حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر المثنوي المعنوي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
حكاية ذلك المداح الذي أخذ يثنى على ممدوحه على سبيل الفخر ،
بينما كانت رائحة همه وحزنه الداخلي وخلافة ثوبه تبدى
هذا الشكر كذبا وبهتانا
- جاء أحدهم بدلقه ( بثوبة الخلق ) من العراق ، فأخذ رفاقه يسألونه عن أيام الفراق .
1740 - قال : نعم ، لقد عانيت الفراق ، إلا أن السفر كان مباركا جدا على . .
مليئا ( بالمنافع ) والبشارات .
- لقد وهبني الخليفة عشرة من الخلع . . لتكن مائة مدح وثناء قرينة له ! !
- وأخذ يعدد الثناء والمدح والشكر ، بحيث جاوز الحد في شكره .
- فقالوا له : إن أحوالك ( الظاهرة ) القبيحة تشهد على كذبك .
- فجسدك عار ورأسك عارية لوحتها ( الشمس ) ، فهل سرقت هذا الشكر أو لقنته ؟ !
1745 - وأين أمارة شكر أميرك وحمده ؟ أهي على رأسك أو في قدمك التي لا نعمة ( تبدو ) عليهما ؟ !
- فإذا كان لسانك ينسج الثناء على ذلك الملك ، فإن أعضاءك السبعة تبث شكواها ( منه ) .
« 189 »
- وفي سخاء ذلك المليك وسلطان الجود عليك . . ألم يكن هناك نعل أو سروال من أجلك ؟ !
- قال : لقد آثرت ( على نفسي ) بكل ما قدمه إلى . . والأمير لم يقصر ولم يغفل شيئا .
- لكني قد أخذت كل العطايا من الأمير ، ثم قمت بتوزيعها على الأيتام والفقراء .
1750 - لقد وهبت المال واكتسبت العمر الطويل في مقابله . . ذلك أنني أجدت اللعب بطهر .
- فقالوا له : مبارك عليك ذهاب المال ، فأي دخان ( منبعث ) من نفط ( مشتعل ) هكذا في داخلك ؟ !
- وهناك مائة كراهة في باطنك كالشوك ، فمتى يكون الهم علامة الاستبشار ؟ !
- أين أمارة العشق والإيثار والرضا . . إذا كان صحيحا ما أسلفته من قول ! !
- ولنفرض أن المال قد ضاع فأين الميل ( إلى الحق ) ؟ ! وإذا كان السيل قد مر فأين موضع السيل ؟ !
1755 - وإذا كانت عينك سوداء منعشة للروح . . فإن بقيت منعشة للروح . .
فلماذا هي مظلمة كدرة ؟ ! !
- وأين امارة اجادتك اللعب بطهر أيها العبوس ، ان رائحة النفاج تتأتى منك ملتوية فاصمت ! !
- وهناك مائة امارة للايثار في الباطن ، وهناك مائة علامة للمحسن ! !
- فإذا كان يتلف ماله ايثارا ، فإنه يخلف عليه بمائة ( نوع ) من الحياة في الباطن .
« 190 »
- أتكون هناك زراعة في أرض الحق للبذور الطاهرة ثم لا ( حصاد ) ولا دخل ؟ ! ! « 1 »
1760 - وإذا كانت الثمار لا تنمو في روضات « هو » ، فقل لي اذن . . ماذا تعنى ،أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً *؟ !
- وإذا كانت هذه الأرض الفانية ( لا تبقى ) بلا ريع ، فكيف تكون ( هكذا )أَرْضُ اللَّهِ *الواسعة ؟ !
- ان لها ريعا بلا حد ، فالحبة الواحدة مهما قلت بسبعمائة حبة .
- لقد تحدثت بالحمد فأين علامة الحامدين . . ولا أثر منها على ظاهرك أو في باطنك .
- إن حمد العارف لله ( حمدٌ ) صادق ، بحيث تشهد القدم واليد على حمده .
1765 - لقد جذبه ( الحمد ) من بئر جسده المظلم ، وشراه من ضيق سجن دنياه .
- إن أطلس التقوى وقد اقترن بالنور ، وهو آية للحمد موضوع على كتفه .
- ولقد تخلص من الدنيا التي هي عارية ( ترد ) ، وأصبح ساكنا للرياض والعين الجارية .
- وعلى سرير سر همته العالية ، يكون مجلسه وموضعه ويكون مقامه ورتبته .
- ومقعد الصدق الذي يكون فيه كل الصديقين طيبي العيش مسرورين متهللى الوجوه .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 271 وإذا لم تتحول الحبة التي تغرسها الروح إلي مائة حبة ، فأي معني لقوله «أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً *» ؟ !
وان أصل أرض الله هو قلب العارف ، انها في اللامكان لا فوق فيها ولا تحت
« 191 »
1770 - إن حمدهم كحمد الرياض للربيع ، وله مائة أمارة ، ومائة ( ضجة وحضور ) وشد وجذب .
- وعلى ربيعة تشهد العيون والنخيل والنبات ، وتلك الروضة وأحواض الورود .
- وآلاف من الحسان في كل حدب وصوب في شهادة كشهادة الجوهر على الصدف .
- لكن رائحة الثوم السيئة تفوح من فمك ، ويبدو حزنك أيها الثرثار المدعى من رأسك ووجهك .
- والعالمون بالروائح حاذقون في الحرب ، فقلل أنت من اطلاق صيحات الوجد جزافا .
1775 - ولا تثرثر عن المسك فإن رائحة البصل ، تجعل السر مفتضحا من نفسك .
- انك لا تفتأ تقول : لقد أكلت الورد بالسكر ، ورائحتك تفوح بالثوم ( قائلة لك ) : لا تنفج .
- إن القلب بمثابة المنزل العظيم ، ولمنزل القلب جيران مستورون .
- وهم من فُرَج الكوة والجدران ، يصبحون مطلعين على الأسرار .
- ( انهم يفعلون ذلك ) من شق لا يتوهمه صاحب ( الدار ) ، ولا يخاف من وجوده ابدا .
1780 - فاقرأ من القرآن إن الشيطان وقبيله ، يعلمون أحوال الإنس خفية .
- ومن طريق لا يعلمه الإنس ، لأنه ليس من هذا المحسوس وليس من هذا القبيل .
« 192 »
- وبين الناقدين لا تقم بحيلك ، ولا تتنفج أيها الزيف الدنى مع المحك .
- وللمحك طريق إلى الصحيح والزائف ، قد جعله الله أميرا للجسم والقلب .
- ولما كان للشياطين مع غلظتهم وقوف على أسرارنا وأفكارنا ومذاهبنا ،
1785 - ولهم مسالك خفية إلى ما استتر منا ، ونكون من تسلطهم منقلبين ( على أعقابنا )
- وهم لحظة بلحظة يصيبوننا بالتخبط والخسارة ، فهم من أصحاب النقب يشقون الفجوات ! !
- إذن فلماذا لا تكون الأرواح المستنيرة في الدنيا عالمة بالأحوال الخفية ؟ !
- وكيف تكون في تسللها إلينا أقل من الشياطين ، تلك الأرواح التي نصبت خيامها على الفلك ؟ ! !
- إن الشيطان ليتسلل خفية إلى الفلك ، فيطعن من شهاب محرق ثاقب ! !
1790 - فيسقط من الفلك منقلبا مثلما يسقط الشقي في الحرب من طعن السنان ! !
- إن هذا يكون غيرة على الأرواح المقبولة ، إنه يسقطها من افلاكه منقلبة ! !
- وأنت حتى إذا كنت مشلولا وأعرج وأعمى وأصم ، فلا يساورنك هذا الظن بالأرواح العظيمة .
- فاخجل ، وكفاك ثرثرة ولا تصب روحك بالأذى فهناك جواسيس كثيرة في تلك الناحية من الجسد .
« 193 »
ادراك الأطباء لأمراض الدين والقلب في سيماء المريد والغريب
ولحن قوله ولون عينيه ، وبدون هذا كله عن طريق القلب مصداقا
لقول القائل : انهم جواسيس القلوب فجالسوهم بالصدق .
- إن أطباء البدن هؤلاء علماء ، أكثر علما منك بسقامك .
1795 - فما إن يبصروا حالك من القارورة ، وأنت لا تدرى أن ثمة مرضا فيك من هذه الناحية ،
- يدركون كل نوع من السقم فيك من النبض ومن اللون ومن النفس ،
- اذن كيف لا يعلم الأطباء الإلهيون كل شئ عنك دون قول منك ؟ !
- انهم يدركون من نبضك ومن عينيك ومن لونك مائة سقم منك على الفور . .
- بل إن الذي يحتاجون إلى هذه الأمور أطباء مبتدئون .
1800 - اما الكمل فيسمعون اسمك على البعد ، يشرعون في الغوص إلى أعماق وجودك .
