حكاية الصوفي والقاضي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية الصوفي والقاضي على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية الصوفي والقاضي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا
[ حكاية الصوفي والقاضي ]
العودة مرة أخرى إلى قصة الصوفي والقاضي
- قال الصوفي : إن قصاص صفعة في القفا ، لا يجوز أن يكون التضحية بالرأس بعمى ! !
1490 - وإن خرقة التسليم حول عنقي ، سهلت علىّ التعرض لصفعة ! !
- لقد رأى الصوفي خصمه شديد النحول ، وقال : لو أنني لكمته كما ينبغي للخصم .
- فإنه ينهار من لكمتى الوحيدة كالرصاص ، وسوف يأمر الملك بالعقاب والقصاص .
« 149 »
- إن الخيمة خربة محطمة الأوتاد ، وهي تتعلل لكي تسقط ! !
- وخسارة شديدة أن يقع على القصاص تحت حد السيف من أجل هذا الميت ! !
1495 - ولما لم يكن قادرا على صفع خصمه ، عزم على حمله إلى القاضي .
- فهو ميزان الحق ومكياله ، وهو المخلص من مكر الشيطان وحيلته .
- وهو مقراض الأحقاد والخصومات ، وهو قاتل للشجار بين الخصمين والقيل والقال .
- وإن رقيته تدخل الشيطان الزجاجة ، وقانونه يجعل الفتنة ساكنة .
- وعندما يرى الخصم شديد الطمع الميزان ، يترك العناد ويتبع « الحق » .
1500 - وإن لم يكن ميزان ، مهما تزد له من القسمة ، لا يرضى عقله .
- إن القاضي رحمة ودفع للخصومة ، وهو قطرة من بحر عدل القيامة .
- والقطرة بالرغم من أنها صغيرة واهية الخطى ، فإن لطف ماء البحر يبدو منها .
- وأنت إن نظفت رأسك من الغبار ، فإنك ترى دجلة من قطرة واحدة ! !
- إن الأجزاء شاهدة على أحوال الكليات ، حتى إن الشفق ينبئ عن الشمس .
1505 - وذلك القسم قصد به الحق جسم أحمد ، عندما قال تعالى : ( كلا والشفق ) .
- فلماذا تكون النملة مرتعدة « حرصا » على الحبة ، إذا كانت من تلك الحبة عالمة بالبيدر .
- فتعال إلى أصل الموضوع ، فإن الصوفي المسلوب القلب متعجل إلى جزاء « ما حاق به » من قسوة .
- فيا من قمت بكثير من الظلم ، كيف تكون سعيد القلب ؟ ! وكيف تكون غافلا عن طلب المجازى ؟ !
« 150 »
- أو تراك نسيت أفعالك ، أو أن الغفلة أسدلت حجبها عليك ! !
1510 - وإن لم يكن الخصوم يجدون في طلبك ، لحسدك جرمُ الفلك على صفاتك .
- لكنك محبوس من تلك الحقوق ، فاطلب العذر قليلا قليلًا عن هذا العقوق .
- حتى لا يأخذك المحتسب دفعة واحدة ، فصف ماء " جدولك " الآن مع المحب .
- وقد ذهب الصوفي نحو صافعه هذا وأمسك بخناقه كما يفعل المدعى .
- وأتى به إلى القاضي جارا إياه ، قائلا للقاضي : طف بحمار الإدبار هذا على الحمار " مشهرا " به .
1515 - أو جازه بضرب الدرة ، أو افعل ما يراه رأيك من جزاء .
- فكل من يموت تحت عقابك ذهب هدرا ، ولا دية عليك ، فقد ذهب جُبارا .
- « 1 » فكل من مات في حد القاضي أو تعزيره ، لا ضمان على القاضي فهو ليس بالصغير .
- إنه نائب الحق وظل لعدل الحق ، إنه مرآة لكل صاحب حق ، ولكل من عليه الحق .
- فهو يقوم بالتأديب من أجل المظلوم، لا من أجل عرضه أو "شفاء" لغضبه ، أو لدخل "يأتيه"!
1520 - لما كان من أجل الحق ومن أجل الآخرة ، فإنه إن أخطأ ، تكون الدية على العاقلة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 537 :
- وكل من يرى أن موته هو من طعنة منك ، فقد برئ من النار وتقدم إلى الخلد .
« 151 »
- إن من يضرب من أجل نفسه يكون هو الضامن ، لكن من يضرب من أجل الحق يكون آمنا .
- فلو أن أبا ضرب ابنه ومات ، ينبغي أن تحسب الفدية على ذلك الأب .
- ذلك لأنه ضربه من أجل عمل له ، وخدمته واجبة على الولد .
- وعندما يضرب المعلم صبيا ويهلك الصبى ، فلا شئ على المعلم ، ولا خوف ! !
1525 - فإن ذلك المعلم نائب " للحق " وأمين ، وكل أمين حكمه هكذا .
- وليست خدمة الأستاذ واجبة عليه ، ومن ثم لا يكون ضرب الأستاذ إياه من أجل عمل له .
- لكن الأب إذا ضربه فقد ضربه من أجل نفسه ، فلا جَرَم أنه لم ينج من دفع الفدية .
- إذن فاقطع رأس " الذاتية " يا ذا الفقار ، وصر متجردا عن الذات فانيا كالدرويش .
- وما دمت قد صرت متجرداً عن الذات فكل ما تفعله تكون آمنا من " جرائه " مصداقا ل "ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ" ! !
1530 - وذلك الضمان يكون على الحق لا على الأمين ، وتفصيل هذا الأمر بين في " كتب " الفقه .
- ولكل حانوت تجارة والمثنوى هو حانوت الفقر يا بنى ! !
- وفي دكان الحذّآء جلد جيد ، وقالب للحذاء وإن تراه من خشب .
- وعند البزازين يوجد الخز والأدكن ، وإن وجد حديد فمن أجل القياس .
- وكتابنا المثنوى هو حانوت الوحدة ، وكل ما تراه غير الواحد فهو صنم .
« 152 »
1535 - « 1 » ومدح الصنم إنما يكون شراكا للعامة ، واعلم أن الأمر هو أشبه بما روى في قصة " الغرانيق العلى " ! !
- لقد قرأها سريعا في سورة النجم ، لكن الأمر كان فتنة ، ولم تكن السورة هي السبب .
- لقد سجد كل الكفار في ذلك الوقت ، وقد ظنوا أنفسهم شركاء في السر ، أولئك الذين دقوا الأبواب برؤوسهم ! !
- وبعد هذا هناك كلام شديد الغموض بعيد الغور ، فكن مع سليمان ، ولا تهيج الشياطين .
- وهيا ، هات حديث الصوفي والقاضي ، وذلك الظالم الضعيف شديد النحول .
1540 - قال القاضي : ثبت العرش ، أي بنى ، حتى أقوم بالنقش عليه ، خيرا كان أو شراً!!
- أين الضارب ؟! وأين موضع الانتقام ؟! أهذا هو الذي صار خيالا من المرض والسقم ؟!
- إن الشرع من أجل الأحياء والأغنياء ، فمن أين يكون الشرع من أجل أهل القبور ؟!
- وتلك الفئة التي هي من الفقر بلا رؤوس ، هي أكثر فناء من موتى " الجسد " من جهات عديدة .
- إن الميت أصبح فانيا في حرض من جهة واحدة ، لكن الصوفية فانون من مائة جهة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 : 538 :
- وكل ما تراه فيه غير الواحد ، اعلم أنه كله من قبيل الصنم .
« 153 »
1545 - إن الموت قتلٌ واحد ، وهذا " موته " ثلاثمائة ألف ، ولكل واحد منها دية لا تعد ولا تحصى ! !
- فإذا كان الحق قد قتل هؤلاء القوم عدة مرات ، فقد صب عليهم الخزائن دية لهم .
- كل منهم مثل جرجيس في باطنه ، قتل ثم صار حيا ، ثم قتل ستين مرة .
- إنه قتيل من لذة سنان العادل ، وهو يحترق قائلا : أطعن طعنة أخرى ! !
- فوالله ، إنه من عشق الوجود العابد للحبيب ، يكون القتيل أكثر عشقاً للقتل الثاني ! !
1550 - قال القاضي: إنني صاحب القضاء بين الأحياء، ومتى أكون حكما بين أصحاب القبور؟!
- وهذا " المتهم " بالرغم من أنه صوريا ليس في حفرة القبر ، إلا أن أهله جاءوا من أجله إلى المقبرة ! !
- لقد رأيت كثيرا أمواتا في قبور ، فانظر الآن إلى قبر في ميت أيها الأعمى .
- فإن سقطت لبنة من قبر عليك ، متى يطلب العقلاء القصاص من مقبرة ؟!
- فلا تغضب على ميت ولا تحقد عليه ، انتبه واحذر من قتال صورة في حمام !!
1555 - واشكر الله أن حيا لم يضربك ، فمن يرده الحي ، فقد رده الحق !!
