الباب الأول في معرفة الروح. كتاب الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية المجلد الأول للشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي
الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(الباب الأول في معرفة الروح)
الذي أخذت من تفصيل نشأته ما سطرته في هذا الكتاب وما كان بيني وبينه من الأسرار فمن ذلك نظمقلت عند الطواف كيف أطوف ..... وهو عن درك سرنا مكفوفجلمد غير عاقل حركاتي ..... قيل أنت المحير المتلوفانظر البيت نوره يتلألأ ..... لقلوب تطهرت مكشوفنظرته بالله دون حجاب ..... فبدا سره العلي المنيفوتجلى لها من أفق جلالي ..... قمر الصدق ما اعتراه خسوفلو رأيت الولي حين يراه ..... قلت فيه مدله ملهوفيلثم السر في سواد يميني ..... أي سر لو أنه معروفجهلت ذاته فقيل كثيف ..... عند قوم وعند قوم لطيفقال لي حين قلت لم جهلوه ..... إنما يعرف الشريف الشريفعرفوه فلازموه زمانا ..... فتولاهم الرحيم الرءوفواستقاموا فما يرى قط فيهم ..... عن طواف بذاته تحريفقم فبشر عني مجاور بيتي ..... بأمان ما عنده تخويفإن أمتهم فرحتهم بلقائي ..... أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف[الفتى الفائت المتكلم الصامت]اعلم أيها الولي الحميم والصفي الكريم أني لما وصلت إلى مكة البركات ومعدن السكنات الروحانية والحركات وكان من شأني فيه ما كان .طفت ببيته العتيق في بعض الأحيان فبينا أنا أطوف مسبحا وممجدا ومكبرا ومهللا تارة ألثم واستلم وتارة للملتزم التزم .إذ لقيت وأنا عند الحجر الأسود باهت الفتى الفائت المتكلم الصامت الذي ليس بحي ولا مائت المركب البسيط المحاط المحيط .فعند ما أبصرته يطوف بالبيت طواف الحي بالميت عرفت حقيقته ومجازه وعلمت إن الطواف بالبيت كالصلاة على الجنازة .وأنشدت الفتى المذكور ما تسمعه من الأبيات عند ما رأيت الحي طائفا بالأموات شعرولما رأيت البيت طافت بذاته ..... شخوص لهم سر الشريعة غيبيوطاف به قوم هم الشرع والحجا ..... وهم كحل عين الكشف ما هم به عمىتعجبت من ميت يطوف به حي ..... عزيز وحيد الدهر ما مثله شيءتجلى لنا من نور ذات مجله ..... وليس من الأملاك بل هو أنسيتيقنت أن الأمر غيب وأنه ..... لدى الكشف والتحقيق حي ومرئيقلت فعند ما وقعت مني هذه الأبيات وألحقت بيته المكرم من جهة ما بجانب الأموات خطفني مني خطفة قاهر .وقال لي قولة رادع زاجر انظر إلى سر البيت قبل الفوت تجده زاهيا بالمطيفين والطائفين بأحجاره ناظرا إليهم من خلف حجبه وأستاره. فرأيته يزهو كما قال فأفصحت له في المقال وأنشدته في عالم المثال على الارتجالأرى البيت يزهو بالمطيفين حوله ..... وما الزهو إلا من حكيم له صنعوهذا جماد لا يحس ولا يرى ..... وليس له عقل وليس له سمعفقال شخيص هذه طاعة لنا ..... قد أثبتها طول الحياة لنا الشرعفقلت له هذا بلاغك فاستمع ..... مقالة من أبدى له الحكمة الوضعرأيت جمادا لا حياة بذاته ..... وليس له ضر وليس له نفعولكن لعين القلب فيه مناظر ..... إذا لم يكن بالعين ضعف ولا صدعيراه عزيزا إن تجلى بذاته ..... فليس لمخلوق على حمله وسعفكنت أبا حفص وكنت علينا ..... فمني العطاء الجزل والقبض والمنع(وصل) [منزلة الفتى الفائت المتكلم الصامت]ثم إنه أطلعني على منزلة ذلك الفتى ونزاهته عن أين ومتى .فلما عرفت منزلته وإنزاله وعانيت مكانته من الوجود وأحواله قبلت يمينه ومسحت من عرق الوحي جبينه وقلت له انظر من طالب مجالستك وراغب في مؤانستك فأشار إلى إيماء ولغزا إنه فطر على أن لا يكلم أحدا إلا رمزا .وإن رمزى إذا علمته وتحققته وفهمته علمت أنه لا تدركه فصاحة الفصحاء ونطقه لا تبلغه بلاغة البلغاء .فقلت له يا أيها البشير وهذا خير كثير فعرفني باصطلاحك وأوقفني على كيفية حركات مفتاحك فإني أريد مسامرتك وأحب مصاهرتك فإن عندك الكفؤ والنظير وهو النازل بذاتك والأمير ولو لا ما كانت لك حقيقة ظاهرة ما تطلعت إليه وجوه ناضرة ناظرة .فأشار فعلمت وجلى لي حقيقة جماله فهيمت فسقط في يدي وغلبني في الحين علي .فعند ما أفقت من الغشية وأرعدت فرائصى من الخشية .علم أن العلم به قد حصل وألقى عصا سيره ونزل فتلا حاله على ما جاءت به الأنباء وتنزلت به الملائكة الأمناء إِنَّما يَخْشَى الله من عِبادِهِ الْعُلَماءُ .فجعلها دليلا واتخذها إلى معرفة العلم الحاصل به سبيلا .فقلت له أطلعني على بعض أسرارك حتى أكون من جملة أحبارك .فقال انظر في تفاصيل نشأتي وفي ترتيب هيأتي تجد ما سألتني عنه في مرقوما .فإني لا أكون مكلما ولا كليما فليس علمي بسواي وليست ذاتي مغايرة لأسمائي .فأنا العلم والمعلوم والعليم وأنا الحكمة والمحكم والحكيم .ثم قال لي طف على أثري وانظر إلي بنور قمري حتى تأخذ من نشأتي ما تسطره في كتابك وتمليه على كتابك. وعرفني ما أشهدك الحق في طوافك من اللطائف مما لا يشهده كل طائف حتى أعرف همتك ومعناك فأذكرك على ما علمت منك هناك[تلويحات ببعض أسرار الوجود واكتشاف الذاتية]فقلت أنا أعرفك أيها الشاهد المشهود ببعض ما أشهدني من أسرار الوجود المترفلات في غلائل النور والمتحدات العين من وراء الستور التي أنشأها الحق حجابا مرفوعا وسماء موضوعا والفعل إلى الذات لطيف ولعدم دركه على شريففوصفه ألطف من ذاته ..... وفعله ألطف من وصفهوأودع الكل بذاتي كما ..... أودع معنى الشيء في حرفهفالخلق مطلوب لمعنى كما ..... يطلب ذات المسك من عرفهولو لا ما أودع في ما اقتضته حقيقتي ووصلت إليه طريقتي لم أجد لمشربه نيلا ولا إلى معرفته ميلا .ولذلك أعود علي عند النهاية ولهذا يرجع فخذ البركار في فتح الدائرة عند الوصول إلى غاية وجودها إلى نقطة البداية فارتبط آخر الأمر بأوله وانعطف أبده على أزله .فليس إلا وجود مستمر وشهود ثابت مستقر وإنما طال الطريق من أجل رؤية المخلوق فلو صرف العبد وجهه إلى الذي يليه من غير أن يخل فيه لنظر إلى السالكين إذا وصلوا بعين بئس والله ما فعلوا ولو عرفوا من مكانهم ما انتقلوا .لكن حجبوا بشفعية الحقائق عن وترية الحق الخالق الذي خلق الله به الأرض والطرائق فنظروا مدارج الأسماء وطلبوا معارج الإسراء وتخيلوها أعظم منزلة تطلب وأسنى حالة يقصد الحق تعالى فيها ويرغب.فسير بهم على براق الصدق ورفارفه وحققهم بما عاينوه من آياته ولطائفه .وذلك لما كانت النظرة شمالية وكانت الفطرة على النشأة الكمالية تقابل بوجهها في أصل الوضع نقطة الدائرة فشطر مهجتها من الجانب الأيمن منقبة ومن الجانب الغربي سافرة .فلو سفرت عن اليمين لنالت من أول طرفتها مقام التمكين في مشاهدة التعيين ويا عجبا لمن هو في أعلى عليين ويتخيل أنه في أسفل سافلين. أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ من الْجاهِلِينَ .فشمالها يمين مديرها ووقوفها في موضعها الذي وجدت فيه غاية مسيرها فإذا ثبت عند العاقل ما أشرت إليه وصح وعلم إن إليه المرجع فمن موقفه لم يبرح لكن يتخيل المسكين القرع والفتح ويقول وهل في مقابلة الضيق والحرج إلا السعة والشرح.