إنها النسخ الكونية التي ينسخها ربها ليأت بخير منها أو مثلها ..
والناسخ الراسخ صلى الله عليه وآله وسلم .
كما نسخ كل الشرائع نسخ أيضاً كل الجمال ليظهر بجمال كمال الرجال ..
إنه النسخة الناسخة .. والأصل الأجّل .. فكما قال عن ربه لمّا سُئِلَ : نورٌ أنّى أراه .. قال عنه صحابته : نورٌ أنى نراه ...
هو هو الناسخ للكل .... الأصل والظل ..
فسراجه أسرج ... وباهاؤه أبهى وضياءه أضوى ... وشمسه أزهر ونوره أنور .. وهذه صفات النسخة الكاملة ولا أقل ..
وهذا يوسف الجميل أخو نبينا .. كانت بليته الأولى ومحنته البادئة أعجابه بحُسن رؤياه ولهذا سارع بأن تلاها على أبيه عليه السلام .. فلمّا قص على أبيه الفهيم .. قال له بقلب الأب الرحيم يا بني لا تقصص ..
وهنا نرى يعقوب الأب الرحيم ذهب سريعا لحسن التدبير ....
قالوا : لو ركن لحسن التسليم لكان أولى وأنجى ..
فنظرة الأب بعين المعرفة أخوفته على الإبن الحبيب ... فكان ما كان من هذا الأمر العجيب .. وكأن يعقوب النبي عليه السلام يلقن الأبناء ما أنتووه فقال : وأخاف أن يأكله الذئب .. هو ذئب الحسد الذي خافه على يوسف النبي ..
والوصية النبوية بعدم إفشاء سر الرؤيا لزوم ما يلزم من مقام الإجتباء بالرسالة والنبوة والخلق الحَسن والحُسن : " وَكَذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ "
وهذا الإجتباء له في قصتنا فنون وألوان : أما ترى أن ربه صرف عنه كيدهن .. وقال له إخوته في نهاية قصته الشريفة إنّا كنّا خاطئين .. وجعله صادق الرؤيا ..
ناهيك عن :
سطوع أنوار قدسه وجمال أنسه .. ورهيف حسه ونفسه ... وتمكينه في الأرض .. وتأويله الأحاديث ... ورزقه الرسالة والنبوة .. وصونه وطهارته .. وحسن صبره على إخوته ... وترك الإنتقام منهم .. وعظيم محبة أبيه إليه .... وكريم شريف نسبه ..... فضلاً عن لطف صحبته لأصدقاءه وأعدائه ... إلى آخر مظاهر جلاء الإجتباء ... وسرادقات الإصطفاء ..
ولو لم تكن من آية ليوسف عليه السلام سوى معرفته بمكر النفس .. وصنوفه للأمارة منها لكفاه .. كيف لا وفي قصته آية : إن النفس لأمارة بالسوء ..
غير أننا نرى أن آيات السائلين لها أن ترى عصمة الجميل الذي أعطاه ربه الجمال .... فأبى أن يستهلكه في معصية .. فضلا عن تسرية قصته عن كل محزون ومكروب ما أن يسمعها حالا أو استقبالا ..
وتبدأ القصة بحرب بين الفراسة والحسد .. بين من يرى ومن يضمر .. بين الملهم المهتم المحزون وبين من أرادوا أن يخلوا لهم وجه أبيهم .. ولباس المكر هنا هو : إنّا له لناصحون ... وهذا هو محل امتحانهم .. وميزان عملهم ... فهم بين الرحمة الشفوقة وبين جب الحسد الغائر في النفس البشرية الأمارة ... إنها مكائد النفس ...
قال بعضهم رجع يعقوب الى نفسه فى ثلاث مواطن فابتلى فيها :
قال ليوسف : لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ... فكادوا له .
قال : واخاف ان يأكله الذئب ... فقالوا : أكله الذئب .
قال لهم : لا تدخلوا من باب واحد ... فأصابهم فى ذلك ما حذرهم منه .
وللأصل والظل بقية نكملها إن شاء الله بعد حين
الدرويش