منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:18 pm

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة تلك الخريطة للكنز على مدونة عبدالله المسافر بالله
حكاية الصوفي والقاضي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
قصة تلك الخريطة للكنز التي تقول :
قف إلى جوار القبة متجها إلى القبلة وضع سهما في القوس . .
وألقه وحيثما يسقط . . . هناك كنز ! !

1915 - رأى في النوم ذات ليلة وأين منه النوم ، إن الوقائع تظهر بلا نوم للصوفى الصادق .
- " رأى " هاتفا قال له : يا من عانيت التعب ، أطلب رقعة مما يتمرن فيه الوراقون .
- خفية من ذلك الوراق الذي هو جارك ، مد يدك إلى جذاذات أوراقه .
- فهناك رقعة شكلها كذا ولونها كذا ، فاقرأها في خلوة أيها الحزين .
- وعندما تسرقها من الوراق يا بنى ، أخرج من الزحام والضوضاء والضجيج .
 
1920 - ثم اقرأها أنت في خلوة ، انتبه ، ولا تطلب شريكا في قراءتها ! !
- وإن انتشر أمرها أيضاً لا تحزن ، فلن يجد سواك منه مثقال ذرة .
- وإن استغرق الأمر طويلا ، انتبه ، وحذار ، " من اليأس " واجعل وردك لحظة بعد لحظة " لا تقنطوا " ! !
- قال هذا " الكلام " ووضع ذلك البشير يده على قلبه قائلا له " امض وجاهد " .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 605 :
- وإذا كنت ميالا للغزو البس الدرع ، وإن كنت ميالا للأبنة فاعرض مؤخرتك .
 
« 184 »
 
- وعندما عاد إلى وعيه من غيبته ذلك الشاب ، كانت الدنيا لا تسعه من الفرح .
1925 - كانت مرارته تكاد تتمزق من القلق ، لو لم يكن هناك رفق الحق به وحفظه ولطفه ! !
- كان فرحه إنه من وراء ستمائة حجاب ، سمعت أذنه من الحضرة الجواب .
- « 1 » وعندما اخترق حس سمعه الحجب ، صار رافع الرأس ، وجاوز الفلك .
- فلعل حس بصره اعتبارا على هذا الأمر ، يكون له نفاذُ من حجب الغيب .
- وعندما تصبح حواسه نافذة من الحجاب ، تحدث له الرؤية والخطاب بشكل مستمر .
 
1930 - « 2 » وجاء صوب دكان الوراق ، وأخذ يبحث في أوراق تدريبه من ناحية إلى أخرى .
- ووضعت عينه سريعا على ذلك المكتوب ذي العلامات التي كان الهاتف قد وصفها له .
- فأخفاه تحت إبطه ، وقال " سعدت أيها السيد " سوف أعود بعد لحظة أيها الأستاذ .
- ومضى إلى ركن خال ، وقرأها ، ومن الحيرة بقي مندهشا والها .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 : 618 :
- كان فرحه أنه قد تخلص من السؤال ، وسوف يحصل على ذلك الكنز الخاص .
( 2 ) ج : ص 13 : 618 :
- وعندما اختفى الزنجي الأسود من الورى ، والقت الشمس بسيفها وظهرت المخلوقات .
- فرح فرحة أن دعاءه لم يرد ، وأنه قد أستجيب لدعائه في النهاية .
 
« 185 »
 
- متسائلًا : كيف أن خريطة كنز لا تقدر بثمن ، قد سقطت هكذا بين نماذج " الوراق " ؟!
 
1935 - ثم قفزت تلك الفكرة إلى خاطره ، إن الله تعالى حافظ لكل شئ .
- وكيف يترك الحافظ لكل شئ في كنفه أن يأخذ أحد شيئاً ما اعتباطاً !!
- فإذا كانت الصحراء ممتلئة بالذهب والنقود ، لا يمكن لاحد أن يختطف حبة منها دون رضا الحق .
- وإذا قرأت مائة صفحة دون توقف ، فإن نكتة واحدة لا تبقى - دون قدر - في ذاكرتك .
- وإن قمت بالخدمة دون أن تقرأ أي كتاب ، فإنك تجد في حوزتك العلوم النادرة .
 
1940 - لقد صارت كف موسى مشعة بالضوء من جيبه ، بحيث فاقت في ضوئها قمر السماء .
- أي أن ذلك الذي كنت تبحث عنه من الفلك المهول ، قد أطل برأسه يا موسى من جيبك !!
- حتى تعلم أن السماوات السامية ، هي انعكاسات لمدركات الإنسان .
- أليست يد الله المجيد هي التي خلقت العقل قبل أن " يخلق " العالمان ؟!
- إن هذا الكلام واضح لكنه شديد الخفاء ، فلا تكون الذبابة مأذونة للعنقاء !
 
 1945  - وعد ثانية إلى القصة يا بنى ، وواصل حكاية الكنز والفقير .
 
بقية قصة ذلك الفقير وعلامة مكان ذلك الكنز
 
- كان مكتوبا في تلك الرقعة ، اعلم أنه في خارج المدينة يوجد كنز مدفون .
 
« 186 »
 
- وهناك قبة كذا ويوجد فيها مزار ، ظهره إلى المدينة وبابه إلى الخلاء .
- فاجعل ظهرك إليه ووجهك إلى القبلة ، ثم أطلق سهما من القوس .
- وعندما يسقط السهم من القوس أيها المسعود ، إحفر في ذلك الموضع الذي سقط فيه السهم .
 
1950 - فأحضر الفتى قوسا قويا ، وأطلق السهم في قلب الفضاء .
- وجاء بطبر وفأس سريعاً وهو في غاية السرور، وحفر ذلك الموضع الذي سقط فيه السهم.
- وخارت قواه وفل الطبر والفأس ، لكنه لم ير أثرا للكنز المختفى .
- وهكذا أخذ كل يوم يطلق سهما ، لكنه لم يكتشف مكان الكنز .
- وما دوام على هذا العمل ، انتشر اللغط في المدينة وبين العوام .
 
شيوع خبر هذا الكنز وبلوغه سمع الملك
 
1955 - « 1 » ثم أخبروا السلطان بهذا الأمر ، تلك الجماعة التي كانت تراقب في السر .
- وعرض الأتباع هذا القول ، " وأسروا إليه " أن غلاما وجد خريطة كنز .
- وعندما سمع ذلك الشخص أن الأمر وصل إلى الملك ، لم يجد بدا من التسليم والرضا .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 627 :
- وتحدث بهذا الأمر كل إنسان ، فمثل هذه اللعبة لا تبقى في الخفاء .
- وكل شخص يتحدث عن فساد ما ، ومن كل الأطراف نهض حاسد
 
« 187 »
 
- وقبل أن يتعرض للعذاب من ذلك الملك ، وضع ذلك الشخص الخريطة أمامه .
- وقال : منذ أن وجدت هذه الرقعة ، عانيت مشقة لا حد لها ولا كنز هناك .
 
1960 - ولم تظهر حبة واحدة من الكنز ، لكني تلويت كثيرا وكأني ثعبان .
- ولمدة شهر وأنا هكذا خائب المسعى ، بحيث حرم على نفعه وضره ! !
- فربما يكشف إقبالك الغطاء عن هذا المنجم ، أيها الملك المظفر في الوغى والفاتح للقلاع .
- ولمدة ستة شهور أو يزيد ، أخذ الملك يطلق السهام ويحفر الآبار .
- وحيثما كان قوس قوى وضع فيه السهم سريعا وأطلقه وبحث عن الكنز في كل موضع .
 
1965 - ولم يكن هناك غير الجلبة والحزن والانشغال ، كان الأمر كأمر العنقاء ، الاسم مشهور ، ولا ذات هناك ! !
 
يأس ذلك الملك من العثور على الكنز وملله من طلبه
 
- وعندما تأخر الأمر طولا وعرضا ، باخ حماس الملك بالنسبة لذلك الكنز ومل الأمر .
- لقد حفر ذلك الملك الصحارى آبارا ذراعا بذراع ، ثم القى إليه بالرقعة غاضباً « 1 » .
- وقال له : خذ هذه الرقعة فلا آثار لها ، وأنت أولى بها إذ لا عمل لها .
- وليس هذا بعمل من لديه عمل ، أن يحرق الورد ويمضى في أثر الشوك .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 627 :
- لقد حفر ذلك الملك الصحارى آبارا ذراعا بذراع ، ولم يجد من الكنز إلا السخرية .
- ثم طلب ذلك الفقير المتألم ، وألقى إليه بالرقعة غاضبا .


« 188 »
 
- وهذا أمر نادر الحدوث . . . وأهل هذه الماليخوليا ينتظرون أن ينبت من الحديد نبات .
- وينبغي لهذا الأمر إنسان مصطبر مثلك ، ولك أنت مثل هذه الروح الثقيلة ، فابحث عن هذا " الكنز " .
- وإن لم تجده ، فلا حزن يحيق بك ، وإن وجدته فقد وهبته لك حلالا .
- فمتى يمضى العقل في طريق اليأس؟ ينبغي عشق، حتى يسرع إلى تلك الناحية على رأسه.
- فاللامبالاة للعشق وليست للعقل ، إن العقل يبحث عما يستفيد منه .
 
1975 - إنه مهاجم كالتركى ومذيب للجسد ولا يرعوى وهو في البلاء كحجر تحت طاحونة.
- إنه جرىء صفيق الوجه لا ظهر له قط ، وقد قتل الانتفاع داخل نفسه .
- وهو يقامر بطهر ولا يكون باحثا عن الأجر ، ذلك أنه يأخذ بطهر منه هو ؛ .
- فإن الحق يعطيه الوجود بلا علة ، فإنه يرد عليه بلا علة وهذه هي الفتوة ! !
- فالفتوة هي العطاء بلا علة ، واللعب بطهر خارج كل ملة .
 
1980 - ذلك أن الملة تبحث عن الفضل أو الخلاص ، واللاعبون بطهر ضحايا مخصوصون .
- فلا هم بالذين يمتحنون ربهم ، ولا هم يقرعون أبواب النفع والخسارة .
 
رد الملك خريطة الكنز للفقير قائلا : خذها لقد انصرفنا عن هذا الأمر
 
- عندما سلم الملك خريطة الكنز المليئة بالفتنة لذلك المكروب .
- صار آمنا من الخصوم ومن لزمهم ، فمضى وهو يطوى رغبته العارمة .
 
« 189 » 
 
- وصادق هو العشق الذي يفكر في الألم ، ذلك أن الكلب يلعق جراح نفسه .
 
1985 - وليس للعشق في التفافه رفيق ، وليس في القرية من هو مسموح له به .
- وليس هناك من هو أكثر جنونا من العاشق ، والعقل من رغبته فيه أعمى وأصم .
- ذلك أن هذه الأمر ليس جنونا عاما ، وليس للطب إرشاد إلى هذه الأحكام .
- فلو أن طبيبا أصيب بهذا النوع من الجنون ، لمحا كتب الطب بالدم .
- فطب جملة العقول من نقشه ، ووجود كل الحسان قناع لوجهه .
 
1990 - فاتجه إلى نفسك يا متمذهبا بالعشق ، فليس لك من قريب أيها المفتون سوى نفسك .
- لقد جعل " ذلك الفقير " من القلب قبة ثم أخذ في الدعاء ، إذ ليس للإنسان إلا ما سعى .
- ذلك أنه قبل أن يستمع إلى جواب ، كان قد عكف سنوات على الدعاء .
- كان يعكف على الدعاء بلا إجابة ، وكان يسمع خفية لبيك من الكرم .
- وعندما كان يرقص بلا دف ذلك العليل ، اعتمادا على جود الخلاق الجليل .
 
1995 - ولم يتجه إليه هاتف أو رسول ، لكن أذن رجائه كانت مليئة بقول لبيك .
- كان رجاؤه يقول له بلا لسان : تعال ، وكانت تلك الدعوة تطرد من قلبه الملال .
- وتلك الحمامة التي ألفت سطح " منزلك " ، لا تدعها ، وازجرها دائما فجناحها مخيط .
- ويا ضياء الحق يا حسام الدين ، ازجرها ، فقد نمت روحها من ملاقاتك .
- وإنك إن زجرت طائر الروح عبثا ، فإنه يطوف أيضاً حول سطح منزلك .
 
« 190 » 
 
2000 - إن طعامه ونقله دائما فوق سطح منزل ، وهو مرفرف بجناحه على الأوج الثمل لفخك ! !
- وإن أنكرت الروح لحظة أداء شكرك خلسة أيها الفتح والفتوح ؛
- فإن شرطة العشق يعاقبها على الدوام ، ويضع طستا مليئا بالنار على صدرها .
- قائلا لها : تعالى صوب القمر ودعك من التراب ، إن مليك عشقك ليستدعيك فعودى سريعاً .
- وحول هذا السطح وبرج الحمام ، لا زلت أنا أخفق كالحمامة بجناحي كما يفعل الثمل .
 
2005 - وأنا جبريل العشق وأنت سدرة منتهاى ، وأنا سقيم وأنت لي عيسى بن مريم .
- فاجعل هذا البحر الملىء بالجواهر يغلى ، وسلْ جيدا اليوم عن هذا المريض ! !
- فما دمت قد صرت له ، فالبحر له ، بالرغم من أن هذه اللحظة هي أو ان بحرانه .
- فهذا الأنين في حد ذاته هو الذي أظهر ما هو خفى ، فالأمان . . . يا رب .
- إن لنا كالناى فمين فصيحين ، وهناك فم آخر مختف في شفيته .
 
2010 - ففمٌ يجأر باشكوى تجاهك ، ألقى بصيحات وجده في الهواء .
- لكن كل من عنده نظر يعلم أن الصراخ وإن كان من هذه الناحية هو أيضاً من تلك الناحية .
- وإن أنين هذا الناى هو أيضاً من أنفاسه ، وضجيج الروح من ضجته .
- وإن لم يكن للناى سمر مع شفتيه ، لما ملأ الناى بوص الدنيا بالسكر .
 
« 191 » 
 
- ترى مع من نمت وعلى أي جنب قمت ؟ ! فأنت ملىء بالجيشان به هكذا كالبحر ؟ !
 
2015 - أو أنك قرأت " أبيت عند ربى " فسقت النار في قلب البحر .
- ونداء " يا نار كونى برداً " صار عصمة لروحك أيها المقتدى .
- فيا ضياء الحق يا حسام الدين والقلب متى يمكن دهان الشمس بالطين ؟ !
- فقد قصدت هذه القطع من الطين إخفاء شمسك .
- وفي قلب الجبل ألوان الياقوت دلالة لك ، والبساتين من ضحكها ملأى بك .
 
2020 - فأين رستم ليكون مسموحا له برجولتك ، حتى أتحدث عن حبة واحدة من بيدرك ؟ !
- وعندما أريد أن اطلق آهة واحدة عن سرك ، أطأطىء برأسى في بئر مثل على ! !
- وما دام للإخوان قلوب حاقدة ، فأولى بيوسفى " أن يظل " في قاع البئر .
- لقد صرت ثملًا ، فلألق بنفسي بين الغوغاء ، وما ذا يكون البئر ؟ لأضرب خيمتى في الخلاء .
- فضع الشراب النارى على كفى ، وانظر آنذاك إلى كر السكارى وفرهم .
 
2025 - وقل لهذا الفقير أن يظل بلا كنز ، فإننا غارقون هذه اللحظة في عصير " الكرم " .
- وأطلب الملجأ من الله هذه اللحظة أيها الفقير ، ولا تطلب منى أنا الغريق العون .
- فلا اهتمام عندي بهذا الأستاذ ، ولا أنا حتى أذكر شاربي أو لحيتي .
- فمتى تستوعب العنجهية والكرامة في ذلك الشراب الذي لا يسع شعرة واحدة .
  
« 192 » 
 
- فقدم أيها الساقي رطلا ثقيلا ، وخلص السيد لحظة واحدة من العنجهية والكبرياء .
 
2030 - إن كبرياءه لا يزال ينتفج علينا ، لكنه " في الواقع " يقتلع لحيته حسدا لنا .
- ألا فليخسأ . . . وليخسأ . . . وليخسأ . . . فإننا ندرك تماما تزويره واحتياله .
- وما يتأتى منه ولو بعد مائة عام ، يراه الشيخ عياناً بحذافيره .
- وما الذي يراه العامي في المرآة ، ولا يراه الشيخ في مدرة خالصة ! !
- وما لا يبصره الملتحى في منزله ، ظاهر بتفصيلاته للأجرد .
 
2035 - فامض إلى بحر ما فأنت وليد حوته ، فكيف سقطت هكذا في اللحى كأنك القذى ! !
- ولست بالقذى ، لا سمح الله ، إنك تزرى بالجواهر ، وأولى بك أن تكون في البحر وسط الأمواج .
- والبحر هو الوحدانية ، لا زوج فيه ولا شريك ، جوهره وسمكة ليس إلا الموج .
- ومحال ثم محال الإشراك به ، ليكن هذا بعيداً عن ذلك البحر وموجه الطاهر .
- فليس في البحر شرك والتواء ، لكن ما ذا أقول للأحول ؟ ! لا شئ قط .
 
2040 - وما دمنا نعاشر الحول يا عابد الصنم ، ينبغي أن تتحدث كما يتحدث المشركون .
- إن تلك الأحدية من تلك الجهة وصف وحال ، ولا يأتي إلا الاثنينية إلى ميدان المقال .
- فإما أن تتجرع كالأحول هذه الإثنينية ، أو خط فمك واصمت تماماً .
 
« 193 » 
 
- أو كل بدوره ، حينما صمت وحينا كلام ، داوم على قرع الطبول كما يفعل الأحول ، والسلام .
- وعندما ترى مأذوناً له تحدث عن سر الروح ، وعندما ترى الورد غرد كالبلابل .
 
2045 - وعندما ترى القرية مليئة بالمكر والمجاز ، ضم شفتيك واجعل نفسك دنا .
- إنه عدو للماء فلا تتحرك أمامه ، وإلا كسرت حجارة جهله الدن ! !
- واصبر على العقوبات التي ينزلها بك الجاهل ، ودار جيداً بعقل لدني ! !
- والصبر على الخسيس جلاءٌ لمن هم أهل ، والصبر يصفى القلب في كل موضع .
- ونار النمرود كانت لإبراهيم في صقلها كصفاء المرآة .
 
2050 - وجور كفر قوم نوح وصبر نوح ، صارا لنوح جلاء لمرآة الروح .
 
حكاية مريد الشيخ أبى الحسن الخرقانى قدس الله سره
 
- ذهب درويش من مدينة الطالقان ، على صيت أبى الحسن الخرقانى .
- قطع الجبال والأودية الشاسعة ، من أجل رؤية الشيخ ذي الصدق والضراعة .
- وما رآه في الطريق من جهد وعنت بالرغم من أنه جدير بالذكر إلا أنني اختصره .
- وعندما وصل من الطريق إلى مقصده ذلك الشاب ، بحث عن عنوان منزل ذلك السلطان " للعارفين " .
 
2055 - وعندما قرع حلقة باب داره بكل احترام ، أخرجت امرأة رأسها من " خوخة " الباب .
 
« 194 » 
 
- قائلة : ما ذا تريد ؟ قل يا ذا الكرم ، قال : جئت قاصداً الزيارة .
- فضحكت المرأة قائلة : مرحى . . . مرحى . . . أنظر إلى هذه اللحية . . . وانظر إلى هذا الشعر . . . وهذه المشقة ! !
- فلعل عملًا لا يشغلك في موطنك ذاك ، حتى عزمت على السفر في سبيل لا شيىء ! !
- أو لعل اشتهاءً لكي تخدع قد راودك ، أو غلب عليك الملل من وطنك ! !
 
2060 - أو أن الشيطان وضع في فمك خطاما ، ووسوس لك بالسفر .
- وقالت ما لا يليق من فحش وسب ، مما لا أستطيع أن أعيده « على مسامعكم » ! !
- وساقت من الأمثال الساخرة ما لا يدخل في حساب ، فسقط ذلك المريد من الغم في حفرة ( من اليأس ) ! !
 
سؤال ذلك القادم حرم الشيخ ، أين الشيخ ؟ وأين أطلبه ؟
وجواب الزوجة بفاحش القول
 
- وطفرت الدموع من عينيه وقال ، مع كل هذا ، أين ذلك السلطان حلو الاسم ؟ !
- قالت : ذلك المزور المحتال الفارغ ، شبكة الحمقى ، ووهق الضلالة ؟
 
2065 - إن مئات الآلاف من أمثالك من السذج ، قد سقطوا من جرائه في مائة عتو ! !
- فلو لم تره وعدت في أمان الله ، يكون خيرا لك ، ولا تضل وتغوى من جرائه .
- إنه يتفنج بالدين ، لاعق للأطباق آكل بالمجان ، وصيت طبله قد مضى إلى أطراف الديار .
- أهؤلاء القوم من قوم موسى عبدة العجل ، وإلا فلما ذا يتحسسون بأيديهم هذا
 
« 195 »
 
الثور ؟ !
- إنه جيفة الليل وبطال النهار ، كل من اغتر بهذا الشره الأكول ! !
 
2070 - لقد ترك هؤلاء القوم مائة علم وكمال، وتمسكوا بالمكر والتزوير، فما هذا الحال ؟!
- فأين آل موسى ؟ ! أسفى عليهم ، حتى يسفكون الآن دماء عبدة العجل ! !
- لقد ألقوا بالشرع والتقوى وراء ظهورهم ، فأين عمر ؟ وأين الأمر الحازم بالمعروف ؟
- لقد تفشت الإباحية من هذه الجماعة ، وصارت رخصة لكل مفسد محتال ! !
- فأين طريق الرسول وصحابته ؟ ! وأين صلاته وتسبيحه وآدابه ؟ !
 
جواب المريد وزجره لتلك الشتامة عن الكفر وعابث القول
 
2075 - فصاح بها الشاب ، وقال ، كفى ، إننا في ضوء النهار فمن أين جاء العسس ؟ !
- إن نور الرجال ملأ طباق الشرق والغرب ، فسجدت السماوات له دهشة .
- وشمس الحق سطعت من الحمل ، فتوارت شمس " الفلك " بالحجاب خجلًا .
- ومتى تحولنى ترهات شيطانة مثلك عن تراب هذه الدار ؟ !
- فأنا لم آت بريح كأنني سحاب ، حتى أعود من جراء غبار عن هذا الجناب .
 
2080 - إن العجل مع ذلك النور صار قبلة للكرم ، والقبلة بدون ذلك النور صارت كفراً ووثناً .
- إن الإباحة التي جاءت من الهوى تكون ضلالًا ، والإباحة التي جاءت من الهدى صارت كمالًا ! !
- لقد صار الكفر إيماناً وأسلم الشيطان ، في تلك الناحية التي سطع فيها النور
 
« 196 »
 
الذي بلا حد .
- إنه مظهر العزة والمحبوب بحق ، وحاز على كل الملائكة المقربين قصب السبق .
- والسجود لآدم بيان عن سبقه ، والقشر دائما ما يسجد للب ! !
 
2085 - إنك تنفخين في الشمع الإلهى أيتها العجوز ، وتحترقين أنت وباطنك يا نتنة الفم .
- فمتى يصير البحر نجساً من فم كلب ، ومتى تغيب الشمس من نفخة ؟ !
- وحتى أن كنت تحكمين بالظاهر ، أي شيىء أطهر من ذلك النور ؟ ! هيا ، قولي
- وكل الظواهر أمام هذا الظهور ، تكون في غاية النقص ومنتهى القصور
- وكل من ينفخ في الشمع الإلهى ، متى ينطفئ هذا الشمع ؟ إنه يحرق فمه ! !
 
2090 - وهناك خفافيش مثلك ترى كثيراً في النوم أن الدنيا قد تيتمت من الشمس ! !
- والأمواج المتلاطمة لبحار الروح ، هي مائة ضعف لما كان عليه طوفان نوح .
- لكن الشعر كان قد نبت في عيني كنعان ، فترك نوحاً وسفينته ، وآوى إلى الجبل .
- وجرفت نصف موجة الجبل وكنعان في تلك اللحظة حتى قاع المهانة .
- إن القمر يبسط نوره والكلاب تنبح ، ومتى يرتع الكلب في نور القمر ؟ !
 
2095 - والسراة يرافقون القمر في سيرهم ، ومتى يتركون سيرهم من نباح الكلاب ؟ !
- والجزء مسرع نحو الكل إسراع السهم ، وحتى يتوقف من أجل عجوز في
 
« 197 »
 
الغابرين ؟ !
- والعارف هو روح الشرع وهو روح التقوى ، والمعرفة هي محصول ما سلف من زهد .
- والزهد هو السعي في الزرع ، والمعرفة هي النمو لذلك الغراس .
- إذن فما دام الجهاد والاعتقاد بمثابة الجسد ، فإن روح هذا الغراس هو النمو والحصاد .
 
2100 - إنه هو المعروف وهو الأمر بالمعروف ، إنه كاشف الأسرار ، وهو الأسرار التي تكشف !
- إنه ملكنا اليوم وملكنا غدا ، والقشر عبد للبه العظيم دائما .
- وعندما قال الشيخ : أنا الحق ، وفرض كلامه ، ضغط على حلوق كل العميان .
- وعندما فنيت أنية العبد عن الوجود ، ما الذي يبقى اذن ؟ ! فكر أيها الجحود .
- وإن كانت لك عين ، افتحها وانظر ، ما الذي يتبقى بعد " لا " آخر الأمر ؟ !
 
2105 - ألا فلتقطع تلك الشفة والحلق والفم ، التي تبصق على القمر أو على السماء .
- فإن البصقة تعود إلى وجهها دون شك ، إذ لا تجد البصقة سبيلًا إلى الفلك .
- وحتى القيامة تنهمر عليها البصقات من الرب ، مثل " تبت " على روح أبى لهب .
- إن الطبول والرايات هي ملك السلطان ، وكلب ذلك الذي يدعوه شرها أكولًا .
- والسماوات عبيد لقمره ، والمشرق والمغرب كلاهما ، متقوت منه .
 
2110 - ذلك أن " لولاك " موجودة على توقيعه ، والناس جميعاً في انعامه
 
« 198 »
 
وتوزيعه .
- ولو لم يكن موجوداً لما دار الفلك ، ولما وجد النور ، ولما صار موضعاً للملائكة .
- ولو لم يكن موجودا لما وجدت البحار الهيبة والأسماك والدر الملكي
- ولو لم يوجد لما وجدت الأرض الكنوز في باطنها ، والياسمين على ظهرها « 1 »
- فالأرزاق نفسها طاعمة لرزقه ، والثمار ظمأى الشفاه لمطره .
 
2115 - انتبه فهذه العقدة معكوسة في أمرها ، إنه معط الصدقة لمن يهبه الصدقة .
- إن لك من الفقير كل هذا الذهب والحرير ، هيا أيها الفقير واعط الزكاة للغنى .
- أيكون عار مثلك زوجاً لمقبول الروح ، مثل تلك الزوجة الكافرة تحت نوح .
- ولو لم تكوني منسوبة إلى هذه الدار ، لمزقتك إربا في التو واللحظة .
 
2120 - لكني مع أهل " منزل " سلطان الزمن ، لا يتأتى هذا التعدي منى .
- اذهبي ، وداومى الدعاء، فأنت كلبة في هذا الموطن، وإلا لفعلت الآن ما ينبغي أن يفعل !!
 
عودة المريد من منزل الشيخ وسؤاله الناس حتى دلوه
على أن الشيخ ذهب إلى غابة كذا
 
- وبعد ذلك صار سائلًا كل إنسان ، وأخذ يبحث عن الشيخ كثيراً في كل صوب .
- ثم قال أحدهم « إن قطب الديار ، قد ذهب يحتطب في الجبل .
..............................................................
( 1 ) ج 14 / 50 : - ولو لم يكن موجوداً لما وجدت الجبال ، الذهب والياقوت والعقاقير دون سؤال .
- ولو لم يكن موجوداً لما وجدت الدنيا ، دون طلب منها الأرزاق التي لا حد لها .
  
« 199 » 
 
- فذهب ذلك المريد ماض الفكر كذى الفقار سريعاً نحو الآجام في هوى الشيخ .
 
2125 - إن الشيطان لا يزال يوسوس في لب المرء حتى يختفى القمر في الغبار .
- " أخذ يتساءل " لماذا يتخذ شيخ الدين هذا مثل هذه المرأة رفيقاً وجليساً في الدار ؟ !
- ومن أين يكون إئتناس الضد مع الضد ؟ ! ومن أين يكون النسناس مع إمام الناس ؟ !
- ثم أخذ يردد الحولقة سريعاً قائلًا : اعتراضى عليه من قبل الكفر والحقد ! !
- فمن أكون أنا مع تصاريف الحق ؟ بحيث تأتى نفسي بالإشكالات والاعتراضات ؟ !
 
2130- وسريعاً ما كانت نفسه تهاجمه ، فيكون في قلبه مما عرف كدخان القش .
- قائلة : أية نسبة للشيطان مع جبريل ، بحيث يصير معه صاحباً ورفيقاً في القيلولة ؟ !
- وكيف يستطيع الخليل أن يأتلف مع النار ؟! وكيف يستطيع الدليل أن ينسجم مع قاطع الطريق ؟!


بلوغ المريد المراد ولقاؤه مع الشيخ بالقرب من تلك الأجمة
 
- كان مستغرقاً في هذه الأفكار عندما ظهر الشيخ الشهير سريعاً وقد امتطى أسداً .
- كان الأسد الهصور يحمل عنه حطبه ، وفوق الحطب ركب ذلك السعيد .
 
2135 - ومن شرفه كان سوطه ثعبان ، وقد أمسك به في يده كالخيزران .
- فاعلم دائما على سبيل اليقين أن كل شيخ موجود يمتطى الأسد الهائج ! !
 
« 200 »
  
- فبالرغم من أن الأمر كان محسوساً عند ذاك وليس محسوساً عند هذا ، لكن هذا الأمر لا يلتبس على عين الروح .
- وهناك مئات الآلاف من الأسود تحت أفخاذهم ، ناظرة إلى المستقبل عالمة بالغيب حاملة للحطب .
- لكن الله جعل الأمر محسوساً لواحد بعد واحد ، حتى يراه أيضاً من ليس برجل " الطريق "
 
2140 - ورآه من على البعد وضحك ذلك العظيم وقال : لا تستمع إليها يا مفتونا بالشيطان .
- لقد علم ضميره أيضاً ذلك الجليل ، ومن نور القلب ، إنه نعم الدليل ! !
- تلا عليه ذو الفضائل ذاك ، ما حدث له بالتفصيل في الطريق وحتى تلك اللحظة .
- ثم انطلق في الحديث ذلك المتغنى بطلاوة ، عن مشكلة إنكاره للزوجة .
- وأن هذا التحمل ليس من هوى النفس ، هذا خيال نفسك أنت ، فلا تتوقف عنده .
 
2145 - وإن لم يكن صبري يتحمل ثقل امرأة، فمتى كان الأسد الهصور يكون مسخراً لي؟!
- إننا جمال ذات سنامين في سباق ، سكارى مجردون عن الذات تحت أثقال الحق ! !
- ولست أنا فيما يتصل بأمر الله وقضائه بنصف ساذج حتى أفكر في شنعة العوام .
- فأمره هو العالم والخاص بالنسبة لنا ، وأرواحنا مسرعة على وجوهها باحثة
  
« 201 »
  
عنه « 1 »
- وانفرادنا واقتراننا ليس من الهوى ، وأرواحنا ككعب النرد في يد الله
 
2150 - إننا نتحمل دلال تلك البلهاء ومائة مثلها ، لا عشقاً للونها ولا هياماً في رائحتها
- إن هذا القدر في حد ذاته درس لمريدينا ، فإلى أي مدى يكون كر ملحمتنا وفرها ؟ !
- إلى أين ؟ ! إلى الموضع الذي لا طريق له ، فليس ثم إلا سنا قمر برق الله !
- انه بعيد عن كل الأوهام والتصورات ، إنه نور في نور في نور .
- وإن كنت قد نزلت " بمستوى " القول من أجلك ، حتى تأتلف مع الرفيق سيىء الطبع .
 
2155 - حتى تحمل ضاحكا وسعيداً أحمال الحرج ، من أجل " الصبر مفتاح الفرج " ! !
- وعندما تأتلف مع خسة هؤلاء الأخساء ، تصبح وأصلا في نور السنن .
- فكثيراً ما ذاق الأنبياء إيذاء الأخساء ، وكثيراً ما تألموا من أمثال هذه الأفاعي .
- ولما كان مراد الإله الغفور وحكمه في القدم هو التجلي والظهور ! !
- فلا يمكن اظهار الضد دون ضده ، ولم يكن هناك ضد لذلك المليك الذي لا نظير له .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 68 :
- إنني بعيد عن استحسان الجميع وتشجيعهم ومفارق تكذيب الجميع وتصديقهم ! !
 
« 202 »
 
حكمة : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
 
2160 - ثم إنه جعل خليفة صاحب صدر ، حتى يكون مرآة لملوكيته
- ثم وهبه صفاءً لا حدود له ، وحينذاك جعل له ضدا من الظلمة
- لقد رفع علمين ، أحدهما أبيض والآخر أسود ، أحدهما آدم والآخر إبليس الطريق .
- وبين هذين المعسكرين العظيمين ، نزاع وصراع ، وما جرى قد جرى .
- وكذلك في النوبة الثانية ظهر هابيل ، ثم ظهر قابيل ضدا لنوره الطاهر .
 
2165 - وهكذا علمان من العدل والجور ، حتى حل دور النمرود في الأدوار .
- صار ضدا لإبراهيم وخصما له ، وصار هناك عسكران متناحران متقاتلان .
- وعندما لم يرض سبحانه عن طول هذه الحرب ، كانت النار هي الفيصل بين هذين .
- فحكم النار وما تأتى من نكر ، حتى تحل مشكلة هذين الشخصين .
- ونوبة بعد نوبة وقرن بعد قرن لهذين الفريقين ، حتى نوبة فرعون مع موسى الشفيق .
 
2170 - لقد دارت الحرب بينهما لعدة سنوات ، وعندما جاوزت الحد ، وأخذ الملل يزداد .
- جعل الحق من ماء البحر حكما ، ليرى عن طريقه من يبقى ، ومن يسبق من هذين .
- وهكذا حتى دور المصطفى وطوره مع أبي جهل ، قائد جند الجفاء .
- كما جعل نكراً من أجل قوم ثمود ، الصيحة التي اختطفت أرواحهم .
- كما جعل نكرا من أجل قوم عاد ، الصرصر العاتية أي الريح .
 
« 203 »
 
2175 - كما جعل نكراً لقارون من حقده ، وأخفى غضبه في حلم هذه الأرض .
- حتى صار حلم الأرض بأجمعه غضباً ، فحملت قارون وكنزه حتى القاع .
- واللقمة التي هي عماد هذا الجسد ، والخبز الذي هو دفع لسيف الجوع كالمجن ،
- عندما يضع الحق قهراً في خبزك ، يقف ذلك الخبز في الحلقة كالخناق .
- وهذا اللباس الذي صار مجيراً من البرد ، يعطيه الحق مزاج الزمهرير .
 
2180 - حتى تصير تلك الجبة الثقيلة على جسدك باردة كالثلج واخزة كالبَرَد .
- حتى تهرب من الفراء وأيضاً من الحرير ، وتلجأ " هرباً " منها إلى الزمهرير .
- إنك لست بجرتى ماء ، إنك جرة واحدة ، وأنت غافل عن عذاب الظلة !
- لقد نزل أمر الحق إلى الدور والجدران في المدن والقرى : لا تمنحوا ظلا !
- لا تكونوا موانع للمطر والشمس ، حتى أهرعت الأمة إلى ذلك الرسول .
 
2185 - " صائحين " : لقد هلك أغلبنا ، الأمان ، أيها العظيم ، واقرأ بقيتها من كتب التفاسير .
- وكيف حول العصا إلى أفعى ذلك الماهر اليد ، وإن كان لك عقل تكفيك هذه النقطة .
- إن لك نظراً ، لكن لا إمعان فيه ، عين متجمدة وتوقفت ! !
– ومن هنا يقول مصور الفكر ، أمعن النظر أيها العبد ! !
- إنه لا يقصد قم بدق الحديد البارد ، لكنه يقصد القول : أيها الفولاذ طف حول داود .
 
2190 - فهل مات جسدك ؟! سقه نحو إسرافيل، وهل تجمد قلبك ؟! سقه نحو شمس الروح !!
 
« 204 »
 
- إنك من كثرة ما اكتسيت من خيال ، تصل الآن إلى السوفسطائى سئ الظن ! !
- لقد كان هو نفسه معزولًا عن لب العقل ، فصار محروماً من الحس ، معزولًا عن الوجود .
- هيا ، واهزل في الكلام ، فهذا أوان الهزل ، وإن تحدثت إلى الخلق ، فهذه فضيحة ! !
- فما هو الإمعان ؟ ! إنه جعل العين تجرى ، وعندما تخرج الروح من البدن تسمى بالفارسية " روان " أي جارية ! !
 
2195 - وذلك الحكيم الذي نجت روحه من قيد البدن ، وصارت منتزهة في الرياض ؛
- وضع اسمين لهذين للتفريق بينهما ، ليكن الثناء على روحه .
- وذلك عندما أراد أن يبين أن من يسير " مطيعاً " للأمر ، لو أراد الشوك ورداً ، يكون له .
 
معجزة هود عليه السلام في تخليص مؤمني الأمة عند نزول الريح
 
- إن المؤمنين في سطوة الريح العاتية ، جلسواً جميعاً في دائرة « 1 » .
- كانت الريح طوفاناً والسفينة لطفه ، فإن له إذن مثل هذه السفينة ومثل هذا الطوفان « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 87 : - لقد رسم هود خطأ حول المؤمنين ، حتى لا يصيبهم أذى من الريح .
( 2 ) ج : 14 / 87 : - كانت الريح طوفاناً وهو سفينة الرجاء ، فهناك الكثير من أمثال هذا الطوفان وهذه السفينة ! !
 
« 205 »
 
2200 - إن الله سبحانه وتعالى يجعل من الملك سفينة ، حتى تصطف الجنود بناءً على حرصه .
- وليس قصد الملك أن يكون الخلق آمنين ، بل إن قصده أن يكون الملك راسخاً .
- إن حمار الطاحون يسرع وقصده الخلاص، وحتى يجد في تلك اللحظة مهرباً من الضرب.
- وليس قصده أن يسحب الماء ، أو أن يجعل السمسم بذلك " الاسراع " زيتا .
- والثور يسرع خوفاً من الضرب الموجع ، وليس من أجل " جر " العربة وحمل المتاع .
 
2205 - لكن الحق وهبها مثل ذلك الخوف من الألم ، حتى تتم المنافع تبعاً لذلك .
- وهكذا كل كاسب في حانوته ، أنه يسعى من أجل نفسه لا من أجل إصلاح العالم .
- إن كل ملىء بالألم يبحث عن مرهم ما ، ومن هنا قام هذا العالم تبعاً لذلك .
- لقد جعل الله عماد هذا العالم من الخوف ، وانهمك كل واحد في عمل ما خوفاً على روحه ! !
- والحمد لله أنه جعل من الخوف معمارا أو إصلاحاً للأرض على هذا النسق .
 
2210 - إن هؤلاء جميعاً خائفون من صالح وطالح ، ولا خائف قط يكون خائفاً من نفسه .
- إذن فهناك حاكم في الحقيقة على الجميع ، هو قريب وإن لم يكن محسوساً .

- إنه محسوس لا في مكان ، لكنه ليس محسوساً بحس هذه الدنيا بل هو حس
.
يتبع

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:19 pm

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة تلك الخريطة للكنز على مدونة عبدالله المسافر بالله
حكاية الصوفي والقاضي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
قصة تلك الخريطة للكنز التي تقول :
قف إلى جوار القبة متجها إلى القبلة وضع سهما في القوس . .
وألقه وحيثما يسقط . . . هناك كنز ! !
« 206 »
آخر .
 
- ولو كان حس الحيوان يرى هذه الصور، لكان الثور وكان الحمار با يزيد العصر والأوان!!
 
2215 - وذلك الذي جعل الجسد مظهرا لكل روح ، وجعل السفينة براقا لنوح ،
- لو يشاء لجعل نفس السفينة وبطبعها طوفاناً لك يا باحثاً عن النور ! !
- فلك في كل لحظة طوفان وسفينة أيها المقل ، جعلها متصلة بحزنك وسرورك .
- فإن لم تر السفينة والبحر أمامك ، فانظر إلى الإرتعاشات في كل أعضائك ! !
- وما دامت العيون لا ترى أصل خوفه ، فإنها تخاف من خيال متلون .
 
2220 - لقد لكم جلف ثمل أحد العميان ، ويظن الأعمى أن جملًا رفسه .
- ذلك أنه في تلك اللحظة كان يسمع صوت بعير ، فالاذن مرآة الأعمى ، وليست العين .
- ثم يقول الأعمى : لا ، لقد كان ذاك حجراً ، أو ربما كان من قبة مليئة بالصدى ! !
- وما كان الأمر ذاك ولا هذا ولا ذاك ، كلها أمور خلقها من الخوف .
- فالخوف والرعدة يكونان من الغير يقيناً ، ولا يخاف أحدٌ من نفسه أيها الحزين ! !
 
2225 - وذلك الذي يدعو نفسه حكيماً يسمى الخوف وهماً ، لقد فهم هذا الدرس فهماً سقيماً
- ومتى يكون وهم قط دون حقيقة ؟ ! ومتى يصرف زيف قط دون صحيح ؟ !
- ومتى تكون للكذب قيمة دون صدق ؟ ! إن كل كذب في الدارين ظهر من
 
« 207 »
 
صدق ! !
- لقد رأى للصدق رواجاً وضياءً ، وعلى أمل في " الرواج والضياء " ساق الكذب .
- فيا أيها الكذاب الذي يكون له من الصدق ذلك الزاد ، أشكر النعمة ولا تكن منكرا للصدق .
 
2230 - فهل أتحدث عن المفلسف ونزوته ، أم أتحدث عن سفنه - تعالى - وعن بحاره ؟ !
- بل عن سفنه ، فهي موعظة للقلب ، لأتحدث عن الكل ، والجزء داخل في الكل .
- فاعلم أن كل ولى هو نوح والربان ، واعلم أن صحبة هؤلاء الخلق هي الطوفان .
- فلا تهرب من الأسد ، أو من الأفاعي الضخمة ، لكن كن على حذر من الأقارب والأصدقاء .
- فإنهم يضيعون أيامك في لقائهم ، ويلوكون سيرتك في غيابك .
 
2235 - وكل واحد منهم كالحمار الظمآن ، يمتصون الفكر كالشراب من إبريق الجسد .
- وخيال أولئك الوشاة قد جفف منك تلك القطرة التي لك من بحر الحياة .
- ان دليل جفاف الماء في الغصون ، أنها لا تتحرك وتكون في ركون .
- والعضو الحر غصن نضر ندى تجذبه ، فينجذب إلى كل صوب .
- فإذا أردته سلة تستطيع أن تجعل منه ذلك ، وأن أردت منه قوساً استطعت أن تفعل ذلك .


 
« 208 »
 
2240 - وعندما يصير جافا ، فمن جفاف جذره ، لا يميل إلى تلك الناحية التي يجذبه إليها الأمر .
- فاقرأ إذن من القرآنقامُوا كُسالى، عندما لا يجد الغصن من جذره علاجاً .
- إن هذا الدليل ناري ، فلأقصر فيه ، ولأتحدث عن الفقير وأحواله والكنز ! !
- هل رأيت النار التي تحرق كل غصن ؟ أنظر إلى نار الروح فمنها يحترق الخيال ! ! « 1 »
- فلا للحقيقة ولا للخيال منجاة في مثل هذه النار التي اندلع لهيبها من الروح .
 
2245 - إنها خصم لكل أسد ولكل ثعلب ،كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
- فأنفق نفسك ، لوجهه ، وانمح ، مثلما تدرج الألف في كلمة " بسم " .
- وهكذا فكل الحروف أصبحت مذهولة ، عند حذف الحرف من أجل الوصل .
- إنه وصل ، ومنه وجدت الباء والسين الوصل ، ووصل الباء والسين لم يتحمل الألف .
 
2250 - وإذا كان حرف لا يتحمل هذا الوصال ، فمن الواجب أن أقصر في القول .
- وإذا كان من حرف فراق الباء والسين ، فأهم واجب هنا هو الصمت .
- وعندما صارت الألف من تلقاء نفسها في كنف الفناء ، فان الباء والسين بدونها ينطقان الألف .
- وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَان قلتها ، دون أن تذكره ، فكأنك قلت ضمنها ، قال الله .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 89 : إن الروح والقلب محترقان في نار العشق ، ولكن منها الروح والقلب في أنوار .
 
« 209 »
  
- والدواء ما دام قائماً لا عمل له ، فإن فنى ، يدفع العلل .
 
2255 - فلو صارت الغابة أقلاماً والبحر مداداً ، فلا أمل هناك في إتمام المثنوى ! !
- فما دام ضارب الطوب يضع التراب في القالب ، فإن كتابنا المثنوى يقوم بتقطيع الشعر .
- وإن لم يبق تراب ، وجف منه الوجود ، فإن بحره يصنع التراب عندما يزبد ! !
- وعندما لا تبقى الغابة ، وتنمحى ، فان الغابات تطل من ذات البحر ! !
- ومن هنا قال إليه الفرج ، " حدثوا عن بحرنا إذ لا حرج " .
 
2260 - فعد عن البحر واتجه إلى البر ، وتحدث عن اللعبة فهذا أفضل للطفل ! !
- ومن اللعبة تصبح روحه في الصبا ، عارفة قليلًا قليلًا ببحر العقل .
- فإن الصبى يجد العقل في تلك اللعبة ، بالرغم من أنها في الظاهر تناقض العقل .
- ومتى يلعب الطفل المجنون ؟ ! ينبغي أن يوجد الجزء ، حتى يفىء إلى الكل .


عودة إلى قصة القبة والكنز
 
- والآن فإن خيال فقيرنا هذا الذي بلا رياء ، أصبح عاجزاً من قوله لي ، تعال ، تعال ، " إلى قصتي " ! !
 
2265 - إنك لا تسمع صوته لكني اسمعه ، ذلك لأننى نجيه في الأسرار .
- فلا تنظر إليه كطالب كنز بل أنظر إليه ككنز ، ومتى يكون الحبيب في معناه غير المحبوب ؟ ! .
- إنه يسجد لنفسه في كل لحظة ، والسجود أمام المرآة يكون من أجل الوجه ! !
- ولو رأى من المرآة جزءاً صغيراً دون خيال ، لما بقي منه شئ قط .
- ولفنى هو ولفنيت كل خيالاته ، ولمحيت معرفته في الجهل .
 
« 210 »
 
2270 - وهناك معرفة أخرى تطل من جهلنا عياناً قائلة ، إني " إني أنا " ( الله ) ! .
- لقد كان النداء يجئ دائماً : اسجدوا لآدم ، وأنتم آدم وترونه في أنفسكم لحظة ما .
- لقد أبعد الحول عن عيونهم ، حتى صارت الأرض هي عين الفلك اللازوردى ! !
- لقد قال " لا اله " وقال " إلا الله " فصارت " لا إله إلا الله " وتفتحت الوحدة .
- وذلك الحبيب وذاك الخليل ذو الرشد ، حان الوقت كي يجرنا من آذاننا .
 
2275 - " آخذا إيانا " نحو العين قائلا : إغسل فمك من هذه الأمور ولا تتحدث بما أخفيناه عن الخلق .
- حتى ولو تحدثت فلن تصير معلنة واضحة ، وتدان أنت وتجرم لأنك نويت الكشف .
- لكنني الآن أطوف حولها " متحدثاً بها " فأنا القائل ، وأنا أيضا السامع ! !
- وتحدث عن صورة الدرويش ، وصورة الكنز ، ان هذه الجماعة تدين بالألم ، فتحدث عن الألم .
- لقد صارت عين الراحة حراماً عليهم ، فهم يشربون من السم القاتل كأساً بعد كأس .
 
2280 - فهم يجرون حجورهم وهي ملأى بالتراب ، حتى يجعلوا تلك العيون سداً جافاً .
- ومتى تصير هذه العين التي تستمد من البحر مطمورة من هذه القبضة من التراب الصالحة أو الطالحة ؟ !
- لكنها تقول " لقد ارتبطت بكم ، وأنا متصلة به " حتى الأبد بدونكم ! !
- والقوم معكوسون في اشتهائهم ، صاروا آكلين للتراب تاركين للماء .
- وهؤلاء الخلق يناقضون طبع الأنبياء ، وهم يستندون على الأفاعي ، هؤلاء الخلق .
 
2285 - فما دمت قد عرفت أن الختم رباط على العين ، فهل تعلم قط من أي شئ أغمضت عينيك ؟ !
 
« 211 »
 
- وعلى أي شئ فتحت هذه العيون " واتخذته " بديلًا ، واعلم أنها واحدة بئس البدل لك .
- لكن شمس العناية قد أشرقت ، فأدركت اليائسين من الكرم .
- ولعبت نرداً نادراً جداً من الرحمة ، فجعلت من عين الكفران إنابة !!
- ومن نفس ذلك الشقاء عند الخلق ، فجر ذلك الجواد مائتي عين للوداد !!
 
2290 - ليعطى البرعمة مدداً من الشوك ، ويجعل في قرن الحية " وسيلة " لجلب المحبة .
- ومن سواد الليل يخرج النهار ، ومن كف المعسر ينبت اليسار .
- ويجعل الرمل طحينا من أجل الخليل ، ويجعل الجبل أواباً مع داود .
- وذلك الجبل المهول " المتلفع " بحجب الظلم ، يتغنى بصوب الرباب جهيراً وخفيضاً !!
- فانهض يا داود أيها النافر من الخلق ، لقد تركتهم فخذ العوض منا .
 
إنابة طالب الكنز إلى الحق بعد طلب شديد وعجز واضطرار قائلا :
يا ولى الإظهار اكشف عن هذه الأسرار
 
2295 - قال ذلك الدرويش : يا عالماً بالسر ، لقد سعيت سعيا لا طائل من ورائه في سبيل هذا الكنز .
- وشيطان الحرص والطمع والعجلة ، لا هو باحث عن التأنى ولا عن التؤدة .
- إنني لم أحصل من القدر على لقمة واحدة ، وسودت كفى ، وأحرقت فمي .
- أنني لم أتحدث " عن الكنز " من نفسي ، فأنا غير موقن " بوجوده " ، ولا حل لهذه العقدة إلا من عاقدها .
- وابحث عن تفسير قول الحق من الحق ، وانتبه لا تهزل من ظنك يا صفيق الوجه .
 
2300 - إن الذي عقد هذه العقدة هو الذي يحلها ، ومن ألقى بكعب النرد هو الذي يخطفها .
- ولو بدى لك هذا الكلام سهلًا ، متى تكون الأسرار اللدنية سهلة ؟!
- قال : يا رب لقد تبت عن هذه العجلة ، وما دمت قد أغلقت الأبواب ، فقم بفتحها .
 
« 212 »
 
- وها أنا قد عدت إلى فرقة " الفقر " مرة أخرى ، ولقد كنت في الدعاء أيضاً قليل الفضل .
- أين الفضل ؟ وأين أنا ؟ ! وأين القلب السليم ؟ ! هذا كله انعكاس لك ، بل هو أنت ! !
 
2305 - إن تدبيري وعلمي كل ليلة في نوم مثل سفينة تغرق في الماء .
- فلا أنا أبقى ولا هذا الفضل ، والجسد قد ارتمى فاقد الوعي مثل جيفة .
- وطوال الليل وحتى الفجر ذلك المليك الأعلى ، يتحدث إلىّ قائلا : ألست وبلى " ! ! .
- فأين القائل بلى ، ان كل شئ قد حمله السيل ، أو أن تمساحاً أكل كل شئ بدداً .
- وعند تنفس الصبح ، عندما يشرع سيفه المهند من غلاف ظلمة الليل .
 
2310 - وتطوى شمس المشرق الليل ، يقيىء ذلك التمساح كل ما أكله .
- وتنجو - مثل يونس - من بطن ذلك الحوت ، وننتشر في " عالم " الروائح والألوان .
- ويسبح الخلق كأنهم يونس ، عليه السلام ، فقد كانوا في تلك الظلمات في غاية الراحة .
- وكل واحد منهم يقول عند السحر ، عندما يخرج من بطن حوت الليل :
- يا أيها الكريم ، إنك في ذلك الليل الموحش تضع كنز الرحمة وعديدا من اللذات .
 
2315 - فالعين حادة والأذن واعية والجسد خفيف ، من الليل ذي الطرق الذي هو كالتمساح .
- ومن المقامات ذات الوجه الكريه ، من الآن فصاعدا لن نهرب أبدا ، مع وجود مثلك .
- لقد رآها موسى عليه السلام ناراً وكانت نوراً ، ورأينا الليل زنجياً ، وكان من الحور .
- ومن بعد ، لن نطلب بصراً إلا منك ، حتى لا يغطى البحر القذى والغثاء .
- وعندما نجت عيون سحرة "فرعون" من العمى، كانوا مصفقين بدون هذه الأيدي والأقدام .
 
2320 - فلا كمامة على عيون الخلق إلا الأسباب ، وكل من يرتعد من أجل السبب ليس من الأصحاب .
- لكن الحق - يا أصحابنا - فتح الباب للأصحاب وحملهم إلى صدر القصر .
 
« 213 »
 
- ومن كفه ، المستحق وغير المستحق ، عتقاء الرحمة من قيد الرق .
- فمتى كنا مستحقين في العدم ؟ حتى عثرنا على هذه الروح وعلى هذه المعرفة . « 1 »
- ويا من جعلت كل الأغيار صحاباً ، ويا من أعطيت الشوك خلعة الورد .
 
2325 - اجعل ترابنا مزرعة ثانية ، ومرة ثانية ، اجعل اللاشىء شيئاً .
- إنك أمرت بهذا الدعاء من البداية ، وإلا فمتى كانت للتراب جرأة عليه ؟ !
- وما دمت قد أمرتنا بالدعاء ، واعجبا من هذا الأمر ، اجعل دعاءنا هذا مجاباً .
- إن سفينة الفهم والحواس كسيرة في الليل ، فلا أمل بقي ولا خوف ولا يأس .
- وحملني إلهي في بحار الرحمة ، حتى يملأنى بكل فن ، ثم يرسلني .
 
2330 - ولقد جعل أحدهم مليئاً بنور الجلال ، وجعل آخر مليئا بالوهم والخيال .
- ولو كان عندي أي رأى أو أي فضل ، لكان رأى وتدبيري في حكمي .
- ولما ذهب عنى وعيى ليلا دون أمر منى ، وظلت طيورى تحت شباكى .
- ولكنت عالما بمنازل الروح عند النوم ، وانعدام الوعي ، والامتحان .
- وما دامت كفى فارغة من حله وعقده ، عجبا ! ! ممن يكون اعجابى هذا بنفسي ؟
 
2335 - لقد تجاهلت كل ما رأيته ، وحملت ثانية زنبيل الدعاء .
- انني كالألف ، لا أملك شيئا أيها الكريم ، كالألف ليس لي إلا قلب أضيق من عين الميم .
- وإن هذه الألف وهذه الميم هي أم وجودنا ، فميم الأم ضيقة ، والألف منها شحاذ ملحاح .
- وتلك الألف التي لا تملك شيئاً هي الغفلة ، والميم الضيقة في ذلك الزمان هي العقل .
- وفي زمان انعدام الوعي ، أنا نفسي لا شيىء ، وفي زمان الوعي أنا في التواء .
 
2340 - فلا تضع شيئاً آخر قط على مثل هذا الهباء ، ولا تسم هذا الالتواء بالدولة .
- فأنا في حد ذاتي لا أملك شيئاً يجعلني حسناً ، ما دمت أملك من هذا الوهم مائة عناد .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 112 : واى استحقاق كان لنا في العدم ، حتى ظهر لنا مثل هذا العقل ومثل هذه الروح .
 
« 214 »
 
- ففي املاقى هذا إجعلنى مالكاً ، ولقد عانيت الألم ، فزد في راحتى .
- لقد وقفت عارياً على بابك في دمع عيني ، إذ لا عين لي .
- فامنح دمع عين الذي لا بصيرة له ، خضرة ونباتاً في هذا المرعى .
 
2345 - وان لم يبق لي دمع فامنحنى الدمع من العين ، كعينى النبي الهطالتين .
- وعندما طلب - عليه السلام - دمع العين من الحق ، مع مثل ذلك الاقبال والإجلال والسبق .
- فكيف لا أكون أنا قريناً للدمع الدموي نحيلا ، أنا الفارغ اليد القاصر لاعق الاطباق .
- وما دامت مثل تلك العين مفتونة بالدمع ، ينبغي أن يكون دمعي أنا مثل مائة نهر من أمثال جيحون .
- بل أن قطرة منه أفضل من مائتي جيحون ، فالإنس والجن قد نجوا بتلك القطرة .
 
2350 - وما دامت تلك الروضة من رياض الجنة قد بحثت عن المطر ، فكيف لا تطلب الأرض البور القبيحة الماء ؟ !
- ويا أخي لا تقلع عن رفع يديك بالدعاء ، فما شأنك أنت بإجابته " جل وعلا " أو برده ؟ !
- والخبز الذي يكون سداً ومانعاً لهذا الماء ، ينبغي أن تنفض اليد من ذلك الخبز سريعاً .
- فاجعل نفسك متزناً وجلداً وصلباً ومؤتلفاً ، وانضج خبزك من دمع العين .
 
نداء الهاتف لطالب الكنز وإعلامه بحقيقة أسراره


 - وبينما كان " مستغرقا " في هذا الأمر ، إذ أتاه الالهام ، وكشف له من الهمة عن هذه المشكلات .
 
2355 - لقد قال لك ضع سهماً في القوس ، ومتى قيل لك : شد وتر القوس .
- إنه لم يقل لك : شد القوس جيداً ، قال لك : ضعه في القوس ، ولم يقل : أطلقه من القوس .
- ومن فضولك شددت القوس تماماً ، ومارست صنعة القواس .
 
« 215 »
 
- فاترك شد القوس وامض ، وقل : ضع السهم في القوس ، ولا تطلقه .
- وعندما يسقط ، احفر ، واطلب من ذلك المكان ، واترك القوة وابحث عن الذهب بالضراعة .
 
2360 - فما هو حق أقرب إليك من حبل الوريد ، وأنت ألقيت بسهام الفكر بعيداً بعيداً .
- وأنت أعددت القوس والسهام ، والصيد قريب وأنت أطلقته بعيداً « 1 » .
- وكل من أطلقه أكثر بعداً يكون هو نفسه أكثر بعدا ، ويكون مهجوراً أكثر من ذلك الكنز .
- لقد قتل المتفلسف نفسه من الفكر ، فقل له أسرع ، والأعمى ظهره دائما إلى الكنز .
- قل له " أسرع " وكلما زادت سرعته ، ازداد بعداً عن مراد القلب .
 
2365 - لقد قال ذلك المليك " جاهدوا فينا " ولم يقل " جاهدوا عنا " أيها القلق .
- مثل كنعان الذي غادر " ما اعتبره " عاراً من نوح ، نحو قمة ذلك الجبل المهيب .
- وكلما جاهد أكثر في الخلاص " سعيا " صوب الجبل ، كان يصير أكثر بعداً عن الملجأ والمناص .
- مثل ذلك الدرويش ، من أجل الذهب ، كان كل صباح يبحث عن قوس أشد .
- وكلما نال قوسا أكثر شدة ، كان يصير أبعد وأكثر حرمانا من الكنز وأماراته .
 
2370 - أن هذا المثل حيوى في زماننا ، وهو أن التعب رخيص على روح الجاهل .
- ذلك أن الجاهل يشعر بالعار من " محضر " الأستاذ ، فلا جرم أنه ذهب ، واستقل بحانوت .
- وهذا الحانوت الذي يعلو على الأستاذ أيها الجميل ( ! ! ) نتن وملىء بالعقارب وملىء بالحيات .
- هيا ، أغلق هذا الحانوت سريعاً وعد ، نحو الحضرة وأيكات الورد ونبع الماء .
- لا مثل كنعان ، الذي من الكبر والجهل ، جعل من الجبل العاصم سفينة فوز .
 
2375 - فكان علمه بالرمي حجاباً عليه ، وكان مراده ذاك حاضرا في جيبه ! ! .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 127 - وكل من هو بعيد بعيد عن وجهه ، انما يجرب قوة ساعده .
 
« 216 »
 
- ورب علم وذكاء وفطن ، صارت للسالك كأنها الغول وقاطع الطريق .
- وأكثر أصحاب الجنة هم البله ، ذلك أنهم يتخلصون من شر التفلسف .
- فاجعل نفسك عرياناً من الفضل والفضول ، حتى تنزل عليك الرحمة في كل لحظة .
- واعلم أن التذاكى هو ضد الانكسار والضراعة ، فاترك التذاكى ، وتعود على البله .
 
2380 - فاعلم أن التذاكى هو شبكة الكسب والطمع والعض " بالنواجذ " ، فحتام يطلب المقامر بطهر ، الذكاء .
- لقد قنع الأذكياء بصنعة ما ، أما البلهاء فقد انتقلوا من الصنع إلى الصانع .

- ذلك أن الأم تكون للطفل الصغير نهارا ، يداً وقدماً وتضعه في أحضائها ! ! .
.

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا    قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:20 pm

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )    

قصة تلك الخريطة للكنز على مدونة عبدالله المسافر بالله
حكاية الصوفي والقاضي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 
شرح قصة تلك الخريطة للكنز
( 1915 - 1928 ) : الحديث عن الكنوز المخبوءة كثير في أعمال الصوفية ، ولعل النظر هنا إلى الحديث القدسي " كنت كنزا مخفيا ، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني " ، ( انظر البيت 2541 وما بعده من الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ( استعلامى 6 / 316 ) إن ما رآه الفقير المتوسل لم يره في النوم ، فأين منه النوم وهذه الأحوال تتوالى عليه والواقعة هي التحول الباطني الذي تنتج عن الأحوال ، وهذا الكنز مقسوم لذلك الذي داوم على الطاعة والضراعة ، ولو فشا أمره فلن ينال أحد منه مقدار حبة ، لكن الأمر قد يطول ، فلا تيأس ، واجعل وردك الدائملا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ( الزمر / 53 ) .
 
قال المولوي " فأراد بالكنز وبكتاب الكنز مرتبة الوحدة وخزينة الحقيقة ، وأراد بالرقعة الكتاب الذي كتبت فيه المعاني متعلقة بالحقيقة وأسرارها التي هي كنز الحقيقة ، وأراد بالدرويش الذي هو طالب الأرزاق المعنوية بلا تعب وهو إما أن يلاقى مرشداً يرشده وهذا لا يحتاج إلى كتاب كنز الحقيقة فإن المرشد له كتاب كنز الحقيقة ، وإما يحتاج إلى كتاب كنز الحقيقة ولا يجد من يرشده إليه فهذا يتوجه إلى قاضى الحاجات لييسر له الأرزاق المعنوية " ( مولوى 6 / 274 ) .
 
لكن البشير لم يمض عن الدرويش إلا بعد أن أوصاه بأن يجاهد وألا يعتمد كل الاعتماد على هذه البشارات بل عليه أن يمضى ويجاهد .
 
« 521 » 
 
( 1924 - 1929 ) : بالرغم من أن الشاب لم يكن نائما ، إلا أن هذه الوقائع لا تظهر إلا في حالة الغيبة ، لم يسعه جلده من الفرح ، لا لأنه وجد خريطة كنز بل لأن الله تعالى استجاب لدعائه من وراء الحجب ( عن الدعاء والاستجابة وفرح العبد بالاستجابة لا بالعطاء ، انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 2333 - 2335 والبيت 2389 وشروحها )
بهذا الدليل أن الله سمع الدعاء يرتفع العبد من حضيض التراب إلى أوج الأفلاك ، لقد وجد الدليل على أن أذن الباطن وعين الباطن صارتا نافذتين من وراء الحجب وأن هذا الخطاب وهذه العلاقة سوف تستمر ولن تقتصر على هذه المرة الوحيدة .
 
( 1935 - 1945 ) : لا يزال الفقير في حالة تردد : كيف يحفظ الله تعالى مثل هذه الخريطة في مسودات الوراق ؟ !
 " كيف يحفظ الأرواح العظيمة أرواح الأولياء والمرشدين في الخلق والخرق ؟ ! كيف يحفظ الكنوز في الخرابات ؟ !
وكيف حصل عليها اعتباطاً ، مهما جاهد العبد فإنه لابد وإلا يدرك في نفسه أهليته لعطايا الله الممتدة المتواترة التي لا تعد ولا تحصى ؟ ! !
 
إنها إرادة الخالق الذي يغمر بنور المعرفة قلب المؤمن دون أن يقرأ كتاباً من الكتب ، وانظر إلى موسى عليه السّلام ، ألم يكن يبحث عن الدليل والبرهان من الله لكي يصدقه فرعون والدليل في جيبه ، الدليل اليد البيضاء ، ( انظر آية 32 سورة القصص ، والعبارة 6 من السفر الرابع ، سفر الخروج من التوراة ) ،
 
 لكن : لا شئ يستبعد عن الإنسان ، بل إن هذه السماوات السامية ما هي إلا مجرد انعكاس لمدركات الإنسان ( كل ما هو معروف عنها إنما هو من تصور الإنسان لها ) .
 
يقول السبزواري ( شرح مثنوى ، ص 450 ) :
" أي أن حقيقة الأمر بخلاف ما يقوله بعض أهل العلم الذين يعتبرون مدركات الإنسان موجوداً ظلياً للأجسام ويعتبرونها انعكاسا لها وأمر الانعكاس على عكس هذا تماما لأن الإدراك والتعقل لا يكونان بأن تترقى صورهما وتحذف بالنفس الناطقة كما يقول بعضهم ، ولا هي تتأتى للعقل بالمشاركة أو عن
  
« 522 » 
 
طريق نزول النفس على الشكل الباقي والصوري من العقل الفعال أو عالم الذكر الحكيم في الباطن بل إن النفس الناطقة تصعد وتتصل بل وتتحد وتفنى في الأرواح المرجدة وتصير عالمة بعلمها وتلك العلوم قبل الكون ومنشأ الكون وخصوصاً عند أهل الإشراق القديم والمتألهة والإشراقيين الإسلاميين مثل صدر المتألهين الشيرازي صاحب الأسفار إن إدراك الكليات العقلية بمشاهدة العقل ذوات نورية وبالنسبة لعقول الطبقة المكافئة وجود محيط بكل كلى عقلي وذات نورانية ومجردة أزلية وأبدية
وباقية ببقاء الحق تعالى " وبعبارة أخرى : أليست من مدركات عقل الإنسان الذي فاض عن العقل الكلى الذي هو أول خلق الله ( أول ما خلق الله العقل )
إياك أن تظن أن هذا الكلام واضح ، وإلا فكيف أفشى أسرار العنقاء أمام الذباب ؟ ! ( في شعر حافظ : ليست العنقاء صيدا لأحد فلملم شبكتك ) ( عن استعلامى 6 / 317 ) .
 
( 1973 - 1981 ) : إن العقل هو الذي ييأس ويحبط ويمضى عن طريق لا فائدة ميسرة منه ، أما العشق ، فهو لا يبالي وصل أو فصل ، فاللذة في الطريق وليست في الوصول ، في مجرد الطلب والرجاء ، في الصبر والمشقة ، فالعقل باحث عن النفع والعشق باحث عن البلاء ،
 
روى عن العطار : " أن رجلين أحدهما عاقل والثاني عاشق قرآ كتاباً بأن في المحل الفلاني خزينة لا تفنى ، وعندها محبوب أوصافه لا تشرح وإن لم يوجد هناك ، اذهب يا هذا من هذا المقام تجد : الطريق على ثلاثة أحجار ،
مكتوب على الأول : يا ذاهب الطريق إن ذهبت على هذا الطريق لا تجد خزينة ولا محبوباً لكن قدامك بلدة إن ذهبت إليها تجد كارا ( أي عملا ) ،
وعلى الثاني إما ما لا تجد محبوبك أو لا تجده ، وعلى الثالث : إن ذهبت على هذا الطريق تمحى ، فتشاورا ، فقال العاقل لا أذهب إلى طريق الفناء ، لأن نتيجته غير معلومة ،
  
« 523 » 
 
فأنا أذهب جانب ذاك الطريق الذي نتيجته بلدة عظيمة ، وقال العاشق : أنا متضجر من نفسي بعلة العشق لأنى لم أجد محبوبى ، فأذهب جانب الفناء والمحو فذهب ووجد محبوبه والكنز " ( مولوى 6 / 381 ) ولأن العاشق هكذا فإن الحق يعطيه بلا سبب طاهر ولا دليل ولا وسيلة أي خرقا للأسباب والعلل ، ولذلك فالعاشق يقامر بكل وجوده بطهر ( لا ينبغي عوضا ولا منفعة ) وربما يكون المعنى مشتقاً من الحديث القدسي : الفتوة أن ترد نفسك إلى طاهرة كما قبلتها منى طاهرة " .
وهذه المقامرة بطهر ينبغي أن تكون خارجة عن أي مذهب ( التعصب للمذهب عقبة في الطريق ) ، إنه بحث عن الخلاص لا عن المخلص ، كما أن العشاق لا يمتحنون ربهم ، ( عن امتحان العبد لله انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 353 - 386 وشروحها ) إنهم يضحون فحسب لأنهم يعلمون أن في فنائهم بقاء بالحق ( انظر البقاء في الفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
( 1984 - 1990 ) : فرق إذن بين الملك ( العاقل ) والفقير ( العاشق ) ، فإن الملك سرعان ما مل برغم انه لم يكن يعمل بنفسه ، الفقير لم يمل ، كان يستعذب الألم ، مثلما يلعق كلب جراحه بلسانه ليقوم بتسكينها ، والعاشق يعكف على آلامه لا يستطيع حتى أن يبوح بها : فمن يا ترى يمكن أن يكون مقدرا لآلام العاشق والوجد لا يدركه إلا من يكابده ؟ !
وأي دواء يمكن أن يقدمه طبيب لجنون العشق ، والطبيب نفسه إن أصيب بهذا المرض لكفر بكل كتب الطب ولحاها بدمه ؟ !
وكيف والطب ناتج عن العقل والعقول كلها من تصوير هذا المعشوق ؟ !
والحسان كلهم مجرد قناع حسن أمام حسنه ( لجرعة الحسن التي تمثل بها البشر وتشربها كل الحسان ، انظر الكتاب الخامس ، الترجمة العربية ، الأبيات 372 - 379 وشروحها ) فليس أمامك إذن أيها العاشق إلا أن تشكو حزنك وهمك لنفسك .
 
( 1991 - 1996 ) : ومن هنا فأن ذلك الفقير قد أخذ في الدعاء ، والدعاء سعى ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 2320 - 2340 وشروحها ) وكان
 
« 524 » 
 
يسمع الاستجابة في قلبه ( انظر بيان أن قول المتضرع يا الله هو عين قول الحق لبيك ، الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 199 وشروحها ) ، إن الداعي للحق يظل على دعائه مهما لم يستجب له ، إنه تماما مثل الحمامة التي ألفت سطح منزل مهما تزجرها تعود إليه .
 
( 1997 - 2004 ) : الخطاب من مولانا جلال الدين لمريديه وملهمه وخليفته على الطريقة حسن حسام الدين : يا حسام الدين از جر ذلك المريد الذي ألف صحبتك كما تألف الحمامة سطح منزل من المنازل ( يفسر استعلامى 6 / 321 بأن جلال الدين يقصد بالحمامة هنا نفسه ، وهذا ليس معقولا إلا من قبيل التعبير المعكوس الذي يلجأ إليه مولانا أحيانا )
ثم يخاطب المستمع عموماً : إن طائر الروح لا يزال يحوم حولك مهما زجرته ما دمت من أهل الروح . إنها لا تستطيع إلا تعكف عليه وإلا كانت مستحقة للعقاب في قانون العشق حتى تعود من عشق التراب ( الجسد ) إلى عشق القمر ، إلى مليك العشق .
 
( 2005 - 2103 ) : يقول مولانا مخاطباً حسن حسام الدين : أنت منتهى سيرى مثلما كانت السدرة في ليلة المعراج منتهى سير جبريل عليه السّلام ، فقال للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : تقدم فلو تقدمت أنا قيد أنملة لاحترقت ، وأنت عيسى الطريق وأنا سقيم وهو هنا يعبر عن حسن حسام الدين الواسطة والوسيلة إلى عالم اللاهوت تجدد فيه الحياة وتحيى موات قلبه ، ( مثلما كان عيسى عليه السّلام يحيى الموتى ) ،
وأنت يا حسن تستطيع بجذبك أن تجعل بحر المعاني يجيش ويغلى في داخلي ويتحول إلى أشعار ، إنني في بحران ، وعندما تكون أنت لي فإن بحر المعاني يكون لي ، إن هذا الأنين يظهر بعض المعاني ، لكن الغياث يا الله من معان لا يستطيع البيان أن يعبر عنها ،
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : حفظت من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وعاءين من العلوم فبثثت أحدهما ولم أبث الآخر ، فلو بثثته لقطع هذا البلعوم منى " ( مولوى 6 / 386 ) .
ولا تستطيع الألفاظ أن تستوعبها ، ونحن كالناى ، له
  
« 525 » 
 
طرفان ، طرف في الفم ( افتتاحية المثنوى : بشنو از نى : استمع إلى الناى ) وطرف آخر هو ما تسمع منه هذه الأنعام ، لكن حذار : إنني أقصد بالناحيتين الناحية التي تكون في فم نافخ الناى ، وناحية أخرى في الطرف الآخر ، فكل ما يبثه الناى قادم من الطرف الآخر ، هو من أنفاسه ، وإن لم يكن لهذا الناى حديث معه لما فاض منه هذه الشهد الزلال .
 
( 2014 - 2031 ) : يقطع مولانا استرساله كالعادة خشية الانزلاق إلى التعبير عما لا ينبغي التعبير عنه ، ما الباعث يا ترى إلى أن ينفجر هذا البحر من المعاني منك ؟ ! تراك بت بالأمس عند ربك يطعمك ويسقيك مصداقا للحديث النوبى الشريف [ أنا لست كأحدكم فأنى أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني ] ( انظر البيت 1642 من الكتاب الرابع )
وكان من نتيجة ذلك أن سقت بحر عالم الغيب ، بحر النار في بحر المعاني ، فانقلبت كنار إبراهيم عليه السّلام بردا وسلاما ؟ !
إن أحد لا يستطيع أن ينكرك يا حسام الدين فمثله كمثل من يخفى الشمس بقبضة من الطين ، وهل يستطيع البشر العاديون العاكفون على الطين إخفاء الشمس ؟ !
ومن شمسك يتحرك الحجر في الجبل إلى ياقوت ، وإن أبطالا من أمثال رستم هم الذين يستطيعون تقدير بطولتك حق قدرها ، وكيف أتحدث بأسرارك إلى الناس ، وما أحوجني إن أردت أن افصح عن أسرارك أن ألجأ إلى فعل على رضي اللّه عنه عندما أراد أن يثبت سرا فطأطأ رأسه في بئر وأخفى بالسر ،
( يقول استعلامى أن الرواية سقطت إلى مولانا جلال الدين من العطار في منطق الطير وانظر البيت 2233 من الكتاب الرابع وشروحه وأضيف هنا أن هناك إشارة أخرى لسنائى على الحادثة وردت في الحديقة في البيت 3302 )
 أما أنا وقلبي ينوء بهذه الأسرار إلا أنني أضرب بها بين الغوغاء وما أحوجني إلى أن أبثها في الخلاء ، فاعطني شراب العشق ثم انظر إلى حالي ، ولا تخرجني من هذا السياق طالبا منى أن أكمل لك حكاية الفقير والكنز ، فنحن الأن غارقون في الشراب الإلهى ، ويا أيها الفقير الذي تود أن تصل عن
  
« 526 » 
 
طريق إكمالى الحكاية إلى كنزك ، لتعلم أنى لا أحس بذاتى ، فهذا الشراب الذي أحتسيه لا يستوعب شعرة من حطام الدنيا إلى جواره ، فقدمه أيها الساقي يا حسام الدين ، وأهزأ بأولئك الذين يتفنجون عليك ، إنه يقاوم ما لا سبيل إلى مقاومته ويقتلع لحيته عبثا ، فليخسأ عاذلك ، إن حيله واضحة وتزويره ظاهر للعيان .
 
( 2032 - 2050 ) : إن ما يتأتى من عالم الغيب بعد مائة عام يراه الشيخ بحذافيره ( إشارة إلى قصة تنبؤ أبى يزيد البسطامي بمولد أبى الحسن الخرقانى وصفاته وأماراته وشكله قبل مولده بأكثر من مائة عام ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1802 - 1850 و 1925 - 1934 وشروحها ) ومن هنا يكرر مولانا جلال الدين أن ما يراه العامي في المرآة يراه الشيخ في قطعة من الطوب اللبن ، والأجرد كناية عن المتجرد عن الدنيا والملتحى المنصرف عنها والبيت مثل سائر ( انظر البيت 3566 من الكتاب الثالث )
 
فدعك من كل هذا وامض إلى بحر المعاني ، ألست ابنا لآدم فما بالك تتحدث عن اللحى كثيرا وكأنك قذى اشتبك بشعرها ؟ ! ولست قذى ، فأنت جوهرة عظيمة بل إنك تزرى بالجواهر العظيمة ( لقيمة الإنسان انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ، إنني أقصد بالبحر بحر الوحدانية ، ( افتتاحية المثنوى : ملّ هذا الماء من ليس بحوته ، البيت 17 ) وبما أن بحر الوحدانية لا يقبل الشرك فإن أسماكه ودرره سواء
 
( ما للأنبياء للأولياء ) والذي يرى تميزا بين فئة وأخرى هو الأحول ، لكننا مع ذلك نذكرهم كاثنين لفظا لأننا نخاطب مصابين بالحول لا يعرفون لغتنا ، والأحدية تبدو لك عندما تتجه إلى منطقة الأحدية ، فإما أن تحدث مرة حديث العامة ، واصمت مرة ،
فليس الخواص في حاجة إلى حديث ، أو تحدث حديث الخواص عندما تراهم ، واصمت أمام الجهال ، وكن كالدن المختوم الفوهة ، وإلا حطمتك حجارة جهلهم ،
 
وتعامل مع هؤلاء الجهال بالمداراة ، واستخدم عقلك الموهوب من الله ، واصبر على ما يحيق بك من أذى الجهال
 
« 527 » 
 
، فالصبر يصفى منك القلب ، ولتعتبر بنوح عليه السّلام الذي كلما كان يمر على قومه سخروا منه ، فكان هذا الصبر جلاءً لمرآة قلبه وتجلى فيها النصر الإلهى .
 
( 2051 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر ونيكلسون ( مآخذ / 209 ) أن مصدرها كتاب تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ويرى استعلامى أن ما ورد بعد الحلاج في تذكرة الأولياء يعد من إضافات النساخ ولا يمكن أن يحتوى على سيرة لأبى الحسن الخرقانى المتوفى سنة 425 ( 6 / 322 - 323 ) وهذا غريب ، فما العجب في أن يضمن العطار
( المتوفى سنة 618 ) سيرة الخرقانى المتوفى سنة 425 ؟ !
وفي رواية العطار يذكر أن الزائر كان أبا علي بن سينا ، ولعل من المناسب أن يجعل مولانا الزائر مجرد درويش ، والحكاية تذكر هنا بنماذج عديدة في الأدب العالمي وفي تراث الإنسانية عن عظماء كانت آثارهم تملأ الآفاق وقعيدة المنزل لا ترى فيهم ما يراه الآخرون
( زوجة سقراط مثلا - ولأندريه جيد رواية عما كتبته زوجتان لأديب عظيم في سيرته بعد وفاته )
ويضرب القرآن الكريم مثلا بالمرأة التي لا تدرك عظمة زوجها بامرأة نوح وامرأة لوط ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ( التحريم / 10 ) .
 
كما يذكر جلبنازلى ( 333 - 330 / 6 ) نماذج أخرى من تاريخ المتصوفين الترك ، كما يذكر أسماء متصوفة آخرين اعتلوا الأسد .
 
( 2068 ) : انظر الأية رقم 68 من سورة طه ، والبيت 1797 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 3323 من الكتاب الرابع .
 
( 2075 - 2090 ) : يتحدث الشاب عن قيمة الشيخ ، والعسس هنا كناية عن أولئك الذين يقفون في طريق العاشقين ، أفي وجود ضياء الشيخ يوجد العسس الذين يتجولون في ليل الظلمات ، ولهذا النور تسجد السماوات ، إنه نور يفوق نور شمس الفلك فهو نور
  
« 528 » 
 
شمس الحق وشمس الشمس ، التي تحل في كوكب حمل المعرفة ، فتصبح الدنيا بأجمعها ربيعا نضراً ، فمتى يحولنى الشيطان عن الطريق ؟ ! إن ما دفعني إلى رحلتي رؤية الشيخ ليس هباء حتى يحولنى عنه مجرد حديث عابث فارغ ( ريح ) ،
أي عجل ؟ ! وأي سامرى ؟ ! هذا الذي تسمينه عجلا من جهلك سطعت عليه الأنوار الإلهية فصار قبلة للكرم ، إن العجل صار معبودا لا لأنه عجل بل لأن السامري نثر عليه قبضة من أثر الرسول ( انظر البيت 3334 من الكتاب الرابع )
وألم تكن القبلة بيتا للأصنام قبل أن يسطع عليها النور المحمدي ؟ !
وهذا الكلام الذي تقولينه لو أنه جرى على لسان أحد الكمل لما كان كفراً ؟ !
وألم يسلم الشيطان نفسه طبقاً للحديث النبوي [ أسلم شيطانى على يدي ] ( انظر البيتين 289 و 290 من الكتاب الخامس ) وهذا الذي تتحدثين عنه بهذه الاستهانة هو الخبير بحب الله على الحقيقة ، وهو مظهر للعزة الإلهية ، إنه أسمى من الملائكة المقربين
( الإنسان أن تغلب على جانب الطين صار أسمى من الملائكة لأن الملائكة خير محض من الخليقة ولا فضل لهم على عبادتهم )
وهكذا لم يكن سجود الملائكة لآدم عبثا بل لهذا السبب " والقشر يسجد للب " أي أن التجليات الصورية وهي بمثابة القشر تسجد خضوعاً للتجليات المعنوية ( يكون القشر عادة متعفنا حول اللب وكأنه ساجد ) ( استعلامى 6 / 325 )
روى عن نجم الدين كبرى " قال أبو الحسن الخرقانى : صعدت إلى العرش لأطوف به فطفت عليه ألف طواف ورأيت قوما يطوفون حول العرش فعجبوا من سرعة طوافى وما أعجبني طوافهم ، فقلت من أنتم وما هذه البرودة في الطواف ؟ ! قالوا :
نحن ملائكة ونحن نور وهذا طبعنا ، فقالوا : ومن أنت وما هذه السرعة ؟ ! فقلت :
أنا آدمي فىّ نار ونور وهذه السرعة من نتائج نار الشوق ( مولوى : 6 / 398 ) .
 
