{تبارك الذي بيده الملك} الملك عالم الأجسام كما أن الملكوت عالم النفوس, ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الازدياد في العلوّ والبركة, وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس, الآية:] كلاًّ بما يناسبه, لأن العظمة والازدياد والبركة تناسب الأجسام, والتنزّه يناسب المجرّدات عن المادة. فمعنى تبارك: تعالى وتعاظم الذي يتصرّف في عالم الملك بيد قدرته, لا يتصرّف فيه غيره, فبيده كل ما وجد من الأجسام لا بيد غيره يصرّفها كما يشاء {وهو} القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء, فإن قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال: إنه مقدوره لأنه ممكن.
{الذي خلق الموت والحياة} الموت والحياة من باب العدم والملكة, فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية ولو اضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه ان يكون له وعدم الملكة ليس عدماً محضاً بل فيه شائبة الوجود وإلا لم يعتبر فيه المحل القابل للأمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعل الغرض من خلقهما بلاء الإنسان في حسن العمل وقبحه, أي: العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلم الذي يظهر على المظاهر الإنسانية بعد وقوع المعلوم, فإنه ليس إلا علم الله الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لأن الحياة هي التي يتمكن بها على الأعمال والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهر آثار الأعمال كما أن الحياة يظهر بها أصولها وبهما تتفاضل النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلاك والنجاة. وقدّم الموت على الحياة لأن الموت في عالم الملك ذاتي والحياة عرضية.
{وهو العِزِيز} الغالب الذي يقهر من أساء العمل {الغَفُور} الذي يستر بنور صفاته من أحسن.
---
{ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }
{الذي خلق سبع سماوات طباقاً} نهاية كمال عالم الملك في خلق السموات لا ترى أحكم خلقاً وأحسن نظاماً وطباقاً منها. وأضاف خلقها إلى الرحمن لأنها من أصول النعم الظاهرة ومبادىء سائر النعم الدنيوية, وسلب التفاوت عنها لبساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضاً وحسن انتظامها وتناسبها, ونفي الفطور لامتناع خرقها والتئامها وإنما قال: {ثم ارجع البصر كرّتين} لأن تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقق الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفسد إلا الخسوء والحسور تحقق الامتناع, وما أتعب من طلب وجود الممتنع.
{ولقد زيّنا السماء الدنيا} من السموات المعنوية, أي: العقل الإنساني {بمصابيح} الحجج والبينات {وجعلناها رجوماً} لشياطين الوهم والخيال {وأعتدنا لهم عذاب} سعير الاحتجاب في قعر الطبيعة والهويّ في هاوية العالم الجسماني والبرزخ الغاسق الظلماني أو السماء المحسوسة التي هي أقرب إلينا من السماء العقلية بمصابيح الكواكب, {وجعلناها} بحيث ترجم بها النفوس البعيدة عن عالم النور لظلمة جواهرها بملازمة الغواسق الجسمانية المخالفة بجواهرها الخبيثة عن الجواهر المقدّسة التي غلب عليها ظلمة الكون وشدّة الرين وتكدّرت بمباشرة الشهوات الطبيعية وتلوّثت بألواث التعلقات الجسمانية وامتزجت بها فترسخت فيها الهيئات الظلمة وتغيرت عن طباعها فتأثرت بتأثيرات الأجرام العلوية كلما اشتاقت بسنخها إلى عالمها, ورجمتها روحانيات الكواكب وطردتها إلى جحيم العالم السفلي وألزمتها مجاورة الهياكل المناسبة لهيئاتها وملازمة البرازخ المشاكلة لطباعها وألقتها في عذاب تضادّ الطبائع وسعير استيلاء طبائع تلك الغواسق.
---
{ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ * إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
{وللّذين} حجبوا عن ربّهم عامة سواء الشياطين الذين هم في غاية البعد والمنافاة وقوة الشرّ وغيرهم من الضعفاء المحجوبين الذي ليسوا في غاية الشرارة {عذاب جهنم} أي: العالم السفلي الغاسق المضادّ بطبعه لعالم النور {وبئْس المصير} ذلك المهوى المظلم المهين المحرق {إذا ألقوا فيها سمعوا} لأهلها الأصوات المنكرة المنافية لأصوات الأناسيّ والروحانيين أو لأنفسهم فإنهم يصطرخون فيها بأصوات الحيوانات القبيحة المنظرة المنكرة الصوت {وهي تفور} تغلي عليهم وتستولي وتعلو.
{تكاد تميز من الغيظ} أي: تتفارق أجزاؤها من شدّة غلبة التضاد عليها وشدّة مضادتها لجواهر النفوس. ولعمري إن شدّة منافرة الطباع بعضها بعضاً تستلزم شدّة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق, فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجرد وأصل فطرة النفس يشتدّ غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا الله من ذلك.
والخزنة هم النفوس الأرضية والسماوية الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفوذ من الجحيم بحجة تكذيب الرسل ومنافاة عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بالله وكلامه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلها عن الله معارفه وآياته ودلائل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النور وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير.
{إنّ الذين يخشون ربّهم} بتصور عظمته غائبين عن الشهود الصفاتي في مقام النفس بتصديق الاعتقاد {لهم مغفرة} من صفات النفس {وأجر كبير} من أنوار القلب وجنة الصفات أو الذين يخشون ربّهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القرب وأجر كبير من أنوار الروح وجنة الذات {إنه عليم بذات الصدور} لكون تلك السرائر عين علمه, فكيف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسوّاها وجعلها مرائي أسراره {وهو اللطيف} الباطن علمه فيها, النافذ في غيوبها {الخبير} بما ظهر من أحولها, أي: المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطناً وظاهراً لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية.
{ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ارْضَ ذَلُو فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ * ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ارْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَانُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْء بَصِيرٌ }
{تبارك الذي بيده الملك} الملك عالم الأجسام كما أن الملكوت عالم النفوس, ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الازدياد في العلوّ والبركة, وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [يس, الآية:] كلاًّ بما يناسبه, لأن العظمة والازدياد والبركة تناسب الأجسام, والتنزّه يناسب المجرّدات عن المادة. فمعنى تبارك: تعالى وتعاظم الذي يتصرّف في عالم الملك بيد قدرته, لا يتصرّف فيه غيره, فبيده كل ما وجد من الأجسام لا بيد غيره يصرّفها كما يشاء {وهو} القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء, فإن قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال: إنه مقدوره لأنه ممكن.
{الذي خلق الموت والحياة} الموت والحياة من باب العدم والملكة, فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية ولو اضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه ان يكون له وعدم الملكة ليس عدماً محضاً بل فيه شائبة الوجود وإلا لم يعتبر فيه المحل القابل للأمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعل الغرض من خلقهما بلاء الإنسان في حسن العمل وقبحه, أي: العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلم الذي يظهر على المظاهر الإنسانية بعد وقوع المعلوم, فإنه ليس إلا علم الله الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لأن الحياة هي التي يتمكن بها على الأعمال والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهر آثار الأعمال كما أن الحياة يظهر بها أصولها وبهما تتفاضل النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلاك والنجاة. وقدّم الموت على الحياة لأن الموت في عالم الملك ذاتي والحياة عرضية.
{وهو العِزِيز} الغالب الذي يقهر من أساء العمل {الغَفُور} الذي يستر بنور صفاته من أحسن.
{ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }
{الذي خلق سبع سماوات طباقاً} نهاية كمال عالم الملك في خلق السموات لا ترى أحكم خلقاً وأحسن نظاماً وطباقاً منها. وأضاف خلقها إلى الرحمن لأنها من أصول النعم الظاهرة ومبادىء سائر النعم الدنيوية, وسلب التفاوت عنها لبساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضاً وحسن انتظامها وتناسبها, ونفي الفطور لامتناع خرقها والتئامها وإنما قال: {ثم ارجع البصر كرّتين} لأن تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقق الحقائق وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفسد إلا الخسوء والحسور تحقق الامتناع, وما أتعب من طلب وجود الممتنع.
