ولأن الحزن نقيض الفرح ... فقد ابيضت عينا يعقوب الشيخ النبي من الحزن ...
فكيف لنفس أن تنهض للطرب وهي في حضرة الحزن بلا طلب ...
ولعله وادي ساكنه في غمرةالانخلاع عن السرور ، وملازمة الكآبة لتأسف على فائت ، أو توجع لممتنع . وإنما كان من منازل العامة ، لأن فيه نسيان المنة والبقاء في رق الطبع ، وهو في مسالك الخواص حجاب ..
لأن معرفة الله { عز وجل } جلى نورها كل ظلمة ، وكشف سرورها كل غمة فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ".
ولهذا كانت كلمات أخينــا الانسان : الله نور لا ظلمة فيه ...
و هو سكوت محض لا يوجب صيحة إلا تنفس الصعداء ....
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي
" الحزن : هو ما لا يكون إلا على فائت ، والفائت الماضي لا يرجع لكن يرجع المثل ، فإذا أرجع ذكر بذاته من قام به مثله الذي فات ومضى ، فأعقب هذا التذكر حزناً في قلب العبد ، ولا سيما فيمن يطلب مراعاة الأنفاس ، وهي صعبة المنال ، لا تحصل إلا لأهل الشهود من الرجال ، وليس في الوسع الإمكاني تحصيل جملة الأمر ، فلابد من فوت ، فلا بد من حزن ". . أ . هـ
إذن هو ألم يقوم بالنفس لوجود إرادة وفقد المراد ، وعدم القدرة على تحصيله ....
يقول الشيخ أحمد زروق :
" الحزن : هو انقباض القلب لفوات محبوب ، أو خوف حصول مكروه ، فيهيجه حسرة خوف الفوات أو وجود الفوات ، وهو عذاب حاضر ، وذكر حاصل ، لا فائدة له إلا التلهف على السالف ، والتشمير في المستأنف ، فإن أفاد ذلك عملاً أو نهوضاً لاستدراك الممكن منه كان حسناً جميلاً ، وإلا فليس بشيء ، بل هو زيادة" في " الاغترار لاعتداد صاحبه به في باب التوجه والتذكير بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وقد يزداد صاحبه جراءة ورؤية لنفسه ، فيكون سبباً لطرده ، من حيث يراه سبب قربه ". .
ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي
" الحزن : هو الوقت الجامع والنور الساطع من فياض الرحمة .
فمن أحبه تعالى جعل في قلبه نائحة ، ومن أبغضه الله تعالى جعل في قلبه مزماراً من الضحك ". .
الحزن : هو كناية عن مقام مخالفة النفس ، الذي هو أصعب ما يكون على السالك في طريق معرفة الله تعالى .
يعني أن الحزن انكسار القلب وخشوعه ....
غير أن الحزن من أوصاف الصوفية في سلوكهم وحياتهم ، والمريد الحزين عند أئمة الصوفية ييسر له الانتقال من مقام إلى مقام أثناء رحلة مجاهداته ورياضاته أسرع من المريد الذي فقد
حزنه ، ويقال : إن ما يقطعه الحزين في شهر ، يقطعه غير الحزين في سنة .
ولكن بعض الصوفية يرون أن الحزن يجب ألا يكون على الدنيا وما فيها ، وإنما يحمد عندهم حزن الآخرة ، وبهذا يكون الحزن انقباض القلب من التشتت في الغفلات ، ومطاوعة النفس في الرضا عن أفعالها وأعمالها .