التضاد بأنه قرين لكل انسان ومشتاق لتوصيله إلى الحضرة العليا وهذا التفسير لا يعطى المعنى فلا بد أن يكون قرينا ومشتاقا في نفس الوقت ،
ومن ثم فالأغلب أن الناى في هذا البيت رمز للروح فهي قرينة لكل جسد ، وفي نفس الوقت تشتاق إلى الحضرة العليا ، وهي قرينة للحضرة العليا وسر من أسرارها لكنها مشتاقة إليها ( من الغريب أن الشراح كلهم يسكتون عن هذه الشطرة ! ! )
 
وقد يكون فيما ذكره جعفري فيما بعد نقلا عن ابن سينا ( جعفري 1 / 21 ) بعض ما يلقى الضوء على هذا المعنى « ولروح الانسان وجهتان : وجهة ناحية الأعلى وناحية موطنها وموضعها ، ووجهة نحو هذه الدنيا .
وقوة فعلها نحو هذه الدنيا ، وقوة إدراكها صوب الأعلى . . . وفي الدار الآخرة » .
 
( 13 - 16 ) : فمن ينبؤك إذن سوى الناى عن الطريق الدموي الملىء بالمشقة ، والذي قطعته الروح منذ منزلها الأول ، وطريق العشاق الذي لا فلاح فيه إلا ببذل الروح ، ولا مرتبة فيه لعاشق قبل أن يبذل روحه ، والذي يمتلئ بأمثال المجنون من العشاق الذين بذلوا كل شئ في طريق العشق ولمولانا إشارة في ديوان شمس :

« 367 »
 
جلجل أيها الناى في العدم وأنظر * إلى مائة من أمثال ليلى والمجنون ومائتين من أمثال وامق وعذار ( عن شكوه شمس ، ص 299 ) لكن كيف تدرك أحوال أولئك الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل العشق وأنت لا زلت في وعيك ؟ ! ألا فلتتخلص من وعيك ومن منطقك ومن عقلك الذي يكثر التساؤل من البداية ، وبعدها تستطيع أن تدرك أحوال من فقدوا حياتهم في هذا الطريق الدامي ، ينبغي أن تكون من أهل هذا الشئ لأن كلا ميسر لما خلق له . . .
كما يسرت الأذن لسماع اللسان ، أو كما قال أبو يزيد البسطامي " علم الله استعداد عباده ، فمنهم من لم يصلح للعشق والمحبة ، فشغلهم للخدمة والعبادة فهم العابدون والزاهدون ، ومنهم من يصلح لمحبته فاختصهم بمحبته فهم العاشقون الوالهون " ( عن الأنقروى 1 / 41 )
ثم يواصل مولانا : إننا مهما لاقينا من عنت الأيام ومن مشقات الطريق ومن الأحزان التي تتوالى علينا ونفاجأ بها في وقت وغير وقت ، ذلك أن الأحزان في سبيل الحبيب لا نهاية لها .
فإنما يعزينا أن الهدف يستحق ، وأنه هو الباقي المنزه في طهر لا مثيل له ، وجمال المقصد يهون مصاعب الطريق ، وبقدر تعب الغربة يكون الفرح بالموطن ، وعلى مستوى آخر من التعبير : إنك إن أدركت أن أحزان الحياة الدنيا ومتاعها هي آخر الأمر إلى نهاية ، وأنك بقدر تحملك لها تظفر بالكنز الباقي ، وأن الباقي في النهاية هو من لا مثيل له في الطهر والنقاء ، لما أحسست بأن هذه المتاعب فادحة إلى هذا الحد ، وغير قابلة للتحمل إلى هذا الحد .
( 17 - 18 ) : هذا الماء . . . ماء المعرفة والفيض الإلهى ، الأسرار المتوالية والمتتالية كالماء الزلال ، وطيور البحر كناية عن الأولياء الغواصين في بحار الحقيقة الخارجين بدرر الأسرار ، وهو تعبير نمطي من تعبيرات المثنوي ( ورد في البيتين 502 و 503 من الكتاب الذي بين أيدينا
 
 
« 368 »
 
والبيت 1341 من الكتاب الثالث والبيتين 2672 و 2673 من الكتاب السادس - عن شرح فروزانفر ص 22 ) ، هؤلاء لا يرتوون ولا يملون ، ولا يحسون بطول الزمان أو توالى الأيام ، فهم في حضور دائم وتجدد مستمر ، وإنما يحس بطول الأيام حقيقة كل من لم يكن له زرق من هذا الفيض ولا نصيب من هذا القوت ، تتشابه أيامهم ، وثقلتهم الوتيرية ، ويزحف عليهم الملل ، وتفوتهم الفرصة ، وفوت الفرصة سبب الحرمان [ روى أن يحيى بن معاذ الرازي كتب إلى أبى يزيد البسطامي : سكرت بشربة من كأس حبه ، فأجابه :
شربت الحب كأسا بعد كأس * فما نفد الشراب وما ارتويت
كان سلطان العارفين وبرهان الوصلين محيي الدين قدسنا الله بسره المبين يقول : الري ما يحصل به الاكتفاء ويضيق به المحل عن الزيادة ، لأن من رأى الغاية قال بالري ، وعلق الهمة بالغاية . . .
ويشهد على ذلك قول ابن الفارض :فلا عيش في الدنيا لمن كان صاحيا * ومن لم يمت سكراً بها فاته الحزم
على نفسه فليبك من ضاع عمره * وليس له منها نصيب ولا سهم( مولوى 1 / 28 - 29 ) . . . 
وقال محيي الدين :الري قال به قوم وليس لهم * علمٌ بأن وجود الري معدوم
لو كان رى تناهى الأمر وانقطعت * امداده وزيادات وتعليم
فالأمر ليس له حد يحيط به * لكنه الرزق في الأشخاص مقسوم


 
 
« 369 »
 
كما عبر مولانا خير تعبير عن هذا المعنى في هذا البيت من ديوان شمس :
لقد صبر الرمل على الماء وأنا لم أصبر فواعجباه * وقوسي لا يليق به هذا الشد فواعجباه وعبر عنه في هذا البيت من أبيات المثنوى :
أيها الأخ إنها حضرة لا نهاية لها * فلا تتوقف على كل ما تصل إليه ( انقروى 1 / 43 ) ،
ولأن أحوال الكمل الواصلين لا يدركها إلا الكمل الواصلون ، ولأن من لم تعركه الأيام ولم يشهد مرارة الطريق ساذج فج ، فإنه لا يدرك أحوال الناضج ، ومن ثم يجب على أن أقصر الكلام ، وألا أخوض فيه ، ولو كان في الدار ديار ،
ولو كان في القربة نفس ، ولو كان التطويل مفيداً ، لجاز هذا التطويل ،
وهكذا يصل مولانا في مواقع كثيرة من المثنوى إلى أنه سوف يخوض فيما لا يصلح لكل أمرؤ ، وفي ما يمكن أن يجر سوء الفهم ويجر المتاعب ، فيتوقف ، لأن شرط الحديث العميق وجود مستمع فذ يقظ ناضج ، ويفسر شمس الدين ( مقالات ص 618 )
صاحب الذوق عندما يؤثر فيه الذوق يعجز عن الكلام . ويعرف ابن عطاء الله الكامل الناضج بقوله ( الكامل عبدٌ إذا شرب ازداد صحواً ، وإذا غاب ازداد حضورا ، فلا جمعه يحجزه عن فرقه ، ولا فرقه يحجبه عن جمعه ، ولا فناؤه عن بقائه ، ولا بقاؤه عن فنائه ، يعطى كل ذي قسط قسطه ، وكل ذي حق حقه ) ( مولوى 1 / 29 ) .
وبهذا البيت انتهت مقدمة المثنوى التي كتبها مولانا بخطه ، ومن بعدها كان المثنوى يملى على حسن حسام الدين .
( 19 - 26 ) : تريد أن تكون عبدا كاملا أيها السالك ، أي بنى حطم كل ما يحيط بك من قيود الدنيا فهي التي تحد روحك وتمنعها عن الانطلاق في العوالم الجديرة بها ، وتجعلها حريصة على


