مقدمة مولانا وحكمة التأخبر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
مقدمة مولانا وحكمة التأخير على مدونة عبدالله المسافر باللهمقدمة مولانا وحكمة التأخير المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
شرح مقدمة مولانا وحكمة التأخبر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي
« 317 » شروح المقدمة: تعد المقدمة من أكثر مقدمات الأجزاء الستة للمثنوى غموضا في العبارة أدى بدوره إلى غموض المعنى . ويرى كولبنارلى ( نثر وشرح مثنوى شريف ، الترجمة الفارسية لتوفيق سبحانى ، دفتر دوم ، جاب أول ، زمستان 1371 ، ص 20 ، فيما بعد كولبنارلى ، الترجمة الفارسية ) . أن مولانا كان قد كتب مقدمة أكثر تفصيلا على المجلد الثاني . لكن هذه المقدمة كتبت فيما بعد بشكل آخر هو الذي وصلنا . وأن المقدمة القديمة كانت تحتوى على هذه السطور « في سبب تأخير إنشاء هذا النصف الثاني من كتاب المثنوى نفع الله به قلوب العارفين وبيان الشروع فيه بعد فتور وشروح الوحي على المرء بعد فتور وانقطاعه بسبب زلة وسبب فتور كل صاحب حال وسبب زوال ذلك الفتور بشرح الصدور والسلام :حلو هو في رأس المجنون هوسه * بشرط أن يكون هو سالكا أيضا فإذا اتخذ المرء فاتنا في دنياه * فلن يأخذ ما هو أحلى من سلطاننا هذا كولبنارى ، 2 / 21 . 1 - ويدور افتتاح المقدمة - مثل افتتاح النص - حول تأخر بدء مولانا جلال الدين في نظم الكتاب الثاني ، ويقول فيما بعد ( النص 6 - 7 ) : أنه بدأ نظم الكتاب الثاني في الخامس عشر من رجب عام 662 ه : 13 مايو 1264 م . ويقول الأفلاكى ( مناقب العارفين / 113 ) : أن مدة التأخير عامان ( وهو ما عليه الجمهور ) ويرى أن السبب فيه هو وفاة زوجة حسام الدين جلبي كاتب إلهام مولانا ، لكن مولانا في أواخر الكتاب الأول يتحدث عن خلافة العباسين في بغداد ويقول أن خلافتهم مستمرة إلى آخر الزمان ، ومعنى هذا أنه كان ينظم أبياته هذه قبل سقوط بغداد على أيدي المغول . ونهاية الحكم العباسي سنة 656 / 1258 ومن هنا يكون نظم المثنوى قد بدأ قبل سنة 656 وأن الكتاب الأول للمثنوى قد تم قبل السنة المذكورة ، وقد توفى صلاح الدين زركوب القونيوى « 318 » سنة 657 هـ - ( 29 / 11 / 1258 م ) ومن هنا يكون سبب التأخير ليس فحسب وفاة زوجة حسن حسام الدين وانشغاله بنفسه عن الكتابة لمولانا ، بل يضم إليها سبب آخر هو وفاة صلاح الدين ، ومن ثم يكون التأخير أكثر من عامين ولفترة تقترب من خمس سنوات ( كولبنارلى ، الترجمة الفارسية ، ص 32 ) ، لكن قد تكون هناك أسباب أكثر منطقية لتوقف مولانا جلال الدين عن النظم وهي أن نمط تلقى الجمهور لنص مثل المثنوى ، وبخاصة المجلد الأول الذي يعد أكثر أجزاء المثنوى صعوبة وأحفلها بقضايا التصوف مثار الخلاف - كان أحد الأسباب لتوقف مولانا عن الإملاء والنظم لا عن الفكر .والظاهرة الملفتة لأي قارىء متذوق للمثنوى انه كلما تقدمنا في أجزاء المثنوى قلت ظاهرة الصعوبة والغموض والإغراب ، وكثرت الحكايات ، وزاد ضرب الأمثال ، وازداد النص وضوحا ، فلعل مولانا بفترة توقفه - أميل إلى تقبل رأى كولبنارلى بأنها خمس سنوات وليست سنتين - لإعادة النظر في أسلوب عرض قضايا المثنوى - الذي كان كتابا تربويا من الطراز الأول ، وأن الأسباب الأخرى كان مجرد أسباب عارضة .والدليل :2 - يقول مولانا " إن الحكمة الإلهية كلها برمتها معلومة للفقير ، ولفائدة هذا العمل توقفت عنه " أي أن التوقف لم يكن لانقطاع في العرض بل لبيان الحكمة بالقدر المستطاع ، والتفكير فيها لعدم تحملها - لأنها على حد قوله - تدمر إدراك الفقير . " وبيان قدر من الحكمة " يشبه خطام البعير ، يقوده ( وفي الكتاب الذي بين أيدينا يشبه الحكمة بأنها ناقة المؤمن الضالة يطلبها ) 3 - أن الحكمة تؤخذ بالهوادة ، مثل سوق البعير من خطامه ، إن تركتها تنهمر ، لاغرقت ، وإن منعتها لشحت بل ينبغي أن تعرض بالقدر المعلوم الذي يتحمله البشر . « 319 » 4 - وبتعبير مولانا أن عدم عرض الحكمة انصبابا هو من الحكمة والوسطية التي كان يتوخاها في كل الأمور ، ويضرب المثل بالتراب ( الجسد ) والماء ( المعرفة ) فإن زاد الماء لما أصبح مدرأ ( تمثل بشرا ) وإن قل الماء فالنتيجة واحدة ، ويستشهد بالآية الكريمةوَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ( الحجر / 21 ) . جاء في شرح المولوي ( يوسف بن أحمد المولوي " المنهج القوى لطلاب المثنوى ، ج 2 ، ص 3 - 4 ، فيما بعد مولوى / 2 ) نقلا عن تفسير نجم الدين كبرى : ( يشير أن لكل شئ خزائن مختلفة مناسبة له ، كما لو قدرنا شئيا من الأجسام فله خزانة لصورته وخزانة لاسمه وخزانة لمعناه وخزانة لرائحته وخزانة لطعمه وخزانة لطبعه وخزانة لخواصه وخزانة لأحواله المختلفة الدائرة عليه بمرور الأيام وخزانة لنفعه وضره وخزانة لظلمته ونوره وخزانة لملكوته . . . وغير ذلك ، وهو خزانة لطفه وقدره ، وما من شئ إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون وقلوب العباد خزائن صفات الله بأجمعها ) . 5 - ويعبر مولانا عن أهمية وجود " التوازن " في الأعمال الأدبية الكبرى - والواقع أنه في هذه المقدمة إنما يتحدث عن برنامج لكتابة الأعمال الأدبية الكبرى - وليس الموضوع هو موضوع تأخر الجزء الثاني بقدر ما هو بيان لأسباب الفترة والتوقف بأسلوب كان بلا شك مفهوما في عصره . والتعبير عن التوازن هنا " بالميزان " الوارد في الآية الكريمةوَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ( الرحمن / 7 ) وفي حديث نبوي شريف « الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين » وقال النبي صلى الله عليه وسلّم : « بالعدل قامت السماوات والأرض » . وقال نجم الدين ابن الداية : والسماء رفعها يعنى سماء الصدر ، رفعها فوق أرض البشرية ووضع الميزان ، يعنى وضع القوة المميزة العاملة بين القوى السماوية والأرضية . « 320 » ( مولوى / 2 - 4 ) . هذه هي العدالة الإلهية ، وبالظلم تخرب الأرض ، ويختل نظام المجتمع ، وتضيع القيم ، وتكسد الأسواق ، وتضل العقول . 6 - إن الله يعطى كل شئ بقدر وبميزان ، وبقدر الحاجة - ولا يفور الثدي باللبن ما لم يبك الطفل ، لكن هذا ينطبق على البشر العاديين ، لا على أولئك الذين بدلوا ، أي الواصلين إلى الحق ، الذين عرض نحاسهم على كيمياء التبديل ( الشيخ ) وصاروا ربانيين وفرغوا من الحياة المادية ، والله تعالى يرزقهم الحكمة بغير حساب ، وبقدر ما يريدونهايَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ *( البقرة / 212 ) . 7 - أن المعاني هنا ليست بحساب العقول ولا بما يجرى على كل المعاني ، بل هي أمور بالذوق ، فالعشق لا يشرح ، ومن ذاق عرف ، ولا يدرك الوجد إلا من يكابده ، فكأن مولانا يريد أن يقول أن هناك أمورا أخرى حددت مصير هذا العمل وأخرته ، لا يمكن بيانها وإنما على المرء أن يدركها هو بذوقه إن كان عاشقا ( عن العشق ، أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) . 8 - من الذي يمكن أن يتحدث عن العشق ، وعشق البشر كله على سبيل المجاز .وعشق الحق هو الحقيقة ، فمحبة الله مقدمة على محبة المؤمنين ، فمحبة الله للمؤمنين تظهر محبة المؤمنين لله ، محبة العبد لله فناء الناسوتية في بقاء اللاهوتيّة ومحبة الله للعبد إبقاء اللاهوتية في فناء الناسوتية . وقال نجم الدين كبرى في معنى هذه الآية : الإشارة فيها أن الدين الحقيقي هو طلب الحق ، فقال تعالى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا . . .يطلب الحق بعد أن كانوا في ضلالة طلب غير الحق. . . مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ . . .وهو طلب الحق حقيقة طالبا غير الله من الدنيا والآخرة كما قال تعالى :مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَحتى قرئت هذه الآية عند الشبلي رحمه الله ، فشهق شهقة ، وقال :ثمة أحد يقول ومنكم من يريد الله ( مولوى / 2 - 5 ) . « 321 » [ شروح الأبيات ]( النص ) ( 1 - 2 ) : يعتذر عن تأخير بدء الجزء الثاني من المثنوى بأنه كان لا بد وأن يترك الأفكار دون تعبير ليتم نضجها داخله ، تماماً مثلما تلزم المهلة ليتحول الدم داخل الجسد إلى لبن سائغ للشاربين ، ثم ينتقل إلى فكرة الحاجة . الحاجة هي التي تول الفكرة مثلما يفور الثدي باللبن بمجرد ميلاد الطفل واحتياجه إلى الرضاع . ( 3 - 4 ) : الأبيات هي التي دفعت الشراح إلى اعتبار أن غيبة حسن حسام الدين كانت السبب في تأخر صدور الجزء الثاني من المثنوى . لقد كان في " معراج الحقائق " وكان في " بحر الروح " ولعل حسام الدين بعد فقد لزوجته قد اعتزل الحياة العملية فترة من الزمان والشغل بمجاهداته الروحية " معراج الحقائق وبحر الروح " . تلك الفترة التي توقف فيها مولانا عن نظم المثنوى لأسباب كانت لديه . وبعوده حسن حسام الدين ، وجد مولانا ملهمه الذي كان يجعل المعاني تنفجر منه ( عن حسن حسام الدين ، أنظر مقدمة ترجمة الكتاب الأول ) . وكعادة مولانا يمزج بين الفكر والطبيعة ، فحسن حسام الدين هو الربيع ، وبراعم الفكر لا تتفتح إلا بوجود الربيع . ( 5 - 7 ) : المثنوى الذي هو يقوم بصقل الأرواح مما علق بها من أدران من اقترانها بالجسد ، كانت عودته يوم استفتاح ، وبينما عبر الشراح عن الاستفتاح بمعناه الحرفي ، أي فتح أبواب العالم الروحي وعودة إلى فتح أبواب المثنوى بعد أن أغلقت تلك الفترة . في حين توقف الأنقروى ( إسماعيل حقي الأنقروى ، شرح المثنوى ، المجلد الثاني ص 9 ، استانبول 1289 ، فيما بعد انقروى ) ، عند المعنى فقال أن بعضهم يقول أن يوم الاستفتاح هو يوم المعراج وهو خطأ والشائع أنه يوم الجمعة الأول من رجب ، ثم التقط جلبنارلى الخيط « 322 » ( شرح جولبنارلى 2 / 33 ، من الترجمة الفارسية ) وقال أن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه ( متوفى 148 ه / 765 م ) علم أم داود بن المثنى ابن الإمام الحسن رضي الله عنه دعاء نتلوه في الأيام الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة من شهر رجب بعد صلاة الفجر وبعد قراءة سور معينة من القرآن الكريم ، وهذا الدعاء معروف بدعاء الاستفتاح ودعاء أم داود ، وكانت قد طلبته من الإمام لفك أسر ابنها من السجن . وهذا التفسير يتوافق مع ما هو مذكور ومشهور من بداية مولانا للكتاب الثاني في شهر رجب من سنة 662 ه . وفي يومه الخامس عشر منه بالذات الذي قبله استعلامى كتاريخ ليوم الاستفتاح ( محمد استعلامى : مثنوى جلال الدين محمد بلخى ، جلد 2 ، ص 176 ، ط 1 تهران ، زوار ، 1362 ه . ش ، فيما بعد استعلامى / 2 ) .( 8 - 9 ) : البلبل والبازي من الممكن أن يكونا كناية عن حسن حسام الدين ومن الممكن أيضا أن يكونا كناية عن الأفكار التي هاجرت فترة من الوقت عالم البر إلى عالم بحر المعاني ثم عادت ، والملك هو المرشد ، " وهذا الباب " يقصد به المثنوى وهو باب الرحمة والولوج إلى العالم الروحاني والاستفادة من المعاني ، والتعرض لكيمياء التبديل . ( 10 - 14 ) : ها هي هذه المعاني صارت مبذولة بعد أن صار هذا الباب مفتوحاً ، لكن أين المتلقى الجدير بهذا الطعام المعنوي ؟ ! إن أمامه حجاباً من هذا الفم الجسدي المغرم بأطايب الطعام ، ( انظر لهذا المعنى الأبيات 1631 و 1651 و 1972 و 3077 و 4005 من الكتاب الأول وشروحها ) ، وإن الشهوة لتسد عليه آفاق المتعة الروحية ، وإن هذا الغم هو فوهة جحيم الجسد ، والدنيا في حد ذاتها ليست بالجحيم ، وليست بالجنة لكنها على مثال البرزخ ، أو الأعراف « 323 » ينتقل منها إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فهي إما تقود إلى النور الباقي فهو مبدؤه ، مثلما يوجد اللبن الصافي داخل الفرث والدم ، وهذا يتفق مع المنحى الفكري لمولانا جلال الدين من أن الجهاد الحقيقي هو في هذه الدنيا ، وأن جنة المرء وجحيمه في داخله هو " روحه ونفسه " ( موسى وفرعون داخلك ، أنظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، الأبيات 1252 - 1255 وشروحها ) .