أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك المتوفية نحو سنة 185 هــ ، كانت البنت الرابعة لأبويها وهى بخلاف رابعة بنت إسماعيل الشامية ، زوجة الصوفى أحمد ابن أبى الحوارى والمتوفية سنة 235 هــ ، والأولى دفنت بالبصرة ، والثانية قبرها ببيت المقدس .
ويرون عن العدوية أنها وهى طفلة خرجت هى وأخواتها من شدة الجوع وقت أن نزل القحط بالبصرة فوجدها رجل فباعها بستة دراهم ، وكانت تقرض الشِعر وتغنيه وتعزف على الناى ، ولها مزاج فنى رقيق وميل طبعى إلى الحزن ، ولعلها لذلك كانت تحب الناى على العود . وشِعرها أنثوى فيه لغة النساء ، وربما استعملها سيدها للغناء فى مجالسه ، وكان ذلك يسخطها عليه بسبب اتجاهاتها الدينية القوية حتى أنها شرعت فى الهرب وناجت ربها قائلة : " إلهى ! إنى غريبة ويتيمة وأرسف فى قيود الرق ، ولكن همى الكبير هو أن اعرف أراضِ أنت عنى أم غير راض؟ " ، أى أنها ربما كانت تخشى أن تبوء بغضب الله بسبب ما كان يجبرها عليه سيدها ، وقد زادها ذلك من التهافت على العبادة والإبتهال إلى الله ان يلقيها من عثرتها ، وقد تسمّع عليها سيدها فى ليلة فوجدها تقول وهى ساجدة : " إلهى ! أنت تعلم أن قلبى يتمنى طاعتك ونور عينى فى خدمة عتبتك ، ولو كان المر بيدى لما انقطعت لحظة عن خدمتك ، لكنك تركتنى تحت رحمة هذا المخلوق القاسى من عبدتك ! " ، فلما كان الصباح طلبها سيدها وأعتقها ، فكان ذلك مدعاه ً أكثر للتوجه للشكر لربها فانصرفت بكليتها إلية وقد تحررت من رقّها ، وكانت إذا انتهت من صلاة العشاء تصعد إلى سطح دارها بعد أن تشد عليها درعها وخمارها وتدعو : " إلهى أنارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلّقت الملوك أبوابها ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامى بين يديك " ثم تقبل على الصلاة فإذا كان السحر وطلع الفجر قالت : إلهى ! هذا الليل قد ادبر ، وعذا النهار قد أسفر فليت شعرى أقبِلت منى ليلتى فأهنأ ، أم رددتها على فأعزى ؟ فوعزتك هذا دأبى ما أحييتنى وأعنتنى ! " .
وقد تقول فى حياتها الجديدة وقد طويت صفحة القديمة : -
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل
وعدت إلى مصحوب أول منزلى
ونادت بى الأشواق مهلاً فهذه
منازل من تهوى رويدك فانزلى
وإنشادها الآن يتوجه لسيدها الحقيقى ، وشِعرها فيه من نسجها وليس أبياتاً من أشعار المحبين كالتى كانت تحفظها وتقولها لمولاها من آل عتيك :
يا سرورى ومنيتى وعمادى
وأنيسى وعدتى ومرادى
أنت روح الفؤاد ، أنت رجائى
أنت لى وؤنس وشوقك زادى
أنت لولاك يا حياتى وأنسى
ما تشتت فى فسيح البلاد
كم بدت منة وكم لك عندى
من عطاء ونعمة وأيادى
حبك الآن بغيتى ونعيمى
وجلاء لعين قلبى الصادى
ليس لى عنك ما حييت براح
أنت منى ممكن فى السواد
إن تكن راضياً علىّ فإنى
يا منى قلبى قد بدا إسعادى
وتزهد رابعة فى الزواج وتخطب مرتين ، فى الأولى لــ ( عبد الواحد بن زيد ) وهو أيضاً صوفى ، والثانية لأمير البصرة ( محمد بن سليمان الهاشمى ) ويعدها بمائة ألف مهراً وبعشرة آلاف فى كل شهر دخلاً ، فخاصمت الأول عدة أيام إلى أن صالحها عليه إخوانهما فقالت له " يا شهوانى ! اطلب شهوانية مثلك ! أى شئ رأيت فىّ من آله الشهوة ؟ ! وكتبت إلى الثانى تقول " ما يسرنى أنك لى عبد" .