« 370 »
 
الدنيا ، مع أن الإنسان إن حيزت له الدنيا بأجمعها فلن يستطيع أن يستفيد منها أكثر ما يطيقه وجوده ، بل يتمتع المحروم من متع الدنيا بأقل قدر يصله منها ، ويكون الحريص عليها كأتون النار في حاجة دائما إلى حطب يغذيه ، وإن نهل من متعها ، فإن هذه المتع تدمره ، فكأنه يسرع خلف حتفه . أنظر كم يستوعب الإناء من ماء البحر ؟ ! هل يستوعب أكثر من سعته الفعلية وطاقته ؟ !
ومن ثم لا تمتلئ عين الحريص ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب والدر لا يتكون في الصدفة إلا إذا قنعت هذه الصدفة ، وانغلقت على أقل القليل مما يدخلها ( كان القدماء يعتقدون أن الدر يتكون في الصدفة عندما تسقط قطرة ماء عذبه من المطر فتنغلق عليها الصدفة .
ولسعدى الشيرازي في البستان رواية عن تحول قطرة المطر العذبة إلى درة داخل الصدفة ، حين تواضعت لما رأت سعة البحر وحقارتها : ( كليات سعدى : ص 309 / ط 2 ، تهران ، انتشارات جاويدان 1351 هـ . ش ) .


والعلاج الوحيد لحرص الدنيا أن تكون عاشقا ، فإن العشق هو الذي يمزق ثياب المادة ثوبا بعد ثوب ، فيخرج العاشق من أدرانها مرحلة بعد مرحلة ، فكما مزق ثوبا من الأثواب المادية ، أبدل خيرا منه ثوبا من أثواب الروحانية حتى يبرأ من العيوب ، وإلحاق ياء التنكير بكلمة عشق تشير إلى أن مولانا يريد أن يقول أن عشق المرء لشئ ما يعميه ويصمه عما سوى هذا الشئ ، فينصرف إليه بكليته ، ولا يكون له هم سواه ، فلا حرص له على شئ غيره ، ولا اهتمام له بما هو دونه ، والعشق عند مولانا هو سبب الحياة وحافظها . . .
وهو الذي يمنع نظرة مولانا إلى الكون والخليقة من التبدد والتفسخ إلى أشلاء ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ) ويخاطب مولانا العشق : أيها العشق المرتبط بالجذبة الإلهية ، لتسعد ، فإنك الطبيب الذي تعالج كل عللنا وأمراض نفوسنا وأدران بشريتنا وما يشدنا دوما إلى الحضيض ،
فكأنك بالنسبة لنا طبيب لا يستعصى عليه مرض من أمثال جالينوس وأفلاطون ، قال



« 371 »
 
صدر الدين القونيوى في شرح الأسماء الحسنى « العاشق لا يزال في حياة طيبة بشهود المعشوق ، وهو ألذ نعيم العشاق ، وأعظم العيش عند كل مشتاق ، وان ظهر في ظواهر هما آثار الآلام ، فلا ينافي ذلك طيب حياتهم ، فإن الآلام الجسمانية لا تقلل النعم الروحانية ، فالمحجوب إذا رأى بلاء في العشاق ، يحمل ذلك على نفسه ، ونفس العشاق على خلاف ما يتوهم هذا المحجوب ( عن الانقروى ص 49 ) .
ومن العشق ( يعرج ) هذا الجسد الترابى ويسمو إلى الأفلاك ( معارج الأنبياء والأولياء والصوفية وكل من أصابته شرارة العشق أو بالمصطلح المعاصر شرارة الفن ) .
ولا يتقصر الامر على الأنبياء والأولياء ، لا ، بل إن من العشق يهتز الجماد ويخف ويرقص ، وإن لم تصدق فاقرأ «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ، قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ، قالَ لَنْ تَرانِي ، وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً . .
فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» ( الأعراف / 143 ) . وفي مقالات شمس ( ص 174 ) : أنظر إلى الجبل ، الجبل هو ذات موسى وكان يسمى بالجبل لعظمة ومتانته :
أي أنظر إلى نفسك تراني ، من عرف نفسه عرف ربه .
 
( 27 - 29 ) : وهناك الكثير من الأسرار يمكن أن أبوح بها لو أنني وجدت من يستحقها ، ولو اقترنت بقرين نجى مجانس يستحق هذه الأسرار ، ففي هذا الصدر أسرار كثيرة لو تجد أهلا ومن غير المستحب أن تلقى هذه الحكمة أمام غير أهلها فيضيعوها ، وقد قال عليه السلام : ( لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم ) واسرار العشق أمانة الله والأولياء أمناء الله ( انقروى / 53 ) ( سيرد الحديث عن عدم البوح بكل ما يعرفه المرء فيما بعد في الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
ومهما كنت أغلى وجدا ، وأكثر من الكلام فأنا في الحقيقة صامت عن قول ما ينبغي أن يقال ، لأننى افتقر إلى وجود الشريك لي في اللغة ، وليس المقصود هنا لغة الكلام ،
 
 
« 372 »
 
ولكن المعاني التي تختبئ خلف الألفاظ ، ( أنظر الكتاب الذي بين أيدينا عن التجانس في اللغة ، الأبيات 1212 - 1215 وشروحها ) .
ولكل مقام مقال ، أتراك تريد من بلبل أن يغرد في خرابة ذرت أوراقها رياح الخريف وتركتها قاعاً صفصفاً ؟ !
فمن يسمع والرسول يقول : « إن الله يلقى الحكمة على قلوب المرشدين بقدر همم المستمعين » ( انقروى 1 / 54 ) وأنظر راوية أخرى في الكتاب السادس الأبيات 1663 - 1670 وشروحها ) .
 
( 30 - 34 ) : العاشق في حد ذاته حجاب دون معشوقه ذواتنا هي الحجاب الفاصل بيننا وبين المعشوق ، فلو ارتفعت الأنية حدث المعشق كما قال المنصور :
أأنت أم أنا هذا العين في العين * حاشاى حاشاى من اثبات اثنين
بيني وبينك إني نياز عنى * فارفع بفضلك إنيا من البين( أنقروى / 1 - 54 )
وأي تناسب بين العاشق والمعشوق ، العاشق كلهم إلى فناء ، والمعشوق هو الباقي الخالد «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» ( القصص / 88 ) .
وإنما هي عناية المعشوق التي تحفظ العاشق ، ورعايته هي التي تبلغه المراد ( عن العناية انظر الكتاب السادس ، الأبيات 3853 - 3855 وشروحها ) وان لم يكن ثم جذب في فائدة السعي والجهد ؟ ! !
وان لم يكن ثم عطاء فما فائدة القابلية ؟ ! ! وان لم يكن ثم توفيق وهداية فمتى يبلغك عملك أملك ؟ ! !
وإن لم يكن هناك نور من الحبيب يضئ من قدام ووراء فهل يمكن أن تضاء السبل أو تبدو الطرق ؟ !
وأليس هو القائل :« وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ »( الحديد / 28 )
والقائل :« يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ »( الحديد / 12 ) .
وإن كنت عاشقاً صادقاً حقيقياً لا يمكن أن تخفى

« 373 »
 
العشق تكون كالمرآة تعكس حقائق الكون وأسرار المحبة ، يكون قلبك قابلا للأسرار وعاكسا لها كما هي ، إما إذا ران على مرآتك صدأ الدنيا وكدوراتها وعلائقها المادية ومتطلباتها ومهاوسها ، فطمست وجهها ، وجعلته كظهرها ، فمتى تظهر الحقائق والدقائق والأسرار أو تنعكس عليها الصور ؟ !
( أنظر أيضاً الكتاب الرابع الأبيات : 3854 - 3855 وشروحها ) .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Empty
مُساهمةموضوع: المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx    ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا Emptyالإثنين سبتمبر 07, 2020 4:56 am

المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.docx 

المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.txt 

المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 1.pdf 




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ديباجة مولانا الدفتر الأول المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديباجة مولانا الدفتر الرابع المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الخامس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» ديباجة مولانا الدفتر الثاني وحكمة التأخير المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: