قوله صلى الله عليه وسلم : (( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات .... الخ )) اختلف العلماء في حد الحلال والحرام ، فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : الحلال مادل الدليل على حله . وقال الشافعي رحمه الله : الحرام ما دل الدليل على تحريمه .
قوله صلى الله عليه وسلم :(( وبينهما أمور مشتبهات )) أي بين الحلال والحرام أمور مشتبهة بالحلال والحرام ، فحيث انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة .وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فلا يجب البحث عن ذلك ، بل ولا يستحب ،ويكره السؤال عنه .
قوله صلى الله عليه وسلم :((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )) أي طلب براءة دينه وسلم من الشبهة . وأما براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الإثم وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف ن مواقف التهم )).. وعن علي رضي الله عنه أنه قال : إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره، فرب سامع نكراً لا تستطيع أن تسمعه عذراً.
وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال :
((إذا أحدث أحدكم في الصلاة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف )) وذلك لئلا يقال عنه أحدث .
قوله عليه الصلاة والسلام:(( فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام )) يحتمل أمرين : احدهما أن يقع في الحرام وهو يظن أنه ليس بحرام . والثاني : أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما يقال : المعاصي بريد الكفر .لأن النفس إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر منها ،قيل : وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : { ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }. [آل عمران:112]. يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل الأنبياء .
وفي الحديث :(( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده )).
أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة ، والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في الأرض المباحة فمن رعى حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخلاف ما إذا رعى إبله بعيداً من الحمى .واعلم أن كل محرم له حمى يحيط به ، فالفرج محرم وحماه الفخذان لأنهما جعلاً حريماً للمحرم ، وكذلك الخلوة بالإجنبية حمى للمحرم ، فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحرَّم، فالمحرم حرام لعينه، والحريم محرم لأنه يتدرج به إلى المحرم .
قوله صلى الله عليه وسلم :(( ألا وإن في الجسد مضغة )) أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح، وإذا طمحت طمحت الجوارح وإذا فسدت فسدت الجوارح . قال العلماء : البدن مملكة والنفس مدينتها،و القلب وسط المملكة ،و الأعضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة ، والعقل كالوزير المشفق الناصح به ، والشهوة طالب أرزاق الخدام،و الغضب صاحب الشرطة ، وهو عبد مكار خبيث، يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل ،و دأبه أبداً منازعة الوزير الناصح ، والقوة المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن ، والقوة المفكرة في وسط الدماغ، والقوة الحافظة في آخر الدماغ ، واللسان كالترجمان ،و الحواس الخمس جواسيس ، وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات ، فوكل العين بعالم الألوان ، والسمع بعالم الأصوات ،وكذلك سائرها فإنها أصحاب الأخبار ، ثم قيل : هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه ، وقيل : إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها النفس ، فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية ، وإنما يحصل صلاحه بسلامته من الأمراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور، وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الأربعين ، عافانا الله منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم .