حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
[ حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس ]
بقية حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس في حديقة مجهولة ،
فوجد المحبوب نفسه في الحديقة فأخذ من فرحته يدعو للعسس
بالخير ويقول عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
40 - كنا نقول أن ذلك الشخص أسرع « 2 » نحو الحديقة خوفا من العسس .
- كان تلك الجميلة في الحديقة ، تلك الجميلة التي كان من تعلقه بها في عناء طيلة ثمان سنوات .
- ولم يكن خلالها يمكنه رؤية ظلها . كان يستمع إلي وصفها وكأنها العنقاء .
- لم يكن ثم لقاء إلا اللقاء الأول الذي قضي به عليه ، ومن بعده سلبت منه القلب .
- ومهما كان يسعى بعد ذلك ، لم تكن تلك العنود تمنحه فرصته « اللقاء » .
45 - لم تكن له حيلة لا بالضراعة ولا بالمال ، وكانت تلك الهيفاء « 3 » شبعة العين لا طمع عندها .
..............................................................
( 1 ) المقصود الكتاب الثالث .
( 2 ) حرفيا : ساق الفرس .
( 3 ) حر : الغصن
« 47 »
- إن العاشق لكل عمل ولكل مجال ، يذيقه الله بعض متعته في بدايته .
- وعندما يبدأون في السعي مدفوعين بهذه ( المتعة ) ، يضع أمام أقدامهم عقبة كل يوم .
- وعندما ألقي بهم في « معمعة » البحث عن الأمر ، أغلق الباب بعدها قائلا : هاتوا المهر .
- وعلي ذلك الأمل « 1 » يمضون ويذهبون ، يتنازعهم اليأس والرجاء في كل لحظة
50 - إن لكل إنسان أملا في كسب ما ، ورجاء في أمر يفتح له باب الرزق .
- ثم يغلق الباب ، وذلك العابد للباب ، مقيم علي نفس ذلك الأمل كمن لسعت النار قدمه .
- وعندما دخل ذلك الشاب البستان سعيداً ، عثر قدمه فجأة في كنزه .
- لقد جعل الله العسس سببا ، حتى يسرع خوفاً منهم إلي البستان ليلا .
- فرأي محبوبته تلك وهي تمسك بمصباح ، وتبحث عن خاتم لها في جدول البستان .
55 - ومن فرط سعادته أخذ يقرن تلك اللحظة الدعاء للشرطة بالثناء علي الحق .
- يا إلهي : لقد جلبت الخسارة علي الشرطي بهربي . . . فصب عليه الذهب والفضة عشرين ضعفا .
- وخلصه يا إلهي من صنعة الشرطة التي يقوم بها ، وأسعده بقدر ما أنا سعيد .
..............................................................
( 1 ) حر : الرائحة .
« 48 »
- أسعده في الدنيا والآخرة . وخلصه يا إلهي من صنعة العسس ومن صفاته الكلبية .
- وبالرغم من العسس بطبعهم يا إلهي يطلبون البلاء للخلق علي الدوام .
60 - ولو علمو أن الملك قد فرض علي المسلمين غرما ، ينتفخون من السعادة .
- ولو علموا أن الملك أشفق علي المسلمين وأسقطه جوداً منه .
- فإن مأتما يصيب روحهم من جراء ذلك . . إن العسس يتصفون بمئات من أمثال هذا الشؤم .
- وهكذا أخذ يدعو للعسس . . فإن العسس هو الذين أو صلوه إلي مثل هذه المتعة .
- كان سما بالنسبة للناس جميعا وترياقا بالنسبة له . . كان ذلك الشرطي صلة لذلك المشتاق .
65 - ومن هنا ، فليس هناك شر مطلق في هذه الدنيا ، إعلم إذن أن الشر نسبي .
- ولا يكون أبداً سم وسكر في وقت واحد لا يكونان قوة لأحد وقيداً لآخر .
- فما يكون قوة لأحد يكون قيداً لآخر ، يكون سما بالنسبة لأحد ولآخر كأنه السكر .
- وسم الحية يكون حياة لتلك الحية ، لكنه بالنسبة للإنسان موت .
- والبحر بالنسبة لأحياء البحر كالحديقة ، لكنه لمخلوقات الأرض موت ومصيبة .
70 - وهكذا دواليك يا رجل العمل عد نسبة الأمر الواحد من شخص واحد إلي ألف .
« 49 »
- فزيد الذي يكون في رأي ذلك الشخص شيطانا ، يكون في رأي شخص آخر سلطانا .
- يقول ذاك : زيد صديق سني ، ويقول هذا : بل مجوسي جدير بالقتل .
- وزيد ذات واحدة لكنه كالجنان بالنسبة لإنسان ، وبالنسبة لآخر أذي مستمر وخسارة .
- فإذا أردت أن يكون بالنسبة لك كالسكر فانظر إليه بعين عشاقة .
75 - ولا تنظر إلي ذلك الجميل بعينيك ، بل انظر إلى المطلوب بعين الطالبين .
- وأغمض عينيك بالنسبة لهذا الجميل ، واستعر عينا من عشاقه .
- بل استعر منه عينا ونظرا ، وانظر بعينيه هو إلي وجهه .
- حتى تصير آمنا من الشبع « منه » والملال ، ومن هنا قال ذو الجلال « كان الله له » .
- أي أكون له عينا ويدا وقلبا ، حتى ينجو إقباله من « أنواع » الإدبار .
80 - وكل مكروه حبيب وخليل ما دام قد صار دليلا لك إلي محبوبك .
حكاية لك الواعظ الذي كان يقوم في بداية كل موعظة
بالدعاء للظلمة وقساة القلوب والملحدين .
- كان هناك أحد الوعاظ كلما كان يصعد المنبر . . كان يقوم بالدعاء لقطاع الطرق .
- وكان يرفع يديه قائلا : اللهم ارحم الأشرار والمفسدين والطغاة .
- وكل الساخرين من أهل الخير ، وكل الكفار وسكان الدير .
- لم يكن يدعو للأصفياء ، كان كل دعائه للخبثاء .
85 - فقيل له : إن هذا ليس بالأمر المعهود ، والدعاء ، لأهل الضلال ليس منك بالجود
« 50 »
- فقال : لقد رأيت منهم الخير ، ولهذا السبب أدعو لهم .
- لقد ارتكبوا كثيراً من الخبائث والمظالم والجور ، بحيث ألجأوني من الشر إلي الخير
- وكلما كنت أنصرف إلي الدنيا . كنت أتلقي منهم الضربات والطعنات .
- فكنت اتنحي عن الطعنات إلي ذلك الجانب ، كان الذئاب هو الذين يعيدوننى إلي الجادة .
90 - ولما كانوا صناع السبب في صلاحي . . فالدعاء لهم واجب علي أيها الأريب .
- إن العبد يجأر بالشكوي إلي الحق من الألم ومن الوخز ، ويقدم مائة شكوي من الألم الذي يعانيه .
- فيقول الحق : إن التعب والألم في النهاية ، قد جعلاك متضرعا وقاما بتقويمك .
- فاشك من تلك النعمة التي تردك عن بابنا وتجعلك بعيداً ومطروداً .
- وفي الحقيقة فإن كل عدو هو دواء لك هو كيمياء ، بالنسبة لك ، نافع لك مواس لك .
95 - فإنك تنطلق هاربا منه نحو الخلوة . . وتطلب العون من اللطف الإلهي .
- والحقيقة أيضا أن أصدقاءك أعداء لك ، إنهم يبعدونك عن الحضرة ويشغلونك عنها .
- وهناك حيوان اسمه العزيراء ، إنه يزداد سمنة وضخامه عندما يضرب بالعصي .
- أنه يتحسن ما دمت تضربه بالعصي ، أنه يزداد سمنة بضربات العصي .
« 51 »
- ويقينا إن نفس المؤمن كالعزيراء ، إنها قوية سمينة بطعنات الألم .
100 - ولهذا السبب ، فمن بين كل خلق الدنيا ، يكون التعب والبلاء أكثر انصبابا علي الأنبياء .
- بحيث صارت أرواحهم أقوي من كل الأرواح ، فلم يبتل مثل هذا البلاء قوم آخرون .
- والجلد يتمدد من عقار البلاء ، ويصير لينا كأنه الأديم الطائفي .
- وإن لم يكن قد عولج بالمر والملح ، لتعفن ولصار سيئا نجسا .
- فاعلم أن للإنسان جلدا غير مدبوغ ، صار من الرطوبات قبيحا ثقيلا .
105 - فعالجة بشدة بالمر والملح ، حتى يصير طاهرا لطيفا ذا بهاء .
- وإن لم تستطع ، فارض أيها العيار ، ولو ابتلاك الله بلا اختيار .
- فإن البلاء من الحبيب تطهير لكم ، وعلمه أعلي من تدبيركم .
- فعندما ينظر إلي الصفاء يكون البلاء حلوا ، ويطيب الدواء عندما يكون المرء ناظرا إلي الصحة .
- إنه يري نفسه منتصرا في عين الهزيمة ، فيقول إذن أقتلوني يا ثقات .
110 - لقد كان هذا الشرطي نفعا بالنسبة لغيره ، لكنه بالنسبة لنفسه صار مردودا .
- لقد قطعت عنه رحمة الإيمان ، والتف حوله الحقد الشيطاني .
- فصار منبعا « 1 » للغضب والحقد ، وأعلم أن الحقد هو أصل الضلال والكفر .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مصنع .
« 52 »
سؤال أحدهم عيسى عليه السلام :
ما هو أشد شئ من بين شدائد الحياة ؟
- قال أحد الأذكياء لعيسي عليه السلام : ما هو أشد شئ في الوجود ؟
- أجاب : أيها العزيز ، أن غضب الله هو أشد ما في الوجود ، إن الجحيم مثلنا تماما يرتعد منه .
115 - قال : فماذا يكون الأمان من غضب الله ؟ قال : ترك غضب النفس في التو واللحظة .
- ومن ثم فإن الشرطي الذي صار منبعاً « 1 » لهذا الغضب ، جاوز غضبة القبيح هذا السباع .
- فأي أمل له في الرحمة إلا أن يرجع ذلك الذي لا فضل له عن هذه الصفة .
- فبالرغم من أنه لابد للعالم من وجودهم ، فإن هذه الفكرة نفسها لجديرة بالإلقاء بهم في الضلال .
- فلابد للعالم أيضاً من وجود المراحيض ، لكن تلك المراحيض لا تكون ماء معينا .
هم العاشق بالخيانة وزجر المعشوق له
120 - عندما رآها ذلك الرجل الساذج وحيدة ، سرعان ما هم بتقبيلها ومعانقتها .
- فزجرته تلك الحسناء زجرا شديدا قائلة : لا تتقدم أيها الوقح واحفظ الأدب .
- قال : نحن في خلوة آخرا ولا وجود لأحد ، والماء موجود ، وأنت ظامئة مثلي .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : منجم .
« 53 »
- إن أحد لا يتحرك هنا ، ولا حركة إلا للريح ، من الذي يوجد ومن الذي يمنع هذا الانبساط ؟
- قالت : لقد كنت أبله ، أنت أبله ولم تسمع من العقلاء .
125 - إنك إن رأيت الريح تتحرك ، فأعلم أن هنا أيضا محركا للريح وسائقا للريح .
- إن مروحة التصريف وهي من صنع الله ، ساقها علي هذه الريح فهي تحركها .
- فإن جزء الرياح الذي هو في حكمنا . . لا يتحرك ما لم تحركه المروحة .
- وإن حركة هذه الرياح الجزئية أيها الساذج . . لا تحدث بدونك وبدون المروحة .
- وحركة ريح النفس الذي في الشفة ، تابع تصريف الروح والبدن .
130 - حينا تجعل النفس مدحاً ودعوة ، وحينا تجعل النفس هجاءً وشتما .
- إذن فاعلم أحول الرياح الأخري ، فإن أولي النهى يرون الكل عندما يرون الجزء .
- فالحق يجعل الريح حين ربيعا ، وهو يعريها من هذا اللطف في الشتاء « 1 » .
- ويجعل الرياح صرصرا علي قوم عاد ، ثم يجعلها معطرة على قوم هود .
- ويجعل من ريح السموم سما زعافا ، كما يجعل من رياح الصبا مباركة طيبة .
135 - ولقد جعل رياح النفس أساسا لك ، حتى تقيس عليها كل ريح .
..............................................................
( 1 ) حرفياً : شهر ديماه وهو يوافق ديسمبر ويناير .
« 54 »
- لا يتحول النفس إلى كلام دون لطف أو قهر ، فهو علي قوم شهد ، وعلى آخرين سم .
- وهو محرك المروحة من أجل الإنعام علي أحد ، لكنها تكون من أجل قهر كل بعوضة وذبابة .
- ولماذا لا تمتلئ مروحة التقدير الإلي من الامتحان والابتلاء .
- ما دامت الرياح الجزئية الموجودة في النفس ، لا تكون إلا في نفع أو ضر .
140 - وهذه الشمال وهذه الصبا وهذه الدبور ، كيف تكون بعيدة عن اللطف والانعام ؟
- فانظر من الأهراء إلي كف من القمح ، وأفهم أن كل القمح يكون علي نفس النسق .
- فكل الريح من برج الهواء السماوي ، فكيف تنطلق دون مروحة ذلك الذي يزجى السحاب ؟ !
- وعلي رأس البيدر عند التذرية ، ألا يطلب الفلاحون من الحق أن يزجي الرياح ؟
- وذلك من أجل أن يقوموا بفصل القمح عن التبن ، حتى ينقلوه إلي المخازن والأهراء .
145 - وعنما تتأخر هذه الرياح في هبوبها ، تراهم جميعا يضرعون إلي الله .
- وهكذا في الطلق وهو ريح الولادة ، إن لم تهب ، يرتفع صوت الأم بالاستغاثة .
- فإذا كانوا لا يعلمون أنه هو الذي يزجي الرياح ، فما تلك الضراعة منهم .
- وأولئك الذين يركبون السفين يطلبون الريح ، كلهم يطلبونها من رب العباد .
« 55 »
- وأيضا بالنسبة لآلام الأسنان الحادة ، تقوم بدفعه بالحرقة والاعتقاد .
150 - وأولئك الجنود أيضا متضرعون إلي الله ، قائلين : سق ريح الظفر يا ولي التوفيق !
- كما أنهم يطلبون رقعة بالتعويذ عند آلام الطلق عند المرأة من كل عزيز .
- ومن ثم فكل الناس عرفوا يقينا . . أن رب العالمين هو الذي يرسل الرياح .
- وتعلم عقل كل عالم علي سبيل اليقين . . إن كل متحرك لابد من محرك يكون معه .
- فإذا كنت لا تراه ظاهرا ، فافهم وجوده بظهور آثاره .
155 - إن الجسد يتحرك بالروح وأنت لا تري الروح ، لكن اعرف الروح من حركة الجسد .
- قال « العاشق » : إذا كنت أبله فيما يختص بالأدب ، فأنني ماهر وذكي في الوفاء والطلب .
- قالت : إن الأدب إذن هو ما شوهد منك ، أما الآخر فأنت تعلمه أيها المجادل «1» .
قصة ذلك الصوفي الذي ضبط زوجته مع غريب
- جاء أحد الصوفية إلي منزله نهاراً ، كان المنزل إذا باب واحد والزوجة مع إسكاف .
- لقد التحمت مع عاشقها تلك المرأة من وسواس الجسد ، وكان ذلك في تلك الحجرة .
..............................................................
( 1 ) يوجد بيتان بعد في نسخة يوسف بن أحمد المولوي :
هكذا كان أدبك وما خفي كان أفظع مما رأيناه علي وجه اليقين ، وكل ما ينضح من هذا الإناء فيما بعد ، سوف يكون علي هذا النمط بأجمعه « 4 / 38 »
كما يوجدان عند جعفري « 9 / 330 » .
« 56 »
160 - وعندما دق الصوفي الباب عند الضحي باصرار ، بقي كلاهما بلا حيلة ، ولا طريق « للفرار » .
- فلم يكن من المعهود أن يعود في ذلك الوقت « من النهار » من الدكان إلي الدار .
- فلا شك أنه عاد قاصداً ذلك اليوم ، ولعل شكا روعه ، فعاد إلى الدار .
- كان اعتماد المرأة علي أنه لم يعد من عمله إلي الدار في ذلك الوقت قط من قبل .
- ولم يصدق قياسها هذا من القضاء ، فبالرغم من أنه ستار إلا أنه يعطي الجزاء .
165 - فما دمت قد أسأت فخف ولا تكن آمنا . . ذلك أن « اساءتك » بذرة ينميها الإله .
- إنه يستر عدة مرات . . عل الندم يعتريك من هذا الذنب أو ( يحل بك ) الحياء .
- وفي عهد عمر رضي الله عنه ، سلم أمير المؤمنين لصا إلى الشرطة والجلاد .
- فصاح ذلك اللص : يا أمير الديار ، الأمان ! ! إن هذا أول جرم ارتكبه .
- فقال عمر « رضي الله عنه » : حاشا لله أن يقسو عليك في الجزاء وأنت في « فعلتك الأولى » .
170 - إنه يستر مرات من أجل إظهار الفضل ، ثم يأخذ من أجل إظهار العدل .
- وذلك حتى تظهر هاتان الصفتان ، تكون تلك بشيرة وهذه نذيرة .
- إن تلك المرأة كانت قد أتت الفاحشة مرات ، ومرت عليها هونا فكانت تبدو لها سهلة .
« 57 »
- لم تكن تعلم واهية العقل والقدم ، إنه ليس في كل مرة تسلم الجرة « 1 » .
- وعندما يريد أن يصيب المنافق بموت الفجاءة ، يقوم بتضييق القضاء عليه .
175 - فلا رفيق ولا طريق ولا أمان ، لقد مد ذلك الملاك يده نحو الروح .
- وهكذا ، فإن تلك المرأة وخدنها قد تيبسا من البلاء ، وهما في حجرة الجفاء تلك .
- فقال الصوفي لنفسه : سوف أنتقم منكما أيها الكافران ، لكن بصبر .
- لكن على أن أتظاهر بأنى لم الحظ شيئا هذه اللحظة ، حتى لا تصل الفضيحة إلى أسماع كل إنسان « 2 » .
- إنه ينتقم منكما خفية وبحق ، قليلا قليلا كما يكون مرض السل .
180 - فالمصاب بالسل ينقص في كل لحظة كأنه الثلج ، وهو يظن في كل لحظة أنه أفضل من اللحظة السابقة .
- إنه يكون كما الضبع يمسك به « الصيادون » ، وهو مخدوع بصياحهم : أين هذا الضبع ؟ !
- لم يكن هناك مخبأ لتلك المرأة ، لم يكن هناك دهليز أو سندرة أو طريق إلى السطح .
- لم يكن هناك فرن تختبئ فيه ، لم يكن هناك جوال يصلح أن يكون حجابا لها .
- كان « المكان » كأنه ساحة القيامة ، لا حفرة ولا تل ولا مهرب .
185 - لقد قال الله تعالى في وصف هذا المكان الحرج من أجل الحشر : لا ترى فيه عوجا ولا « أمتا » .
..............................................................
( 1 ) حر : ليس في كل مرة تعود الجرة سالمة من الجدول .
( 2 ) حر : حتى لا تسمع كل أذن هذا الجرس .
« 58 »
أخفاء المعشوق تحت الحجاب ، وتعلل المرأة بالحجج
مصداقا لقوله تعالي : إن كيدهن عظيم .
- لقد ألقت عليه حجابها السابغ سريعا ، وجعلت من الرجل امرأة وفتحت الباب .
- كان الرجل تحت الحجاب ظاهرا مفتضحا للعيان كأنه جمل على سلم « 1 » .
- قالت إنها سيدة من أكابر المدينة لها نصيب من المال والجاه .
- ولقد أغلقت الباب حتى لا يدخل غريب الدار في غفلة منا أو منه .
190 - قال الصوفي : أية خدمة لها هنا حتى أؤديها لها دون انتظار لشكر أو منة ! !
- قالت : إنها تطلب « القرب » والمصاهرة ، وهي سيدة طيبة والله أعلم بها .
- أرادت أن ترى ابنتا بحيث لا تراها هي ، واتفق أن البنت موجودة في « الكتاب » .
- ثم قالت لي : حتى وإن كانت دقيقا أو نخالة ، سوف أجعل منها عروسا بالروح والقلب .
- وإن لها ابنا ليس موجوداً في المدينة ، طيب وماهر وجلدٌ وحسن الكسب .
195 - قال الصوفي : نحن فقراء ومساكين وفي قلة « من الأهل » ، وأهل السيدة أغنياء محترمون .
..............................................................
( 1 ) في نسخة نيكلسون : جمل على سلم ، وفي نسخة المولوي : جمل على قناة والأول أصح لأنه مثل فارسي .
كما يوجد بعده بيت عند المولوي وجعفري وعند استعلامى :
قال الصوفي عجبا ما هذا أنني لم أر هذه قط فمن تكون ؟ ! مولوى : 4 / 32 . جعفري 9 / 350 . استعلامى 4 / 17 .
« 59 »
- فمتى تكون هذه كفؤا لهم في الزواج ؟ ! أيكون مصراع باب من خشب وآخر من عاج ؟ ! !
- ينبغي أن يوجد التكافؤ بين الزوجين في النكاح ، وإلا ضاق بهما الحال ولما بقي ارتياح ! !
قول المرأة أنها لا تفكر في الجهاز بل مرادها الستر والصلاح
وجواب الصوفي على هذا الأمر كناية
- قالت : لقد أخبرتها بهذا العذر ، قالت : لست من هؤلاء اللاتي يبحثن عن الجهاز .
- نحن ملولون من الذهب والمال متخمون بهما ، ونحن لسنا كالعوام حريصين على الجمع والكنز .
200 - إن هدفنا هو الستر والطهر والصلاح ، فبهذه الأمور يكون الصلاح في الدارين .
- فكرر الصوفي اعتذارة بالفقر ، كرر هذه الأمر وزاد فيه حتى لا يبقى شئ خفيا .
- قالت المرأة : لقد كررت القول في هذا المجال ، وقررت ألا يكون هناك جهاز .
- لكن رغبتها أكثر رسوخا من الجبل . . بحيث أنها لا تهتم لو كنا أشد فقرا من هذا بكثير « 1 » .
- إنها تقول : إن العفة هي مرادي ، والمقصود فيكم هو الصدق والهمة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائة ضعف .
« 60 »
205 - قال الصوفي : لقد رأت هي نفسها « جهازنا » ومالنا . . وترى منا ما « بطن وما ظهر » .
- والمنزل ضيق يسع فرداً واحداً . . ولا تخفى فيه إبرة .
- أما عن الستر والطهر والزهد والصلاح . فهي أكثر معرفة بها منا بشكل واضح .
- إنها تعرف أحوال الستر أفضل منا ، وما يتصل بالستر من وراء وقدام ومن أسفل ومن أعلى .
- إنها في الظاهر بلا جهاز ولا خادم . . وهي عالمة بصلاحها وسترها .
210 - وليس بالمتبع تفصيل القول في هذا الستر من الأب ، لأنه واضح لها وضوح النهار .
- لقد قصصت لك هذه الحكاية ، حتى تقلل من ادعائك عندما اتضح الخطأ الذي بدر منك « 1 » .
- وهو لك أيضا يا من أنت تتزيد في الدعوى ، هكذا كان اجتهادك وإعتقادك .
- كنت خائنا كزوجة الصوفي ، ونصبت شباك مكرك من أجل الاحتيال علىّ .
- بحيث أصبحت تخجل من كل ثرثار لم يغسل وجهه « ولا تستحى » من إلهك .
الغرض من تسمية الله سبحانه وتعالي بالسميع والبصير
215 - من أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه بصير ، لأن رؤيته إياك نذير لك في كل لحظة .
..............................................................
( 1 ) من هذا البيت يبدأ حوار المحبوبة مع عاشقها .
« 61 »
- ومن أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه سميع ، حتى تغلق شفتيك عن القول الشنيع .
- ومن أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه عليم ، حتى لا تفكر في الفساد خوفاً منه .
- وليست هذه بأسماء أعلام على الله ، فإن الأسود يتسمى بكافور .
- إن الاسم مشتق والأوصاف قديمة وليست سقيمة على مثال العلة الأولى .
220 - وإلا فمن قبيل السخرية والضحك والدهاء ، أن يسمى الأصم بسامع والضرير بضياء .
- أو أن يكون « حيى » علماً على وقح ، أو أن يسمى أسود قبيح ب - « صبيح » .
- أو أن يلقب طفيل وليد بالحاج ، أو أن تلقبه « بالغازى » من أجل أن يكون لك كنية « جيدة » .
- فإذا كانت هذه الألقاب تقال على سبيل المديح ، فما لم يتصف بها حاملها ويكون الأمر صحيحا ،
- تكون من قبيل السخرية أو الجنون ، وتعالى الحق عما يقوله الظالمون .
225 - لقد كنت أعرفك من قبل الوصال ، أنك حسن الوجة لكنك سئ الخصال .
- وكنت أعرفك قبل اللقاء إنك مجادل ومقيم على الشقاء .
- وعندما تحمر عيني عندما يصيبها داء أعرف ذلك من الألم دون أن أراها .
- وعندما رأيتني مثل حمل بلا راع ، ظننت أنه ليس هناك من يحرسني أو يحافظ علىّ .
- لقد أن العشاق الما من ذلك ، إنهم ألقوا أنظارهم إلى حيث لا يجب .
« 62 »
230 - لقد اعتبروا ذلك الظبي بلا راع ، واعتبروا ذلك السبي لهم بالمجان .
- وعندئذ أصابه سهم حاد في الكبد ، قائلا لهم : أنني أنا الحارس فقلل النظر جزافاً .
- فمتى أكون أقل من حمل أو أقل من شاة بحيث لا يكون هناك حارس خلفي ؟ !
- إني لي حارسا جديرا بملكه ، ويعلم حتى الريح التي تهب علىّ .
- وإن ذلك العليم ليس غافلا عن هذه الريح باردة كانت أو حارة وليس غائبا عنها أيها السقيم .
235 - والنفس الشهوانية صماء عن الحق عمياء عنه ، وكنت أرى بالقلب عماك عن بعد .
- ومن هنا لم أسالك طيلة ثمان سنوات عن أي شئ ، فقد وجدتك مليئا بالجهل والأعوجاج .
- وأي سؤال لي ممن هو في المستوقد عن حالة ما دام منكسا فيه ؟ !
مثال الدنيا كالمستوقد والتقوي مثل الحمام
- إن شهوة الدنيا على مثال المستوقد ، يكون حمام التقوى مشتعلًا منه .
- لكن نصيب المتقى من ذلك المستوقد هو الصفاء ، فهو موجود في الحمام وفي النقاء .
240 - والأغنياء مثل حملة البعر والقمامة ، من أجل إشعال النار عند الحمامي .
- لقد وضع الله الحرص في نفوسهم ، حتى يبقى الحمام رائجا معمورا .
- فاترك هذا المستوقد وأسرع نحو الحمام ، واعتبر أن ترك المستوقد هو « الذهاب » إلى عين الحمام .
« 63 »
- وكل من هو في المستوقد يكون كالخادم لكل من هو صابر وحازم .
- وكل من صارت سيماه في الحمام ، فإنما يبدو ذلك على وجهه الجميل .
245 - ومن هم في المستوقد أيضاً سيماهم واضحة ، من ملابسهم ومن الدخان ومن الغبار .
- وإذا كنت لا تراه فاذهب وشمه ، فالرائحة بمثابة العصا بالنسبة لكل ضرير .
- وإذا كنت لا تشم فجره في الكلام ، وأعلم السر القديم من الحديث الجديد .
- فيقول الوقاد صاحب الذهب : لقد حملت عشرين سلة من القمامة حتى الليل .
- وحرصك كأنه النار في الدنيا ، كل شعلة منها قد فتحت مائة فم .
250 - وهذا الذهب أمام العقل سئ وقذر كالبعر ، بالرغم من أنه كالبعر وقود النار .
- والشمس التي تحاكى النيران ، تجعل البعر الطري صالحا للنار .
- كما أن الشمس قد جعلت هذا الحجر ذهباً ، حتى تستعر النيران في مستوقد الحرص .
- وذلك الذي يقول : لقد جمعت مالا كثيراً فإن الذي يعنيه هو : إنني حملت قمامة كثيرة .
- وهذا الكلام بالرغم من أنه يزيد الفضيحة ، إلا أنه مجال الفخر بين الوقادين .
255 - فهذا يقول : لقد حملت ست سلال حتى الليل ، وذاك يقول : وأنا حملت عشرين سلة دون أدنى تعب .
« 64 »
- ومن ولد في المستوقد ولم ير النظافة ، فإن رائحة المسك تسبب له ألما شديدا .
قصة ذلك الدباغ الذي أغمي عليه ومرض في سوق العطارين
من رائحة العطر والمسك
- فقد أحدهم الوعي وانهار على الأرض ، عندما وصل إلى سوق العطارين .
- لقد أدارت رائحة العطر عند العطارين الكبار رأسة وسقط في موضعه .
- وسقط كالميتة غافلا بلا حس ، في رابعة النهار على قارعة الطريق .
260 - فتجمع الناس حوله في التو واللحظة ، محوقلين معالجين .
- أخذ أحدهم يدلك له صدره ، وأخذ آخر يرش عليه ماء الورد .
- وهو لا يدرى ما حدث من واقعة إنما حدث من وجود ماء الورد في هذا السوق .
- أخذ أحدهم يدلك يده ويمسح على رأسه ، وثالث أخذ يحضر الطين الطري المخلوط بالتبن .
- وكان أحدهم يخلط بخور العود بالسكر ، بينما يقوم آخر بتخفيف ملابسه عنه .
265 - ورابع يجس نبضه وكيف يدق ، وخامس يشم فمه .
- ليرى هل شرب خمراً أو أكل حشيشاً ، لقد عجز الخلق عن « معرفة السبب » في فقدانه الوعي .
- وسرعان ما طيروا الخبر إلى أهلة قائلين : إن فلانا قد سقط عن ذلك الموضع مهدما تماما .