- بل إنهم قبل ميلادك لسنوات ، وربما يرونك بكل أحوالك . « 1 »
اعطاء أبى يزيد البشارة عن مولد أبى الحسن الخرقانى
- قدس الله روحيهما
- قبل سنوات من حدوثه ، والحديث عن أمارات صورته وسيرته . . بتفاصيلها ، وكتابة المؤرخين لهذا الأمر ترصدا وانتظارا
- هل سمعت قصة أبى يزيد ، ماذا كان قد رأى عن حال أبى الحسن ( رؤية ) مسبقة ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 277 انهم يعلمون أحوالك بتفصيلاتها ، وذلك أنهم مترعون بالأسرار الإلهية .
« 194 »
- كان سلطان التقوى ذاك يمر ذات يوم مع مريديه في ناحية من الخلاء والوادي .
- فنفذ إلى أنفه شذى طيب وهو في سواد الري ، ( وكان آتيا ) من صوب خرقان .
1805 - فأن في ذلك المكان أنه مشتاق ، واستنشق الشذى من النسيم .
- لقد أخذ يستنشق ذلك الشذى بعشق ، كانت روحه تتذوق الخمر من الرياح ! !
- فالآنية التي تكون ملآنة بالماء والثلج ، يبدوان على ظاهرها كالعرق .
- لقد صار هذا سيالا من برودة الهواء ، والطل لم يخرج من داخل الآنية
- لقد تحولت الريح الآتية بالشذى له إلى ماء ، وتحول الماء إلى خمر صافية .
1810 - وعندما ظهرت عليه آثار السكر ، واقترب منه أحد المريدين ،
- ثم سأله عن هذه الأحوال الطيبة الخارجة عن حجاب ( الحواس ) الخمسة ( والجهات ) الستة ؟ !
- قائلا : إن الألوان تتعاقب على وجهك فيصير أحمر ثم أصفر ثم أبيض فأية حالة هذه ؟ ! وماذا تبشر به ؟ !
- إنك تتنسم العبير ولا زهر هنا ، إنه بلا شك من الغيب من الروضة الكلية .
- فيا منى روح كل من ليس في هوى نفسه ، أتبلغك كل لحظة من غيبك رسالة وكتاب ؟ !
1815 - إنك كل لحظة مثل يعقوب يصل إلى مشامك من ( قميص ) يوسف شفاء .
« 195 »
- صب علينا قطرة من ذلك القدر ، وتحدث معنا بنبذة عن هذه الروضة . .
- فلسنا معتادين أيها الجمال الأعظم . . أن تشرب أنت وحدك بينما تظل شفاهنا جافة . .
- ويا طاوى الفلك خببا . . إنهض سريعا . . وصب علينا جرعة مما شربت .
- فلا يوجد أمير مجلس في عصر آخر راع للمريدين سواك أيها الملك العظيم .
1820 - فكيف يمكن احتساء هذه الخمر في الخفاء ، واعلم أن الخمر فاضحة للمرء يقينا .
- ولنفرض أنه يكتم رائحتها ويكنها . . ماذا يفعل في عينه الناعسة المخمورة ؟ ! !
- وهي في حد ذاتها ليست تلك الرائحة التي تجعلها مئات الآلاف من الحجب مستورة في هذا العالم .
- لقد امتلأ من نفاذها الوادي والصحراء ، أي واد ؟ ! بل لقد تجاوزت الأفلاك التسعة ! !
- فلا تغلق فوهة هذا الدن بالطين والتبن ، فليست هذه العارية - مما يقبل الغطاء والكساء .
1825 - وتلطف يا ناطقا بالأسرار وعالما بالأسرار ، وتحدث الينا عما صاده بازيك !
- فقال : لقد هبت علىّ رائحة عجيبة ، مثل تلك التي نفذت إلى أنف النبي من ( ناحية ) اليمن .
« 196 »
- لقد قال محمد عليه السلام : على يد الصبا تأتيني من اليمن ريح الرحمن .
- إن عبير « رامين » تهب من روح « ويس » وريح الرحمن يهب أيضا من « أويس » .
- لقد هب من أويس ومن قرن أريج عجيب ، جعل النبي ثملا شديد الإنتشاء والطرب .
1830 - وعندما كان أويس قد فنى عن نفسه ، فإن ذلك الأرضي قد صار سماويا
- وذلك النبات المسمى بالاهليلج الذي ربى في السكر ، لا يبقى بعد مذاقه المر .
- لقد نجا ذلك النبات من الكبر والأنية ، وهو على صورة ذلك النبات لكن ليس له طعمه . « 1 »
- إن هذا الكلام لا نهاية له فعد ( لنر ) ما قاله ذلك الأسد الهصور من وحى الغيب . « 2 »
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : اني لأجد نفس
الرحمن من قبل اليمن .
- قال ( أبو اليزيد ) من هذه الناحية يهب شذى حبيب يقول : ان سلطانا عظيما سوف يولد في تلك القرية .
1835 - وبعد عدد من السنين سوف يولد ملك عظيم ، يجعل مقره « 3 » في عنان السماء .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 280 :
وان ذلك الذي تجاوز نفسه تماما ، قد طوي كبره وأنيته .
( 2 ) البيت في نسخة جعفري ( ج - 10 / ص 282 ) بعد العنوان .
( 3 ) حر : يضرب خيمته .
« 197 »
- يكون وجهه متوردا من روضة الحق ، كما أنه يكون أعلى منى مقاما .
- ( قال ) : ما اسمه ؟ ! أجاب : اسمه أبو الحسن ، كما قال أن حليته في الحاجب والذقن .
- ووصف قوامه ولونه وشكله مفصلا ، كما تحدث عن ( صفة ) ذوائبه ووجهه .
- كما أبدى أيضا حلى روحه . . من صفات وطريقه وموضع ومقام .
1840 - إن حلية الجسد عارية كالجسد . . فلا تعلق قلبك بها كثيرا فهي ساعة .
- وحلية الروح الطبيعية أيضا إلى فناء ، فاطلب حلية تلك الروح التي تكون على السماء .
- إن جسده كالمصباح فوق الأرض ، بينما يكون نوره أعلى من السماء السابعة .
- إن شعاع الشمس هذا الموجود في الحجرة ، القرص الذي يبعثه موجود في السماء الرابعة .
- وصورة الوردة تكون تحت الأنف من أجل السرور الصوري ، لكن رائحة الوردة تنفذ إلى سقف الأنف وإيوانه !
1845 - والرجل النائم في عدن يعاني فرقا ، وينعكس هذا على جسده عرقا .
- والقميص في مصر رهن عند حريص ، لكن كنعان مليئة بعبير . .ذلك القميص .
- فكتب ( المريدون ) التاريخ في تلك اللحظة ، وزينوا هذا السفود بالشواء
- وعندما حل ذلك الوقت وحان حين ذلك التاريخ تماما ، ولد ذلك الملك ولعب نرد الملك . « 1 »
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 283 و 288 : ورد بيتان بدلا البيت : - عندما حل الوقت وحان حين ذلك التاريخ تماما ،
ظهر ذلك الملك من تلك الأرض ونهض ولد ذلك الملك ولعب نرد الملك ، وظهر من العدم وساق مركبه وبينهما عنوان مولد أبي الحسن الخرقاني .
« 198 »
- وبعد كل تلك اسنوات بعد وفاة أبى اليزيد ، ظهر أبو الحسن .
1850 - وكانت كل خصالة من إمساك ( في محله ) وجود ، كما كان ذلك الملك قد تحدث منها تماما .
- إن اللوح المحفوظ دليل له ، ومن أي شئ هو محفوظ ؟ إنه محفوظ من الخطأ .
- أنه ليس تنجيما ولا رملا ولا رؤيا ( نائم ) انه وحى الحق والله أعلم بالصواب .
- ومن أجل التعمية على العوام عند البيان ، يسميه الصوفية وحى القلب .
- فاعتبره وحى القلب فهو موضع تجليه ، وكيف يكون خطأ ما دام القلب واعياً به ؟ !
1855 - أيها المؤمن ان كنت تنظر بنور الله ، فقد أمنت هنا من الخطأ والسهو .
« 1 »
نقص أجر روح الصوفي وقلبه في طعام الله
- عندما يكون الصوفي من الفقر في غم ، يكون فقره في حد ذاته حاضنة ومطعماً .
- ذلك أن الجنة حفت بالمكاره ، والرحمة من نصيب العاجز المنكسر .
- أما ذلك الذي يكسر الرؤوس علواً واستكبارا ، لا تنزل به رحمة من الحق أو من الخلق .
- ان هذا الكلام لا آخر له . . وذلك الشاب ضاق ذرعا من إنقاص كرايته .
1860 - وسعيد ذلك الصوفي الذي يكون رزقه قليلا ، يكون خرزه دراً وهو اليم ( الذي يحتويه ) .
..............................................................
( 1 ) العنوان عند جعفري بعد ثلاثة أبيات من هذا البيت .
« 199 »
- فكل من صار عالماً بذلك الرزق الخاص ، صار جديرا بالقرب وموضع الرزق .
- ذلك أن رزق الروح عندما ينقص تكون الروح مرتعدة من هذا النقصان
- فتدرك أن خطأ قد بدر منها ، بحيث تأذت مزرعة زهور فل الرضا « 1 »
- وكذلك فإن ذلك الشخص كتب رقعة إلى صاحب البيدر يشكو فيها من نقصان محصوله .
1865 - فرقعوا رقعته إلى أمير العطايا « 2 » فقرأ تلك الرقعة ولم يجب .
- قال أنه لا اهتمام عنده إلا بالطعام الدسم ، والسكوت أولى جدا بالأحمق .
- أنه لا يهتم أدنى اهتمام بالفراق أو الوصل ، أنه عبد للفرع ولا يبحث مطلقا عن الأصل .
- أنه أحمق مستغرق في الأنية ، ومن اهتمامه لا فراغ عنده للأصل .
- فاعلم أن السماوات والأرض على مثل تفاحة ، نبتت من شجرة قدرة الحق .
1870 - وأنت كدودة في قلب هذه التفاحة ، وغافل عن ( وجود ) الشجرة ووجود البستاني .
- وهناك حشرة أخرى موجودة أيضا في التفاحة ، لكن روحها على علم بما يوجد خارجها .
..............................................................
( 1 ) عند جعفري ( 10 / 293 ) : بحيث لم تتفتح زهور فل الرضا وتبدو أصح .
وبعدها عنوان : عودة إلي حكاية الغلام الذي كتب رقعة الملك بسبب نقص راتبه وعدم اهتمام الملك .
( 2 ) ترجمها نيكلسون أمير العدل ( 376 / 4 ) وهكذا ترجمها يوسف بن أحمد ( 4 / 262 ) ولكني آثرت ترجمتها هكذا فالكلمة تعنى بالفارسية العدل والعطاء وعند جعفري ( 10 / 294 ) إلى الملك العظيم لأنها ( راد ) وتبدو أصح .
« 200 »
- فتشق حركتها التفاحة ، ولا تحتمل التفاحة هذا الأذى .
- فتشق حركتها الحجب ، انها دودة في صورتها أفعى في حقيقتها .
- والنار التي تنبعث في البداية من الحديد ، إنما تنطلق في البداية بقدم واهية جدا .
1875 - ويكون بعض القطن حاضنة لها في البداية ، لكنها في النهاية توصل لهيبها إلى الأثير .
- والمرء من البداية رهن للنوم والطعام ، لكنه يصبح في آخر الأمر اسمى من الملائكة .
- وبمعونة من القطن والكبريت ، يصل لهيبه ونوره إلى نجم السماء .
- فيضئ العالم المظلم بنوره ، ويحطم بإبرة قطعة الحديد الضخمة .
- هذا بالرغم من أن النار نفسها جسمانية أيضا ، فلا هي من الروح ولا هي روحانية .
1880 - فلا نصيب للجسد من هذا العز ، والجسد كأنه قطرة بالنسبة لبحر الروح .
- والجسم يتزايد يوما بعد يوم من الروح ، وعندما تغادره الروح انظر إلى أي شئ يتحول .
- وحد الجسم ذراع أو ذراعان ليس أكثر ، لكن روحك جوالة حتى عنان السماء .
- وحتى بغداد وسمرقند أيها الهمام ، هي نصف خطوة في تصور الروح .
- ووزن شحمة عينيك در همان ، لكن نور روحها يصل إلى عنان السماء
1885 - ويُرى النور في النوم دون هذه العين ، وماذا تكون العين دون هذا النور إلا خرابا .
« 201 »
- فالروح فارغة من كبرياء الجسد ، لكن الجسد يكون بلا روح ميتة وذليلا .
- وهذا هو مجال الروح الحيوانية ، فتقدم قليلا وأنظر إلى الروح الإنسانية .
- واعبر الانسان . . وأيضا القال والقليل ، حتى شاطئ بحر روح جبرائيل
- وبعد أن تقبلك روح أحمد المصطفى بشفتيها ، فإن جبرئيل يتقهقر خوفا منك . « 1 »
1890 - ويقول : إذا تقدمت مرمى قوس واحد لا حترقت أمامك في التو واللحظة .
ضيق ذلك الغلام من عدم وصول جواب الرقعة من الملك
- إن هذه الصحراء لا بداية لها ولا نهاية ( لا رأس لها من قدم ) ، لقد تعب ذلك الغلام من بقاء خطابه بلا جواب . « 2 »
- ( وأخذ يتساءل ) : عجبا : كيف لم يجب علىّ الملك ؟ لعل حامل الرقعة قد خان من حسده لي ،
- فخبأ الرقعة ولم يظهرها للملك ، إذ كان منافقا ، وماءً من تحت تبن .
- فلأكتب رقعة أخرى على سبيل التجربة ، ولأبحث عن رسول آخر ( يوصلها للملك ) يكون ماهرا .
1895 - لقد عاب ذلك الغافل من جهله على الأمير والطباخ والرسول .
..............................................................
( 1 ) عند جعفري ( ج - 10 / 295 ) ، ويتقهقر جبرئيل عن منتصف طريقك . إشارة إلي الحادثة المشهورة في المعراج .
( 2 ) ج 10 / 302 :
- عندما لم يأت جواب الخطاب تحير ، وتكدر من الفم ماؤة الصافي .
- ولم يقر له قرار أو يواتيه النوم من جنونه ، كان منقلبا من التفكير ليل نهار .
« 202 »
- ولم يتفحص أمر نفسه على الاطلاق قائلا : لقد قمت بسير معوج كما يفعل في الدين عابد الوثن .
هبوب الريح باعوجاج ( علي غير مهبها ) علي سليمان
عليه السلام بسب زلته
- هبت ريح في غير مهبها على عرش سليمان ، فقال لها سليمان : أيتها الريح لا تهبى باعوجاج .
- فقالت الريح : لا تعوج أنت أيضا يا سليمان في سيرك ، وإذا كنت تمشى باعوجاج ، لا تغضب من اعوجاجى .
- لقد وضع الله هذا الميزان ( بالقسط ) ، حتى يجرى علينا الانصاف في سابق علمه .
1900 - ( قائلا ) : إن انقصت من الميزان انقص أنا أيضا منه ، وانا واضح معك ما دمت واضحا معي .
- وهكذا فقد مال تاج سليمان ( عن رأسه ) ، وجعل نهاره المضئ ( أمامه ) كأنه الليل .
- فقال له : أيها التاج لا تمل عن مفرقي ، ويا أيتها الشمس لا تغيبى عن مشرقى .
- كان يصلح من ذلك التاج بيديه ، فكان التاج يميل ثانية ( عن رأسه ) ، أيها الفتى .
- لقد أصلح من وضعه ثماني مرات وهو يميل . . فقال له : أيها التاج ما خطبك ؟! لا تمل .
1905 - فقال له : لو أصلحتنى مائة مرة لملت ، إذ أنك تميل ( إلى الهوى ) أيها المؤتمن ! !
« 203 »
- فصحح سليمان من باطنه ، وصرف نفسه عن تلك الشهوة التي كانت في داخله .
- ثم إن التاج صلح في نفس تلك اللحظة ، وصار ، ما كان يريده أن يكون .
- ثم أخذ ( سليمان عليه السلام ) يميله عامدا ، فكان التاج يعود من تلقاء نفسه باحثا عن المفرق .
- فأماله ثماني مرات ذلك العظيم ، فكان التاج يستقيم على مفرق رأسه .
1910 - ثم نطق التاج قائلا : فلتهنأ أيها الملك ، وما دمت قد نفضت طين ( الهوى ) عن جناح ( الروح ) فطر .
- وليس هناك أمر بأن أتجاوز هذا ( المقدار ) ، وأمزق حجب الغيب عن هذا ( السر ) .
- فضع يدك على فمي . . وسد هذا الفم عن قول ما ليس يقال .
- ومن هنا فأن أي حزن يطرأ عليك من ألم ، لا تتهم أحدا به بل فتش عنه في نفسك .
- ولا ينسحب ظنك على انسان اخر أيها الحبيب ، ولا تقم بما كان يقوم به الغلام من جدال .
1915 - حينا يكون جداله مع الرسول وحينا مع الطباخ ، وحينا ( يصب ) غضبه على الملك السخى .
- مثل فرعون الذي كان قد ترك موسى ، وأخذ في قطع رؤوس أطفال الخلق .
- كان العدو موجوداً في منزل ذلك الأعمى القلب ، بينما انهمك هو في قطع رؤوس الأطفال ( الآخرين ) .
« 204 »
- وأنت أيضا سئ مع الأخرين في ظاهرك، وفي باطنك تصالحت مع النفس ثقيلة ( الحمل ).
- انها عدوتك ومع ذلك تقدم لها السكر، ثم تلقى التهمة على كل انسان ( يحيط بك ) خارجك.
1920 - انك كفرعون أعمى ( البصر ) وأعمى القلب ، طيب مع عدوك مذل الأبرياء .
- فحتام تقتل البرئ يا فرعون ، وتكرم الجسد الملئ بالغُرم .
- لقد كان عقله زائدا على عقل الملوك ، لكن حكم الحق كان قد جعله أعمى بلا عقل .
- وان ختم الحق على عين العقل وأذنه ، يجعل المرء حيوانا وان كان أفلاطون .
- وحكم الحق يكون مكتوبا على اللوح ( المحفوظ )، مثل حكم الغيب الذي كان عند أبي يزيد.
استماع الشيخ أبى الحسن رضي الله عنه عن
إخبار أبي يزيد عن وجوده وأحواله .
1925 - وهكذا قد روى أن أبا الحسن ، سمع من الناس ما كان ( أبو يزيد ) قد قاله ،
- من أن أبا الحسن يكون مريدا لي ومن أمتي ، وهو آخذ كل يوم للدرس من تربتى .
- فقال : انا أيضا رأيت هذا في الحلم ، وسمعت نفس هذا الأمر من روح الشيخ .
- وكان يتجه كل صباح إلى القبر ، ويقف في حضور حتى الضحى .
« 205 »
- فإما ان مثال الشيخ كان يحضر أمامه ، واما أن مسائله كانت تحل دون كلام .
1930 - حتى أتى ( اليه ) ذات يوم مسعود ، وكان الثلج قد غطى القبور .
- رأى الثلوج المكدسة كأنها الأعلام ، قد تراكمت كالقباب المتتالية ، وأحس بالحزن في روحه .
- فصاح به من حظيرته ذلك الشيخ الحي « ها أنا أدعوك كي تسعى إلىّ » « 1 »
- هيا تعالَ سريعا نحوى على هذا الصوت ، وإذا كان العالم كله قد صار ثلجا فلا تشح بوجهك عنى .
- فتحسنت أحواله من ذلك اليوم ، ورأى ( عيانا ) تلك العجائب التي كان يسمع عنها من البداية .
كتابة ذلك الغلام رقعة أخري إلى الملك عندما لم يتلق جوابا
على الرقعة الأولي
1935 - فكتب رقعة أخرى ذلك السئ الظن ، مليئة بالتشنيع والغلظة والصراخ
- قائلا : لقد كتبت رقعة إلى الملك ، فوا عجبا هل وصلت إليهم واتخذت طريقها .
- لقد قرأ هذه الرسالة أيضا ذلك الوضاء الوجه ، ولم يجب عنها أيضا وصمت .
- كان الملك يضطره إلى الصمت ، لكنه كرر كتابة الرقعة خمس مرات :
- فقال الحاجب : إنه في النهاية من عبيدك ، ومن الجائز أن تكتب ردا عليه .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
« 206 »
1940 - فما الذي ينقص من ملوكيتك ، إذا ألقيت نظره على غلمانك وعبيدك ؟ !
- قال : هذا سهل ، لكنه أحمق ، والأحمق قبيح ومردود من الحق .
- ولو انني سامحته وتجاوزت عن ذنبه وزلته ، لأصبت بالعدوى من علته
- ومن أجرب واحد يصاب مائة شخص بالجرب ، خاصة هذا الجرب الخبيث غير المقبول .
- فلا أصيب ( حتى ) المجوسي بجرب الحمق ، فان شؤمه ليصيبن بالجدب .
1945 - ولا يسقط المطر من شؤمه ، وتصير المدينة خرابا من طبعه الذي يشبه طبع البوم .
- ومن جرب هؤلاء الحمقى ، خرب طوفان نوح عالماً ، وجعله مفتضحا « 1 »
- لقد قال الرسول عليه السلام : الأحمق أيا كان عدونا ، وهو غول قاطع للطريق .
- وكل من يكون عاقلا فهو حبيب لنا ، روحُه وريحه ريحان لنا .
- إن العقل ليشتمنى وأنا راض ( بشتمه ) ، فان لديه فياضا من الذي يفيض علىّ .
1950 - ولا يكون شتمه هذا بلا فائدة ، ولا يكون ضيفه ( محروما ) من المائدة .
- والأحمق ان وضع الحلوى بين شفتى ، أكون من حلواه هذه في حمى
- فاعلم يقينا ان كنت لطيفا مستنيرا ، أنه لا طعم لقبلة من مؤخرة حمار .
..............................................................
( 1 ) هنا عنوان في نسخة جعفري ( ج - 10 / ص 312 ) مدح الرسول للعاقل وذمه للأحمق .
« 207 »
- انه يجعل شاربك نتن الرائحة بلا فائدة ، وقدره يسود ثيابك بلا مائدة
- ومائدة العقل ليست في الخبز والشواء ، ان نور العقل يا بنى هو غذاء الأرواح .
1955 - وليس إلا النور طعاما للإنسان ، ومما عداه لا تجد الروح التربية .
- فانقطع عن هذه الأطعمة قليلا قليلا ، فهي غذاء للحمار لا للرجل الحر .
- حتى تكون قابلا للغذاء الأصلي ، وتكون آكلا للقيمات النور .
- فمن انعكاس ذلك النور صار الخبز خبزا ، ومن فيض تلك الروح صارت هذه الروح روحاً .
- وعندما تأكل مرة واحدة من طعام النور ، فإنك تحثو التراب على الخبز والتنور .
1960 - والعقل عقلان أو لهما عقل مكتسب ، نتعلمه كما ( يتعلم ) الصبى في المكتب .
- ( وهذا العقل ) من الكتاب والأستاذ والفكر والذكر ومن المعاني ومن العلوم الطيبة البكر .
- ( وبها ) يزيد عقلك على عقول الأخرين ، لكنك تصير ثقيلا من حفظها
- وتكون لوحا حافظا في غدوك ورواحك ، أما الذي جاوز ( هذه الدرجة ) فقد صار لوحا محفوظا .
- أما العقل الآخر فهو هبة من الله تعالى ، وإنما يكون منبعه من قلب الروح .
1965 - وعندما يطف ماءُ المعرفة في الصدر ، فلا هو يتسنه ولا يأسن ولا يصفر .
« 208 »
- وإذا سُدَّ الطريق إلى منبعه فلا بأس ، ما دام يفور ( من داخل ) المنزل لحظة بلحظة .
- أما العقل المكتسب فهو على مثال الجداول ، انما تجرى في الدور من الأزقة .
- وإذا سُدّ طريق الماء إليها حرمت ( منه ) ، فابحث عن نبع من داخل نفسك .
قصة ذلك الشخص الذي كان يستشير أحدهم
فقال له : استشر آخر فأنا عدوك
- كان أحدهم يستشير آخر ، حتى ينجو من التردد ومن ورطة ( سقط فيها ) .
1970 - فقال له يا حسن الاسم أطلب غيرى ، وأسر إليه بما يهمك وما تريد المشورة فيه .
- وأنا عدوك فلا تطف حولى ، فلا يوجد من رأى لعدو نصر أبدا .
- فاذهب وأطلب شخصا يكون لك صديقا ، والصديق - بلا شك - هو من يرجو لصديقه الخير .
- أما أنا فعدو لك ولا بد من أنيتى - أن أكون معوجّا معك وأن أبدى لك العداوة .
- وليس من المعقول طلب الحراسة من الذئب ، والبحث في غير موضعه عدم بحث .
1975 - ولأننى بلا شك عدو لك ، متى أبدى لك الطريق وأنا قاطع طريقك .
- وكل من يكون جليسا للأصدقاء ، فهو في بستان ، وإن كان في مستوقد حمام .
« 209 »
- وكل من يجالس عدوا - ولو للحظة واحدة - ويكون في بستان ، فكأنه في مستوقد الحمام .
- فلا تؤذ الصديق من إبداء الكبرياء والأنية ، حتى لا ينقلب الصديق خصما وعدوا لك .
- وأفعل الخير مع الخلق من أجل إلهك ، أو من أجل راحة نفسك .
1980 - وما دمت تراهم أصدقاء أمام ناظريك، فإنه لا تتمثل في قلبك صور سيئة من الحقد.
- وما دمت قد أقمت معي بناء العداء فاخش واتق ، وتشاور مع صديق محب .
- قال : إنني أعرفك ، يا أبا الحسن ، ( أعرف ) أنك عدو قديم لي .
- لكنك رجل عاقل ( مهتم ) بمعانى ( الأمور ) ، ولا يسمح عقلك لك أن تسير باعوجاج .
- إن الطبع يريد ( منك ) أن تنتقم من خصمك ، لكن العقل ( يقف ) أمام النفس ( الأمارة ) كسد حديدى .
1985 - إنه يمنعه ويحول بينه وبين ( الشر ) ، فالعقل بمثابة الشرطي بالنسبة له في الخير والشر .
- والعقل الإيمانى كالشرطى العادل فهو حارس لمدينة القلب حاكم عليها
- يكون كالقط يقظ اللب ، يبقى اللص ( قابعا ) في جحره كالفأر .
- وحينما يبدي الفأر قوته ، لا قط هناك ، ولا صورة لقط .
- أي قط ( أقول ) ؟ أنه أسد مجندل للأسود ، ذلك العقل الايمانى الذي يكون في الجسد .
« 210 »
1990 - يكون زئيره حاكما على الوحوش ، صيحة واحدة منه تمنع الحيوانات التي ترعى .
- وإذا كانت المدينة مليئة باللصوص وسراق الملابس، فسواءٌ وجود الشرطي وعدمه. «1»
.
يتبع