والبيت 2085 إشارة إلى مضمون الآية 8 من سورة الصف ، والبحر لا يصير نجسا من فم كلب مثل فارسي سائر ، غريب حقا أن ينكر إنسان هذا النور ، لأنه في حالة الشيخ
  
« 529 » 
 
أظهر من أن يحتاج إلى عين باطنة أو سير وسلوك ، لكن هذا هو حال الخفاش لا يستطيع أن يخرج في ضوء الشمس ، فينكر هذه الشمس مع أن نورها يملأ الآفاق
 
( تكرر المثال كثيرا في المثنوى ، انظر على سبيل المثال لا الحصر الأبيات 107 و 184 و 686 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2091 - 2099 ) : يستمر جواب الدرويش على زوجة الشيخ ، وهو في الحقيقة إفاضات مولانا جلال الدين ، إن أرواح رجال الحق هي بمثابة الأمواج العالية التي تبلغ أضعاف أضعاف طوفان نوح ، ومع ذلك فقد أنكرها واستهان بها ابن نوح
 
( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 3361 - 3367 ) ، " والكلاب تنبح والقافلة تسير " مثل عربى تكرر في المثنوى أكثر من مرة ( انظر 1465 - 1467 من الكتاب الرابع والبيت 14 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
والجزء هو الروح الباحثة عن الله وهي مقام الشيخ الخرقانى ، " وعجوز في الغابرين " ، هي زوجة الشيخ وهنا إيماءة إلى زوج لوط التي لم تؤمن به ، فنجى وقومه إلا إياها ، إن العارف هو روح الشرع وروح التقوى أي هو المنتهى والحقيقة للتقوى ، ولم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد عمر من الزهد ، وما وصله إلى الحقيقة إلا حصاد غرس الزهد الذي غرسه .
 
( 2100 - 2110 ) : لا يزال مولانا في الحقيقة هو الذي يتحدث على لسان الدرويش عن مقام الشيخ : إن الشيخ هو الأمر بالمعروف ، بل هو المعروف نفسه ، إنه هو الذي يكشف أسرار الغيب ، بل هو نفسه سر الغيب ، ولعله ناظر إلى الحديث القدسي " الإنسان سر من أسرارى " ( استعلامى 6 / 325 )
 
إنه ملك الدنيا وملك الآخرة ، هو اللب وما سواه قشر وغثاء ، إنه المعبر عن الوحدة مع الحق بقوله " أنا الحق " ( الحسين بن منصور الحلاج ) ( انظر لتفصيلات أخرى عن الفكرة الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) وما ذا يبقى بعد فناء العبد إلا الحق ؟ ! ( انظر مقدمة الترجمة
 
« 530 » 
 
العربية على الكتاب الثالث ، وانظر عن لا وإلا الكتاب الأول ، البيت 3067 والترجمة العربية للكتاب الخامس البيت 590 ) ،
ثم يعود إلى المرأة ، وإلى كل منكر لمقام المعارف متطاولا عليه ، فكأنه يبصق على القمر ، فترتد بصقته إلى وجهه ولا يلحق بمقام القمر أدنى أذى ، ومن الإله تنهمر عليه اللعنات وكأنها زوج أبى لهب التي لا يفتأ المؤمنون في ترديد اللعنة عليها حتى يوم الدين كلما قرأواتَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، إن علامات العظمة وإمارات النور الإلهى بادية على الولي ، وكل من يعتبره شرها وأكولا ، لا يزيد عن كلب ، وبما أن ما هو للنبي يكون للولي ،
 
فأن الأفلاك إنما تدور من أجله ، بل وخلقت من أجله ، ألم يقل الله لنبيه " لولاك ما خلقت الأفلاك " ( انظر 1668 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، أنه رحمة العالمين ، وبأمثالهم ترزقون ، فكأن العالم كله يطلب منه القوت ، فكيف يكون متسولا وآكلا بالمجان ؟ !
( انظر الكتاب الخامس الأبيات 2341 - 2362 وشروحها ) .
 
( 2111 - 2118 ) : إنك تزينه متسولا شحاذا وذلك لأن الأمور معكوسة ( انظر لتفصيل الفكرة الولي الشحاذ ، الكتاب الخامس ، الترجمة العربية من 2700 - 2710 وشروحها ) إنه زبدة الأرواح كما تجد به كل المخلوقات زبدتها وكمالها ( تجد البحار الدر والأرض الكنوز والزهور ) إن إعطاء الصدقة ليس دليلا على غنى المتصدق وعلى فقر المتصدق عليه ، فالأغنياء في حاجة إلى عناية الدراويش .
ولحافظ :
أيها الغنى لا تبد كل هذه العنجهية والكبرياء فالرأس والذهب في كنف همة الدرويش ( عن استعلامى 6 / 326 ) فالزكاة في الحقيقة تزكية للغنى وليست للفقير ، ومن هنا اشتق اسمها .
 
( 2136 - 2138 ) : المقصود أن كل رجال الله يتميزون بهذه القدرات الروحانية ، كرامات الأولياء حينا محسوسة ومنظورة وحينا مكتومة وخفية " فالأنبياء مأمورون بإظهار
  
« 531 » 
 
المعجزة والأولياء مأمورن بإخفاء الكرامة " ( أسر التوحيد في مقامات أبي سعيد ، تأليف محمد بن المنور ، عن استعلامى 6 / 327 ) .
 
( 2144 ) : أي أن تحمله للمرأة ليس من أجل إشباع الشهوة ، ( في البيت 2150 تصريح بالمعنى ) وكل ما يتوجه به الشيخ أبى الحسن الخرقانى إلى المريد ، لأن المريد وهو في الطريق إليه داخل الوسواس عن كيفية تحمل الشيخ لمثل هذه المرأة .
 
( 2146 - 2159 ) : عن سكر الجمل ، انظر الأبيات 818 - 827 من الترجمة العربية للكتاب الثالث وشروحها ، والعوام هنا المقصود بهم زوجة أبى الحسن الخرقانى التي لا تدرك سر عظمة الشيخ بالرغم من أنها تعيش معه تحت سقف واحد ، والولي الحقيقي هو الذي لا يهتم بالعوام أو بالخواص ، بل يكون سره وصحوه وسكره وغيبته وحضوره مع الله ، وهذه العوالم التي يقطعها الشيخ ، ملحمة ذات كر وفر لا نهاية لها ، إلا ذلك المتضوع الذي يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( النور / 243 ) ،
فما بالك بوجوده وذاته وهو نور خالص ، وهذا النور لا يقبل الوصف ، بل كل ما نقدمه نحن عند الحديث عنه مجرد أقوال تنزل بمستواها من أجل أن يفهم المريد ، ويتعلم ، ويتحمل أثقال الخلق ، ويصل عن طريقها إلى سنن الأنبياء ، أولئك الذين ذاقوا من بلايا الكفار والأخساء الكثير ، ولولا هذا ما نصروا ، ولولا هذا ما تجلت الحقيقة الإلهية ، لأن الضد يتجلى بالضد وليس للحقيقة الإلهية ضد ، وإنما يظهر ضد عطاياه في البلايا التي يصبها أعداؤه على أصفيائه ، فيكون تجليه في قلوب أصفيائه رد فعل لهذه البلايا من أولئك وصبر هؤلاء ( أنظر الأبيات 100 - 109 وشروحها ) .
 
( 2160 - 2176 ) : وفيما عدا الحقيقة الإلهية ( التي لا ضد لها ولا ند ) فإن الله سبحانه وتعالى يظهر كل شئ بضده ، هذه هي سنة الله في خلقه ، لقد خلق الإنسان مظهرا لتجليه ، فهو الخليفة ، وهو صاحب الصدر في كل المخلوقات ، نفخ فيه من روحه ،
  
« 532 » 
 
وهذا هو الصفاء الذي لا حدود له ، لكنه في الوقت نفسه جعل له ضد من إبليس وظلمه وكدره وعصيانه ، يقف له كل مرصد ويجرى فيه مجرى الدم ، ولذلك حتى قوم الصراع المستمر الذي يظهر فيه جوهر الإنسان ، وتنجلى فيه قدراته ، وهكذا تستمر الأضداد في كل دورة من دورات الخق ، هابيل وقابيل ، إبراهيم عليه السّلام والنمرود ،
ثم موسى عليه السّلام وفرعون ، ثم محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم وأبى جهل ، ولكي يفصل الله تعالى في هذه الحروب ، كان لا بد وأن ينصر أنبياءه بوسائل غير دنيوية وغير صورية ( فالله يتجلى في مقابل جفاء الكفار وغلظتهم وعدتهم وعتادهم ) فسلب من النار صفة الإحراق فلم تحرق إبراهيم عليه السّلام ، وجعل الصيحة نكرا على قوم ثمود ، وأرسل الصرصر على قوم عاد ، والأرض المستوية التي تحفظ ما عليها ساخت بقارون ،
 إنها كلها تجليات لغضب الله ، وميدانها الإنسان وهذه الحرب المستمرة بين الخير والشر ، هي نفس الفكرة التي أقام عليها الفليسوف المعاصر على شريعتي فلسفة التاريخ عنده على أساس أنه صراع بين التوحيد والشرك أو بين الأنبياء الرعاة والفراعين والملأ والمترفين ، انظر ( إسلام شناسى 1 / 41 ) .
 
ويقول مولانا جلال الدين أن الولاية بعد النبوة إذن ففي كل دورة ولى قائم ( الكتاب الثاني ، البيت 818 )
 
( 2177 - 2186 ) : ولا يكون تجلى الحق في هذه الحروب المصيرية فحسب ، بل انظر إلى قهره عندما يحل بسائر البشر ، فيحول الدواء إلى داء ، وما يمد الجسد بالحياة إلى سبب للموت ، فيغص الحلق باللقمة ، ويختنق آكلها ، وتصبح الملابس التي تقى الحر والبرد والبأس ثقلا على الجسد فتيجرد منها لابسها ، وماذا تجديك هذه الأمثال وأنت لم تنضج بعد ( لم تصل إلى مستوى جرتى ماء لا تنجس إذا غسل فيها شئ نجس كما يقول الفقهاء ، بل أنت جرة واحدة ) ،
 ولو كنت ممن يعتبرون ويتعظون لاعتبرت بعذاب يوم الظلمة الذي حاق بقوم شعيب ( انظر 189 من سورة الشعراء ) حيث سطعت عليهم شمس حامية سبعة
 
« 533 »
  
أيام ، ثم أظلتهم سحابة ، فلما احتموا بها أمطرتهم نارا ، فلما لجأوا إلى بيوتهم لم تمنحهم الظل الذي كانوا يرجون ( مولوى 6 / 310 ) ، وأهر عوا إلى شعيب عليه السّلام ولكن هيهات ، وإن كنت تريد تفصيلات عما حاق بهم فارجع إلى كتب التفاسير ، وإن لم يكن ثم قهر الله ، فمتى كان لعصا أن تلحق بفرعون على جبروته كل هذا العذاب والهوان ، وألا يكفيك هذا المثال ؟ ! .
 
( 2187 - 2197 ) : إن فعل الله يحدث بشكل قد لا يستطيع أن تدركه ، إنه سريع ولا يصدق ، بحيث أنك لا تستطيع أن تبصره ، إن لك نظرا وإدراكا باطنا لكنه صدىء من قلة الاستخدام ، عين آسنة متجمدة فارجع البصر ، تحرك ، وارجع البصر كرتين ، وإلا فإن استخدامك لهذه العين الآسنة لا يوصلك لشئ ، وإمعان النظر يحتاج إلى إيمان بالغيب ، وبدون هذا تكون كل أعمالك دقا للحديد البارد ، فاحمل حديدك إلى داود الإرشاد والطريق فقد ( ألنا له الحديد ) ،
 
فالمرشد هو النار للحديد البارد ، وهو إسرافيل نافخ الصور للأجساد الميتة ، وهو شمس الروح للقلوب المتجمدة ، تذيب ما ران عليها من صدأ الجسد ، لكنك مع كل ما أقوله لك تترك كل ذلك ، ومن الأوهام والخيالات التي التفت بك وطمست عين إدراكك ، وختمت على قلبك ، لتسرع نحو ذلك الذي تجد عنده علم المحسوسات ، مع أنه نفسه أعمى مثلك وقد يكون أكثر ضلالا منك ، فيها أيها السوفسطائى ، أو أيها المستنجد به ، املأ فمك الكلمات الضخمة ، وتفيهق ، واهزل ، لكن لا تتحدث بهذا إلى الخلق وإلا كان الأمر فضيحة ، ويعود مولانا فبين أن النظر بالحركة وإمعان النظر أي تحريكه ، فالروح عندما تكون في البدن تسمى ( جان ) لكنها عندما تخرج من البدن تسمى روان ( ومن معانيها في الفارسية الجاري والسائل والماشي ) ، وهذا هو الفرق بين الجمود والحركة ،
هكذا قال الحكيم ، ( قال استعلامى 6 / 330 أن بعض المفسرين ذكروا أن الحكيم المقصود هنا هو ابن سينا الذي سمى الروح ( جان ) بالروح
  
« 534 » 
 
الحيوانية والروح ( روان ) بالنفس الناطقة ) ويرى مولوى ( 6 / 312 أن المقصود هو سنائى ) ، وذلك أن كل من هو متصل بالأمر فإنما تخرق له الأسباب والعلل ، فلو أراد الورد من الشوك لكان له ، وليس له أن يطلب الأشياء من أسبابها كما يفعل سائر البشر غير الواصلين .
 
