حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة د. إبراهيم الدسوقي شتا
[ حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد ]
قصة قول بلال رضى اللّه عنه أحد أحد في حر الحجاز محبة للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم في تلك الظهيرات إذ كان سيده خلالها يضربه من تعصبه اليهودي بفروع الشوك تحت شمس الحجاز ومن الجرام كان الدم يفور من جسد بلال وكان يصيح أحد أحد بلا قصد كما يخرج الأنين من المتألمين الآخرين بلا قصد لأنه كان ممتلئا بألم العشق ولم يكن هناك اهتمام بدفع ألم الشوك مثل سحرة فرعون ومثل جرجيس عليه السلام وغيرهم لا يعد ولا يحصى
- كان بلال ذاك - يجعل الجسد فداء للشوك ، وكان سيده يضربه " به " عقاباً
- قائلًا له : لماذا تقوم بذكر أحمد ، فهل أنت منكر لديني يا عبد السوء ؟ !
895 - كان يضربه في هجير الشمس بالشوك ، وكان يقول " أحد . . . أحد " مباهياً ! !
- حتى حدث أن " الصديق "كان يمر من تلك الناحية ، فبلغت سامعه صيحات أحد . . . أحد .
- فدمعت عيناه ، وتألم قلبه ، فقد كان من " أحد " تلك يجد رائحة مألوفة لديه .
- ثم رآه بعدها في خلوة فنصحه قائلا : اعتقد ما شئت لكن خفية عن اليهود .
« 104 »
- وهو عالم السر ، فاخف خطوك . . . قال : تبت أمامك أيها الهمام .
900 - وفي اليوم التالي كان الصديق يمر فجرا مسرعا في تلك الناحية من أجل عمل ما ،
- فسمع ثانية كلمة " أحد " من الضرب بالشوك ، فاندلع من قلبه اللهب والشرر
- ونصحه ثانية ، وكرر بلال توبته ، وحل العشق وابتلع توبته هذه .
- وكثرت توبته على هذا النمط ، وفي النهاية ضاق من التوبة .
- وأعلن " اعتقاده " واسلم جسده للبلاء ، صائحا : يا محمد يا عدو التوبات .
905 - يا من جسدي وعروقي مملوءة بك ، فأي مكان فيه بعدها يسع التوبة ؟ ! !
- فأخرج التوبة من الآن فصاعدا من القلب ، فكيف أتوب إذن عن حياة الخلد ؟
- إن العشق قهار وأنا مقهور للعشق ، لقد صرت حلوا كالسكر من مرارة العشق .
- إنني قشة أمامك أيها الإعصار ، فأي علم لي إذن أين أسقط ؟ !
- فسواء كنت هلالا أو كنت بلالا فإنني أسرع ، وأصير تابعا لك .
910 - وأي شأن للقمر مع السمنة والنحول ، إنه يسرع في أثر الشمس كالظل .
- فإن كل من يفر مع القضاء ، إنما يكون ساخرا من نفسه .
- أقشة في مهب الريح ثم قرار ؟ ! أقيامة ثم عزم على العمل ؟ !
- إنني في يد العشق قط في جوال ، لحظة في علو وأخرى في انخفاض من العشق ! !
« 105 »
- وهو يديرنى حول رأسه ، فلا راحة لي إن كنت أسفل ولا راحة لي إن كنت أعلى ! !
915 - لقد سقط العشاق في سيل مندفع ، وانتظروا ما يفعله بهم قضاء العشق .
- وكأنهم حجر طاحون في دوار ، دائرون ليل نهار ، نائحون بلا قرار .
- ودورانه شاهد على الجدول الكلى " جدول الجداول " ، حتى لا يقول أحد إن ذلك الجدول راكد .
- فإن كنت لا ترى الجدول المختفى ، فانظر إلى ساقية الفلك في دوران .
- فإن لم يكن للفلك قرار فيه ، فلا تبحث أيها القلب عن الاستقرار كالكوكب .
920 - فإن تشبثت بغصن في يدك متى يتركه " العشق" ؟! وحيثما تقيم صلة يحطمها "العشق" .
- وإن لم تكن ترى تدوير القدر ، فانظر إلى العناصر في فوران ودوران .
- ذلك أن دوران ذلك القذى والزبد ، يكون من جيشان البحر ذي الشرف .
- وانظر إلى الرياح الحائرة في هزيم ، وانظر إلى موج البحر في جيشان أمام أمرها .
