بسم الله الرحمن الرحيم
ويقول ابن عطاء الله : ربما دلهم الأدب على ترك الطلب
|
قلت: رب هنا للتكثير لان الغالب على العارفين وأهل الفناء السكوت والسكون تحت مجاري الأقدار ، فصدور الطلب منهم قليل لان العارف فان عن نفسه غائب عن حسه ليس له عن نفسه أخبار ولامع غير الله قرار ، فلا يتصور منه سؤال ولا فوات مأمول :من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل مااعطي السائلين ، الأشياء تشتاق إليه وهو غني عنها : اشتاقت الجنة إلى عمار وصهيب وبلال كما في الحديث، والحاصل أن العبد مادام غائبا عن نفسه فان في شهود ربه منقطعا عن حسه لا يتصور منه طلب أصلا ، إذ الطلب يقتضي وجود الاثنينية ، والفرض انه غريق في بحر الوحدة فطلبه حينئذ سوء أدب في حقه فان رد إلى الشعور بنفسه وهو مقام البقاء قد يتصور منه السؤال على وجه العبودية لا على وجه الاقتضاء
والطلب كما تقدم
اعتمادا على قسمته واشتغالا بذكره عن مسألته.
قلت اما الاعتماد على القسمة الازلية فقد تم الكلام عليها في الحكمة قبل هذه واما الاشتغال بالذكر عن المسئلة فقد تقدم قريبا في الحديث : من شغله ذكري عن مسئلتي... ، وقال الواسطي رضي الله عنه : ماجرى لك في الازل خير من معارضة الوقت يعني بالطلب للحظ وقال القشيري : اذا وجد في قلبه اشارة الى الدعاء كما اذا وجد نشاطا أو انبساطا للدعاء فالدعاء أولى واذا وجد في قلبه قبضا فالسكوت أولى ، وقال بعضهم : ماسألت الله تعالى بلساني شيئا منذ خمسين سنة ولاأريد ان أدعو ولا أن يدعى لي . وذلك لان الله سبحانه ليس بغافل حتى يذكر بل هو عليم بخفيات امورك فيأتيك منها ماقسم لك كما بين ذلك بقوله : انما يذكر من يجوز عليه الاغفال : وقد قال تعالى : وما الله بغافل عما تعملون ، أليس الله بكاف عبده . ولا يحتاج الى تنبيه لانه لايهملك فيما هو من قسمتك كما بينه بقوله :
وانما ينبه من يجوز عليه الاهمال :
والحق تعالى لايجوز عليه الاهمال لكمال قدرته واحاطة علمه ولكن حكمته اقتضت ارتباط الاسباب والعلل وتقديم الاشياء وتأخيرها ، قال تعالى : وكل شيء عنده بمقدار، فمن كمل يقينه اكتفى بتدبير الحق عن تدبيره واستغنى بعلم الله عن استعجاله ورضي بتصريف الحق فيما يفعل فيكون ابراهيميا حنينفيا ولاشك أن من كان على ملة ابراهيم عليه السلام اقتدى به وقد كان بين السماء والارض حين رمي به فاستغنى بعلم الله عن سؤاله فكانت حالة سيدنا ابراهيم عليه السلام في ذلك الوقت الاستغراق في الحقيقة ، فلما رد للشرائع دعا فقال : ربي اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ، وكذلك الانبياء عليهم السلام أكثروا من الدعاء للتشريع والتعليم وأظهار الفاقات التي هي مواسم وأعياد..