حكاية الملك العاشق و الجارية الحسناء العاشقة والولي الطبيب والصائغ المشهور كتاب المثنوي معنوي الجزء الأول
كتاب المثنوي الجزء الاول مولانا جلال الدين الرومي المولوي ترجمة د محمد عبد السلام
عشق ملك لإحدى الجواري وشراء الملك هذه الجارية
36 - كان هناك ملك في سالف الزمان ، دان له ملك الدنيا وملك الدين .
37 - وذات يوم ركب هذا الملك مع خواصه من أجل الصيد .
38 - فرأى جارية على الطريق السلطاني ، فصارت روحه أسيرة لهذه الجارية .
39 - وحين وقع طير روحه في القفص ، دفع المال واشترى تلك الجارية . .
40 - فلما اشتراها ، وقر بها عيناً ، أصابها القضاء بالمرض .
41 - لقد كان لديه حمار لا سرج له ، فلما وجد السرج أكل الذئب الحمار !
42 - وكان لديه إناء ولكن لا سبيل له إلى الماء ، فلما وجد الماء انكسر !
43 - فجمع الملك الأطباء من كل حدب وصوب ، وقال لهم : إن روح كلينا في أيديكم .
44 - فأما روحي فيسيرة ، ولكن هذه الجارية روح روحي ، وأنا مريض عليل وهي دوائي .
45 - ف?ل من أجری علاجاً لروحي ، نال ?نزي و دري و مرجاني .
46 - فقالوا جميعاً له : إننا سوف لا نبالي بأرواحنا ، وسوف تجمع أفهامنا ، ونتعاون معاً ( لإدراك تلك الغاية ) .
47 - ف?ل واحد منا مسیح العالم ، ول?ل ألم دواء عندنا .
48 -وكان من غرورهم أنهم لم يقولوا : إن شاء الله ، فأظهر لهم الله عجز البشر .
49 - إن ترك تقديم المشيئة غرورا ، عندي قسوة "في القلب" ، ولست أعني به مجرد القول الذي هو حالة عارضة .
50 - فكم من متكلم لا يأتي في قوله بعبارة "إن شاء الله" ومع هذا فروحه مقترنة بروح تلك العبارة .
51 - ف?ل ما صنعوه علاج ودواء ، كان یزید من الألم ولا يتحقق الشفاء .
52 - فأصبحت هذه الجارية من المرض في نحول الشعرة ، وكانت عينـا الملك تفيضان كالنهر بالدموع الدامية .
53 - وشاء القدر أن یزید مزيج الخل والعسل من الصفراء ، و یزید الاستثناء زيت اللوز من يبوسة الجوف.
54 وسببت الهليلة القبض للجارية –وهي التي تسبب الاطلاق-وأصبح الماء يزيد من حرارتها كأنه نفط.
كيف ظهر للملك عجز الحكماء عن معالجة الجارية
و كيف توجه الملك الى حضرة الله تعالي
55 - و لما رأى الملك عجز هؤلاء الحكماء ، جري عاري القدمين نحو المسجد.
56 – ودخل المسجد واتجه نحو المحراب ، وابتل مكان السجود بما جري من دمعه.
57 – فلما أفاق من الغرق في لجة الفناء، أطلق لسانا جميلا بالمدح و الثناء.
فقال :
58 – يا من أقل عطائه ملك الدنيا! ماذا أقول و انت تعلم السر وأخفي؟
59 – يا من هو علي الدوام ملجؤنا عند الحاجة ، إنا ضللنا السبيل مرة أخري.
60 – و لكنك أنت قد قلت : إنني أعرف سرك، فسارع إلي إعلانه.
61 – فلما ارتفع الصياح من أعماق روحه ، جاش بحر العطاء.
62 - وبينما هو يبكي غلبه النوم ، فرأى في النوم شيخاً يظهر أمامه .
63 - وقال له الشيخ : أيها الملك ! أبشر فإن حاجتك سوف تقضي ، اذا جاءك في الغد رجل غریب من عندنا.
64 - فحينما يجيئك فهو حكيم حاذق ، فاعلم أنه صادق ، لأنه أمين صادق .
65 - فانظر السحر المطلق في علاجه ! وتأمل قدرة الحق في مزاجه ! (۱).
66 - فلما طلع النهار وحان الموعد ، وبزغت الشمس من المشرق فاختفت النجوم .
67 - كان الملك يجلس في البهو منتظراً ، ليرى ( مصداق ) ما أظهر له من السر.
68 - فرأى شخصاً فاضلاً أصيلاً ، كان كأنه شمس بین الظلال .
69 - ?ان يقترب من بعید ?انه الهلال ، وكان لرقته كأنه غير موجود ،فقد كان وجوده مثل الخيال .
70 - إن الخيال في الروح مثل العدم ، ( ومع هذا ) فلتنظر إلى هذا العالم ، كيف أنه يدور على الخيال !
71 - فعلى الخيال يقوم. ما بين الناس من صلح أو صراع ، ومن الخيال ما يعده الناس فخراً وما يعدونه عاراً .
72 - ولكن هذه الخيالات التي هي حبائل للأولياء ، ليست إلا صورة للحسان في بستان الله .
73 - وذلك الخيال - الذي رآه الملك في النوم – كان على الدوام يتجلى في طلعة ضيفه .
74 - فتقدم الملك إلى مكان الحجاب ، ومثل أمام ذلك الضيف الذي جاء من الغیب .
75 - كان كل منهما سباحاً عالمياً : فاتصلت روحهما دون رابطة مادية .
76 - وقال له : إنك كنت معشوقي لا تلك الجارية ! لكن الأمور يظهر بعضها بعضاً في هذه الدنيا .
77- يا من أنت لي كالمصطفى وأنا كعلي ،هأنذا أربط حزامي وأقف أمامك للخدمة.
الدعاء الى الله ولي التوفيق أن يوفقنا لرعاية الأدب
في جميع الاحوال وبيان وخامة الاضرار التي تنجم عن فقدان الأدب
78 - إنا نرجو من الله أن يوفقنا للأدب ، فإن من لا أدب له يبقى ، محروماً مر لطف الرب.
79 - إن من لا أدب له لا يقتصر أذاه على نفسه ، وإنما هو يشعل النار في جميع الآفاق .
80 - لقد ?انت مائدة تنزل من السماء بدون عناء ، و بدون بيع أو شراء ".
81 - ولكن جماعة من بين قوم موسى قالوا بوقاحة : أين الثوم . . . والعدس ؟.
82 - فانقطع عنهم خبز السماء ومائدتها ، وبقي لهم عناء الزراعة والكدح بالفأس والمنجل .
83 - ولكن عندما شفع عيسى لدى الحق ، أرسل لهم الخوان والغنيمة على الطبق .
84 - فعاد أهل الوقاحة إلى ترك الأدب ، وتخاطفوا الطعام كتكالب الشحاذين .
85 - فناداهم عيسى قائلاً : إن هذه المائدة دائمة ، ولن ينقطع ورودها ... إلى الأرض ".
86 - إن سوء الظن والحرص – أمام مائدة العظيم – كفر .
87 - لقد أغلق باب الرحمة على الناس من جراء هؤلاء الذين بدوا كتكالب الشحاذين وقد أعماهم الحرص .
88 - إن السحب الممطرة لا تجيء إذا منعت الزكاة ، ومن الزنا يقع الوباء في جميع الجهات.
89 - فكل ما أصابك من ظلمات وغم ليس إلا نتيجة التبجح والتوقح .
90 - و?ل من أبدی توقحاً في طریق الحبیب ، فهو قاطع طريق الناس ، ولا رجولة عنده .
91 - فمن الأدب أمتللاً بالنور الفلك ، ومن الأدب صارت العصمة والط?ر صفات الملك.
92 - ومن الآيات كان كسوف الشمس ، ومن الاستكبار طرد عزازيل عن الباب .
لقاء الملك للطبيب ولي الله الذي بُشير بلقائه في المنام
93 - فتح الملك ذراعيه وعانق الضيف ، ووقع في قلبه وروحه إحساس كأنه العشق .
94 - فأخذ يقبل يده وجبينه ، ويسأله عن المقام والطريق .
95 - و قاده وهو يسأله إلى صدر المجلس ، وقال : لقد وجدت آخر الأمر ?نز لقاء صبري .
96 - ثم قال : يا هدية الحق ويا دافع الحرج ! ويا من هو معنى ( الصبر مفتاح الفرج ) !
97 - یا من لقاؤ? جواب ل?ل سؤال !!نلك قد حلت مش?لتی ?دون قيل وقال !
98 - إنك الترجمان لكل ما في قلوبنا ، وإنك الآخذ بيد من زلت في الطين قدمه.
99- مرحباً يا مجتبى يا مرتضی …. إن تغب جاء القضاء ضاق الفضاء.
100 - أنت مولى القوم من لا يشتهي ….. قد رَدَی كَلاَ لئن لم ينته.
كيف أدخل الملك الطبيب إلى المريضة ليرى حالها
101 - وحين انقضى هذا المجلس وانفض خوان الكرم ، أمسك بيده وقاده إلى مقر الحريم .
هذا البيت والذي يليه كتبه مولانا بالعربية في الأصل
102 - وقص عليه قصة المريضة وعرضها ، ثم أجلسه بعد ذلك أمام المريضة .
103 - ففحص لون وجهها ونبض?ا وقارورت?ا ، واستمع إلى وصف عوارض مرضها وأسبابه
104 - وقال : ان ?ل ما قدموه من علاج لم ی?ن سبیلاً لشفاء ، بل هم قد زادوها مرضاً.
105 - أنهم لم ی?ونوا على علم بحال باطنها ، أعاذنا الله ما يفترون .
106 - لقد رأى العلة و ان?شف له ما ?ان خافیاً ، ول?نه أخفي الأمر على السلطان ، ولم يقل شيئاً .
107 - فلم تكن علتها من السوداء ولا الصفراء ، فإن رائحة كل حطب تظهر في دخانه.
108 - لقد رأى من أنينها أنها مريضة القلب ، وأن الجسم بخير ولكنها اسيرة القلب.
109 - فإن العشق يظهر في أنين القلب ، وليس هنـاك عرض مثل مرض القلب.
110 - وإن علة العاشق لمتميزة عن سائر العلل ، فالعشق هو أسطرلاب أسرار الله .
111- وإذا كان العشق من هذا الجانب أو ذاك ، فإنه في عاقبة الأمر يهدينا إلى تلك الناحية .
112 - وكل ما أقوله في شرح العشق وبيانه ، أخجل منه عندما أواجه العشق ذاته .
113 - فإن كان تفسير اللسان ينير السبيل ( لمعرفة الحقيقة ) ، فإن العشق – بدون اللسان – أفصح من أي بيان .
114 - فبينما القلم مندفع في الكتابة ، إذا به ينشق على نفسه حين جاء إلى العشق !
115 - والعقل في شرح العشق مثل حمار نام في الوحل ، فالعشق نفسه هو الذي يشرح لنا العشق وفعله .
116 - إن الشمس هي دليل الشمس ، فإذا كنت بحاجة إلى الاهتداء بها فلا تحول وجهك عنها .
117 - وإن كان الظل يقدم لك علامة لهذه الشمس ، فإن الشمس الخالدة تلقی عليك نوراً روحياً.
118 - والظل مثل السمر يأتيك بالنوم ، وحين تطلع الشمس ينشق القمر.
119 - ولیس في هذه الدنیا غریب مثل الشمس . و شمس الروح باقية لا أمس لها .
120 - والشمس الظاهرة – وإن كانت فريدة – فإننا نستطيع أن نتصور مثيلاً لها .
121 - أما شمس الروح التي خرجت من الأثير ، فليس لها في الذهن ولا في العالم الظاهري نظیر.
122 - وأين التصور الذي يتسع لذاتها حتى يكون من المستطاع تصور مثلها .
123 - وحين جاء حدیث وجه شمس الدين حجبت شمس السماء الرابعة وجهها .
124 - و ما دام اسمه قد ذ?ر ، فقد وجب علينا اُن نقوم بشرح رمز من إنعامه .
125 - فهذا الشذى قـد جذب انتباه روحي ، إذ وجدت فيه رائحة قميص يوسف.
126 - فبحق الصحبة ( التى جمعتكما ) سنين ، اذكر لنا حالاً من أحواله الطيبة .
127 - حتى تضحك الأرض والسماء ( في نشوة ) ، وتزداد قدرة العقل والروح والعين مائة مرة .
128 - لا تكلفني فإني في الفنا ….. كلت أفهامي فلا أحصي ثنا
129 - كل شيء قاله غير المفيق …. إن تكلف أو تصلف لايليق
130 - وماذا أقول ، وليس في عرق واع ،ليشرح حال ذلك الرفيق الذي لا ند له.
131 - فدع شرح هذا الهجران ، وحديث القلب الدامي إلى وقت آخر .
132 - قال أطعمني فإني جائع ….. واعتجل فالوقت سيف قاطع
133 - فالصوفي ابن الوقت أيها الرفيق ، وليس قولك "غداً" ، من شرط الطريق.
134 - أم لعلك لست برجل صوفي ، فالنسيء يجعل الموجود كالعدم .
135 - فقلت له إن الأفضل ستر سر الحبيب ، فلتُصغ إلى المغزي الذی تنطوی علیه القصة .
136 - وخير لنا أن يجيء سر الأحبة في حديث الآخرين .
137 - فقال محدثي حدیثاً م?شوفاً عاریاً لا غلائل فوقه ، يا أبا الفضائل !
138 - و ارفع النقاب وبح بالقول ، فإنى لا أخلو بالحبيبة وهي مرتدية قيصها .
139 - قلت إنه لو ظهر عريان للعيان ، فلن تبقى أنت ولا جانباك ولا وسطك .
140 - فلتكن ذا أمل ولكن قف عند حد في أملك ، فإن القشة لا تستطيع أن تحتمل الجبل .
141 - فهذه الشمس التي تضيء العالم لو اقتربت منه قليلاً لأحرقت كل ما فيه .
142 - فلا تبحث عن الفتنة والثورة وإراقة الدماء ، ولا تقل أكثر من هذا عن شمس تبریز .
143 - فهذا الحديث لا آخر له ، فلتبدأ القول من جديد وتتم هذه القصة .
كيف طلب الطبيب الولي من الملك أن يتيح له الخلوة
مع الجارية حتى يدرك مرضها
144 - قال الحكم : أيها الملك أخلى المنزل ، وأبعد الأقارب والأجانب .
145 - ويجب ألا تكون في الدهليز أذن تسمع حتى أسأل هذه الجارية عن أشياء.
146 - فبقيت الدار خالية “ لیس دیار سوى الطبيب والمريضة .
147 - وقال الطبيب بلطف ورقة للمريضة : لا إلى أي بلدة تنتمين ؟ إن العلاج يختلف باختلاف البلاد .
148 - ومن لك من الأقرباء في تلك المدينة ؟ وبمن لك قرب واتصال ؟
149 - ووضع يده على نبضها ، وأخذ يوجه إليها السؤال بعد السؤال عن جور الدهر .
150 - إن الإنسان إذا مـا أصابت قدمه شوكة ، فإنه يضع قدمه فوق ر?بته .
151 - ويظل يفتش بحد الإبرة عن رأس الشوكة ، فإذا لم يجدها يبللها بريقه .
152 - فإذا كانت شوكة في القدم تسبب هذه الشدة، فما بالك بشوكة في القلب؟ ألا فلتجب !
153 - ولو كان كل خسيس يرى الأشواك التي تصيب القلوب ، لما استطاعت الهموم أن تصيب إنساناً .
154 - لو وضع شخص شوكة تحت ذيل حمار ، فإن الحمار لا يستطيع دفع ذلك ، فيقفز .
155 - ويظل يقفز فتزداد الشوكة إيغالا ، فلا بد من عاقل لينتزعها .
156 - ويظل الحمار - لشدة ألمه وتحرقه - يضرب الأرض بسيقانه للخلاص من تلك الشوكة ، فيجرح نفسه في مائة موضع.
157 - وقد كان هذا الحكيم مقتلع الأشواك أستاذاً ، فمـد يده وأخذ يفتش عن مكان الداء .
158 - لقد ظل يستفسر بطريق الحكاية من هذه الجارية عن أحبتها .
159 - فباحت للحكيم بقصص عن مقامها وسادتها ومدينتها وضواحيها .
160 - فكان يصغي إلى القصة التي ترويها بأذنيه ، بينما هو قد ألقى انتباهه إلى نبضها ، وفحص ضرباته .
161 - حتى إذا اضطرب نبضهآ عند ذكر اسم ( علم أن ) صاحبه غاية روحها في هذا العالم .
162 - فعددت أصدقاءها في بلدتها ، ثم ذ?رت بعد هذا مدینة آخری .
163 - فسألها الحكيم : كيف خرجت من مدينتك ؟ وفي أية بلدة طالت إقامتك ؟
164 - فذ?رت اسم مدینة ، ول?نها مرات بذ?رها دون أن یتغیر لون وجهها أو نبضها .
165 - وعادت تتحدث عن السادة وعن البلاد واحدة إثر أخرى ( ذاكرة ) الأماكن والخبز والملح .
166 - وأخذت تحدثه عن المدن واحدة واحدة ، وتروي له خبر المنازل منزلاً منزلاً ، فلم يضطرب لها عرق ، ولا اصفر وجه .
167 - نبضها لا ینبیء بشيء عن سوء حالها ، حتى سألها عن سمرقند الحلوۃ ?الس?ر .
168 - فاضطرب نبضها ، وأخذ وجهها يحمر ويصفر ، إذ أنها كانت قد فارقت صائغاً من سمرقند .
169 - وعندما أدرك الحكيم هذا السر من المريضة ، عرف أصل الألم والبلاء.
170 - و قال : أين محلة هذا الصائغ ؟ فقالت : إنه ( يس?ن ) علم رأس الجسر بمحلة غاتفر .
171 - فقال الحكيم : لقد عرفت السر في مرضك ، ولن ألبث حتى أظهر في علاجك منه ألوان السحر .
172 - فاهنئي واطمئني وقري عیناً ، فاني صانع بك ما تصنعه الأمطار بالمروج .
173 - ولسوف أحمــل همك فلا تغتمي ، فإني أكثر إشفاقاً عليك من مائة أب .
174 - ولكن حذار أن تذيعي هذا السر لإنسان ، حتى ولو أكثر الملك سؤالك ، والاستفسار منك .
175 - فإنه إذا أصبح قلبك مقبرة لسرك ، عجل ذلك بتحقيق مرادك .
176 - فقد قال الرسول : إن كل من أخفى سره سرعان ما يتحقق له مراده » .
177 - والبذور عندما تختفي تحت الأرض ، تصبح هي السر في اخضرار صفحة البستان .
178 - وكيف كان الذهب والفضة ينضجان في المنجم لو لم يختفيا في جوف الثرى . ؟
179 - ولقد جعلت وعود الح?يم و ألطافه هذه الجارية آمنة من الخوف .
180 - فالوعود الصادقة تلقى قبولاً من القلب ، وأما الوعود الكاذبة فتبعث الهم في النفس.
181 - ووعد أهل ال?رم نقد متداول ، وأما وعد اللئام فعناء للروح .
182 - بعد ذلك نهض الح?يم ، وتوجه إلى الملك ، وأخبره ببعض ما جرى .
183 - وقال : التدبير الآن هو أن نحضر هذا الرجل من أجل علاج هذا المرض .
184 - فلتدع الصائغ من هذا البلد البعيد ، و لتدخل الغرور إلى نفسه بما تهبه من ذهب وخلع .
كيف أوفد الملك الرسل إلى سمرقند لإحضار الصائغ
185 - فأرسل الملك إلى تلك الجهة رسولاً أو رسولين ، حاذقين من أهل الكفاية والعدل .