ومن ثم ينبغي أن يكون المرء في هذه الدنيا على حذر واحتياط دائمين ، حتى لا ينقلب صفوه إلى كدر ، ولبنه إلي دم . ( 15 - 18 ) : إشارة إلى سيرة آدم عليه السلام وأكله الحنطة وطرده هو وحواء من الجنة ( أنظر الأبيات من 1258 إلى 1270 و 1490 و 1623 و 2151 في الكتاب الأول ) وفي البيت رقم 16 إشارة إلى بكاء آدم عليه السلام ، قال وهب بن منبه " سجد آدم على جبل الهند مائة عام يبكى حتى جرت دموعه في وادى سرنديب ، وأنبت الله في ذلك الوادي من دموعه الدارصينى والقرنفل وغير ذلك من الطيب ، وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ، ثم جاءه جبريل عليه السلام ، فقال له : إرفع رأسك فقد غفر لك ، فرفع رأسه وأتى الكعبة فطاف بها أسبوعاً فما أتمه حتى خاض في دموعه . ( مولوى 2 / 14 ) . لقد كان ذنبه قليلًا ، لكنه عظيم بالنسبة لنبي . وهكذا مثلما تكون الشعرة في العين إنها مجرد شعرة لكنها تحجب الرؤية الحقيقية بشكل تام . لقد كان ينظر بالنور الأزلي ومن ثم كان الذنب عظيماً . ( 19 - 23 ) : لما ذا عصى آدم ولم نجد له عزماً ؟ يقول مولانا : إنه لم يتشاور ، بل كانت مجرد مشاورته مشاورة نفس مع نفس ( آدم مع حواء ) ويدق مولانا كثيراً على المشورة ولزومها في أكثر من موضع من مواضع المثنوى ( أوضحها « 324 » ما ورد في الكتاب الرابع في قصة مشورة فرعون مع هامان وفي قصة السمكات الثلاث الواردة في الكتاب الرابع أيضاً ) . ولزوم المشورة عند مولانا نابع من تركيزه على لزوم المرشد ، فمن أولى بالمشورة من مرشد يستمد مباشرة من العقل الكلى فهو جزء منه . وهو - بعيداً عن شروح أصحاب الإشراق وترتيب المراتب - ذلك العقل الذي يكون مستمداً للنور وقابلًا له من الحق مباشرة . والرفيق الإلهى المذكور هو المرشد ، ويقول بعض الشراح ( إستعلامى 2 / 177 ) أن المقصود به هو حسن حسام الدين ، لكن الحديث هنا عام لأنه ترك الحديث عن موضوع تأخر البدء في الدفتر الثاني من المثنوى ( عن العقل أنظر الأبيات 1510 و 1905 و 2062 من الكتاب الأول ) فالمرء مع من أحب ( حديث نبوي ) والمرء مع من أحب وله ما اكتسب ( جلبنارلى ، الترجمة الفارسية ، 2 / 33 ) . ( 24 - 29 ) : تناول لموضوع الخلوة والعزلة وبينما يميل مولانا دائماً إلى الحديث عن أهمية الوجود داخل تيار المجتمع ، ويذم التنطع في العزلة والتزهد ( كما هو موجود في الكتاب الثالث ، حكاية الزاهد الذي نذر ألا يأكل من فاكهة الجبل ) يرى هنا أن العزلة ذات شروط يعلمها المرشد اصلًا ، وأن العزلة تكون عن الأغيار لا عن الأحباء ، فصحبة الأحباء ذات فائدة ، هذه الفائدة هي تمحيص الرأي وإبداء المشورة ، فعقلٌ على عقل يساوى نوراً على نور ( والوحدة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من الوحدة ، وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر ) . ( أحاديث نبوية عن جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 2 / 33 ) والربيع المذكور هو السير إلى الله والشتاء هو الاشتغال بأمور الدنيا ( تكون الخلوة بمثابة فراء يحفظنا - وعكس العقل النفس الأمارة بالسوء ) وإذا اجتمعت نفسان فقد زادت الظلمة وادلهمت ، فكلتاهما « 325 » توسوس للأخرى ، ولسان كل منهما إنما يثير الغبار ، ويجعل القذى ( طعام الدنيا ) يرتفع أمام عين القلب فيحجبها عن الرؤية . ( 30 - 33 ) : كل صديق بمثابة المرآة لصديقه ، والمؤمن مرآة المؤمن ( حديث نبوي ) ( أنظر شروح على الحديث في الكتاب الأول ، الأبيات 1337 و 3160 و 3534 وشروحها ) . فصفاء المؤمن