حكاية ذلك الأمير الذي اتجه اليه الملك الحقيقي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية ذلك الأمير الذي اتجه الي الملك على مدونة عبدالله المسافر بالله
حكاية ذلك الأمير الذي اتجه اليه الملك الحقيقي المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
حكاية ذلك الأمير الذي اتجه اليه الملك الحقيقي،
- إذن فامض وكن صامتا منقادا تحت ظل أمر الشيخ أو ( المرشد ) الأستاذ « 1 » .
- وإلا انقلبت إلى مسخ مهما كنت مستعدا وقابلا وذلك من كثرة تنفجك بالكمال .
3350 - بل إنك تفقد الاستعداد نفسه إذا تمردت على الأستاذ الخبير بالأسرار .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 632 : ولا تجعل من وجودك الوضيع واليا وكن تابعا صامتا .
« 328 »
- فاصبر في حياكة النعال فلا يزال ( متسع ) وإلا انقلبت لانعدام صبرك إلى مجرد إسكاف .
- فإن كان عند من يرتقون القديم صبر وحلم ، لصاروا جميعا من الذين يقومون بحياكة الجديد . . . من علمهم
- انك تجاهد كثيرا وفي النهاية تقول أنت نفسك نتيجة للكلال : إن العقل عقال .
- مثل ذلك الرجل المتفلسف يوم موته ، كان يرى العقل عاجزا بلا مئونة إلى ذلك الحد .
3355 - فأخذ يعترف في تلك اللحظة بلا غرض ، قائلا إننا سقنا الجواد جزافا من ذكائنا .
- ومن الغرور حولنا رؤوسنا عن الرجال وزاولنا السباحة في بحور الخيال .
- ولا قيمة لهذه السباحة في بحر الروح ، ولا وسيلة هنا إلا سفينة نوح .
- وهكذا قال سيد الأنبياء والمرسلين إنني أنا السفينة في هذا البحر الكلى .
- أو ذلك الذي يكون على بصيرة منى ويكون خليفة الصدق في موضعي .
3360 - إنني أنا سفينة نوح في البحر أيها الفتى حتى لا تحولن وجهك عن السفينة .
- ولا تمض صوب كل جبل مثل كنعان ، واستمع من القرآن « لا عاصم اليوم من أمر الله »
- ومن القيد ( الذي على قلبك ) تبدو لك هذه السفينة وضيعة حقيرة ، ويبدو لك جبل فكرك سامق العلو .
« 329 »
- فلا تنظرن باحتقار إلى هذه ( السفينة ) الضئيلة ، انظر إلى فضل الحق المتصل بها ( على الدوام ) !
- وقلل النظر إلى علو جبل الفكر فإن موجة واحدة تجعل عالية سافله !
3365 - ولن تصدقني إن كنت ( مثل ) كنعان ، حتى ولو ضاعفت لك نصائحى مائتي مرة .
- ومتى تقبل إذن كنعان هذا الكلام فإن الله سبحانه وتعالى قد ختم عليا غشاوة .
- ومتى تؤثر الموعظة على ختم الحق ، ومتى يحول الحدث ما سبق من حكم .
- لكني أحدثك يا مبارك الخطى ، آملا ألا تكون مثل كنعان .
- وإنك في النهاية سوف تعترف ( بانحرافك ) فانتبه ، وانظر من البداية إلى عاقبة أمرك .
3370 - انك تستطيع أن تكون مقدراً للعواقب ، فلا تجعل عينيك التي ترى العاقبة عمياء مهترئة .
- إن كل من يرى العاقبة يكون كالسعيد ، لا يتعثر كل لحظة عند سيره .
- وان لم ترد هذا العثار في كل لحظة ، فقو بصرك بتراب قدم أحد الأولياء .
- واجعل من تراب قدمه كحلا للبصر ، حتى تستطيع آنذاك أن تطيح برؤوس الأوباش .
- فإنك من هذه التلمذة ومن هذا الافتقار ، حتى ولو كنت إبرة لا قيمة لها تتحول إلى سيف كذى الفقار .
« 330 »
3375 - فاجعل تراب قدم كل مختار ( من الله ) كحلا لك ، تحترق العين وتجلى في نفس الوقت « 1 » .
قصة شكوي البغل للجمل وفحواها : إنني أسقط كثيرا في الطريق عند السير وأنت قليلا ما تكب على وجهك فما السبب ؟ وجواب الجمل عليه
- رأى بغل جملا ذات يوم عندما اجتمعا معا ذات يوم في اصطبل .
- فقال له : إنني كثيرا ما أتعثر في الأرض الوعرة وفي الطريق وفي السوق وفي الحي !
- وخاصة عندما أكون هابطا من قمة الجبل إلى سفحه ، أسقط كل لحظة على رأسي من شدة الخوف .
3380 - وأنت قليلا ما تنكب على وجهك فما السبب ؟ . ألروحك الطاهرة في حد ذاتها حظ وإقبال ؟ .
- إنني أسقط على رأسي كل لحظة وعلى ركبتى ، وفي ذلك العار أدمى وجهي وركبتى .
- ويميل السرج والحمل من فوق ظهري وأتعرض للضرب من المكارى في كل لحظة .
- وهذا مثل أبله يعود عن توبته كل لحظة وينغمس في الذنب من عقله الفاسد .
- ويصير أضحوكة لإبليس في زمنه ، ذلك المحطم لتوبته من ضعف رأيه
3385 - إنه ينكب على وجهه في كل لحظة كالجواد الأعرج الذي يكون حمله ثقيلا وطريقه صخريا .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 6330 : اضيء عينيك من تراب الأولياء في حتى تري كل شيء من المبدأ إلي المنتهي .
« 331 »
- وهو يتلقى من الغيب الضربات فوق رأسه من جراء عودته عن التوبة ، ذلك المعتاد على الإدبار .
- فيتوب مرة ثانية بعزم واهن ، ويبصق عليه الشيطان ، وتتحطم توبته - إنه ضعف مركب ، لكن كبره .
يدفعه إلى النظر إلى الواصلين باحتقار - أيها الجمل ، إنك تشبه المؤمن ، قلما تسقط في الطريق وتنكب على أنفك .
3390 - فماذا لديك يمنع عنك الآفات إلى هذا الحد ؟ وينجيك من العثار فقلما تسقط على وجهك ؟ !
- قال ( الجمل ) بالرغم من أن كل سعادة من الله تعالى ، فإن هناك فروقا كثيرة بيني وبينك .
- إنني مرفوع الرأس وعيناي مرفوعتان والرؤية التي تشرف من عل أمان من الضرر .
- وإنني لأرى سفح الجهل وأنا في قمته وأرى كل أرض مستوية وكل حفرة ، مرحلة بعد مرحلة .
- مثلما رأى ذلك الصدر الأجل ، أمره مسبقا حتى يوم ( يحين ) الأجل .
3395 - ويعرف في الحال ما سوف يحدث بعد عشرين سنة ، ذلك الطيب الخصال !
- إنه لا يرى حاله وحده فحسب ذلك المتقى ، بل ( ويرى أيضا ) أحوال كل أهل المشرق والمغرب .
- إن النور مستقر في عينه وقلبه . . ومن أي شيء يستقر بينهما ؟! من أجل « حب الوطن » .
- مثل يوسف عليه السلام . . الذي رأى من البداية في المنام أن الشمس والقمر قد سجدا له .
« 332 »
- ومن بعد عشرة سنوات أو ما يزيد ، تحقق ما كان يوسف عليه السلام قد رآه في النوم .
3400 - وليست « ينظر بنور الله » من قبيل جزاف العقول ، بل يكون النور الرباني نافذا في أجواز الفلك .
- ولا يوجد هذا النور في عينيك فامض ، ذلك أنك رهين للحس الحيواني .
- إنك من ضعف عينيك ترى ( فحسب ) ما تحت قدميك ، إنك ضعيف عاجز ودليلك أيضا ضعيف وعاجز .
- إن العين هي الدليل والقائد لليد والقدم والتي ترى الموضع الطيب والموضع السيء .
3405 - ذلك لأنى من أولاد الحلال ، ولست من أبناء الخنا وأهل الضلال .
- وأنت من أولاد الزنا لا شك في ذلك، فالسهم ينطلق معوجا عندما يكون القوس معيوبا «1».
موافقة البغل على أجوبة الجمل ، وإقراره بأفضليته عليه ، وطلبه العون فيه ،
واللجوء إليه بصدق وإكرام الجمل له ، وبيانه الطريق له ،
وماونته إياه بأبوة عظيمة
- قال البغل : صدقت أيها الجمل ، قالها وامتلأت عيناه بالدموع .
- وبكى ساعة وسقط على قدميه ، قائلا له : يا من اختارك رب العباد .
- أي ضرر لو أنك في السعادة والاقبال قبلتني عبدا لك ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 638 :
إن السيء لا يتأتي منه إلا السوء بأجمعه في الوجود ، مثلما تأتي من فرعون العنود وإبليس وإن قام بمائة طاعة ، فإنها لا تجديه نفعا فهو من الأصل فاقد الرجولة .
« 333 »
3410 - قال له : ما دمت قد أقررت بهذا أمامى فامض ، لقد نجوت من آفات الزمن .
- لقد أنصفت ونجوت من البلاء ، وكنت خصما فصرت من أهل الولاء .
- إن الخصال السيئة لم تكن أصلا في ذاتك ، فمن السوء الأصيل لا يتأتى سوى الجحود .
- وهذا السوء العارض والطاريء ( العارية ) . . هو الذي لا يلبث أن يجعل صاحب الذنب يقر بالذنب ويبحث عن التوبة .
- مثل آدم الذي كانت زلته عارية ، فلا جرم أنه تاب في التو واللحظة .
3415 - لكن جرم إبليس لما كان أصليا وفي ذاته ، لم يكن له طريق إلى التوبة النفيسة الغالية .
- فامض ، لقد نجوت من ذلك ومن الخصال السيئة، ومن ألسنة النيران ومن أنياب الوحوش.
- امض فقد تعلقت الآن بالحظ والاقبال ، وألقيت بنفسك في الاقبال السرمدي :
- لقد وجدت مصداق « أدخلىفِي عِبادِي» وأدركت مصداق «ادْخُلِي جَنَّتِي» .
- لقد اتخذت بنفسك طريقا بين عباده ، وذهبت إلى الخلد من طريق خفى .
3420 - وقلت « اهدنا إلى الصراط المستقيم » ، فأخذ بيدك وحملك إلى النعيم .
- كنت نارا فصرت نورا أيها العزيز، كنت حصرما ( فجا ) فصرت عنبا وزبيبا ( ناضجا ).
- وكنت نجمة فصرت شمسا ، فلتسعد ولتهنأ والله أعلم بالصواب .
- ويا ضياء الحق يا حسام الدين ، تعال وخذ العسل الصافي وألق به في حوض اللبن .
« 334 »
- حتى يتخلص ذلك اللبن من تغيير الطعم ، ويجد من بحر اللذة طعما فائق اللذة .
3425 - ويصير متصلا ببحر « ألست » ، وما دام قد اتصل بهذا البحر ، فقد نجا من كل تغيير .
- ويجد منفذا في بحر الشهد ذاك ، ولا يكون لأي آفة أدنى تأثير فيه .
- وازأر كالأسد يا أسد الحق ، حتى يصل ذلك الزئير إلى السماء السابعة .
- لكن أي علم لروح لملول الضائق ، وأي علم للفأر بزئير الأسد ؟ !
- فاكتب أحوالك بماء الذهب ، من أجل كل من قلبه ( في سعة ) البحر . . .
حسن الأصل .
3430 - إن هذا الحديث كماء النيل منعش للأرواح ، فاجعله يا رب دما أمام أنظار قوم فرعون .
[ حكاية تضرع أحد آل فرعون لواحد من بني إسرائيل ]
تضرع أحد آل فرعون لواحد من بني إسرائيل قائلا املأ من ماء النيل قدرا على نيتك ، وضعه على شفتى حتى أشرب ، بحق الصداقة والأخوة ، فإن القدر الذي تملأونه يا بني إسرائيل من أجل أنفسكم ماء صاف والقدر الذي نملؤه نحن آل فرعون من نفس النيل دم خالص .
- سمعت أن واحدا من قوم فرعون ، قد دفعه العطش إلى منزل واحد من بني إسرائيل .
- وقال له : إنني صديقك الحميم المقرب ، وصرت اليوم في حاجة إليك .
- لقد قام موسى بسحره ، وتلا تعاويذه ، حتى صار ماء النيل علينا دما
- وأتباع موسى يشربون منه نفسه الماء الصافي ، لكنه ينقلب إلى دم بالنسبة لقوم فرعون . . . من جراء السحر .
« 335 »
3435 - إن قوم فرعون يموتون الآن من الظمأ ، ربما من إدبارهم أو من سوء جبلتهم .
- فاملأ لنفسك وعاء من الماء ، لكي يشرب صاحبك القديم من مائك .
- إنك عندما تملأ هذا الوعاء من أجل نفسك ، لا يكون دما بل يكون ماء صافيا طاهرا .
- إنني متطفل عليك : فلأشرب الماء « تطفلا » ، فإن المتطفل يتخلص بالتبعية من همومه .
- قال : يا روحي ودنياي السمع والطاعة ، فلأقم برعايتك يا عينيّ المضيئتين .
3440 - ولأقم بما يمليه مرادك وأنا في غاية السعادة ، وأعتبر عبوديتى لك حرية لي .
- ثم ملأ وعاء من ماء النيل ، ورفعه إلى فمه وشرب نصفه .
- ثم أدار الوعاء إلى طالب الماء ، قائلا له : اشرب أنت أيضا ، فصار دما أسود .
- ثم حوله ناحيته ، فصار الدم ماء ، فانفجر الفرعونى غيظا وكدرا وغضبا .
- وظل برهة من الزمن حتى سكن غضبه ، ثم قال أيها البطل العظيم :
3445 - أي حل لهذه العقدة أيها الأخ العزيز ، فقال : إنما يشرب هذا الماء من كان تقيا .
- والتقى هو الذي صار ضائقا من طريق فرعون وصار مثل موسى .
- فصر أولا من قوم موسى ثم أشرب هذا الماء ، وتصالح في البداية مع القمر ، ثم انظر إلى ضوء القمر .
« 336 »
- وهناك من غضبك مئات الآلاف من (الحجب) المظلمة تقف بينك وبين النظر إلى عباد الله.
- فسكن غضبك وافتح عينيك وكن بشوشا ، وخذ العبرة من رفاقك وكن أستاذا .
3450 - فكيف تكون شريكا لي في اغتراف ( الماء ) ولديك من الكفر ما في ( ضخامة ) جبل قاف .
- ومتى يلج الجمل في سم الخياط ؟ ! ، اللهم إلا صار ذلك ( الجبل ) ( في نحول ) الخيط المفرد .
- فاجعل جمل كفرك بالاستغفار في نحول « القشة » . ، وخذ كأس المغفورين لهم واشرب منها سعيدا .
- وكيف تستطيع أن تشرب منه بهذا الاحتيال والمكر ، إذا كان الحق قد حرمه على الكافرين .
- ومتى يخيل مكرك هذا على خالق المكر ، ( خير الماكرين ) ؟ ! ، أيها المفترى عليه .
3455 - فكن من قوم موسى إذ لا نفع في المكر ، وليس مكرك هذا إلا من قبيل كيل الريح ، لا طائل من ورائه ! !
- فهل يجرؤ الماء على عصيان أمر الفرد الصمد ، وتكون له خواص الماء مع الكافرين ؟ !
- أو هل تظنن أن ما تأكله هذا خبز ؟! إنك تأكل السم الزعاف الذي ينقص العمر (ولا يزيده).
- وكيف للخبز أن يصلح تلك الروح التي تصرف القلب عن أمر الأحبة ؟ .
- أو هل تظن أنت ( الآخر ) أنك عندما تقرأ ألفاظ المثنوى أنك تدرك معانيها بالمجان ؟ .
« 337 »
3460 - أو أن فيض الحكمة والأسرار الخفية . . يدخل الآذان رغبة وبأدنى قيمة ( وتتداوله ) الأفواه ؟ !
- إنه ( حقيقة ) ينفذ إليها لكن كالأساطير ، إنه يبدي قشره ليس لبابه القيم .
- إن ذلك الحبيب وضع حجابا على وجهه ورأسه ، وأخفى نفسه عن عينيك .
- وهكذا فمن عتوك فإن كتابا كالشاهنامه أو كليلة ودمنة ، يبدوان أمامك كأنهما القرآن .
- وتتميز الحقيقة عن المجاز ، عندما يفتح كحل العناية عينيك ( عن آخرهما ) !
3465 - وإلا فإن البعر والمسك أمام الأخشم سيان ، ما لم يكن هناك ( حس ) شم .
- وإنما يكون هدفه من كلام ذي الجلال ( المجيد ) هو أن يدفع عن نفسه الملال فحسب .
- إنه يطفئ بذلك الكلام نار الوساوس والأحزان ، ويجعل منه ( مجرد ) دواء .
- ومن أجل إطفاء مثل هذه النار ( الواهية ) ، يمكن بقدر من الحيلة أن يكون الماء الطاهر والبول سيين .
- إن نار الوسواس يمكن أن تطفأ بالماء والبول ، تماماً كما ( يقضى ) قليل من النوم ( على الأحزان ) .
3470 - لكنك إن أدركت هذا الماء الطاهر ، وهو كلام الله المنعش للأرواح !
- فإن الوسوسة تنعدم تماما من الروح ، ويجد القلب طريقه إلى رياض ( الجنة ) .
« 338 »
- إنه يحلق عاليا في رياض تجرى من تحتها الأنهار، ذلك الذي يدرك قبسا من سر الصحف.
- أو أنك تظنن أن وجوه أولياء الله ، هي على نفس ذلك النسق الذي نراها عليه .
- إن الرسول عليه السلام ما فتيء يتعجب من هذا الأمر متسائلا : كيف لا يبصر المؤمنون وجهي ؟ .
3475 - كيف لا يبصر الخلق وجهي؟ ذلك الوجه الذي فاق شمس المشرق (نورا وبهاءا)؟.
- وإذا كانوا يبصرونه فلماذا هذه الحيرة ( والتردد ) ومن ثم نزل الوحي قائلا : إن هذا الوجه مخفى عنهم .
- إنه بالنسبة لك قمر وبالنسبة للناس سحاب ، حتى لا يرى من لا يؤمن بك وجهك بالمجان .
- إنه بالنسبة لك حب لكنه بالنسبة للآخرين فخ ، حتى لا يشرب العوام من هذا الشراب الخاص .
- قال الله تعالى : « تراهم ينظرون إليك »، لكنهم نقوش على حمام ، وهم « لا يبصرون ».
3480 - وهكذا تبدو لك الصورة يا عابد الصورة ، وكأن هاتين العينين الميتتين فيها تنظران .
- وأنت أمام عين الصورة هذه تراعى الأدب ، وتتساءل : كيف لا تهتم بي ويا للعجب .
- لماذا هي صامته تماما هذه الصورة الطيبة بحيث لا ترد السلام على ؟ !
- لماذا لا تحرك رأسها وشاربها جودا ، شكرا على ما قدمته لها من سجود ( كثير ) .
« 339 »
- وإن الحق وإن لم يبد جوابا لعبادته في الظاهر « 1 » ، فإنه يعطى في مقابلها لذة في الباطن .
3485 - فإن تحريك العقل والروح رأسيهما ( جوابا على العبارة ) ، تساوى الاستجابة التي تريدها مائتي مرة .
- وأنت إن قمت بخدمة العقل باجتهاد ، فإن جواب العقل هو أن تزداد رشاداً .
- إن الحق لا يحرك رأسه استجابة في الظاهر ، لكنه يجعلك رئيسا على كل الرؤساء .
- ويهبك الله سبحانه وتعالى عطية في الخفاء ، بحيث يسجد لك الناس أجمعون .
- مثلما جاد على حجر بالعقل ، بحيث صار جوهرا ، وأقصد به الذهب .
3490 - وإن قطرة من الماء لتجد لطف الحق ، فتصير درة تفوق الذهب قيمة .
- والجسم بضعة من تراب وعندما نفخ الله فيه من نوره ، صار في الاستيلاء على الدنيا أستاذا كالقمر .
- وانتبه فإن ( هذه الدنيا ) طلسم وصورة ميتة ، أضلت عينها الحمقى عن الطريق .
- إنها تبدو كما لو كانت تغمز بعينيها ، فيجعلها الحمقى والبلهاء سندا لهم .
طلب الفرعون ى دعاء الخير والهداية من الموسوي ودعاء الموسوي
له بالخير واستجابة الدعاء فى الكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
- قال الفرعونى . أدع لي ، فلست أملك فما ( للدعاء ) من السواد الذي ران على قلبي .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : تحريك الرأس : إن لم يحرك رأسه استجابة .
« 340 »
3495 - ربما يفتح قفل هذا القلب ، ويصبح للقبيح موضع في محفل الحسان .
- إن المسخ ينقلب منك إلى صاحب جمال ، ويصبح إبليس مرة ثانية في الملائكة المقربين .
- وببركة يد مريم - عليها السلام - يجد الغصن الجاف رائحة المسك والنضرة والإثمار .
- فسجد الموسوي في تلك اللحظة . . . وتضرع قائلا : يا إلهي يا عالما بالعلن وبالسر .
- وأمام من يرفع العبد يده بالدعاء إلا أمامك . . الدعاء ، منك والاستجابة منك يالله .
3500 - إنك في البداية تهب « العبد » الميل إلى الدعاء ، وأنت في النهاية تجازى أيضا على الدعاء .
- إنك الأول والآخر . . ونحن بينهما هباء . . . هباء . لا يتأتى في حديث أو بيان .
- وأخذ يردد هذا الدعاء حتى خارت قواه « 1 » . . . وفقد وعيه .
- ثم عاد إلى وعيه وانطلق في الدعاء فليس للإنسان إلا ما سعى .
- وبينما هو في دعائه ، إذ انطلق من قلب الفرعونى صياح وصراخ وضجة عظيمة .
3505 - قائلا : هيا . . أسرع . . وأعرض على الإيمان ، حتى أمزق سريعا الزنار القديم .
- لقد ألقوا النار على ( أعماق ) روحي ، فلعلهم يكرمون إبليسا ( مثلي ) هذا الكرم العظيم .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : سقط طسته من فوق السطح .
« 341 »
- إنها صداقتك . . . وهي لا تستبعد منك . . . هي التي بحمد الله أخذت بيدي في النهاية .
- لقد كانت أحاديثك كيمياء ( تبديل ) . . فلا انقطع « خطو » قدميك عن منزل القلب .
- لقد كنت غصنا من نخيل الخلد ، وعندما أمسكت به حملني إلى الخلد .
3510 - وكان سيلا ذلك الذي إختطف جسدي ، ووحملني هذا السيل إلى بحر الجود .
- وأنا طلبا للماء مضيت نحو السيل ، فأدركت البحر ، ونلت الدر كيلا بكيل .
- فأتى له بالوعاء قائلا : خذ الماء إذن ، فقال له : إمض في سبيلك فالمياه الآن أمامى لا قيمة لها .
- لقد شربت شربة في ماء «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى» ولا يصيبني من بعدها ظمأ حتى الحشر .
- وإن ذلك الذي أجرى المياه في الأنهار والينابيع ، فتح عين ماء في داخلي
3515 - وتلك الكبد التي كانت حرى طالبة الماء ، صار الماء ذليلا أمام همتها !
- إنه كان « الكافي » من أجل العباد ، هو صدق لوعده في « كهيعص » .
- أي : إنني أنا الكافي أعطيك الخير كله بلا سبب أو واسطة من عون الغير .
- إنني أنا الكافي أشبعك بلا خبز ، وأهبك الإمارة دون جيش أو عسكر .
- أهبك النرجس والنسرين بلا ربيع ، أي أعلمك بلا كتاب أو أستاذ .
« 342 »
3520 - إنني أنا الكافي أعالجك بلا دواء ، وأجعل عليك القبر والبئر ( في سعة ) الميدان .
- إنني أبث في موسى الشجاعة بعصا واحدة بحيث يضرب بسيوفه عالما بأكمله .
- وأعطى يد موسى نورا وشعاعا بحيث تزرى بنور الشمس « 1 » .
- وأجعل العصا حية ذات سبعة رؤوس ، لم تلدها من قبل حية من ثعبان !
- التي لا أمزج ماء النيل بالدم ، بل أحول الماء نفسه إلى دم بحولى وطولى « 2 » .
3525 - وأجعل سرورك حزنا مثل ماء النيل ، بحيث لا تجد سبيلا إلى السرور .
- ثم إنك عندما تجدد إيمانك مرة ثانية ، وتبدى نفورك من فرعون .
- ترى موسى الرحمة وقد أقبل إليك ، وترى نيل الدم قد فاض منه الماء .
- وعندما تحتفظ بعرورة الإيمان « 3 » في داخلك ، لا ينقلب نيل ذوقك إلى دم أبدا !
- لقد ظننت ( أيها الموسوي ) بأنني أو من . . حتى أشرب من طوفان الدم هذا ماء !
3530 - فأي علم لي أنه يقوم بالتبديل ، ويجرى نيلا من داخلي .
- وهناك أمام عيني نيل جار بالماء ، بينما أنا أمام الآخرين على طبيعتي وديدنى .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : تصفع الشمس .
( 2 ) حرفيا : بفني .
( 3 ) حرفيا : بطرف الخيط .
« 343 »
- مثل هذه الدنيا . . . غارقة في التسبيح أمام النبي ، لكنها أمامنا لا تفقه حديثا .
- إنها أمام عينيه عليه السلام فياضة بالعشق ، والعطاء لكنها أمام عيون الأخرين ميتة وجماد .
- إن المرتفعات والمنخفضات أمام عينيه جادة السير ، وهو مستمع لطرائف الحكمة من حجرها ومدرها .
3535 - لكنها أمام العوام كلها جامدة ميتة وأنا لم أر حجابا أعجب من هذا الحجاب .
- والمقابر تبدو متساوية أمامنا ، لكنها أمام عيون الأولياء إما روضة ( من رياض الجنة ) أو حفرة ( من حفر النار ) .
- كان العوام يقولون . لماذا صار النبي عبوسا ولماذا صار قاضيا على السرور ؟ !
- وكان الخواص يقولون : إنه يبدو عبوسا فحسب أمام عيونكم أيها الأميين » !
- فانظروا لحظة واحدة بعيوننا . . حتى ترون الضحكات مصداقا ل - «هَلْ أَتى» .
3540 - إنها تبدو لك هكذا من فوق شجرة الكمثرى، إن الصورة منعكسة فانزل أيها الشاب.
- إن شجرة الكمثرى هذه هي شجرة الوجود ، إنك ما دمت فوقها تبدى لك الجديد قديما .
- ما دمت فوقها ترى أجمة شوك ملأى بعقارب الغضب وحيات ( الحرص ) .
« 344 »
- وعندما تهبط من فوقها ترى بالمجان عالما مليئا بالحسان وبالحواضن ( الحنونات ) .
حكاية تلك المرأة الدنسة التي قالت لزوجها : إن تلك التصورات تبدو من قمة شجرة الكمثرى لأنها هكذا تبدو للمرء في قمة شجرة الكمثرى فاهبط من قمة شجرة الكمثرى . .
حتى تذهب عنك التصورات وإن قال أحد : إن ما كان يراه ذلك الشخص لم يكن من قبيل التصورات والوهم ، فالجواب إن هذا مثل وليس مثل وفي المثال يكفى ، ذلك أنك إن لم تتسلق قمة شجرة الكمثرى لما رأيتها قط سواء كانت حقيقة أو خيالا .
- كانت إحدى النساء تريد أن تتضاجع مع عشيقها أمام زوجها المخدوع .
3545 - فقالت المرأة لزوجها : يا سعيد الحظ ، سوف أصعد على الشجرة لقطف الثمار .
- وعندما صعدت تلك المرأة على الشجرة شرعت في البكاء عندما نظرت من علٍ صوب زوجها .
- وقالت لزوجها : أيها المأبون المنبوذ . . من ذلك اللوطي الذي يواقعك ؟ !
- وقد رقدت أنت تحته كالمرأة . . أكنت في الأصل مخنثا إذن يا فلان ؟ .
- فقال الزوج : ( لا شيء من هذا ) لعل رأسك أصابها الدوار وإلا فليس هنا غيرى أحد في الخلاء .
3550 - فكررت المرأة القول من صاحب القلتسوة الحمراء إذن الذي ينام فوق ظهرك ؟ .
- فقال : أيتها المرأة . هيا أهبطى من فوق الشجرة ، فلقد دار رأسك . .
فخرفت تخريفا شديدا .
- وعندما هبطت صعد زوجها . . فأخذت المرأة ، ذلك العشيق في أحضانها .
« 345 »
- فناداها الزوج : أيتها البغى . . من هذا الذي اعتلاك وكأنه القرد ؟ .
- فقالت المرأة : لا ليس هنا غيرى ، انتبه فقد دارت رأسك ولا تخرف .
3555 - فكرر ذلك الكلام على المرأة . . قالت إن هذا من أوهام شجرة الكمثرى .
- وأنا من فوق شجرة الكمثرى . . . كنت أراك منحرفا أيضا أيها الديوث .
- هيا إهبط حتى ترى إنه لا شيء يحدث ، وأن كل هذه الخيالات من شجرة الكمثرى .
- إن الهزل تعليم فاستمع إليه بجد ، حتى لا تصبح عاكفا على ظاهر هزله .
- وإن كل جد هزل عند الهازلين ، لكن كل هزل جد عند العاقلين .
3560 - إن الكسالى يبحثون ( في هذه القصة ) عن شجرة الكمثرى ، لكن هناك طريقا طويلا حتى شجرة الكمثرى ، ( تلك ) .
- فانتقل من شجرة الكمثرى فأنت الآن فوقها ، صرت أعشى العين حائر الوجه .
- إنها أنيتك ووجودك الأول . . اللذان يجعلانك أحول معوج البصر .
- وعندما تهبط من فوق شجرة الكمثرى هذه ، لا يبقى هناك إعوجاج في فكرك وبصرك ومنطقك .
- وتراها وقد تحولت إلى شجرة إقبال ، تمتد أغصانها إلى السماء السابعة .
3565 - وعندما تهبط من فوقها . . . وتبتعد عنها . . . يبد لها الله سبحانه وتعالى برحمته .
- ولأنك هبطت من فوقها تواضعا فإن الله يهب عينيك الرؤية الصحيحة .
- وإذا كانت الرؤية الصحيحة بالشيء السهل أو اليسير، فمتى كان المصطفى يطلبها من الله؟.
« 346 »
- قائلا : إبدلى الأشياء مرتفعها ومنخفضها . . كما تبدو أمامك أنت يالله .
- وبعدها إصعد على شجرة الكمثرى تلك ، التي بدلت وصارت خضراء من أمر « كن » .
3570 - وصارت هذه الشجرة كالشجرة الموسوية ، ما دمت قد اتجهت بحاجياتك صوب موسى .
- إنه يجعل نارها خضراء سعيدة هانئة ، تصيح أغصانها : إني أنا الله .
- وفي ظلها تكون كل حاجاتك مقضية . . وهكذا تكون الكيمياء الإلهية !
- وتصير أنيتك ووجودك حلالا لك ، إذ ترى فيهما صفات ذي الجلال .
- فقد صارت الشجرة المعوجة مستقيمة مظهرة للحق « أصلها ثابت وفرعها في السماء » .
3575 - إذ نوديت من الوحي العظيم ، أن أتركى الإعوجاج واستقيمى الآن . « 1 »
بقية قصة موسى عليه السلام
- إن شجرة الجسد هذه هي عصا موسى ، لقد وصله الأمر أن ألقها من يدك .
- حتى ترى خيرها وترى شرها ، ثم إحملها بعد ذلك بالأمر الإلهى .
- إنها لم تكن سوى عصا قبل أن يلقيها ، وعندما أمسكها بأمره تعالى صارت طيبة .
- كانت في البداية تنثر الأوراق للحملان ، فصارت معجزة لهذه الجماعة المتكبرة المغرورة .
3580 - صارت حاكمة مسيطرة على رؤوس قوم فرعون ، جعلت ماءهم دما وأكفهم ضاربة لرؤوسهم .
..............................................................
( 1 ) البيت في الأصل تحت العنوان الذي يليه . لكنه ضمن الأبيات التي تسبقه .
« 347 »
- وأنتجت مزارعهم القحط والموت ، من جحافل الجراد التي كانت تأكل أوراقهم وزادهم .
- حتى دعا موسى عليه السلام دعوة بغير وعى . . عندما ألقى بنظرة على العاقبة .
- فما جدوى هذه المعجزات والسعي والجهد ، ما دامت هذه الجماعة لن تستقيم ؟
- لقد نزل الأمر : أن اتبع أسلوب نوح : ودعك من تفصيلات العاقبة وما سوف يتأتى فيها .
3585 - ودعك من هذا فأنت داعى طريق ، هناك الأمرب - « بلغ » ولا يكون عبثا .
- فإن أقل حكمة من الحاحك هذا وإصرارك ( على الدعوة ) هي أن يتجلى ذلك العناد وذلك العتو ويبدوان للعيان .
- وحتى تشيع هداية الحق وإضلاله وتظهران على الملأ بالنسبة لكل الفرق .
- وإذا كان المقصود من الوجود والخلق هو إظهار ( صنعه تعالى ) ، فينبغي اختباره بالإنتصاح والغواية .
- فالشيطان لا يفتأ يلح في وسوسة الغواية ، بينما يلح الشيخ في النصح والهداية . « 1 »
3590 - وعندما توالت هذه الأمور وأصبحت ذات شجون ، وأخذ النيل يجرى بأجمعه دما .
- جاء إليه فرعون بنفسه ، متوسلا إليه وقد انحنى ظهره .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 48 : عد وتحدث عن قصة الفرعوني ، وامح غبار الكفر عن باطنك ثم يليه عنوان هو : صعوبة الأمر علي آل فرعون وتشفع فرعون .
« 348 »
- قائلا : لا تفعل أنت ما فعلناه أيها السلطان ، وليس لنا وجه لكي نتحدث معك .
- إن كل ذرة في ممتثلة لأمرك ، ولا تذلنى ( أكثر من هذا ) وأنا معتاد على العزة .
- هيا أيها الأمين وأدع لنا بالرحمة ، حتى تسد هذه الفوهة النارية .
3595 - قال ( موسى ) : يا إلهي إنه يخدعني ، وإن كان يخدع فإنه يخدعك أنت .
- فهل أستجيب له أم أخدعه أنا بدوري ، حتى يعرف الأصل ذلك المتشبث بالفرع ؟ ! - حتى يعلم أن أصل كل مكر وكل حيلة عندنا نحن ، وكل ما هو على التراب أصله في السماء .
- قال الحق : إن ذلك الكلب لا يستحق حتى ذلك . بل إلق إليه بعظمة من على البعد .
- هيا حرك تلك العصا حتى يرد التراب كل ما كان الجراد قد أتى عليه .
3600 - بل ويتحول الجراد نفسه إلى لون التراب ، حتى يرى الخلق تبديل الإله .
- وأنه لا حاجة لي إلى الأسباب، فإن تلك الأسباب مجرد حجاب وغطاء (على الفعل الإلهى)،
- وهي من أجل أن يعرض المؤمن بالطبيعة نفسه على الدواء . ومن أجل أن يتجه المنجم إلى العلم عن طريق النجوم .
- وحتى يبكر المنافق في الحضور إلى السوق من خوفه على كساد ( تجارته ) .
- وحتى يكدح من أجل اللقمة أولئك الذين لم يحققوا العبودية ولم يغسلوا وجوههم ، وهم أنفسهم طعام الجحيم .
« 349 »
3605 - إن روح العامي آكلة ومأكولة ، مثله كمثل ذلك الحمل الذي يرعى في القمامة .
- إنه لا يفتأ يرعى ذلك الحمل ، والقصاب سعيد قائلا : إنما يرعى ذلك الحمل الأوراق والأعشاب من أجلنا .
- وها أنت تقوم بعمل الجحيم في كل ما تراه صالحا للأكل ، ومن أجل الجحيم تقوم بتسمين نفسك .
- فاعمل من أجل نفسك واحزم أمرك وتناول رزق الحكمة ، حتى يصبح قلبك ممتلئا سمينا بعظمة الحكمة وأبهتها .
- وإن إطعام الجسد مانع لهذا الطعام ، فالروح مثلها مثل التاجر ، والجسد مثله كمثل قاطع الطريق .
3610 - ويكون شمع التاجر مشتعلا ذا ضياء ورواء طالما كان قاطع الطريق محترقا كالحطب .
- وإنك بأجمعك عقل ووعى وما بقي فيك كله غطاء لهذا العقل والوعي ، فلا تفقد ( معرفتك بكنه ) نفسك ، ولا تهزل .
- وإعلم أن كل شهوة هي كالخمر وكالمخدر، فهي حجاب على الوعي والعاقل منها في ذهول.
- وليست الخمر وحدها هي سبب سكر العقل ، إن كل ما هو يتعلق بالشهوة ، يغلق العين ، ويذهب اللب .
- لقد كان إبليس ذاك متجنبا للخمر ، لكنه كان ثملا من التكبر والجحود .
3615 - إن الثمل هو الذي يرى ما ليس موجودا ويبدو له ذهبا الذي هو نحاس وحديد .
« 350 »
- ويا موسى « 1 » هذا الكلام ليس له نهاية ، فهيا وحرك شفتيك ( بالدعاء ) حتى ينبثق النبات من الأرض .
- وهكذا فعل ، وفي نفس اللحظة ، إخضرت الأرض من السنابل ذات الغلال الثمينة الغالية .
- فتقاطرت تلك الجماعة على (الطعام) أولئك الذين أصابهم نفس موسى من البشر والدواب .
3620 - وعندما امتلأت البطون وتساقطوا على النعم ، وذهبت تلك المخمصة ، لجوا ثانية في طغيانهم .
- إن النفس فرعونية فانتبه ولا تشبعها ، حتى لا تذكر كفرها السابق .
- ولا تطيب هذه النفس إلا بحرارة النار ، وما لم يصهر الحديد كقبس من نار انتبه ولا تدق عليه .
- ولا يصير الجسد متحركا دون أن يصيبه الجوع ، وإلا فاعلم أنك تدق على الحديد البارد .
- وهي وإن بكت وضجت بالنواح ، لن تصبح مسلمة ، فانتبه إلى هذا جيدا .
3625 - إنها مثل فرعون ، وفي القحط ، تكون كما كان فرعون مع موسى ، شاكية باكية متضرعة .
- وعندما تستغنى تطغى ، والحمار عندما يسقط الحمل عن نفسه يبرطع .
- إنها تنسى أناتها وضراعاتها السابقة ، عندما يستجاب لدعائها وتقضى حاجتها .
..............................................................
( 1 ) هنا عنوان في نسخة جعفري ( ج - 11 / ص - 55 ) : دعاء موسي وإخضرار المزارع .
« 351 »
- إن المرء ليقضى سنوات من ( عمره ) في إحدى المدن ، وفي لحظة واحدة عندما يروح في النوم ،
- يرى مدينة أخرى بخيرها وشرها ، ولا يتذكر شيئا عن مدينته التي هو فيها بالفعل .
3630 - ولا يقول لنفسه : لقد كنت فيها وهذه مدينة جديدة ليست مدينتى وليس لي فيها مقام .
- بل كذلك يعتبر أنه كان دائما في هذه المدينة الجديدة المبتدعة وإن ألفته إليها .
- فأي عجب ألا تذكر الروح شيئا عن مواطنها القديمة التي كان فيها مولدها ومسكنها ،
- ولا تعتبر أن هذه الدنيا كالحلم تغطي ذلك الموطن القديم كما يغطى السحاب النجوم .
- خاصة وقد طرقت مدنا جديدة ، ولم ينفض الغبار عن إدراكها .
3635 - ولم تجتهد اجتهادا خاصا من أجل أن يصبح القلب صافيا يرى ما حدث .
- فيرفع قلبها رأسه من موطن السر ، ويبصر البداية والنهاية بعين مفتوحة . « 1 »
.