محمد الأحمد المحمود

لواءه الـحمد.............

والحمد الثناء وللحامد في كل منزلة ومرتبة في العالم دنيا وآخرة إلى ما لا يتناهى ثناء خاص في كل منزل منها فإذا حمد الله ورثه ذلك الثناء علما آخر لم يكن عنده [ 1 ] .

ولا يثنى عليه إلا بما هو أهل له وما هو له لا يقع فيه المشاركة ولذا قرن الحمد بالتسبيح قال تعالى: "فسبح بحمد ربك" و"ما من شيء إلا يسبح بحمده" لأن الثناء عليه إنما يكون بأسمائه

ولكن ما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إلا وللعبد التخلق به والاتصاف به، فلم يتمكن أحد في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله

ولذا جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شئ وأضاف الحمد إليه فقال يسبح بحمده، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وهي الصورة الكاملة الجامعة للأسماء التي هي المثل في قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" أي ليس مثل مثله شيء[ 2 ] .

قال الشيخ ابن عربي في الفتوحات:

"وقد أثنى على نفسه فهو الحامد المحمود وأعظم ثناء أثنى به على نفسه عندنا كونه خلق آدم على صورته وسماه بأمهات الأسماء التي يدخل كل اسم تحت إحاطتها ولذلك قال ص أنت كما أثنيت على نفسك فأضاف النفس الكاملة إليه إضافة ملك وتشريف لما قال من عرف نفسه عرف ربه فكل ثناء أثنى الله به على الإنسان الكامل الذي هو نفسه لكونه أوجده على صورته كان ذلك الثناء عين الثناء على الله بشهادة رسول الله ص وتعريفه إيانا في قوله ص أنت كما أثنيت على نفسك أي كل ما أثنيت به على من خلقته على صورتك هو ثناؤك علي " .

فكان آدم مفتتح الحمد [ 3 ] بما له من علم الأسماء وكان لمحمد ص المقام المحمود الذي إليه ترجع عواقب الثناء فهو صاحب جوامع الكلم المسماة بتلك الأسماء فلآدم الأسماء ولمحمد الاسم والمسمى والجامع لهما، قال صلى الله عليه وآله وسلم: آدم ومن دونه تحت لوائي وليس لوائه إلا الحمد، وفي الفتوحات: " فلآدم ع علم الأسماء ولمحمد ص علم الثناء " .

وقد زاد على الحمد بالألف في أحمد وبالميم في مـحمد وبالواو والميم في مـحمود، فالألف حجاب الأحدية والواو على صورة الهوية والميم برزخ بين المحمدية والآدمية.

محمد:

الميم إشارة إلى أن آخر نشأة آدم وغاية ماينتهي إليه هي بداية حضرة مـحمد وليس بينهما وصلة غير الياء وهي كناية التحقق إذا أضيفت للإن في "إني" لذا قال الشيخ في رسائله: "ليس في الكنايات من يقرب من الهو إلا الياء....فللياء سلطان عظيم لا يقرب إليه أحد إلا حكم عليه" [ 4 ] .

وقلب ال(ياء) الألف الأحمدية.

أحمد:

الألف في الحروف كالواحد في الأعداد فكما أنه سار في كل مرتبة من مراتب العدد كذلك الألف سارية في الحروف أما بنفسها فتقول: واو باء هاء حاء راء ، أو بأحد وزيريها الياء كما في ميم جيم سين، والوزير الثاني الواو كما في نون ، وهي-أي الألف قلب الوزيرين الواو والياء.

ولذا تسمى عند العارفين بحرف الذات وحجاب الأحدية لسريان الأحدية في كل شيء ذاتاً.

ومن سريانه في آدميته التي لها مقام جمع الرحمن في استواءه على العرش أنه كان له أحدية الجمع وهو الوجه الذاتي من الرحمن المعبر عنه في البسملة بـ "الله الرحمن"

قال الشيخ في فتوحاته معبراً عن المقام:

"فكان أول اسم كتبه ذلك القلم الأسمى دون غيره من الأسماء إني أريد أن أخلق من أجلك يا محمد العالم الذي هو ملكك فأخلق جوهرة الماء فخلقتها دون حجاب العزة الأحمى وأنا على ما كنت عليه ولا شئ معي في عما فخلق الماء سبحانه بردة جامدة .. ثم خلق العرش واستوى عليه اسمه الرحمن ...

فنظر بعين الجلال إلى تلك الجوهرة فذابت حياء وتحللت أجزاؤها فسألت ماء وكان عرشه على ذلك الماء قبل وجود الأرض والسماء وليس في الوجود إذ ذاك إلا حقائق المستوي عليه والمستوي والاستواء فأرسل النفس فتموج الماء من زعزعه وأزبد وصوت بحمد الحمد المحمود الحق عند ما ضرب بساحل العرش فاهتز الساق.

وقال له أنا أحمد فخجل الماء ورجع القهقري يريد ثبجه وترك زبده بالساحل الذي أنتجه فهو مخضة ذلك الماء الحاوي على أكثر الأشياء فأنشأ سبحانه من ذلك الزبد الأرض ..." [ 5 ]

فالذي نظر بعين الجلال إلى جوهر العماء فتحلل هو من قال لماء العلم أنا أحمد فخجل الماء الآدمي من التيه بالصورة التي هي كمال الحمد حين استشعر أن وراء جوهره أحمد.

وقد وصف القلم بالأسمى ليميزه عن القلم الذي كتب علم الله في خلقه لأن القلم الأسمى سبق جوهرة العلم المكنى عنه بالماء معرفاً بأنه "دون حجاب العزة الأحمى وأنا على ما كنت عليه ولا شئ معي" فما خط إلا فيضه الأقدس ليكشف اتصال ذلك التعين من وجه بالإطلاق الذاتي الغيبي القديم الوصف والإسم والرسم والحصر .

محمود:

الواو على صورة الهوية لذا كان لها حظ في المعية "وهو معكم أينما كنتم"، إلا أنها دون معية الهوية فتلك معية ذاتية لا تنقال وهذه معية الشيء مع كل شيء وقد منع من ظهورها في كن التقاء الساكنين إطلاق الوجود وإطلاق العلم، فكان في التقاء الساكنين غياب العين فحذفت الواو في التصريف من الكون العمائي لتبقى كن متصرفة في الكائنات وغيبها الواو، وبغيابها انقسم الأمر إلى غيب وشهادة وبالقسمة ظهرت الحركة فزال السكون فظهرت الواو في الكون الوجودي فتحققت معيتها في المكون والكون ومابينهما في باطن كن.

قال الشيخ في رسائله:

" وصورة نطق الواو هكذا (واو) فالواو الأولى واو الهوية....والواو الأخرى واو الكون وظهرت الواو في الكون والمكون....ثم هي أيضاً في الواسطة التي بين الهوية والكون وهي كن غيباً" [ 6 ] .

فلا يجمع المحامد يوم القيامة كلها إلا المحمود صلى الله وآله عليه وسلم فهذا الذي عبر عنه بالمقام المحمود قال صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المقام: "فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن" لأن علمه بها تعيين لها وتعليم لمعالمها وموطن قيامته حيث تلتقي فيه الحقية بالخلقية يقتضي تعليم أسماء إلهية تتم الحمد بمالا يقتضيه موطن خلقيته على نصف صورة الحمد

فلهذا قال لا أعلمها الآن وهو مقام شفاعته في الجميع قال تعالى: ألا إلى الله تصير الأمور وقال: وإليه يرجع الأمر كله فكان المرجع إليه فكذلك ترجع المقامات كلها والأسماء إلى هذا المقام المحمود قال صلى الله عليه وآله وسلم أوتيت جوامع الكلم [ 7 ] .

وليعلم أن كل معلوم أحاط به الإنسان ولم ينته إلى ما وراءه فما عرفه حق المعرفة وما لم ينته في معرفته بالحق إلى إطلاقه وصرافة وحدة ذاته التي لا تنضبط بشهود ولا يحصرها التعقل لم يعرف الله حق معرفته ولا صح له أن يقول: "ليس وراء الله مرمى"،

ومنه تعلم أن النهايات والغايات نسبية فكل مقام ينتهي إلى الإسم الحاكم عليه وهو غاية ومنتهى العلم بذلك المقام من جهة أن الاسم عين المسمى.

ومنه تعلم معنى رجوع الأمر إلى الإسم الله في القيامة الآدمية "إنا لله وإنا إليه راجعون" وهو رجوعنا إذا قامت قيامتنا إلى حضرة الإسم الله.

قال الشيخ القونوي في النصوص:

" المباديء والغايات أعلام الكمالات النسبية والأمر من حيث الكمال الحقيقي بخلاف ذلك وإليه الإشارة بقوله تعالى لأكمل عبيده "وإن إلى ربك المنتهى" وأدرج سبحانه في هذه الآية لطيفة أخرى خفية وهو كونه لم يقل: وإن إلى ربك منتهاك، بل نبه على أن غايته من مطلق الربوبية الغاية التي هي غاية الغايات، وليس بعدها إلا تفاصيل درجات في الأكملية التي لا تقف عند حد وغاية [ 8 ] .

ومناسبة الميم في "المحمود" أن هذا المقام قد أقيم فيه آدم عندما سجدت له الملائكة وهو لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في الآخرة وهو كمال الحضرة الإلهية "الله الرحمن الرحيم" وإنما ظهر به أولا أبو البشر لكونه كان يتضمن جسده بشرية محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأب الأعظم في الجسمية والمقرب عند الله وأول هذه النشأة الترابية الإنسانية فظهرت فيه المقامات كلها ومنها مقام مخالفته، وكانت العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة فظهر في المقام المحمود ومنه يفتح باب الشفاعات وأخرها شفاعة أرحم الراحمين.