ينعكس في صفاء مرآة مؤمن آخر . ومن تفسير المناوي : أي يبصره من نفسه بما لا يراه من دونه . وقال العامري : كن لأخيك كالمرآة تزيد في محاسن أحواله وتبعثه على الشكر وتمنعه من الكبر وتريه قبائح أموره بلين نصحه ولا تفضحه ( مولوى 2 / 16 ) فحذار ، حافظ على هذه المرآة ، وإياك أن تجعل وجهها كدراً غير عاكس بما تنفثه فيها من هواء النفس ، واكتم هذا الهواء عنها ، اكتم كل ما توسوس به نفسك لك . ( 34 - 40 ) : لا يزال مولانا يواصل الحديث عن أهمية الرفقة الطيبة ويقدم صوراً من الطبيعة ، فالرفقة الطيبة للتراب مع الجو المناسب والبذرة الحسنة أنبتت شجرة طيبة ، رفقة الربيع للتراب جعلته خضرة ونضرة وأنبتة وروداً ورياحين ، وعندما حل الخريف ، آثرت أن تختفى تحت التراب ، هرباً من ذلك البلاء وانتظارا لحلول الربيع ، وقالت النوم خيرٌ من صحبة الأشرار ، ( والمثل ورد في معارف بهاء ولد ، ص 38 : إن لم يكن التراب ذكيا فلم يحفظ نفسه من فصل الشتاء المجنون وينتحى جانباً عنه ، وإن لم يكن يعرف الحبيب ، فلما كان يضحك للربيع ويعرض محصوله عليه ) .ونوم أهل الكهف ( أنظر الأبيات من 406 - 409 و 1026 و 3019 من الكتاب الأول ) خيرٌ من ظلم دقلديانوس ، ليس نوم أهل الكهف نوماً ، إنه عبادة ، ولو كان من أهل الكهف قد بقوا أيقاظاً لأخذهم فساد دقلديانوس ، لكن نومهم كان أساساً للعز والشرف ، كان نومهم « 326 » فراراً والفرار من الفساد أولى . وهكذا تكون الخلوة عن الأغيار ، " ونوم على علم خير من صلاة على جهل " ( أحاديث مثنوى / 42 ، حديث نبوي عن جلبنارلى 2 / 33 ) تماما مثلما تصمت البلابل في الخريف وتختفى عندما تسيطر طيور الزاغ ( فصيلة من الغربان ) على الروضة والبستان . ( 41 - 44 ) : البلابل كناية عن رجال الحق ، وطيور الزاغ كناية عن العوام والجهال والأغيار ، وعندما تغيب الشمس يحل الوسن ، لكن هناك شموساً لا تغيب ، بل أنها عندما تموت الموت الجسدي ، إنما تنقل أنوارها إلى طباق الثرى فتملأها بالنور . هذا عن نور الأجساد ، لكن شمس نور العلم ليل نهار ، هل يمكن أن تكون شمس الكمال هنا إشارة إلى شمس الدين التبريزي ؟ ! ! ( أنظر الأبيات 120 - 124 من الكتاب الأول وشروحها ) . ( 45 ) : فاطلب هذه الشمس إن كنت عظيماً في عظمة الإسكندر ذي القرنين الذي وردت سيرته في سورة الكهف ( آيات 83 - 89 ) وثمة اختلاط هناك بين ما ورد في الآية وبين ما ورد عن حياة الإسكندر المقدوني في كتب التاريخ ، حيث خاض المفسرون في هذا الموضوع وتبعهم بشكل أو بآخر كتاب المنظومات القصصية الفارسية ( أنظر في الأدب المقارن لمحمد كفافى ، وبحث عبد النعيم حسنين المنشور في مجلة كلية الآداب - جامعة عين شمس ) . وقد تناول المفكر الهندي المسلم أبو الكلام آزاد هذا الموضوع في بحث ترجمه سعيد نفيسى إلى اللغة الفارسية مقارنة ما ورد عن هذا الموضوع بما ورد في أسفار العهد القديم بما يوحى بأن المقصود هو قورش الكبير الأكمينى ( المتوفى سنة 519 ق . م ) . ويفسر أبو الكلام آزاد ذهابه إلى المغرب بفتح ليديا وذهابه إلى الشرق بفتح بكتريا ( بلخ ) والمقصود بقوم يأجوج ومأجوج شعوب كانت تعيش في جنوب « 327 » البحر الأسود ، والسد معابر جبال القفقاز كان يسميه العرب باب الترك وباب الخزر . وعلى كل حال فإن كل هذه التفسيرات تفسيرات اجتهادية ، إلا أنها ترسم صورة في المأثور الإسلامي لذي القرنين على أنه نبي من الأنبياء أو على الأقل ولى من الأولياء ، وثمة رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه - ما معناه - إن لك منزلا في الجنة وأنت ذو القرنين في هذا المنزل " . كما أن علياً قال عن نفسه :أنا ذو القرنين هذه الأمة ، وثمة تأويل صوفي للقصة ، فذو القرنين هو القلب المستعد للمعرفة حبيس في أرض الجسد وعنده الاستعداد للوصول إلى الكمال ، وهو يميل إلى المغرب أي إلى الجسم ويرى فيه قوى النفس ، ويميل إلى الشرق أي مشرق الروح وينظر إلى نور الشمس بالقوى القدسية التي ليس دونها حجاب . وهناك دونه سدود الدنيا والحواس المرتبطة بالبدن ، وهذه الحواس لا تدرك المفاهيم ، وما لم يخلص منها إسكندر القلب فإنه لا يجد علماً عما وراءها . ( باختصار عن شرح جلبنارلى / 2 ، الترجمة الفارسية صص 33 - 36 ) والتفسير الصوفي هنا متوافق مع نص مولانا جلال الدين . ( 46 - 48 ) : ذلك أن المرء إن عثر على القلب وسيطر عليه ، فإنه يجد مشارق الأنوار حيثما ذهب وأينما حل ، وحيث تتبدل الأحاسيس الجسدية ( الخفاشية ) إلى أحاسيس نورانية ناثرة لدرر المعرفة وتصبح مصداقاً ل " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " وإنك إن أدركت أن آفاق المعرفة هي ما تمليه عليك هذه الحواس ، فأنت والحمار سواء لأنه يشاركك هذه الحواس الخمسة الظاهرة ، والراكب : كناية عن الإنسان المشرف بصفة الإنسانية عليه أن يكون ممتطياً هذه الحواس ، مسيطراً عليها موجهاً لها لا أن تمتطيه هي ( أنظر الأبيات 570 و 1020 و 1032 و 3293 و 3408 من الكتاب الأول وشروحها ) . « 328 » ( 49 - 51 ) : تكرار للمضمون الوارد في البيتين 3590 و 3591 من الكتاب الأول عن الحواس الباطنة ، فالحواس الظاهرة دليل إلى عالم المادة والحواس الباطنة مرتبطة بالحقيقة أو روح الروح ومن هنا فهي بمثابة الذهب والحواس الظاهرة بمثابة النحاس ، والحواس الظاهرة يربيها البدن ، بينما يربى الحواس الباطنة ولى أو مرشد أو بتعبير مولانا جلال الدين " شمس ما " ( أنظر 3590 و 3591 من الكتاب الأول ) . ( 52 - 60 ) : يتجه مولانا إلى محبوب حقيقي هو الله سبحانه وتعالى الذي يحمل متاع الحواس إلى الغيب . أي يجعل من متاع الحواس غيبا ، ويطلب مولانا من الله سبحانه وتعالى أن يعيد ثانية معجزات رجال الحق ، وهذا ما يعبر عنه هنا باليد البيضاء ( القصص / 132 ) معجزة موسى عليه السلام ، إن صفاتك كلها شموس للمعرفة ، والخطاب للولي المتحقق بينما شمس الفلك ذات صفة واحدة مقيمة عليها لا تريم ، فأنت تكون حينا شمساً من حيث منحك للنور ، وحيناً بحراً من حيث إحاطتك بالمعارف الإلهية ، وحينا جبل قاف بك يكون ثبات العالم ، وحينا عنقاء شديد الشهرة خفى الذات ، وفي شرح السبزواري ( ص 98 ) : وفسر جبل قاف أيضاً بعالم المثال لأنه يحيط الدنيا وعالم المثال محيط بعالم الدنيا ، والعنقاء هي الجوهر المجرد وروح القدس وملاك النجاة والناموس الأكبر والعقل الفعال . لكنك في الحقيقة لست هذا ولا ذاك ، إنك في الحقيقة تعلو عن هذا وعن ذاك ، " كل ما ميزتموه بعقولكم أو تصورتموه بأذهانكم فالله غيره " . وإن روح الوجود أي الروح بمعناها المطلق والوجود بلا قيد ولا شرط ( أنظر 605 و 1128 و 3287 من الكتاب الأول ) هذه الروح منبعثة من العلم الإلهى والعقل الكلى ، ولا يمكن أن تبين بالألفاظ سواء كانت هذه الألفاظ عربية « 329 » أو تركية ، وأنت يا حقيقة أزلية أبدية بلا صورة ، لكنك متجل في كل الصور ، يحار فيك المشبه الذي يقيسك بصور الموجودات من مخلوقاتك فيجعل لك يداً وقدما ووجهاً ، والموحد الذي ينزعك عن كل شئ ، والأمر كله في يدك أنت يا الله الذي تجعل المشبه موحداً ، والموحد مشبهاً ، بحيث يخاطبك كما يخاطب محبوباً أرضياً قائلا لك " يا صغير السن يا رطب البدن " ( في بحث قام به جلبنارلى ذكر أن مولانا أورد في غزلية في الديوان الكبير أي ديوان شمس ما يفيد من أن الشطرة المذكورة هي للحسين بن منصور الحلاج ، وإن لم ترد في نسخة ماسينيون 37 - 38 من الترجمة الفارسية لشرحه ، والغزلية التي ورد فيها الشطرة عربية كلها وهذا نصها ( من الديوان الكبير ، ص 797 - 798 ) :يا صغير السن يا رطب البدن * يا قريب العهد من شرب اللبنهاشمي الوجه تركى القفا * ديلمى الشعر رومى الذقنروحه روحي وروحي روحه * من رآى روحين عاشا في بدنصح عند الناس أني عاشق * غير أن لم يعرفوا عشقى لمناقطعوا شملي وإن شئتم صلوا * كل شئ منكم عندي حسنذاب مما في متاعي وطني * ومتاعي باد مما في وطنوقال جلبنارلى عن البيت الرابع انه ورد في فصوص الحكم لابن عربى ، غير منسوب إلى أحد ( ص 38 ) .