صلب المسيح لدالي، عن the speak room
أتحدث في هذا المقال عن واحدة من القضايا الرئيسية في العهد الجديد وكذلك في تاريخ المسيحية، ألا وهي مسألة ألوهية المسيح. وأنا لا أتساءل عن ذلك بالمعنى اللاهوتي، بل في ظل النسق التاريخي لهذه الظاهرة، فلا يهمني كثيرًا السؤال عن حقيقة ما إذا كان يسوع الإنسان هو الله حقًا، وما يتبع ذلك من مدلولات ميتافيزيقية وكوزمولوجية، بل ما يهمني هو كيفية توصل أتباعه إلى الاعتقاد بأن يسوع هو الله، وكيفية فهمهم لألوهية يسوع. أنا لا أقول إنه لم يكن كائنًا إلهيًا، ولا أقول أيضًا إنه كان كائنًا إلهيًا، فأنا أتقرب من هذا فقط من النقطة التاريخية عندما يبدأ أتباعه، تاريخيًا، القول بأنه هو الله، ولماذا قالوا ذلك وماذا قصدوا به؟ قد تظن أنه إذا اعتقدت بألوهية يسوع، فلن يكون هناك سوى خيار واحد لما يعنيه ذلك. لكن، حقيقةً، هناك الكثير من الخيارات.
إذن، أريد البدء مع يسوع نفسه، وسؤالي هو هل أطلق يسوع على نفسه اسم الله؟ وحتى أكثر من ذلك، هل اعتقد يسوع أنه هو الله؟ أعتقد أن الجواب على ذلك ليس له أي تأثير عما إذا كان يسوع هو الله حقًا أم لا. تنص العقيدة المسيحية المشروطة للمسيح على أنه الله الذي أصبح إنسانًا. لكن، إذا كنت تعتقد أن يسوع هو الله الذي أصبح إنسانًا، فعليك أن تدرك أنه قيَّد نفسه بطريقة ما عندما أصبح كائنًا بشريًا. وإحدى الأمور التي يمكن أن يحد من نفسه بها هي معرفته. لذلك ربما لم يكن ليعلم أنه كان الله، إذا كان هو الله، عندما أصبح بشريًا. أنا لا أنكر أن يسوع هو الله، فإنني أحاول عدم السماح لمعتقداتي الشخصية بالتدخل في هذا الأمر. أنا مهتم بالسؤال هل أطلق يسوع على نفسه اسم "الله"؟
القسم اﻷول: يسوع كما ورد في اﻷناجيل
يسوع في الإنجيل الرابع
متى، مرقس، لوقا، ويوحنا، هذه هي الأناجيل الأربعة للعهد الجديد. والإنجيل الرابع هو إنجيل يوحنا. وفي هذا الإنجيل يبدو واضحًا تمامًا أن يسوع يتحدث عن نفسه على أنه الله، هذا لا لبس فيه. أعتقد أن ألوهية يسوع المسيح واضحة في إنجيل يوحنا، حيث يعلن يسوع نفسه إلهًا. يوحنا 8:58 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ».[1] وفقًا ليوحنا، قال يسوع هذا في إحدى مناقشاته مع اليهود على جبل الزيتون. وأنا كائن أصلها كينونة وتعني «أهيه» في العبرية وهو اسم الله الآب في العهد القديم. فأهيه هي صيغة المضارع للمتكلم المفرد وتعني أكون أو أنا هو. كما أن يهوه هي صيغة المضارع للغائب، هو يكون. وعندما يقول أنا كائن أو أهيه فإنه يَدَّعي اسم الله من سفر الخروج. الخروأتحدث في هذا المقال عن واحدة من القضايا الرئيسية في العهد الجديد وكذلك في تاريخ المسيحية، ألا وهي مسألة ألوهية المسيح. وأنا لا أتساءل عن ذلك بالمعنى اللاهوتي، بل في ظل النسق التاريخي لهذه الظاهرة، فلا يهمني كثيرًا السؤال عن حقيقة ما إذا كان يسوع الإنسان هو الله حقًا، وما يتبع ذلك من مدلولات ميتافيزيقية وكوزمولوجية، بل ما يهمني هو كيفية توصل أتباعه إلى الاعتقاد بأن يسوع هو الله، وكيفية فهمهم لألوهية يسوع. أنا لا أقول إنه لم يكن كائنًا إلهيًا، ولا أقول أيضًا إنه كان كائنًا إلهيًا، فأنا أتقرب من هذا فقط من النقطة التاريخية عندما يبدأ أتباعه، تاريخيًا، القول بأنه هو الله، ولماذا قالوا ذلك وماذا قصدوا به؟ قد تظن أنه إذا اعتقدت بألوهية يسوع، فلن يكون هناك سوى خيار واحد لما يعنيه ذلك. لكن، حقيقةً، هناك الكثير من الخيارات.
