السفر الحادي والعشرون فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الفقرة الأولى على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
اعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما، وأن وجود الغضب من رحمة الله بالغضب.
فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب إليه.
ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله، لذلك عمت رحمته كل عين، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه، فأوجدها.
فلذلك قلنا إن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما.
والأسماء الإلهية من الأشياء، وهي ترجع إلى عين واحدة.
فأول ما وسعت رحمة الله شيئية تلك العين الموجدة للرحمة بالرحمة، فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ثم الشيئية المشار إليها، ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة، وعرضا وجوهرا، ومركبا وبسيطا.
ولا يعتبر فيها حصول غرض ولا ملائمة طبع، بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا.
وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية
فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد، وما ثم إلا من ذكرته الرحمة.
وذكر الرحمة الأشياء عين إيجادها إياها. فكل موجود مرحوم.
ولا تحجب يا ولي عن إدراك ما قلناه بما ترى من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة التي لا تفتر عمن قامت به.
واعلم أولا أن الرحمة إنما هي في الإيجاد عامة.
فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام.
ثم إن الرحمة لها أثر بوجهين: أثر بالذات، وهو إيجادها كل عين موجودة.
ولا تنظر إلى غرض ولا إلى عدم غرض، ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم: فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده. بل تنظره في عين ثبوته، ولهذا رأت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثابتة فرحمته بنفسها بالإيجاد.
ولذلك قلنا إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم بعد رحمتها نفسها في تعلقها بإيجاد الموجودين.
ولها أثر آخر بالسؤال، فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم، وأهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم، فيسألونها باسم الله فيقولون يا الله ارحمنا.
ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم، فلها الحكم، لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل.
فهو الراحم على الحقيقة. فلا يرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة، فإذا قامت بهم وجدوا حكمها ذوقا. فمن ذكرته الرحمة فقد رحم.
واسم الفاعل هو الرحيم والراحم.
والحكم لا يتصف بالخلق لأنه أمر توجبه المعاني لذواتها.
فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب، ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال.
فعالم ذات موصوفة بالعلم، ما هو عين الذات ولا عين العلم، وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم.
وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى.
فحدثت نسبة العلم إليه، فهو المسمى عالما.
والرحمة على الحقيقة نسبة من الراحم، وهي الموجبة للحكم، وهي الراحمة.
والذي أوجدها في المرحوم ما أوجدها ليرحمه بها وإنما أوجدها ليرحم بها من قامت به.
وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه.
وهو الراحم، ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به. فثبت أنه عين الرحمة.
ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم ما اجترأ أن يقول إنه عين الرحمة أو عين الصفة، فقال ما هو عين الصفة ولا غيرها.
فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره، لأنه لا يقدر على نفيها ولا يقدر أن يجعلها عينه، فعدل إلى هذه العبارة وهي حسنة، وغيرها أحق بالأمر منها وأرفع للإشكال، وهو القول بنفي أعيان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف.
وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة.
وإن كانت الرحمة جامعة فإنها بالنسبة إلى كل اسم إلهي مختلفة، فلهذا يسأل سبحانه أن يرحم بكل اسم إلهي.
فرحمة الله والكناية هي التي وسعت كل شيء.
ثم لها شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية.
فما تعم بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي في قول السائل رب ارحم، وغير ذلك من الأسماء.
حتى المنتقم له أن يقول يا منتقم ارحمني، وذلك لأن هذه الأسماء تدل على الذات المسماة، وتدل بحقائقها على معان مختلفة.
فيدعو بها في الرحمة من حيث دلالتها على الذات المسماة بذلك الاسم لا غير، لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الذي ينفصل به عن غيره ويتميز.
فإنه لا يتميز عن غيره وهو عنده دليل الذات، وإنما يتميز بنفسه عن غيره لذاته، إذ المصطلح عليه بأي لفظ كان حقيقة متميزة بذاتها عن غيرها:
وإن كان الكل قد سيق ليدل على عين واحدة مسماة.
فلا خلاف في أنه لكل اسم حكم ليس للآخر، فذلك أيضا ينبغي أن يعتبر كما تعتبر دلالتها على الذات المسماة.
ولهذا قال أبو القاسم بن قسي في الأسماء الإلهية إن كل اسم إلهي على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها:
إذا قدمته في الذكر نعته بجميع الأسماء، وذلك لدلالتها على عين واحدة، وإن تكثرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها، أي حقائق تلك الأسماء.
ثم إن الرحمة تنال على طريقين، طريق الوجوب، وهو قوله «فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة» وما قيدهم به من الصفات العلمية والعملية.
والطريق الآخر الذي تنال به هذه الرحمة طريق الامتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل وهو قوله «ورحمتي وسعت كل شيء» ومنه قيل «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر»، ومنها قوله «اعمل ما شئت فقد غفرت لك» فاعلم ذلك.
متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
21 - نقش فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
لمّا فاز زكريا برحمة الربوبية ستر نداءه ربه عن أسماع الحاضرين .
فناداه بسره "نداءً خفياً" فأنتج من لم تجر العادة بإنتاجه . فإن العقم مانع .
ولذلك قال : " الريح العقيم " وفرّق بينها وبين اللواقح .
وجعل الله يحيى ببركة دعائه وارث ما عنده .
فاشبه وارث جماعة من آل ابراهيم .
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
21 - فك ختم الفص الزكرياوى
1 / 21 - اعلم ان سر وصف حكمته بالحكمة المالكية من أجل ان الغالب على أحواله كان حكم الاسم المالك ، لأن الملك الشدة والمليك الشديد ، وأن الله ذو القوة المتين ، فايده الله بقوة سرت في همته وتوجهه ، فأثمرت الاجابة وحصول المراد ،
وقد نبهتك على ان الهمة من الأسباب الباطنة وأشرت قبل ذلك الى ان الأسباب الباطنة اقوى حكما من الأسباب الظاهرة المعتادة وأحق نسبة الى الحق ، ولهذا كان أهل عالم الأمر أتم قوة من أهل عالم الخلق واعظم تأثيرا .
2 / 21 - وايضا فليتذكر قصة : " وأَصْلَحْنا له زَوْجَه " [ الأنبياء : 90 ] فإنه لو لا امداد الحق زكريا وزوجته بقوة غيبية ربانية خارجة عن الأسباب المعتادة ما صلحت زوجته ولا تيسر لها الحمل منه ولهذا لما بشره الحق بيحيى استغرب ذلك وقال :
" رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وقَدْ بَلَغْتُ من الْكِبَرِ عِتِيًّا " [ مريم : 8 ]
واجابه الحق بقوله : " قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وقَدْ خَلَقْتُكَ من قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئاً " [ مريم / 9 ]
اى : وان كان حصول مثل هذا من جهة الأسباب الظاهرة صعبا - بل متعذرا - فإنه بالنسبة الى ذى القدرة التامة والقوة والمتانة هين .
ثم انه كما سرت تلك القوة من الحق في زكريا وزوجته تعدت منها الى يحيى ،
ولذلك قال له الحق سبحانه : " يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ..." الآية [ مريم : 12 ]
فاعلم ذلك ، فهذا سر الفص الزكرياوى.
كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة مالكية في كلمة زكاروية
مصطلح الفيض الاقدس - الفيض المقدس.
يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :
1 - الفيض الأقدس: وهو تجلي الذات الأحدية لنفسها في الصور المعقولة للكائنات، اي في " القوابل " أو الأعيان الثابتة (انظر فيض أقدس - عين ثابتة) وهذا الفيض هو في الواقع بتعبير آخر من تعبيرات الشيخ الأكبر: فتح. فهو أول فتح، من حيث أنه أول فيض وأول تجل، وبالتالي مفاتحه هي " المفاتح الأول " ولا يعلمها إلا الحق، لأنها في وحدانيته حيث لا قدم لمخلوق؛ وهي أسماؤه الذاتية.
2 - الفيض المقدس: وهو تجلي الحق في صور الكثرة الوجودية، أو بتعبير آخر هو ظهور الأعيان الثابتة، التي كانت نتيجة أول فتح، في العالم المحسوس بعدما كانت معقولة.
وهذا الفيض هو فتح لغيب، ومفاتحه هي المفاتح الثواني من حيث إنه ثاني فتح.
وهذه المفاتح هي الأسماء الإلهية التي أظهرت الوجود من عقلي إلى عيني وهي المؤثرة في الكون. ولذلك يسميها ابن العربي بمفاتيح غيب الايجاد العيني.
يقول الشيخ ابن العربي الفيض الأقدس:
" والثبوت أمر وجودي عقلي لا عيني بل نسبي ... .
" تشكل الأعيان الثابتة مرتبة بين الحق في غيبه المطلق وبين العالم المحسوس.
فهي من ناحية أول تنزل من تنزلات الحق من مرتبة بطونه، إنها (الفيض الأقدس) الذي يمثل ظهور الحق بنفسه لنفسه في صور الأعيان الثابتة.
وهي من ناحية ثانية (المثال) الثابت في علم الله المعدوم في العالم الخارجي والذي له الأثر في كل موجود بل هو أصل الموجودات ... أهـ
تقول د. سعاد الحكيم عن الفيض المقدس:
" إن الخلق عند الشيخ ابن العربي ليس إيجاد من عدم مطلق بل هو في الواقع ظهور، ظهور للغيب أو للباطن، فالتجلي ظهور وبالتالي يكون من الاسم الظاهر.
" التجلي الإلهي الذي يكسب الممكنات الوجود هو الفيض المقدس.
ونستطيع أن نشبه هذا لتجلي الذي يخرج الممكنات من (الغيب) إلى (الشهادة) بالصورة التالية:
غرفة مظلمة تحتوي على مجموعة من الأشياء، ولكن الظلام لا يسمح بتمييز شيء آخر، ففي الظلام تتحد كل الأشياء، ولكن إذا أنرنا الغرفة توجد هذه الأشياء بأشكالها وذاتيتها فالنور أظهر الأشياء، وهكذا التجلي فهو النور الذي اظهر (محتويات الغيب) فأوجدها.
مصطلح رحمة الامتنان – رحمة الوجوب
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" قوله : ( الرحمن الرحيم ) ، فهو رحمن بالرحمتين العامة ، وهي رحمة الامتنان .
وهو رحيم بالرحمة الخاصة ، وهي الواجبة في قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ...
وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل .
وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة فيها " .
تقول الدكتورة سعاد الحكيم الرحمة الإلهية عند ابن العربي:
" الرحمة الإلهية : هي أم لجميع الموجودات ، من حيث أنها وسعت وجمعت كل شيء : "قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء" .
تقول د. سعاد الحكيم الرحمة العامة عند ابن العربي الطائي الحاتمي:
الرحمة العامة: هي الرحمة التي يرحم الله بها الخلق جميعهم ، دون أن تتقيد بصفة أو نعت في شخص المرحوم ، وهي رحمة الامتنان .
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الرحمة الإلهية : هي التي أوجدها الله في عباده ليتراحموا بها ، مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد الله بها العالم حين أحب أن يعرف ، وبها كتب على نفسه الرحمة . وهذه الرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الإمتنانية هي التي وسعت كل شيء " .
الرحمة الامتنانية
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الامتنانية : هي الرحمة المقتضية للنعم السابقة على العمل ، وهي التي وسعت كل شيء " .
ويقول : " الرحمة الامتنانية : هي السابقة أيضا ، سميت بذلك : لأن الله تعالى امتن بها على الخلائق قبل استحقاقها ؛ لأنها سابقة على ما يصدر منهم من الأفعال التي توجب لهم استحقاقها " .
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الإمتنانية الخاصة : يعنى بها رحمة الله تعالى لعبده ، بحيث وفقه للقيام بما يوجب له من الأفعال استحقاق الثواب عليها " .
الرحمة الوجوبية
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الرحمة الوجوبية : يعنى بها الرحمة المختصة بأهل التقوى والإحسان " .
الدكتور عبد المنعم الحفني
يقول : " الرحمة الوجوبية : هي الموعودة للمتقين والمحسنين ، وكان بها هو الرحيم . وباعتباره الرحيم أفاض من كمالاته المعنوية على أهل الإيمان " .
الشيخ كمال الدين القاشاني
يقول : " الرحمة الوجودية : هي الرحمة الموعودة للمتقين والمحسنين في قوله تعالى : (فسأكتبها للذين يتقون) .
وفي قوله تعالى : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) ، وهي داخلة في الامتنانية ؛ لأن الوعد بها على العمل محض المنة " .
يقول العربي الطائي الحاتمي الرحمة رحمتان :
رحمة عامة تفضل بها الاسم الرحمن . هي رحمة الامتنان أو رحمة الفضل .
ورحمة خاصة أوجبها الاسم الرحيم هي رحمة الوجوب أو رحمة الرضى .
ثم لا يلبث الشيخ الأكبر أن يرجع رحمة الوجوب إلى رحمة الامتنان ، فكل وجوب كان : بعمل امتنه الله في البدء .
يقول " فأتى الله سبحانه وتعالى سليمان بالرحمتين :
رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللتان هما : الرحمن الرحيم .
فامتن بالرحمن ، وأوجب بالرحيم .
وهذا الوجوب من الامتنان . فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن . فإنه كتب على نفسه الرحمة
سبحانه ، ليكون ذلك للعبد بما ذكره للحق من الأعمال التي يأتي بها هذا العبد ، حقا على الله تعالى أوجبه له على نفسه يستحق بها هذه الرحمة - أعني رحمة الوجوب ... " .
كما يقول : " رحمة الله قاصرة على أعيان مخصوصين ، كما تكون بالوجوب في قوم منعوتين بنعت خاص .
وفيمن لا ينالها بصفة مقيدة وجوبا ، تناله الرحمة من باب الامتنان ، كما نالت هذا الذي استحقها ، ووجبت له الصفة التي أعطته فاتصفت بها ، فوجبت له الرحمة .
فالكل على طريق الامتنان نالها ونالته فما ثم إلا : منة الهية أصلا وفرعا ... " .
يقول : " فهو الله تعالى رحمن : بالرحمة العامة وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم : بالرحمة الخاصة وهي الواجبة في قوله : ( فسأكتبها للذين يتقون ) .
وقوله : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) .
وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ... وهي رحمة عناية ... يقول من غضب الله عليه : امتن علينا بالرحمة التي مننت بها على أولئك ( غير المغضوب عليهم ) ابتداء من غير استحقاق ... " .
كما يظهر من النص التالي كيف أن :
رحمة الامتنان : رحمة عامة مطلقة ،
ورحمة الوجوب : رحمة مقيدة .
يقول : " ... الرحمتان اللتان ذكرهما سليمان في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان
العرب : الرحمن الرحيم . فقيد : رحمة الوجوب . وأطلق : رحمة الامتنان ... " . .
مصطلحات الذات - ذات الله - الذات الإلهية - الذات المسماة
في اللغة " ذات الشيء : نفسه .
الذات الإلهية : الله عز وجل .
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني:
" الإسم الجامع : هو إسم الله تعالى وتقدس ، لأنه إسم الذات المسماة بجميع الأسماء الموصوفة بجميع الصفات ".
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
الاسم الجامع : اللّه هو الاسم الجامع، فله معاني جميع الأسماء الإلهية، وبينما يبرز كل اسم بحقيقة خاصة، يبرز الاسم (اللّه) جامعا كل الحقائق الإلهية والأسماء، وهم اسم الذات المسماة بجميع الأسماء والموصوفة بجميع الصفات (الفتوحات المكية ج 4، ص 99).
في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري:
" ذات الله سبحانه وتعالى موصوفة بالعلم ، غير مدركة بالإحاطة ، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا ، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول ، وتراه العيون في العقبى ظاهرا في ملكه وقدرته " .
يقول الشيخ السراج الطوسي:
" الذات : هي الشيء القائم بنفسه ، والاسم و النعت والصفة معالم للذات ، فلا يكون الاسم والنعت والصفة إلا لذي ذات ، ولا يكون ذو ذات إلا مسمى منعوتا موصوفا ، وذلك أن القادر اسم من أسماء الله تعالى ، والقدرة صفة من صفات الله تعالى ، والتقدير نعت من نعوت الله تعالى " .
يقول الإمام القشيري:
" الذات : هي ماهية الشيء القائم بنفسه الموجود " .
يقول الشيخ فريد الدين العطار:
" الذات : هي كل شيء ، وهي ظاهرة في الصفات " .
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الذات : ترى ولا تعلم ، لأنها لو علمت أحيط بها " .
يقول الشيخ عبد الحق بن سبعين:
" الذات : هي أول وأحق علل الموجودات بالوجود والوحدانية وأولاها به ، وأقربها فيها . هي المبدأ ، الذي تنبعث عنه القوى متكثرة نحو غاياتها المختلفة ، وإليها تتصاعد متأخرة .
وهي العلة الأولى التي بها يتعلق ما سواها من سائر الموجودات تعلق المعلول بالعلة ، وترتبط بعضها ببعض منتقلا من رتبة دنيا إلى رتبة قصوى ارتباط معلول بعلة على حسب تواليها ، إلى أن تتوارد بأجمعها إليها فتكون : علة العلل ، ومبدأ المبادئ الفائضة على ما دونها بخيرها ووجودها ، معطية كل واحد من الذوات بقدر ما تحتمله منها ، ومن الوجود
اللائق به " .
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي:
" الذات : عبارة عن الوجود المطلق بسقوط جميع الاعتبارات والإضافات والوجوهات ، لا على أنها خارجة عن الوجود المطلق ، بل على أن جميع تلك الإعتبارات وما إليها من جملة الوجود المطلق ، فهي في الوجود المطلق لا بنفسها ولا باعتبارها ، بل هي عين ما هو عليه الموجود المطلق .
وهذا الوجود المطلق هو الذات الساذج الذي لا ظهور فيه لإسم ولا نعت ولا نسبة ولا إضافة ولا لغير ذلك ، فمتى ظهر فيها شيء مما ذكر ذلك المنظر إلى ما ظهر فيها لا إلى الذات الصرف ، إذ حكم الذات في نفسها شمول الكليات والجزئيات والنسب والإضافات بحكم بقائها ، بل بحكم اضمحلالها تحت سلطان أحدية الذات .
فمتى اعتبر فيها وصف أو اسم أو نعت كانت بحكم المشهد لذلك المعتبر لا للذات
، ولهذا قلنا أن الذات هي الوجود المطلق ، ولم نقل الوجود القديم ، ولا الوجود الواجب ، لئلا يلزم من ذلك التقييد ، وإلا فمن المعلوم أن المراد بالذات هنا إنما هي ذات واجب الوجود القديم ، ولا يلزم من قولنا الوجود المطلق أن يكون تقييدا بالإطلاق ، لأن مفهوم المطلق هو ما لا تقيد فيه بوجه من الوجوه " .
يقول الشيخ أبو العباس التجاني:
" الذات : هي غاية البعد ، ونهاية الصعوبة في الإدراك لها ، والعلم بها وليس لأحد من المحققين ، بل ولا جميع النبيين والمرسلين ما عدا القدوة العظمى أن يحيط بها علما أو يدرك لها حقيقة " .
.
يتبع