==================================

1- في الفتوحات ج2ص641: " وكلما رمت أن أنتقل من نفسي إلى غيري اطلعت على حادث آخر أحدثه في نفسي بطلب يطلب مني الثناء عليه به فلا أزال كذلك أبد الأبد دنيا وآخرة ولا يكون إلا هكذا فانظر .... وهذا المشهد يطلب لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولهذا التتميم قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك ...

والفراع من نفسي محال فالوصول إلى مشاهدة الأكوان بالفراغ من الأكوان محال فالوصول إلى أسماء التنزيه محال فإذا رأيت أحدا من العامة أو ممن يدعي المعرفة بالله يثني على الله بأسماء التنزيه على طريق المشاهدة أو بأسماء الأفعال من حيث ما هي متعلقة بغيره فاعلم أنه ما عرف نفسه".




2 - الفتوحات المكية ج 2 - ص 167

"ونافلة الصيام ما يحصل للعبد من التنزيه في نفي المماثلة من قوله ليس كمثله شئ أي ليس مثل مثله شئ وما مثله إلا من خلق على صورته فنفى سبحانه أن يماثل هذا المثل فهو أحق أن لا يماثل".


3ـ سنن الترمذي - الترمذي - ج 5 - ص 123

3427 حدثنا محمد بن بشار أخبرنا صفوان بن عيسى أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه ، فقال له ربه يرحمك

وعن ابن مسعود مثله إلا إنه قال فأوحى الله تعالى حمدني عبدي ينظر الروضة في فضائل أمير المؤمنين - شاذان بن جبرئيل القمي - ص 173،

وفي كتاب الأذكار النووية ص114: "قال آدم صلى الله عليه وسلم : يا رب شغلتني بكسب يدي ، فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثا ، وإذا أمسيت فقل ثلاثا : الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، فذلك مجامع الحمد"


4 - رسائل ابن عربي- كتاب الياء ص3


5 - الفتوحات المكية ج1 ص3-4


6 ـ كتاب الميم والواو والنون ص11


7 ـ الفتوحات ج2 ص86 في جواب السؤال 73 من أسئلة الترمذي: " ما المقام المحمود الجواب هو الذي يرجع إليه عواقب المقامات كلها وإليه تنظر جميع الأسماء الإلهية المختصة بالمقامات وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم"


8 ـ القونوي- النصوص/ النص الخامس- طبع حجري في ذيل منازل السائرين

بارك الله بك يا اخي على هذا الموضوع

وهذه قصيده في ذكر محمد الاحمد المحمود صلى الله عليه وسلم

محمد” اَشرفُ الاَعرابِ و العَجَم ******** محمد” خیرُ مَن یَمشی عَلی قَدَمِ

محمد” باسِطُ المَعروف ِجامِعُه ******** محمد” صاحِبُ الاِحسانِ وَ ال?ََرَمِ

محمد” تاجَ رُسلِ اللهِ قاطِبَتً ********** محمد” صادِقُ الاَقوال ِ و ال?َلِمِ

محمد” ثابِتُ المیثاقِ حافِظهُ ********** محمد” طیِّبُ الاَخلاقِ و الشِّیَمِ

محمد” خُبِیَت بِالنُّور طینَتُه ُ *********** محمد” لَم یَزَ? نورًا مِنَ القِدَمِ

محمد” حا?ِمٌ بِالعَدلِ ذُو شَرَفٍ ********* محمد ” مَعدِنُ الانعام و الحِ?َمِ

محمد” خَیرُ خَلقِ اللهِ مِن مُضرٍ ********* محمد” خَیرُ رُسلِ اللهِ ?ُلِّهِمِ

محمد” دینهُ حَقٌّ نَدِینُ بِه ********** محمد” مُجمِلاً حقًّا عَلی عَلَمِ

محمد” ذِ?رهُ روحٌ لِاَ نفُسِنا ****** محمد” شُ?رهُ فَرضٌ علی الاُممِ

محمد” زینَتُ الدُّنیا و بَهجَتُها ********* محمد” ?اشِفُ الغُمَّاتِ و الظُّلَمِ

محمد” سیّدٌ طابَت مَناقِبُه *********** محمد” صاغهُ الرَّحمنُ بالنِّعَمِ

محمد” صفوَهُ البارِی وَ خِیرَتُهُ ********* محمد” طاهِرٌ مِن سائِرِ التُّهَمِ

محمد” ضاحِ?ٌ لِلضَّیف مُ?رِمُهُ ********** محمد” جارُهُ و اللهِ لَم یُضمِ

محمد” طابَتِ الدُّنیا ببعثَتِه ************* محمد” جاءَ بِالایاتِ والحِ?َمِ

محمد” یَومَ بَعثِ النّاسِ شافِعُنا ********** محمد” نورُهُ الهادی مِن الظُّلَمِ

محمد” قائِمٌ لله ذو هِمَم ************* محمد” خاتَمٌ لِلرُّسلِ ?لِّهِمِ