قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: النِّفَّرى.. سبق دارسى الغرب بألف سنة فى «معنى المعنى»أحمد الشهاوي الثلاثاء نوفمبر 14, 2023 5:56 am | |
| عاش النِّفَّرى (الذى أراه جديدًا وحداثيًّا سابقًا لعصره رغم مرور أكثر من ألف سنة على وفاته) فى العصر العباسى بين العراق الذى ينتمى إليه ومصر التى مات فيها سنة 354 هـجرية/ 965 ميلادية، ودُفن فى إحدى قراها، وفى مصر كتبَ النفرى- الذى يُلقَّب بالسكندرى أو المصرى- بعض أجزاء من كتابه «المواقف والمخاطبات»، وهو من أهل القرن الرابع الهجرى، ويصفه رينولد نيكلسون (١٨ من أغسطس ١٨٦٨- ٢٧ من أغسطس ١٩٤٥ ميلادية) بأنه «درويشٌ جوَّابُ آفَاقٍ، مغامرٌ فى أقطار الأرض»، دائم السفر والترحال فى البرارى، محمولٌ على الحدْس والخيال والرمز. وكتابة النفرى- التى يكشفُ فيها محجوبَهُ- خاصةٌ وفريدةٌ وليست سهلةً، ولا تتسمُ بالمباشرة أو الوضوح المعتاد، بل هى غريبة على الكتابة العربية، ويمكن اعتبارها بحسب النفرى (برزخٌ فيه قبرُ العقل وفيه قبورُ الأشياء).
فى المواقف سنجد أنه ابتكر شكلا فنيًّا جديدًا لم يسبقه إليه أحدٌ من المتصوفة أو الشُّعراء أو ناثرى زمانه، ويعتمدُ هذا الشكل على فعليْن هما: (أوقفنى)، ثم: (وقال لى). حيث يعتبرُ النفرى «الوقفة»: (خروج الهمِّ عن الحرف وعما ائتلف منه وانفرق)، وسنلحظ منذ الموقف الأول وهو: «موقف العز» أن النفرى يستفيد من اللغة القرآنية كأن ما يكتبه هو نصٌّ آخر مقدَّس.
وفى «موقف قد جاء وقتى» سنجد النفرى يشير صراحةً إلى مصطلح «معنى المعنى»، مما يعنى أنه سبق دارسى الغرب لهذا المفهوم بنحو ألف سنة حينما قال: (وقال لى إشاراتى فى الشىء تمحُو معنى المعنى فيه وتثبته منه لا به).
ومعنى المعنى هو: (أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضى بك ذلك المعنى إلى معنى آخر) بحسب قول عبد القاهر الجرجانى (400 - 471 هـجرية/ 1009- 1078 ميلادية)، وقد شاع هذا المصطلح فى القرن العشرين عند نقاد الغرب خصوصًا ﺗﺸـــﺎرﻟﺰ أوجدن وزﻣﻴﻠـــﻪ آﻳﻔﺮ رﺗﺸـــﺎردز اللذين ألَّفا كتابًا عنوانه (معنى المعنى).
وفى الموقف الواحد تتولَّد مواقفُ كثيرةٌ، بمعنى أننا أمام نصٍّ قصيرٍ يحوى فى بنائه نصوصًا أخرى، فكثيرًا ما نجد سطرًا واحدًا يشكِّل نصًّا زاخمًا مُتعدِّد التأويل رغم محدودية مفرداته، فهو يختزلُ ويحذفُ ويلخِّصُ، ولنا فى نصِّه الشهير «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» مثال بارز على ما أقول، وهو يعتمد شكل المحاورة فى كل نصوص «كتاب المواقف».
كشفَ عن ذاته فى مواقفِه ومُخاطباته. ولم يكشف عن حياته؛ فكانت صُورته قابلةً لكل تجلٍّ ومُعاينةٍ بعد معاناةٍ. فلا أحدَ يعرفُ الكثيرَ عن حياته، إذْ عاش معتزلًا بعيدًا عن الناس، مُستترًا مخفيًّا، كثيرَ السَّفر والتجوال والسياحة فى الأرض، مُكتفيًا برؤى الرُّوح، ونظر القلب، كأنه قد حُظِر عليه الكشفُ، وإذاعة السِّر، فهو غيرُ مأذُونٍ له بهتك شطحِهِ.
ونشر تجلِّيه بين الناس: «لا إذنَ لك، ثم لا إذنَ لك، ثم سبعين مرَّة لا إذنَ لك، أن تصفَ كيف ترانى، ولا كيف تدخلُ إلى خِزانتى، ولا كيف تأخذُ منها خواتمى، ولا كيف تقتبسُ من الحرفِ حرفًا بعزَّة جبرُوتى».
وقد سار فى اتجاهه كل بطريقته: أبو مدين الغوث وعمر بن الفارض وابن عطاء الله السكندرى. وكان كلما ضاقَ ذهبَ إلى أهلِ المعرفة والعلم والتزم الصَّبرَ، وإن كانت المعرفةُ لديه أرقى، وأعلى رتبةً من العلم. | |
|