إذن، أريد البدء مع يسوع نفسه، وسؤالي هو هل أطلق يسوع على نفسه اسم الله؟ وحتى أكثر من ذلك، هل اعتقد يسوع أنه هو الله؟ أعتقد أن الجواب على ذلك ليس له أي تأثير عما إذا كان يسوع هو الله حقًا أم لا. تنص العقيدة المسيحية المشروطة للمسيح على أنه الله الذي أصبح إنسانًا. لكن، إذا كنت تعتقد أن يسوع هو الله الذي أصبح إنسانًا، فعليك أن تدرك أنه قيَّد نفسه بطريقة ما عندما أصبح كائنًا بشريًا. وإحدى الأمور التي يمكن أن يحد من نفسه بها هي معرفته. لذلك ربما لم يكن ليعلم أنه كان الله، إذا كان هو الله، عندما أصبح بشريًا. أنا لا أنكر أن يسوع هو الله، فإنني أحاول عدم السماح لمعتقداتي الشخصية بالتدخل في هذا الأمر. أنا مهتم بالسؤال هل أطلق يسوع على نفسه اسم "الله"؟
القسم اﻷول: يسوع كما ورد في اﻷناجيل
يسوع في الإنجيل الرابع
متى، مرقس، لوقا، ويوحنا، هذه هي الأناجيل الأربعة للعهد الجديد. والإنجيل الرابع هو إنجيل يوحنا. وفي هذا الإنجيل يبدو واضحًا تمامًا أن يسوع يتحدث عن نفسه على أنه الله، هذا لا لبس فيه. أعتقد أن ألوهية يسوع المسيح واضحة في إنجيل يوحنا، حيث يعلن يسوع نفسه إلهًا. يوحنا 8:58 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ».[1] وفقًا ليوحنا، قال يسوع هذا في إحدى مناقشاته مع اليهود على جبل الزيتون. وأنا كائن أصلها كينونة وتعني «أهيه» في العبرية وهو اسم الله الآب في العهد القديم. فأهيه هي صيغة المضارع للمتكلم المفرد وتعني أكون أو أنا هو. كما أن يهوه هي صيغة المضارع للغائب، هو يكون. وعندما يقول أنا كائن أو أهيه فإنه يَدَّعي اسم الله من سفر الخروج. الخروج 3: 13-14 "فَقَالَ مُوسَى للهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ»." نري أيضًا في يوحنا 10: 30 «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». يوحنا 14: 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟».[2]
يُفهم من إنجيل يوحنا أن يسوع هو الله وأنه يدرك تمامًا أنه هو الله. لكنني لا أتساءل عما إذا كان قد تم تصويره بأنه يدعو نفسه الله في إنجيل يوحنا. ما أتساءل عنه هو هل كان يسوع نفسه، الرجل الذي كان يتجول في الجليل، يطلق على نفسه اسم الله أم أن يوحنا وضع هذه الكلمات على شفتيه؟
يسوع في الأناجيل الأخرى
لدينا ثلاثة أناجيل أخرى في العهد الجديد: متى ومرقس ولوقا، وقد كُتبت هذه الأناجيل الثلاثة قبل إنجيل يوحنا. تستند هذه الأناجيل إلى مصادر مكتوبة أو مصادر شفهية يمكن للعلماء إعادة بنائها. وتسمى هذه الأناجيل الثلاثة بالأناجيل السينوبتيكية، لأنها تحكي نفس القصص ويمكننا وضعها في أعمدة بجانب بعضها البعض حتى نتمكن من رؤيتها معًا، فكلمة سينوبتيكية هي كلمة يونانية قديمة تعني أن نراها معًا. في أناجيل متى، مرقس، لوقا لا نجد يسوع يدعو نفسه الله. ولا يوجد أي من هذه الأقوال المأخوذة من إنجيل يوحنا في أي من الأناجيل السينوبتيكية أو في أي من مصادرها. نحن في وقت أبكر من إنجيل يوحنا.
لنفكر في الأمر لدقيقة، لنفترض أنك كنت كاتبًا للإنجيل في الكنيسة الأولى وأنك تكتب عن يسوع، والجميع يعلم أن هذا الرجل، يسوع، أطلق على نفسه اسم الله، هل تتجاهل ذلك؟ أمثل هذا الادعاء ليس بالأهمية الكافية لذكره؟ لهذا السبب يتساءل العلماء عما إذا كان إنجيل يوحنا دقيقًا من الناحية التاريخية أم لا. أنا لا أنكر قيمة هذا الإنجيل اللاهوتية أو الدينية، بل أتساءل ببساطة عما إذا كان الأمر تاريخيًا. ما أعتقده هو أن إنجيل يوحنا يُظهر فهم كاتبه لطبيعة يسوع وتأويله له، بينما يبدو لي أن يسوع التاريخي، ربما، لم يدع نفسه الله، بصرف النظر عما إذا كان هو الله فعلاً أم لا.[3]
ما الذي قاله يسوع تحديدًا؟
لماذا يصعب إذن معرفة ما قاله يسوع بالضبط ونحن لدينا الأناجيل؟ توفي يسوع في حوالي العام 30م. كُتِب الإنجيل الأول، مرقس، في حوالي العام 70م، وكُتِب إنجيل يوحنا، الأخير، في حوالي العام 95م. أربعون إلى ستين سنة بين موت يسوع وأول الروايات المكتوبة عن حياته. هذا مثل ظهور كلمات واعظ، عاش منذ خمسين عامًا، للمرة الأولى هذا الأسبوع. وظهورها ليس بناءً على بحث سابق، لكن استنادًا إلى الروايات الأولى حول ما قاله، بعد أن تم تداولها شفهيًا سنة بعد سنة وعقدًا بعد عقد لمدة أربعين إلى ستين عامًا قبل أن يقوم أحد بكتابتها. فلم يكتب هذه الأناجيل أناس كانوا يدونون ملاحظاتهم في دفاترهم الخاصة حينما كان يلقي يسوع عظة يوم الجمعة على الجبل. هذه روايات كتبها أناس بعد ذلك بعقود.
لقد أشرنا إلى واحدة من الاختلافات بين إنجيل يوحنا والأناجيل السينوبتيكية حول ما إذا قد دعا يسوع نفسه الله أم لا، لكن في الحقيقة ثمة الكثير من الاختلافات. هناك تناقضات في الكتاب المقدس وهذه معرفة شائعة بين علماء العهد الجديد سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. كل ما عليك القيام به هو أن تأخذ نفس القصة في متى ومرقس مثلًا وتقارنهما بعناية مع بعضهما البعض كلمة بكلمة. خذ مثلًا قصة ولادة يسوع في متى ولوقا وقارنهما ببعضهما البعض وتعرَّف ما إذا كان بإمكانك التوفيق بينهما. خذ قصة قيامة المسيح في متى، مرقس، لوقا، يوحنا وقارن بينها. ستجد كل أنواع الفروق. دُفِن يسوع ويذهب شخص ما إلى القبر، من يذهب إلى القبر؟ نساء؟ كم عدد النساء؟ امرأة واحدة؟ أكثر من واحدة؟ أسماؤهن؟ ماذا رأين؟ هل تدحرج الحجر قبل أن يصلن؟ بعد أن وصلن؟ هل قيل لهن أن يذهبن ويطلبن من الحواريين الذهاب إلى الجليل لمقابلة يسوع؟ أم من المفترض أن يبقوا في القدس لمقابلته؟ هل ذهب الحواريون إلى الجليل أم بقوا في القدس؟ هل تخبر النساء أحدًا عن ما رأين أم لا؟ كل هذه الأسئلة والإجابات عليها تتوقف على أي إنجيل تقرأ. إذن، لو كان لديك مصدران لرواية واحدة على خلاف مع بعضهما البعض، فلا يمكن لكلاهما أن يكون تاريخيًا. إذا كان لديك شاهدان عيان لحدث ما، حادث سيارة على سبيل المثال، ويتناقضان في روايتهما للحادث، قد يكون أحدهما على حق وقد يكون كلاهما على خطأ، لكن لا يمكن لكلاهما أن يكونا على صواب عند نقطة التناقض. هكذا يعمل المنطق.