- والشمس والقمر ، ثورا طاحون ، يدوران ويقومان بالحراسة .
925 - والكواكب لا تزال تسرع من منزل إلى منزل ، وتصير مركبا لكل سعد ونحس .
- فإذا كانت كواكب الفلك بعيدة وحواسك هذه كسول واهنة ضعيفة .
- فأين تكون كواكب أعيننا وآذاننا ووعينا ليلا ؟ وأين تكون عند اليقظة ؟ !
« 106 »
- فهي حينا في سعد ووصال وهناء ، وحينا في نحس الفراق وانعدام الوعي ! !
- ولما كان قمر الفلك في هذا الدوران ، يكون حينا مظلما وحينا مضيئاً .
930 - وأحيانا ربيع وصيف كالشهد واللبن ، وأحيانا دار عقاب البرد والزمهرير .
- فإذا كانت الكليات أمامه كأنها الكرة مسخرة لصولجانه وساجدة له ،
- فيا أيها القلب الذي تعتبر جزءاً من مائة ألف جزء منها ، لما ذا لا تكون أمام حكمة ساكناً ؟
- كن كالدابة تحت حكم الأمير ، حينا محبوسة في الإصطبل ، وحينا في مسير
- وعندما يربطك إلى الوتد كن مربوطاً ، وعندما يحل عنك القيد ، امض . . .وكن مسرعاً .
935 - والشمس في الفلك عندما تمضى باعوجاج ، يعاقبها بالكسوف وسواد الوجه .
- قائلا لها : تجنبى الذَنَب ، انتبهى ، حذار ، حتى لا تصيرى سوداء الوجه كالقدر .
- كما أنه يضرب السحاب بسوط ناري ، قائلا له : سر على ذلك النسق لا على هذا النسق .
- أمطر على وادى كذا ولا تمطر على هذه الناحية ، وينزل عليه العقاب قائلا له : استمع .
« 107 »
- وليس عقلك بأعظم من الشمس ، فلا تقف عند هذه الفكرة التي ورد فيها النهى .
940 - ولا تضع خطوك في الضلال أيضاً أيها العقل، حتى لا يحدث لك أيضاً ذلك الكسوف.
- وعندما يكون الذنب أقل ترى نصف الشمس في كسوف ونصفها الآخر مشعا بالضياء .
- قائلا لها : إنني آخذك بقدر جرمك ، وهذا هو المقرر في العطاء والجزاء .
- وسواءٌ كنت طيبا أو شريراً ، فاشيا أو مستورا ، فإنني سميع وبصير بكل الأشياء .
- ودعك من هذا أيها الأب فقد حل النوروز ، وصار الخلق من الخلاق . . .حُلوى الفم .
945 - ولقد عاد ماء الروح في جدولنا ، وعاد مليكنا إلى حينا .
- والإقبال يتبختر ويبسط رداءه ، ويدق نوبة النكوص عن التوبة .
- لقد جرف السيل التوبة مرة أخرى ، وحانت الفرصة ، فقد غلب الحارس النوم .
- وكل ساقى للخمر ثمل ، معاقر للخمر ، والليلة سوف نرهن متاعنا .
- ومن ذلك الشراب الياقوتى الذي ينعش روح الروح ، نحن ياقوتٌ في ياقوتٍ في ياقوت ! !
950 - وثانية ، أصبح المجلس المضئ للقلب سعيداً، فانهض واحرق العود دفعا لعين السوء.
« 108 »
- وإن عربدة السكارى تقع منى وقعا حسنا ، فيدم لي هذا الأبد - كما ينبغي - أيها الحبيب .
- لقد صار هلال حبيبا لبلال ، فصارت جراح " عصى " الشوك منه وردا وزهر رمان .
- فإذا كان الجسد قد صار من وخز الشوك غربالا ، فقد صارت روحي وجسدي روضتى إقبال .
- إن الجسد " موجود " أمام طعنات شوك ذلك اليهودي ، وروحي ثملة مهدمة بذلك الودود .
955 - إن رائحة حبيب تصل صوب روحي ، وتصل رائحة الحبيب الحنون .
- ومن صوب المعراج ، اقبل المصطفى . . . إلى بلاله ، ، حبذا لي حبذا .
- وعندما سمع الصديق من بلال صادق النفس هذا القول ، نفض اليد من توبته .
رؤية الصديق رضي اللّه عنه واقعة بلال رضي اللّه عنه وجور " اليهود " عليه
وقوله " أحد أحد " وازدياد حقد اليهود عليه ورواية هذا الأمر
للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم واستئذانه في شرائه من اليهود ! !
- ثم إن الصديق قص للمصطفى صلى اللَّه عليه وسلم عن أحوال بلالٍ الوفي .
- وقال له " إن ذلك الذي قطع الأفلاك ، ميمون القوادم ، الجَلدْ ، هو هذه اللحظة في فخك ، وعاشق لك .
960 - وبازى السلطان في عناء من ذلك البوم ، وذلك الكنز العظيم صار مدفونا في الغائط .
- إن البوم يجور على البازي ، ويقوم باقتلاع جناحه وقوادمه دون ذنب .
« 109 »
- وجرمه هو أنه بازى فحسب ، فما ذا كان جرم يوسف عليه السّلام غير الحسن ؟ .
- إن موطن البوم ، ومسكنه هو الخراب ، ومن هنا فلديهم على البازي ، غضبُ اليهود .
- « 1 » قائله له : لما ذا تذكر تلك الديار ، أو تذكر القصر وساعد السلطان .
965 - إنك تقوم بالفضول في ديار البوم ، وتثير الفتنة والاضطراب .
- ومسكننا الذي أزرى بالأثير ، تدعوه بالخرابة ، وبالاسم الحقير .
- إنك تقوم بالمكر لعل بومنا يجعل منك ملكا وإماماً .
- إنك تلقى فيهم بالهموم والسوداء ، وتسمى هذا الفردوس خرابة .
- فلنضربك على رأسك بضع ضربات يا سىء الصفات ، حتى تقلع عن المكر والترهات .
970 - إنهم يصلبونه أمام الشمس ، ويضربونه بفروع الشوك وهو عارى الجسد
- وينبثق الدم من مائة موضع من جسده ، وهو يقول " أحد . . . أحد " ويطأطىء رأسه .
- وقد نصحته كثيرا وقلت له : اكتم دينك ، وأخف سرك عن أولئك اليهود الملعونين .
- إلا أنه عاشق ، حلت به القيامة ، حتى أغلق باب التوبة أمامه .
- أعشقٌ وتوبة وإمكان الصبر ، إن هذا محالٌ أيها الحبيب وصعبٌ جداً .
975 - إن التوبة بمثابة الدودة والعشق كالأفعى ، إن التوبة وصف للخلق ، أما العشق فهو وصف لله .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 388 :
- قائلة له لماذا تذكر مرزعة الشقائق والروضة ومجرى النهر
« 110 »
- إن العشق من أوصاف الله الغنى ، أما العشق لغيره فيكون مجازا .
- لأن ذلك الغير حسنه مطلى بالذهب ، إن ظاهره نور لكن باطنه دخان .
- وعندما يمضى النور ويصير الدخان ظاهرا ، يبوخ العشق المجازى ذلك الزمان .
- « 1 » يعود ذلك الحسن صوب أصله ، ويبقى الجسد بدونه نتنا مفتضحا سيئاً .
980 - ويمضى نور القمر صوب القمر ، ويمضى انعكاسه عن الجدار ، الأسود .
- ويبقى الماء والطين دون هذه الزينة ، ويصير ذلك الجدار بدون القمر كالشيطان .
- والزيف الذي فر الذهب من وجهه ، وعاد وقبع في منجمه .
- يبقى نحاسا مفتضحا كالدخان ، ويبقى عاشقه أكثر افتضاحاً منه .
- إن عشق المبصرين يكون لمنجم الذهب ، فلا جرم أنه يزداد يوما بعد يوم .
985 - ذلك أن منجم الذهب لا شريك له في احتوائه عليه ، فمرحبا يا منجم الذهب الذي لا شك فيه .
- وكل من يجعل الزيف شريكا للمنجم ، فإن الذهب يمضى عنه إلى منجم اللامكان .
- والعاشق والمعشوق ماتا دهشة واضطرابا ، كسمكة بقيت بعد أن ذهب الماء عن النبع .
- أما العشق الرباني فهو شمس الكمال ، والأمر هو نوره والخلق كالظلال . « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 389 :
- وعندما يظهر الدخان الذي يزيد الغم ، ينوح ، فلا عشق يبقى ولا هوى ! ! .
