حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
حكاية الهندي الذي كان يتشاجر على مدونة عبدالله المسافر باللهحكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه المثنوي المعنوي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه على أمر ما
دون أن يحس أنه مبتلى بنفس الأمر
- ذهب أربعة من الهنود إلى مسجد من المساجد ، وصاروا في ركوع وسجود طائعين .
- وكبر كل منهم على نية ما ، ودخل في الصلاة بمسكنة وألم
3040 - وجاء المؤذن ، فانفلت من أحدهم كلام ما ، وتساءل : أيها المؤذن ، هل أذنت ، وهل حان الوقت ؟
- فقال ذلك الهندي الآخر من ضراعته : انتبه ، لقد تحدثت ، وبطلت صلاتك .
- فقال الثالث له : يا عمي ، لما ذا تلومه ؟ لم نفسك .
- فقال الرابع : حمدا لله ، إنني لم أقع في البئر مثل أولئك الثلاثة .
- ومن ثم فسدت صلاة الأربعة ، وأغلب العائبين ، ضلوا الطريق .
3045 - وما أسعدها تلك الروح التي رأت عيبها ، وكل من تحدث عن عيب ، فقد شراه لنفسه .
- ذلك أن نصفه كان من موطن العيب ، بينما كان نصفه الآخر من موطن الغيب .
« 256 »
- وإذا كان هناك فوق رأسك عشرة من الجراح ، فإنما ينبغي أن توكل إلى نفسك دهانها .
- والعيب على نفسك دواء لها ، وإن كان ثم كسير ، وجبت له الرحمة .
- وإن لم يكن فيك نفس ذلك العيب ، لا تكن آمنا ، ربما يشيع عنك أيضا ذلك العيب .
3050 - إنك لم تسمع " لا تخافوا " من الله ، إذن لما ذا رأيت نفسك آمنا سعيدا ؟
- ولقد عاش إبليس لسنوات " طويلة " حسن السمعة ، ثم صار مفتضحا ، فانظر إلام صارت سمعته .
- لقد كانت علياؤه معروفة في الدنيا ، وصار معروفا بعكسها ، فويل له .
- فما لم تكن آمنا ، لا تبحث عن الشهرة ، واغسل الوجه بالخوف ، ثم أبد وجهك .
- وما لم تثبت لحيتك يا جميلي ، لا تسخر من أجرد آخر .
3055 - وانظر إلى أن روحه قد صارت مبتلاة ، وسقط في بئر ليكون عبرة لك .
- وأنت لم تسقط لتكون عبرة له ، وهو إحتسى السم ، فاشرب أنت سكره .
قصد الغز قتل رجل حتى يخاف آخر
- لقد جاء أولئك الأتراك الغز السفاحون ، وهجموا على قرية فجأة لسلبها .
- فوجدا اثنين من أعيان تلك القرية ، فأسرعوا من أجل إهلاك أحديهما .
« 257 »
- وأوثقوا يديه من أجل ذبحه ، فقال : أيها الملوك ، أيها الأركان العظام
3060 - لما ذا تلقون بي في بئر الموت ؟ ولأي سبب أنتم ظامئون إلى دمي ؟
- وما الحكمة ، وما الغرض من قتلي ؟ ما دمت فقيرا إلى هذا الحد وعاري الجسد ؟
- قال أحدهم : حتى يهاب رفيقك هذا ، ويحل به الخوف ، فيبدي " ما يخفيه " من ذهب .
- قال : إنه أفقر مني آخرا ، فأجاب : لقد تظاهر بهذا ، لكن لديه ذهبا .
- قال : ما دام الأمر وهما ، فكلانا سواء ، كلانا في مقام الاحتمال والشك .
3065 - فاقتلوه أولا أيها الملوك ، حتى أخاف أنا ، وأدل على الذهب .
- فانظر إلى الإكرامات الإلهية بنا ، أننا جئنا في آخر الزمان وفي منتهاه .
- وآخر القرون مقدم على القرون ، وفي الحديث : نحن الآخرون السابقون
- حتى يبدي لنا هلاك قوم نوح وقوم هود ، يبديه لنا عارض الرحمة .
- فقد قتلهم حتى نخاف منه ، ولو كان قد فعل العكس ، فالويل لك .
بيان حال المغرورين والجحودين لنعمة وجود
الأنبياء والأولياء عليهم السلام
3070 - كل منهم تحدث عن العيب وعن الذنب ، من قلب كأنه الحجر ومن روح سوداء .
- ومن استخفافهم بالأمور ، وفراغهم من التفكير في الغد .
- ومن الهوس ، ومن عشق هذه الدنيا الدنية ، فهم كالنساء ، ضعاف العقول أمام النفس .
« 258 »
- وذلك الفرار من نكات الناصحين ، وذلك الجفول من لقاء الصالحين .
- والغربة عن القلوب وأهل القلوب ، والتزوير والرياء مع الملوك .
3075 - واعتبار شباع العيون من المتسولين ، وعدائهم خفية ، حسدا منهم .
- فإن قبل شيئا ، يقول : شحاذ ، وإن لم يقبل ، يقول : حيلة ومكر وتظاهر .
- وإن اختلط بك ، تقول طامع ، وإن لم " يختلط " ، تقول : مولع بالتكبر . « 1 »
- أو اعتذرت كالمنافق قائلا : شغلت بنفقة العيال وأهل الدار .
- فليس عندي اهتمام حتى بحك رأسي ، وليس عندي اهتمام بأمور الدين .
3080 - فاذكرنا بهمتك يا فلان ، حتى نصبح من الأولياء آخر الأمر .
- وقد قال هذا الكلام أيضا ليس من الألم أو الحرقة ، مثل نعسان تحدث هراء ثم نام .
- فلا محيص قط من قوت العيال ، إنني أقوم مرغما بالكسب الحلال .
- أي حلال ، يا من صرت من أهل الضلال ، إنني لا أرى حلالا سوى دمك
- فهو ذو وسيلة " للبعد " عن الله ، ولا وسيلة له عن القوت ، وحيلته عن الدين ، لا عن الطاغوت .
3085 - فيا من لا صبر لك عن الدنيا الدنية ، أي صبر لديك عن " نعم الماهدون " ؟
- ويا من لا صبر لك عن العز والنعيم ، كيف صبرك عن الله الكريم ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 390 : - وإن تحملك، قلت : عاجز ، وإذا تحركت فيه الغيرة ، قلت : مندفع .
« 259 »
- ويا من لا صير لك عن الطاهر والدنس ، كيف صبرك عن الذي خلقهما ؟ « 1 »
- فأين مثل الخليل الذي خرج من الغار ، وقال : أهذا رب ؟ أين الخالق ؟ حذار
- وأنا لن أنظر إلى العالمين ، ما لم أر لمن هذان المجلسان .
3090 - وبدون مشاهدة صفات الله ، إن أكلت الخبز ، لغص به حلقي .
- فكيف أهنأ بلقمة دون مشاهدته ؟ ودون مشاهدة وروده وروضته . ؟
- ومن الذي يأكل من هذا الماء والطعام لحظة واحدة إلا على رجاء الله ؟
اللهم إلا إذا كان من البقر والحمر ؟
- وذلك الذي هو كالأنعام بل هم أضل ، وإن كان شديد المكر ، إلا أنه نتن الإبط .
- فمكره منقلب ، كما صار هو منقلبا ، وعمره القصير قد إنتهى ، وقد دنا أجله .
3095 - وموضع فكره قد إنثلم ، وخرف عقله ، وانتهى عمره ، وليس معه شيء ، كحرف الألف .
- وكل من يقول : إنني أفكر في هذا الأمر ، يكون هذا كله من حيل النفس أيضا .
- وكل من يقول : إنه غفور رحيم ، ليس ذلك إلا من حيلة النفس اللئيمة .
- ويا من مت غما قائلا : اليد خالية من الخبز ، إذا كان غفورا رحيما ، فلم هذا الخوف ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 390 : - ويا من لا صبر لك عن العيال وللزوجة ، كيف تصبر عن الحي ذي المنن ؟ .
- ويا من لا صبر لك عن الماء الكدر ، كيف تصبر على غضب الله ؟
- ويا من تقول أن الله سوف يغفر لك ، إعلم أن هذا هو خداع الغول لك .
« 260 »
شكوى رجل شيخ لطبيب من أمراضه وجواب الطبيب عليه
- قال شيخ لطبيب : إنني في عذاب من وجع في رأسي .
3100 - قال : إن ضعف الدماغ هذا من الشيخوخة ، قال له : وعلى عيني وسم من الظلمة .
- قال : من الشيخوخة أيها الشيخ المعمر ، قال : إن ظهري يؤلمني ألما شديدا .
- قال : من الشيخوخة ، أيها الشيخ الضعيف ، قال : وأنا لا أهضم ما أكلت
- قال : ضعف المعدة أيضا من الشيخوخة ، قال : أشعر بضيق عندما أتنفس .
- قال : أجل ، إحتباس في النفس ، عندما تحل الشيخوخة ، تحل معها مائتا علة. «1»
3105 - قال : أيها الأحمق ، هل سمرت على هذه العبارة ؟ ! وهل هذا هو كل ما تعلمته من الطب فحسب ؟
- أيها الأحمق ، ألم يعلمك عقلك هذه المعلومة ، أن الله خلق لكل داء دواء ؟ .
- وبقيت أيها الحمار الأحمق على الأرض من قلة بضاعتك، كالحمار من قصر قدميه؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 402 : - قال : لقد قلت شهوتي دفعة واحدة ، قال : من الشيخوخة هذا العجز .
- قال : لقد وهنت قدمي وعجزت عن السير ، قال : من الشيخوخة ، هي التي أقعدتك في عقر دارك .
- قال : صار ظهري كالقوس محنيا ، قال : من الشيخوخة هذا الألم والعناء .
- قال : لقد أظلمت عيني أيها الحكيم ، قال : من الشيخوخة ، أيها الرجل الحليم .
« 261 »
- فقال له الطبيب : يا من بلغت الستين من العمر ، هذا الغضب وهذه الحدة أيضا من الشيخوخة .
- ما دامت كل أوصالك وأعضائك قد ضعفت ، صار صبرك وضبطك لنفسك ضعيفين .
3110 - فهو لا يتحمل كلمتين ، ويصرخ منهما ، ولا طاقة عنده لجرعة واحدة ، فيتقيأها .
- هذا ، اللهم إلا الشيخ الثمل من الحق ، فإن في باطنه حياة طيبة .
- فهو في ظاهره شيخ ، وفي باطنه صبي ، فما بالك بذلك النبي ، وذلك الولي ؟
- وإن لم يكونا ظاهرين أمام كل طيب وشرير ، فما هذا الحسد من الأخساء لهم ؟
- وإن لم يكونوا يعرفونهم علم اليقين ، فما هذا البغض والكيد والحقد ؟
3115 - وإن كانوا يعلمون الجزاء يوم القيامة ، كيف كانوا يضربونهم بالسيف البتار .
- إنه يضحك في وجهك ، فلا تنظر إليه هكذا ، فإن مائة قيامة مختفية داخله .
- والجحيم والجنة هي كل أعضائه ، وكل ما تفكر فيه ، هو فوقه .
- فكل ما تفكر فيه قابل للفناء ، وما لا يتأتى في فكر ، هو الله .
- فمن أي شيء التوقح على باب هذه الدار ، ما دام من المعلوم من هو داخل الدار .
« 262 »
3120 - إن البلهاء يقومون بتعظيم المسجد ، لكنهم يجدون في جفاء أهل القلوب .
- وذلك مجاز ، وهذه حقيقة أيها الحمر ، فلا مسجد إلا بواطن الرؤساء .
- والمسجد الذي هو بواطن الأولياء ، موضع سجود الجميع ، ففيه الله .
- وما لم يتألم قلب رجل الله ، لما فضح الله قرنا قط .
- كانوا يقصدون قتال الأنبياء ، لقد رأوهم جسما ، وظنوهم من البشر .
3125 - وفيك أخلاق أولئك السابقين، فكيف لا تخاف أن يحيق بك ما حاق بهم؟! «1»
- وما دامت هذه الأمارات فيك ، وما دمت فيهم ، أنى لك النجاة ؟
قصة جحا وذلك الصبي الذي كان ينوح أمام جنازة والده
- كان أحد الصبيان أمام نعش أبيه ، ينوح بحرقة ، ويلطم رأسه .
- صائحا : يا أبي ، إلى أين يحملونك آخرا ؟ ألكي يدسوك تحت التراب ؟
- يحملونك إلى منزل ضيق وعذاب ، ولا فيه سجاد ، ولا فيه حصير .
3130 - ولا مصباح في الليل ، ولا خبز في النهار ، ولا فيه رائحة طعام ، ولا أثر له .
- ولا بابه معمور ، ولا طريق إلى سقفه ، ولا جار له ، يكون ملجأ وظهيرا
- وعينك التي كانت موضع قبل الخلق ، كيف تصير في منزل ما عمياء مظلمة ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج / 5 - 403 : - إن عادة هؤلاء الجحودين فيك ، فلا يأتينك الدلو مرة واحدة من البئر سليما .
« 263 »
- منزل لا أمان فيه ، ومكان ضيق ، إذ لا وجه يبقى فيه ولا لون .
- وعلى هذا النسق ، أخذ يعدد أوصاف الدار ، وهو يسوق الدمع الدامي من عينيه .
3135 - فقال جحا لأبيه : يا عظيم القدر ، والله إنهم ليحملون هذا إلى منزلنا .
- فقال الأب لجحا : لا تكن أبله ، فقال : يا أبي ، إسمع الأمارات .
- إن هذه الأمارات التي قالها واحدة بعد الأخرى ، هي أوصاف منزلنا ، دون شك ولا ريب .
- فلا حصير فيه ، ولا مصباح ، ولا طعام ، ولا بابها معمور ، ولا صحن لها ، ولا سقف .
- وعلى هذا النمط ، فإن لديهم على أنفسهم مائة علامة ، لكن متى يرونها ، أولئك الطغاة .
3140 - ودار ذلك القلب الذي يبقى بلا ضياء من شعاع شمس الكبرياء ،
- ضيقة مظلمة كأنها روح اليهودي ، ولا زاد " فيها " من مذاق السلطان الودود .
- فلا في ذلك القلب سطع نور الشمس ، ولا اتساع ساحته ، فتح باب .
- والقبر أفضل لك من مثل هذا القلب ، فاصعد من قبر قلبك آخرا .
- إنك حي وابن حي ، أيها المرح المهذار ، ألا تضيق أنفاسك إذن من هذا القبر الضيق ؟
3145 - وأنت يوسف ، أو أنك شمس السماء ، فاصعد من هذا البئر ، وأبد وجهك .
« 264 »
- ويونس قد نضج في بطن الحوت ، ولخلاصه لا بد من التسبيح .
- ، فلو لم يكن من المسبحين ، لظل بطن الحوت سجنا له إلى يوم يبعثون
- إنه بالتسبيح قد نجا من بطن الحوت ، وما هو التسبيح ؟ إنه آية يوم " ألست " .
- وإن كنت قد نسيت تسبيح الروح ، فاستمع إلى تسبيح الأسماك .
3150 - وكل من رأى الله ، فهو إلهي ، وكل من رأى ذلك البحر ، فهو حوته .
- وهذه الدنيا بحر ، والجسد حوت ، والروح هي يونس ، المحجوب عن نور الصبوح .
- فإن كان ثم مسبح ، فقد نجا من الحوت ، وإلا هضمه ، واختفى تماما .
- وأسماك الروح كثار في هذا البحر ، وأنت لا تراها ، لأنك أعمى ، أيها المسكين .
- إنها تحف بك ، تلك الأسماك بعينها ، فافتح عينيك حتى تراها عيانا .
3155 - وإن لم تكن ترى هذه الأسماك ببصرك ، فإن أذنك قد سمعت تسبيحها آخر الأمر .
- والصبر هو روح تسابيحك ، فاصبر ، فالصبر هو التسبيح الحق .
- ولا تسبيح آخر قط له هذه الدرجة ، فاصبر ، والصبر مفتاح الفرج .
- والصبر كأنه جسر الصراط ، وفي نهايته توجد الجنة ، وكل حسناء ، معها حارس قبيح .
- وما دمت تهرب من الحارس ، فلا وصال ، ذلك إن الحارس لا ينفصل عن الحسناء .
« 265 »
3160 - وأي علم لك بلذة الصبر يا هش القلب ، خاصة الصبر من أجل هذه الحسناء المنسوبة إلى مدينة شكل .
- ولذة الرجل تكون من الغزو والكر والفر ، أما المخنث فلذته من الذّكر .
- فلا دين عنده ولا ذكر إلا الذّكر ، وفكره دائما ما يحمله إلى أسفل .
- فإن تسامق حتى الفلك ، لا تخف منه ، فقد تعلم درس عشق السّفل .
- إنه يسوق نحو السّفل الفرس ، مهما يحرك نحو العلو الجرس .
3165 - فأي خوف يكون هناك من رايات الشحاذين ، إن هذه الرايات وسيلة إلى لقمة الخبز . « 1 »
خوف الصبي من ذلك الشخص ضخم الجثة وقول ذلك الشخص للصبي :
أيها الصبي لا تخف فلست برجل
- وجد مارد قبيح صبيا وحده ، فشحب وجه الصبي خوفا من أن يهاجمه .
- فقال له : اطمئن يا جميلي ، فإنك أنت الذي ستكون فوقي .
- وأنا وإن كنت مهول " المنظر " ، اعلم أني مخنث ، فاركبني كما يركب البعير ، وداوم على السوق .
- فالصورة صورة رجال ، وهذا هو المعنى ، في ظاهره آدم ، وفي باطنه الشيطان اللعين .
3170 - وأنت تشبه الطبل أيها الضخم كقوم عاد ، التي كانت الريح تدق عليه بذلك الغصن .
..............................................................
( 1 ) ج / 5 - 417 : - فافهم هذه الكلمات جيدا ، وإن لم تعرفها ، استمع إليها بما يليق بطبعك .
« 266 »
- فأضاع ثعلب صيده أدراج الرياح ، من أجل طبل كقربة مليئة بالريح .
- وعندما لم ير في الطبل سمنة ، قال : إن خنزيرا أفضل من هذه القربة الفارغة .
- والثعالب تخاف من أصوات الطبول ، لكن العاقل يظل يقرعها ، حتى تلزم الصمت .
قصة رام بالسهام وخوفه من الفارس الذي كان يسير في الغابة
- كان أحد الفرسان مسلحا وذا مهابة ، يتجول في الغابة على جواد أصيل .
3175 - فرآه رام بالقوس ماهر ، ومن الخوف ، شد القوس ،
- حتى يرميه بسهم ، فصاح به الفارس : إنني ضعيف ، وإن كنت ضخم الجسد .
- حذار ، حذار ، ولا تنظر إلى ضخامتي ، فإنني أقل عند الحروب من امرأة عجوز .
- قال له : إمض ، فقد أحسنت القول ، وإلا أصميتك بسهم خوفا على نفسي .
- وكثير من الأشخاص قتلتهم آلة الحرب ، والسيوف في قبضاتهم ، لانعدام رجولتهم .
3180 - وإن لبست أنت سلاح أمثال رستم ، فقد ضاعت روحك ، عندما لا تكون روح رجل .
- فاجعل الروح درعا ، ودعك من السيف يا بني ، وكل من يكون بلا رأس ، يأخذ رأسا من هذا المليك .
« 267 »
- فسلاحك ذاك حيلتك ومكرك ، تولد منك ، وآذى روحك .
- وما دمت لم تنتفع أدنى نفع بهذه الحيل ، فاترك الحيلة ، حتى تأتيك الدول .
- وما دمت لم تأكل ثمرة في أي لحظة من فنك ، فاترك الفن ، وداوم على الطلب من رب المنن .
3185 - وما دامت هذه العلوم ليست مباركة عليك ، اجعل من نفسك أحمق ، وتجاوز الشؤم .
- ومثل الملائكة قل : لا علم لنا - يا إلهي - إلا ما علمتنا
قصة الأعرابي ووضعه الرمل في جوال وملامة ذلك الحكيم له
« 1 »
- حمّل أعرابي بعيرا جوالين ضخمين مليئين بالحب .
- وتربع هو فوق هذين الجوالين ، فجاذبه الحديث رجل مغرم بالمسامرة .
- حدثه عن الموطن ، وجره في الحديث ، ومن ذلك الحديث ، والسؤال " عن الأحوال " ثقب كثيرا من الدرر .
3190 - ثم قال له : بم ملأت هذين الجوالين ؟ حدثني بصدق عن الأحوال .
- قال : إن في أحد جواليّ قمحا ، وفي الآخر رمل لا يقتات به الناس .
- قال : فكيف حملت إذن هذه الرمال ؟ قال : حتى لا يبقى هذا الجوال وحده .
- قال : ضع نصف القمح الموجود في ذلك العدل الآخر ، وهذا أفضل .
- حتى يخف سواء الجوال والبعير ، قال : ألا فلتهنا ، أيها الحكيم المحترم الحر .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 446 : - إستمع إلى حكاية يا صاحب القول ، بين العقل وجهل الفضولي .
- وليس للحيلة والمكر نفع في هذا الطريق ، وكل من صار مغرورا بالعقل فهو أحمق .
« 268 »
3195 - مثل هذا الفكر الدقيق والرأي الصائب ، وأنت هكذا عريان ، ماش على قدميك في نصب ؟
- وأشفق على الحكيم ، وعزم على أن يركبه البعير ، هذا الرجل الطيب .
- ثم قال له : أيها الحكيم حلو الحديث ، أذكر لي أيضا نبذة عن أحوالك ،
- بمثل هذا العقل والكفاية التي لديك ، أأنت وزير أو ملك ؟ أخبرني بالصدق .
- قال : لست أيهما ، إنني من العامة ، فانظر إلى هيئتي ، وإلى ثوبي .
3200 - قال : كم لديك من الإبل والبقر ؟ قال : لا هذا ولا ذاك ، فلا تفتش عن " أمورنا " .
- قال : لعل إذن لديك بضاعة في الحانوت ، فكم تبلغ؟ قال : من أين لنا دكان أو مكان؟
- قال : لأسأل إذن عن المال السائل ، كم لديك منه ؟ فأنت تسير وحدك ، ونصيحتك محبوبة .
- وكيمياء تبديل النحاس إلى ذهب معك، ولك من العقل والمعرفة طبقة فوق طبقة. «1»
- فقال : والله يا وجه العرب ، لا يوجد في كل ما أملك ما يكفي قوت ليلتي
3205 - إني أسعى حافي القدمين عارى الجسد ، وحيثما يعطيني أحد رغيف ، أمضي إليه .
- وليس لي من هذه الحكمة والفضل والفن ، إلا الخيال ووجع الرأس .
- فقال له الأعرابي : ألا فلتمض بعيدا عني ، حتى لا يمطر شؤمك فوق رأسي .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 446 : ولعلك وضعت الكنوز في كل مكان ، وليس مثلك عاقل في الدنيا .
« 269 »
- واحمل عني هذه الحكمة المشئومة بعيدا ، إن نطقك شؤم على أهل الزمن
- أو فامض إلى تلك الناحية ، ولأمض أنا إلى هذه الناحية ، أو تقدم في طريقك ، ولأتقهقر أنا .
3210 - فأن يكون أحد جواليّ قمحا والآخر رملا ، أفضل عندي من هذه الحيل البالية . « 1 »
- فحمقي إذن حمق مبارك ، فإن قلبي ذو زاد ، وروحي ذات وقاء .
- وإذا أردت أنت أن يقل شقاؤك هذا ، فجاهد لكي تقل عنك الحكمة .
- والحكمة التي تتولد عن الطبع وعن الخيال ، هي مجرد حكمة ، وليست فيضا من نور ذي الجلال .
- وحكمة الدنيا تزيد في الظن والشك ، وحكمة الدين تحمل إلى ما فوق الفلك .
3215 - والطالحون الخبثاء في آخر الزمان ، يرون أنفسهم أعلى من السابقين .
- ومعلمو الحيل محترقو الأكباد ، في تعلم أمثال هذه الأفعال والحيل .
- وذروا الصبر والإيثار وسخاء النفس والجود أدراج الرياح ، وهي الأكسير الواهب للنفع .
- والفكر هو ذلك الذي يفتح طريقا ، والطريق هو الذي يتقدم فيه ملك .
- والملك هو ذلك الذي يكون ملكا من ذاته ، ولا يكون ملكا بالخزائن والجند .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 447 : - وإن وضعي الرمل في جوال والقمح في جوال ، أفضل من حكمتك أيها المهين .
« 270 »
3220 - حتى تبقى ملوكيته سرمدية ، كعز ملك الدين الأحمدي . « 1 »
كرامات إبراهيم بن أدهم على شاطيء البحر
- مثلما ورد عن إبراهيم بن أدهم ، أنه جلس على شاطيء البحر ، بعد أن قطع طريقا .
- كان يخيط خرقته ذلك السلطان للروح ، فجاء أحد الأمراء إلى ذلك المكان فجأة .
- وكان ذلك الأمير من أتباع الشيخ ، وعرف الشيخ ، فسجد لتوه .
- وتحير في أمر الشيخ وفي أمر خرقته ، وتغيرت سحنته ، وتبدل خلقه .
3225 - أنه قد ترك مثل ذلك الملك الواسع ، واختار ذلك الفقر الذي يثير القيل والقال .
- لقد ترك ملك الأقاليم السبعة ، ويخيط الخرقة بالإبرة ، كأنه الشحاذ .
- وأدرك الشيخ ما يفكر فيه ، فالشيخ كالأسد ، والقلوب أجمته .
- إنه سيار في القلوب كأنه الخوف والرجاء ، ولا تخفى عليه أسرار الدنيا .
- فاحفظوا قلوبكم يا من لا حاصل من ورائكم ، في حضور حضرات أصحاب القلوب .
3230 - والأدب عند أهل الجسد يكون على الظاهر ، لأن الله ساتر عليهم الباطن .
- وعند أهل القلوب الأدب في الباطن ، لأن قلوبهم مطلعة على السرائر .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 447 : - وليس لشرعه زوال حتى القيامة ، وصار - فيما عدا ملكه تعالى - عينا للكمال .
« 271 »
- وأنت على العكس ، تأتي إلى العميان منتبها من أجل الجاه ، وتجلس في موضع الأقدام .
- وأمام المبصرين تترك الأدب ، فصرت من ذلك لنار الشهوة الحطب .
- فما دمت لا تملك الفطنة ونور الهدى ، فهيا داوم على صقل وجهك من أجل العميان .
3235 - وأمام المبصرين ، لوث وجهك بالحدث ، وداوم على الدلال مع مثل هذا الحال النتن .
- وألقى الشيخ بالإبرة سريعا في البحر ، ثم طلب الإبرة بصوت عال .
- فأطلت مئات الآلاف من الأسماك الإلهية ، وفي فم كل سمكة إبرة ذهبية .
- أطلت برؤوسها من بحر الحق ، قائلة خذ أيها الأمير إبر الحق . « 1 »
- فالتفت إليه وقال " أيها الأمير ، أملك القلب أفضل أو الملك الحقير ؟
3240 - وهذا هو الأثر الظاهر ، وهذا لا يعد شيئا قط ، فانتظر حتى تمضي إلى الباطن وترى .
- إنهم إنما يحضرون إلى المدينة غصنا من البستان ، فمتى يحملون الحديقة والبستان كلها إليها
- وبخاصة تلك الحديقة التي يعد الفلك ورقة واحدة منها ، بل هي اللب والعالم كله بمثابة القشر .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 457 : - قال : يا إلهي ، بل أريد إبرتي ، فاعطني من فنك علامة صادقة .
« 272 »
- وألا تخطو خطوة واحدة نحو ذلك البستان ، فابحث عن قوة الشامة ، ودعك من الزكام .
- حتى تصبح هذه الرائحة جاذبة لروحك ، حتى تصبح تلك الرائحة نورا لعينيك
3245 - لقد قال يوسف بن يعقوب النبي ، من أجل الرائحة : ألقوه على وجه أبي .
- ومن أجل هذه الرائحة قال أحمد دائما في العظات ، جعلت قرة عيني في الصلاة .
- والحواس الخمسة كلها متصلة ببعضها ، ذلك أنها كلها إنبعثت من أصل واحد .
- وقوة الحاسة الواحدة تكون قوة للحواس الباقية ، وتكون كل واحدة لما تبقى ساقية .
- ورؤية العين تزيد في العشق ، والعشق يزيد في البصر الصدق .
3250 - والصدق يصبح يقظة لكل حاسة ، والذوق يصبح مؤنسا للحواس .
بداية إستنارة العارف بالنور الناظر للغيب
- عندما تفك حاسة في السلوك قيودها ، تتبدل كل الحواس الباقية .
- وعندما أدركت إحدى الحواس ما هو غير المحسوسات ، صار الغيب ظاهرا لكل الحواس .
- وما دام خروف من القطيع قد قفز الجدول ، فإن القطيع كله يقفز في أثره ، من تلك الناحية .
- فسق خراف حواسك إلى المرعى ، وارعها من " أخرج المرعى " .
« 273 »
3255 - حتى ترعى هناك من السنبل والريحان ، حتى تجد الطريق إلى روضة الحقيقة .
- وكل حاسة منك تصبح نبيا للحواس ، حتى تذهب واحدة بعد الأخرى إلى تلك الجنة .
- وتتحدث الحواس إلى حسك بالأسرار ، بلا حقيقة ولا مجاز ولا لسان .
- فإن هذه الحقائق قابلة للتأويلات ، وهذا التوهم أساس للتخيلات .
- وتلك الحقيقة التي تكون من العيان ، لا يستوعبها تأويل موجود .
3260 - وما دام كل حس قد صار عبدا لحسك ، لا يكون للأفلاك بد منك .
- وإذا قامت دعوى حول ملكية قشر ما ، فلمن يكون اللب ؟ لمن يكون له القشر
- وعندما يقوم نزاع حول عدل من القش ، لمن يكون الحب ؟ أنظر إلى ذلك .
- إذن فالفلك قشر ، ونور الروح لب ، وهذا واضح ، وذاك خفي ، فلا تنزلق لهذا السبب .
- والجسم ظاهر والروح خلقت خفية ، والجسم كالكم ، والروح كاليد .
3265 - ثم إن العقل أكثر خفاء من الروح ، فالحس يتخذ طريقه إلى الروح بشكل أسرع .