- إن غضب الأحياء هو غضب الحق وطعنه ، فهو حي بالحق ذلك الطاهر الجلد .
- لقد قتل الحق " أحدهم " ونفخ في ساقه ، ثم سلخ جلده سريعا كالقصابين .
- وبقي فيه النفخ حتى المآب ، ونفخة الحق لا تكون كنفخة ذلك القصاب .
« 154 »
- وهناك فرق كبير بين النفختين، فكل هذه النفخة زين وتلك "أي نفخة القصاب" كلها شين.
1560 - إن هذه النفخة أي نفخة القصاب قد جعلت الحياة تنتفى عنه وصار مضرورا ، لكن الحياة قد استمرت واستقرت من نفخة الحق .
- إن هذه النفخة ليست تلك النفخة التي تتأتى في شرح ، فيها اصعد من قاع الجب إلى أعلى الصرح .
- فلا اجتهاد هناك من أجل التشهير "بهذا المريض" على حمار، فهل يضع أحد صورة حطب على حمار ؟!
- إنه ليس جديرا بالوضع على ظهر حمار ، وأولى به أن يوضع على ظهر تابوت .
- فما هو الظلم ؟ إنه وضع الشئ في غير موضعه ، فانتبه ولا تضيع " الأمر " بوضعه في غير موضعه .
1565 - قال الصوفي : إذن فأنت تجوز له أن يقوم بصفعى دون تعزير ودون " أن يدفع " شروى نقير ؟ !
- فهل يجوز إذن أن يصفع فدم ضخم « 1 » محتال الصوفية بالمجان ؟ !
- « 2 » قال القاضي ماذا لديك من مال قل أو كثر ؟ ! قال " المريض " أملك من حطام الدنيا ستة دراهم ! !
..............................................................
( 1 ) حرفيا : دب ضخم .
( 2 ) ج : 13 / 543 : - قال الصوفي وما جدوى الصفع ، وكفاك جدلا مع مثل هذا المريض .
« 155 »
- قال القاضي : انفق على نفسك إذن ثلاثة دراهم ، وأعطه الثلاثة الأخرى دون أن نتبس ! !
- إنه نحيل وفقير وضعيف ، وتلزمه ثلاثة دراهم من أجل رغيف وبعض الفجل .
1570 - « 1 » فوقع نظر " المريض " على قفا القاضي ، فبدى له أعرض من قفا الصوفي ! !
- فأخذ يمد يده من أجل صفعه ، قائلا " في نفسه " ، لقد صار قصاص صفعى رخيصا .
- وتقدم من أذن القاضي وكأنه " يريد " أن يفضى إليه بسر ، وصفعة صفعة قوية .
- وقال : خذا الدراهم الستة كلها أيها الخصمين ، وبهذا أصبح أنا حرا من هذا الجدل العقيم ومن العقوبة ! !
غضب القاضي من صفع الدرويش
ولوم الصوفي للقاضي
- وغضب القاضي فقال الصوفي : انتبه ، فحكمك عدل ، وليس من الهوى بلا شك .
1575 - وما لا تقبله لنفسك يا شيخ الدين ، كيف تقبله على أخيك أيها الأمين ؟ !
- ألا تعلم أنك تحفر من أجلى بئراً ، ثم تلقى بنفسك فيه في النهاية ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 543 : - واشتبك القاضي والصوفي معا في قيل وقال ، لكن ذلك المريض كان ضعيفاً في حال شديدة !
« 156 »
- ألم تقرأ في الخبر " من حفر بئرا " ؟ ! اعمل إذن بما قرأت يا روح أبيك ! !
- فإن كان هذا هو حكمك في القضاء ، الذي أتى لك بصفعة على قفاك .
- فويلاه من أحكامك الأخرى ، ترى ماذا تجلب لرأسك ولقدميك ؟ !
1580 - وهل تشفق على ظالم كرما منك ، وتقول له : احتفظ بثلاثة دراهم لنفقتك .
- ابتر يد الظالم ، فأي موضع هذا الذي تسلم إليه الحكم والزمام ؟ !
- وما أشبهك بتلك الماعز يا مجهول العدل ، التي أرضعت من لبنها جرو ذئب ! !
جواب القاضي على الصوفي
- قال القاضي : ينبغي علينا الرضا بكل صفعة على القفا وكل جفاء يأتي به القضاء .
- إنني راض في باطني بحكم الكتاب ، بالرغم من عبوس وجهي ، فالحق مر .
1585 - إن قلبي هذا كالبستان وعيني كالسحاب ، فالسحاب يبكى ، والبستان يضحك سعيدا نضرا .
- والسنة القحط من الشمس الضاحكة خبط عشواء ، تكون البساتين في موت وفي نزع .
- ولقد قرأت في كلام الله " فابكوا كثيرا"، فلماذا بقيت هكذا ضاحكا كأنك رأس "حمل" مشوى ؟!
- وتكون ضياء للدار كأنك الشمع ، وذلك إذا ذرفت الدمع كالشمع .
- وذلك العبوس من الأم أو الأب ، صار حافظا للابن من كل ضرر .
1590 - لقد رأيت لذة الضحك يا ضاحكا كيف ما اتفق ، فانظر إلى لذة البكاء فهو
« 157 »
منجم سكر .
- وما دام ذكر جهنم يجلب البكاء ، فإن جهنم إذن تجمل عن الجنان .
- إن الضحكات مختفية في البكاء ، وابحث عن الكنوز في الخرابات أيها الساذج .
- لقد فقدوا الخطى إلى اللذة " الكامنة " في الأحزان ، وأخفوا ماء الحياة في الظلمات .
- إن النعال مقلوبة في الطريق حتى الرباط ، فافتح عينيك عن آخرهما على سبيل الاحتياط .
1595 - وافتح عينيك عن آخرهما اعتبارا ، واجعل عيني صديق عونا لعينيك .
- وأقرأ في الكتابأَمْرُهُمْ شُورى، فكن للصديق ، ولا تتدلل عليه ولا تتأفف منه .
- فالصديق للطريق يكون ظهيرا وملجأ ، وعندما تتظر جيدا فالصديق هو الطريق .
- وعندما تصل إلى الأصدقاء اجلس صامتا . ولا تجعل نفسك فصا في تلك الحلقة .
- وأمعن النظر في صلاة الجمعة بذكاء ، فالجميع مجتمعون وذوو فكر واحد ، وصامتون .
1600 - وجر أمتعتك نحو الصمت ، وإن كنت تبحث عن هدف ، فلا تجعل نفسك هدفا .
- إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم : في بحر الهموم ، اعلم أن الصحابة في الدلالة كأنهم النجوم .
« 158 »
- فضع عينيك على النجوم وابحث عن الطريق ، فالنطق يكون باعثا على اضطراب النظر ، فلا تنطق .
- فإذا تحدثت بكلمتى صدق يا فلان ، فإنما يتبعهما انهمار الكلام الغث ! !
- ألم تقرأ يا مستهام أن الكلام ذو شجون ، وأنه يجر بعضه بعضا ! !
1605 - فانتبه ، ولا تبدأ بهذا الكلام الرشيد ، فإن الكلام يجر بعضه بعضا .
- فليس الفم طوع أمرك عندما تفتح فمك من أجل أن تقول كلاما صافيا ، فسرعان ما يصير الزلال كدراً .
- وذلك المعصوم عن طريق الوحي الإلهى ، يجوز له أن يتحدث ، لأن كل " قوله " صاف .
- ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، فمتى يتولد الهوى ممن عصمه الله .
- فاجعل نفسك بليغا عن طريق الحال ، حتى لا تصبح مثلي مسخرا للمقال ! !
سؤال الصوفي للقاضي
1610 - قال الصوفي : إذا كان الذهب من منجم واحد ، فلماذا يكون هذا نفعا وذلك ضررا .
- وإذا كان الناس جميعا قد خلقوا من يد "صنع" واحدة ، فلماذا يكون هذا يقظا وذاك ثملا ؟!
- وإذا كانت كل هذه الجداول جارية من بحر واحد ، لماذا هذا " الجدول " كالعسل والآخر سم في الأفواه ؟!
- وإذا كانت كل الأنوار من شمس البقاء ، فمن أين ظهر الصبح الصادق والصبح الكاذب ؟!
« 159 »
- وإذا كان الناظر مكتحلا من كحل واحد ، فمن أي شئ تتأتى الرؤية الصحيحة والحول ؟ !
1615 - وإذا كان سلطان دار السكة هو الله ، فلماذا يكون بعض النقد صحيحا والآخر زائفا ؟
- وإذا كان الله عد أمر بأن الطريق طريقه ، فمن أي شئ يكون هذا خفيرا " في الطريق " وذاك قاطعا للطريق ؟ !
- وكيف يولد من بطن واحدة العاقل والسفيه ، ما دام قد تيقن أن الولد سر أبيه ؟
- فمن الذي رأى وحدة واحدة مع عدة آلاف " من الصور " ، ومئات الآلاف من أنواع الحركة من مستقر واحد ؟ !
جواب ذلك القاضي على الصوفي
- قال القاضي : أيها الصوفي ، لا تتحير ، واستمع إلى مثال في هذا الأمر .
1620 - « 1 » كما أن اضطراب العشاق ، قد حدث من اطمئنان المعشوق وثباته ؛
- فهو - أي المعشوق - ثابت في الدلال كالجبل ، والعشاق كأنهم الأوراق مرتعدون .
- وضحكه قد أثار " فيهم " البكاء ، وعزه وكرامته اراقت ماء الوجوه .
- وكل هذه التساؤلات عن سبب هذا الأمر وكيفيته كالزبد ، تتموج على سطح البحر الذي لا كيفية له .
- فلا ضد ولا ندله في الذات والعلم ، ومن هنا تكسى الموجودات بالحلل .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 561 : - انظر إلى هذا واعلم حال ذاك جيدا ، وإن لم تر الحال ، فاقرأ جيدا
« 160 »
1625 - ومتى يعطى الضد ضده الوجود والقوام ، بل إنه يهرب منه ويقفز نافرا ! !
- وماذا يكون الند ؟ ! إنه مثل ، مثل في الخير أو الشر ، ومتى يجعل المثل مثيلا له ؟ !
- فإذا كأنه مثيلين أيها المتقى ، فكيف يكون هذا أولى من ذاك بالخلق ! !
- وهناك أضداد وأنداد بعدد أوراق البستان ، كلها كالزبد على سطح البحر الذي لا ضد له ولا ند .
- فانظر إلى مد البحر وجزره على أساس انه بلا كيفية ، وكيف تستوعب الكيفية في ذات البحر ؟!
1630 - وأن أقل لعبة من لعبه هي روحك ، ومتى صحت كيفية الروح وأحوالها ؟ !
- إذن ، فمثل ذلك البحر الذي في كل قطرة منه ، يصير العقل والروح أكثر بدانية من البدن .
- متى يستوعب في مضيق الكم والكيف ، والعقل الكل فيه ممن " لا يعلمون " ؟ !
- ويقول العقل للجسد ، أيها الجماد ، ألم تشم رائحة قط من بحر المعاد ذلك ؟ !
- فيرد الجسم ، إنني يقينا ظل لك ، ومن الذي يبحث عن العون من ظل يا روح عمك ! !
1635 - فيقول العقل : ليس لهذه الحيرة نهاية ، فإن المستحق يكون أكثر جرأة من غير المستحق .
- فالشمس الأكثر بهاء هنا ، تقوم بخدمة الذرة وكأنها التابع ! !
- والأسد هنا يطأطئ رأسه أمام الغزال ، والبازي هنا يخفض الجناح أمام طائر
« 161 »
السلوى ! !
- أتراك لا تصدق إذن أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يطلب من المساكين الدعاء .
- فإن قلت : إنه من أجل التعليم ، فعلى أي وجه يكون عين التجهيل تفهيما ؟ !
1640 - بل إنه كان يعلم أن الكنز الملكي ، يضعه في الخرابات ذلك المليك .
- إن سوء الظن " في الأولياء " ناتج من فعله المعكوس هذا ، وإلا فإن كل جزء منه منبىء عنه .
- بل إن الحقيقة غارقة في الحقيقة ، ومن هنا صار " الناس " سبعين فرقة بل مائة فرقة .
- وسوف أقول لك وأحدثك عما تشاء ، فانتبه أيها الصوفي وافتح أذن الروح عن آخرها .
- ألست من كل بلاء ينزل عليك من السماء ، تنتظر خلعة تأتيك من بعده ؟ !
1645 - لقد ذقت صفعة القفا فانظر بعدها إلى الصفاء ، " إن القصاب " يبيع ما حول الفخذ مع ما حول الرقبة
- فهو ليس ذلك المليك الذي يصفعك ثم لا يهبك التاج والعرش الذي تركن إليه ! !
- ولدنيا كاملة ثمن هو جناح بعوضة ، ولصفعة عطاء لا ينتهى .
- فاسحب عنقك بمهارة من هذا الطوق الذهبي للدنيا ، وتلق الصفعات من الحق ! !
- تلك الصفعات التي تلقاها الأنبياء ، ومن ذلك البلاء رفعوا الرؤوس .
1650 - لكن ، كن حاضرا في ذاتك أيها الفتى ، حتى نجدك حاضرا في المنزل ! !
« 162 »
- وإلا حمل الخلعة واستردها قائلا : لم أجد أحدا في الدار .سؤال الصوفي ذلك القاضي ثانية
- قال الصوفي : ماذا كان يحدث لو أن " وجه " هذه الدنيا تهلل بالرحمة على الدوام ؟ !
- ولو لم تقدم فتنة في كل لحظة ، ولو لم تجلب الوخز من تلوينها .
- ولو لم يسرق الليل مصباح النهار ، ولو لم يسلب الشتاء " رونق " البستان الذي يغرى باللهو .
1655 - ولو لم يحطم حجر الحمى كأس الصحة ، ولو لم يجلب الخوف الكرب للأمن ؟ !
- ما الذي كان ينقص من جوده ورحمته ، إن لم يكن هناك غصة خلال نعمته ؟ ! « 1 »
جواب القاضي على سؤال الصوفي وضربه المثل
بقصة التركي والخياط
- قال القاضي : يا لك من صفيق وجه أيها الصوفي ، وخال من الفطنة كالكاف في الخط الكوفي .
- ألم تسمع أن ذلك الملئ الشفة بالشهد ، كان يتحدث عن غدر الخياطين بليل .
- وكان يروى للخلق الحكايات السالفة عن غدر تلك الطائفة .
1660 - كان يروى الحكايات مع هذا وذاك ، عن سرقة قطع القماش عند تفصيلها .
..............................................................
( 1 ) ج : 31 ظ 536 : - لكان الحال طيبا وسعيدا على الجميع ، ولقل كدر أرواح الأنس والجن .
- ولكان حضور اللذة الحلوة دائما ، ولكان الشوق الدائم في الروح حلوا .
« 163 »
- وعندما وجد المستمع من بين أولئك الناس ، صار كل عضو منه " قاصا " للحكاية .
قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يلقن الحكمة
على لسان الواعظين بقدر همم المستمعين
- إنه جذت الاستماع ، إن كانت للمرء طلاوة في الشفة ، وإن حماس المعلم وجده من التلميذ .
- وعازف الصنج الذي يعزف " المقامات " العشرين والأربع ، عندما لا يجد مستمعاً ، يكون الصنج حملًا عليه ! !
1665 - فلا ألحان يذكرها ولا غزل ، ولا تتحرك أصابعه العشرة عند العمل ! !
- وإن لم تكن هناك آذان متلقية للغيب ، لما جاء الوحي من الفلك ببشرى واحدة .
- وإن لم تكن هناك أبصار ناظرة إلى الصنع ، لما دار الفلك ولما ضحكت الأرض .
- إن هذا النفس القائل " لولاك " يعنى أن العلم من أجل العين الحادة ومن أجل النظارة " إليه " .
- والعامي من عشقه للضجيعة والطعام ، متى يكون مهتما بعشق صنع الحق .
1670 - وإنك لا تصب ماء النخالة في الطبق ، إن لم يكن هناك عدد من الكلاب آكلة له ! !
– فامض ، وكن كلب كهفه الإلهى ، حتى يخلصك اصطفاؤه من هذا الطبق .
- وعندما تحدث عن هده السرقات القاسية ، التي يقوم بها هؤلاء الخياطون في الخفاء .
« 164 »
- كان في هذا الجمع تركى من الخطا ، غضب أشد الغضب لاكتشافه هذه الأمور
- لقد كان " ذلك الراوي " يقوم ليلا بكشف هذه الأسرار وكأنها نهار القيامة من أجل أولى النهى ! !
1675 - وحيثما تقترب من معركة ما ، وترى عدوين ، كلاهما يجاهد في كشف أسرار الآخر .
- فاعلم أن تلك اللحظة هي المحشر المذكور ، واعلم أن ذلك الحلق الناطق بالأسرار هو الصور .
- ومن كثرة ما تحدث " الراوي " عن خيانة الخياطين ، أحس التركي بالغبن وتألم وغضب .
- فقال : يا أيها الراوي ، من أمهر الناس في مدينتكم في هذا المكر والاحتيال ؟ !
ادعاء التركي ومراهنته على أن الترزى
لا يستطيع أن يسرق منه شئياً
1680 - قال : إنه خياط يدعى بورشش ، إنه في خفة اليد هذه عند السرقة قاتلٌ للخلق .
- قال " التركي " : إنني متأكد إنه مهما فعل من ضوضاء ، لن يستطيع أن يسرق منى خيطا واحداً .
- فقالوا له : إن من هو أكثر مهارة منك قد هزم منه ، فلا تبالغ في الادعاء .
- فامض ولا تغتر بعقلك هذا ، فإنك سوف تحار في حيله .
« 165 »
- فازداد التركي حماسا وراهن على أنه لن يستطيع أن يسرق منه قديما أو جديداً .
1685 - فزاد المطمعون في حماسه سريعا ، فقدم المراهنة وفتح الرهان قائلًا :
- إن الرهان هو جوادى العربي هذا ، سوف أعطيه لكن إن سرق منى قماشا باحتياله .
- وإن لم يستطع السرقة ، آخذ منكم جوادا في مقابل رهانى الذي بدأت به .
- ولم يزر النوم التركي تلك الليلة من قلقه ، وذلك أنه كان يتقاتل مع خيال اللص .
- وفي الصباح الباكر وضع تحت إبطه قماشا من الأطلس ، ومضى إلى السوق ، قاصدا حانوت ذلك المحتال .
1690 - وألقى عليه السلام بحرارة ، وهب " الأستاذ " من مكانه مرحبا به .
- وسأله بحرارة مما يزيد على عادة الترك ، حتى ألقى في قلبه بمحبته .
- وعندما سمع منه " التركي " هذا التغريد البلبلى ، ألقى أمامه بالأطلس الاستنابولى .
- قائلًا له : فصل لي هذا القماش قباءً ليوم القتال ، واسعا تحت سرتى ضيقا من أعلى .
- ضيق من أعلى ليكون زينة للعين ، وواسع من أسفل حتى لا يعوق القدم .
1695 - فقال : سمعا وطاعة يا ذو الوداد ، ووضع يده على عينه علامة القبول .
- ثم قاسه ، ونظر إلى ظاهر الأمر ، وانطلق بعدها في " النخع " .
« 166 »
- عن حكايات الأمراء الآخرين ، وعن جود أولئك النفر وعطائهم .
- وعن البخلاء وطفيليتهم ، وقدم العلامات والامارات وذلك لكي يثير الضحك .
- وكالنار أخرج مقصا وأخذ يقص ، وشفته مليئة بالحكايات والملح .
قول الخياط للفكاهات وإغماض التركي لعينيه من شدة الضحك
واهتبال الخياط للفرصة
1700 - أخذ التركي في الضحك من الحكايات ، وأغمضت عيناه الضيقتان في تلك اللحظة .
- فسرق قطعة من القماش وأخفاها تحت فخذه خفية عن كل الأحياء ولم يره إلا الله .
- كان الحق يرى ذلك ، لكنه الستار ، وهو أيضا الفضاح إذ زاد الأمر عن حده
- ومن لذة الحكايات وحلاوتها ، ذهبت عن قلب التركي كل ادعاءاته السابقة .
- فما الأطلس ؟ ! وما الادعاء ؟ ! وما الرهان ؟ ! إن التركي ثمل الرأس من هذا الأخ الكبير .
1705 - وتضرع إليه التركي قائلا : بالله ، دوام على هذرك وفكاهاتك فإنها صارت غذاء لي .
- فقال طرفة مضحكة ذلك المحتال ، بحيث استلقى التركي على قفاه من القهقهة
- فوضع قطعة من الأطلس سريعا تحت تكة السروال ، والتركي الغافل لا يزال يستمرئ الحكايات اللطيفة .
- وهكذا وللمرة الثالثة قال التركي الخطائى ، قل فكاهة بالله .
- فقال فكاهة أكثر إضحاكا من الأولين ، صاد بها ذلك التركي بكليته .
« 167 »
1710 - وثمل التركي المدعى من القهقهة ، وصار مغلق العين طائر اللب مولها
- ثم سرق من القباء قطعة ثالثة ، فمن قهقهة وجد الميدان متسعاً .
- وعندما طلب ذلك التركي الخطائى فكاهة رابعة من ذلك " الأسطى " .
- أشفق عليه ذلك الأستاذ ، ومن أن يقوم فيما تبقى بالاحتيال والظلم .
- وقال " في نفسه " ، لقد صار خذا المفتون مولعا بهذا الأمر ، وهو غافل عن غبنه وخسارته في هذا الأمر !
1715 - فقبل التركي الأسطى قائلا : ارو لي ملحة أخرى بالله .
- فيامن صرت أحدوثة وممحوا من الوجود ، حتام تريد تجربة الخرافة والهباء ؟
- وليست هناك خرافة أكثر إضحاكا منك ، فقف على حافة لحدك الخرب !
- ويا من سقطت في الجهل والشك ، حتام تبحث عن قصص الفلك وفكاهاته ؟
- وحتام تتجرع إغراء هذه الدنيا ، فلا عقلك بقي على نسقه ولا روحك .
