حكاية ذلك الذي كان طالبا للرزق الحلال بلا كسب وتعب في عهد داود .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية ذلك الذي كان طالبا للرزق الحلال على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية ذلك الذي كان طالبا للرزق الحلال بلا كسب وتعب المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
“ 206 “
عودة إلى شرح حكاية ذلك الذي كان طالبا للرزق الحلال بلا كسب
وتعب في عهد داود عليه السلام والاستجابة إلى دعائه
- يذكرني ذلك بتلك الحكاية ، أن هذا الفقير كان يجأر بالصياح والضراعة ليل نهار .
- وكان يطلب من الله الرزق الحلال ، بلا صيد أو تعب أو كسب وانتقال .
2310 - لقد ذكرنا من قبل بعض أحواله ، لكن حدث بعض التأخير وتضاعف وامتد “ 1 “ .
- ونحن نقول له : إلي أين كان سيمضي ؟ عندما انصبت الحكمة عن سحاب فضل الحق ؟
- لقد راه صاحب الثور وقال له : توقف ، يا من صار ثوري بظلمك رهينا لديه .
- وانتبه وقل لي لماذا ذبحت ثوري ، أيها الأبله السارق ؟ أنصف وأصدق في الجواب .
- فأجاب : كنت كل يوم أطلب الرزق من الله ، وكنت أزين القبلة بضراعتي “ 2 “ .
2315 - فاستجيب لي دعائي القديم ، كان رزقا لي ، وذبحته ، هذا هو الجواب .
- فاتجه إليه غاضبا وأخذ بخناقه ، ولطمه عدة لطمات شديدة علي وجهه بلا توقف أو إمهال .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : صارت خمسة مضاعفة .
( 2 ) ج / 8 - 46 : ( محمد تقي جعفري تفسير ونقد وتحليل مثنوي جلال الدين محمد بلخي
- قسمت سوم از دفتر سوم - ط 11 تهران 1366 . فيما بعد ج / 8 ) :
- لقد بعد كان عملي لسنوات هو الدعاء ، حتى أرسل إلي الله تعالى النور وعندما رأيت الثور نهضت ، كان رزقي وأرادت ذبحه .
“ 207 “
ذهاب الخصمين إلى داود عليه السلام
- وأخذ يجره إلي داود النبي ، قائلا له : هيا أيها الظالم الأبله الغبي ! !
- واترك هذه الحجة السخيفة أيها المحتال ، وأعد عقلك إلي جسدك وعد إلي وعيك .
- ما هذا الذي تقول ؟ أي دعاء يكون ؟ لا تسخر من رأسي ولحيتي ومن نفسك أيها الفاسد .
2320 - فقال : لقد توجهت إلي الله بدعاء عريض ، وكدحت كثيرا في هذا الدعاء .
- وأنا موقن بأن الله استجاب لدعائي ، فاضرب رأسك بعرض الحائط يا فاحش القول .
- فقال : تجمعوا هنا يا مسلمين ، وانظروا إلي هزل هذا الحقير وهذيانه “ 1 “
- و “ خبروني “ أيها المسلمون كيف يجعل الدعاء ما لي له بحق الله ! !
- ولو كان الأمر هكذا لكان كل الناس بهذا قد اغتصبوا حقدا أملاك الآخرين بدعاء واحد ! !
2325 - ولو كان الأمر هكذا لصار الشحاذون والعميان من الأغنياء والأمراء .
- فهم ليل نهار في دعاء وثناء ملحين قائلين : أرزقنا وأعطنا يا الله .
- فما دمت لا تعطي فلا أحد يعطي يقينا ، افتح علينا يا فتاح مشكل هذا الأمر .
- وتجارة العميان هي الضراعة والدعاء ، فلا يجدون من العطاء إلا لقمة تملأ الفم .
- وقال الناس : لقد صدق هذا المسلم ، أما هذا المتاجر بالدعاء فهو ظالم .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 49 : أيها المحتال ، إلام هذا الهذيان ؟ ، قل حجة قاطعة . . فماذا يكون الدعاء ؟ !
“ 208 “
2330 - فمتي يكون الدعاء من أسباب الملك ، ومتي سلكت الشريعة هذا القول في مسلكها ؟
- فالبيع أو الهبة أو الوصية أو العطاء ، أو ما هو من جنس ذلك يجعل الشيء لك .
- ففي أي دفتر هذه الشريعة الجديدة ، رد الثور إلي صاحبه أو فامض إلي السجن .
- فكان يوجه وجهه نحو السماء ، قائلا : لا يعرف ما بيننا سواك .
- لقد ألقيت أنت هذا الدعاء - في قلبي ، وأشعلت - كثيرا من الآمال بين جوانحي .
2335 - ولم أكن أنا أوجه هذا الدعاء جزافا ، إنني مثل يوسف كنت قد رأيت الأحلام .
- لقد رأي يوسف الشمس والكواكب ساجدة أمامه كأنها الأتباع .
- كان اعتماده علي الرؤيا الصادقة ، ولم يكن في الجب والسجن يبحث إلا عنها .
- ومن ثقته في هذا الأمر لم يطرأ عليه أي حزن أو اهتمام من العبودية أو من العطاء والمنع والملام .
- كان واثقا في رؤياه التي كانت تضيء له الطريق كأنها شمعة أمامه .
2340 - وعندما ألقوا بيوسف في البئر ، هتف به هاتف من الإله .
- قائلا : إنك في يوم من الأيام سوف تصير ملكا أيها البطل . حتى تنتقم منهم لهذه القسوة التي عاملوك بها .
- والهاتف بهذا النداء لا يبدو للنظر ، لكن القلب عرف القائل من اثاره .
- ووقر في قلبه من هذا النداء ، قوة وراحة وثقة .
- فصار البئر عليه بهذا النداء الجليل ، روضة ومحفلا كما صارت النار علي الخليل .
“ 209 “
2345 - وكان كل جفاء يحل به بعد ذلك ، يجذبه إليه بقوة وفرح وعلي هذا النسق .
- فإن لذة نداء “ الست “ في قلب كل مؤمن حتى يوم الحشر .
- وذلك حتى لا يبقي لديهم علي البلاء اعتراض ، ولا يكون عندهم من أمر الحق ونهية انقباض .
- فإنه يجعل لقمة الحكم التي تصيب بالمرارة ، سائغة كمنقوع السكر بالورد .
- وعندما لا يكون عند أحد ثقة في منقوع السكر بالورد ، فإنه يقييء هذا الشراب منكرا له .
2350 - وكل من رأي رؤيا يوم “ ألست “ يصير ثملا في طريق الطاعات .
- ويتحمل كالجمل المنتشي هذا الجوال ، بلا فتور وبلا شك وبلا ملال .
- فإن زبد تصديقه حول فمه ، صار دليلا علي سكره وحرقته .
- فصار البعير من قوته كأنه الأسد الهصور ، قليل الطعام يحمل الأحمال الثقال .
- والذي من شوقه إلي الناقة يحس بشدة الفاقة ، يبدو الجبل أمامه كأنه الشعرة .
2355 - أما الذي لم ير هذه الرؤيا “ ألست “ فإنه لم يصبح في هذه الدنيا عبدا ومريدا .
- ولو أصبح ، يكون في شكه ذا مائة قلب ، يكون شكره لحظة وشكواة سنة .
- إنه يخطو خطوة إلي الأمام وخطوة إلي الخلف في طريق الدين ، مع كثير من التردد ويلا يقين .
- إنني مدين بشرح هذا أو هأنذا أقوم به ، وإن كنت في عجلة فاستمع إلي “ ألم نشرح “ .
“ 210 “
- وما دام شرح هذا المعني بلا نهاية ، فسق مركب “ 1 “ القول نحو مدعي الثور .
2360 - قال : لقد دعاني أعمي من هذا الجرم ذلك المحتال ، لقد قاس كإبليس يا الله .
- فمتي كنت أوجه الدعاء كالعميان ، ومتي تكديت إلا من الخالق ؟
- إن الأعمي يطمع في الخلق من جهله ، وأنا أطمع فيك فكل صعب منك سهل .
- إن هذا الرجل قد اعتبرني أعمي من العميان ، إنه لم ير ضراعة روحي وإخلاصها .
- إن عماي هذا هو عمي العشق ، والحب يعمي ويصم يا حسن .
2365 - إنني أعمي عمن هو غير الله مبصر به ، وهذا هو ما يقتضيه العشق .
- وأنت أيها البصير لا تعتبرني من العميان إنني دائر حول لطفك أيها المدار .
- وكما أبديت الرؤيا ليوسف الصديق وجعلتها له سندا .
- فإن لطفك أيضا قد أبدي لي رؤيا ، ودعائي الذي حد له هذا لم يكن لهوا
- والخلق جميعا لا يعرفون أسراري . ومن ثم يعتبرون أقوالي من قبيل الهذيان .
2370 - والحق معهم فمن الذي يعلم سر الغيب إلا علام السر وستار العيب .
- فقال له الخصم : “ التفت إلي وقل الصدق ، فأي اتجاه لك نحو السماء يا عماه ؟ “
- إنك تقوم بالألا عيب وتغالط ، وتتشدق بحديث العشق وكلمات القرب .
- فبأي وجه ما دمت ميت القلب قد اتجهت إلي السماء ؟
- فوقعت ضجة في المدينة من هذا الأمر وذلك المسلم يطأطىء بوجهه إلي الأرض .
2375 - قائلا : يا الله لا تفضح عبدك هذا ، وإذا كنت شريرا لا تكشف سري .
..............................................................
( 1 ) حرفيا سق الحمار .
“ 211 “
- إنك تعلم ، والليالي الطويلة التي كنت أتجه فيها إليك بالدعاء شديد التضرع .
- وإذا لم يكن لهذا قيمة عند الخلق ، فهو عندك كأنه المصباح المنير “ 1 “ .
استماع داود عليه السلام كلام كل من الخصمين
وسؤاله المدعى عليه
- وعندما خرج إليهم النبي داود قال : هيه : . . ما هذه الأحوال ، وماذا يجري ؟
- فقال المدعي : الغياث يا نبي الله ، لقد وقع ثوري علي منزله فقتله .
2380 - فسله : لماذا ؟ لماذا ذبح ثوري ؟ ولَيفسَّر ما حدث .
- فقال له داود : قل يا أبا الكرم : كيف أتلفت أملاك هذا المحترم ؟
- هيا ولا تتحدث كحاطب ليل وبين حجتك ، حتى يفصل في هذه الدعوى وينتهي الأمر .
- قال : يا داود لي سبع سنوات وأنا مشغول بالدعاء والسؤال ليل نهار .
- وهكذا كنت أطلب من الله داعيا : يا الله أريد رزقا حلالا بلا كسب .
2385 - والرجال والنساء يعرفون تضرعي ، حتى الأطفال يمكنهم أن يصفوه لك .
- فسل أي إنسان تريد عن هذا الخبر ، ينبئك به بلا قسر ولا ضرر .
- اسأل الخلق في السر واسألهم في العلن ، عما كان يقوله هذا الفقير المهلهل الثياب .
- وبعد كل هذا الدعاء وكل هذه الضراعة ، رأيت ثورا في منزلي فجأة .
- وغشي بصري ، ليس من أجل قطع اللحم ، كان فرحى لأن الله استجاب لقنوتي .
2390 - فذبحته من فوري وتصدقت بلحمه شكرا علي أن عالم الغيب قد استمع لدعائي .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 51 : إنهم يريدون الثور مني يا الله ، وأنت الذي أرسلته وأنا لم أخطىء
“ 212 “
حكم داود على قاتل الثور
- قال داود : دعك من هذا الكلام ، وقدم لنا حجة شرعية في هذه الدعوى .
- فهل تجيز أنت أن أسن سنة باطلة في المدينة دون حجة ؟
- هل وهبك إياه ؟ هل اشتريته ؟ هل ورثته ؟ كيف تأخذ الريع ؟ هل أنت شريكه في حرثه ؟
- فاعلم أن الكسب كالزراعة يا عماه ، ما لم تزرع لا تحصد .
2395 - وما تزرعه تحصده ويكون لك ، وإلا فقد ثبت عليك هذا الظلم .
- فامض وأد إلي المسلم ماله ولا تتشدق بالكلام وامض واقترض وأد ماله عليك ، ولا تطلب الباطل .
- قال أيها الملك إن ما تقوله لي ، هو نفس ما يقوله الظلمة ! !
تضرع ذلك الشخص في حكم داود عليه السلام
- وسجد وقال : يا عالما بالحرقة ، ألق في قلب داود ذلك النور ! !
- ضع في قلبه ما قد ألقيت في قلبي سرا يا متفضلا علي .
2400 - قال هذا وانفجر في بكاء مرير ، حتى انخلع قلب داود من موضعه .
- وقال : انصرف اليوم يا طالب الثور ، أمهلني ولا تثر هذه الدعوى .
- حتى أمضي نحو الخلوة وأصلي ، وأسأل عالم الأسرار عن تلك الأحوال .
- فإن من عادتي أن “ يأتيني “ هذا العطاء في الصلاة ، وهذا هو معني “ قرة عيني في الصلاة “ .
- تكون كوة روحي مفتوحة من الصفاء ، فتصل الرسائل من الله تعالى بلا واسطة .
2405 - تنزل الرسالة والمطر والنور من كوتي إلي منزلي من لدن أصلي ومعدني .
“ 213 “
- إن تلك الدار التي تفتقر إلي كوة تكون جحيما ، وأصل الدين أيها العبد هو فتح هذه الكوة .
- فقلل الدق ببلطتك فوق كل أجمة ، ودق ببلطتك في فتح هذه الكوة ، هيا .
- أو أنك لا تدري أن ضوء الشمس هو انعكاس الشمس الخارجة عن الحجاب .
- فإذا كنت تعتبر أن هذا النور هو الذي راه الحيوان ، إذن فما قيمة “ كرمنا “ بالنسبة لآدم ؟
2410 - وأنا - كالشمس - غارق في أعماق النور ، ولا أستطيع أن أفصل - ما بين نفسي وبين النور .
- لكن ذهابي إلي الصلاة وتلك الخلوة ، ليس إلا من أجل تعليم الخلق الطريق .
- إنني أمضي في طريق متعرج لكي تستوي هذه الدنيا ، وهذا هو معني “ الحرب خدعة “ أيها البطل .
- وليس هناك إذن إلا لكان الغبار قد ارتفع من بحر السر .
- وهكذا ظل داود يتحدث علي هذا النسق ، حتى أوشكت عقول الخلق علي الاحتراق .
2415 - فأخذ أحدهم بخناقة من خلفه ، قائلا له : اصمت لا شك عندنا في وحدانيته .
- فعاد إلي وعيه وكف عن الحديث ، وزم شفتيه وعزم علي الخلوة .
ذهاب داود إلى الخلوة حتى يظهر الحق
- أغلق بابه ، وانصرف حينذاك سريعا ، نحو المحراب والدعاء المستجاب .
- فأبدي له الحق ما أبداه له علي وجه التمام ، وصار واقفا علي جزاء الانتقام . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 66 : رأي أحوالا لم يقف أحد عليها ، وسرا خفيا يزيد الحيرة .
“ 214 “
- وفي اليوم التالي أتي المتخاصمان ، ووقفا علي السوية أمام داود النبي .
2420 - ثم جري ما جري علي النحو السابق ، وأخذ ذلك المدعي يلقى بالتشنيع القبيح . “ 1 “
حكم داود على صاحب الثور قائلا له : اترك حقك في هذا الثور ،
وتشنيع صاحب الثور على داود عليه السلام
- قال له داود : اصمت ودعك من هذا ، واجعل هذا المسلم في حل من ثورك .
- وما دام الله قد ستر عليك أيها الشاب ، فاذهب واصمت وأد لهذا الستر حقه ! !
- فقال : واويلاه ! ! أي حكم هذا وأي عدل ! ! هل ستضع من أجلي شريعة جديدة ؟
- لقد ذاعت شهرة عدلك بحيث عطرت منه السماء والأرض .
2425 - لكن هذا الظلم لم يجر حتى على الكلاب العمياء ، لقد انشق الحجر والجبل من هذا التعدي وتمزقا إربا .
- وهكذا أخذ يشنع علي الملأ صائحا : اجتمعوا ! ! اجتمعوا ! ! هذا أوان الظلم. “2”
حكم داود على صاحب الثور أن : أعطه كل مالك
- ثم قال له داود : أيها العنود ، هبه كل مالك سريعا .
- وإلا شق عليك الأمر قلت لك ، وحتى لا يفتضح من جراء هذا ظلمك .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 96 : أعطني ثوري سريعا أيها المحتال ، واخجل من إلهك ومثل هذا الظلم الواضح الذي لا يليق ، يحري في عهد النبي . .
هيا ، لقد أكلت الثور المذبوح بلا خوف ولا وجل وتزيد في الجواب أيها اللئيم ، قائلا لقد دعوت لسنوات
- وطلبت من الحق فأعطاني إياه - فهل يجوز هذا يا رسول الحق - أن يكون الثور ثوري ويعطيه له الله ؟ !
( 2 ) ج / 8 - 68 : فلا توجه إلي هذا الظلم والخطأ ولا تتحدث يا نبي الله عن هذا الفسق .
“ 215 “
- فحثا التراب علي رأسه ومزق ثوبه قائلا : أإنك لتزيدن في الظلم كل لحظة ؟
2430 - ثم انطلق مرة أخري في هذا التشنيع ، فاستدعاه دواد إليه .
- وقال : لما لم يكن لك - حظ أيها التعس ، فإن ظلمك قد افتضح قليلا قليلا .
- لقد نجست “ بالظلم “ وآنذاك تطلب الصدر والحضرة ، وا أسفاه عليك من حمار “ تأكل “ التبن والقش .
- اذهب فإن أبناءك وزوجتك ، قد صاروا عبيدا له فلا تزد في القول !!
- فأخذ يدق صدره بحجر بكلتا يده ، وأخذ يقفز من جهله وغضبه إلي أعلي ثم ينزل .
2435 - وبدأ الخلق أيضا في اللوم ، إذ كانوا غافلين عن فعله .
- فمتي يعرف الظالم من المظلوم ذلك الذي يكون في مهب هواه ، كأنه القذي ؟
- إن من يعرف الظالم من المظلوم هو ذلك الشخص الذي يقطع رأس “ نفسه “ الظلوم .
- وإلا فإن ذلك الظلوم الذي هو النفس تكون من باطنها خصما للمظلومين ، وهذا من جنونها .
- والكلب العقور هو الذي يحمل علي المسكين ، وبقدر ما يستطيع يعقر ذلك المسكين .
2440 - فاعلم أن الحياء من “ صفات “ الأسود لا الكلاب ، فهي لا تسلب الصيد من جيرانها .
- والعوام قتلة للمظلوم عبدة للظلمة ، خرجت “ كلاب “ غضبهم من مكامنها قافزة علي داود .
“ 216 “
- فاتجهوا إلي داود قائلين : أيها النبي المجتبي الشفيق بنا .
- إن هذا لا يليق منك فهو ظلم بين ، ولقد قهرت بريئا بلا داع .
عزم داود عليه السلام على دعوة الخلق إلى الخلأ
حيث يفشى السر ويقطع كل الحجج
- قال : أيها الرفاق ، لقد حان الوقت الذي ينكشف فيه سره الخفي .
2445 - فهيا جميعا حتى نمضي خارجا ، وحتى نعلم هذا السر الخفي .
- ففي صحراء كذا شجرة ضخمة ، فروعها كثيفة وممتدة ومتشابكة ،
- وجذعها راسخ وجذورها ممتدة ، لكن رائحة الدم تهب علي أنفي من جذورها .
- لقد سفك دم تحت هذه الشجرة الطيبة ، إذ إن هذا المشئوم قتل سيده “ 1 “ .
- وحتى الآن ستر حلم الله هذا الأمر ، وفي النهاية من جحود هذا الديوث
2450 - الذي لم يقم مرة واحدة بزيارة أهل سيده ، لا في عيد النوروز ولا في أيام الأعياد .
- ولم يقدم لأولئك المساكين لقمة واحدة ، ولم يذكر الحقوق الأولي .
- بل وحتى الآن من أجل ثور ، يقوم ذلك اللعين بإهانة ابن سيده !
- فهو إذن نفسه الذي رفع الحجاب عن ذنبه ، وإلا فإن الله كان يستر علي جرمه .
- إن الكافر والفاسق في هذا الزمان اللعين ، هما اللذان يمزقان ستريهما بأيديهما ! !
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 75 : وسلب ماله هذا الديوث ، وهو غلامه ، أيها الأحرار وهذا الشاب هو ابن هذا السيد ، كان طفلا ، لا خبر له عن الأمر .
“ 217 “
2455 - والظلم مستور في غياهب أسرار الروح ، لكن الظالم هو الذي يعلنه علي الملأ .
- قائلا : انظروا ثور الجحيم علي الملأ ، انظروا إليّ ، فأنا ذو قرون .
شهادة اليد والقدم واللسان على سر الظالم
وهو لازال في الدنيا
- ومن ثم : فيدك وقدمك بارتكاب الأذي، تشهدان علي ضميرك “المستتر في باطنك” .
- وعندما يصبح الضمير موكلا بك ، فإنه لا يزال يقول لك : أعلن اعتقادك علي الملأ ، لا تخفه .
- “ وهذا يحدث “ خاصة عند الغضب والجدال ، فإن سرك يظهر برمته وتفصيلاته .
2460 - وعندما يسيطر عليك الظلم والجفاء ، فإنه يقول : أظهريني أيتها اليد ، أعلنيني أيتها القدم .
- وعندما يأخذ الضمير بالزمام “ ويسيطر عليك ما في باطنك “ ، خاصة عند الانفعال والغضب والانتقام .
- فإنه يوكلك أنت نفسك ، وذلك حتى تنشر لواء السر علي الملأ .
- وهو “ سبحانه وتعالي “ يستطيع أن يخلق موكلين آخرين يوم الحشر من أجل النشر .
- فيا من أبديت كل قواك “ 1 “ في الظلم والحقد ، إن جوهرك واضح ولا حاجة بك إلي إعلانه .
2465 - وليست هناك حاجة بك إلي شهرة في الأذي ، إنهم واقفون علي ضميرك الناري .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : عشرة أيدي .
“ 218 “
- إن نفسك تطلق كل لحظة مئات من الشرر ، قائلة : انظروا إليَّ فأنا من أصحاب النار .
- إنني جزء من النار وأمضي إلي الكل الخاص بي ، وأنا لست بالنور حتى أمضي صوب الحضرة .
- مثلما قام هذا الظالم الجحود بارتكاب عدد من الأخطاء من أجل ثور .
- فأخذ الآخر منه مائة ثور ومائة جمل ، وهذه هي النفس أيها الأب فاهجرها .
2470 - وأيضا فإنه لم يقم يوما واحدا بالتضرع إلي الله ، ولم تصدر منه “ يا رب “ مرة واحدة بألم .
- ولم يقل : يا الله اجعل خصمي قانعا ، ولو كنت ألحقت به الخسارة فعوضه عنها ربحا “ .
- وإذا كنت قد أخطأت فالدية علي العاقلة ، وأنت “ عاقلة “ روحي منذ يوم “ الست “ ! !
- وإنها “ أي النفس “ لا تعطي حجرا عوضا عن در ، وهذا هو إنصافها يا حر الروح ! !
خروج الناس صوب تلك الشجرة
2475 - وعنما خرجوا نحو تلك الشجرة ، قال “ داود “ قيدوا يديه بإحكام خلف ظهره
- حتى أكشف عن ذنبه وجرمه ، وحتى أنشر لواء العدل علي الملأ .
- وقال له : أيها الكلب ، لقد قتلت جد هذا الرجل ، وكنت غلاما له وبهذا القتل صرت سيدا .
- لقد قتلت سيدك وسلبت ماله ، وها هو ذا الله قد كشف حاله .
- وكانت زوجتك جارية عنده ، وقد اشتركت معك في عقوق هذا السيد .
- فكل ما ولدته من ذكر وأنثي ، يكون كله ملكا لوريثه .
“ 219 “
2480 - وأنت غلام فكل عملك وكسبك ملك له ، لقد طلبت حكم الشرع ، هاكه وامض فهذا خير لك .
- لقد قتلت سيدك ظلما وصبرا ، وفي نفس هذا المكان كان السيد يصرخ : وا غوثاه .
- ودفنت السكين تحت التراب مسرعا ، من ذلك الخاطر المفزع الذي خطر لك .
- ولا يزال السكين مع رأسه الآن تحت الأرض ، وهكذا فاحفروا هذه الأرض ثانية .
- واسم هذا الكلب مكتوب علي السكين ، وهو الذي مكر بسيده وارتكب هذا الجرم .
2485 - وهكذا فعلوا ، وعندما حفروا وجدوا تلك السكين والرأس تحت الأرض .
- وقامت ضجة بين الخلق آنذاك، وشق كل منهم زناره عن وسطه “داخلا في الدين” .
- ثم قال : تعال أيها المتظلم وخذ بحقك منه ، لقد افتضح أمره .
أمر داود عليه السلام بالقصاص من القاتل بعد إلزامه الحجة
- أمر “ داود “ بالقصاص منه بنفس سلاحه ، فمتي يخلصه مكره من علم الحق ؟
- فهو وإن كان يستر كثيرا ويتغاضي ، إلا أنه يفضح عندما يزيد “ المجرم “ في إجرامه عن الحد .
2490 - والدم لا ينام ، بل يسقط في كل قلب الميل نحو البحث والتقصي عن كشف المشكل .
- وباقتضاء حكم رب الدين ، يخرج السر ، بين هذا وذاك ،
“ 220 “
- “ إذ يتسائل الناس “ : ماذا جري لفلان ؟ وكيف حاله ؟ وكيف هو ؟
وهذا كما ينبثق النبات من الرياض .
- وغليان الدم هو هذه التساؤلات ، وقلق القلوب والبحث عما جري .
- وعندما انكشف سر عمله ، شاعت معجزة داود وتضاعفت .
2495 - فأتي الناس جميعا مكشوفي الرؤوس ، وأخذوا يسجدون علي الأرض قائلين :
- إننا كنا عميانا في الأصل ، مع ما رأيناه منك من مئات المعجزات .
- لقد تحدث الحجر معك وهذا أمر شهير ، قائلا لك : خذني من أجل غزو طالوت .
- ثم أتيت ومعك أحجار ثلاثة ومقلاع ، ففرقت جمع مئات الآلاف من الرجال .
- تفتت حجارتك الثلاثة إلي مئات الآلاف من الحجارة ، جندل كل حجر منها أحد الخصوم .
2500 - وصار الحديد في يدك كالشمع ، عندما صار أمر صناعتك للدروع معلوما .
- والجبال أوبت معك وصارت شكورة “ لله “ ، وهي تقرأ معك عندما تقرأ الزبور ! .
- ولقد فتحت مئات الآلاف من أعين القلوب من أنفاسك ، وصارت مستعدة لتلقي الغيث .
- وما هو أقوي من هذا كله لأنه دائم ، هو هبة الحياة التي تظل قائمة إلي الأبد .
- وروح كل المعجزات من هذا هي تلك المعجزة التي تهب الميت الحياة الأبدية .
2505 - لقد قتل ظالم واحد فانبعثت دنيا بأكملها حية ، وصار كل إنسان عابدا لله من جديد .
“ 221 “
بيان أن نفس الإنسان هي بمثابة ذلك السفاك الذي كان قد ادعى ملكيته الثور ،
وإن ذابح الثور هو العقل ، وداود هو الحق والشيخ نائب الحق ،
والذي بقوته وعونه يمكن قتل الظالم والغنى برزق دون كسب وحساب
- اقتل نفسك “ التي بين جنبيك “ وأحيي دنيا بأكملها ، لقد قتلت السيد فاجعلها أمة ! !
- إن مدعي الثور هو نفسك فانتبه ، لقد جعلتك بهذا “ الادعاء “ سيدا وعظيما .
- وذابح الثور هو عقلك فامض ، ولا تكن منكرا القاتل ثور جسدك .
- إن العقل أسير ولا يفتأ يريد من الحق ، رزقا بلا تعب ونعمة حاضرة “ 1 “ .
2510 - فعلام يتوقف رزقه الذي بلا تعب ؟ علي أن يقتل الثور وهو أصل الشر .
- فتقول النفس : كيف تقتل ثوري ؟ ذلك أن ثور النفس هو صورة الجسد .
- وابن السيد هو العقل بقي بلا زاد ، لأن النفس السفاكة قد قتلت السيد والمرشد .
- أتعلم إذن ما هو الرزق بلا تعب ؟ إنه قوت الأرواح وأرزاق النبي .
- لكنه متوقف علي ذبح الثور ، فاعلم أن الكنز في “ إهاب “ الثور أيها الطلعة المدقق .
2515 - إنني ليلة الأمس قد أكلت شيئا ما ، وإلا لأعطيتك في يدك زمام الفهم تماما .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : علي الطبق .
“ 222 “
- “ ليلة الأمس أكلت شيئا “ إن هذا مجرد ذريعة وأسطورة ، لأن كل ما يأتي إنما يأتي من منزل السر .
- فلأي شيء تعلقنا بالأسباب وتركيز أبصارنا عليها ، إذا كنا قد تعلمنا الغمز بالعيون من حسان العيون .
- وهناك فوق الأسباب أسباب أخري ، لا تنظر إلي الأسباب بل انظر إلي تلك الأسباب الأخري .
- لقد جاء الأنبياء لقطع الأسباب ، وطامنوا بمعجزاتهم فلك عطارد .
2520 - فشقوا البحر دون وسائل وأسباب ، وأنبتوا سنابل القمح دون زرع .
- وصارت الرمال دقيقا من سعيهم ، كما صار شعر الماعز حريرا ممتدا .
- والقران بأجمعه قطع للأسباب ، هو عز للفقير وهلاك لأبي لهب .
- وطير الأبابيل رمي بحجر أو حجرين فهزم جيش الأحباش الضخم .
- وألقي بالفيل مجندلا مليئا بالثقوب ، ذلك الحجر الذي ألقي به الطائر المحلق عاليا .
2525 - فاضرب القتيل بذيل البقرة المذبوحة ، حتى يبعث حيا في كفنه في اللحظة نفسها .
- يقفز في مكانه وهو مقطوع الحلق ، ويطلب ثأره من قاتله .
- وهكذا من أول القران إلي اخره ، رفض للأسباب والعلل والسلام .
- وكشف هذا لا يكون من العقل الذي يعقد الأمور ، فزاول العبودية حتى يكشف لك .
- فالمشتغل بالفلسفة أسير للمعقولات ، بينما امتطي الصفي عقل العقل .
2530 - إن عقل العقل هو بالنسبة لك لب وعقلك قشر، ومعدة الحيوان غالبا ما تطلب القشر.
“ 223 “
- وطالب اللب يمل القشور أشد الملل ، لكن اللب صار حلالا للأذكياء .
- وبينما يقدم قشر العقل مائة برهان ، متي يخطو العقل الكلي خطوة واحدة دون يقين ؟
- إن العقل يسود الدفاتر كلها لكن عقل العقل ذو افاق مليئة بالأقمار .
- فهو فارغ من السواد “ الحبر “ ومن البياض “ الورق “ ، ونور قمره بازغ من القلب والروح .
2535 - وإذا كانت هذه الكتب قد وجدت القدر ، فمن ليلة القدر تلك “ 1 “ التي تألقت كأنها الكوكب .
- فقيمة الهميان والأكياس تكون من الذهب ، وبلا ذهب تكون الهميان والأكياس ناقصة لا قيمة لها .
- وكذلك فإن قدر الجسد يكون من الروح ، وقدر الروح من ضياء الأحبة .
- فإذا كانت الأرواح لم تحي حتى الآن بالنور الإلهي ، لما قال الله قط إن الكفار موتي .
- فهيا تحدث ، إن النفس الناطقة تشق جدولا ، يجري فيه الماء حتى بعد قرن من وفاتنا .
2540 - وبالرغم من أنه يوجد في كل ات بالكلم ، فإن كلام السلف يكون عونا له .
- أليست التوراة والإنجيل والزبور قد صارت شاهدا علي صدق القران أيها الشكور ؟
- فابحث عن رزق دون تعب وحساب ، ومن الجنة يأتيك جبريل ، بثمار التفاح .
- بل إن رزقا من رب الجنان ، يأتيك بلا تعب من الناطور وبلا كدح في الزراعة .
..............................................................
( 1 ) أي عقل العقل أو العقل الكلي .
“ 224 “
- ذلك أنه وهب في الخبز نفع الخبز ، وهو الذي يهبك هذا النفع دون واسطة من القشور .
2545 - إن اللذة خفية ، وصورة الخبز كغطاء المائدة ، لكن الولي ذو نصيب من الخبز دون صورته .
- فمتي تحصل علي رزق الروح بالسعي والبحث والهم ، إن هذا ليس إلا بعدك عن الشيخ الذي هو داود بالنسبة لك .
- وعندما تري النفس خطوك مع شيخ ، فإنها تصبح - وأنفها راغم - مطيعة لك .
- مثلما صار صاحب الثور مستسلما هادئا ، عندما صار عليما من أنفاس دواد .
- ويصير العقل غالبا في الصيد ، عندما يصير الشيخ معينا علي “ كلب “ نفسك .
2550 - والنفس أفعي ذات قوة شديدة واحتيال ، ووجه الشيخ بالنسبة لها كالزمرد يقتلع عينها “ 1 “ .
- فإذا أردت أن يكون صاحب الثور ضعيفا ، فسقه واخزا إياه بالسفود كالحمر نحو تلك الناحية أيها الحرون .
- وعندما يقترب من ولي الله ، يقصر لسانه الذي يبلغ طوله مائة ذراع .
- فهو ذو مائة لسان وكل لسان يتحدث مائة لغة ، ولا يوصف خبثه واحتياله .
- إن النفس فصيحة تدعي ملكية “ الثور “ تأتي بمئات الآلاف من الحجج وكلها غير صحيحة .
2555 - إنها تخدع المدينة كلها إلا الملك ، ولا تستطيع أن تقطع الطريق علي ملك الوعي .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 96 : فإذا أردت الأمن من الأفاعي ، فلا تترك طرف ثوبه لحظة واحدة ، وكن ترابا أمام الشيخ الصفي ، حتى تنبت في ترابك كيمياء التبديل .
.
يتبع