186 - وجاء هذان الرسولان إلى سمرقند من أجل الصائغ الظريف الفاضل .
187 - وقالا للصائغ : أيها الأستاذ اللطيف الكامل المعرفة ! لقد ذاعت في المدائن صفاتك !
188 - إن فلاناً الملك اختارك لتكون صائغاً عنده ، لأنك رجل عظيم !
189 - فإليك هذه الخلعة وهذا الذهب والفضة، وحينما تجيء إلى حضرته فسوف تصبح رفيقاً له ونديماً .
190 - ورأى الصائغ المال والخلع الكثيرة ، فاغتر بها وفارق أهله وأبناءه.
191 - ومضى الرجل إلى الطريق سعيداً ، وما عرف أن الملك قد قصد قتله .
192 - فر?ب جواداً عربیاً وأسرع به فرحاً ، فعلم ( فما بعد ) أن الخلعة كانت ثمناً لحياته.
193 - فيا من مضيت في سفرك وأنت تشعر بمائة رضى ، لقد سعيت بقدمك تحو سوء القضاء ؟!.
194 - ?ان في خیاله الملك والعز والعظمة ، فقـال عزرائیل : ( اذهب فسوف تنال ذلك حقاً ! ) .
195 - وعندما وصل من السفر هذا الرجل الغريب ، أحضره الطبيب أمام الملك .
196 - لقد جيء به معززاً إلى الملك ، حتى يحترق أمام شمعة طراز .
197 - فلما رآه الملك ، بالغ في تعظيمه ، وأسلم إليه خزائن الذهب .
198 - وقال الحكيم للملك : أيها السلطان العظيم ! أنعم بتلك الجارية على هذا السيد .
199 - حتى يحسن حال الجارية في وصاله ، ويدفع ماء وصله تلك النار عنها ! ) به
200 - فوهب الملك الصائغ تلك الجارية الحسناء ، وجمع بين هذين الذين كانا ينشد ابن الصحبة .
201 - فلبثا يشبعان رغبتهما ستة أشهر ، حتى غدت تلك الفتاة في كامل صحتها
202 - وبعد هذا ،أعد الطبيب للصائغ شربة شربها "الصائغ"، فأخذ يضمحل أمام الجارية .
203 - وعندما ذهب المرض بجماله ، لم تعد روح الجارية عليلة بهواه .
204 - فلما أصبح دمیماً قبیحاً أصفر الوجه ، أخذت نار قلبها تنطفيء رویداً رویداً.
205 - إن العشق الذي لا يكون إلا من أجل نضارة اللون ليس بعشق ، وعاقبته سوء السمعة والعار !
206 - فليته كان كله قبحاً ، حتى لا يجري عليه هذا الحكم السيء .
207 - كان الدم ينهمر من عيني الصائغ اللتين كانتا تفيضان كالنهر . إن وجهه غدا عدواً لروحه ! .
208 - وهكذا كان جناح الطاووس عدواً له . وكم من ملك قتلته أبهته !
209 - فقال الصائغ : إني أنا ذلك الغزال الذي أراق الصياد دمه من أجل فرائه.
210 - بل اني انا ثعلب الصحراء الذى ?نسوا له ، و قطعوا رأسه من أجل فرائه.
211 - بل إني ذلك الفيل الذي أراقت دمـه ضربة الصياد من أجل سنته العاجي !
212 - إن من قتلني من أجل ما هو دوني ، ليس يدري أن دمي لا يهدر !
213 - فاليوم علي وغد عليه ، وإلا فمتى كان دم مثلي يذهب هدراً ؟
214 - فالجدار إذا كان يلقى على الأرض ظلاً طويلاً فإن هذا الظل يرتد نحوه .
215 - وهذا العالم جبل ، وأما أعمالنا فنداء ، ولا بد أن يعود إلينا صدى يوم ندائنا.
216 - قال هذا ، لفظ النفس الأخير ، ومضى تحت التراب ، فخلصت تلك الجارية من الألم والعشق .
217 - ذلك لأن عشق الموتى لا دوام له ، فالميت ليس بعائد إلينا .
218 - أما عشق الحي فيبدو للروح والعين في كل لحظة أنضر من الزهر !
219 - فاختر لنفسك عشق ذلك الحي ، فإنه باق ، وهو الذي يسقيك . شراباً مزید من قوة روحك .
220 - أختر عشق من وجد الأنبياء بعشقه القوة والمجد .
221 - ولا تقل : « ليس لنا سبيل إلى ذلك الملك ) فإن التعامل مع ال?رماء لا عسر فیه .
بیان أن قتل الصائغ وإعطاءه السم بإشارة إلهية وليس نتيجة
لهوى النفس والتأمل الفاسد
222 - ان قتل هذا الرجل بید الح?يم لم ی?ن بدافع من طمع و لا و جل .
223 - وهو لم يقتله مرضاة للملك ، وإنما قتله عندما جاءه أمر الله وإلهامه .
224 - فإن قطع الخضر حلق الغلام لأمر لا يدرك سره عامة الخلق .
225 - ف?ل من یلتقی من الله الوحي و الجواب ، ی?ون ?ل ما يأمر به عين الصواب .
226 - فالذي يهب الروح يجوز له أن يقتل ، وهذا الحكيم نائب عن الواهب ویده ید الله" .
227 - فضع رأسك أمامه مثل إسماعيل ، وأسلم الروح على خنجره فرحاً ضاح?ا .
228 - حتى تبقى روحك ضاحكة إلى الأبد مثل روح أحمد الطاهر ( في حضرة ) الأحدية .
229 - إن العشاق يشربون كؤوس الفرح حينما يقتلون بأيدي الملاح .
230 - والملك لم يرق هذا الدم من أجل شهوته ، فدع عنك سوء الظن والجدل .
231 - إنك تظن أنه صنع فعلاً آثماً ، ولكن متى كانت التصفية تدع غشاً فيما تنشد له حالة الصفاء ؟ .
232 - ولمثل تلك الحال كانت الرياضة النفسية ،وكانت المعاملة الخشنة ،فهي ?ال?ور تنقي الفضة ما علق بها من شوائب .
233 - ومن أجلها كان الامتحان الذي يميز بين الطيب والخبيث ، فهو كالنار التي تخلص الذهب من الزبد !
234 - ولو لم يكن فعله هذا من إلهام الإله ، لكان كلباً ضارياً لا ملكاً .
235 -فهذا الملك ?ان منزها عن الشهوة والحرص والهوى ،و قد صنع خيرا كان ظاهره الشر.
236 - فإذا كان الخضر قد خرق السفينة في البحر ، فقد كان في عمله هذا مائة صواب .
237 - وقد خفي هذا على وهم موسى ، مع كل ما كان له من نور وفضل ، فلا تطير أنت بلا جناح .
238 - ( إن فعلة الملك تلك ) وردة حمراء ، فلا تسمها دماً ! و هذا الملك سكران بالحكمة فلا تقل إنه مجنون !
239 - فإذا كان هذا الملك قد قصد بفعله هذا إراقة دم مسلم ، فأنا كافر لو ذ?رت اسمه !
240 - فإن العرش يهتز إذا مدح الشقي ، ويسوء بهذا المدح ظن التقى .
241 - اقد ?ان مل?اً ، و?ان واسع الإدراك . وقد كان من الخاصة ، خاصة الله .
242 - وإن الشخص الذي يقتله ملك مثل هذا ، يكون ماً له الى الحظ" السعيد ، و الجاه الرفيع .
243 - فلو ، ی?ن الملل قد رأى أن نفع هذا الرجل في قهره ، ف?یف ی?ون هذا اللطف الطلق باحثاً عن القهر ؟
244 - إن الطفل يرتعد أمام إبرة الحجام ، ولكن الأم المشفقة يسعدها مثل هذا الألم .
245 - فهو يأخذ نصف حياة ، ويعطي بدلاً منه مائة حياة ، بل هو يعطي ما ليس يخطر لك في بال .
246 - إنك تتخذ من نفسك مقياساً للأمور ، ولهذا وقعت بعيداً ، بعيداً ، فتعمق في تأملك .
.