والخطاب هنا فيه تورية ، يذكر بما قاله أو يزيد البسطامي ، أنا أكلم الله وأسمع منه منذ ثلاثين سنة والناس يظنون أنى أكلمهم ، ومعاذ الله أن تكون مخاطبة أولئك السلاطين ومعاملتهم مثل المحجوبين من البشرية والمحبوسين في سجن الطبيعة والشهوة - حفظنا الله وإياكم من سوء الخواطر إلى الأكابر . ( أنقروى : شرح المثنوى 2 / 21 ) . « 330 » وقال سبزوارى ( ص 110 ) أن المعنى هو ما عبر عنه في تائية ابن الفارض :وصرح باطلاق الجمال ولا تقل * بتقييده ميلا لزخرف زينةفكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحةبها قيس لبنى هام بل كل عاشق * كمجنون ليلى أو كثير عزةفكل صبا منهم إلى وصف لبسها * بصورة حسن لاح في حسن صورةوما برحت تبدو وتخفى لعلة * على حسب الأوقات في كل حقبةوتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعةففي مرة لبنى وأخر بثينة * وآونة تدعى بعزة عزتوليس سواها لا ولا كن غيرها * وما إن لها في حسنها من شريكةكذاك بحكم الاتحاد بحسنها * كمال بدت في غيرها وتزيت ( 61 - 64 ) : يعود مولانا مرة ثانية إلى مناقشة معطيات الحس الظاهر ومعطيات الحس الباطن . ويفرق مولانا بين نظريتين : نظرة يشجبها ويرفضها وهي نظرة المعتزلة ( ناقش مولانا في أكثر من موضع بعض نظريات أهل الاعتزال ، أنظر مثلا مناقشة تسبيح الجماد في الكتاب الثالث ، كما نوقش مذهب أهل الجبر من وجهة نظر أهل الاعتزال في الكتاب الأول ، الأبيات 621 - 632 و 943 - 948 و 1501 - 1512 وناقش أيضاً تساوى عقول البشر عند الميلاد في الكتاب الثالث ) .أما أهل السنة هنا فهم بالطبع الأشاعرة ، ويقارن بين نظرتين : نظرة أهل الاعتزال العاكفة على الحس والتي لا تعترف بأية معطيات خارجة ، ونظرة أهل السنة ( والواضح أنها مرادفة للمؤمنين عموماً ) وهو الذي يؤمن بأن رؤية الله ممكنة ، وذلك أنه خرج عن الحس ولم يقم عليه ! !( 65 - 73 ) : لو كان المقصود بالإنسان هو هذه الحواس الظاهرة ، لتساوى « 331 » الإنسان مع الحيوان ، لكن الإنسان مكرم ، وإن لم يكن مكرما متى كان يسمح له بالحس المشترك الذي يربط الحواس الظاهرة بالحواس الباطنة ، فكيف تحكم بأنه مُصور أو غير مصور ما دمت أنت نفسك لا تزال رهين عالم الصورة مقيداً به ، إنما يجوز فقط لمن جاوز عالم الصورة ( القشور ) وصار بأجمعه لبا ( عقلًا ) أن يخوض في مثل هذه الموضوعات . فإن كنت لا تملك هذه البصيرة ( أعمى ) فلا حرج عليك ، أما إن كانت لديك ، فامض في الطريق ، وثابر ، وأصبر ، فالصبر مفتاح الفرج ، وبالصبر تستطيع أن تنزع حجب البصيرة حجاباً وراء حجاب .وبالصبر تجلى مرآتك ، فتنعكس عليها الصور من وراء الجسد وأدرانه فترى الصنع وترى الصانع . ( 74 - 80 ) : الصور أصنام تحول دون الحقيقة ، لكن صورة الحبيب تكون بمثابة الخليل تحطم الأصنام كلها ، وأليس الخليل نفسه في صورته الجسدية مشابها لغيره من الصور لكنه في الحقيقة محطم للأصنام ، وحمدا لله على أنه عندما ظهر ( استعلامى 2 / 181 الضمير هنا عائد على حسن حسام الدين ) انعكس ما في الروح في مرآته فهو مرآة الروح - لكن سياق الحديث يدل على أن المقصود هو الذي في مرآة حسام الدين يبدو حسنه وتنزل إفاضاته ويتجلى ، وهو من لا يمكن الصبر عليه ولا على تراب عتبته ، وهو " الجميل الذي يحب الجمال " ولا يشترى القبح ، ومن ثم ينبغي أن أكون قابلًا ، فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله العبد من نفسه . ( مولوى 2 / 33 ) .وعند الأنقروى ( 2 / 52 ) : من كان يريد أن يعرف منزلته عند الله فلينظر منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله البعد من نفسه . وكيف يقبل الله غير الطيبين وهو الذي يقول الطيبين للطيبات ؟ ! « 332 » ( 81 - 93 ) : ليس هذه القاعدة فحسب قاصرة على الأمور الروحانية بل إنها قاعدة من قواعد الحياة البشرية ، فكن طالبا للنور ، وجرب إنك إن أغمضت عينيك عن النور القادم إليك من الكوة أحسست بالاضطراب ، فإن أحسست بالاضطراب وأنت مفتوح العينين ، فاعلم أن صبرك عن النور الأزلي قد نفد ، فواظب إذن على طلب هذا النور ، فإذا كنت تضطرب لفراق نور الكوة ونور العين الظاهرة ، فداوم على طلب النور الثابت ، وإذا كان ثمة جذب من الحبيب ينبغي إذن أن تكون جديراً بهذا الجذب لائقا به ، وإلا متى يلحق اللطيف بنفسه قبيحاً ، وكل شئ في الدنيا يجذب شيئاً ( عن معارف بهاء ولد ص 357 ) . ( 94 - 102 ) : متى أرى وجهي ؟ ! ! مرات عديدة يتساءل مولانا جلال الدين بهذا التساؤل ، أتراه لا يرى وجهه ؟ ! المراد هنا وجه الروح ، لون الروح ، فترة من الزمن ( تراها فترة غياب حسن حسام الدين ؟ ! ) لم تكن الصورة تبدو في مرآة إنسان ! ! وحتى إن وجدت فهي لن تبدى إلا الصورة ، ولا علاقة لها بالروح ، هي بالنسبة لتلك المرآة الكلية كالجدول بالنسبة للبحر ، لكن مرآة حبيب من تلك الديار كفيلة بأن تريك صورة روحك ، فاطلبه ، فمن هذا الطلب يكون الوصول ، مثلما جذب ألم المخاض مريم عليها السلام إلى جذع النخلة ، لقد صارت البصيرة الإلهية ( وليست بصيرة حسن حسام الدين ، كما يقول استعلامى 2 / 183 ) مقترنة ببصيرتي ، ومن ثم رأيت الطريق اللائح . ( 103 - 112 ) : لكني عندما رأيت حقيقتي في عين رفيقي الناظر للحقيقة قال لي وهمى : لا تصدق إن ما تراه هو خيالك لا حقيقتك ، لكن صورتي هتفت من عينيك : أنا الحقيقة ما دمت قد صرت في اتحاد مع الحقيقة ، والخيال لا يجد طريقة إليها . كما قال الشيخ الأكبر : إعلم أن الوهم هو السلطان الأعظم في هذه « 333 » النشأة الإنسانية ولا بد أن يحكم على العقل ، فإن العاقل ولو بلغ في عقله كمالا لا يخلص عن أحكام الوهم عليه ( انقروى 2 / 29 ) . وعند السبزواري ( شرح ص 119 ) عن ابن عربى : يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها وهذا هو الأمر العام لكل أحد والعارف يخلق بالهمة ما لا يكون له وجود من خارج محل الهمة . ( العين تكررت ثلاث مرات على أن الأولى والثانية المراد منها ذات الباري على موجب كنت سمعه وبصره والثالثة المراد منها العين الباصرة ،ثم قال : رأيتك مرآة كلية باقية إلى الأبد ، ورأيت نقشى في ذاتك يعنى أسقطت جميع الإضافات وفنيت فيك ، ثم قال : من شدة سروري وجدت نفسي في عيني محبوبى بمعنى تيسر لي الوصال الإلهى بصفتي الجلال والجمال ، ثم قال : قال لي وهمى هذا الوصال الذي اتخذته خيالك أصح ، وفرق نفسك وذاتك من خيالك ، فإن خيالك عدم محض ظننه وجوداً مطلقاً وهذا خطأ فاحش من طرف الوهم .فرد : نقشى وخيالي أعطيانى صوتا من عينيك أن أنا هو وأنت أنت أنا في الاتحاد فإذا محيت فالناظر هو ولهذا قال في البيت السابع : لأن في عين الاله المنيرة أي عين الله ناظرة إلينا ، متى يلقى الخيال لها طريقا فعلم أن الأولياء نجوا من خيال الباطل ثم قال : وإن رأيت أنت نقشك في غير عيني ، اعلم أنه خيال وعلم بهذا ان من اتخذ من غير الله مرآة فهو خيال باطل لأن سوى الله باطل ، ثم قال : لأن ما عداى يتكحل بكحل الفناء والعدم ويذوق شراب التسويلات الشيطانية ( مولوى 2 / 37 ) .إن الفيصل هو الاكتحال بالمعرفة الإلهية ، فمن تكحل بالمعرفة الإلهية لا تجد الخيالات سبيلها إليه وإنما تظهر الخيالات إن كان ثم شعرة من انيتك موجودة أمامك ، فإنها هي التي لا تجعلك تفرق بين الجوهر وبين حجر اليشم الرخيص . وهناك ثم فرق لا بد أن تعرفه بين « 334 » الحقيقة القائمة على العيان والحقيقة القائمة على الظن والقياس ، أسوق لك الحكاية التالية لأبينها لك :.