ثم يتلو ذلك قرآنا على الخصماء فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ. فكما إن الشرح لا يكون إلا بعد الضيق كذلك المطلوب لا يحصل إلا بعد سلوك الطريق .وغفل المسكين عن تحصيل ما حصل له بالإلهام مما لا يحصل إلا بالفكر والدليل عند أهل النهي والأفهام .ولقد صدق فيما قال فإنه ناظر بعين الشمال فسلموا له حاله وثبتوا له محاله وضعفوا منه محاله وقولوا له عليك بالاستعانة إن أردت الوصول إلى ما منه خرجت لا محالة .واستروا عنه مقام المجاورة وعظموا له أجر التزاور والمزاورة والموازرة فسيحزن عند الوصول إلى ما منه سار وسيفرح بما حصل في طريقه من الأسرار. وصار ولو لا ما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعراج ما رحل ولا صعد إلى السماء ولا نزل .وكان يأتيه شأن الملإ الأعلى وآيات ربه في موضعه كما زويت له الأرض وهو في مضجعه .ولكنه سر إلهي لينكره من شاء لأنه لا يعطيه الإنشاء ويؤمن به من شاء لأنه جامع للأشياء .فعند ما أتيت على هذا العلم الذي لا يبلغه العقل وحده ولا يحصله على الاستيفاء الفهم. قال لقد أسمعتني سرا غريبا وكشفت لي معنى عجيبا ما سمعته من ولي قبلك ولا رأيت أحدا تممت له هذه الحقائق مثلك .على أنها عندي معلومة وهي بذاتي مرقومة ستبدو لك عند رفع ستاراتي واطلاعك على إشاراتي .ولكن أخبرني ما أشهدك عند ما أنزلك بحرمه وأطلعك على حرمه.«مشاهدة مشهد البيعة الإلهية»قلت اعلم يا فصيحا لا يتكلم وسائلا عما يعلم لما وصلت إليه من الايمان ونزلت عليه في حضرة الإحسان أنزلني في حرمه وأطلعني على حرمه .وقال إنما أكثرت المناسك رغبة في التماسك فإن لم تجدني هنا وجدتني هنا .وإن احتجبت عنك في جمع تجليت لك في منى .مع أني قد أعلمتك في غير ما موقف من مواقفك وأشرت به إليك غير مرة في بعض لطائفك إني وإن احتجبت فهو تجل. لا يعرفه كل عارف إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف. ألا تراني أتجلي لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون وبها يتعوذون ولكن لا يشعرون .ولكنهم يقولون لذلك المنجلي نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون لي بالربوبية وعلى أنفسهم بالعبودية فهم لعلامتهم عابدون وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون.فمن قال منهم إنه عبدني فقوله زور وقد باهتني .وكيف يصح منه ذلك وعند ما تجليت له أنكرني فمن قيدني بصورة دون صورة فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني.والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم فلا يظهر لهم عندهم سوائي ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي. فكل شيء ظهر لهم وتجلى قالوا أنت المسبح الأعلى.فليسوا سواء فالناس بين غائب وشاهد وكلاهما عندهم شيء واحد .فلما سمعت كلامه وفهمت إشارته وإعلامه جذبني غيور إليه وأوقفني بين يديه(مخاطبات التعليم والألطاف بسر الكعبة من الوجود والطواف)ومد اليمين فقبلتها ووصلتني الصورة التي تعشقتها فتحول لي في صورة الحياة فتحولت له في صورة الممات .فطلبت الصورة تبايع الصورة فقالت لها لم تحسني السيرة وقبضت يمينها عنها وقالت لها ما عرفت لها في عالم الشهادة كنها ثم تحول لي في صورة البصرفتحولت له في صورة من عمي عن النظر .وذلك بعد انقضاء شوط وتخيل نقض شرط فطلبت الصورة تبايع الصورة فقالت لها مثل المقالة المذكورة ثم تحول لي في صورة العلم الأعم فتحولت له في صورة الجهل الأتم فطلبت الصورة تبايع الصورة فقالت لها المقالة المشهورة ثم تحول لي في صورة سماع النداء فتحولت له في صورة الصمم عن الدعاء فطلبت الصورة تبايع الصورة فأسدل الحق بينهما ستوره ثم تحول لي في صورة الخطاب فتحولت له في صورة الخرس عن الجواب فطلبت الصورة تبايع الصورة فأرسل الحق بينهما رقوم اللوح وسطوره ثم تحول لي في صورة الإرادة فتحولت له في صورة قصور الحقيقة والعادة فطلبت الصورة تبايع الصورة فأفاض الحق بينهما ضياءه ونوره ثم تحول لي في صورة القدرة والطاقة فتحولت له في صورة العجز والفاقة فطلبت الصورة تبايع الصورة فأبدى الحق للعبد تقصيره فقلت لما رأيت ذلك الإعراض وما حصل لي تمام الآمال والأغراض لم أبيت علي ولم تف بعهدي فقال لي أنت أبيت على نفسك يا عبدي لو قبلت الحجر في كل شوط أيها الطائف لقبلت يميني هنا في هذه الصور اللطائف فإن بيتي هناك بمنزلة الذات وأشواط الطواف بمنزلة السبع الصفات صفات الكمال لا صفات الجلال لأنها صفات الاتصال بك والانفصال فسبعة أشواط لسبع صفات وبيت قائم يدل على ذات غير أني أنزلته في فرشي وقلت للعامة هذا عندكم بمنزلة عرشي وخليفتي في الأرض هو المستوي عليه والمحتوي فانظر إلى الملك معك طائفا وإلى جانبك واقفا فنظرت إليه فعاد إلى عرشه وتاه علي بسمو نعشه
فتبسمت جذلا وقلت مرتجلا:يا كعبة طاف بها المرسلون ..... من بعد ما طاف بها المكرمونثم أتى من بعدهم عالم ..... طافوا بها من بين عال ودونأنزلها مثلا إلى عرشه ..... ونحن حافون لها مكرمونفإن يقل أعظم حاف به ..... إني أنا خير فهل تسمعونوالله ما جاء بنص ولا ..... أتى لنا إلا بما لا يبينهل ذاك إلا النور حفت به ..... أنوارهم ونحن ماء مهينفانجذب الشيء إلى مثله ..... وكلنا عبد لديه مكينهلا رأوا ما لم يروا أنهم ..... طافوا بما طفنا وليسوا بطينلو جرد الألطف منا استوى ..... على الذي حفوا به طائفينقد سهموا أن يجهلوا حق من ..... قد سخر الله له العالمينكيف لهم وعلمهم إنني ..... ابن الذي خروا له ساجدينواعترفوا بعد اعتراض على ..... والدنا بكونهم جاهلينوأبلس الشخص الذي قد أبي ..... وكان للفضل من الجاحدينقد سهموا قد سهموا إنهم ..... قد عصموا من خطأ المخطئينقلت ثم صرفت عنه وجه قلبي وأقبلت به على ربي فقال لي انتصرت لأبيك حلت بركتي فيك اسمع منزلة من أثنيت عليها وما قدمته من الخير بين يديها.وأين منزلتك من منازل الملائكة المقربين صلوات الله عليكم وعليهم أجمعين .كعبتي هذه قلب الوجود وعرشي لهذا القلب جسم محدود وما وسعني واحد منهما ولا أخبر عني بالذي أخبرت عنهما .وبيتي الذي وسعني قلبك المقصود المودع في جسدك المشهود فالطائفون بقلبك الأسرار فهم بمنزلة أجسادكم عند طوافها بهذه الأحجار .فالطائفون الحافون بعرشنا المحيط كالطائفين منك بعالم التخطيط .فكما إن الجسم منك في الرتبة دون قلبك البسيط كذلك هي الكعبة مع العرش المحيط.فالطائفون بالكعبة بمنزلة الطائفين بقلبك لاشتراكهما في القلبية والطائفون بجسمك كالطائفين بالعرش لاشتراكهما في الصفة الإحاطية .فكما أن عالم الأسرار الطائفين بالقلب الذي وسعني أسنى منزلة من غيرهم وأعلى .كذلك أنتم بنعت الشرف والسيادة على الطائفين بالعرش المحيط أولى فإنكم الطائفون بقلب وجود العالم فأنتم بمنزلة أسرار العلماء .وهم الطائفون بجسم العالم فهم بمنزلة الماء والهواء فكيف تكونون سواء .وما وسعني سواكم وما تجليت في صورة كمال إلا في معناكم فاعرفوا قدر ما وهبتكموه من الشرف العالي .وبعد هذا فأنا الكبير المتعالي لا يحدني الحد ولا يعرفني السيد ولا العبد .تقدست الألوهة فتنزهت أن تدرك وفي منزلتها أن تشرك أنت الأنا وأنا .فلا تطلبني فيك فتعنى ولا من خارج فما تتهنى .ولا تترك طلبي فتشقى .فاطلبني حتى تلقاني فترقى .ولكن تأدب في طلبك واحضر عند شروعك في مذهبك وميز بيني وبينك .فإنك لا تشهدني وإنما تشهد عينك .فقف في صفة الاشتراك وإلا فكن عبدا وقل العجز عن درك الإدراك إدراك .تلحق في ذلك عتيقا وتكن المكرم الصديقا .ثم قال لي اخرج عن حضرتي فمثلك لا يصلح لخدمتي .فخرجت طريدا فضج الحاضر فقال ذَرْنِي ومن خَلَقْتُ وَحِيداً ثم قال ردوه فرددت وبين يديه من ساعتي وجدت وكأني ما زلت عن بساط شهوده وما برحت من حضرة وجوده .فقال كيف يدخل علي في حضرتي من لا يصلح لخدمتي .لو لم تكن عندك الحرمة التي توجب الخدمة ما قبلتك الحضرة ولرمت بك في أول نظره .وها أنت فيها وقد رأيت من برهانك وتخفيها ما يزيدك احتراما وعند تجليها احتشاما .ثم قال لم لم تسألني حين أمرت بإخراجك وردك على معراجك ؟
وأعرفك صاحب حجة ولسان ؟ ما أسرع ما نسيت أيها الإنسان !فقلت بهرني عظيم مشاهدة ذاتك وسقط في يدي لقبضك يمين البيعة في تجلياتك .وبقيت أردد النظر ما الذي طرأ في الغيب من الخبر .فلو التفت في ذلك الوقت إلي لعلمت أن مني أتى علي .ولكن الحضرة تعطي أن لا يشهد سواها وأن لا ينظر إلى محيا غير محياها .فقال صدقت يا محمد فأثبت في المقام الأوحد وإياك والعدد فإن فيه هلاك الأبد .ثم اتفقت مخاطبات وأخبار أذكرها في باب الحج ومكة مع جملة أسرار.(وصل) [الدخول في كعبة الحجر: البيت المتعالي عن الستر]فقال النجي الوفي يا أكرم ولي وصفي ما ذكرت لي أمرا إلا أنا به عالم وهو بذاتي مسطر قائم.قلت لقد شوقتني إلى التطلع إليك منك حتى أخبر عنكفقال نعم أيها الغريب الوارد والطالب القاصد أدخل معي كعبة الحجر فهو البيت المتعالي عن الحجاب والستر وهو مدخل العارفين وفيه راحة الطائفين.فدخلت معه بيت الحجر في الحال وألقى يده على صدري.وقال أنا السابع في مرتبة الإحاطة بالكون وبأسرار وجود العين والأين أوجدني الحق قطعة نور حوائي ساذجة وجعلني للكليات ممازجة.فبينا أنا متطلع لما يلقى لدي أو ينزل علي وإذا بالعلم القلمي الأعلى قد نزل بذاتي من منازله العلى راكبا على جواد قائم على ثلاث قوائم فنكس رأسه إلى ذاتي فانتشرت الأنوار والظلمات.ونفث في روعي جميع الكائنات ففتق أرضي وسمائي وأطلعني على جميع أسمائي فعرفت نفسي وغيري وميزت بين شري وخيري وفصلت ما بين خالقي وحقائقي.ثم انصرف عني ذلك الملك.وقال تعلم أنك حضرة الملك فتهيأت للنزول وورود الرسول.فتجارت الأملاك إلي ودارت الأفلاك علي والكل ليميني مقبلون وعلى حضرتي مقبلون وما رأيت ملكا نزل ولا ملكا عن الوقوف بين يدي انتقل.ولحظت في بعض جوانبي فرأيت صورة الأزل فعلمت إن النزول محال فثبت على ذلك الحال.وأعلمت بعض الخاصة ما شهدت وأطلعتهم مني على ما وجدت.فأنا الروضة اليانعة والثمرة الجامعة فارفع ستوري واقرأ ما تضمنته سطوري فما وفقت عليه مني فاجعله في كتابك وخاطب به جميع أحبابك.فرفعت ستوره ولحظت مسطوره فأبدى لعيني نوره المودع فيه ما يتضمنه من العلم المكنون ويحويه.فأول سطر قرأته وأول سر من ذلك السطر علمته ما أذكره الآن في هذا الباب الثانيوالله سبحانه يهدي إلى العلم وإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
.