منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأحد أبريل 26, 2020 1:14 pm

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الأولى على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.
فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب، فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة جمع قوى فعالة لأن الصغير يفعل في الكبير.
ألا ترى الطفل يفعل في الكبير بالخاصية فينزل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه و يزقزق له و يظهر له بعقله.
فهو تحت تسخيره و هو لا يشعر، ثم شغله بتربيته و حمايته و تفقد مصالحه و تأنيسه حتى لا يضيق صدره.
هذا كله من فعل الصغير بالكبير و ذلك لقوة المقام، فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث التكوين و الكبير أبعد.
فمن كان من الله أقرب سخر من كان من الله أبعد، كخواص الملك للقرب منه يسخرون الأبعدين. كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه و يقول إنه حديث عهد بربه.
فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها.
فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فكان مثل الرسول الذي ينزل بالوحي عليه، فدعاه  بالحال بذاته فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه، ما برز بنفسه إليه.
فهذه رسالة ماء جعل الله منه كل شيء حي فافهم.
و أما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليم: فالتابوت ناسوته، واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية إلا بوجود هذا الجسم العنصري.
فلما حصلت النفس في هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه وتدبيره، جعل الله لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده الله منها في تدبير هذا التابوت الذي فيه سكينة الرب.
فرمي به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلك أنه وإن كان الروح المدبر له هو الملك، فإنه لا يدبره إلا به.
فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات والحكم.
كذلك تدبير الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته، فما دبره إلا به كتوقف الولد على إيجاد الوالد ، والمسببات علىسبابها، والمشروطات على شروطها، والمعلولات على عللها ، و المدلولات على أدلتها، و المحققات على حقائقها. و كل ذلك من العالم و هو تدبير الحق فيه. فما دبره إلا به.
وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها و اتصف بها. فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم. فما دبر العالم أيضا إلا بصورة العالم.
ولذلك قال في خلق آدم الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته».
وليست صورته سوى الحضرة الإلهية.
فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل، وجعله روحا للعالم فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة.
فكما أنه ليس شيء من العالم إلا وهو يسبح بحمده، كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته.
فقال تعالى «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان، علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل وجهل ذلك من جهله، وهو الإنسان الحيوان.
فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت، وإلقاء التابوت في اليم صورة هلاك، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل.
فحيي كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل، كما قال تعالى «أو من كان ميتا» يعني بالجهل «فأحييناه» يعني بالعلم، «وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» و هو الهدى، «كمن مثله في الظلمات» وهي الضلال «ليس بخارج منها» أي لا يهتدي أبدا: فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها.
فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة، فيعلم أن الأمر حيرة و الحيرة قلق و حركة، و الحركة حياة. فلا سكون، فلا موت، و وجود، فلا عدم.
وكذلك في الماء الذي به حياة الأرض وحركتها، قوله تعالى «اهتزت» وحملها، قوله «وربت»، وولادتها قوله «وأنبتت من كل زوج بهيج».
أي أنها ما ولدت إلا من يشبهها أي طبيعيا مثلها.
فكانت الزوجية التي هي الشفعية لها بما تولد منها و ظهر عنها.
كذلك وجود الحق كانت الكثرة له و تعداد الأسماء أنه كذا وكذا بما ظهر عنه من العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهية.
فثبت  به و بخالقه أحدية الكثرة، و قد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته، كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته.
كذلك الحق بما ظهر منه من صور التجلي، فكان مجلى صور العالم مع الأحدية المعقولة.
فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».  فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.
فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.
فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.
فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة: أعني قولي يكون حلالا، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، لأن الأمر خلق جديد و لا تكرار. فلهذا نبهناك.
فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع: فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها و تغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها.
فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها.
والمرضعة ليست كذلك، فإنها قصدت برضاعته حياته و إبقائه.
فجعل الله ذلك لموسى في أم ولادته، فلم يكن لامرأة عليه فضل إلا لأم ولادته لتقر عينها أيضا بتربيته و تشاهد انتشاءه في حجرها، «ولا تحزن».
ونجاه الله من غم التابوت، فخرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه الله من العلم الإلهي وإن لم يخرج عنها، و فتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به.
فأول ما أبلاه الله به قتله القبطي بما ألهمه الله ووفقه له في سره  وإن لم يعلم بذلك، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك.
ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر «ما فعلته عن أمري» ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك.
وأراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها هلاك و باطنها نجاة من يد الغاصب.
جعل له ذلك في مقابلة التابوت له الذي كان في اليم مطبقا عليه. فظاهره هلاك و باطنه نجاة.
و إنما فعلت به أمه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا  وهي تنظر إليه، مع الوحي الذي ألهمها الله به من حيث لا تشعر.
فوجدت في نفسها أنها ترضعه فإذا خافت عليه ألقته في اليم لأن في المثل «عين لا ترى قلب لا يفجع».
فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين، ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به.
فعاشت بهذا الظن في نفسها، والرجاء يقابل الخوف واليأس، وقالت حين ألهمت لذلك لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط على يديه.
فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها، وهو علم في نفس الأمر.
ثم إنه لما وقع عليه الطلب خرج فارا خوفا في الظاهر، وكان في المعنى حبا للنجاة.
فإن الحركة أبدا إنما هي حبية، ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر ، وليست تلك.
وذلك لأن الأصل حركة العلم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود، ولذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون: فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب.
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف ».  فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه.
فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك: ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود حركة حب من جانب الحق وجانبه: فإن الكمال محبوب لذاته، وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين، هو له.
وما بقي إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان، أعيان العالم، إذا وجدت.
فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين، وكذلك تكمل مراتب الوجود: فإن الوجود منه أزلي و غير أزلي وهو الحادث.
فالأزلي وجود الحق لنفسه، و غير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت.
فيسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم.
فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبية للكمال فافهم.
ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم، فكانت الراحة محبوبة له ، و لم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى والأسفل.
فثبت أن الحركة كانت للحب، فما ثم حركة في الكون إلا و هي حبية.
فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السبب الأقرب لحكمه في الحال واستيلائه على النفس.
فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل. ففر لما خاف، و في المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون و عمله به.
فذكر السبب الأقرب المشهود له في الوقت الذي هو كصورة الجسم للبشر.
وحب النجاة مضمن فيه تضمين الجسد للروح المدبر له.
والأنبياء لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم الخطاب، واعتمادهم على فهم العالم السامع.
فلا يعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه عليه السلام على هذه المرتبة في العطايا فقال «إني لأعطي الرجل و غيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار».
فاعتبر الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع.
فكذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة.
ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم بما استوجب هذا «هذه الخلعة من الملك». فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثياب، فيعلم منها قدر من خلعت عليه، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا.
ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة أن في العالم وأممهم من هو بهذه المثابة، عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي. فاكتفى المبلغون العلوم بهذا.
فهذا حكمة قوله عليه السلام «ففررت منكم لما خفتكم»، ولم يقل ففررت منكم حبا في السلامة والعافية.
فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين «فسقى لهما» من غير أجر، «ثم تولى إلى الظل» الإلهي فقال «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزله الله إليه، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده.
فأراد الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك، فذكره سقايته من غير أجر، إلى غير ذلك مما لم يذكر حتى تمنى صلى الله عليه وسلم أن يسكت موسى عليه السلام ولا يعترض حتى يقص الله عليه من أمرهما فيعلم بذلك ما وفق إليه موسى من غير علم منه.
إذ لو كان على علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكاه وعدله . ومع هذا غفل موسى عن تزكية الله وعما شرطه عليه في اتباعه، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله.
ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر «ما لم تحط به خبرا» أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا. فأنصف.
وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول.
وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني» فنهاه عن صحبته.
فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بيني و بينك».
ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه.
فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفيقة الأدب الإلهي حقه وإنصاف الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له «أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، و أنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا».
فكان هذا الإعلام في الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله «وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، و ليست تلك الرتبة للخضر.
و ظهر ذلك في الأمة المحمدية في حديث إبار النخل، فقال عليه السلام لأصحابه «أنتم أعلم بمصالح دنياكم».
ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به: و لهذا مدح الله نفسه بأنه بكل شيء عليم فقد اعترف صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأنهم أعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبرة له بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولم يتفرغ عليه السلام لعلم ذلك، بل كان شغله بالأهم فالأهم. فقد نبهتك على أدب عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه.
وقوله «فوهب لي ربي حكما» يريد الخلافة، «وجعلني من المرسلين» يريد الرسالة : فما كل رسول خليفة.
فالخليفة صاحب السيف و العزل و الولاية. والرسول ليس كذلك: إنما عليه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل عليه و حماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول.
فكما أنه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه.
وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل، و إنما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم فيستدل بجوابه على صدق دعواه.
وسأل سؤال إيهام  من أجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله، فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم أن فرعون أعلم من موسى.
ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك فقال لأصحابه «إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون» أي مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا يتصور أن يعلم أصلا.
فالسؤال صحيح، فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب، ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه .
وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك، ومن لا جنس له لا يلزم ألا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره.
فالسؤال صحيح على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم، والجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى.
وهنا سر كبير، فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتي، فجعل الحد الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فيه من صور العالم.
فكأنه قال في جواب قوله «وما رب العالمين» قال الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض: «إن كنتم موقنين»، أو يظهر هو بها.
فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» كما قلنا في معنى كونه مجنونا، زاد موسى في البيان  ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم».
«إن كنتم تعقلون»: أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد.
فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود.
فقال له «إن كنتم موقنين» أي أهل كشف ووجود، فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم، فإن لم تكونوا من هذا الصنف، فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل و تقييد و حصر. ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم.
فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه.
وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية، فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما  فلذلك أجاب.
ولو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال.
فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون.
فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.
ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».
والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.
وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.
ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.
فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.
فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .
فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه
 

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
25 – نقش فص حكمة علوية في كلمة موسوية
سرت إليه حياة كل من قتله فرعون من أجله. ففراره لمّا خاف إنما كان لإبقاء حياة المقتولين. فكأنه في حق الغير.
فأعطاه الله الرسالة والكلام والإمامة التي هي الحكم كلمة الله في غير حاجته لاستفراغ همه فيها.
فعلمنا أن الجمعية مؤثرة وهو الفعل بالهمة.
ولمّا علم من علم مثل هذا ضل عن طريق هداه حين إهتدى غيره به.
فأقامه مقام القرآن في المثل المضروب:
" يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ " [البقرة: 26] وهم الخارجون عن طريق الهدى الذي فيه.
 
 
الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
25 - فك ختم الفص الموسوي
1 / 25 - اعلم ان سر اضافة هذه الحكمة الى الصفة العلوية هو من أجل علو مرتبة موسى عليه السلام ورجحانه على كثير من الرسل بامور أربعة : احدها اخذه عن الله بدون واسطة ملك وغيره .
 
2 / 25 - والثاني كتابة الحق له التورية بيده "ألواح التوراة" ، فان كتابة التورية احد الأمور التي باشرها الحق بنفسه دون واسطة ، على ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين ما باشره الحق بنفسه فقال : ان الله كتب التورية بيده وغرس شجرة طوبى بيده وخلق جنة عدن بيده وخلق آدم بيديه .
 
3 / 25 - الثالث قرب نسبته من مقام الجمعية التي خص بها نبينا صلى الله عليه وسلم المشار اليه بقوله تعالى : " وكَتَبْنا لَه في الأَلْواحِ من كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ " [ الأعراف / 145 ] وباعتبار الحق به لما وفر حظه من عطايا  اسمه الظاهر ، أراد ان يريه طرفا من احكام الاسم الباطن للجمع بين الطرفين - ولو من بعض الوجوه.
 
4 / 25 - فنبهه على شرف الخضر عليه السلام وشوقه الى لقائه ، ثم اذن له في المشي اليه وجمع بينه وبينه فصحبه حتى رأى نموذجا من احكام الإرادة ، فعلم الفرق بينها وبين احكام الامر ، غير انه غلبت عليه صبغة التشريع وحالها ،
فلم يصبر كما قال صلى الله عليه وسلم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، ليته صبر حتى يقص علينا من انبائهما ، وفي رواية اخرى متفق على صحتها ايضا : لو صبر لرأى العجب ولكن أخذته من صاحبه ذمامة . . . . الحديث .
 
5 / 25 - وعلى الجملة فإنه لو لم يكن من الفائدة في اجتماع موسى عليه السلام بالخضر الا علمه بان العلم الذي كان حصل له وكان يراه الغاية وان ليس بعده ما هو اشرف منه بما اراه الحق : ان لله وراء ما أعطاه من العلم علوما واسرارا يهبهما لمن يشاء من عباده ، فلم يبق له بعد ذلك وقوف عند الغاية ، لكان كافيا .
 
6 / 25 - واما الامر الرابع الذي ثبت به رجحانه على كثير من الرسل فاخبار نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة حال عرض الأمم عليه صلى الله عليه وسلم انه لم ير امة نبى من الأنبياء اكثر من امة موسى ،
وقوله صلى الله عليه وسلم ايضا في حديث اليهودي لما قال : والذي اصطفى موسى على البشر ولطم الصحابي له ،
وقوله : تقول هذا ورسول الله بين أظهرنا ؟
فلما اشتكى اليهودي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تفضلوني على موسى ، فان الناس يصعقون فأكون اول من تفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدرى أجوزي بصعقة الطور او كان ممن استثنى الله تعالى  .
 

7 / 25 - فهذا بعض ما اعرفه من كمالاته الموجبة اضافة حكمته الى الصفة العلوية ، وسأذكر في شرح الحديث الذي يتضمن ذكر قصة اجتماعه مع الخضر عليه السلام وما جرى بينهما وما يتضمنه تلك القصة من الاسرار الربانية والعلوم الغيبية وفي شرح الحديث المتضمن ذكر موته واتيان ملك الموت وقفاء عينه وما أخبر في ذلك ما يسر الحق ذكره وشاء بيانه ، والله يقول الحق.  
.


عدل سابقا من قبل عبدالله المسافر في الأحد أبريل 26, 2020 1:28 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:11 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الخامسة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة والعشرون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا جعل موسى المسؤول عنه عين العالم ، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون . فقال له :لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ[ الشعراء : 29 ] .  والسّين في « السّجن » من حروف الزّوائد : أي لأسترنّك فإنّك أجبتني بما أيّدتني به أن أقول لك مثل هذا القول . فإن قلت لي : فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إيّاي ، والعين واحدة ، فكيف فرقت فيقول فرعون إنّما فرقت المراتب العين ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها . ومرتبتي الآن التّحكّم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرّتبة . )
 
قال رضي الله عنه :  (فلما جعل موسى) عليه السلام (المسؤول عنه) وهو ماهية الإله من حيث لوازمها الفعلية (عين العالم) ، لأنه تعالى هو الظاهر بصور العالم أو صور العالم ظاهرة به
 
قال رضي الله عنه :  (خاطبه فرعون بهذا اللسان) الذي كلم به موسى عليه السلام وهو لسان المعرفة الباطنية الذوقية (والقوم) الحاضرون من آل موسى وأتباعه (لا يشعرون) بما جرى بينهما من الكلام (فقال) ، أي فرعون له ، أي لموسى عليه السلام ("لَئِنِ اتَّخَذْتَ") يا موسى ("إِلهَاً")، أي معبودا ("غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ" [ الشعراء : 29] والسين في السجن من حروف الزوائد)
المجموعة في قولك سألتمونيها أو قولك هويت السمان ، فهو مشتق من الجيم والنون وهي مادة الترقي في كل ما وقعت (كالجن والمجن والجنة والجنان والجنون) ،
 
قال رضي الله عنه :  (أي لأسترنّك )، عن شهود عين الوجود المطلق وهو وعيد له على عدم إيمانه به (فإنك) يا موسى (أجبت بما أيدتني) به من دعوى ظهور الربوبية في صورتي لأني من جملة ما قلترَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما[ مريم : 65 ] ، ورَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما[ الشعراء : 28 ] فإني أنا من حيث العين الواحدة ذاك الذي أشرت إليه فقد أغنيتني (أن أقول لك مثل هذا القول) الذي قلته لي .
 
قال رضي الله عنه :  (فإن قلت) ، أي يا موسى (لي بلسان الإشارة فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي) بأن تسترني عن هذا الشهود وتجعلني غافلا عنه مثل هؤلاء القوم الغافلين الجاهلين المحجوبين (والعين) ، أي الذات الإلهية الظاهرة بالصورة مني ومنك واحدة لا تعدد لها (فكيف فرقت) وأنت تزعم الجمع (فيقول فرعون) لموسى عليه السلام
 
قال رضي الله عنه :  (إنما فرقت المراتب) الاعتبارية بالصور الامكانية (العين) الواحدة الإلهية فتكثر الواحد بالمراتب (ما تفرقت العين) الواحدة بل هي واحدة في جميع المراتب لم تتغير (ولا انقسمت) ، أي العين (في ذاتها) أصلا (ومرتبتي الآن) ، أي في ذلك الوقت هي (التحكم) بصورتي (فيك) ، أي في صورتك يا موسى بالفعل لاقتضائها ذلك في الظهور (وأنا أنت بالعين) الواحدة (وأنا غيرك بالرتبة) لتلك العين الواحدة .
 
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى عليه السلام المسؤول عنه عين العالم خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون ) بما قصده فرعون من خطابة موسى ( فقال له :لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ والسين في السجن من حروف الزوائد ) فيدل على الستر والجن أيضا الستر .
 
كذلك بقوله رضي الله عنه  : ( أي لأسترنك فإنك أجبتني بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول فإن قلت لي ) يا موسى ( فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي والعين واحدة فكيف فرقت ) وهو كلام فرعون يسئل عن جانب موسى ( فيقول فرعون ) في جوابه لموسى :
 
قال رضي الله عنه :  ( إنما فرقت المراتب العين ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة) أي فلما فهم موسى ذلك الحكم والتسلط من فرعون.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين». و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول. فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها. ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.)
 
كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا جعل موسى المسؤول عنه عين الكلّ ، خاطبه فرعون بهذا اللسان الكشفي والقوم لا يشعرون ، فقال له :" لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ من الْمَسْجُونِينَ " والسين في " السجن " من حروف الزوائد أي لأسترنّك ، فإنّك أجبت بما أيّدتني به أن أقول لك مثل هذا القول . فإن قلت لي : فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إيّاي والعين واحدة ، فكيف فرّقت ؟ فيقول فرعون : إنّما فرّقت المراتب العين ، ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها ، ومرتبتي الآن الحكم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين ، وغيرك بالرتبة ).
 
قال العبد : يشير رضي الله عنه  في كل ذلك إلى الربوبيات العرضية المبثوثة في كلّ من أعطاه الله تصرّفا ، فكل من كان تصرّفه وحكمه في الظاهر أتمّ وأعمّ ، فربوبيّته كذلك أعمّ وأتمّ ، فإنّ الربّ لغة هو المالك . وقيل : هو السيد ، والربّ هو المربّي .
والمالك يتصرّف في ملكه بما أراد ، والسيد يحكم بسيادته على العبيد بما يبقى له عليهم السيادة ولهم العبودية له ،
وهو كما يقال : ربّ الدار ، وربّ الخاتم ، وربّ الثوب ، وربّ القرية والمدينة ، وهو اسم إضافى أبدا ، وإذا عرّف بلام التعريف والعهد يكون مدلوله ربّ العالمين وربّ الأرباب ، فلم يبرح عن الإضافة في المعنى .
وهذه النسبة أعني الربوبية لعين واحدة ظاهرة بصور كثيرة شتّى وهي بعينها تربّي وتربّ وتصلح صورها التي هي لها مجال ومراء ومحالّ ظهور وتراء ، والربّ له خمسة معان ، فإنّه المالك ، والسيد ، والثابت ، والمصالح ، والمربّي ، والعين الأحدية الظاهرة بحقيقتها في كل صورة بقدر قابليتها –
لها أحدية جمع جميع هذه المعاني كلَّها ، فإنّها مالكة الصور المشهودة منها ، فهي لها ، ولها أيضا السيادة على الكلّ جميعا وعلى كل عين عين منها ما يخصّها ، فإنّها عين هذه الأعيان الظاهرة بصور الكلّ ،
وهي أيضا تصلحها بما تصلح لها وتربّيها وتغذّيها ، فتغذّى الصور بأعيانها المتعيّنة بها وفيها ، وتغذّى  الأعيان بالأحكام والآثار والأفعال والأحوال والنسب والإضافات والأسماء والصفات الخصيصة بها جمعا وفرادى ،
وتغذّي وتربّي المجموع بالفيض الأحديّ الجمعي النفسي الذي هو مادّة هذه الصور كلَّها وهيولاها ، وهي الثابتة في عينها لعينها ، فالثبات للعين فيها لا لها إلَّا بها وفيها ، إذ الصور والنسب والتعينات والظهور أعراض لا تبقى زمانين ، والتحقّق والثبوت للعين في الكلّ .
 
فلمّا كان فرعون صاحب الوقت وربّ السيف في الكلّ ، والربوبية ظهورها فيه أكثر ، لتحكَّمه فيهم جميعا ظاهرا فقال بلسان الحق - الذي أنطق كلّ شيء ، ونطق بألسنة كل ميت وحيّ ، في صورة هداية وغيّ ، إشارة إلى العين الظاهرة المتعيّنة بصورة فرعون وفيها ، وهو عين الحق في صورة من صور الباطل :" أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي ربوبيتى أعلى من ربوبيّتكم ، والعين - الظاهرة في صورتي بربوبية أعلى أعلى وأجلى ، وصدق في كون ربوبيّته أعلى من ربوبية غيره في ملئه كما أشار إلى هذا المقام الشيخ أبو مدين البجائيّ :
لا ينكر الباطل في طوره   .... فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منك بمقداره     .... حتّى توفي حقّ إثباته .
وقلنا في تتمّتها :
فالحق قد يظهر في صورة   .... ينكرها الجاهل في ذاته.
 
ثمّ اعلم يا أخي :  أنّ المحاجّة والمباحثة الواقعة بين فرعون وموسى ضرب مثل ضربها الحقّ في الشاهد لصور المحاجّة والمخاصمة الواقعة بين الروح العقلي الإنساني المويّد من الله وبين الهوى النفسي الطبيعي والأنانية التعينية الحجابية ،
فإنّ طاغوت الهوى وفرعون صنميّة الحجاب التعيّنيّة الصورية يدعو إلى الربوبية العرضية المقيّدة بمصر الطبيعة الشهوية ، والقوى الحيوانية الغضبيّة والقوى النفسانية الفكرية المنصبغة بأحكام الشهوة والغضب ، والشهوة تساعدها وتعاضدها ،
 
والروح العقلي الإلهي المؤيّد بنور الله ، يدعو إلى الله الواحد الأحد في عين ما تكثّر وتعدّد ، وقد علمت فيما سلف أنّ كلَّا منها صور ماذا ؟
فطابق بها بين الكلّ في جميع المحاجّات والمخاصمات الواقعة بين فرعون وموسى وبين العقل والهوى ، تعثر على حقائق عزيزة ، إن شاء الله تعالى .
 
والسحرة صور القوى النفسانية والروح النفسانيّ ، المنصبغة بحكم الهوى وقوّتي الشهوة والغضب ، المنحرفة إلى خصائص الروحين : الطبيعي والحيواني ، فإنّ قوى الروح النفساني إذا تكيّفت بكيفيات هاتين القوّتين وانصبغت بصبغة أحكامهما ، صاغت صور الباطل في صيغة الحق ، وأظهرت الشبه الكاذبة في صور الحجج الصدق ، فخيّلت وأوهمت بما لا حقيقة له ، وادّعت الحكم والربوبية للهوى كما قالت السحرة في أوّل الدعوى :" بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ " فانقادت للهوى وخضعت ، فأسرها الهوى ، واستعملها فيما يشاء ويهوى ، فقطع أيديهم - أي قواهم العلوية الروحية - وأرجلهم أي قواهم الساعية بموجب العقل والشرع في تعمير المملكة الهيكلية .
 
ثمّ الروح العقلي الإنساني إذا تأيّد بربّه وتجلَّى له الحق - بعد التحقّق بالحق المستوي على أحدية جمع شعب قلبه واستعمال أعضائه الثمانية بحكم الإيمان وشعبها النورانية ، طلبا للأجر والثواب القلبي الأحدي الجمعي ،
وسيّره بأهله مع ما أصحبه من فضله من مدين القلب إلى شاطئ الوادي الأيمن الروحي الإلهي والتجلَّي النوري الأحدي الجمعي في صورة التفرقة النارية بأنّه هو الواحد الأحد في كثرة لا تتناهى من العدد - أعطاه الله صورة الاستقامة على شهوده في صورة العصا الذي عصى به أوّلا فرعون الهوى ،
واتّبع سبيل الهدى بصورة الإيمان والاستقامة والتأييد الذي كان يتوكَّا عليها - أي يعتمد بالإيقان الذي كان يعتقد - ويهشّ بها على غنمه من القوى الإلهية التي بها  أيّده الله وهو عين ما عصى فرعون موسى آخرا حين دعاه إلى الاستقامة على عبادة الله والإقلاع عن الربوبية العرضية ، وهو دعوة الروح الإنساني العقلي للهوى النفسي إلى أن يكون تبعا للعقل المؤيّد من عند الله في عبادة الله ، فيكون هواه في الله وبالله ولله .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسؤول عنه عين العالم خاطبه فرعون بهذا اللسان ) الكشفي والقوم لا يشعرون فقال له :"  لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ من الْمَسْجُونِينَ "والسين في السجن من حروف الزوائد : أي لأسترنك ، فإنك أجبت بما أيدتنى به أن أقول لك مثل هذا القول ) .
 
المراد بهذا اللسان لسان الإشارة ، فإن فرعون كان غاليا من غلاة الموحدة عاليا من المسرفين في دعواه من جملة من قال عليه الصلاة والسلام عنه « شر الناس من قامت القيامة وعليه وهي حي » أي وقف على سر التوحيد والقيامة الكبرى قبل فناء أبنيته وموته الحقيقي في الله وهو يدعى الإلهية بتعينه ، ويدعو الخلق إلى نفسه لتوحيده العلمي لا الشهودي الذوقي
وهو يعلم لسان الإشارة ، فلما علم أن موسى موحد ناطق بالحق افترص فرصة دعوى الألوهية لأن غير الحق ممتنع الوجود في هذا اللسان الحق في الرتب والتجليات مختلف الظهور والأحكام ، فرتبة الحق الظاهر في صورة فرعون له التحكم في ذلك المجلس على الرتبة الموسوية فأيده جواب موسى بلسان التوحيد ، وقواه على دعواه مع إظهار السلطنة والقدرة بحسب الرتبة
فقال له ما قال ، ولما كان اللسان بلسان الإشارة أخذ فيه سين الجن من حروف الزيادة
 
فبقي الجن بمعنى الستر وإن لم يكن مضاعفا ، فإن اعتبار ذلك إنما كان في لسان العبارة ، وأما في لسان الإشارة فيكفي في الدلالة على المعنى المشار إليه بعض حروف اللفظ الدالة عليه فلا تعتبر الوضع والاشتقاق فيه ، كما فهم بعضهم من سعتر برى : اسع تر برى ؟
 
فوجد وجدا شديدا ( فإن قلت لي ) يا موسى بهذا اللسان ( فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي والعين واحدة فكيف فرقت ) فهذا لسان الحال في موسى عند سماع الوعيد ،
وكذلك جواب فرعون في قول الشيخ :
قال رضي الله عنه :  ( فيقول فرعون : إنما فرقت المراتب ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها ، ومرتبتى الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة ).
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه أي في كون موسى. أي في كون موسى
يظهر المانع حال من موسى أي مظهر المانع ومعقول قوله : " أَولَوْ جِئْتُكَ " وهو المانع .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )
 
قال رضي الله عنه : ) فلما جعل موسى المسؤول عنه عين العالم ، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون ، فقال له : "لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ". )
أي ، فلما جعل موسى عين الحق ظاهرا في أعيان العالمين ، خاطبه فرعون بهذا اللسان . أي ، فإذا جعلت عينه عين العالم ، وأنا نسخة العالم ، فأنا عينه .
وذلك قوله تعالى : "لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين " . والقوم لا يشعرون بما جرى بينه وبين موسى من الأسرار .
 
قال رضي الله عنه :  ( و"السين" في السجن من حروف الزوائد . أي ، لأسترنك : فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول . ) اعلم ، أن الحروف كلها دالة على المعاني الغيبية في مفرداتها ومركباتها ، كما هو مقرر عند العلماء بالأسرار الإلهية .
ومن عرف أن الكلمات الموضوعة إنما وضعت بإزاء الحقائق الإلهية والكونية ، وعرف أن الواضع الحقيقي في المظاهر الإنسانية هو الحق سبحانه وتعالى ، عرف ذلك .
وبعض علماء الظاهر أيضا وقفوا على ذلك ، وقالوا إن بين الأسماء ومسمياتها مناسبات ووضعت الألفاظ بإزائها .
 
ف‍ ( السين ) التي في ( السجن ) من حروف الزوائد ، وهي مع أنها من حروف الزوائد يدل على معنى الستر ، لأنه حرف من حروفه . وكونه زائدا أيضا إشارة إلى تعينات الحاصلة على الذات التي هي وجوه العبودية الزائدة على وجوه الربوبية من وجه .
 
فبقى ( الجيم ) و ( النون ) وهو يدل على الستر ، كما قال تعالى : ( فلما جن عليه الليل رأى ) أي ، ستر . فصار معنى قوله : ( لأجعلنك من المسجونين ) لأسترنك . لأنك جعلت عين الحق ظاهرا في صور العالم ، فيكون ظاهرا في صورتي .
وهذا تأييد لي في دعواي ، ولى عليك حكم وسلطنة في الظاهر ، لأني صاحب الحكم ، فقولي لك مثل هذا ، وجعلي لك من المسجونين حق على قولك وعقيدتك .
 
قال رضي الله عنه :  ( فإن قلت لي : قد جهلت يا فرعون بوعيدك إياك والعين واحدة ، فكيف فرقت ؟ فيقول فرعون : إنما فرقت المراتب العين ، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها . ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة . ) .
 
أي ، وإن قلت لي يا موسى : كيف فرقتني عنك وأوعدتني بالسجن ، والعين في ذاتها واحدة لا كثرة فيها وتجعلني من الجاهلين ؟
أقول : إنما فرقت المراتب بحسب ظهورات عين الحق فيها ، فالذات وإن كانت واحدة ، لكن

المراتب متفرقة ، ومرتبتي الان يقتضى أن أحكم فيك وفي مرتبتك ، وإن كنت عيني من حيث العين ، لكنك غيري من حيث المرتبة .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:12 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الخامسة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة والعشرون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )

قال رضي الله عنه :  ( فلمّا جعل موسى المسؤول عنه عين العالم ، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون ؛ فقال له :لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ[ الشعراء:29] . والسّين في « السّجن » من حروف الزّوائد : أي لأسترنّك فإنّك أجبتني بما أيّدتني به أن أقول لك مثل هذا القول ، فإن قلت لي : فقد جهلت يا فرعون بوعيدك  إيّاي ، والعين واحدة ، فكيف فرقت ، فيقول فرعون : إنّما فرقت المراتب العين ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها ، ومرتبتي الآن التّحكّم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرّتبة ).

قال رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى ) في الجواب الأول ( المسؤول عنه ) وهو رب العالمين ( عين العالم ) ، إذ لا تتميز صورته الظاهرة في العالم ، ولا تتميز صورة العالم الظاهرة في الحق عن الحق ( خاطبه فرعون بهذا السؤال اللسان ) ، إذ توهم منه جواز إطلاق اسم الإلهية على صور العالم ؛ لأنها صور الحق كما توهم ذلك عامة أهل زماننا ، فكفروا الصوفية بذلك عن جهل ، إذ ليست تلك الصور صور الإلهية التي لا بدّ فيها من وجوب الوجود بالذات ، وإنما هي صور وجوده من حيث هو وجود ، ( والقوم لا تشعر ) بهذا القصد والتأويل ، وإلا بطلت دعواه بالربوبية الحقيقية عندهم ، لكن لا تناسب تلك الدعوى هذه المحلولة .


قال رضي الله عنه :  ( فقال له : لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) أي : إن لم تجعل الإلهية للصورة الظاهرة بمرآتي مع كمالها بما لها من التحكم التام والسيف العام ، بل جعلتها للشخص الذي ظهرت صورته بمرآتي لأجعلنك من المستورين ؛ لأن الصورة سترت عينك ، وليست بإله ولا خلق ، فكأنك في ظلمة العدم هذا التأويل ،

إنما يمكن بأن يقال : ( السين في السجن ) ، وإن لم تكن زائدة ، فهي ( من حروف الزوائد ) في الجملة ، فيمكن جعلها في لسان الإشارة بمنزلة العدم ، كأنه ما بقي منه إلا الجن ، وهو وإن كان غير مشدد إلا أنه يشبه في الخط المشدد ، فكأنه مشير إلى معناه ، ( أي : لأسترنك ) ، فهو المقصود في مخاطبة موسى ، وإن أظهر للقوم أنه قصد مدلول العبارة ، وهو الحبس في السجن ، وإذا سترتك ظهرت بدعوى الربوبية ،

( فإنك أجبتني بما أيدتني به ) ، إذ يتم الظهور بالتحكم التام ، والسيف العام في الكلب حتى في رسل اللّه المدعين كمال مظهريتهم حين سترتهم ، فصح لي ( أن أقول لك مثل هذا القول ) ؛ لأني إذا سترت مظاهره الكاملة المستحقة للرسالة كانت مظهريتي أكمل منها ، ولا أكمل من مظهر الرسالة سوى مظهر الإلهية .


ثم استشعرت حال فرعون سؤالا من لسان حال موسى ، فقالت حال فرعون : ( فإن قلت لي ) يا موسى : إن جعلت الإلهية بصور الحق كانت صور العالم كلها مستحقة للإلهية ، ( فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي ) بالحبس في الظاهر ، والستر في التأويل ، ولا فعل للصورة ، وإنما هو للعين ، والعين واحدة في جميع الصور ، ( فكيف فرقت ) بجعل بعض الصور إلها ، وبعضها غير إله حتى تكون الصورة التي لها الإلهية مؤثرة بحبس الصورة الأخرى ، أو ستر عينها بالكلية ؟

قال رضي الله عنه :  ( فيقول فرعون ) بلسان الحال في الجواب : ( إنما فرقت مراتب العين ) ، فإنها تظهر في بعض المراتب بصورة الألوهية فتعبد وتؤثر ، وفي بعضها بصورة العبودية فتعبد وتتأثر ، وبهذه التفرقة في المراتب ما تفرقت العين بالإلهية والخلقية ، وإنما تتفرق.



قال رضي الله عنه :  ( لو انقسمت في ذاتها ) ، لكن باختلاف مراتب الظهور لا يلزم أنها انقسمت في ذاتها ، بل غايته الانقسام في التجليات ، فيتجلي في البعض بالمعبودية والتأثير ،
وفي البعض بالعابدية والتأثر ، فظن أن الإلهية هي المعبودية والتأثير ، وهما بالتحكم التام والسيف العام ، وليست بدون الوجوب الذاتي ؛


فلذلك قال رضي الله عنه  : ( ومرتبتي الآن ) إشارة إلى أن الظهور بالإلهية لا يلزم استمراره من الأزل إلى الأبد في زعمه ( التحكم فيك يا موسى ) ، وإن زعمت أنك مظهر كامل بالرسالة التي لا تفوقها رتبة غير الإلهية ، فكيف سائر المظاهر ( بالفعل ) ، وهو التأثير المختص بالإلهية ، وإن كان ( أنا أنت بالعين ) ، ولكن لا يلزم عن ذلك الاتحاد في الربوبية والعبودية ، إذ أنا ( غيرك بالرتبة ) والإلهية والعبودية من المراتب ، فصح وعيدي إياك بهذا الاعتبار .


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة. )

( فلما جعل موسى المسؤول عنه ) في جوابه إيّاه ( عين العالم ) التي يظهر فيها صور تفاصيله ، أو يظهر بها تلك التفاصيل ( خاطبه فرعون بهذا اللسان ) الخاصّ بهما ( والقوم لا يشعرون ) ، فإنّهم إنّما يعرفون لسان التخاطب الاصطلاحي ، وموسى على طبق ذلك مخطئ مجنون ، كما نبّههم فرعون بذلك ( فقال له ) بلسانه الخاصّ : ( " لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ من الْمَسْجُونِينَ " ) وهو الجنون الذي عليه موسى بزعمه ، بزيادة سين الستر والسرّ ،


قال رضي الله عنه  : ( والسين في « السجن » من حروف الزوائد ، أي ) إن اتّخذت على ما أجبتني به من التصريح بالعينيّة إلها غيري ( لأسترنّك ) إنيّتك الموسويّة ، لأنّ جوابك على طبق ما أنا عليه ، فلم يمكن لك أن تظهر عليّ ، فإنّ الظاهر هو قولي ، وأنت مختف تحت ظهوري ، ( فإنك أجبت بما أيّدتني به أن أقول لك مثل هذا القول ) من الخفاء والستر الذي هو مقتضى ذاتك ، فكيف تتمكَّن حينئذ من الظهور بالخلافة والرسالة .

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ فرعون في هذا الموطن صورة القوّة النظرية ، التي بلغت كمالها في الإنسان الكامل بها ، فاقتضى المقام أعني مقام المقابلة والمناظرة - على ما عليه القوّة المذكورة - أن يتعرّض من جهة موسى وعلى لسانه ما يمكن أن يورد بطريق تلك القوّة ، توفية للمقام وإتماما للكلام


فلذلك قال من جهة موسى :
قال رضي الله عنه  : (فإن قلت ) بلسانك هذا ( لي : « فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إيّاي ، والعين واحدة فكيف فرّقت ) بيننا بحيلولة الحاجب سترك إيّاي به » ؟
( فيقول فرعون : « إنّما فرّقت المراتب العين ) عند تخصيصها بأحكامها التعيّنية التي تفرّد بها كلّ مرتبة ، والحكم إنّما هو للمرتبة والتمييز والتفرقة منها ( ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها ) ، كما مرّ بيان ذلك غير مرّة ( ومرتبتي الآن التحكَّم فيك يا موسى ) والظهور عليك ( بالفعل ) ، فلي أن أسترنّك وأسجننّك بحسب المرتبة الحاكمة ( وأنا أنت بالعين ، وغيرك بالرتبة » ).


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون. فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.  . )


قال رضي الله عنه :  ( فلمّا جعل موسى المسؤول عنه عين العالم ، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون . فقال له : لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [ الشعراء : 29 ] .  والسّين في « السّجن » من حروف الزّوائد : أي لأسترنّك فإنّك أجبتني بما أيّدتني ) .


قال رضي الله عنه :  ( فلما جعل موسى المسؤول عنه ) يعني رب العالمين ( عين العالم ) بلسان التوحيد وفرعون من العالم ( خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون فقال له :لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [ الشعراء : 26 ] والسين في « السجن » من حروف الزوائد ) ،

فلم يبق فيه من الحروف الأصلية إلا ما هو مادة الجنون أعني الجيم والنون ، وهذا الستر وإن لم يكن مضاعفا فإن اعتبار ذلك إنما يكون في لسان العبارة ،

وأما في لسان الإشارة فيكفي في الدلالة على المعنى المشار إليه بعض حروف اللفظ الدال عليه فلا يعتبر الوضع الاشتقاق فيه كمن فهم من سعتر اسع ترى فوجد وجدا عظيما ، فلهذا
قال رضي الله عنه :  ( به أن أقول لك مثل هذا القول . فإن قلت لي : فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إيّاي ، والعين واحدة ، فكيف فرقت فيقول فرعون إنّما فرقت المراتب العين ما تفرّقت العين ولا انقسمت في ذاتها . ومرتبتي الآن التّحكّم فيك يا موسى بالفعل ، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرّتبة . )
قال بيان معناه ( أي لأسترنك ) تحت ظهوري وغلبتي عليك ( فإنك أجبت بما أيدتني به ) وهو قولك : رب العالمين عين العالم ، وأنا من العالم فأيدني هذا القول منك ( على أن أقول لك مثل هذا القول ) المشعر بظهوري عليك وسترك تحت ظهوري .

ولما كان لموسى أن يقول في مقابلته كما أن قولي : يؤيدك كذلك يؤيدني فإنه كما أنك من العالم الذي هو عين الحق كذلك أنا أيضا منه فمن أين ظهورك علي ؟


فدفعه فرعون بقوله : ( فإن قلت ) : يا موسى ( لي بلسان الإشارة فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي ) بالسجن والستر ( والعين ) الظاهرة فيك وفيّ ( واحدة فكيف فرقت ) بيننا بظهورك عليّ وانقهاري تحت ظهورك

( فيقول : فرعون إنما فرقت المراتب ) المتكبرة المتفرقة ( العين ) الواحدة ، أي أريتها متكبرة متفرقة ( ما تفرقت العين ) في نفسها ( ولا انقسمت في ذاتها ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى ) ، والظهور عليك ( بالفعل ) ، والتأثير فيك بأن أسجنك وأسترنك بحسب مرتبتي ( وأنا أنت بالعين وأنا غيرك بالرتبة. )

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:13 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السادسة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والعشرون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقّه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك ، والرّتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه : لأنّ الحقّ في رتبة فرعون من الصّورة الظّاهرة ، لها التّحكّم على الرّتبة الّتي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس .  فقال له يظهر له المانع من تعدّيه عليهأَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[ الشعراء : 30]. فلم يسع فرعون إلّا أن يقول له :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[ الشعراء : 31 ] حتّى لا يظهر فرعون عند الضّعفاء الرّاي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي الطّائفة الّتي استخفّها فرعون فأطاعوهإِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ[ الأنبياء : 74 ] أي خارجين عمّا تعطيه العقول الصّحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللّسان الظّاهر في العقل ، فإنّ له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين . )
 
قال رضي الله عنه :  (فلما فهم ذلك) المعنى المذكور (موسى) عليه السلام (منه) ، أي من فرعون بقرائن الأحوال ومحاورات الكلام (أعطاه) ، أي أعطى موسى عليه السلام فرعون (حقه) الظاهر به (في كونه) ، أي موسى عليه السلام (يقول له) ، أي لفرعون بمقتضى إشارة الكلام (لا تقدر) من حيث رتبتك على ذلك الفعل الذي توعدتني به من ستري عن شهود العين الإلهية وسلبي مقام جمعيتي ، لأنه تصرف من حيث الباطن ولا يكون الزنديق أصلا إنما هو للصديقين خاصة ، وإن كان للزنديق التصرف من حيث الظاهر والتحكم بالصورة الظاهرة في كل ما دخل تحت يده .
 
قال رضي الله عنه :  (والمرتبة) التي كان فرعون ظاهرا بها في العين الواحدة (تشهد له ) ، أي لفرعون (بالقدرة)  من حيث التحكم الظاهر (عليه) ، أي على موسى عليه السلام (وإظهار الأثر) من حيث الظاهر (فيه) ، أي في موسى عليه السلام (لأن الحق) تعالى ، أي العين الواحدة الإلهية الظاهرة في رتبة فرعون من الصورة المحسوسة (الظاهرة) لفرعون (لها التحكم على) ظاهر (الرتبة التي كان فيها ظهور موسى) عليه السلام (في ذلك المجلس) ، أي مجلس فرعون وقومه (فقال) ، أي موسى عليه السلام له ، أي لفرعون (يظهر) ، أي موسى عليه السلام وهو حال من فاعل قال له ، أي لفرعون المانع لفرعون من حيث رتبة موسى عليه السلام من تعديه ، أي فرعون عليه ، أي على موسى عليه السلام وإنفاذ ما توعده بهأَ وَلَوْ جِئْتُكَيا فرعون ("بِشَيْءٍ مُبِينٍ") [ الشعراء : 30 ] ، أي واضح من البراهين القاطعة الدالة على صدق دعواي .
 
قال رضي الله عنه :  (فلم يسع) عند ذلك (فرعون إلا أن يقول له) ، أي لموسى عليه السلام ("فَأْتِ بِهِ") [ الشعراء : 31 ] ، أي بذلك الشيء المبين ("إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ") [ الأعراف : 70 ] في دعوى مجيئك بالحق (حتى لا يظهر فرعون) في ذلك المجلس (عند الضعفاء الرأي) ، أي الفكر والنظر (من قومه) الحاضرين (بعدم الإنصاف) في رد أدلة خصومه وعدم الالتفات إليها (فكانوا) حينئذ (يرتابون) ، أي يشكون ويترددون (فيه) ، أي في فرعون (وهي) ، أي الضعفاء الرأي من قومه (الطائفة التي استخفها فرعون) ، أي طلب خفة عقلها بما أظهره لها من زخارف الغرور
 
قال رضي الله عنه :  (فأطاعوه) في كل ما زعم ("إِنَّهُمْ") [ الأنبياء : 74 ] ، أي تلك الطائفة  ("كانُوا قوما فاسِقِينَ") [ الأنبياء : 74 ] كما قال تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ( 54 ) [ الزخرف :54] أي خارجين عما تعطيه العقول البشرية الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون من الربوبية لهم باللسان الظاهر في العقل المقتضي للفرق دون الجمع فإن له ، أي للعقل حدا يقف عنده فلا يجاوزه إذا جاوزه ، أي ذلك الحد صاحب الكشف الذوقي واليقين العيني من أهل التحقيق .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه :  فلما فهم ذلك موسى منه ) أي فلما فهم موسى ذلك الحكم والتسلط من فرعون ( أعطاه ) أي أعطى موسى فرعون ( حقه في كونه يقول له ) أي حال كون موسى قائلا لفرعون ( لا تقدر على ذلك ) التحكم يعني أن قول موسى لفرعون لا تقدر على ذلك مجرد إعطاء لحق فرعون في مقابلة قوله لموسى ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى لا تكذيب له في قوله هذا .
 
فإن مرتبة فرعون لها التحكم على مرتبة موسى في ذلك المجلس لذلك قيد التحكم بقوله الآن وبالفعل لعلمه بأن مرتبة موسى أعلى منه في غير هذا المجلس ولعلم موسى أن مرتبة فرعون لها التحكم عليه في ذلك المجلس فكان فرعون صادقا في قوله هذا وبين المصنف ما قلناه بقوله .
 
قال رضي الله عنه :  ( والرتبة ) أي رتبة فرعون ( تشهد له ) أي لموسى ( بالقدرة عليه ) أي على موسى ( وإظهار الأثر فيه ) أي وإظهار أثر القدرة في موسى وإنما تشهد له الرتبة على ذلك ( لأن الحق ) الظاهر ( في رتبة فرعون ) قوله ( من الصورة الظاهرة ) خبر أن ( لها ) خبر ( التحكم ) مبتدأ أي كان لهذه الرتبة الفرعونية التحكم ( على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ) .
 
فلما علم موسى بشهادة الرتبة أن له منصب التحكم على موسى في ذلك المجلس أراد موسى إتيان ما يدفع مضرّة فرعون عن تعديه إلى موسى في ذلك المجلس .
 
قال رضي الله عنه :  ( فقال له ) حال كونه ( يظهر له ) أي لموسى ( المانع من تعديه ) أي من أن يتعدى فرعون موسى ( عليه ) يتعلق بقوله يظهر الضمير المجرور لفرعون أي يظهر على فرعون لموسى شيء يمنع فرعون عن التعدي إلى موسى .
(أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) حتى يظهر به صدقي فيما قلت أنا وكذبك فيما قلت أنت وهو العصا ، وهذا القول يمنع فرعون من أن يتعدى موسى بالضرر فكأنه طلب الأمان عن فرعون بذلك القول في ذلك المجلس لعلمه أن مرتبة فرعون لها التحكم على مرتبته في ذلك المجلس .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلم يسع ) أي لم يقدر ( فرعون ) بعد هذا القول بشيء من التحكم على موسى في ذلك المجلس ( إلا أن يقول لهفَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواه ( حتى لا يظهر فرعون عند ضعفاء الرأي من قومه بعدم الانصاف وكانوا يرتابون فيه ) أي يشكون في ربوبية فرعون .
 
قال رضي الله عنه :  ( وهي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه أنهم كانوا قوما فاسقين أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة ) قوله ( من ) بيان لما في عما ( إنكار ما ادّعاه فرعون باللسان الظاهر ) قوله ( في العقل ) يتعلق بقوله في الظاهر ولم ينكروا هذا القوم مع أن العقول الصحيحة تعطي إنكار ما ادّعاه من قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وهو لسان ظاهر معناه في العقل فكانوا خارجين عما يعطيه العقل ولم يقفوا عندما يعطيه العقل وإنما كانوا خارجين عما يعطيه العقل.
 
قال رضي الله عنه :   ( فإن له ) أي للعقل ( حدّا يقف عنده ) أي يقف العقل عند ذلك الحد ( إذ جاوزه صاحب الكشف واليقين ولهذا ) أي ولأجل أن لكل واحد من العاقل وصاحب الكشف حدّا يقف كل عنده حدّه.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه : ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.  فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين». فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.
 


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلمّا علم ذلك موسى منه ، أعطاه حقّه في كونه يقول له : لا تقدر على ذلك ، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه ، لأنّ الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة ، لها التحكَّم على المرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ، فقال له يظهر له المانع من تعدّيه عليه :" أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ " فلم يسع فرعون إلَّا أن يقول له :  " فَأْتِ به إِنْ كُنْتَ من الصَّادِقِينَ " حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف ، فكانوا يرتابون فيه، وهي الطائفة التي استخفّها فرعون" فَأَطاعُوه ُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ" ، أي خارجين عمّا تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل ، فإنّ له حدّا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين ،)
 
وهو كما يقال : ربّ الدار ، وربّ الخاتم ، وربّ الثوب ، وربّ القرية والمدينة ، وهو اسم إضافى أبدا ، وإذا عرّف بلام التعريف والعهد يكون مدلوله ربّ العالمين وربّ الأرباب ، فلم يبرح عن الإضافة في المعنى .
وهذه النسبة أعني الربوبية لعين واحدة ظاهرة بصور كثيرة شتّى وهي بعينها تربّي وتربّ وتصلح صورها التي هي لها مجال ومراء ومحالّ ظهور وتراء ، والربّ له خمسة معان ، فإنّه المالك ، والسيد ، والثابت ، والمصالح ، والمربّي ، والعين الأحدية الظاهرة بحقيقتها في كل صورة بقدر قابليتها –
لها أحدية جمع جميع هذه المعاني كلَّها ، فإنّها مالكة الصور المشهودة منها ، فهي لها ، ولها أيضا السيادة على الكلّ جميعا وعلى كل عين عين منها ما يخصّها ، فإنّها عين هذه الأعيان الظاهرة بصور الكلّ ،
وهي أيضا تصلحها بما تصلح لها وتربّيها وتغذّيها ، فتغذّى الصور بأعيانها المتعيّنة بها وفيها ، وتغذّى  الأعيان بالأحكام والآثار والأفعال والأحوال والنسب والإضافات والأسماء والصفات الخصيصة بها جمعا وفرادى ،
وتغذّي وتربّي المجموع بالفيض الأحديّ الجمعي النفسي الذي هو مادّة هذه الصور كلَّها وهيولاها ، وهي الثابتة في عينها لعينها ، فالثبات للعين فيها لا لها إلَّا بها وفيها ، إذ الصور والنسب والتعينات والظهور أعراض لا تبقى زمانين ، والتحقّق والثبوت للعين في الكلّ .
 
فلمّا كان فرعون صاحب الوقت وربّ السيف في الكلّ ، والربوبية ظهورها فيه أكثر ، لتحكَّمه فيهم جميعا ظاهرا فقال بلسان الحق - الذي أنطق كلّ شيء ، ونطق بألسنة كل ميت وحيّ ، في صورة هداية وغيّ ، إشارة إلى العين الظاهرة المتعيّنة بصورة فرعون وفيها ، وهو عين الحق في صورة من صور الباطل :" أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي ربوبيتى أعلى من ربوبيّتكم ، والعين - الظاهرة في صورتي بربوبية أعلى أعلى وأجلى ، وصدق في كون ربوبيّته أعلى من ربوبية غيره في ملئه كما أشار إلى هذا المقام الشيخ أبو مدين البجائيّ :
لا ينكر الباطل في طوره   .... فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منك بمقداره     .... حتّى توفي حقّ إثباته .
وقلنا في تتمّتها :
فالحق قد يظهر في صورة   .... ينكرها الجاهل في ذاته.
 
ثمّ اعلم يا أخي :  أنّ المحاجّة والمباحثة الواقعة بين فرعون وموسى ضرب مثل ضربها الحقّ في الشاهد لصور المحاجّة والمخاصمة الواقعة بين الروح العقلي الإنساني المويّد من الله وبين الهوى النفسي الطبيعي والأنانية التعينية الحجابية ،
فإنّ طاغوت الهوى وفرعون صنميّة الحجاب التعيّنيّة الصورية يدعو إلى الربوبية العرضية المقيّدة بمصر الطبيعة الشهوية ، والقوى الحيوانية الغضبيّة والقوى النفسانية الفكرية المنصبغة بأحكام الشهوة والغضب ، والشهوة تساعدها وتعاضدها ،
 
والروح العقلي الإلهي المؤيّد بنور الله ، يدعو إلى الله الواحد الأحد في عين ما تكثّر وتعدّد ، وقد علمت فيما سلف أنّ كلَّا منها صور ماذا ؟
فطابق بها بين الكلّ في جميع المحاجّات والمخاصمات الواقعة بين فرعون وموسى وبين العقل والهوى ، تعثر على حقائق عزيزة ، إن شاء الله تعالى .
 