إذن، هناك وجهات نظر لاهوتية تختلف من إنجيل إلى آخر. فإذا كان كاتب يوحنا قد فَهِم ماهية يسوع كونه إلهًا، فإن الأناجيل الأخرى لديها وجهات نظر لاهوتية مختلفة حول هوية يسوع وحول الكثير من الأمور.[4]
الآثار المترتبة على الاختلافات بين الأناجيل
ثمة أثران يترتبان على هذه الاختلافات بين الأناجيل. أحدهما مرتبط بالمعنى الأدبي، وهو إذا كان لديك روايات مختلفة لنفس الحدث، فلا يجب عليك قراءة كل رواية كما لو كانت تعبر عن نفس الشيء كما الأخرى، فكل رواية مختلفة وقائمة بذاتها. مما يعني أنه عندما تقرأ إنجيل مرقس مثلًا لا ينبغي أن تفترض أنه يقصد نفس الشيء الذي يقصده يوحنا. نحن نميل إلى قراءة الأناجيل كما لو كانت كتابًا واحدًا كبيرًا، ربما لأنها مجمعة بين غلافين صلبين فتبدو كأنها كتاب واحد، لكنها أربع روايات مختلفة لأربعة مؤلفين مختلفين. لذا، إذا قرأنا أي منها وجب السماح لمؤلفه بالتعبير عن رأيه. علينا أن ندعه يقول ما يود قوله وألا نفترض أنه يقول نفس ما يقوله شخص آخر. هذا هو المعنى الأدبي.
لكن ما يعنينا في هذا المقال هو المعنى التاريخي، وهو إذا كانت هذه الروايات متعارضة مع بعضها البعض، فعلينا الانخراط في إعادة البناء التاريخي لما قاله وفعله المسيح حقًا. نحن لا نستطيع ببساطة سرد أقواله في الأناجيل لأن كُتَّاب الأناجيل يفرضون وجهات نظرهم الخاصة على كلمات يسوع، كما فعل الرواة والقاصون من قبلهم. يشكلون ما قاله بناءً على فهمهم للأمور وكيفية تصورهم لما تعنيه تعاليم يسوع. لقد عمل المؤرخون منذ سبعينيات القرن الثامن عشر على هذا السؤال، ماذا قال يسوع التاريخي؟ وما يقوم به العلماء هو أنهم ينظرون في تقاليد الأناجيل بعناية شديدة ويطبقون عليها معايير النقد التاريخي الصارمة. لدينا كل هذه الأناجيل وكلها مبنية على مصادر سابقة. لذا ما نريد القيام به هو أن نبحث في وجود أقوال عن يسوع تشبه بعضها بعضًا في مصادر لا تعتمد على بعضها. إنه مثلما تحاول الحصول على شهادة لجريمة ما من شهود عيان لم يتعاونوا مع بعضهم البعض، فتبحث عن المشترك فيما يقولون.
الطريقة الأخرى هي أن نبحث عن أقوال يسوع التي لا تتطابق مع وجهات نظر الكاتب الذي يُسنِد إليه هذه الأقوال. لنفترض أن ثمة محاكمة، وهناك شخص ما قيد المحاكمة، ووالدته التي تحبه تخضع للاستجواب، وتقول أشياء تدينه، فمن المحتمل أنها تقول الحقيقة لأنها بالطبع لا تريد قول هذه الأشياء عن ولدها. لذلك، إذا وجدت مصادر تاريخية تقول أشياء تتعارض مع مصالحها الخاصة، فهذه الأشياء، في أغلب الظن، أصلية. يستخدم المؤرخون هذه المعايير في البحث، سطرًا بسطر وكلمة بكلمة، للوصول إلى المواضع التاريخية في الأناجيل.[5]ج 3: 13-14 "فَقَالَ مُوسَى للهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ»." نري أيضًا في يوحنا 10: 30 «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». يوحنا 14: 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟».[2]
يُفهم من إنجيل يوحنا أن يسوع هو الله وأنه يدرك تمامًا أنه هو الله. لكنني لا أتساءل عما إذا كان قد تم تصويره بأنه يدعو نفسه الله في إنجيل يوحنا. ما أتساءل عنه هو هل كان يسوع نفسه، الرجل الذي كان يتجول في الجليل، يطلق على نفسه اسم الله أم أن يوحنا وضع هذه الكلمات على شفتيه؟
يسوع في الأناجيل الأخرى
لدينا ثلاثة أناجيل أخرى في العهد الجديد: متى ومرقس ولوقا، وقد كُتبت هذه الأناجيل الثلاثة قبل إنجيل يوحنا. تستند هذه الأناجيل إلى مصادر مكتوبة أو مصادر شفهية يمكن للعلماء إعادة بنائها. وتسمى هذه الأناجيل الثلاثة بالأناجيل السينوبتيكية، لأنها تحكي نفس القصص ويمكننا وضعها في أعمدة بجانب بعضها البعض حتى نتمكن من رؤيتها معًا، فكلمة سينوبتيكية هي كلمة يونانية قديمة تعني أن نراها معًا. في أناجيل متى، مرقس، لوقا لا نجد يسوع يدعو نفسه الله. ولا يوجد أي من هذه الأقوال المأخوذة من إنجيل يوحنا في أي من الأناجيل السينوبتيكية أو في أي من مصادرها. نحن في وقت أبكر من إنجيل يوحنا.
لنفكر في الأمر لدقيقة، لنفترض أنك كنت كاتبًا للإنجيل في الكنيسة الأولى وأنك تكتب عن يسوع، والجميع يعلم أن هذا الرجل، يسوع، أطلق على نفسه اسم الله، هل تتجاهل ذلك؟ أمثل هذا الادعاء ليس بالأهمية الكافية لذكره؟ لهذا السبب يتساءل العلماء عما إذا كان إنجيل يوحنا دقيقًا من الناحية التاريخية أم لا. أنا لا أنكر قيمة هذا الإنجيل اللاهوتية أو الدينية، بل أتساءل ببساطة عما إذا كان الأمر تاريخيًا. ما أعتقده هو أن إنجيل يوحنا يُظهر فهم كاتبه لطبيعة يسوع وتأويله له، بينما يبدو لي أن يسوع التاريخي، ربما، لم يدع نفسه الله، بصرف النظر عما إذا كان هو الله فعلاً أم لا.[3]
ما الذي قاله يسوع تحديدًا؟
لماذا يصعب إذن معرفة ما قاله يسوع بالضبط ونحن لدينا الأناجيل؟ توفي يسوع في حوالي العام 30م. كُتِب الإنجيل الأول، مرقس، في حوالي العام 70م، وكُتِب إنجيل يوحنا، الأخير، في حوالي العام 95م. أربعون إلى ستين سنة بين موت يسوع وأول الروايات المكتوبة عن حياته. هذا مثل ظهور كلمات واعظ، عاش منذ خمسين عامًا، للمرة الأولى هذا الأسبوع. وظهورها ليس بناءً على بحث سابق، لكن استنادًا إلى الروايات الأولى حول ما قاله، بعد أن تم تداولها شفهيًا سنة بعد سنة وعقدًا بعد عقد لمدة أربعين إلى ستين عامًا قبل أن يقوم أحد بكتابتها. فلم يكتب هذه الأناجيل أناس كانوا يدونون ملاحظاتهم في دفاترهم الخاصة حينما كان يلقي يسوع عظة يوم الجمعة على الجبل. هذه روايات كتبها أناس بعد ذلك بعقود.
لقد أشرنا إلى واحدة من الاختلافات بين إنجيل يوحنا والأناجيل السينوبتيكية حول ما إذا قد دعا يسوع نفسه الله أم لا، لكن في الحقيقة ثمة الكثير من الاختلافات. هناك تناقضات في الكتاب المقدس وهذه معرفة شائعة بين علماء العهد الجديد سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. كل ما عليك القيام به هو أن تأخذ نفس القصة في متى ومرقس مثلًا وتقارنهما بعناية مع بعضهما البعض كلمة بكلمة. خذ مثلًا قصة ولادة يسوع في متى ولوقا وقارنهما ببعضهما البعض وتعرَّف ما إذا كان بإمكانك التوفيق بينهما. خذ قصة قيامة المسيح في متى، مرقس، لوقا، يوحنا وقارن بينها. ستجد كل أنواع الفروق. دُفِن يسوع ويذهب شخص ما إلى القبر، من يذهب إلى القبر؟ نساء؟ كم عدد النساء؟ امرأة واحدة؟ أكثر من واحدة؟ أسماؤهن؟ ماذا رأين؟ هل تدحرج الحجر قبل أن يصلن؟ بعد أن وصلن؟ هل قيل لهن أن يذهبن ويطلبن من الحواريين الذهاب إلى الجليل لمقابلة يسوع؟ أم من المفترض أن يبقوا في القدس لمقابلته؟ هل ذهب الحواريون إلى الجليل أم بقوا في القدس؟ هل تخبر النساء أحدًا عن ما رأين أم لا؟ كل هذه الأسئلة والإجابات عليها تتوقف على أي إنجيل تقرأ. إذن، لو كان لديك مصدران لرواية واحدة على خلاف مع بعضهما البعض، فلا يمكن لكلاهما أن يكون تاريخيًا. إذا كان لديك شاهدان عيان لحدث ما، حادث سيارة على سبيل المثال، ويتناقضان في روايتهما للحادث، قد يكون أحدهما على حق وقد يكون كلاهما على خطأ، لكن لا يمكن لكلاهما أن يكونا على صواب عند نقطة التناقض. هكذا يعمل المنطق.
