ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
ديباجة مولانا الدفتر الثالث على مدونة عبدالله المسافر بالله
مقدمة مولانا المثنوي المعنوي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
“ 23 “
[ الدفتر الثالث ]
( النص )
“ 24 “
.
“ 25 “
[ ديباجة الدفتر الثالث ]
الحكم جنود الله يقوى بها أرواح المريدين ، ينزه علمهم عن شائبة الجهل وعدلهم عن شائبة الظلم ، وجودهم عن شائبة الرياء ، وحلمهم عن شائبة السفه ، ويقرب إليهم ما بعد عنهم من فهم الآخرة ، وييسر لهم ما عسر عليهم من الطاعة والاجتهاد ، وهي من بينات الأنبياء ودلائلهم ، تخبر عن أسرار الله وسلطانه المخصوص بالعارفين ،
وإدارته الفلك النوراني الرحماني الدري الحاكم على الفلك الدخاني الكري كما أن العقل حاكم علي الصور الترابية وحواسها الظاهرة والباطنة ، فدوران ذلك الفلك الروحاني حاكم علي الفلك الدخاني ، والشهب الزاهرة ، والسرج المنيرة ، والرياح المنشئة ، والأراضي المزجية ،
والمياه المطردة ، نفح الله بها عباده وزادهم فهما ، وإنما يفهم كل قارىء على قدر نهمته وينسك الناسك علي قدر قوة اجتهاده ، ويفتي المفتي مبلغ رأيه ، ويتصدق المتصدق بقدر قدرته ، ويجود الباذل بقدر موجوده ، ويقتني الموجود عليه ما عرف من فضله ،
ولكن مفتقد الماء في المفازة لا يقصر عن طلبه معرفته ما في البحار ،
ويجد في طلب ماء هذه الحياة قبل أن يقطعه الاشتغال بالمعاش عنه ، وتعوقه العلة والحاجة ، وتحول الأغراض بينه وبين ما يتسرع إليه ولن يدرك العلم مؤثر هوي ولا راكن إلي دعة ولا منصرف عن طلبه ولا خائف علي نفسه ، ولا مهتم بمعيشته ، إلا أن يعوذ بالله ويؤثر دينه علي دنياه ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسد ولا تورث ميراث الأموال ،
والأنوار الجليلة والجواهر الكريمة والضياع الثمينة ، شاكرا لفضله معظما لقدره مجللا لخطره ، ويستعيذ بالله من خساسة الحظوظ ، ومن جهل يستكثر القليل مما يري في نفسه ويستقل الكثير العظيم من غيره ويعجب بنفسه ما لم يأذن له الحق ،
وعلي العالم الطالب أن يتعلم ما لم يعلم ، وأن يعلم ما قد علم ، ويرفق بذوي الضعف في الذهن ، ولا يعجب من بلادة أهل البلادة ولا يعنف علي كليل الفهم “ كذلك كنتم من قبل ، فمن الله عليكم “ سبحانه وتعالي عن أقاويل
“ 26 “
الملحدين ، وشرك المشركين ، وتنقيص الناقصين ، وتشبيه المشبهين ، وسوء أوهام المتفكرين ، وكيفيات المتوهمين ،
وله الحمد والمجد علي تلفيق الكتاب المثنوي الإلهي الرباني ، وهو الموافق والتفضل وله الطول والمن ، لا سيما علي عباده العارفين علي رغم حزب
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ،فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
والحمد للّه رب العالمين ، وصلي الله علي سيدنا محمد وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
“ 27 “
01 - يا ضياء الحق يا حسام الدين هات هذا الدفتر الثالث ، فقد جرت السنة علي “ أن يكون الأمر ثلاث مرات “ .
- ولتفتح خزانة الأسرار ، ولتترك في هذا الدفتر الثالث الأعذار .
- فإن قوتك تنبع من قوة الحق ، لا من العروق التي تنبض من الحرارة .
- ومصباح الشمس ذاك الذي يشرق ، لا هو من الفتيل ولا من القطن ولا من الزيت .
05 - وسقف الفلك الذي هو دائم هكذا ، ليس بقائم علي طنب وأعواد .
- وقوة جبريل ليست من الطعام الذي يطبخ ، بل هي من مشاهدة خالق الوجود .