---
{ولقد زيّنا السماء الدنيا} من السموات المعنوية, أي: العقل الإنساني {بمصابيح} الحجج والبينات {وجعلناها رجوماً} لشياطين الوهم والخيال {وأعتدنا لهم عذاب} سعير الاحتجاب في قعر الطبيعة والهويّ في هاوية العالم الجسماني والبرزخ الغاسق الظلماني أو السماء المحسوسة التي هي أقرب إلينا من السماء العقلية بمصابيح الكواكب, {وجعلناها} بحيث ترجم بها النفوس البعيدة عن عالم النور لظلمة جواهرها بملازمة الغواسق الجسمانية المخالفة بجواهرها الخبيثة عن الجواهر المقدّسة التي غلب عليها ظلمة الكون وشدّة الرين وتكدّرت بمباشرة الشهوات الطبيعية وتلوّثت بألواث التعلقات الجسمانية وامتزجت بها فترسخت فيها الهيئات الظلمة وتغيرت عن طباعها فتأثرت بتأثيرات الأجرام العلوية كلما اشتاقت بسنخها إلى عالمها, ورجمتها روحانيات الكواكب وطردتها إلى جحيم العالم السفلي وألزمتها مجاورة الهياكل المناسبة لهيئاتها وملازمة البرازخ المشاكلة لطباعها وألقتها في عذاب تضادّ الطبائع وسعير استيلاء طبائع تلك الغواسق.
{ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ * إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
{وللّذين} حجبوا عن ربّهم عامة سواء الشياطين الذين هم في غاية البعد والمنافاة وقوة الشرّ وغيرهم من الضعفاء المحجوبين الذي ليسوا في غاية الشرارة {عذاب جهنم} أي: العالم السفلي الغاسق المضادّ بطبعه لعالم النور {وبئْس المصير} ذلك المهوى المظلم المهين المحرق {إذا ألقوا فيها سمعوا} لأهلها الأصوات المنكرة المنافية لأصوات الأناسيّ والروحانيين أو لأنفسهم فإنهم يصطرخون فيها بأصوات الحيوانات القبيحة المنظرة المنكرة الصوت {وهي تفور} تغلي عليهم وتستولي وتعلو.
{تكاد تميز من الغيظ} أي: تتفارق أجزاؤها من شدّة غلبة التضاد عليها وشدّة مضادتها لجواهر النفوس. ولعمري إن شدّة منافرة الطباع بعضها بعضاً تستلزم شدّة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ والحنق, فتلك المهواة لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور والجوهر المجرد وأصل فطرة النفس يشتدّ غيظها عليها وتحرقها بنار غضبها أعاذنا الله من ذلك.
---
والخزنة هم النفوس الأرضية والسماوية الموكلة بعالم الطبيعة السفلية وسؤالهم اعتراضهم ومنعهم إياها عن النفوذ من الجحيم بحجة تكذيب الرسل ومنافاة عقائدها لما جاءت به ومعاندتها إياهم وعدم معرفتها بالله وكلامه وصممها عن الحق وانتفاء سماعها وعدم عقلها عن الله معارفه وآياته ودلائل توحيده وبيناته فإنهم لو سمعوا وعقلوا لعرفوا الحق وأطاعوا فنجوا وخلصوا إلى عالم النور وجوار الحق فما كانوا في أصحاب السعير.
{إنّ الذين يخشون ربّهم} بتصور عظمته غائبين عن الشهود الصفاتي في مقام النفس بتصديق الاعتقاد {لهم مغفرة} من صفات النفس {وأجر كبير} من أنوار القلب وجنة الصفات أو الذين يخشون ربّهم بمطالعة صفات العظمة في مقام القلب غائبين عن الشهود الذاتي لهم مغفرة من صفات القرب وأجر كبير من أنوار الروح وجنة الذات {إنه عليم بذات الصدور} لكون تلك السرائر عين علمه, فكيف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسوّاها وجعلها مرائي أسراره {وهو اللطيف} الباطن علمه فيها, النافذ في غيوبها {الخبير} بما ظهر من أحولها, أي: المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو بالحقيقة باطناً وظاهراً لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالهذية والحقيقة بالشخصية.
{ هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ارْضَ ذَلُو فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ * ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ارْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَانُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْء بَصِيرٌ }
---
{هو الذي جعل لكم} أرض النفس {ذلولاً فامشوا} بأقدام الفطرة في أعالي صفاتها وأعز أطرافها وجهاتها وأقهروها مذللة {وكلوا من رزقه} الذي ينال من جهتها أي: العلم المأخوذ من الحسّ وهو الأكل من تحت الأرجل المشار إليه بقوله: {لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [المائدة, الآية:] {وإليه النشور} بالعروج إلى مقام الولاية وحضرة الجمع.
{أأمنتم} الذي قهر سلطانه سماء الروح وبهر نوره شمس العقل بالتأثير والتنوير {أن يخسف بكم} أرض النفس بأن يحركها ويقلبها عليكم فتقهركم وتستولي عليكم فتذهب بنوركم وتهلككم وتجعلكم أسفل سافلين {فإذا هي} تضطرب عالية طياشة لا قرار لها ولا طمأنينة بالسكينة لما في طباعها من الطيش والاضطراب {أم أمنتم} ذلك العالي القهار {أن يرسل عليكم} حاصب صفات النفس ولذاتها وشهواتها المستعلية بريح الهوى عل القلب في جوّ الأماني والآمال فيهلككم هلاك المكذبين الذي تحرّكت نفوسهم بقهر من الله فاحتجبوا بظلماتها عن نور هداية الرسل فخسفوا ومسخوا وكان من حالهم ما يتعجب منه, وعاينوا ما أنذروا به من المنكر الفظيع.
{أو لم يروا إلى} طير المعارف والحقائق والإشراقات النورية والمعاني القدسية {فوقهم} في سماء الروح {صافات} أنفسهنّ مترتبة متناسق فيها {ويقبضن} عن النزول إلى القلب {ما يمسكهنّ إلاذَ الرحمن} المسوّي للاستعداد, المهيىء لقبولها, المودع إياها فيها, المرتب لها بسعة رحمته الواسعة الشاملة لكل ما خلق وقدر, المعطية كل شيء خلقه. وما يرسلهنّ إلا الرحيم المفيض لكل ما قدّر من الكمال بحسب الاستعداد المظهر لكل ما دبر في الغيب من المعاني والصفات {إنه بكل شيء بصير} في مكمن غيبه فيعطيه ما يليق به ويسوّيه بحسب مشيئته ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته ثم يهديه إليه بتوفيقه.
{ أَمَّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَانِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ * أَمَّنْ هَاذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِى عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَابْصَارَ وَافِْدَةَ قَلِي مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَاذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَانُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين }
{أمّن هذا الذي هو جند لكم} أي: من يشار إليه ممن يستعان به من الأغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسايط فيقال: {هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن} فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية أو يحصل لكم ما منع ولم يقدّر لكم أو يمنع م أصابكم به وقدّر عليكم {إن} المحجوبون الذين ستروا نور فطرتهم {إلاّ في غرور} بالوسايط.
{أمن} يشار إليه منها فيقال: {هذا الذي يرزقكم إن أمسك} الرحمن {رزقه} المعنوي أو الصوري {بل لجوا في عتوّ} أي: عناد وطغيان لمضادّتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه ومنافاتهم النور بظلمة نفوسهم {ونفور} أي: شراد لبعد طباعهم ونبوّها عنه.
{أفمن يمشي مكبّاً على وجهه} متنكساً بالتوجه إلى الجهة السفلية ومحبته للملاذ الحسيّة وانجذابه إلى الأمور الطبيعية {أهدى أمّن يمشي سوياً} منتصباً على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التي لا يبلغ كنهها ولا يقدر قدرها ولما فرّق بين الفريقين الضالين والمهتدين الموحدين. أشار إلى توحيد الأفعال بقوله: {قل هو الذي أنشأكم} وذكر من أفعاله الإبداء والإعادة وبيّن أنّ المحجوبين مع اعترافهم بالإبداء منكرون للإعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه, ويعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يجيرهم منه ما احتجبوا به من الحق ونسبوا التأثير إليه لعجزه وانتفاء قدرته ولا الرحمن لأنهم لم يتكلوا عليه برؤية جميع الأفعال منه ونفي التأثير عن الغير فلم يؤمنوا به الإيمان الحقيقي ولذلك عرّض بكفرهم وشركهم بقوله: {هو الرَّحمن آمنا به وعليه توكلنا} أي: لم نتوكل على غيره لأنّا شاهدنا الحضرة الرحمانية التي تصدر عنها الأشياء كلها فمنعنا ذلك الإيمان الحقيقي نسبة الفعل إلى الغير فهو يجيرنا دونكم, والله أعلم.
سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والارادة والقدرة