خطبة كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول للشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي
الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه
خطبة الكتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية
بسم اللّه الرحمن الرحيم
و صلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[تأملات في الحقيقة الوجودية]
الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم و عدمه و أوقف وجودها على توجه كلمة .
لنحقق بذلك سر حدوثها و قدمها من قدمه و نقف عند هذا التحقيق على ما أعلمنا به من صدق قدمه .
فظهر سبحانه و ظهر و أظهر و ما بطن و لكنه بطن و أبطن و أثبت له الاسم الأول وجود عين العبد .
و قد كان ثبت و أثبت له الاسم الآخر تقدير الفناء و الفقد .
و قد كان قبل ذلك ثبت فلو لا العصر و المعاصر و الجاهل و الخابر ما عرف أحد معنى اسمه الأول و الآخر
و لا الباطن و الظاهر .
و إن كانت أسماؤه الحسنى على هذا الطريق الأسنى و لكن بينها تباين في المنازل يتبين ذلك عند ما تتخذ وسائل لحلول النوازل .
فليس عبد الحليم هو عبد الكريم و ليس عبد الغفور هو عبد الشكور .
فكل عبد له اسم هو ربه و هو جسم ذلك الاسم قلبه .
فهو العليم سبحانه الذي علم و علم و الحاكم الذي حكم و حكم و القاهر الذي قهر و أقهر و القادر الذي قدر و كسب و لم يقدر الباقي الذي لم تقم به صفة البقاء و المقدس عند المشاهدة عن المواجهة و التلقاء .
بل العبد في ذلك الموطن الأنزه لا حق بالتنزيه .
لا أنه سبحانه و تعالى في ذلك المقام الأنزه يلحقه التشبيه فتزول من العبد في تلك الحضرة الجهات و ينعدم عند قيام النظرة به منه الالتفات .
أحمده حمد من علم أنه سبحانه علا في صفاته وعلي وجل في ذاته وجل.
وأن حجاب العزة دون سبحانه مسدل و باب الوقوف على معرفة ذاته مقفل .
إن خاطب عبده فهو المسمع السميع و إن فعل ما أمر بفعله فهو المطاع المطيع .
و لما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على حكم الطريقة للخليفة.
الرب حق و العبد حق… .... …يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت ...... …أو قلت رب أنى يكلف
فهو سبحانه يطيع نفسه إذا شاء يخلقه و ينصف نفسه مما تعين عليه من واجب حقه فليس إلا أشباح خالية على عروشها خاوية .
و في ترجيع الصدى سر ما أشرنا إليه لمن اهتدى و أشكره شكر من تحقق أن بالتكليف ظهر الاسم المعبود .
و بوجود حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله ظهرت حقيقة الجود .
و إلا فإذا جعلت الجنة جزاء لما عملت فأين الجود الإلهي الذي عقلت .
فأنت عن العلم بأنك لذاتك موهوب و عن العلم بأصل نفسك محجوب .
فإذا كان ما تطلب به الجزاء ليس لك فكيف ترى عملك .
فاترك الأشياء و خالقها و المرزوقات و رازقها فهو سبحانه الواهب الذي لا يمل و الملك الذي عز سلطانه و جل اللطيف بعباده: الخبير الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
[تأملات في الحقيقة المحمدية]
و الصلاة على سر العالم و نكتته و مطلب العالم و بغيته السيد الصادق المدلج إلى ربه الطارق المخترق به السبع الطرائق ليريه من أسرى به ما أودع من الآيات و الحقائق .
فيما أبدع من الخلائق الذي شاهدته عند إنشائي هذه الخطبة في عالم حقائق المثال في حضرة الجلال مكاشفة قلبيه في حضرة غيبية .
و لما شهدته صلى اللّه عليه و سلم في ذلك العالم سيدا معصوم المقاصد محفوظ المشاهد منصورا مؤيدا و جميع الرسل بين يديه مصطفون .