- وكذلك قوة أبدال الحق ، اعلم أنها من الحق لا من الطعام ولا من الطبق .
- فأجسامهم عجنت من النور ، حتى تفوقت علي الروح والملائكة .
- وما دمت موصوفا بالأوصاف الجليلة ، تجاوز عن نار الأعراض كالخليل “ 1 “
10 - فتصير النار عليك بردا وسلاما ، يا من تكون العناصر عبيد مزاجك .
- فلكل مزاج أساس من العناصر ، لكن مزاجك أعلي من كل مرتبة .
- فمزاجك هذا صار مستمدا لوصف الوحدة من العالم المنبسط .
- وا أسفاه فإن ساحة أفهام الخلق ، قد ضاقت جدا ولا حلق للخلق .
- وبحذق رأيك يا ضياء الحق ، تهب حلواك الحلق للحجر .
15 - لقد وجد جبل الطور في التجلي حلقا ، حتى شرب هذه الخمر ولم يهدرها .
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ( محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد بلخى
- الجزء السادس - ط 11 - تهران 1336 ( فيما بعد ج / 6 ) :
- لقد استكانت لك الحواس الخمسة والجهات الستة ، يا من صارت العناصر عبيدا لمزاجك .
“ 28 “
- “ صار دكا منه وانشق الجبل ، هل رأيتهم من جبل رقص الجمل “ ؟ “ 1 “ .
- إن الجود بالطعام يتأتي من كل إنسان لآخر ، لكن الجود بالحلق من فعل الله فحسب .
- إنه يهب الحلق للجسد والروح ، ويهب كل عضو من أعضائك حلقا علي حده .
- ويهبك بحيث تصير منسوباً إلي ذي الجلال ، بريئا من الفضول والاحتيال والنفاق .
20 - وذلك حتى لا تبوح بسر السلطان لأحد ، وحتى لا تصب السكر أمام الذباب .
- وإنما لتسمع أسرار الجلال ، أذن ذلك الشخص الذي يشبه زهرة السوسن له مائة لسان لكنه أخرس .
- ولطف الله يهب التراب حلقا ، بحيث يتشرب الماء فينبت منه مائة نبات .
- ثم يهب المخلوق من تراب حلقا وفما ، حتى يأكل النبات ويجد في طلبه .
- وعندما أكل النبات صار الحيوان سمينا ، ثم صار الحيوان طعاما للإنسان ومضى في سبيله .
25 - ثم صار التراب ثانية أكلا للبشر ، عندما غادرت البشر الروح والبصر .
- لقد رأيت الذرات كلها مفتوحة الأفواه ، ولو ذكرت طعامها لطال بنا الحديث .
- والزاد لأوراق “ النبات “ من إنعامه ، ولطفه الكلي حاضن لكل الحواضن .
- فهو الذي يهب الأرزاق الأرزاق ، وإلا فكيف ينمو القمح دون غذاء ؟ ! .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
“ 29 “
- وليس لشرح هذا الحديث من نهاية ، إنما ما قلته مجرد جزء من أجزاء تعلمها .
30 - فاعلم أن العالم بأجمعه أكل ومأكول ، وأن ما تبقي منه مقبل ومقبول .
- وأهل هذه الدنيا وسكانها منتشرون ، أما ذلك العالم وسالكوه فخالدون .
- وهذه الدنيا وعشاقها منقطعون ، وأهل ذلك العالم مخلدون مجتمعون .
- ومن ثم فالكريم هو الذي يسقي نفسه ماء الحيوان حتى يبقي إلى الأبد .
- والكريم هو قبيل الباقيات الصالحات ، ومن سلم من مئات الأخطار والمخاوف والآفات .
35 - وهؤلاء وإن بلغوا الآلاف إلا أنهم ليسوا أكثر من شخص واحد ، ولا يجد هذا الأمر وهم من يحصي عددا .
- فللآكل والمأكول حلق وقصبة حلق ، وللغالب والمغلوب عقل ورأي .
- لقد وهب الحلق لعصا العدل ، فالتهمت العديد من العصى والحبال .
- ولم تزد من ذلك الأكل ، فلم تكن حيوانا ذات أكل وشكل .
- كما وهب اليقين حلقا كالذي وهبه للعصا ، حتى التهم كل وهم تولد .