( 2 ) من هنا في نسخة جعفري بعد العنوان التالي .
« 111 »
- وعندما تهلل المصطفى من هذه القصة سعيداً ، ازدادت الرغبة عند الصديق في الحديث .
990 - وعندما وجد مستمعا كالمصطفى صلى الله عليه وسلم ، صارت كل شعرة فيه لسانا ، على حدة .
- وقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : والآن ، ما الحل ؟ قال " الصديق " : إن عبد الله الماثل أمامكم سوف يشتريه .
- سأشتريه مهما طلب سيده من ثمن ، ولن أنظر في الخسارة والغبن الظاهرين .
- فهو أسير الله في الأرض ، وغضب عدو الله مسلط عليه .
وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه
قائلا : عندما تصبح مشتريا لبلال مهما زادوا من غضبهم في الثمن ،
فاجعلني شريكك في هذا الفضل وكن وكيلي وخذ منى نصف الثمن
- قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم يا باحثا عن الإقبال ، سوف أصير شريكا لك في هذا الأمر .
995 - وكن وكيلي ، فالنصف على ، واشتره ، واقبض منى الثمن .
- قال : سمعا وطاعة ، وذهب في التو واللحظة ، إلى منزل ذلك اليهودي الذي لا أمان له .
- وقال لنفسه : إن شراء الجواهر من أيدي الأطفال أمر بالغ السهولة أيها الأب
- إن الشيطان الغول يشترى العقل والإيمان بملك الدنيا من هؤلاء الأطفال المخدوعين .
- إنه يزين الجيفة بحيث يأخذ منهم في مقابلها مائتي بستان .
1000 - إنه يقيس ضوء القمر بسحره ، ويختطف من الأخساء مائة كيس في مقابله .
« 112 »
- فعلمهم الأنبياء التجارة ، واشعلوا أمامهم شمع الدين .
- والشيطان ، والغول الساحر من سحرهما وحيلهما ، قاما بتقبيح الأنبياء في نظرهم .
- إن العدو يقبح " الأمور " بسحره ، حتى يقع الطلاق بين الزوج وزوجه .
- لقد خالطوا عيونهم بسحر ما ، حتى باعوا ذلك الجوهر بالغثاء .
1005 - إن هذا الجوهر أسمى من العالمين ، هيا اشتره من هذا الطفل الجاهل ، فهو حمار .
- فأمام الحمار ، يستوى الجوهر وخرز الحمار ، فهذا الحمار يشك في الدر والبحر .
- إنه ينكر البحر وما فيه من جوهر ، فمتى يكون الحيوان باحثا عن الدر والحلى ؟ !
- إن الله لم يضع في خلقة الحيوان ، أن يكون مفكرا في الياقوت أو عابدا للجوهر .
- فهل رأيت قط قرطا عند الحُمُر ؟ ! بل إن أذنه وعينه كله منصرفان إلى المرعى .
1010 - فاقرأ " أحسن التقويم " في سورة التين ، فهي جوهر عزيز تلك الروح ، أيها الصديق .
- إن أحسن التقويم هذه تعلو على العرش ، " وأحسن التقويم " خارج ما يعن لفكرك .
- ولو قلت قيمة ذلك الذي يمتنع " عن التقييم " ، لاحترقت أنا كما يحترق المستمع .
« 113 »
- فاصمت هنا ، ولا تسق حمار ، " فكرك " إلى هذه الناحية ، لقد ذهب الصديق إلى أولئك الحمير .
- ودق حلقة الباب ، وعندما فتح الباب ، دخل بلا وعى دار ذلك اليهودي .
1015 - وجلس فاقد الوعي ثمل الرأس ممتلئا بنار " الغضب " ، وانطلق من فمه كلام شديد الإيلام .
- قال : كيف تضرب ولى الله هذا ؟ ! ما هذا الحقد ، يا عدو الضياء .
- فإن كنت صادقا في دينك ، كيف يطاوعك قلبك على ضرب " هذا " الصادق .
- فيا من أنت " أنثى " في دين اليهود ، بحيث تظن نفس هذا الظن في أحد أمراء " الدين " .
- فلا تنظر إلى جميع " الناس " بمرآتك التي تجعل " الأمور " معوجة ، أيها المردود ، والملعون إلى الأبد .
1020 - وإن ما صدر في تلك اللحظة من فم الصديق ، لو أنني قلته لعقدت أنت اليد والقدم .
- إن ينابيع الحكم تلك كأنها الفرات ، منطلقة من فيه ، من حيث لا جهات .
- مثلما انبثق ماءٌ من صخرة ، فلا هو يستمد من جانبها ، ولا من قلبها ووسطها .
- لقد جعل الحق تلك الصخرة درعا أمامه ، ففجرت الماء السماوي اللون .
- مثلما سير من نبع عينيك النور دون بخل أو فتور .
1025 - ولا هذا " النور " يستمد من شحمة " العين " ولا من جلدها ، لكن الحبيب عند الإبداع يضع دريئة ما ! !
- وفي خلاء الاذن ، تدرك ريحه الجاذبة ، صدق الكلام وكاذبه .
- فأية ريح هذه في تلك العظمة الصغيرة ، بحيث تقبل كلمات الراوي وصوته ؟
« 114 »
- إن العظم والريح دريئة فحسب ، وليس في الدارين غير الله .
- إنه هو المستمع وهو القائل بلا احتجاب ، ذلك أن " الأذنين من الرأس " أيها المثاب .
1030 - قال " اليهودي " : إذا كنت تشفق عليه ، فادفع الذهب وخذه ، يا من طبعك الكرم .
- اشتره منى ، ما دام قلبك في حرقة من أجله ، وبلا إنفاق ، لا حل هناك لمشكلتك .
- قال : حبا وكرامة ، وخمسمائة سجود " شكرا لله " ، إن عندي عبدا ابيض البشرة ، لكنه يهودي .
- إنه أبيض البشرة ، وأسود القلب فخذه ، وأعطني قى مقابله صاحب البشرة السوداء والقلب المنير .
- ثم أرسل في طلبه وأحضره ذلك الهمام ، وكان ذلك العبد في الحقيقة شديد الجمال .
1035 - بحيث صار ذلك اليهودي حائرا والها ، وتحرك قلبه الحجري من مكانه سريعا .
- وهكذا تكون حالة عباد الصورة ، تصير " قلوبهم " الحجرية " في ليونة " الشمع من صورة .
- لكنه عاد إلى العناد ولم يرض وقال : لا بد أن تزيد على هذا .
- فأضاف عليه نصابا من الفضة ، حتى شبع حرص ذلك اليهودي . « 1 »
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 397 :
- فباع . . . وأتم الصفقة دون غرض ، وأعطى جوهرة أخذ في مقابلها حجراً .
- على ظن أن قد كسب ، إذ أعطى أسود وأخذ في مقابله أبيض .
- وعندما تمت الصفقة بينهما ، وجدت الايجاب والقبول عند الطرفين .
« 115 »
ضحك اليهودي وظنه أن الصديق مغبون في هذه الصفقة
- وقهقه ذلك اليهودي قاسى القلب ، سخرية واستهزاء وغشا وغلا .
1040 - فقال له الصديق : ما هذا الضحك ؟ فأجاب على سؤاله بأن زاد في ضحكه .
- ثم قال : لو لم تكن جادا مغرما بشراء هذا الغلام الأسود ،
- لما غَلْيتُ أنا عناداً ، ولبعته لك بعشر هذا الثمن .
- فإنه بالنسبة لي لا يساوى نصف دانق ، وأنت رفعت ثمنه بجلبتك .
- فأجاب عليه الصديق قائلا ، أيها الغبي، لقد أعطيت جوهرة في مقابل جوزة وكأنك الصبى.
1045 - فإنه عندي يساوى الكونين ، فأنا ناظر إلى روحه وأنت ناظر إلى لونه .
- إنه ذهبٌ أحمر ، اسود في لونه ، من أجل " نجاته " من هذا الموطن للحمقى .
- إن بصيرة هذه الأجسام ذات الألوان السبع، لا تدرك تلك الروح من " تحت " هذا النقاب ".
- ولو أنك فاصلت في البيع أكثر ، لأعطيت كل أموالي وأملاكى .
- ولو زدت أكثر في المفاصلة ، لاقترضت - من اهتمامى بالأمر - حجْرا من ذهب من آخر .
1050 - لقد فرطت فيه بسهولة ، ذلك أنك ، اشتريته بيسر ، ولم تر الدر ، لأنك لم تفتح الصندوق .
- لقد أعطى جهلك الصندوق مغلقا ، وسريعا ما ترى كيف غُبنت .
