[ مبحث كسنـزاني ] : مفهوم السلاسل في التصوف الإسلامي
إن مفهوم لفظة السلسلة في اللغة هو التتابع والاتصال ، ولهذا أخذ الصوفية هذه اللفظة ليعبروا بها تتابع الاتصال الروحي بين مشايخ الطريقة الواحدة عبر الزمان ، فظهرت مصطلحات ( السلسة الصوفية ) و ( سلسلة مشايخ الطريقة ) وما إليها . ولعل هذه اللفظة جاءت في مقابل لفظة ( التواتر ) النقلي لحديث أو حدث معين عند أهل الحديث وغيرهم التي لا تشترط الاتصال الروحي .
الحلقة الأولى للسلاسل الصوفية :
كانت الحلقة الروحية الأولى التي أسسها حضرة الرسول الأعظم وصارت قاعدة عامة ترجع إليها كل حلقات السلاسل الصوفية هي الرابطة الروحية بينه وبين الإمام على ، وذلك عندما صرح حضرته بأن الإمام علي هو باب مدينة علمه ، فهذا الحديث أشار وبشكل جلي إلى أن الإمام علي هو طريق الوصول إلى الرسول .
وفي حديث ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) . جعل حضرة الرسول تسليم المسلمين بحقيقة القرب الروحي للإمام علي واجبة في حياته وبعد انتقاله .
كان توجيه حضرة الرسول المسلمين إلى اتخاذ الإمام علي وسيلة إليه هو البذرة الأولى لظهور مفهوم ( سلسلة الطريقة ) ، حيث أن السبب الذي جعل الرسول يترك من يخلفه بين الناس بالرغم من كونه حياً في عالم الروح هو حاجة الناس إلى مرشد موجود في عالم الظاهر . فكما أن الناس العاديين يحتاجون النبي الذي يتلقى الوحي الإلهي ويعلمه لهم ، لأنهم ليسوا في مرتبة روحية تمكنهم من تلقي وحي الله وإدراكه ، فإنهم كذلك يبقون في حاجة إلى مرشد في عالم الظاهر يسمعونه ويرونه بحواسهم ، يعلمهم ما قد تعلمه هو بفضل مكانته الروحية وقربه من الله والرسول . لذا نجد أنه كما أورث الرسول الإمام علي علومه الروحية قبل أن يفارق هذا العالم ، وأمر كل من يريد الوصول إلى حضرته أن يبتغي طريقه من خلال الإمام علي ، كذلك فعل الإمام فيما بعد إذ أورث علومه الروحية وجعل الطريق إليه ، وهو الطريق إلى الرسول يمر من خلال ورثة هذه العلوم . وهكذا سار مشايخ الطريقة على خطى الرسول ، فكان كل شيخ يورث علومه الروحية لمن يرى فيه أهلية لأن يكون شيخ الطريقة بعده . إن ارتباط كل شيخ بالشيخ الذي سبقه وصولاً إلى حضرة الرسول هو الذي يسمى بـ : سلسلة مشايخ الطريقة .