و أمته التي هي خير أمة عليه ملتفون و ملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون و الملائكة المولدة من الأعمال بين يديه صافون .
و الصديق على يمينه الأنفس و الفاروق على يساره الأقدس و الختم بين يديه قد حثى يخبره بحديث الأنثى و علي صلى اللّه عليه و سلم يترجم عن الختم بلسانه و ذو النورين مشتمل برداء حيائه
فقال له السيد هذا عديلك وابنك وخليلك أنصب له منبر الطرفاء بين يدي .
ثم أشار إلى أن قم يا محمد عليه فأثن على من أرسلني وعلي ....
فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني هي السلطانة في ذاتيتك فلا ترجع إلي إلا بكليتك ولا بد لها من الرجوع إلى اللقاء فإنها ليست من عالم الشقاء.
فما كان مني بعد بعثي شي ء في شي ء إلا سعد وكان ممن شكر في الملإ الأعلى وحمد.
فنصب الختم المنبر في ذلك المشهد الأخطر وعلى جبهة المنبر مكتوب بالنور الأزهر هذا هو المقام المحمدي الأطهر من رقى فيه فقد ورثه وأرسله الحق حافظا لحرمة الشريعة وبعثه .
ووهبت في ذلك الوقت مواهب الحكم حتى كأني أوتيت جوامع الكلم.
فشكرت الله عز وجل وصعدت أعلاه وحصلت في موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم ومستواه .
وبسط لي على الدرجة التي أنا فيها كم قميص أبيض فوقفت عليه حتى لا أباشر الموضع الذي باشره صلى الله عليه وسلم بقدميه تنزيها له وتشريفا.
وتنبيها لنا وتعريفا أن المقام الذي شاهده من ربه لا يشاهده الورثة إلا من وراء ثوبه .
ولو لا ذلك لكشفنا ما كشف وعرفنا ما عرف .
ألا ترى من تقفو أثره لتعلم خبره لا تشاهد من طريق سلوكه ما شهد منه ولا تعرف كيف تخبر بسلب الأوصاف عنه.
فإنه شاهد مثلا ترابا مستويا لا صفة له فمشى عليه وأنت على أثره لا تشاهد إلا أثر قدميه.
وهنا سر خفي إن بحثت عليه وصلت إليه .
وهو من أجل أنه إمام وقد حصل له الإمام لا يشاهد أثرا ولا يعرفه فقد كشفت ما لا يكشفه.
وهذا المقام قد ظهر في إنكار موسى صلى الله على سيدنا وعليه وعلى الخضر .
فلما وقفت ذلك الموقف الأسنى بين يدي من كان من ربه في ليلة إسرائه قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى .
قمت مقنعا خجلا ثم أيدت بروح القدس فافتتحت مرتجلا:
يا منزل الآيات والأنباء ..... أنزل على معالم الأسماء
حتى أكون لحمد ذاتك جامعا ..... بمحامد السراء والضراء
ثم أشرت إليه صلى الله عليه وسلم:
ويكون هذا السيد العلم الذي ..... جردته من دورة الخلفاء
وجعلته الأصل الكريم وآدم ..... ما بين طينة خلقه والماء
ونقلته حتى استدار زمانه ..... وعطفت آخره على الإبداء
وأقمته عبدا ذليلا خاضعا ..... دهرا يناجيكم بغار حراء
حتى أتاه مبشرا من عندكم ..... جبريل المخصوص بالأنباء
قال السلام عليك أنت محمد ..... سر العباد وخاتم النباء
يا سيدي حقا أقول فقال لي ..... صدقا نطقت فأنت ظل ردائي
فاحمد وزد في حمد ربك جاهدا ..... فلقد وهبت حقائق الأشياء
وانثر لنا من شأن ربك ما انجلى ..... لفؤادك المحفوظ في الظلماء
من كل حق قائم بحقيقة ..... يأتيك مملوكا بغير شراء
[نشأة الكون وظهور الكائنات]
ثم شرعت في الكلام بلسان العلام فقلت وأشرت إليه صلى الله عليه وسلم حمدت من أنزل عليك الكتاب المكنون الذي لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ.
المنزل بحسن شيمك وتنزيهك عن الآفات وتقديسك .
فقال في سورة ن
(بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ن والْقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ.
ثم غمس قلم الإرادة في مداد العلم وخط بيمين القدرة في اللوح المحفوظ المصون كل ما كان وما هو كائن وسيكون وما لا يكون .
مما لو شاء وهو لا يشاء أن يكون لكان كيف يكون من قدره المعلوم الموزون وعلمه الكريم المخزون فـ" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ " .
ذلك الله الواحد الأحد فتعالى عما أشرك به المشركون .
فكان أول اسم كتبه ذلك القلم الأسمى دون غيره من الأسماء إني أريد أن أخلق من أجلك يا محمد العالم الذي هو ملكك .
فأخلق جوهرة الماء فخلقتها دون حجاب العزة الأحمى وأنا على ما كنت عليه ولا شيء معي في عماء .
فخلق الماء سبحانه بردة جامدة كالجوهرة في الاستدارة والبياض وأودع فيها بالقوة ذوات الأجسام وذوات الأعراض ثم خلق العرش واستوى عليه اسمه الرحمن .
ونصب الكرسي وتدلت إليه القدمان فنظر بعين الجلال إلى تلك الجوهرة فذابت حياء وتحللت أجزاؤها فسألت ماء وكانَ عَرْشُهُ عَلَى ذلك الْماءِ قبل وجود الأرض والسماء .
وليس في الوجود إذ ذاك إلا حقائق المستوي عليه والمستوي والاستواء .
فأرسل النفس فتموج الماء من زعزعه وأزبد وصوت بحمد الحمد المحمود الحق عند ما ضرب بساحل العرش فاهتز الساق .
وقال له أنا أحمد فخجل الماء ورجع القهقري يريد ثبجه وترك زبده بالساحل الذي أنتجه .
فهو مخضة ذلك الماء الحاوي على أكثر الأشياء فأنشأ سبحانه من ذلك الزبد الأرض مستديرة النشئ مدحية الطول والعرض.
ثم أنشأ الدخان من نار احتكاك الأرض عند فتقها ففتق فيه السموات العلي وجعله محل الأنوار ومنازل الملأ الأعلى وقابل بنجومها المزينة لها النيرات ما زين به الأرض من أزهار النبات .
وتفرد تعالى لآدم وولديه بذاته جلت عن التشبيه ويديه فأقام نشأة جسدية وسواها تسويتين تسوية انقضاء أمده وقبول أبده .
وجعل مسكن هذه النشأة نقطة كرة الوجود وأخفى عينها ثم نبه عباده عليها بقوله تعالى بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها.
فإذا انتقل الإنسان إلى برزخ الدار الحيوان مارت قبة السماء وانشقت فكانت شعلة نار سيال كالدهان .
فمن فهم حقائق الإضافات عرف ما ذكرنا له من الإشارات .
فيعلم قطعا إن قبة لا تقوم من غير عمد كما لا يكون والد من غير إن يكون له ولد .
فالعمد هو المعنى الماسك فإن لم ترد أن يكون الإنسان فاجعله قدرة المالك فتبين أنه لا بد من ماسك يمسكها وهي مملكة فلا بد لها من مالك يملكها .
ومن مسكت من أجله فهو ماسكها ومن وجدت له بسببه فهو مالكها .
ولما أبصرت حقائق السعداء والأشقياء عند قبض القدرة عليها بين العدم والوجود وهي حالة الإنشاء حسن النهاية بعين الموافقة والهداية وسوء الغاية بعين المخالفة والغواية .
سارعت السعيدة إلى الوجود وظهر من الشقية التثبط والإباية ولهذا أخبر الحق عن حالة السعداء .
فقال: أُولئِكَ يُسارِعُونَ في الْخَيْراتِ وهُمْ لَها سابِقُونَ. يشير إلى تلك السرعة
وقال في الأشقياء: فَثَبَّطَهُمْ وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ يشير إلى تلك الرجعة .
فلولا هبوب تلك النفحات على الأجساد ما ظهر في هذا العالم سالك غي ولا رشاد .
ولتلك السرعة والتثبط أخبرتنا صلى الله عليك إن رحمة الله سبقت غضبه .
هكذا نسب الراوي إليك ثم أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه .
فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه .
فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه فخرج عن تكليفه وحكمه فكان له من الجاحدين .
ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه وحقق بينه وبينه العلامة وجعله أمامه فكان له من الساجدين .
ثم استخرج من الأب الأول أنوار الأقطاب شموسا تسبح في أفلاك المقامات .
واستخرج أنوار النجباء نجوما تسبح في أفلاك الكرامات .
وثبت الأوتاد الأربعة للأربعة الأركان فانحفظ بهم الثقلان.
فازالوا ميد الأرض وحركتها فسكنت فازينت بحلي أزهارها وحلل نباتها وأخرجت بركتها فتنعمت أبصار الخلق بمنظرها البهي ومشامهم بريحها العطري وأحناكهم بمطعومها الشهي.
ثم أرسل الأبدال السبعة إرسال حكيم عليم ملوكا على السبعة الأقاليم لكل بدل إقليم .
و وزر للقطب الإمامين وجعلهما إمامين على الزمامين .
فلما أنشأ العالم على غاية الإتقان ولم يبق أبدع منه كما قال الإمام أبو حامد في الإمكان .
وأبرز جسدك صلى الله عليك للعيان أخبر عنك الراوي أنك قلت يوما في مجلسك إن الله كان ولا شيء معه بل هو على ما عليه كان .
وهكذا هي صلى الله عليك حقائق الأكوان فما زادت هذه الحقيقة على جميع الحقائق إلا بكونها سابقة وهن لواحق إذ من ليس مع شي ء فليس معه شيء .
ولو خرجت الحقائق على غير ما كانت عليه في العلم لانمازت عن الحقيقة المنزهة بهذا الحكم فالحقائق الآن في الحكم على ما كانت عليه في العلم .
فلنقل كانت ولا شيء معها في وجودها وهي الآن على ما كانت عليه في علم معبودها .
فقد شمل هذا الخبر الذي أطلق على الحق جميع الخلق ولا تعترض بتعدد الأسباب والمسببات فإنها ترد عليك بوجود الأسماء والصفات .
وإن المعاني التي تدل عليها مختلفات فلولا ما بين البداية والنهاية سبب رابط وكسب صحيح ضابط ما عرف كل واحد منهما بالآخر .
ولا قيل على حكم الأول يثبت الآخر وليس إلا الرب والعبد وكفى .
وفي هذا غنية لمن أراد معرفة نفسه في الوجود وشفا .
ألا ترى أن الخاتمة عين السابقة وهي كلمة واجبة صادقة فما للإنسان يتجاهل ويعمى ويمشي في دجنة ظلماء حيث لا ظل ولا ماء .
وإن أحق ما سمع من النبأ وأتى به هدهد الفهم من سبأ وجود الفلك المحيط الموجود في العالم المركب والبسيط المسمى بالهباء وأشبه شي ء به الماء والهواء .
وإن كانا من جملة صوره المفتوحة فيه ولما كان هذا الفلك أصل الوجود وتجلى له اسمه النور من حضرة الجود كان الظهور .
وقبلت صورتك صلى الله عليك من ذلك الفلك أول فيض ذلك النور .
فظهرت صورة مثلية مشاهدها عينية ومشاربها غيبية وجنتها عدنية ومعارفها قلمية وعلومها يمينية وأسرارها مدادية وأرواحها لوحية وطينتها آدمية.
فأنت أب لنا في الروحانية كما كان وأشرت إلى آدم صلى الله عليه في ذلك الجمع أبا لنا في الجسمية والعناصر له أم ووالد .
كما كانت حقيقة الهباء في الأصل مع الواحد فلا يكون أمر إلا عن أمرين ولا نتيجة إلا عن مقدمتين .
أليس وجودك عن الحق سبحانه وكونه قادرا موقوفا وأحكامك عليه من كونه عالما موصوفا واختصاصك بأمر دون غيره مع جوازه عليك عليه من كونه مريدا معروفا.
فلا يصح وجود المعدوم عن وحيد العين فإنه من أين يعقل الأين فلا بد أن تكون ذات الشيء أينا لأمر ما لا يعرفه من أصبح عن الكشف على الحقائق أعمى .
وفي معرفة الصفة والموصوف تتبين حقيقة الأين المعروف ؟
وإلا فكيف تسأل صلى الله عليك بأين وتقبل من المسئول فاء الظرف ثم تشهد له بالإيمان الصرف وشهادتك حقيقة لا مجاز ووجوب لا جواز .
فلو لا معرفتك صلى الله عليك بحقيقة ما قبلت قولها مع كونها خرساء في السماء .
ثم بعد أن أوجد العوالم اللطيفة والكثيفة ومهد المملكة وهيأ المرتبة الشريفة أنزل في أول دورة العذراء الخليفة .
ولذلك جعل سبحانه مدتنا في الدنيا سبع آلاف سنة .
وتحل بنا في آخرها حال فناء بين نوم وسنة فننتقل إلى البرزخ الجامع للطرائق وتغلب فيه الحقائق الطيارة على جميع الحقائق .
فترجع الدولة للأرواح وخليفتها في ذلك الوقت طائر له ستمائة جناح وترى الأشباح في حكم التبع للأرواح .
فيتحول الإنسان في أي صورة شاء لحقيقة صحت له عند البعث من القبور في الإنشاء .
وذلك موقوف على سوق الجنة سوق اللطائف والمنة .
فانظروا رحمكم الله وأشرت إلى آدم في الزمردة البيضاء قد أودعها الرحمن في أول الآباء .
وانظروا إلى النور المبين .
وأشرت إلى الأب الثاني الذي سمانا مسلمين .
وانظروا إلى اللجين الأخلص وأشرت إلى من أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله كما جاء به النص .
وانظروا إلى جمال حمرة ياقوتة النفس وأشرت إلى من بيع بِثَمَنٍ بَخْسٍ .
وانظروا إلى حمرة الإبريز وأشرت إلى الخليفة العزيز .
وانظروا إلى نور الياقوتة الصفراء في الظلام وأشرت إلى من فضل بالكلام .
فمن سعى إلى هذه الأنوار حتى وصل إلى ما يكشفه لك طريقها من الأسرار فقد عرف المرتبة التي لها وجد .
وصح له المقام الآلي وله سجد فهو الرب والمربوب والمحب والمحبوب
انظر إلى بدء الوجود وكن به ..... فطنا تر الجود القديم المحدثا
والشي ء مثل الشي ء إلا أنه ..... أبداه في عين العوالم محدثا
إن أقسم الرائي بأن وجوده ..... أزلا فبر صادق لن يحنثا
أو أقسم الرائي بأن وجوده ..... عن فقده أحرى وكان مثلثا
ثم أظهرت أسرارا وقصصت أخبارا لا يسع الوقت إيرادها ولا يعرف أكثر الخلق إيجادها فتركتها موقوفة على رأس مهيعها خوفا من وضع الحكمة في غير موضعها.
ثم رددت من ذلك المشهد النومي العلي إلى العالم السفلي فجعلت ذلك الحمد المقدس خطبة الكتاب وأخذت في تتميم صدره
ثم أشرع بعد ذلك في الكلام على ترتيب الأبواب .
والحمد لله الغني الوهاب.
كتاب الفتوحات المكية النسخة المنقحة المجلد الأول وورد Word
كتاب الفتوحات المكية النسخة المنقحة المجلد الأول وورد PDF
كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية نسخة منقحة بصيغة الشاملة
.