هذه
قصيدة شيخ الشيوخ أبي مدين شعيب المغربي
قدس الله سره
وتخميسها
للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي محمد بن علي الحاتمي الطائي
الأندلسي المولود بمرسية في 27 من رمضان سنة 638
وشرحها
عنوان التوفيق في آداب الطريق
العارف بالله تاج الدين أحمد بن محمد عبد الكريم بن عطاء الله
السكندري قدس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا طالِباً مِن لَذاذاتِ الدُّنَا وَطَرا إذا أردتَّ جميع الخَير فيكَ يُرى
المُستشارُ أمينٌ فاسمَع الخَبرا ( مالِذَّةُ العَيشِ إلا صُحبة الفُقَرا
هُم السَّلاطِينُ والسَّاداتُ والأمَرا)
قومٌ رَضُوا بيَسِيرٍ مِن مَلابسِهم والقُوتِ لا تخطُر الدنيا بهاجِسِهم
صُدورهُم خالِياتٍ مِن وسَاوِسِهم ( فاصْحِبهُموا وتَأدَّبْ في مَجالِسِهم
وخَلِّ حَظَّكَ مهْمَا قَدَّمُوكَ وَرَا )
اسْلُك طريقَهموا إنْ كُنتَ تابِعهُم واتْرُك دعَاويكَ واحْذَرْ أن تراجعهم
فِيما يُريدونه واقصُد منافِعهُم (واستغْنِم الوقتَ واحضُر دائماً معهم
واعلم بأنَّ الرِّضا يخْتَصُّ من حَضَرا)
كُنْ راضِياً بهِمُوا تَسْمُ بهم وتَصِلْ إن أثبتُوكَ أقِمْ أو إنْ مَحَوكَ فَزُل
وإنْ أجاعوكَ جُعْ و إنْ أطعَمُوك فكُلْ ( ولازِمِ الصَّمتَ إلا إن سُئِلتَ فقُلْ
لا عِلْمَ عِندي وكنْ بالجَهل مَستتِرا)
ولا تكُن لعُيوبِ الناس مُنتقِدا وإن يَكن ظاهِرا بين الوجود بدا
وانظُرْ بعَينِ كَمَالٍ لا تُعِبْ أحَدا ( ولا تَرَ العَيبَ إلا فيكَ مُعتقِدا
عَيباً بدا بيناً لكنه اسْتترا
تنلْ بذلِكَ ما ترجُوه من أدبٍ والنفسُ ذَلِّلْ لهم ذلاً بلا ريب
بلْ كلُّ ذلك ذُلٌّ نابَ عن أدبٍ ( وحُطَّ رَأسكَ واستغفِر بلا سبب
وقمْ على قدَمِ الإنصَافِ مُعتذِرا )
إن شئتَ منهم بريْقاً للطريق تشمْ عن كلِّ ما يَكرهوهُ مِن فِعالكَ ذُم
والنفسُ منكَ على حُسنِ الفِعالِ أدِم ( وإنْ بَدا منكَ عَيبٌ فاعترفْ وأقِمْ
وَجْهَ اعتذاركَ عمَّا فيكَ مِنكَ جَرى
لهُم تملقْ وقلْ داوُوُ بصُلحِكُموا بمرْهَمِ العَفوِ مِنكمْ داء جرحِكمُوا
أنا المُسيءُ هِبُوا لي مَحضَ نِصْحِكمُوا ( وقلْ عُبيدكمُوا أولى بصَفحِكمُوا
فسَامِحُوا وخذوا بالرِّفقِ يا فقرا )
لا تخشَ مِنهم إذا أذنَبتَ هِمَّتهُم أسنى وأعظَمُ أن تردِيكَ عِشرَتهُم
ليسوا جَبَابرة تؤذِيكَ سَطوَتهُم ( هُم بالتفضلِ أولى وهو شِيمَتهُم
فلا تخفْ دَرَكاً مِنهم ولا ضَرَرا )
إذا أردتَّ بهم تسْلُكْ طَريقَ هُدى كنْ في الذي يَطلبُوه مِنكَ مُجتهِدا
في نور يومِكَ واحذَرْ أن تقول غداً ( وبالتغنِّي عَلى الإخوان جُدْ أبدا
حِساً ومَعنىً وغضَّ الطَّرفَ إن عَثرَا )
أصدِقهُم الحَق لا تسْتعمِل الدنَسَا لأنهم أهْلُ صِدقٍ سادَةٌ رُؤَسَا
واسمَح لِكلِّ امْرئٍ مِنهم إليكَ أسَا ( ورَاقِبِ الشيخَ فِي أحوالِهِ فعَسى
يرى عَليكَ مِن استِحْسَانِهِ أثرَا )
وأسْألهُ دَعوَتهُ تحْظَ بدَعوَتهِ تنَلْ بذَلكَ مَا ترجُوا ببَركَتهِ
وحسِّنْ الظنَّ واعْرفْ حَقَّ حرمَتهِ ( وقدِّمِ الجِّدَّ وانهَضْ عندَ خِدْمَتِهِ
عَسَاهُ يَرضَى وَحَاذِرْ أن تكنْ ضَجِرا )
واحْفظْ وصِيتهُ زِدْ مِن رِعَايَتِهِ ولبِّهِ إنْ دَعَا فوراً لِسَاعَتهِ
وغضَّ صَوتكَ بالنجْوى لِطاعَتِهِ ( ففِي رضاهُ رِضَا الباري وطَاعَتِهِ
يَرضَى عليكَ فكنْ مِن تركِهَا حَذِرَا )
والزَمْ بمَنْ نفسُهُ نفْسٌ مُسَايسَة في ذا الزَّمانِ فإنَّ النفسَ آيسة
منهُم وحِرفتهُم في الناسِ باخِسَة ( واعلم بأنَّ طريقَ القومِ دَارسَة
وحَالُ مَنْ يدَّعِيهَا اليومَ كيف ترَى )
يَحِقُّ لي إنْ نَأوْا عَني لأٌلفتهِم ألازمُ الحزنَ ممَّا بي لِفرقَتهم
على انقِطاعي عنهُم بَعدَ صُحبتِهم ( مَتى أراهم وأنى لِي برُؤيتهم
أو تسمَعُ الأذُنُ مِني عنهُم خبَرَا )
تخلفِي مانِعِي مِن أنْ ألائِمهُم منهُم أتيتُ فلُمنِي لسْتُ لائِمهم
يا ربِّ هَبْ لي صلاحاً كي أنَادِمُهم ( ومَن لِي وأنى لِمثلي أن يزاحِمهم
على موارِدٍ لمْ آلفْ بها كدَرا )
جَلَّتْ عن الوصْفِ أن تحصَى مآثِرهُم على البواطِنِ قدْ دَلتْ ظواهِرهُم
بطَاعةِ الله في الدنيا مفاخرهُم ( أحِبهم وأُداريهِم وأوثرهم
بمُهجَتي وخصُوصاً مِنهمْ نفرَا )
قومٌ على الخلقِ بالطَّاعاتِ قدْ رُؤِسُوا منهُم جَلِيسهُم الآدابَ يَقتَبسُ
ومَن تخلَّفَ عنهُم حظَّهُ التعِسُ ( قومٌ كرامُ السَّجايَا حَيثمَا جَلسُوا
يبقى المكانُ على آثارِهِم عَطِرا )
فهم بهِم لا تفارِقهُم وَزِدْ شَغَفا وإن تخلَّفتَ عنهُم فانتحِب أسَفا
عصابةٌ بهم يُكسى الفتى شرَفَا ( يهدِي التصَوفُ مِن أخلاقهِم طرَفا
حُسْنُ التآلُفِ منهُم رَاقني نظرا )
جَرَرتُ بهِم ذَيلُ افتِخَاري فِي الهَوى بهِمُوا لما رضُوني عُبَيداً فِي الهَوى لَهموا
وحقهم في هواهم لستُ أنسهم ( هُم أهلُ وُدِّي وأحبابي الذينَ همُ
مِمنْ يَجرُّ ذُيول العِز مُفتخرا )
قطَعتُ فِي النظمِ قلبِي فِي الهَوى قطعا وقد توسلتُ للمَولى بهم طَمعا
أن يغفِرَ الله لِي والمسلمين معا ( لا زالَ شَمْلي بهم في الله مُجتمِعا
وذنبُنا فيهِ مغفورا ومغتفرا )
يا كلَّ مَن ضَمَّه النادِي بمَجلِسنا أدعُ الإله بهِم يمحو الذنوبَ لنا
وادعُ لِمنْ خَمسَ الأصْلَ الذي حَسُنا ( ثمَّ الصَّلاةُ على المُختارِ سَيدِنا
مُحَمدِ خيرُ مَن أوفى ومَن نذرَا )
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العارف بالله القدرة المحقق تاج العارفين ، ولسان المتكلمين ، إمام وقته ، ووحيد عصره ، تاج الدين أبو الفضل أحمد ابن محمد بن عبدالكريم بن عطاءالله السكندري رضي الله عنه ونفعنا به ، آمين .
الحمد لله المنفرد بالخلق والتدبير ، الواحد في الحكم والتقدير ، الملك الذي ليس له في مُلكه وزير . المالك الذي لا يخرج عن مُلكه صغير ولا كبير، المتقدس في كمال وصفه عن الشبيه والنظير، المنزَّه في كمال ذاته عن التمثيل والتصوير ، العليم الذي لا يخفى عليه ما في الضمير ، { ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرْ } العَالِم الذي أحاط عِلمه بمَبادِئ الأمور ونهاياتها ، السميع الذي فضل في سمعه بين ظاهر الأصوات وخفاياها ، الرازق وهو المُنعم على الخليقة بإيصال أقواتها القيوم المتكفل بها في جميع حالاتها ، الوهاب وهو الذي منَّ على النفوس بوجود حياتها ، القدير وهو المعيد لها بعد وفاتها ، الحسيب وهو المُجازي لها يوم قدومها عليه بحسناتها وسيئاتها، فسبحانه من إله مَنَّ على العباد بالجُودِ قبل الوُجود ، وقام بهم بأرزاقهم على كلتا حالاتهم من إقرار وجحود ، ومَدَّ كل موجودٍ بوجودِ عطائِهِ ، وحفظ وجود العالم بإمداد بقائه ، وظهر بحكمته في أرضه وقدره في سمائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبدٍ مفوِّضٍ لقضائه ومسلِّمٍ له في حُكمِهِ وإمضائِهِ ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المفَضَّل على جميع أنبيائه ، المخصوص بجزيل فضله وعطائه ، الفاتح الخاتم وليس ذلك لسواه ، الشافع لكل العباد حين يجمعهم الحق لِفصلِ قضائه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المستمسكين بولائه ، وسلم تسليما كثيراً .
إعلم يا أخي جعلك الله من أهل حُبِّه ، وأتحفك بوجود قربه ، وأذاقك من شراب أهل وُدِّهِ ، وأمِنكَ بدوام وصْلتِهِ من إعراضه وصَدِّهِ ، ووصَلك بعباده الذين خَصَّهم بمراسلاته ، وجَبَرَ كسرَ قلوبهم لما علموا أنه لا تدركه الأبصار لنور تجلياته ، وفتح لهم رياض القرب وهبَّ منها على قلوبهم واردات نفحاته ، أشهدهُم سابقَ تدبيرِهِ فيهم فسلمُوا إليه القياد وكشَفَ عن خفي لطفه في منعه فتركوا المنازعة والعناد ، فهم مستسلمون إليه ، ومتوكلون عليه .
أما بعد ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يُحشَر المَرءُ عَِلى دِينِ خَلِيلِهِ فليَنظُر أحُدُكم مَن يُخَالِل ) . فإذا علمت أيها الأخ الشقيق ، فلا تخالل إلا من ينهضك حالهُ ، ويَدُلك على الله مقالهُ ، وذلك هو الفقير المتجرِّد عن السِّوى ، المقبل على المولى ، فليست اللذة إلا مخاللته ، ولا السعادة إلا خدمته ومصاحبته ، فلذلك قال الشيخ العارف المتمكن أبو مدين رضي الله تعالى عنه.
مالذه العيش إلا صحبة الفقرا هم السلاطين و السادات والأمرا
أي ما لذة عَيشِ السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء ، والفقراء جمع فقير ، والفقير هو المتجرد عن العلائق ، المعرض عن العوائق لم يبق له قبلة و لا مقصد إلا الله تعالى ، وقد أعرض عن كل شيء سواه ، وتحقق بحقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله فمثل هذا مصاحبته تذيقك لذة الطريق ، وتريق في جميع فؤادك من شراب القوم أهنى رحيق ، ويعرفك الطريق ، ويقطع لك العقاب ويزيل عن قلبك التعويق ، وينهضك بهمَّتِهِ ويرفعك إلى أعلى الدرجات ، ومن كان كذلك فهو السلطان على الحقيقة ، والسيد على أهل الطريقة والأمير على أهل البصيرة .
فلا تخالف أيها السالك طريقه واجتهد أيها السالك المُجِدُّ في تحصيل هذا الرفيق ، وأصحبه وتأدب في مجالسه ، ويزيل عنك ببركة صحبته كل تعويق . كما قال رضي الله تعالى عنه :
فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم وخل حظك مهما قدموك ورا
أي إصحب الفقراء ، وتأدب معهم في مجالستهم فإن الصحبة شبح ، والأدب روحها ، فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حُزتَ فائدة صحبته ، وإلا كانت صحبتك ميتة فأي فائدة ترجوها من الميت.
ومن أهم آداب الصحبة أن تخلف حظوظك وراءك ولا تكن همتك مصروفة إلا لإمتثال أوامرهم فعند ذلك يشكر مسعاك ، فإذا تخلقت بذلك فبادر واستغنم الحضور وأخلص في ذلك ترفع درجتك وتعلو همتك والقصور ، كما قال رضي الله عنه :
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم واعلم بأن الرضا يختص من حضرا
أي واستغنم وقت صحبة الفقراء واحضر دائما معهم بقلبك وقالبك تسري إليك زوائدهم ، وتغمرك فوائدهم ، وينصح ظاهرك بالتأدب بآدابهم ، ويشرق باطنك بالتحلي بأنوارهم ، فإن من جالس جانس ، فإن جلست مع المحزون حزنت ، وإن جلست مع المسرور سُرِرت ، وإن جلست مع الغافلين سَرَت إليك الغفلة ، فإنهم القوم لا يشقى جليسهم ، فكيف يشقى خادمهم ومحبهم وأنيسهم وما أحسن ما قيل :
لي سادة من عزهم أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم فلي في حبهم عِزٌ وجاه
واعلم أن هذا الرضا ، وهذا المقام يخص من حضر معهم بالتأدب ، وخرج عن نفسه ، وتحلى بالذلة والإنكسار ، فاخرج عنك إذا حضرت بين أيديهم ، وانطرح وانكسِر إذا حللت بناديهم فعند ذلك تذوق لذة الحضور ، واستعن على ذلك بملازمة الصَّمت ، تشرق لك أنوار الفرح ، ويغمرك السرور كما قال رضي الله عنه :
ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل لا علم عندي وكن بالجهل مستترا
الصَّمت عند أهل الطريقة من لازمه ارتفع بنيانه ، وتمَّ غِراسه ، وهو نوعان : صمت باللسان وصمت بالجَنان وكلاهما لا بدَّ منه في الطريق فمن صمت قلبه ونطق لسانه نطق بالحكمة ، ومن صمت لسانه وصمت قلبه تجلى له سره ، وكلمه ربه ، وهذا غاية الصمت وكلام الشيخ قابل لذلك فالزم الصمت أيها السالك إلا إن سُئلت فإن سُئلتَ فارجع إلى أصلِك ووصلك وقل لا علم عندي واستتر بالجهل تشرق لك أنوار العلم اللدني ، فإنك مهما اعترفت بجهلك ورجعت إلى أصلِك لاحت لك معرفة نفسك ، فإذا عرفتها عرفت ربك ، كما روي في الحديث { مَن عَرفَ نفسَهُ عَرفَ رَبَّهُ } وكل ذلك من فوائد الصمت ولزوم آدابه ، فاصمت وتأدب ولازم الباب تكن من أحبابه ، وما أحسن ما قيل :
لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي وتقبلوني على عيبي ونقصاني
فإن رضيتم فيا عزي ويا شرفي وإن أبيتم فمن أرجو لعصياني
فانهض أيها الأخ إلى باب مولاك بهمَّة علية ، وتحقق بعبوديتك تشرق عليك أنواره السنية ، كما أشار إلى ذلك الشيخ رضي الله عنه بقوله :
ولا ترَ العيب إلا فيك معتقدا عيباً بدا بيناً لكنه استترا
أي تحقق بأوصافك من فقرك وضعفك وعجزك وذلتك ، فإذا تحققت بأوصافك وشَهِدتْ لنفسك عيوبا لكنها مستترة ، فعند ذلك تحظى بظهور أوصاف مولاك فيك ، كما قيل ( سُبحانَ مَن سَترَ سِرَّ العُبُودية ) ، وأفهم من هنا سر معنى قوله تعالى [ سُبْحَانَ الذِي أسْرَى بِعَبدِهِ ] ولم يَقل برسوله ولا بنبيِّهِ ، أشار إلى ذلك المعنى الرفيع الذي لا ينال إلا من العبودية لذلك قيل :
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
فانكسِر أيها الأخ وانطرح بالطريق ولا ترَ لك حالا ، ولا مقالا يزل عنك كل تعويق ، واستغفر من كل ما يخطر بقلبك في عبوديتك وقمْ على قدمِ الإعتراف وأنصِفْ من نفسك تبلغ أعلى درجات المنازل وتغنى بشريتك كما قال رضي الله عنه :
وحط رأسك وأستغفر بلا سبب وقف على قدم الإنصاف معتذرا
أي تواضع وانكسر ، وحُطَّ أشرف ما عندك وهو رأسك في أخفض ما يكون وهي الأرض لتحوز مقام القرب ، كما ورد في الحديث{ أقرَبُ ما يَكونُ العَبدُ إلى اللهِ تعَالى وَهو سَاجد } ، لأن قرب العبد ، بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته ، وأشهد نفسك دائماً مُذنباً ، ولو لم يظهر عليك سبب الذنب ، فإن العبد لا يخلو من تقصير ، وقف على قدَمِ الإنصاف من ذنوبك خجلا من سيئاتك وعيوبك ، فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحبَّهُ ولم يشهد له ذنباً وكانت مساويه عنده محاسن ، فكيف إذا عامل بهذه المعاملة بهذه المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه ليس له صاحب سواه ، كما ورد في الحديث { اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفر ، والخلِيفة فِي الأهلْ والمَال والولَد } .
I
I I