إذن، هناك وجهات نظر لاهوتية تختلف من إنجيل إلى آخر. فإذا كان كاتب يوحنا قد فَهِم ماهية يسوع كونه إلهًا، فإن الأناجيل الأخرى لديها وجهات نظر لاهوتية مختلفة حول هوية يسوع وحول الكثير من الأمور.[4]
الآثار المترتبة على الاختلافات بين الأناجيل
ثمة أثران يترتبان على هذه الاختلافات بين الأناجيل. أحدهما مرتبط بالمعنى الأدبي، وهو إذا كان لديك روايات مختلفة لنفس الحدث، فلا يجب عليك قراءة كل رواية كما لو كانت تعبر عن نفس الشيء كما الأخرى، فكل رواية مختلفة وقائمة بذاتها. مما يعني أنه عندما تقرأ إنجيل مرقس مثلًا لا ينبغي أن تفترض أنه يقصد نفس الشيء الذي يقصده يوحنا. نحن نميل إلى قراءة الأناجيل كما لو كانت كتابًا واحدًا كبيرًا، ربما لأنها مجمعة بين غلافين صلبين فتبدو كأنها كتاب واحد، لكنها أربع روايات مختلفة لأربعة مؤلفين مختلفين. لذا، إذا قرأنا أي منها وجب السماح لمؤلفه بالتعبير عن رأيه. علينا أن ندعه يقول ما يود قوله وألا نفترض أنه يقول نفس ما يقوله شخص آخر. هذا هو المعنى الأدبي.
لكن ما يعنينا في هذا المقال هو المعنى التاريخي، وهو إذا كانت هذه الروايات متعارضة مع بعضها البعض، فعلينا الانخراط في إعادة البناء التاريخي لما قاله وفعله المسيح حقًا. نحن لا نستطيع ببساطة سرد أقواله في الأناجيل لأن كُتَّاب الأناجيل يفرضون وجهات نظرهم الخاصة على كلمات يسوع، كما فعل الرواة والقاصون من قبلهم. يشكلون ما قاله بناءً على فهمهم للأمور وكيفية تصورهم لما تعنيه تعاليم يسوع. لقد عمل المؤرخون منذ سبعينيات القرن الثامن عشر على هذا السؤال، ماذا قال يسوع التاريخي؟ وما يقوم به العلماء هو أنهم ينظرون في تقاليد الأناجيل بعناية شديدة ويطبقون عليها معايير النقد التاريخي الصارمة. لدينا كل هذه الأناجيل وكلها مبنية على مصادر سابقة. لذا ما نريد القيام به هو أن نبحث في وجود أقوال عن يسوع تشبه بعضها بعضًا في مصادر لا تعتمد على بعضها. إنه مثلما تحاول الحصول على شهادة لجريمة ما من شهود عيان لم يتعاونوا مع بعضهم البعض، فتبحث عن المشترك فيما يقولون.
الطريقة الأخرى هي أن نبحث عن أقوال يسوع التي لا تتطابق مع وجهات نظر الكاتب الذي يُسنِد إليه هذه الأقوال. لنفترض أن ثمة محاكمة، وهناك شخص ما قيد المحاكمة، ووالدته التي تحبه تخضع للاستجواب، وتقول أشياء تدينه، فمن المحتمل أنها تقول الحقيقة لأنها بالطبع لا تريد قول هذه الأشياء عن ولدها. لذلك، إذا وجدت مصادر تاريخية تقول أشياء تتعارض مع مصالحها الخاصة، فهذه الأشياء، في أغلب الظن، أصلية. يستخدم المؤرخون هذه المعايير في البحث، سطرًا بسطر وكلمة بكلمة، للوصول إلى المواضع التاريخية في الأناجيل.[5]