الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه.الفتوحات المكية في معرفة أسرار المالكية والملكية
الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي قدس الله روحه
(الباب الخامس في معرفة أسرار بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والفاتحة من وجه ما لا من جميع الوجوه)
بسملة الأسماء ذو منظرين ..... ما بين إبقاء وإفناء عينإلا بمن قالت لمن حين ما ..... خافت على النمل من الحطمتينفقال من أضحكه قولها ..... هل أثر يطلب من بعد عينيا نفس يا نفس استقيمي فقد ..... عاينت من نملتنا القبضتينوهكذا في الحمد فاستثنها ..... إن شئت أن تنعم بالجنتينإحداهما من عسجد مشرق ..... جملتها وأختها من لجينيا أم قرآن العلى هل ترى ..... من جهة الفرقان للفرقتينأنت لنا السبع المثاني التي ..... خص بها سيدنا دون مينفأنت مفتاح الهدى للنهى ..... وخص من عاداك بالفرقتينلما أردنا أن نفتتح معرفة الوجود وابتداء العالم الذي هو عندنا المصحف الكبير الذي تلاه الحق علينا تلاوة حال كما إن القرآن تلاوة قول عندنا فالعالم حروف مخطوطة مرقومة في رق الوجود المنشور .ولا تزال الكتابة فيه دائمة أبدا لا تنتهي ولما افتتح الله تعالى كتابه العزيز بفاتحة الكتاب وهذا كتاب أعني العالم الذي نتكلم عليه أردنا أن نفتتح بالكلام على أسرار الفاتحة.[فاتحة الفاتحة]وبسم الله فاتحة الفاتحة وهي آية أولى منها أو ملازمة لها كالعلاوة على الخلاف المعلوم بين العلماء .فلا بد من الكلام على البسملة وربما يقع الكلام على بعض آية من سورة البقرة آيتين أو ثلاث خاصة تبركا بكلام الحق سبحانه ثم نسوق الأبواب إن شاء الله تعالى .فأقول إنه لما قدمنا إن الأسماء الإلهية سبب وجود العالم وإنها المسلطة عليه والمؤثرة .لذلك كان بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عندنا خبر ابتداء مضمر وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أي باسم الله الرحمن الرحيم ظهر العالم .واختص الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها والرحمن صفة عامة فهو رحمن الدنيا والآخرة بها رحم كل شيء من العالم في الدنيا ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة فإنها تنفرد عن أختها وكانت في الدنيا ممتزجة يولد كافرا ويموت مؤمنا أي ينشأ كافرا في عالم الشهادة وبالعكس وتارة وتارة وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بأخبار صادق فجاء الاسم الرحيم مختصا بالدار الآخرة لكل من آمن.وتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله وتفصيلا في الاسمين الرحمن الرحيم فتحقق ما ذكرناه .فإني أريد أن أدخل إلى ما في طي البسملة والفاتحة من بعض الأسرار كما شرطناه فلنبين ونقول[رمزية الباء]بسم بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد من المعبود .قيل للشبلي رضي الله عنه أنت الشبلي فقال أنا النقطة التي تحت الباء وهو قولنا النقطة للتمييز وهو وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية .وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله يقول:
ما رأيت شيئا إلا رأيت الباء عليه مكتوبة فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام الجمع والوجود أي بي قام كل شيء وظهر .وهي من عالم الشهادة هذه الباء بدل من همزة الوصل التي كانت في الاسم قبل دخول الباء واحتيج إليها إذ لا ينطق بساكن .فجلبت الهمزة المعبر عنها بالقدرة محركة عبارة عن الوجود ليتوصل بها إلى النطق الذي هو الإيجاد من إبداع وخلق بالساكن الذي هو العدم .وهو أوان وجود المحدث بعد أن لم يكن وهو السين فدخل في الملك بالميم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى[الفرق بين الباء والألف]فصارت الباء بدلا من همزة الوصل أعني القدرة الأزلية وصارت حركة الباء لحركة الهمزة الذي هو الإيجاد .ووقع الفرق بين الباء والألف الواصلة فإن الألف تعطي الذات والباء تعطي الصفة .ولذلك كانت لعين الإيجاد أحق من الألف بالنقطة التي تحتها وهي الموجودات .فصار في الباء الأنواع الثلاثة شكل الباء والنقطة والحركة العوالم الثلاثة فكما في العالم الوسط توهم ما كذلك في نقطة الباء .فالباء ملكوتية والنقطة جبروتية والحركة شهادية ملكية والألف المحذوفة التي هي بدل منها هي حقيقة القائم بالكل تعالى واحتجب رحمة منه بالنقطة التي تحت الباء وعلى هذا الحد تأخذ كل مسألة في هذا الباب مستوفاة بطريق الإيجاز فبسم والم واحد[رمزية الألف]ثم وجدنا الألف من بسم قد ظهرت في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وبِسْمِ الله مَجْراها بين الباء والسين ولم تظهر بين السين والميم .فلو لم تظهر في باسم السفينة ما جرت السفينة ولو لم تظهر في اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ما علم المثل حقيقته ولا رأى صورته فتيقظ من سنة الغفلة وانتبه فلما كثر استعمالها في أوائل السور حذفت لوجود المثل مقامه في الخطاب وهو الباء .فصار المثل مرآة للسين فصار السين مثالا وعلى هذا الترتيب نظام التركيب وإنما لم تظهر بين السين والميم وهو محل التغيير وصفات الأفعال أن لو ظهرت لزال السين والميم إذ ليسوا بصفة لازمة للقديم مثل الباء .فكان خفاؤه عنهم رحمة بهم إذ كان سبب بقاء وجودهم وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا وهو الرسول فهذه الباء والسين والميم العالم كله[عمل الباء في الميم]ثم عمل الباء في الميم الخفض من طريق الشبه بالحدوث إذ الميم مقام الملك وهو العبودية وخفضتها الباء عرفتها بنفسها وأوقفتها على حقيقتها فمهما وجدت الباء وجدت الميم في مقام الإسلام .فإن زالت الباء يوما ما لسبب طارئ وهو ترقي الميم إلى مقام الايمان فتح في عالم الجبروت بسبح وأشباهه فأمر بتنزيه المحل لتجلى المثل .فقيل له سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الذي هو مغذيك بالمواد الإلهية فهو ربك بفتح الميم .وجاءت الألف ظاهرة وزالت الباء لأن الأمر توجه عليها بالتسبيح ولا طاقة لها على ذلك والباء محدثة مثلها والمحدث من باب الحقائق لا فعل له ولا بد لها من امتثال الأمر فلا بد من ظهور الألف الذي هو الفاعل القديم[ظهور الألف]فلما ظهر فعلت القدرة في الميم التسبيح فسبح كما أمر وقيل له الأعلى لأنه مع الباء في الأسفل .وفي هذا المقام في الوسط ولا يسبح المسبح مثله ولا من هو دونه فلا بد أن يكون المسبح أعلى .ولو كنا في تفسير سورة سبح اسم ربك الأعلى لأظهرنا أسرارها فلا يزال في هذا المقام حتى يتنزه في نفسه فإن من ينزهه منزه فإنه منزه عن تنزيهه فلا بد من هذا التنزيه أن يعود على المنزه ويكون هو الأعلى.فإن الحق من باب الحقيقة لا يصح عليه الأعلى فإنه من أسماء الإضافة وضرب من وجوه المناسبة فليس بأعلى ولا أسفل ولا أوسط تنزه عن ذلك وتعالى علوا كبيرا بل نسبة الأعلى والأوسط والأسفل إليه نسبة واحدة .فإذا تنزه خرج عن حد الأمر وخرق حجاب السمع وحصل المقام الأعلى فارتفع الميم بمشاهدة القديم فحصل له الثناء التام بتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام فكان الاسم عين المسمى كذلك العبد عين المولى من تواضع لله رفعه الله .وفي الصحيح من الأخبار أن الحق يد العبد ورجله ولسانه وسمعه وبصره لو لم يقبل الخفض من الباء في باسم ما حصل له الرفع في النهاية في تبارك اسم[التثليث في البسملة]ثم اعلم أن كل حرف من بسم مثلث على طبقات العوالم فاسم الباء باء وألف وهمزة واسم السين سين وياء ونون واسم الميم ميم وياء وميم والياء مثل الباء وهي حقيقة العبد في باب النداء فما أشرف هذا الموجود كيف انحصر في عابد ومعبود فهذا شرف مطلق لا يقابله ضد لأن ما سوى وجود الحق تعالى ووجود العبد عدم محض لا عين له[رمزية السين]ثم إنه سكن السين من بسم تحت ذل الافتقار والفاقة كسكوننا تحت طاعة الرسول لما قال من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله .فسكنت السين من بسم لتتلقى من الباء الحق اليقين فلو تحركت قبل أن تسكن لاستبدت بنفسها وخيف عليها من الدعوى وهي سين مقدسة فسكنت فلما تلقت من الباء الحقيقة المطلوبة أعطيت الحركة فلم تتحرك في بعض المواطن إلا بعد ذهاب الباء. إذ كان كلام التلميذ بحضور الشيخ في أمر ما سوء أدب إلا أن يأمره فامتثال الأمر هو الأدب .فقال عند مفارقة الباء يخاطب أهل الدعوى تائها بما حصل له في المقام الأعلى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ ثم تحرك لمن أطاعه بالرحمة واللين .فقال سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ يريد حضرة الباء .فإن الجنة حضرة الرسول عليه السلام وكثيب الرؤية حضرة الحق فاصدق وسلم تكشف وتلحق .فهذه الحضرة هي التي تنقله إلى الألف المرادة فكما أنه ينقلك الرسول إلى الله كذلك تنقلك حضرته التي هي الجنة إلى الكثيب الذي هو حضرة الحق[التنوين العبدي المحذوف في البسملة]ثم اعلم أن التنوين في بسم لتحقيق العبودة وإشارات التبعيض فلما ظهر منه التنوين اصطفاه الحق المبين بإضافة التشريف والتمكين .فقال بِسْمِ الله فحذف التنوين العبدي لإضافته إلى المنزل الإلهي ولما كان تنوين تخلق لهذا صح له هذا التحقق وإلا فالسكون أولى به .فاعلم انتهى الجزء التاسع(بسم الله الرحمن الرحيم)«وصل» [تابع الباب الخامس]قوله الله من بسم الله ينبغي لك أيها المسترشد أن تعرف أولا ما تحصل في هذه الكلمة الكريمة من الحروف وحينئذ يقع الكلام عليها إن شاء الله وحروفهاأ ل ل أ ه وفأول ما أقول كلاما مجملا مرموزا ثم نأخذ في تبيينه ليسهل قبوله على عالم التركيب[تعلق العبد بألف الله: أو مقام الأمناء الورثة الصديقين]وذلك أن العبد تعلق بالألف تعلق من اضطروا الالتجاء فأظهرته اللام الأولى طهور أورثه الفوز من العدم والنجاة .فلما صح ظهوره وانتشر في الوجود نوره وصح تعلقه بالمسمى وبطل تخلقه بالأسماء أفنته اللام الثانية بشهود الألف التي بعدها فناء لم تبق منه باقية وذلك عسى ينكشف له المعمى ثم جاءت الواو بعد الهاء لتمكن المراد وبقيت الهاء لوجوده آخرا عند محو العباد من أجل العناد .فذلك أوان الأجل المسمى وهذا هو المقام الذي تضمحل فيه أحوال السائرين وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل لا غير يثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره .فإن لم تكن تره اعرف حقيقة إن لم تكن تكن أنت .إذ كانت التاء من الحروف الزوائد في الأفعال المضارعة للذوات وهي العبودية .يقول بعض السادة وقد سمع عاطسا يقول الْحَمْدُ لِلَّهِ فقال له ذلك السيد أتمها كما قال الله رَبِّ الْعالَمِينَ فقال العاطس يا سيدنا ومن العالم حتى يذكر مع الله فقال له الآن قله يا أخي فإن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر وهذا هو مقام الوصلة وحال وله أهل الفناء عن أنفسهم. وأما لو فنى عن فنائه لما قال الحمد لله لأن في قوله الحمد أثبت العبد الذي هو المعبر عنه بالرداء عند بعضهم وبالثوب عند آخرين. ولو قال رب العالمين لكان أرفع من المقام الذي كان فيه فذلك مقام الوارثين ولا مقام أعلى منه .لأنه شهود لا يتحرك معه لسان ولا يضطرب معه جنان أهل هذا المقام في أحوالهم فاغرة أفواههم استولت عليهم أنوار الذات وبدت عليهم رسوم الصفات هم عرائس الله المخبأون عنده المحجوبون لديه .الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون توجهم بتاج البهاء وإكليل السناء وأقعدهم على منابر الفناء عن القرب في بساط الأنس ومناجاة الديمومية بلسان القيومية أورثهم ذلك قوله عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ وبِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ .فلم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فيبرزون بالصفات في موضع القدمين فلا وله إلا من حيث الاقتداء ولا ذكر إلا إقامة سنة أو فرض لا يحيدون عن سواء السبيل فهم بالحق وإن خاطبوا الخلق وعاشروهم فليسوا معهم وإن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال الله فهم يشاهدون الصنعة والصانع مقاما عمريا كما يقعد أحدكم مع نجار يصنع تابوتا فيشاهد الصنعة والصانع ولا تحجبه الصنعة عن الصانع إلا إن شغل قلبه حسن الصنعةفإن الدنيا كما قال عليه السلام حلوة خضرة وهي من خضراء الدمن جارية حسناء في منبت سوء من أحسن إليها وأحبها أساءت إليه وحرمت عليه أخراهولقد أحسن القائلإذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ..... له عن عدو في ثياب صديقفهذه الطائفة الأمناء الصديقون إذا أيدهم الله بالقوة الإلهية وأمدهم فهم معه بهذه النسبة على وجه المثال وهذا أعلى مقام يرقى فيه وأشرف غاية ينتهي إليها هذه الغاية القصوى إذ لا غاية إلا من حيث التوحيد لا من حيث الموارد والواردات وهو المستوي إذ لا استواء إلا الرفيق الأعلى فهنيئا لهذه العصابة بما نالوه من حقائق المشاهدة وهنيئا لنا على التصديق والتسليم لهم بالموافقة والمساعدة[عود على بدء: البسملة من طريق الأسرار]مر بنا جواد اللسان في حلبة الكلام فلنرجع إلى ما كنا بسبيله والسلام فأقول همزة هذا الاسم المحذوفة بالإضافة تحقيق اتصال الوحدانية وتمحيق انفصال الغيرة فالألف واللام الملصقة كما تقدم لتحقيق المتصل ومحق المنفصل والألف الموجودة في اللام الثانية لمحو آثار الغير المتحصل والواو التي بعد الهاء ليس لها في الخط أثر ومعناها في الوجود بهاء الهوية قد انتشر أبداها في عالم الملك بذاتها فقال هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فبدأ بالهوية وختم وملكها الأمر في الوجود والعدم وجعلها دالة على الحدوث والقدم وهو آخر ذكر الذاكرين وأعلاه فرجع العجز على الصدر فلاحت ليلة القدر ووقف بوجودها أهل العناية والتأييد على حقائق التوحيد فالوجود في نقطة دائرة هذا الاسم ساكن وقد اشتمل عليه بحقيقته اشتمال الأماكن على المتمكن الساكن ولِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلىوالله قد ضرب الأقل لنوره ..... مثلا من المشكاة والنبراسفقال تعالى والله (أَلا إِنَّهُ) بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وصير الكل اسما ومسمى وأرسله مكشوفا ومعمى (حل المقفل وتفصيل المجمل) [الله: من طريق الاسرار]يقول العبد الله فيثبت أولا وآخرا وينفي باللامين باطنا وظاهرا لزمت اللام الثانية الهاء بوساطة الألف العلمية ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الثلاثة اللام ولا خمسة إلا هو سادسهم فالألف سادس في حق الهاء رابع في حق اللام أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ العرش ظل الله العرش اللام الثانية وما حواه اللام الأولى بطريق الملك واللامان هما الظاهر والباطن من باب الأسماء ظهرتا بين ألف الأول وألف الآخر وهو مقام الاتصال لأن النهاية تنعطف على البداية وتتصل بها اتصال اتحاد ثم خرجت الهاء بواوها الباطنة مخرج الانفصال والجزء المتصل بين اللام والهاء هو السر الذي به تقع المشاهدة بين العبد والسيد وذلك مركز الألف العلمية وهو مقام الاضمحلال ثم جعل تعالى في الخط المتصل جزءا بين اللامين للاتصال بين اللام الأولى التي هي عالم الملك وبين اللام الثانية التي هي عالم الملكوت وهو مركز العالم الأوسط عالم الجبروت مقام النفس ولا بد من خطوط فارغة بين كل حرفين فتلك مقامات فناء رسوم السالكين من حضرة إلى حضرة(تتميم) [حروف الجلالة الخمس والحقائق العامة الخمسة]الألف الأولى التي هي ألف الهمزة منقطعة واللام الثانية ألفها متصل بها قطعت الألف في أوائل الخطوط لقوله عليه السلام كان الله ولا شيء معه فلهذا قطعت وتنزه من الحروف من أشبهها في عدم الاتصال بما بعدها والحروف التي أشبهتها على عدد الحقائق العامة العالية التي هي الأمهات وكذلك إذا كانت آخر الحروف تقطع الاتصال من البعدية الرقمية فكان انقطاع الألف تنبيها لما ذكرناه وكذلك إخوته فالألف للحق وأشباه الألف للخلق وذلك د ذ ر ز وفي جميع الحقائق جسم متغذ حساس ناطق وما عداه ممن له لغة وانحصرت حقائق العالم الكلية فلما أراد وجود اللام الثانية وهي أول موجود في المعنى وإن تأخرت في الخط فإن معرفة الجسم تتقدم على معرفة الروح شاهدا وكذلك الخط شاهدا وهي عالم الملكوت أوجدها بقدرته وهي الهمزة التي في الاسم إذا ابتدأت به معرى من الإضافة وهي لا تفارق الألف فلما أوجدت هذه الألف اللام الثانية جعلها رئيسة فطلبت مرءوسا تكون عليه بالطبع فأوجد لها عالم الشهادة الذي هو اللام الأولى فلما نظرت إليه أشرق وأنار وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الْكِتابُ وهو الجزء الذي بين اللامين أمر سبحانه اللام الثانية أن تمد الأولى بما أمدها به تعالى من جود ذاته وأن تكون دليلها إليه فطلبت منه معنى تصرفه في جميع أمورها يكون لها كالوزير فتلقى إليه ما تريده فيلقيه على عالم اللام الأولى فأوجد لها الجزء المتصل باللامين المعبر عنه بالكتاب الأوسط وهو العالم الجبروتي وليست له ذات قائمة مثل اللامين فإنه بمنزلة عالم الخيال عندنا فألقت اللام الثانية إلى ذلك الجزء وارتقم فيه ما أريد منها ووجهت به إلى اللام الأولى فامتثلت الطاعة حتى قالت بلى فلما رأت اللام الأولى الأمر قد أتاها من قبل اللام الثانية بوساطة الجزء الذي هو الشرع صارت مشاهدة لما يرد عليها من ذلك الجزء راغبة له في أن يوصلها إلى صاحب الأمر لتشاهده فلما صرفت الهمة إلى ذلك الجزء واشتغلت بمشاهدته احتجبت عن الألف التي تقدمتها ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ولو لم تصرف الهمة إلى ذلك الجزء لتلقت الأمر من الألف الأولى بلا واسطة ولكن لا يمكن لسر عظيم فإنها ألف الذات والثانية ألف العلمإشارة [اللام الجلالية والألف الوحدانية]ألا ترى أن اللام الثانية لما كانت مرادة مجتباة منزهة عن الوسائط كيف اتصلت بألف الوحدانية اتصالا شافيا حتى صار وجودها نطقا يدل على الألف دلالة صحيحة وإن كانت الذات خفيت فإن لفظك باللام يحقق الاتصال ويدلك عليها من عرف نفسه عرف ربه من عرف اللام الثانية عرف الألف فجعل نفسك دليلا عليك ثم جعل كونك دليلا عليك دليلا عليه في حق من بعد وقدم معرفة العبد بنفسه على معرفته بربه ثم بعد ذلك يفنيه عن معرفته بنفسه لما كان المراد منه أن يعرف ربه أ لا ترى تعانق اللام الألف وكيف يوجد اللام في النطق قبل الألف وفي هذا تنبيه لمن أدرك فهذه اللام الملكوتية تتلقى من ألف الوحدانية بغير واسطة فتورده على الجزء الجبروتي ليؤديه إلى لام الشهادة والملك هكذا الأمر ما دام التركيب والحجاب فلما حصلت الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية أراد تعالى كما قدم الألف منزهة عن الاتصال من كل الوجوه بالحروف أراد أن يجعل الانتهاء نظير الابتداء فلا يصح بقاء للعبد أولا وآخرا فأوحد الهاء مفردة بواو هويتها فإن توهم متوهم أن الهاء ملصقة إلى اللام فليست كذلك وإنما هي بعد الألف التي بعد اللام والألف لا يتصل بها في البعدية شيء من الحروف فالهاء بعد اللام مقطوعة عن كل شيء فذلك الاتصال باللام في الخط ليس باتصال فالهاء واحدة والألف واحدة فاضرب الواحد في مثله يكن واحدا فصح انفصال الخلق عن الحق فبقي الحق وإذا صح تخلق اللام الملكية لما تورده عليها لام الملكوت فلا تزال تضمحل عن صفاتها وتفني عن رسومها إلى أن تحصل في مقام الفناء عن نفسها فإذا فنيت عن ذاتها فنى الجزء لفنائها واتحدت اللامان لفظا ينطق بها اللسان مشددة للادغام الذي حدث فصارت موجودة بين ألفين اشتملا عليها وأحاطا بها فأعطتنا الحكمة الموهوبة لما سمعنا لفظ الناطق بلا بين ألفين علمنا علم الضرورة أن المحدث فنى بظهور القديم فبقي ألفان أولى وأخرى وزال الظاهر والباطن بزوال اللامين بكلمة النفي فضربنا الألف في الألف ضرب الواحد في الواحد فخرجت لك الهاء فلما ظهرت زال حكم الأول والآخر الذي جعلته الواسطة كما زال حكم الظاهر والباطن فقيل عند ذلك كان الله ولا شيء معه ثم أصل هذا الضمير الذي هو الهاء الرفع ولا بد فإن انفتح أو انخفض فتلك صفة تعود على من فتحه أو خفضه فهي عائدة على العامل الذي قبل في اللفظ(تكملة) [الحركات والحروف والمخارج في اسم الجلالة]ثم أوجد سبحانه الحركات والحروف والمخارج تنبيها منه سبحانه وتعالى إن الذوات تتميز بالصفات والمقامات فجعل الحركات نظير الصفات وجعل الحروف نظير الموصوف وجعل المخارج نظير المقامات والمعارج فأعطى لهذا الاسم من الحروف على عموم وجوهه من وصل وقطع ء أ ل ه وهمزة وألفا ولا ما وهاء وواوا فالهمزة أولا والهاء آخر أو مخرجهما واحد مما يلي القلب ثم جعل بين الهمزة والهاء حرف اللام ومخرجه اللسان ترجمان القلب فوقعت النسبة بين اللامين والهمزة والهاء كما وقعت النسبة بين القلب الذي هو محل الكلام وبين اللسان المترجم عنه قال الأخطل إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ..... جعل اللسان على الفؤاد دليلافلما كانت اللام من اللسان جعلها تنظر إليه لا إلى نفسها فأفناها عنها وهي الحنك الأسفل فلما نظرت إليه لا إلى ذاتها علت وارتفعت إلى الحنك الأعلى واشتد اللسان بها في الحنك اشتداد التمكن علوها وارتفاعها بمشاهدته وخرجت الواو من الشفتين إلى الوجود الظاهر مخبرة دالة عليه وذلك مقام باطن النبوة وهي الشعرة التي فينا من الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يكون الورث فخرج من هذا الوصل أن الهمزة والألف والهاء من عالم الملكوت واللام من عالم الجبروت والواو من عالم الملك(وصل) [الاسم الرحمن: من طريق الأسرار]قوله الرَّحْمنِ من البسملة الكلام على هذا الاسم في هذا الباب من وجهين من وجه الذات ومن وجه الصفة فمن أعربه بدلا جعله ذاتا ومن أعربه نعتا جعله صفة والصفات ست ومن شرط هذه الصفات الحياة فظهرت السبعة وجميع هذه الصفات للذات وهي الألف الموجودة بين الميم والنون من الرحمن ويتركب الكلام على هذا الاسم منالخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورتهمن حيث إعادة الضمير على الله ويؤيد هذا النظر الرواية الأخرى وهيقوله عليه السلام على صورة الرحمنوهذه الرواية وإن لم تصح من طريق أهل النقل فهي صحيحة من طريق الكشف فأقول إن الألف واللام والراء للعلم والإرادة والقدرة والحاء والميم والنون مدلول الكلام والسمع والبصر وصفة الشرط التي هي الحياة مستصحبة لجميع هذه الصفات ثم الألف التي بين الميم والنون مدلول الموصوف وإنما حذفت خطا لدلالة الصفات عليها دلالة ضرورية من حيث قيام الصفة بالموصوف فتجلت للعالم الصفات ولذلك لم يعرفوا من الإله غيرها ولا يعرفونها ثم الذي يدل على وجود الألف ولا بد ما ذكرناه وزيادة وهي إشباع فتحة الميم وذلك إشارة إلهية إلى بسط الرحمة على العالم فلا يكون أبدا ما قبل الألف إلا مفتوحا فتدل الفتحة على الألف في مثل هذا الموطن وهو محل وجود الروح الذي له مقام البسط لمحل التجلي ولهذا ذكر أهل عالم التركيب في وضع الخطوط في حروف العلة الياء المكسور ما قبلها إذ قد توجد الياء الصحيحة ولا كسر قبلها وكذلك الواو المضموم ما قبلها ولما ذكروا الألف لم يقولوا المفتوح ما قبلها إذ لا توجد إلا والفتح في الحرف الذي قبلها بخلاف الواو والياء فالاعتدال للالف لازم أبدا فالجاهل إذا لم يعلم في الوجود منزها عن جميع النقائص إلا الله تعالى نسي الروح القدسي الأعلى فقال ما في الوجود إلا الله فلما سئل في التفصيل لم يوجد لديه تحصيل وإنما خصصوا الواو بالمضموم ما قبلها والياء بالمكسور ما قبلها لما ذكرناه فصحت المفارقة بين الألف وبين الواو والياء فالألف للذات والواو العلية للصفات والياء العلية للافعال الألف للروح والعقل صفته وهو الفتحة والواو النفس والقبض صفتها وهو الضمة والياء الجسم ووجود الفعل صفته وهو الخفض فإن انفتح ما قبل الواو والياء فذلك راجع إلى حال المخاطب ولما كانتا غيرا ولا بد اختلفت عليهما الصفات ولما كانت الألف لا تقبل الحركات اتحدت بمدلولها فلم يختلف عليها شيء البتة وسميت حروف العلة لما نذكره فألف الذات علة لوجود الصفة وواو الصفة علة لوجود الفعل وياء الفعل علة لوجود ما يصدر عنه في عالم الشهادة من حركة وسكون فلهذا سميت عللا ثم أوجد النون من هذا الاسم نصف دائرة في الشكل والنصف الآخر محصور معقول في النقطة التي تدل على النون الغيبية الذي هو نصف الدائرة ويحسب الناس النقطة أنها دليل على النون المحسوسة ثم أوجد مقدم الحاء مما يلي الألف المحذوفة في الرقم إشارة إلى مشاهدتها ولذلك سكنت ولو كان مقدمها إلى الراء لتحركت فالألف الأولى للعلم واللام للإرادة والراء للقدرة وهي صفة الإيجاد فوجدنا الألف لها الحركة من كونها همزة والراء لها الحركة واللام ساكنة فاتحدت الإرادة بالقدرة كما اتحد العلم والإرادة بالقدرة إذا وصلت الرحمن بالله فأدغمت لام الإرادة في راء القدرة بعد ما قلبت راء وشدت لتحقيق الإيجاد الذي هو الحاء وجود الكلمة ساكنة وإنما سكنت لأنها لا تنقسم والحركة منقسمة فلما كانت الحاء ساكنة سكونا حسيا ورأيناها مجاورة الراء راء القدرة عرفنا أنها الكلمة وتثمينها(تنبيه) [الرحمن بدلا ونعتا أو مقام الجمع والتفرقة]أشار من أعربه بدلا من قوله الله إلى مقام الجمع واتحاد الصفات وهو مقام من روى خلق آدم على صورته وذلك وجود العبد في مقام الحق حد الخلافة والخلافة تستدعي الملك بالضرورة والملك ينقسم قسمين قسم راجع لذاته وقسم راجع لغيره والواحد من الأقسام يصلح في هذا المقام على حد ما رتبنا فإن البدل في الموضع يحل محل المبدل منه مثل قولنا جاء بي أخوك زيد فزيد بدل من أخيك بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة فإن زيدا هو أخوك وأخاك هو زيد بلا شك وهذا مقام من اعتقد خلافه فما وقف على حقيقة ولا وحد قط موجدة وأما من أعربه نعتا فإنه أشار إلى مقام التفرقة في الصفة وهو مقام من روى خلق آدم على صورة الرحمن وهذا مقام الوراثة ولا نقع إلا بين غيرين مقام الحجاب بمغيب الواحد وظهور الثاني وهو المعبر عنه بالمثل وفيما قررنا دليل على ما أضمرنا فافهم ثم أظهر من النون الشطر الأسفل وهو الشطر الظاهر لنا من الفلك الدائر من نصف الدائرة ومركز العالم في الوسط من الخط الذي يمتد من طرف الشطر إلى الطرف الثاني والشطر الثاني المستور في النقطة هو الشطر الغائب عنا من تحت نقيض الخط بالإضافة إلينا إذ كانت رؤيتنا من حيث الفعل في جهة فالشطر الموجود في الخط هو المشرق والشطر المجموع في النقطة هو المغرب وهو مطلع وجود الأسرار فالمشرق وهو الظاهر المركب ينقسم والمغرب وهو الباطن البسيط لا ينقسم وفيه أقولعجبا للظاهر ينقسم ..... ولباطنه لا ينقسمفالظاهر شمس في حمل ..... والباطن في أسد جلمحقق وانظر معنى سترت ..... من تحت كنائفها الظلمإن كان خفي هو ذاك بدا ..... عجبا والله هما القسمفأفزع للشمس ودع قمرا ..... في الوتر يلوح وينعدمواخلع نعلي قدمي كوني ..... علمي شفع يكن الكلمولذلك يتعلق العلم بالمعلومات والإرادة الواحدة بالمرادات والقدرة الواحدة بالمقدورات فتقع القسمة والتعداد في المقدورات والمعلومات والمرادات وهو الشطر الموجود في الرقم ويقع الاتحاد والتنزه عن الأوصاف الباطنية من علم وقدرة وإرادة وفي هذا إشارة فافهم ولما كانت الحاء ثمانية وهو وجود كمال الذات ولذلك عبرنا عنه بالكلمة والروح فكذلك النون خامسة في العشرات إذ يتقدمها الميم الذي هو رابع فالنون جسماني محل إيجاد مواد الروح والعقل والنفس ووجود الفعل وهذا كله مستودع في النون وهي كلية الإنسان الظاهرة ولهذا ظهرت(تتمة) [الفصل بين الميم والنون بالألف]وإنما فصل بين الميم والنون بالألف مان إذ الميم ملكوتية لما جعلناها للروح والنون ملكية والنقطة جبروتية لوجود سر سلب الدعوى كأنه يقول أي يا روح الذي هو الميم لم نصطفك من حيث أنت لكن عناية سبقت لك في وجود علمي ولو شئت لاطلعت على نقطة العقل ونون الإنسانية دون واسطة وجودك فاعرف نفسك واعلم أن هذا اختصاص بك مني من حيث أنا لا من حيث أنت فصحت الاصطفائية فلا تجلى لغيره أبدا فالحمد لله على ما أولى فتنبه يا مسكين في وجود الميم دائرة على صورة الجسم مع التقدم كيف أشار به إلى التنزه عن الانقسام وانقسام الدائرة لا يتناهى فانقسام روح الميم بمعلوماته لا يتناهى وهو في ذاته لا ينقسم ثم انظر الميم إذا انفصل وحده كيف ظهرت منه مادة التعريق لما نزل إلى وجود الفعل في عالم الخطاب والتكليف فصارت المادة في حق الغير لا في حق نفسه إذ الدائرة تدل عليه خاصة فما زاد فليس في حقه إذ قد ثبتت ذاته فلم يبق إلا أن يكون في حق غيره فلما نظر العبد إلى المادة مد تعريقا وهذا هو وجود التحقيق ثم اعلم أن الجزء المتصل بين الميم والنون هو مركز ألف الذات وخفيت الألف ليقع الاتصال بين الميم والنون بطريق المادة وهو الجزء المتصل ولو ظهرت الألف لما صح التعريق للميم لأن الألف حالت بينهما وفي هذا تنبيه على قوله رَبِّ السَّماواتِ والْأَرْضِ وما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ وجود الألف المرادة هذا على من أعربه مبتدأ ولا يصح من طريق التركيب والصحيح أن يعرب بدلا من الرب فتبقى الألف هنا عبارة عن الروح والحق قائم بالجميع والميم السموات والنون الأرض وإذا ظهرت الألف بين الميم والنون فإن الاتصال بالميم لا بالنون فلا تأخذ النون صفة أبدا من غير واسطة لقطعها ودل اتصالها بالميم على الأخذ بلا واسطة والعدم الذي صح به القطع فيه يفنى النون ويبقى الميم محجوبا عن سر قدمه بالنقطة التي في وسطه التي هي جوف دائرته بالنظر إلى ذاته بعد أن لم تكن فيما ظهر له(سؤال وجوابه) [اختفاء سر القدم في الميم الملكوتية]قيل فكيف عرفت سر قدمه ولم يعرفه هو وهو أحق بمعرفة نفسه منك إن نظرت إلى ظاهرك أو هل العالم بسر القدم فيه هو المعنى الموجود فيك المتكلم فيه وهو ميم الروح فقد وقف على سر قدمه الجواب عن ذلك أن الذي علم منا سر القدم هو الذي حجبناه هناك فمن الوجه الذي أثبتنا له العلم غير الوجه الذي أثبتنا له منه عدم العلم ونقول إنما حصل له ذلك علما لا عينا وهذا موجود فليس من شرط من علم شيئا أن يراه والرؤية للمعلوم أتم من العلم به من وجه وأوضح في المعرفة به فكل عين علم وليس كل علم عينا إذ ليس من شرط من علم إن ثم مكة رآها وإذا رآها قطعنا أنه يعلمها ولا أريد الاسم فللعين درجة على العلم معلومة كما قيلولكن للعيان لطيف معنى ..... لذا سأل المعاينة الكليمبل أقول إن حقيقة سر القدم الذي هو حق اليقين لأنه لا يعاين فلم يشاهده لرجوعه لذات موجدة ولو علم ذات موجدة لكان نقصا في حقه فغاية كماله في معرفة نفسه بوجودها بعد أن لم تكن عينا هذا فصل عجيب إن تدبرته وقفت على عجائب فافهم(تكملة) [اتصال اللام بالراء- في الاسم الرحمن- نطقا]اتصلت اللام بالراء اتصال اتحاد نطقا من حيث كونهما صفتين باطنتين فسهل عليهما الاتحاد ووجدت الحاء التي هي الكلمة المعبر عنها بالمقدور للراء منفصلة عن الراء التي هي القدرة ليتميز المقدور من القدرة ولئلا تتوهم الحاء المقدورة إنها صفة ذات القدرة فوقع الفرق بين القديم والمحدث فافهم يرحمك الله[الرحمن: منكرا ومعرفا]ثم لتعلم إن رحمن هو الاسم وهو للذات والألف واللام اللذان للتعريف هما الصفات .ولذلك يقال رحمان مع زوالهما كما يقال ذات ولا تسمى صفة معهما .انظر في اسم مسيلمة الكذاب تسمى برحمان ولم يهد إلى الألف واللام لأن الذات محل الدعوى عند كل أحد وبالصفات يفتضح المدعي. فرحمان مقام الجمع وهو مقام الجهل أشرف ما يرتقى إليه في طريق الله الجهل به تعالى ومعرفته الجهل به فإنها حقيقة العبودية .قال تعالى وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فجردك ومما يؤيد هذا. قوله تعالى وما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .وقوله الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .فبحقيقة الاستخلاف سلب مسيلمة وإبليس والدجال وكان من حالهم ما علم. فلو استحقوه ذاتا ما سلبوه البتة .ولكن إن نظرت بعين التنقيذ والقبول الكلي لا بعين الأمر وجدت المخالف طائعا والمعوج مستقيما والكل داخل في الرق شاءوا أم أبوا.فأما إبليس ومسيلمة فصرحا بالعبودية والدجال أبي فتأمل من أين تكلم كل واحد منهم وما الحقائق التي لاحت لهم حتى أوجبت لهم هذه الأحوال(تتمة) [اختفاء الالف واللام نطقا في البسملة]لما نطقنا بقوله بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لم يظهر للالف واللام وجود فصار الاتصال من الذات للذات والله والرحمن اسمان للذات فرجع على نفسه بنفسه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك منك لما انتهى إلى الذات لم ير غيرا وقد قال أعوذ بك ولا بد من مستعاذ منه فكشف له عنه فقال منك ومنك هو والدليل عليه أعوذ ولا يصح أن يفصل فإنه في الذات ولا يجوز التفصيل فيها فتبين من هذا أن كلمة الله هي العبد فكما إن لفظة الله للذات دليل كذلك العبد الجامع الكلي فالعبد هو كلمة الجلالة .قال بعض المحققين في حال ما أنا الله وقالها أيضا بعض الصوفية من مقامين مختلفين وشتان بين مقام المعنى ومقام الحرف الذي وجد له .فقابل تعالى الحرف بالحرف أعوذ برضاك من سخطك وقابل المعنى بالمعنى وأعوذ بك منك وهذا غاية المعرفة(خاتمة) [الفرق بين الله والرحمن]ولعلك تفرق بين الله وبين الرحمن لما تعرض لك في القرآن .قوله تعالى اعْبُدُوا الله ولم يقولوا وما الله ولما قيل لهم اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وما الرَّحْمنُ .ولهذا كان النعت أولى من البدل عند قوم وعند آخرين البدل أولى .لقوله تعالى قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فجعلها للذات .ولم تنكر العرب كلمة الله فإنهم القائلون ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى فعلموه .ولما كان الرحمن يعطي الاشتقاق من الرحمة وهي صفة موجودة فيهم خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليه من جنسهم فأنكروا .وقالوا وما الرَّحْمنُ لما لم يكن من شرط كل كلام أن يفهم معناه. ولهذا قال قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ لما كان اللفظان راجعين إلى ذات واحدة. وذلك حقيقة العبد والباري منزه عن إدراك التوهم والعلم المحيط به جل عن ذلك يتبع..