« 65 »
- ولا يعلم أحدا به ، هل أصابه صرع ؟ ! أو ماذا حدث له حتى افتضح أمره هكذا ؟ ! « 1 » .
- وكان لذلك الدباغ العظيم أخ ذكى وماهر ، حضر على الفور .
270 - كان في كمه قليل من بعر الكلاب ، فشق صفوف الخلق وجاء في حنين .
- وقال : أنني أعلم سبب تعبه . . وعندما يعرف السبب يكون العلاج واضحا .
- وعندما يصبح السبب معلوماً لا يبقى إشكال في دواء الوجع ولو كان فيه مائة محمل .
- وما دمت قد علمت السبب فقد صار سهلا معرفة الأسباب التي صارت دافعة للجهل .
- وقال لنفسه : إن وجوده أي عروقه ومخه ، طية بعد طية « وقرت فيها » رائحة هذا البعر ، وبعر الكلب .
275 - إنه بين القاذورات حتى وسطه إلى الليل ، غريف في الدباغة طلبا للرزق .
- ومن هنا قال جالينوس العظيم ، أعط المريض ما تعود عليه .
- فمن خلاف العادة يأتية التعب ، فابحث عن دواء ألمه بما اعتاد عليه .
- لقد صار كالجعل من حمله للبعر ، ومن ماء الورد يصاب الجعل بالإغماء .
- ومن بعر الكلب يكون دواؤه ، فهو معتاد عليه مطبوع به .
280 - فاقرأ الخبيثات للخبيثين ، وأعلم ثانية ما ظهر من هذا الكلام وما بطن .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : سقط طسته من فوق السطح .
« 66 »
- إن الناصحين يعالجونه بالعنبر وماء الورد من أجل حل هذا الإشكال .
- والطيبات لا تتفق مع الخبيثين ، فهم ليسوا لائقين لها أو جديرين بها أيها الثقات .
- ولما كانوا منحرفين عن عطر الوحي ضالين عنه ، كانت صرختهم : أنا تطيرنا بكم .
- إن هذا المقال تعب ومرض بالنسبة لنا ، وليس وعظكم بطيب الفأل بالنسبة لنا .
285 - ولو أنكم بدأتم بالنصح علانية ، لرجمناكم في التو واللحظة .
- لقد سمنت أجسادنا على اللغو واللهو ، ولم نطبع أنفسنا على النصح والعظات .
- إن قوتنا هو الباطل والهذر واللهو ، ومن هذا البلاغ تصاب معداتنا بالهياج .
- إنكم تجعلون الألم مائة ضعف أو ما يزيد ، وتعالجون العقل « بإعطائه » الأفيون
معالجة أخ الدباغ للدباغ بالبعر خفية
- وأخذ ذلك الشاب يبعد الخلق عنه ، حتى لا يرى أولئك الأشخاص دواءه .
290 - وقرب رأسة في أذنه كأنه يفضى له بسر ، ثم وضع ذلك الشئ بين أنخريه .
- فقد كان في كفه مسحوق بعر الكلب ، كان قد رأى أنه علاج مخة الدنس .
- ومرت برهة وبدأ الميت في الحركة ، فقال الخلق : لقد كانت هذه تعويذة مدهشة .
« 67 »
- لقد قرأ هذا « الشاب » تعويذة ونفخ بها في أذنه ، وكان ميتا ، وأنقذته هذه التعويذة .
- إن حركة أهل الفساد تكون في تلك الناحية التي يكون فيها الزنا والغمز بالعيون وتحريك الحواجب .
295 - وكل من لا يجدى فيه مسك النصيحة ، لا جرم أنه جدير بالاعتياد على الرائحة الكريهة .
- ومن هنا فقد سمى الحق المشركين « نجسا » ، وذلك أنهم ولدوا في البعر فيما سبق .
- والدودة التي ولدت في بعر الأبد ، لا تتحول طبيعتها بالعنبر .
- ولما لم يسقط عليها من نثار « رش النور » فإنها كلها جسم بلا قلب كالقشور .
- ولو قسم لها الحق من رش النور ، لولدت كما يحدث في مصر طيرا من بين البعر .
300 - لكن ليس ذلك الطائر الخسيس المنزلى ، بل طير العلم والذكاء .
- وأنت « 1 » تشبهها إذ أنك فارغ من هذا النور وذلك لأنك تضع أنفك على الدنس .
.
يتبع