1720 - إن هزل هذا الفك النديم التافه ، أراق ماء وجه الآلاف من أمثالك ! !
- إنه يفصل ويخيط هذا الخياط العام ، ثياب الأطفال السذج الذين يبلغون من العمر مائة عام .
- وبالرغم من أن مزاحه أعطى العطايا للبساتين ، إلا أنه عندما حل الشتاء ذرى عطاياه أدراج الرياح .
- وقد جلس الشيوخ الأطفال أمامه متكدين ، حتى يمزحون " متحدثين " عن سعده ونحسه ! !
« 168 »
قول الخياط للتركى : انتبه واصمت فلو قلت فكاهة أخرى لضاق قباؤك
- قال الخياط : أيها الخصي دعك من هذا ، فالويل لك لو قلت لك فكاهة أخرى !
1725 - إذن لضاق قباؤك تماما ، ولا يفعل بنفسه هذا أحد قط ! !
- أي ضحك هذا ؟ ! إنك لو عرفت السر ، لبكيت بدلا من الضحك دماً « 1 » .
بيان أن العاطلين وطالبى المزاح مثل ذلك التركي ، والدنيا الغرورة الغادرة مثل ذلك الخياط والشهوات والنساء هي مزاح هذه الدنيا ، والعمر مثل ذلك الأطلس أمام ذلك الخياط من أجل صنع قباء البكاء ولباس التقوى
- إن خياط الدهور قد مزق أطلس عمرك قطعة قطعة بمقراض الشهور ! !
- وأنت لا زلت تتمنى أن يمازحك الفلك على الدوام ، ويكون سعدا عليك إلى الأبد .
- وتهلع كثيرا من تربيعاته ، ومن دلاله وبغضه وآفاته .
1730 - وتتألم كثيرا من صمته ومن نحوسه وقبضه وسعيه في الانتقام .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 581 :
- فاترك الضحك أيها التركي الثمل ، ذلك أن عمرك قد نفد وسوف تنقلب .
- وعندما ترك الخياط القباء من يده ، كان ذلك التركي الثمل قد أضاع الجواد .
- واستمع إلى خلاصتها : إنك ذلك التركي المخدوع ، والدنيا الغادرة هي الغول .
- والأطلس الذي كان ينبغي أن تخيطه للتقوى والصلاح أنفقته على المزاح .
- والعمر هو اطلسك والمزاح هو الشهرة ، والنهار والليل هما القراض والضحك هو الغفلة .
- والجواد هو الإيمان ، والشيطان كامن لك ، فانتبه واقلع عن هذا المزاح .
« 169 »
- قائلا : لماذا لا تكون زُهرة الطرب مستمرة في الرقص ، لا تتوقف أنت على سعودها ورقص سعدها .
- فيقول لك الفلك : إنني لو زدت في مزاحك لجعلتك شديد الغبن .
- فلا تنظر إلى زيف تلك الكواكب ، وانظر إلى عشقك مبذولا للزيف أيها المهان ! !
مثل
- كان أحدهم يمضى في الطريق صوب حانوته ، فرأى الطريق أمامه غاصا بالنساء .
1735 - كانت قدمه تحترق من عجلته، والطريق مسدود بجماعات من النسوة كأنهن الأقمار.
- فاتجه إلى امرأة وقال : أيتها الضعيفة ، كم أنتن كثيرات أيتها الصبايا .
- فالتفتت إليه تلك المرأة وقالت : أيها الأمين لا تنظر إلى كثرتنا بإنكار .
- وانظر أنه على كثرتنا على وجه الأديم ، فإن مجال التمتع قد ضاق بكم .
- فتسقطون في اللواط من قلة النسوة ، والفاعل والمفعول هما فضيحة الزمن ! !
1740 - فلا تنظر إلى حوادث الدهر ، إذ أنها تتحول من الفلك هنا إلى نوائب .
- ولا تنظر إلى ضيق الرزق والمعاش ، ولا تنظر إلى هذا القحط والخوف والارتعاد .
- بل انظر أنه مع كل مراراته ، إنكم موتى عشقا فيه وفي عدم اهتمامه بكم .
- فاعلم أن الامتحان المر من قبيل الرحمة ، واعلم أن مُلك بلخ ومرو نقمة .
- فلم يهرب إبراهيم ذاك من التلف وصمد فيه ، وهرب إبراهيم هذا من العز وانطلق .
« 170 »
1745 - وذلك لا يحترق وهذا يحترق ويا للعجب ، إن الأمور معكوسة في طريق الطلب ! !
.
يتبع