- ترى حركته ، فتعلم أنه حي ، لكنك لا تعلم أنه ممتليء بالعقل .
- حتى تبدر منه تصرفات متزنة ، وبالمعرفة تجعل حركة ما ، النحاس ذهبا .
- ومن ذلك تناسب أفعال اليد ، يجعلك تفهم أن هناك عقلا .
- وروح الوحي أكثر خفاء من العقل ، ذلك أنها غيبية ، ومن ذلك الصوب .
« 274 »
3270 - وعقل أحمد لم يصبح خافيا على أحد ، لكن روح وحيه ، لم تصبح مدركة لكل روح .
- ولروح الوحي حركات مناسبة له ، ولا يدركها العقل ، فهي عزيزة نادرة
- حينا يراها جنونا ، وحينا يتحير ، ذلك أنه متوقف على ما هو عليه .
- مثل تلك التصرفات التي كانت مناسبة للخضر عليه السّلام ، وكان عقل موسى عليه السّلام عن رؤيتها قاصرا .
- كانت تبدو غير معقولة أمام موسى عليه السّلام ، لأنه لم يكن له حاله .
3275 - وعقل موسى عليه السّلام عندما يصبح مقيدا في الغيب ، فما بالك بعقل فأر أيها المبجل .
- والعلم التقليدي يكون من أجل البيع ، وعندما يجد المشترى ، يتهلل بالفرحة .
- ومشتري العلم التحقيقي هو الحق ، وسوقه دائما في رواج .
- لقد أغلق شفتيه ، وهو ثمل بالبيع والشراء ، فالمشترون بلا حد ، لأناللَّهَ اشْتَرى.
- ومشترى درس آدم هو الملاك ، فهو المأذون له بدرسه ، لا الشيطان ، ولا الجني .
3280 - وآدم بـ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ملق للدرس، وهو شارح لأسرار الحق شعرة بشعرة .
- وذلك الشخص الذي يكون قصير النظر ، هو غريق في التلون ، ولا تمكين عنده .
- ولقد سميته فأرا ، ذلك أن موضعه في التراب ، والتراب يكون للفأر مكانا للمعاش
« 275 »
- إنه يعرف الطرق ، ولكن تحت التراب ، وفي كل ناحية ، قام بشق التراب .
- والنفس الفأرية ، ليس لها من قناعة إلا اللقمة ، والفأر يعطى عقلا بقدر حاجته .
3285 - وذلك أن الإله العزيز لا يهب أحدا قط شيئا قط ، إلا عن حاجة
- فلو لم تكن بالعالم حاجة إلى الأرض ، لما خلقها رب العالمين قط .
- وهذه الأرض المضطربة في حاجة إلى الجبل ، ولو لم تكن الحاجة موجودة ، لما خلقه شديد العظمة .
- وإن لم تكن ثم حاجة إلى الأفلاك أيضا ، لما خلق الأفلاك السبعة من العدم .
- والشمس والقمر وهذه الكواكب ، متى كانت تبدو عيانا إلا لحاجة ؟
3290 - إذن ، فإن وهق الموجودات هو الحاجة ، وبقدر الحاجة ، يوهب المرء الأداة والآلة . « 1 »
- ومن ثم ، فلتزد في حاجتك أيها المحتاج سريعا ، حتى يمور بحر العطاء بالكرم .
- وهؤلاء المتسولون على الطريق ، كما أن كل المبتلين ، يبدون حاجتهم للحق .
- من عمى وشلل ومرض ووجع ، حتى تتحرك من هذه الحاجة شفقة البشر .
- فهل يقول أحدهم أبدا: أيها الناس، أعطوني خبزا، لأن عندي مالا ومخزنا ومائدة ؟!!
3295 - والحق لم يخلق للفأر الأعمى عينين ، ذلك لأنه لا حاجة به للعينين ليرتزق .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 465 : - ومن ثم عندما صارت الحاجة وهق الموجودات ، بقدر الحاجة يصل العطاء من الحق .
« 276 »
- وهو يستطيع الحياة بلا عين وبصر ، وهو فارغ من العين ، في التراب الرطب .
- ولا يخرج من التراب إلا للسرقة ، وإلى أن يطهره الله من تلك السرقة .
- ثم يجد من بعدها جناحا ، ويصبح طائرا ، ويمضي كالملائكة صوب الفلك .
- وفي روضة شكر الخالق ، يطلق كل لحظة مائة لحن ، مثل البلبل .
.
يتبع