« 116 »
- لقد أعطيت صندوقا مليئا بالياقوت في مقابل هباء ، فأنت كالزنجى سعيدٌ في سواد الوجه .
- وكم ستطلق الحسرات في النهاية ، فهل يبيع أحد دولته وإقباله ؟ ! .
- لقد وصل الإقبال في ثوب عبيد ، وعينيك التعسة لم تر سوى الظاهر .
1055 - لقد أبدى لك " الإقبال " عبوديته ، لكن طبعك القبيح تصرف معه بمكر وحيلة .
- فخذ هذا الأسود الباطن الأبيض الجسد ، كما يفعل عباد الأوثان ، أيها المخرف .
- فهذا لك ، وذلك لي ، وقد كسبنا معاً ، هيا ، لكم دينكم ولى ديني أيها اليهودي .
- فهذا هو الجدير حقا بعبدة الأوثان ، إن جواده خشبى وإن كان غطاء سرجه من الأطلس .
- كأنه قبر الكفار ملىء بالدخان والنار ، وخارجه مائة نقش وصورة وزينة .
1060 - ومثل أموال الظلمة ، ظاهرها جمال ، وباطنها دماء المظلوم والوبال .
- وكالمنافق ، ظاهره الصوم والصلاة ، وفي الباطن تراب أسود لا نبات فيه .
- وكسحابة خالية " من المطر " كثيرة الإرعاد ، فلا فيها نفعٌ للأرض ولا قوتٌ للبرُ .
- مثل الوعد الماكر والقول الكاذب ، أوله ذو ضياء ، وآخره افتضاح .
- ثم أمسك بعد ذلك بيد بلال ، ذلك الذي جعلته ضربات أجراس المحنة " في نحول " عود الخلة .
1065 - صار كعود خلة في فم واتخذ طريقه ، وأخذ يسرع نحو حلو اللسان .
« 117 »
- « 1 » وعندما رأى ذلك وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، خر مغشيا عليه ، وسقط على ظهره .
- وظل فترة طويلة فاقد الوعي ، وعندما عاد إلى الوعي ، ذرف الدموع من الفرح .
- ثم إن المصطفى صلى الله عليه وسلم أجلسه إلى جواره ، وما ذا يدرى أحد عما وصله من عطاء ؟ ! !
- فكيف يكون نحاسٌ عرض على الأكسير، " وكيف " يكون مفلس قد وقع على كنز غنى ؟!!
1070 - وسمكة ذابلة سقطت " ثانية " في البحر ، وقافلة ضائعة عثُرت على سبيل الرشاد .
- وذلك الكلام الذي تفضل به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ، لو وقع على الليل لخرج عن طبيعته .
- ولتحول ذلك الليل إلى نهار مضىء كأنه الصباح ، إنني لا أستطيع أن أكرر ثانية ما قيل .
- فأنت نفسك تعلم ما ذا تقول الشمس حين تكون في برج الحمل للنبات والعشب .
- وتعلم أنت نفسك أيضاً ما ذا يقوله ذلك الماء الزلال للرياحين والأغصان .
1075 - وصنع الحق مع كل أجزاء الدنيا ، كأنه حديث السحرة وتعاويذهم .
- وجذب الله للآثار والأسباب ، يتحدث في السر بمئات الكلمات دون كلام ودون شفة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 412 :
- وأتى به حتى الرسول ، ذلك الذي كان قد أمن بدينه بروحه
« 118 »
- إنه ليس معهودا لكنه من تأثير القدرة ، مهما كان تأثيره من قبله تعالى لا يدرك بالعقل .
- وعندما يكون العقل مقلدا في الأصول ، اعلم أنه أيضاً مقلد في الفروع أيها الفضولي .
- وإن سأل العقل كيف يكون الهدف ؟ ! قل له : بشكل لا تعرفه والسلام « 1 ».
عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه قائلًا :
ألم أوصك أن تشتريه مشاركة بيننا ، فلماذا اشتريته من أجلك وحدك ؟ !
واعتذاره
1080 - قال : أيها الصديق : ألم أقل لك أجعلنى شريكا لك في هذه المكرمة « 2 » ؟ !
- قال : إننا كلانا عبيد حبك ، ولقد أعتقته لوجهك .
- فاجعلني أنا عبداً لك وصديقا حميما ، لا أريد حرية قط ، حذار .
- فمن عبوديتى لك أظفر أنا بالحرية ، وبدونك كم " يلحق بي " من ظلم ومحنة
- فيا من أحييت الدنيا من الاصطفاء ، وجعلت العامي من الخواص ، وبخاصة أنا ! !
1085 - كانت روحي ترى في الأحلام في الشباب ، أن قرص الشمس يلقى على بالسلام .
- وأنه سحبنى من فوق الأرض إلى عنان السماء ، وإنني قد صرت رفيقا له ، في أرتقاء وسمو !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 412 :
- وسيد الكونين سلطان الزمان ، أخذ يعاتب " الصديق " فترة بعد ذلك .
( 2 ) ج : 13 / 427 :
- فلماذا اشتريته وحيدا من أجل نفسك ؟ ! تحدث بما حدث يا طاهر الدين .
« 119 »
- قلت ، إن هذا لما ليخوليا ، ولأمر محال ، ولا يصير مستحيل أبداً وصفا للحال .
- وعندما رأيتك ، رأيت نفسي ، فالثناء على تلك المرآة طيبة الدين .
- وعندما رأيتك صار محالى حالا ، وصارت روحي مستغرقة في الإجلال .
1090 - وعندما رأيتك بنفسي يا روح البلاد ، سقط حب تلك الشمس من ناظرى ! !
- صارت عيناي منك عالية الهمة ، ولا تنظر إلى الرياض إلا باحتقار .
- لقد بحثت عن النور ، فرأيت بنفسي نور النور ، وبحثت عن الحور فوجدت من يزرى بالحور ! !
- وبحثت عن " مثيل " ليوسف . . . جميل . . . فضى الجسد ، فرأيت فيك أرضا مليئة بأمثال يوسف .
- وكنت في بحث وتفتيش من أجل الجنة ، فأبدى لي كل جزء منك على حدة جنة " وارفة " .
1095 - إن هذا بالنسبة لي بأجمعه مدح وثناء ، لكنه بالنسبة لك قدح وهجاء .
- مثل مدح ذلك الرجل الراعي الساذج لله أمام موسى الكليم .
- عندما قال له : أفليك من القمل وأسقيك اللبن ، وأخصف نعلك وأضعه أمامك
- لقد اعتبر الله تعالى قدحه مدحا ، ومن ثم لا عجب في أن ترحم أنت .
- فلترحم قصور الأفهام ، يا من أنت وراء العقول والأوهام .
1100 - أيها العشاق إن إقبالا جديدا قد وصل من الدنيا التي تقوم دائما بالتجديد
- ومن تلك الدنيا هو العلاج الباحث عن المساكين ، وهناك الآلاف من عجائب الدنيا فيه .
« 120 »
- " أبشروا يا قوم إذ جاء الفرج ، افرحوا يا قوم قد زال الحرج " « 1 » .
- لقد ذهبت شمس إلى منزل الهلال ، طالبة قائلة " أرحنا يا بلال " .
- أتهمس بها من خوف العدو ؟ ! اصعد إلى المئذنة إذن وناد بها برغم أنفه .
1105 - فينفث البشير في أذن كل محزون ، قائلا له : انهض أيها المدبر ، وأسلك طريق الإقبال .
- يا من أنت في هذا السجن وفي هذا القذر والقمل ، انتبه حتى لا يسمع أحد ، نجوت ، صمتا .
- فكيف تصمت الآن ؟ يا حبيبي ، فمن أساس كل شعرة هناك قارع لطبل .
- بحيث صار العدو الحاقد أصم ، متسائلا : أين صوت هذه الطبول العديدة ؟
- إنها " عبير " يدق على مثال الريحان الندى ، وهو من عماه يقول : ما هذا الأذى .
1110 - إنه يتعذب ، فالحور تأخذ بيده ، والأعمى حائر يتساءل : لماذا يقومون بتعذيبى ؟ !
- ما هذا الشد والجذب على يدي وجسدي ؟ ! لقد نمت ، فدعني أحلم .
- إنه هو من تبحث عنه في الحلم ، افتح عينيك فهو هذا القمر جميل الخطى .
- وهناك من تلك البلايا الكثير على الأعزاء ، فإن الحبيب يزيد من هذا الدلال مع الحسان .
- إنه يأتنس مع الحسان بكل طريقة ، كما أنه يثير العميان في بعض الأحيان .
1115 - إنه يعطى نفسه لحظة لهؤلاء العميان ، حتى ترتفع الضجة من حي العميان .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن ."
.