40 - ومن هنا فللمعانى حلوق كالأعيان ، وواهب المعاني حلوقا هو الله .
- ومن هنا فمن أدني العالم إلي أعلاه “ 1 “ ، لا يوجد أحد في الخليقة ليس له حلق لجذب المادة “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : من السمكة إلى القمر .
( 2 ) ج / 6 - 99 : وحلق النفس إن صار خاليا من الوسوسة ، يصبح جديرا بالوحي الإجلالى .
“ 30 “
- وحلق الروح منزه عن فكر الجسد ، ومن هنا فإن قُوتَها الإجلال “ 1 “ .
- واعلم أن الشرط هو تبديل الطبيعة ، فمن طبيعة السوء يكون موت الأشرار .
- وعندما صارت طبيعة الآدمي أنه أكل للطين ، صار أصفر سييء اللون وسقيما وذليلا .
45 - وعندما تبدلت طبيعته السيئة ، انتفي القبح عن وجهه وتألق كالشمع .
- فأين الحاضنة للطفل الرضيع ، لتجعل فمه السييء طيبا بنعمتها ؟ “ 2 “ .
- وعندما تقطع طريق الثدي عليه ، تفتح أمامه الطريق إلي مائة بستان .
- وذلك لأن الثدي حجاب لذلك الضعيف ، أمام آلاف النعم والموائد والرغائب .
- وإذن فحياتنا متوقفة على الفطام ، فجاهد رويدا رويدا ، هذه هي خلاصة الكلام .
50 - وعندما كان الإنسان جنينا كان الدم غذاءه ، فهو يستمد الطهر من النجس ، وهكذا المؤمن “ 3 “ .
- ومن فطام الدم يصير غذاءه اللبن ، ومن فطام اللبن يصير أكلا للطعام .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 99 : وحلق العقل والقلب عندما خليا من الفكر ، وجد صاحبهما الرزق البكر دون هضم من المعدة
( 2 ) ج / 6 - 110 واين الحاضنة للطفل الرضيع ، حتى تغذية بالنعم .
( 3 ) ج / 6 - 100 : - وعندما كان الانسان ضعيفا كان آكلا للدم فحتام يكون سدى وجوده ولحمته من الدم ؟ !
“ 31 “
- ومن فطام الطعام يصير “ في حكمة “ لقمان ، طالبا لكل خفي فيما هو ظاهر .
- فلو أن أحدا قال للجنين وهو في الرحم : هناك عالم في الخارج شديد النظام .
- هناك أرض نضرة ذات عرض وطول ، فيها مئات النعم وكثير من الأكولين .
55 - وفيها الجبال والبحار والصحاري والبساتين والحدائق والمزارع .
- وهناك سماء عالية جداً شديدة الضياء ، فيها شمس وقمر ومئات من نجوم السها .
- ومن “ رياح “ الجنوب والشمال والدبور ، فيها حدائق ذات أعراس وبهجة .
- ولا توصف عجائبها . . . فأية ظلمة هذه التي تكون فيها ممتحنا ؟
- تأكل الدم في إطار مضيق من الحبس والأنجاس والعناء .
60 - لكان هو بحكم حاله منكرا ، ولأعرض عن هذه الرسالة وكفر بها .
- قائلا : إن هذا محال وخداع وغرور ، وذلك لأن وهم الأعمي لا يستطيع التصور .
- وما دام إدراكه لم ير جنس الشيء ، فإن إداراكه المنكر لا يستمع إلي شيء .
- وهكذا الخلق علي وجه العموم في هذا العالم ، عندما يحدثهم الأبدال عن ذلك العالم ( قائلين ) :
- هذه الدنيا جب شديد الظلمة والضيق ، وخارجها عالم “ شفاف “ لا لون له ولا رائحة .
65 - فإن أذانهم لا تنصت علي الإطلاق إلي شيء من هذا ، لأن طمعهم “ في الدنيا “ حجاب غليظ وكثيف .
- فالطمع هو الذي يسد الأذن عن الاستماع ، كما أن الغرض يعمى العين عن الاطلاع .
“ 32 “
- مثلما يكون طمع ذلك الجنين في الدم ، فهو غذاؤه في الأوطان الدنية .
- ومن ثم يحجب عن الحديث عن هذا العالم ، لأنه يعلم إلا الدم طعاما له “ 1 “ .
.