( 2198 - 2210 ) : إن معجزة هو عليه السّلام دليل على قدرة رجال الحق الممنوحة لهم من الله ، فعندما سلطت عليهم الريح الصرصر ، رسم هود دائرة حول المؤمنين ، فلم تكن الريح تصيبهم بأدنى أذى ،
وهكذا فاعلم أن سفينة نوح عليه السّلام ليست على سبيل النجاة الوحيد ، كما أن طوفان نوح ليس الطوفان الوحيد فهناك أنواع عديدة من الطوفانات ولطف الله لا حق بكل شئ ، والملك في الأرض أمان لها ،
فالجنود يصطفون بناءً على حرص الملك للفتوح ولتثبيت الملك ، فيكون الأمان للخلق ، ومن قصد الملك رسوخ الملك ،
 إذ لا رسوخ للملك دون أمان للناس ، وفي خوف حمار الطاحون من الضرب يكون لك الماء ، ويكون لك طحن الحبوب واستخراج الزيت منها ، والخوف هو الذي يحرك الثور لجر المتاع وليس بهدف جر المتاع ،
وهكذا من الخوف جعل الله لك المنافع في هذه الدنيا ، هذا الخوف والرجاء هما عماد العالم ، فرجاء التاجر في الكسب هو الذي " يسمره " في حانوته ،
وليس إصلاح العالم هدفا له ، إن كل العالم ملىء بالراجين في النفع والخائفين من العقاب ، وإذا قام كل منهم بواجبه لانتظمت أمور هذا العالم تلقائياً ، ولا تظنن أن الطالح فقط هو الذي يخاف فالصالح أيضاً يخاف ، ولولا ذلك ما قال سيد الصالحين [ إلا أن يتغمدني الله برحمته ] ، والخوف هو أيضاً عطية من الله تعالى ، وإلا فهل يخاف الإنسان من نفسه ؟ !
 
( 2211 - 2224 ) : إن ذلك الذي بعث هذا الخوف في نفوسنا لا يدرك بالحواس الظاهرة ، لكنه أقرب إلينا من حبل الوريد ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار وهو
  
« 535 » 
 
اللطيف الخبير ، ولو كان الأمر بالبصر الحدسي لكان لكل دابة ما أدركه ولى عظيم مثل أبى اليزيد البسطامي ، فذلك الذي جعل هذا الجسد مركبا للروح ، وجعل من السفينة مركبا لنوح ونجاة له ، لكن إرادة الله الغالبة قد تجعل من وسيلة النجاة التي تتوسل بها هلاكا لك ،
 
وهكذا فحزنك وسرورك وخوفك ورجاؤك اللذان يتواليان عليك بمثابة الطوفان والسفينة ، وإن جذور هذا الخوف لا تستطيع أن تدركها ،
فما أشبهك بأعمى لكمه فظ ، وكان في نفس الوقت يسمع صوت بعير فظن أن البعير قد رفسه ، فهذا الأعمى يصف الشئ بقدر إدراكه له ، ولأن هذا الإدراك غير حاسم فإنه يتردد في وصف ما حاق به ، ولأن هذا الخوف - كأي خوف - لا بد أن يكون من خارج الإنسان إلا أن الإدراك الباطني هو الذي يستطيع أن يحدد كنهه ، ويعرف معالمه ، ثم يدرك أن أصله ليس من هذا العالم بل من العالم الباقي .
 
( 2225 - 2231 ) : يقصد بالذي يدعو نفسه حكيما أهل الاستدلال وحكماء المدرسة الذين يعتبرون الخوف من الوهم والخيال ، ويقول مولانا : إنه لا وجود حقيقي للوهم لكنه كل وهم يستمد من حقيقة أو واقع ، فحتى الناس يشترون النقد الزائف أملا في أن يكون حقيقة ( انظر 2939 من الكتاب الثاني )
 
 الأبله يشترى الزائف على أمل أنه ذهب ، وعلى هذا فحتى الكذاب عندما يخلق ، فإنما يختلق لكي يحمل الناس اختلاقه محمل الجد ، فإذا كان الكذاب يرى للصدق كل هذا الضياء والرواج ، فأولى به أن يكون شاكرا للصدق لا منكرا له ، لكن هل لدى الوقت أيها المتفلسف للرد عليك ؟
 
إن ذلك يصرفنى عن الحديث عن ألطاف الله بعباده ، الذي تندرج تحته كل هذه الأجزاء .
 
( 2232 - 2254 ) : والولي هو نوح بالنسبة لك ، وصحبته هي السفينة ، فاطلب هذه الصحبة ، وأنج من طوفان أهل الدنيا ، وأهرب من أهلك وأقاربك وأصدقائك هروبك من الأسد والحية ( انظر باب الأقارب في حديقة سنائى وانظر أيضا جلبنارلى 363 / 6 . ) إنهم
 
« 536 » 
 
يصرفونك إلى الدنيا ، ويمتصون زادك المعنوي ، وإن كانت لك قطرة من ماء الحياة والبحر الروحاني امتصوها منك ، وتركوك غصنا جافا لا تصلح لشئ ، فلا يمكن أن يصنع منه سلة ، ولا يمكن أن يصنع منه قوس ، فحتى الرجل الذي يصير على مثال هذا الغصن الجاف ، لا تتأتى منه عبادة بحرارة وخشوع
وإلا فما معنى :وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ( النساء / 142 )
قال نجم الدين كبرى : لأنهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبى لا بلسان الباطن القلبي ( مولوى 6 / 319 )
وإن ما أتحدث عنه عن أولياء الله بمثابة النار من أدركه حق إدراكه احترق ، وأولى بي أن اترك هذه الإفاضات وأعود إلى قصة الفقير والكنز ، فهذه النار التي أتحدث عنها لا تفرق بين غصن وغصن ، ولا تفرق بين واقع وخيال ، إنها النار التي تندلع من الروح ولا تقنع بأقل من الفناء الكامل ، فكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ( القصص / 88 )
وما أشبه فناء السالك في الحقيقة الإلهية بانمحاء حرف الألف ( الوحدة ) في كلمة بسم ، إن الحروف الصماء لم تتحمل الوحدة فكيف تتحملها أنت ؟ لكن هذه الألف وإن حذفت من كلمة بسم ، لكي يتم الوصال بين الباء والسين ، متضمنة فيها وأولى بها أن تصمت ولا تنطقها ،
 
 فإنك إن قلت " ما رميت إذ رميت " دون أن تقول : قال الله ، لا بأس فإنها متضمنة فيها ، فكن فانيا مثلما يفنى الدواء ويدق فيدفع العلل
( انظر لتفصيلات الفكرة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2352 وشروحها ) .
 
( 2255 - 2263 ) : يقتبس مولانا الآية رقم 37 من سورة لقمان وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، والحديث عن المثنوى بأنه لا غاية له ولا نهاية من ناحية المعنى ،
وإن كانت له نهاية من ناحية الألفاظ ، لأنه شرح لكلمات الله ولا نهاية لكلمات الله ، وهكذا فما دام الخالق يصور القالب الترابى فإنه ييسر لي تقطيع عروض المثنوى ، وهكذا فحتى عندما يفنى
 
« 537 » 
 
التراب ( الصورة الشعرية ) فإن بحار المعاني لا تزال تجيش بالزيد ، والخلق دائما في تجديد ، فالغابات تحترق وتنمحى ثم تنمو في مكانها غابات أخرى ، فبحار الخلق لا تنفد ، فكم من الكتب سوف تظهر فتسد النقص وتزيد على ما فات ،
 
ومن هنا قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم [ حدثوا عن البحر ولا حرج حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج - حدثوا عنى ولا حرج فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، حدثوا عنى بما تسمعون ولا تقولوا إلا حقا ومن كذب على بنى له بيت في جهنم يرتع فيه . ] ( أحاديث مثنوى / 204 ) - انقروى ( 6 - 2 / 30 ) . وعند السبزواري ( ص 460 ) : [ تكلموا في آلاء الله ما استطعتم ، فإن البحر لا ينزف وسر الغيب لا يعرف وكلمة الله لا توصف ]
 
بحر العطاء المستمر الذي لا ينقطع ، ثم يخاطب مولانا نفسه : عد من حديث البحر ، فليس كل الحاضرين ممن يتحملونه ، وعد إلى قصة صاحب خريطة الكنز ، ويرى استعلامى أنه يقصد باللعبة الفقير صاحب الكنز ، ( 6 / 333 ) لكن المقصود هنا حديث المجاز عموما وهو ما يقوى عليه المريدون ، والفكرة مأخوذة من حديقة سنائى على أن البداية تكون من المجاز ،
 فالطفلة لا تصلح للأمومة ، ومن ثم تشغل بالدمية حتى تصل إلى دور أمومتها ، والطفل يهلو بسيف خشبى لكي يصبح غازيا حين يكبر ويمسك بالسيف الحقيقي ، فالطفولة هي عالم الصورة ، والرجولة وطور النضج هو عالم الروح والمعنى ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 6962 - 6970 وشروحها )
فكأن مولانا يقول هنا : دعك من عالم المعنى وعد إلى عالم الصورة ، حتى يشغل هؤلاء الأطفال باللعب ومن اللعب يصلون إلى الجد ( فالمجاز قنطرة الحقيقة ) .
 
( 2264 - 2273 ) : يتعامل مولانا مع أبطال حكاياته كشخوص حية ، فعندما يبتعد عن الحكاية ، يصور لمريديه أن بطل الحكاية لا يزال يناديه ويطلب منه أن يتم قصته ، إن صوته في ضمير مولانا وإن لم يسمعه المريد ، هذا التعاطف وحس المشاركة بين
 
« 538 » 
 
مولانا جلال الدين وبين شخوصه سمة من أهم السمات التي تمنح حكاياته جانبا من الواقعية ، ولعله سبق في رفع الحائط الوهمي بين الكاتب وبين موضوعاته ، ومن المظنون انه إبداع من إبداعات مدارس الكتابة المعاصرة . وقد ترك مولانا هذه الحكاية من البيت 1997 ،
 
ويعبر مولانا عن بطل حكايته بأنه صار بخياله شريكا له في أسراره ، إنه مثله ينصرف عن كنوز المادة إلى كنوز المعنى ، إنه - أي الفقير طالب الكنز - كنز في حد ذاته لأنه باحث عن الحبيب ، والباحث عن الحبيب متصل به ، والوجود كله مرآة أمامه وما تجليه المرآة هو جمال الحق ،
 
انظر البيت رقم 34 من الكتاب الأول :إن مرآتك غامت دنسا * صداً الطبع عليها طمسافإن مدحت ما تراه في المرآة فإنك تمدح الحق ، وإذا نظرت في المرآة دون خيال أي دون تفكير في وجودك الفردى والصوري ، فإنك إن أدركت قبسا من الحقيقة ، لما بقي شئ من وجودك .
 
ويقول الأنقروى : أن هذا أشبه بما قاله ابن الفارض ( 6 - 2 / 33 ) :سلامي مجازى عليه لإنما * حقيقته منى إلى تحيتي
لها صلواتي بالقيام أقيمها * وأشهد فيها أنها بي صلتولما بقي شئ من معرفتك ، وعندما تصبح جاهلا بعالم الصورة تطل المعرفة الحقيقية ، حيث يسمع الواصل من اللهإِنِّي أَنَا اللَّهُ، ففي عالم الحقيقة لا متحدث في الحقيقة إلا الله ، إن مدح انعكاس الصورة في المرآة هو في الحقيقة مدح لأصلها ، ومن هنا لم يتردد الملائكة في السجود لآدم عندما أمروا بذلك ، لأن الله تعالى محا عن أبصارهم الحول فلم يعتبروا الحق ورجل الحق اثنين بل اعتبروهما واحدا ، والشهادة نفسها لا تطرح وجودا آخر ، ولا إله إلا الله هي كل الوجود الصوري والمعنوي ، ( انظر 2104 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2274 - 2284 ) : يدرك مولانا أن الحديث سوف يتجه منه إلى وجهة أخرى ، وها هو الحبيب يجرى من آذاني ، ينبهنى ، يأمرني بأن اكشف عن الأسرار ، فلن تكشف ،
 
« 539 » 
 
وربما حاق بك الأذى ، مثلما حاق بآخرين كالحلاج مثلا الذي ابتلاه الله بالشنق لأنه وضع الأسرار أمام من لا يستحقونها ( استعلامى 6 / 334 ) ،
لكني أنا الذي أقول وأنا الذي اسمع ، فمن يقول أنني أبوح أمام أحد بالأسرار ؟ ، لكن هيا تحدث عن مشقة الطلب ، وعن قسوة الطريق وآلامه ، وعن صاحب الكنز ، فإن همم من يجلسون إليك ، لا تصل إلى ما هو أكثر من هذا ، فهم يتجرعون من سم الدنيا القاتل كأساً بعد كأس ، وحرمت عليهم الراحة ، وهم يزيدون في آلام أنفسهم ، وكل ما يقومون به من عمل إنما يقومون به من أجل ابتعاد أكثر وأكثر عن عين الراحة ، عين الفيض الإلهى والمعاني السامية ، وكل هذه السدود واهية لا تدوم ، فهل تستطيع قبضة من التراب أن تطمس البحر الإلهى ؟ ! إن هذه العين الفياضة بالمعاني لا تزال تقول : أنا معكم ، متصلة بكم ، ومتصلة به في ذات الوقت ، ومائي لا نفاد له ، فماذا حدث لكم ؟ ! أيأكل المرء التراب ويترك الماء ؟ !
.
الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء السادس د. أبراهيم الدسوقي شتا
* * * 
 أبيات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا 

* * *

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Empty
مُساهمةموضوع: تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.pdf   قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا  Emptyالأحد مارس 28, 2021 5:21 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.docx 

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.txt

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. ابراهيم الدسوقي ج 6.pdf


عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة تلك الخريطة للكنز .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» الهوامش والشروح 01 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» فهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» حكاية الصوفي والقاضي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
» مقدمة المحقق والمترجم .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: