| الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:32 am | |
|
الفكر الصوفي عند الشيخ النفريّ وليد عبد الله ملاحظة: ألقي هذا البحث خلال أمسية أقامها المــنتدى الثـــــقافي الـعــراقي
يعد التصوف والعرفان من الحقول المهمة في المعرفة الإنسانية بشكل عام والمعرفة الإسلامية بشكل خاص. فقد توغل أهل العرفان والتصوف في جميع مجالات الحياة والفكر، وتعمقوا في مفردات الدين ورموزه وحقائقه وأنتجوا لنا نصوصاً تحمل إبداعات مختلفة على صعيد اللغة والأدب والحكمة المتعالية، وفتحوا في مجال العلوم علوماً خاصة كعلم الحروف والأرقام وعلم الحكمة وعلم المقامات وعلم الأحوال وعلم المنازل والدرجات وعلم الكشوفات وعلم الولاية وعلم النبوة والإمامة والأقطاب وعلم الوجود والمعرفة وعلوم الذات والأسرار وعلم الآخر والكيانات وكذلك أسسوا الفهم الوجودي لكيان الدين واحتوائه مفردات الوجود ورسموا اتجاهات معرفية متعددة في إدراك الإنسان وأسراره وشبكة اتصالاته بالذات والآخر وكذلك في معرفة مكنون النصوص الدينية المقدسة والأمثال العليا والقيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. وكان نتاج بحثهم لصياغة حية متكاملة وذات متكاملة ممتدة من عوالم الغيب إلى عوالم الشهادة وحركة الإنسان في الحياة الدنيا التي دخلوا كل زواياها ومسالكها حتى صاغوا سلوكاً إنسانياً صافياً يحمل كل حيثيات الإنسانية وتفاصيل ظهورها وتكاملها وما زال هذا التراث العرفاني والصوفي يدهشنا ويثيرنا كما يحمل في دواخله حضورا ًمتواصلاً والعلة في ذلك ترجع إلى تحطيم كل القيود والأسلاك والأنظمة التقليدية التي تسلط على الحقائق وتضمر وجودها وتعيق حضورها وحركتها الزمانية والمكانية فأهل هذا العلم الإلهى يتجولون في مدارات الوجود والمعرفة والحياة والفكر بشكل حرّ وثابت فهم الأحرار حقاً في كل زمان ومكان وفي كل دوائر الحياة اليومية وعلى صعيد التاريخ الإنساني. وما يهمنا في هذه الامسية* هو أن نتجول في مدارات الشيخ النفري بشكل عام الخصوص، وأهم هذه الإشارات هي: الإشارة الأولى: إن جوهر أهل الطريق وهدفهم الأسمى هو الله فقط وشعارهم الأبدي ( لا مقصود إلا الله ) تلك الحقيقة المطلقة التي يتشوقون للاتصال بها والوصول إليها ولا يتم ذلك إلا بشروط كما يعتقد أهل هذا العلم، وخصوصاً ما ركز عليه الشيخ النفري في نصوصه من خلال فلسفة الإزاحة والعبور اللذين هما سلّمه العروجي في الاتصال والوصول. وأهم هذه الشروط المتعلقة بفلسفة النفري بشكل خاص وعند باقي المتصوفة شرطان هما: الشرط الأول/ التخلي: وهذا يعني التخلي عن كل العوالق والعوائق والأستار والزخارف في الذات الإنسانية والتي تقف حاجزاً سميكاً بين هذه الذات والحقيقة المطلقة. وتسمى هذه الحواجز في فلسفة أهل الطريق _ بشكلها الظاهري _ بفلسفة الحجب، وبشكلها الباطني بالبرازخ، وتنقسم هذه الحجب إلى قسمين : أولاً : الحجب المادية (أو الظلمانية حسب المصطلح الصوفي) وهذه الحجب تحيط في الذات الإنسانية، وتشكل دوائر مغلقة في حركة هذه الذات وتغلف معانيها في حضورها داخل مدارات الوجود. تتمركز هذه الحجب في مساحة الذات داخل عوالمها وملكاتها من النفس والعقل والجسد. وكل عالم أو ملكة له حجابه الخاص ودورته داخل الذات وتسمى بالحجب النفسية والحجب العقلية والحجب الجسدية. وأول مراحل الاتفاق والعهد للدخول في دائرة أهل هذا الطريق هو العمل على إزاحة هذه الحجب واقتلاعها من الجذور ليتسنى للسالك والسائر الوصول إلى تصفية تامة لهذه الملكات والعوالم كي تكون مستعدة لاستقبال التنزلات الإلهية والتجليات على الذات الإنسانية من أجل رؤيا واضحة للحقيقة. ويعتبر النفري هذه العملية من أهم وأخطر العمليات عند أصحاب السير والسلوك، لأنها ستحدد معالم حضوره ومنزلته ودرجته داخل دائرة الحقيقة الإلهية. وتكمن خطورتها في الكيفيات التي يتعامل بها مع تلك الحجب لاعتقاده بتحول هذه الكيفيات إلى حجب أخرى. وأما الطريقة المثلى عند أهل هذا الطريق في التعامل مع عالم الحجب هو المجاهدة والرياضة المادية وعلى منهاج الشيخ والطريقة التي يتعامل بها مع مريديه. ثانياً: القسم الثاني من الحجب هو الحجب المعنوية (الحجب النورانية): وهي الحجب التي تتعلق بالأمثال العليا والحقائق السامية وما تظهره من أنوار حقائقها وأسرارها والتي تؤسس للسالك معتقداته وانتماءاته وهوياته الحضورية في دوائر الدين والحياة والفكر، وتتعلق هذه الحجب بالأسماء الإلهية وأسماء الحقائق الظهورية من الأنبياء والأئمة والأولياء والأمثال السامية في مجالات علوم أهل العرفان كالمعرفة والولاية والأسرار والعلوم الباطنية من كشف وكرامات. ومركز هذه الحجب في عوالم الذات الإنسانية وملكاته من القلب والروح والسر وتسمى بالحجب القلبية والحجب الروحية وحجب الأسرار. وتتعلق هذه الحجب في مركز الذات الإنسانية، ويتطلب من أهل السير والسلوك التخلص منها وإزاحة المسافات الوهمية والصور الخيالية لها. وطريقة التخلص منها تتمثل بالمجاهدات والرياضات المعنوية. ويؤكد الشيخ النفري في نصوصه على هذه الحجب بالذات، ذلك أن التخلص منها يمهد الطريق لأصحاب العرفان والولاية للوصول إلى المقامات التي أبدعها الشيخ، وأبرزها مقاما الوقفة والرؤيا. أما الشرط الثاني في الاتصال والوصول إلى الحقيقة المطلقة فهو: التحلّي: ويعني أن يتحلّى أصحاب السلوك العرفاني والصوفي بالأسماء الإلهية الصفائية والأسمائية والعقلية التي تسري في وجودهم بشكل خاص، كونهم مراكز الوجود والحضور الذاتي للذات الإلهية وفي الوجود بشكل عام. وعليهم أن يتمثلوا ويتحققوا بهذه الأسماء حتى الوصول إلى التكامل في دائرة الحضور الإلهي. والطريقة التي يتم بها التحلي هي تسلق المقامات العرفانية والمنازل الوجودية التي لها حالات مباشرة وذاتية مع الحق الإلهي. والغاية هي التكامل وشهود الحق في كل الوجود ومن خلال كل الوجود المادي والمعنوي. ويتخذون أسفاراً في الوصول قسموها إلى أربعة أسفار: - السفر الأول: هو السير من الخلق إلى الحق. - السفر الثاني: هو السير بالحق في الحق.
عدل سابقا من قبل الفنان قدرى في الإثنين أبريل 14, 2008 1:34 am عدل 3 مرات | |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:32 am | |
|
- السفر الثالث: هو السير من الحق إلى الخلق بالحق. - السفر الرابع: هو السير من الخلق بالحق. وتعتبر هذه الأسفار محور دوائر العلوم العرفانية للسالك والسائر بغية بلوغ التكامل. الإشارة الثانية: المؤثرات العامة والخاصة في العلوم العرفانية عند النفري. أولاً: يبدو أن النفري إطلع على تراث الديانات الأخرى، فمن خلال سياقات نصوصه الدلالية وبناءاتها المعرفية واللغوية نراه يركز على صراع الأضداد والديانات، كما أشار إلى ذلك الأستاذ يوسف سامي اليوسف في كتابه مقدمة في المواقف والمخاطبات، بقوله: ( تأثر النفري بالديانات القديمة كالبوذية والمانوية التي تعتبر نتاجاً للديانة البوذية. وموطن المانوية بابل ولقرب المكان الذي ولد وعاش فيه النفري فقد تأثر بتراث هذه الديانات التي بقيت آثارها قائمة حتى زمن ظهور الإسلام، فالأثنينيات من الخير والشر والنور والظلام والولادة والموت والتسامي والتسافل……..الخ. قد وردت في نصوص النفري بل هي أركان فلسفته في التخلص والوصول إلى الحقيقة، إلا أنه ابتكر فلسفة الاستواء التي تنفي التضاد والتثنية من خلال بعض نصوصه كما يقول: من رآني تساوى عنده الكشف والحجاب ومن لم يرني من وراء الضدين رؤية واحدة لم يرني)، فقد تجاوز النفري هذه الإثنينيات، ثم إن الأضداد والاثنينية موجودة في تراث المسلمين وفي الكتاب الكريم، كما هي موجودة في كل الديانات، ويبقى التأثر والتفاعل مع الحضارات والديانات قائماً ويحتاج تشخيصه إلى دقة علمية وبحث معّمق، وأما تأثر النفري بأسلافه من الصوفية فهو واضح وجلي، من خلال ذكر مصطلحاتهم ومقاماتهم وتسمياتهم المعرفية ومقاماتهم رغم استخلاصه لكل النتائج التي وصلوا لها من دون نكران للأقوال والمعارف إلا بالشكل الذي يدعم فلسفته الخاصة. الإشارة الثالثة: لم يذكر الشيخ النفري أقوال الأنبياء ولا أسماءهم أو مقاماتهم ولا أقوال الأئمة والأولياء المعروفين ولا أسماءهم ولم يستشهد بآيات القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى رغم أنه يجمل نفس الصياغات والأشتقاقات الأسلوبية للكتب المقدسة، ورغم أن أهل التصوف والعرفان مهووسون بهذه الأسماء والأقوال، وخاصة آيات القرآن الكريم، فأنه يورد ثلاث كلمات فقط من القرآن الكريم، وذلك في نص واحد يقول فيه: (وترى النار تقول ليس كمثله شيء، وترى الجنة تقول ليس كمثله شيء، وترى كل شيء يقول ليس كمثله شيء)، ولم نر له من شاهد قرآني آخر. ويبدو أن عدم ذكر الشيخ النفري للنصوص القرآنية واقوال الأنبياء يعود إلى دعوته لتبني فلسفة التجريد التام وبناء ذاكرة جديدة والوصول إلى الحقيقة بدون تسميات أو معارف أو كرامات أو عناوين، فهو أبدع مقامين يتلاءمان وهذه الفلسفة الجديدة هما ( مقام الوقفة ومقام الرؤيا ) اللذان سنشير لهما خلال البحث، لكنه أورد إشارة معنوية وباطنية لحقيقة الإنسان الكامل وجاءت متطابقة مع أحاديث أهل المذهب الشيعي عن الرجل الموعود صاحب الزمان الإمام المنتظر، ويعتبر الشيخ النفري هذه الحقيقة هي المثال المتكامل للحقيقة الإلهية على الأرض وخروجها يعني تحقق العدالة المعنوية والمادية في الأرض كما هو وارد في النص وباختصار يقول في المخاطبة( مخاطبة وبشارة وإيذان الوقت ):
(كذلك يقول الرب إنما أخبرتك لظهور الأدب فاكشفي البراقع عن وجهك وأركبي الدابة السياحة على الأرض وارفعي قواعدي المدروسة واحمليهم إلى على يديك ، من وافقك على اليمين ومن خالفك على الشمال وابتهجي أيتها المحزونة وتفسحي أيتها المكنونة و تشمري أثوابك وارفعي إزارك على عاتقك ، إني أنتظرك على كل فج فانبسطي كالبر والبحر وارتفعي كالسماء المرتفعة ، فإني أرسل النار بين يديك ولا تدر ولا تستقر ، إن في ذلك لآية تظهر كلمة الله فيظهر الله وليه في الأرض يتخذ أولياء الله أولياء ، يبايع له المؤمنون بمكة أولئك أحباب الله ينصرهم الله وينصرونه وأولئك هم المستحفظون عدة من شهدوا بدراً يعملون ويصدقون ثلاثمائة وثلاثة عشر أولئك هم الظاهرون )
الإشارة الرابعة: تأثر جيل الصوفية من بعد النفري بأفكاره وصياغاته اللغوية وثراء خياله ووسع مقاماته فذكره الشيخ ابن عربي في فتوحاته ورسائله ونسب إليه الطريقة الواقفية إشارة إلى مقام الوقفة الذي أضافه النفري إلى تراث مقامات أهل التصوف والعرفان. وأعتبره الشيخ الأكبر إبن عربي من الأفراد وهو مقام عزيز لا يرتبط بالشكل التمثيلي مع مشايخ أهل الطريق ولا بمعارفهم و مفردات سلوكهم زمانياً، بل ان للأفراد طريقهم ونتاجهم الخاص، ولقد تأثر الشيخ إبن عربي وهو أكبر العارفين وصاحب أكبر الموسوعات العرفانية لأهل التصوف والعرفان، بالشيخ النفري وفلسفته التجريدية وقوة وعمق ودقة أسلوبه، وعلو مقامه، كما تأثر كثير من الحكماء والصوفية بأسلوب الشيخ النفري في الكتابة والصياغة والمعاني وحاولوا تقليده. وأما في وقتنا الحاضر فيبدو أن أهل الأدب وخاصة أهل الشعر المعاصر قد تأثروا بشكل واضح بنصوص النفري واستفادوا منه في سياقاته الدلالية والأسلوبية وخصوبة خياله وقدرته اللغوية في التصوير والانفتاح والاختزال والتلاعب باللغة بشكل مبدع، وكما هو واضح ومعروف فأن الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس ) قد أشار إلى كتاب المواقف والمخاطبات الذي أظهره لأهل الشعر، ولفت انتباههم إليه، ويظهر أن الشعراء والأدباء أكثر معرفة بالشيخ النفري من أهل الدين والتصوف في وقتنا الحاضر، ونتمنى أن تكون هذه الأمسية دعوة لأهل الاختصاص في حقول الدين والمهتمين والدارسين والباحثين في مجالات العرفان والتصوف للالتفات إلى تراث هذا الرجل العظيم. المدخل: ولد محمد بن عبد الجبار بن الحسن بن أحمد النفّري، في مدينة نفر الواقعة على ضفاف نهر الفرات شرقاً، ونفّر مدينة سومرية تسمى نيبور، وهي مبنية على ضفاف الفرات الشرقية، وكانت مركزاً دينياً مهمّاً قبل أربعة آلاف سنة، وكان فيها معبد آكور الذي يعبد به (إنليل) سيد الهواء، ومن ثم أصبحت فيما بعد مركزاً للديانة المانوية ثم المسيحية في القرن السابع الميلادي، توفي النفري في عام 375 هـ /965 م، كما ذكره التلمساني الشارح لكتاب المواقف و المخاطبات على هامش الغلاف من المخطوطة المصرية. ويقول نيكلسون أن النفري [ درويش آفاق، مغامر في أقطار الأرض] ويقول التلمساني أنه توفي في القاهرة، ولا يؤكد ذلك، ويقول: (الله العالم في مماته). إن حياة النفري غامضة في ولادته وموته وسيرته على كل الأصعدة، وليس لدينا أي مصدر يذكر تفاصيل حياته، إلا أن من المؤكد إنه عاش في القرن الرابع الهجري، وعاصر محنة الحلاج التي أثرت على أهل التصوف ودعتهم إلى التحفظ والكتمان والتقية الشديدة. اكتشف كتاب المواقف والمخاطبات للنفري، المستشرق آرثر آربري سنة 1934. ويبدو إن عدم ذكر النفري في مصادر أهل التصوف والعرفان يرجع إلى عدة أسباب أهمها:
عدل سابقا من قبل الفنان قدرى في الإثنين أبريل 14, 2008 12:37 am عدل 1 مرات | |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:33 am | |
|
أولاً: تأثير محنة الحلاج على جيل المتصوفة الذي تستر بالتحفظ والكتمان. ثانيا : التخوف من الفقهاء الذين يشنون حملة قاسية من التكفير والتفسيق لاهل الطريق ويحرضون السلطات عليهم ثالثاً: تبنى النفري أفكاراً خاصة به تدعوه إلى الغياب الـتام وعـدم الظهور وقد تكون هذه طريقة خاصة بالنفري وأصحابه. رابعاً: يبدو أن النفري شيعي المذهب، وهو ما يبدو من خلال نصه الأخير في المواقف والمخاطبات الذي يشير به إلى الإمام المنتظر الذي يظهر وأصحابه في آخر الزمان حسب الرواية الشيعية، والاعتقاد الشيعي بالنسبة للإمام المنتظر متطابق مع مفردات النص النفري، وتؤكد ذلك طريقته العرفانية، فأن العرفاء الشيعة لا يميلون إلى الظهور، ولا يهتمون بالتدوين، ولا يقدسون المشايخ، ويؤمنون بتعدد المشايخ أو السلوك بدون شيخ في هذا الطريق، ولا يظهر العرفاء الشيعة إلا بزيّ الفقيه كما هو العادة، لعدم انفصال المؤسسة الفقهية عن هذا الحقل المعرفي. وأهل هذا الطريق يتخوفون من هؤلاء الفقهاء، وعانوا منهم أشد المعاناة وخاصة أهل العرفان الشيعة، وإذا صح إن ولادة النفري كانت في مدينة نفر العراقية، فان ذلك يقوّي الظن بشيعيته. فمدينة نفر تجاور الكوفة وبابل، ومن المعروف أن الكوفة والمدن المحيطة بها أكبر المراكز العلمية والتجمعات الشيعية في العراق، في الماضي كما في الحاضر. خلاصة القول: تبقى حياة النفري ومماته يكتنفهما الغموض، و ليس لدينا أي دليل واضح على تفاصيلها.
قراءة أولية لمنهج النفري:
لقد أنهك النفري جسده في البحث والاختبار والأسفار، وبدأ يبحث عن كيان جديد للظهور يكون أكثر مقاربة ومصالحة مع ذاته ومسيرته السلوكية، لهذا أختار النفري التدوين والكتابة وتفريغ ذاته المتكاملة في الخطاب الإلهي. فالكتابة أقرب الدلالات المجردة إلى حقيقة النفري، لأنها ساكنة، تحتاج إلى البحث عنها، وصامتة في حضورها، عشق النفري اللغة وعشقته اللغة لأنهما يتكلمان بعمق واحد، وأراد النفري التشبه بالله فأختار لغته مختزلة تسعى كذلك إلى التشبه بالله وأن تكون على غرار روحانية الكتب المقدسة، حاملة نفس العمق الجوهري للخطاب الإلهي، فنصوص النفري تحتاج لمتذوق ذي حساسية خاصة، لأنها نصوص لأهل الخاصة من أهل طريق العرفان الذين يعلمون أسرار الكتابة والتدوين على صفحات وجودهم و يقرأون ذواتهم كجزء متكامل داخل هذه النصوص الإلهية. و يمكن أن نوجز المحطات المهمة في المنهج النفري في الكتابة كما يلي: اولا : ان النفري يحاور و ويتحدث حديثا داخليا تكامل في ذاته فهو يسمع وينصت ويصمت ويتحدث، وكل هذه العملية الحوارية تتم داخل دائرة ذاته. فلا محل للآخر إلا إذا أصبح ضمن مفردات هذا الخطاب ومن ضمن عملية اتصاله التي دونت خطابه. فكأنه يتحدث لذاته في غياب تام إلا من الذات الإلهية المخاطِبة. لهذا تحمل نصوص النفري حرية الأتساع والإطلاق في العبارة، وامتداد المعنى، وبساطة أسلوبية، وعمقاً محسوساً لا يسبرغوره.
عدل سابقا من قبل الفنان قدرى في الإثنين أبريل 14, 2008 12:38 am عدل 1 مرات | |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:34 am | |
| [center]
ثانياً: لقد تبادل النفري واللغة في عملية الكتابة، الحب، فمالت اللغة معه حيث يميل وانحنت أمام صدق تعامله معها وتوظيفها بأشكال تليق بقدرتها على الإحاطة والابتكار والتجديد، فهي مستسلمة له كما لو أنها أحد مريديه يقلبها كيفما يشاء. فاللغة في نصوص النفري منتشية لانصياعها واستسلامها على يد مبدع وصاحب خيال فذ. فالصياغة اللغوية للنفري ذات سياقات تحمل ديمومتها وتحافظ عليها ككيان مستقل يعرف ويفكر ويدرك ويعي وجوده ككائن حي بلا شروخ أو فجوات. ان بنائية النص النفري عبارة عن وحدة وجودية تامة وفناء بين ذات الكاتب و ذات اللغة [ وقال لي هذه عبارتي و أنت تكتب، فكيف وأنت لا تكتب ].
ثالثاً: يختزل النفري المعاني اختزالاً غريباً فهو يؤسس نصاً من ثلاث كلمات يختزل بها معرفة متكاملة حيث يقول:( وقال لي كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة) ويدل ذلك على عمق الفكر النفري وتكامل سيطرة ذاته على المعاني والمعارف في اختزال التتابع الزمني للوجود.
رابعاً: تحمل نصوص النفري مشاكسة للآخر (القارئ) فهو يقطع متعة القارئ ولذته في التواصل والاستمرار وكأنه يضمر العداء له، وهو يحاول امتصاص الآخر داخل النص وإفراغ ذاكرته وملأها بمعانٍ جديدة دون أن تفقد اللغة وجدانيتها وإيقاعها. وأما معانيه فهي متراصة ومتماسكة في التفافها على القارئ والدوران حوله، وهي لا تعطي مجالاً له لإلتقاط أنفاسه، بل يبقى مشدوداً ومندهشاً لا يستطيع أن يترك النص بإرادته، ممسوكاً باختياره، ورغم الألم والحيرة، فهو يشعر بالنشوة والصفاء.
خامساً : يتمتع النفري بخيال خصب وخلاق من كل الوجوه فهو يستدعي الرؤيا لتكون من مقاماته الخصبة التي أنجبت صوراً لا متناهية للألوهية فهو يمطر مشاهد غيبية، يمكن النظر إليها دفعة واحدة من جهات متعددة. تعتبر الرؤيا أكثر (الآلات) التصويرية عمقاً في تصوير عوالم الغيب وزوايا البحث عن الحقيقة المطلقة، فالنفري يحدد زوايا لالتقاط صور لمعانٍ لم يطلع عليها أحد من قبله، وبهذا الخيال الخصب الذي يتمتع به منح الرؤيا أعلى الدرجات في سلم تكامل الذات الإنسانية في دائرة المطلق. يحدد خيال النفري للقارئ نقطة صغيرة من الضوء في فضاء شديد الظلمة ويحركها بسرعة هائلة تداهمك بألوان شتى من الصور سرعان ما تتلاشى فلا يبقى منها سوى انعكاس الضوء على العين، إنه يرسم في هذا الفراغ المظلم صوراً من نور تبرق ثم تتلاشى، مصوّراً لك الوجود مقلوباً كما في بؤبؤ العين ليستخرج صوراً تأخذ شكلها الطبيعي، وفجأة تراها تكبر وتتطاير بلمح البصر … إنها لعبة … إنها لعبة سينمائية معاصرة جداً. فهو أراد من كل هذا الخيال الغريب أن يؤسس ذاكرة جديدة لرؤيا عوالم الغيب ومعالم الاتصال مع الذات الإلهية، فهو يظهر اللامرئي بصورة مرئية. ذلك أن الهوس الخيالي ملاصق لصور الكمال والجمال الإلهي. وفي نهاية مطاف كل نص ترى هذه الأنوار الصورية المتشكلة من كلمات جامدة توصل القارئ إلى عوالمه الذاتية، تومض وتبرق لتختفي دون أن تحمل حدوداً واضحة المعالم، لكنك لا تستطيع نكران مشاهدتك لها، فتخرج كأنك لم ترَ شيئاً، ولن يتبقى معك سوى نشوة المشاهدة، كما في المقتطع الآتي: [ أوقفني في البحر فرأيت المراكب تغرق والألواح تسلم، ثم غرقت الألواح، وقال لي لا يسلم من ركب. و قال لي ظاهر البحر ضوء لا يبلغ، وقعره ظلمة لا تمكن، وبينهما حيتان لا تستأمن].
سادساً: لا يخفى على المتتبع لكتب الصوفية في ذكر مقاماتهم وأحوالهم، أن هذه المقامات أصبحت من الثوابت التي تلزم كل صوفي بالخوض فيها، والمقامات كسبية يسعى الصوفي لتحقيقها في مناهج سلوكه. أما الأحوال فأمور وهبية، وتحصيل حاصل للمقامات. تبدأ مقامات الصوفية بالتوبة وتنتهي بالتوحيد و بينهما الخوف والرجاء والصبر والزهد والفقر والمحو والإثبات والتوكل والتسليم والرضا. أما الأحوال فهي واردات ترد على القلب وتبرق وتختفي ليستأنف الصوفي السير والسلوك. تنقسم المقامات إلى: مقامات مادية، وأخرى معنوية، فالمقامات التي ذكرناها آنفاً هي من المقامات المادية في السير والسلوك. أما بعد التحقق بمقام التوحيد والدخول في الولاية، فتبدأ المقامات المعنوية. ولكل عارف مقاماته وتسمياته الخاصة، رغم أنها تصب في بحر واحد. من أهم مقامات النفري المعنوية الخاصة نأخذ مقامين اثنين هما: ـ مقام الوقفة ـ ومقام الرؤيا. وسنوضح، باختصار، الملامح العامة لهذين المقامين:
المقام الأول/ مقام الواقف والوقفة: الواقف هو المنتظِر والمنتظَر داخل لحظة تكاملت في زمن الذات الإلهية و تهيأت وسكنت لتلقّي الخطاب الإلهي المطلق. والواقف هو ذلك الذي تسلق قمة سلّم التجريد، والذي تجرّد من التجرّد ذاته، فهو يدور في عوالم الغيب والشهادة بدون حجب أو أستار. ويحقق الواقف أعلى مراتب الفناء في سلم المقامات المعنوية عند أهل الطريق. اختار النفري أكثر المـفردات تجريداً لتسمية مقاماته المـعنويـة، فالـوقفة / الواقف كلمة مجردة أراد النفري أن يؤسس عليها معانيه ومعارفه الخاصة. الوقفة عند النفري مسلوبة الإرادة، وخارجة عن كل ضدّانية وسوائية وغيرية، ولا تتستر بأي ستر ماديّاً كان أم معنوياً. منشأ هذه الكلمة في اللغة لتحديد طارئ يطرأ على الحركة، وفي لغة أهل الفقه (الوقف) هو إيقاف هذا المُلك أو البناية … الخ إلى شخص أو مشروع ما، فلا يمكن التصرف به إلا بخصوص شروط الوقفية، وتبقى هذه الوقفية متواصلة إلا إذا تعارضت مع مصلحة عامة. على كل حال، ما نريد الوصول له من خلال هذا التفسير اللغوي والاصطلاحي لهذه الكلمة [أوقفني] تبيان ان دلالة مقام الواقف تشير الى ان صاحب هذا المقام يصبح مُلكاً لله وحده لا غير، ظاهرياً وباطنياً ويطبق كل الشروط المتعلقة بتكامله داخل هذا المقام. ونلاحظ ظهور هذا المقام عند النفري في كتابه الأول ( المواقف )، حيث يبتدئ كل فصل منه بقوله: (أوقفني) ويردفها بقوله:( قال لي )، وكأنه يتلقى الخطاب الإلهي بعد أن يتم حال الوقف ويتهيأ للإنصات. والوقوف حالة من حالات التواضع والأدب في مقام الواقف، ولا يصح لصاحب مقام الواقف أن يتلقى الخطاب الإلهي إلا في حالة الوقوف والاستعداد المعنويّ لتلقي هذا الخطاب. فالوقوف هنا وقوف معنوي، ومن ضمن أحوال هذا المقام الأدب التام مع الله، ومن أحواله أيضاً الإنصات والصمت، فلا يصح النطق عند الواقف وهو في دائرة الرؤيا التي تلازم الوقفة، والعكس بالعكس. يقول النفري: [ وقال لي من رآني لا ينطق ]. في عملية تلقي الخطاب الإلهي من حضرة القائل - وهي حضرة الخطاب الإلهي – فان أول ما يفقد الواقف الكلام، وبعبارة أدق القدرة على الكلام، وتحل محل الكلام حالات من مثل (الأدب والإنصات والصمت)، وبعد هذه العملية يتحقق الإلقاء وتبدأ العبارة الإلهية تكتمل داخل النص، مثل قوله: [ أوقفني في الوقفة …. وقال لي إن لم تظفر بي، أليس يظفر بك سواي]. [/center]
عدل سابقا من قبل الفنان قدرى في الإثنين أبريل 14, 2008 12:39 am عدل 1 مرات | |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:34 am | |
|
بعد أن بيّنا عبارة [أوقفني]، وكذلك مقام الواقف، نبين العبارة التالية وهي قوله: [ وقال لي ]، فالقائل هو اسم من أسماء الله وهو من الأسماء الغيبية كما ذكر ابن عربي في فتوحاته في فصل الأسماء الإلهية . وهذا الاسم الالهي [ القائل ] يتحكم في نقل الخطاب الإلهي المباشر إلى الوجود وعلى مستويات مختلفة ومتفاوتة، على المستوى الظاهري الذي من سماته الاختلاف والتفاوت والتشكل، وعلى الصعيد الباطني. فمعروف عند أهل المعرفة أن هذا الإسم [ القائل ] هو الواسطة أو الوحي الذي ينقل الخطاب من الحضرة الإلهية إلى حقائق كمالية مخصوصة لها حضور ذاتي متكامل. وحضرة الخطاب الإلهي المذكورة هنا هي إحدى الحضرات عند أهل العرفان ويتشكل بها الخطاب الإلهي ويحمل الإسم [ القائل ] إلى كمالات وجودية مخصوصة، فيكون هذا الاسم مسؤولاً عن نقل الخطاب الإلهي في النصوص النفرية، بما يمكّن من صياغة المعادلة التالية: حضرة الخطاب الإلهي + القائل + الواقف = النص النفري.
و أما المسافات المعنوية في المعادلة السابقة فهي كالآتي:
أ ـ ما بين الخطاب الإلهي والقائل، تكون الكلمات الغيبية. ب ـ ما بين القائل والواقف، يكون الإنصات المعنوي. ج ـ ما بين الواقف وذاته، يكون التدوين الظاهري والباطني.
أهم سمات مقام الواقف:
- تشبّه مقام الواقف بالصفات الإلهية الشهودية والغيبية. - الوقفة هي الساحة المعنوية لكمال الذات الإنسانية في دائرة الحقيقة المطلقة. - تختفي كل ضدّانية وسوائية وغيرية داخل ساحة الوقفة. - مدار الوقفة والواقف فوق مدارات أهل الأرض وأهل السماء كما يقول النفري: [ إذا علمت علماً لا ضدّ له وجهلت جهلاً لا ضدّ له، فلست من أهل الأرض ولا من أهل السماء]. - الوقفة تعتق من كل شيء فهي فوق عالم أضداد الدنيا والآخرة: [وقال لي:الوقفة تعتق من رقّ الدنيا والآخرة]. - أهم السمات الواضحة في سلوكية الواقف هي الحرية المطلقة (وقال لي العالِم في الرق، والعارف مكاتب، والواقف حر ). أهم الثوابت الذاتية في شخص الواقف هي الصمدية والفردانية وعدم الالتفات الى الأغيار… [وقال لي: فالواقف لا يقبله الأغيار ولا تزحزحه المآرب ] .
المقام الثاني/ مقام الرؤيا: إن الرؤيا في معارف وخيال الصوفية والعارفين أهم المنافذ المجردة والذاتية للارتباط بالخطاب الإلهي ومشاهدة الحقائق المجردة والإلتقاء بالأسرار المعنوية، والرؤيا أعلى مراتب الكشف فهي تنزلات التجلي الإلهي على الفؤاد ليرى الحقيقة. كما هو وارد في القرآن الكريم: ﴿ ما كذب الفؤاد ما رأى ﴾ فمقام الرؤيا آخر أبواب مقام الواقف في سلم المعنى الذاتي الإلهي. ومفتاح الرؤيا اللحظة المطلقة بلا ذاكرة ولا عنوان ولا تسميات، فهي القدرة الذاتية والكمالية لاختراق كل شيء و سلب شيئيته، وإزاحة محجوبية كل الحجب والموانع والأستار، و إزاحة كل غيرية وسوائية عن ذاتها المستقلة، فمن خلال مقام الرؤيا يستطيع الواقف أن يرى كل شيء من وراء كل شيء، وأن يرى الحقيقة الإلهية من وراء كل الأشياء و الحجب، كما يقول في المواقف: [ وقال لي لا يكون المنتهى حتى تراني من وراء كل شيء ]. فالرؤيا آخر منتهى الوصول، ولكن أن ترى الحق من وراء كل الأشياء. وبوجود الأشياء يكون للرؤيا القدرة على شهود الحق في كل الوجود، ورؤية الوجود في وحدة شهود الحق. فالرؤيا تنزلات الذات الإلهية على سر الواقف وتجليات الحق على ذاته، ومن مساحات الرؤيا التي تتحقق فيها المشاهدة والكشف المعنوي، هو النوم. يقول في المواقف: [ وقال لي نَمْ لتراني فأنك تراني وأستيقظ لتراك فأنك لا تراني ]، فنوم الواقف هو الرؤيا المطلقة للحقيقة الإلهية، فالنوم هنا نوم معنوي تنكشف له الحقائق عن مكنونها و أسرارها وهي إزاحة معنوية لكل رقابة حسية أو مادية، وجدانية أو معنوية عن حقيقة الواقف فالنوم المعنوي يحقق هذا الفتح العظيم في رؤية الحقيقة الإلهية، واليقظة هي يقظة الأوهام في مسالك الوجود بحيث تتلاشى الذات الإلهية في حجب هذا الوجود دون أن يعلم المستيقظ بذلك، ظاناً أنه في يقظة أمام الحقيقة بينما هو في غيبوبة عن الحق، فالمستيقظ لا يرى إلا أشباح الحقائق وتنكشف للنائم من وراء الحجب أسرار الحقائق. ويكون الواقف صاحب الرؤية أعظم وأكبر من العارف كما يقول: [وقال لي كل واقف عارف، وليس كل عارف واقف ]. ولأن معرفة العارف ملازمة لسرّ ذاته ولا تفارقه أبداً، فالعارف يبني قصوراً من المعرفة وينصب نفسه المَلِك على هذه المملكة الشاسعة ولا يستطيع أن يتخلى عن ملكه فقد أصبحت المعرفة حجابه الأكبر، يقول النفري: ( وقال لي: فأن العارف كالملك يبني قصوره من المعرفة فلا يريد أن يتخلى عنها) وتصبح المعرفة ناراً تأكل كل محبة، فالمحبة هي محور ذات الواقف وجوهر مقام الرؤيا، بالمحبة يخترق الواقف كل مدارات الحقائق ليصل إلى مكنون الحقيقة الإلهية. فمعرفة العارف تأكل كل محبة لأنها النار التي سُلّطت على وجدانه المحجوب [ و قال لي: المعرفة نار تأكل المحبة ]. وأما علوم الرؤيا التي تزيح عن الواقف غيرية الأشياء وسوائية الحجب هي أن تشهد الصمت الذي هو جوهر سرّ الواقف وقلمه الذي يدوّن به وقوفه، والصمت عند الواقف مَلَكة ذاتية [ و قال لي من علوم الرؤيا أن تشهد صمت الكل، ومن علوم الحجاب أن تشهد نطق الكل ]. فهذه الشهادة التي يراها صاحب الرؤيا هي استيلاء كماله على كل الأشياء فتشهد له بعمق الكل، وأما إزاحة ذاتية الحجاب فهي إشهاد وإنطاق الكل. كما ذكرنا مراراً فإنه باختفاء ذاتية الأشياء واستقلالها عن المعنى الحق، ومحو ضدّانية التقابل وفعالية تأثير الأضداد على الإنسان، يستطيع الواقف أن يرى من وراء الضدّين رؤية واحدة، وهذه إشارة إلى عمق التوحيد في المشاهدة من وراء الأضداد رؤية واحدة حقّة [وقال لي من لم يرني من وراء الضدين رؤية واحدة ما رآني ]. وهذا التوحيد هو حقيقة التوازن الوجودي في جوهر شهود الحق في كل الأشياء، ولا بد أن تتحقق لصاحب الرؤيا، المعرفة التي يرى بها الحقيقة ولا يرى بديلاً عنها، وهذا هو الاختلاف بين معرفة الواقف ومعرفة العارف. فالواقف يستخدم المعرفة في الرؤيا لرؤية الحق. والعارف يرى في المعرفة، المعرفة ذاتها.
عدل سابقا من قبل الفنان قدرى في الإثنين أبريل 14, 2008 12:40 am عدل 1 مرات | |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:35 am | |
|
أهم سمات صاحب الرؤيا: - إزاحة كل ذاتية مستقلة عن معنى ذات الحق، ورؤيته بلا وسائط. - سلب كل محجوبية وشيئية عن ما هو دون الحق. - تزيح الرؤيا ظاهرية الصور وشكلانية المعاني وتخلص الواقف من انطوائه تحت ثقل تسلّط التعيّنات الثابتة والمتغيرة. - الرؤيا تحقق الوحدة الوجودية لشهود الحق. - التثبت في الرؤيا وانصهار الحقائق الثابتة في ذات الواقف، هو سر اكتمال دائرة الرؤيا للحقيقة [ وقال لي: قف في مقامك بين يديّ، قف في رؤيتي وإلا اختطفك كل شيء]. - مركز الرؤيا في المدار الإنساني هي الروح. والروح والرؤيا من سنخ واحد، من أصل واحد: [ يا عبدُ، الروح والرؤيا إلفان مؤتلفان]. فالروح هي السريان الحق لذات الإنسان، والقيمة الكمالية لفعالية الرؤيا. والرؤيا المعراج الوصولي لحمل الروح على المشاهدة. 7ـ الرؤيا لا يتخللها الحجاب ولا تتحول إلى حجاب أبداً، فهي مقام نوراني لأنها من أصل الحقيقة الإلهية بلا وسائط. 8ـ الرؤيا هي أهم العوالم و أعظم المراتب لأنها جوهر ذاتي يلامس الذات الإلهية [ يا عبدُ، لو علمتك ما في الرؤيا لحزنت على دخول الجنة]. الرؤيا تحقق للإنسان الواقف عبور كل الأشياء واجتياز كل المسافات المعنوية والمادية و تلوح له الأشياء ظاهرة في بواطنها وكاشفة عن حقائقها وواضحة في معانيها، يقول النفري: [أنت عابر كل شيء فجزت فرأيت كل شيء، ورأيت وجه كل شيء، ومعنى كل شيء ]. الخاتمة: إن اللهَ راغبٌ بالإنسانِ لهذا خلقَهُ على صورتِهِ. تلك الرغبةُ الإلهيةُ في الخلقِ لا تنمُّ عن حاجةٍ افتقاريةٍ بلْ حاجةُ الغنى نفسِهِ لإظهارِ ذاتِ العطاءِ، وتلك الصورةُ لا يكتملُ ظُهورُها ما لمْ تتطابقْ مع حقائقِ المعنى الإلهيّ في سرِّ الإنسانِ. هذا الإنسانُ الذي حملَ رغبةَ اللهِ على ظهرهِ وتحمَّلَ عناءَ البحثِ والهجرةِ والأسفارِ وابتكرَ التساؤلَ ليحلَّ لغزَ هذه الحقيقةِ منذُ فجرِ الإنسانيةِ إلى يومِنا هذا. وأرادَ الوصولَ إلى هذا التطابقِ، إلى اكتشافِ المعرفةِ الحقّةِ التي يصلُ بها الى سرِّ الصورةِ الأولى وتمامِ ظهورِها في دائرةِ الوجود. لقدْ حافظَ أهلُ التصوّفِ والعرفانِ على براءةِ السؤالِ الخامِّ و القلقِ الخامِ كي يتطابقوا مع الأصلِ، أصلِ الوجودِ الذي تحمّلوا العناءَ العظيمَ وضحّوا بكلِّ وجودِهم من أجلِ الوصولِ إلى الحقيقةِ. فهم أهلُ اللهِ الذينَ لا يستظلونَ بظلٍ و لا ينتسبونَ إلى التسمياتِ، أسسوا للمسلمينَ بشكلٍ خاصٍ وللبشرية بشكلٍ عامٍ مشروعاً خصباً و تركوا تراثاً انسانياً صافياً وعميقاً، فأهلُ هذا الطريقِ أفتتنوا بالِله إفتتاناً أفقدهمْ كلَّ شيءِ، وأحبوهُ حباً لا متناهياً وهاموا في عشقهِ، ينحتونَ بوجودِهم أسماءَهُ و يرسمونَ بدمائهمْ خرائطَ الوصولِ اليهِ، سكنوا الصحارى و الجبالَ وغاصوا في الوديانِ وركبوا البحارَ واتخذوا من الهجرةِ بيتاً ومن الغربةِ زاداً، فماذا يمكنُ أن نقولَ عن أسفارهمْ. تلك الأسفارُ التي أكثرُها تعقيداً على أرضِ البساطةِ، وأكثرُها بساطةً على أرضِ التعقيدِ في البحث عن مكنون البساطة وهو الله ..الله بسيط الحقيقة، وعن الفناء في هذا المعنى الإلهي. لهذا حملوا قلوبهم مناجلَ للتجريد والغوص الى أعماق الوجود بلذة الاختراق و فضول ألم الاستطلاع، لاستخراج كنوز المعارف وحقيقة الكمال المطلق. يلمّعون قلوبهم كما يلمع الفارس سيفه، و يعلنون البراءة من الصدأ المتراكم على القلوب، لأن قلوبهم بيت الله فكيف يهيئون هذا البيت لأعظم و أجل محبوب أفنوا حياتهم في البحث عنه. يطلبون الموت كما يطلبون الخلود، دخلوا الى الحياة من فوهة الموت ، هم مدارج الموت التي يعبر عليها أطفال التلعثم. المعرفة انهمار دموعهم أطفالاً كالنجوم تملأ جسد الرب ولامست شفاه العشاق فتكلمت بكل اللغات. وعلومهم مياه التكرار في رحم لذات المعارف، هم النساجون الذين نقشوا قلوبهم سجادةً للرب وأنفاسهم أنوار لامست عيون الله، انهم ثمرات معارفه التي اختزلت زمن الإنسان. يعلنون من مكنون خيالهم: إن زمن الله قيلولة أسمائه بلا نهارات و إن زمن الإنسان خطيئة معلقة على رقبة الشمس، هم أبناء الشمس الذين عزموا على رؤية كل شيء والنظر إلى كل شيء وممارسة لذات كل شيء لأنهم عيون الرب في وجوده، يرى بهم كل شيء و ينظر بهم كل شيء و يلت بكل شيء، والحقيقة تعني توسلات الرؤيا لجسور السواحل في الظهور. والخيال عندهم ثرثرة المعاني في مجالس الغيب، هم أهل الليل، بيت الله الذي يتوسط ساقَيْ الوجود، ساق من نور وساق من ظلام. وأرواحهم معلقة بأرجوحة إعماء، وأفواههم تحمل خطابات المعاني للوجود ومرايا رؤية الرب التي تلت بجنون الخطابات. هم أطفال المعاني في أحضان المشيئة التي ربتهم أحراراً. و مقاماتهم جروح أقدام الرب في مسيرة البرازخ. و أحوالهم رياح الجنوب التي لا تمل من العتاب، والكشف والحجاب بحار لمراكبَ غرقى، والفناء والبقاء ألواح تطفو على ساحل التِيْه الأعظم. لعبة من القرب و البعد لا تحظى بالقبل والاحتضان، وعشقهم هوس الموتى من وراء منافذ قيود اللذات، وحزنهم فرح قديم يطفو على سطح السعادة المتأخرة. وتوبتهم انحناء الجسد في بيت الخطايا. و تجريدهم عري الخطاب في غرف خالية من عسل الأنثى. ونفوسهم أقداح الطاعة
| |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 12:43 am | |
| الممتلئة بالتحولات. وتوحيدهم سكر الفناءان على موائد النار. وذواتهم موائد عليها فاكهة الجنة يأكل منها المؤمن والكافر. ونومهم سرير العبودية الذي يحلم بالمسافات. وصبرهم عربة يسحبها حصان الفقر، ورؤياهم امتداد الوادي المقدس المنطوي تحت أسرار دعوة نزع النعلين ولف الساقين والجلوس أخيراً فوق نار التيه والانتظار آخراً بلا أسماء … يقول لهم الرب: (من راسلته ابتليته بجميع البلاءات، ظاهرة وباطنة ومن لمسته جعلت العباد يبحثون عنه في كل مكان كي يكون وليهم، ومن قبّلته قطعتُ رأسه، ومن احتضنته أفنيته الى الأبد) قال: ( لم أصافح أحداً لأنه سيكون إياي). هؤلاء هم أهل العرفان الذين عشقوا الله وذابوا في كل معانيه و تجردوا من كل شيء من أجل الحضور والرؤيا والفناء بالمعنى الأسمى. انهم المجانين الذين يتطلعون الى عقل لا يغيب، فكيف نصف هؤلاء و الصفات حجب إنتهكوها والأسماء عبارات تجاوزوها؟
انهم كلمات الله التي لا تنفد.
انهم حقاً أهل الله.
| |
|
| |
قدرى جاد Admin
عدد الرسائل : 7397 العمر : 66 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رد: الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله الإثنين أبريل 14, 2008 1:58 am | |
| وتوحيدهم سكر الفناءان على موائد النار. وذواتهم موائد عليها فاكهة الجنة يأكل منها المؤمن والكافر. ونومهم سرير العبودية الذي يحلم بالمسافات. وصبرهم عربة يسحبها حصان الفقر، ورؤياهم امتداد الوادي المقدس المنطوي تحت أسرار دعوة نزع النعلين ولف الساقين والجلوس أخيراً فوق نار التيه والانتظار آخراً بلا أسماء … يقول لهم الرب: (من راسلته ابتليته بجميع البلاءات، ظاهرة وباطنة ومن لمسته جعلت العباد يبحثون عنه في كل مكان كي يكون وليهم، ومن قبّلته قطعتُ رأسه، ومن احتضنته أفنيته الى الأبد) قال: ( لم أصافح أحداً لأنه سيكون إياي). هؤلاء هم أهل العرفان الذين عشقوا الله وذابوا في كل معانيه و تجردوا من كل شيء من أجل الحضور والرؤيا والفناء بالمعنى الأسمى. انهم المجانين الذين يتطلعون الى عقل لا يغيب، فكيف نصف هؤلاء و الصفات حجب إنتهكوها والأسماء عبارات تجاوزوها؟
انهم كلمات الله التي لا تنفد. | |
|
| |
| الفكر الصوفى عند النفرى_وليد عبد الله | |
|