والسحرة صور القوى النفسانية والروح النفسانيّ ، المنصبغة بحكم الهوى وقوّتي الشهوة والغضب ، المنحرفة إلى خصائص الروحين : الطبيعي والحيواني ، فإنّ قوى الروح النفساني إذا تكيّفت بكيفيات هاتين القوّتين وانصبغت بصبغة أحكامهما ، صاغت صور الباطل في صيغة الحق ، وأظهرت الشبه الكاذبة في صور الحجج الصدق ، فخيّلت وأوهمت بما لا حقيقة له ، وادّعت الحكم والربوبية للهوى كما قالت السحرة في أوّل الدعوى :" بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ " فانقادت للهوى وخضعت ، فأسرها الهوى ، واستعملها فيما يشاء ويهوى ، فقطع أيديهم - أي قواهم العلوية الروحية - وأرجلهم أي قواهم الساعية بموجب العقل والشرع في تعمير المملكة الهيكلية .
 
ثمّ الروح العقلي الإنساني إذا تأيّد بربّه وتجلَّى له الحق - بعد التحقّق بالحق المستوي على أحدية جمع شعب قلبه واستعمال أعضائه الثمانية بحكم الإيمان وشعبها النورانية ، طلبا للأجر والثواب القلبي الأحدي الجمعي ،
وسيّره بأهله مع ما أصحبه من فضله من مدين القلب إلى شاطئ الوادي الأيمن الروحي الإلهي والتجلَّي النوري الأحدي الجمعي في صورة التفرقة النارية بأنّه هو الواحد الأحد في كثرة لا تتناهى من العدد - أعطاه الله صورة الاستقامة على شهوده في صورة العصا الذي عصى به أوّلا فرعون الهوى ، واتّبع سبيل الهدى بصورة الإيمان والاستقامة والتأييد الذي كان يتوكَّا عليها - أي يعتمد بالإيقان الذي كان يعتقد - ويهشّ بها على غنمه من القوى الإلهية التي بها
أيّده الله وهو عين ما عصى فرعون موسى آخرا حين دعاه إلى الاستقامة على عبادة الله والإقلاع عن الربوبية العرضية ، وهو دعوة الروح الإنساني العقلي للهوى النفسي إلى أن يكون تبعا للعقل المؤيّد من عند الله في عبادة الله ، فيكون هواه في الله وبالله ولله .
 
لا تقع الإجابة إلَّا عند غرق الهوى في بحار الكشف وأمواج التجلَّي ، فيظهر له سلطان أحدية العين بعين بطلان الربوبية العرضية الموجبة للفرق والبين ، كما آمن فرعون عند الغرق بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون ، فيقول لهوى الربوبية العرضية لسان أحدية العين عند شهود عين اليقين :  " آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ " أي الآن رجعت إلى الحق وأسلمت حين أشرفت على الهلاك وأسلمت ، فاليوم لا بدّ أن تغرق ببحر الربوبية العامّة الكلَّية ،
فيقول لسان حال الربوبية العرضية القائمة بصورة الهوى الطبيعي الذي فرعون مصر صورته وتمثاله - : أجل ، قضيت أجلي الذي أجّلت وأمهلت وما عجّلت ،
فلمّا انقضى الأجل وانتهى الأمل وانقطع العمل ، فإليك المصير ، وكان فيك وبك ولك وإليك المسير فاستغرقني ببحار رحمتك ، فقد آمنت وأسلمت ،
ونجّني من صور الحجاب التعيّني ، وآمنّي ، فقد استجرت واستسلمت فيقول بلسان الربوبية المستغرقة لربوبيات الأرباب ربّ العالمين :  " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "
فإذا غرّقت أنانيّتك في بحر إنّيتي ، فقد بلغت الغاية وانتهيت إلى النهاية ،
 
وقبل هذا عند اجتماع الروح العقلي مع فرعون الهوى ، لا بدّ أن يظهر الهوى بصورة الربوبية العرضية الأولى ويقهر من دونه وقبله من قبيله بدعوى  " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " ويكون حينئذ معه خطاب موسى الروح العقلي الإلهي ودعوته إلى الربوبية المطلقة المستغرقة لربوبية الأرباب التي تحت حيطة الاسم « الظاهر » الإلهي ، فيقول للهوى : إنّي إليك رسول ربّ العالمين ، فيدعوه إلى ربّ الأرباب ، والربوبية المحيطة المستغرقة لربوبيته العرضية في جملة العالمين ، فيقول فرعون الهوى :" وَما رَبُّ الْعالَمِينَ "؟
لا على طريقة السؤال الآبق "اللائق" عن تلك الحقيقة المطلقة اختيارا منه لغرض عرض له واختبارا لا جهلا واستحقارا ، بل اعتبارا واستبصارا ،
 
إذ السؤال عن الماهية إنّما يتأتّى ويجوز فيما يكون له ماهية متميّزة عن غيرها ، فيكون تحت جنس أو فصل ،
والحقيقة المطلقة الربوبية في العالمين تتعالى عن مثل هذا السؤال ، وتجلّ عن الضدّ والندّ والمثال ، فيقول الروح العقلي للهوى في جوابه :" رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " .
 مبيّنا تفصيل مظاهر حقيقة الربوبية المطلقة الكلَّية العامّة في العالمين ،
فيوهم فرعون الهوى آله من قوى الطبيعة والحيوانية أنّه لم يجب بما يطابق سؤاله ، إذ لم يجب بما يبيّن الماهية الإلهية الربانية ، بل بيّن المضاف إليه كما ذكرنا .
فيقول الهوى :" إِنَّ رَسُولَكُمُ " أي الروح العقلي الإلهي المرسل بالتجلَّي " الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ "  أي مستور عنه ربوبيّتي الظاهرة في الوقت ، فيدعو إلى غيري ولا إلى عيني .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه ) أي في كون موسى
( يقول له لا تقدر على ذلك ، والرتبة ) أي رتبة فرعون ( تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهر لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس، فقال له يظهر له المانع من تعديه عليه " أَولَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ")  
يظهر المانع حال من موسى أي مظهر المانع ومعقول قوله : " أَولَوْ جِئْتُكَ " وهو المانع .


قال رضي الله عنه :  ( فلم يسع فرعون إلا أن يقول له : " فَأْتِ به إِنْ كُنْتَ من الصَّادِقِينَ " حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه : " إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ " أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل ، فإن له ) أي للعقل (حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين ) ، ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة) على ما ذكر من الجوابين المربين بقوله :  " إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " و " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " .
 
أن الشيخ قدس سره أومأ إلى أن الله تعالى بين صورة المحاجة التي جرت بين موسى عليه السلام وبين فرعون على طريقة ضرب الأمثال :
فضرب العصا مثلا للمطمئنة الموسوية المطاوعة للقلب المؤتلفة بنور القدس المؤيدة بتأييد الحق ،
ولهذا قال : وهي صورة ما عصى به فرعون في إبائه ، فالنفس حقيقة واحدة فلما أطاعت الهوى في فرعون واستولى عليه شيطان الوهم لغلبة الهوى كانت نفسا أمارة مستكبرة أبت الحق وأنكرته ،
ولما انقادت للحق وأطاعت القلب : أي النفس الناطقة ، وتنورت بنور الروح في موسى كانت عصا يعتمد عليها في أعمال البر والطاعات والأخلاق الفاضلة ،
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه ) أي ، فهم ذلك الحكم والتسلط بحسب المرتبة منه . ( أعطاه حقه في كونه يقول له : لا تقدر على ذلك . ) أي، أعطى لفرعون حقه حال كونه. أي، كون موسى يقول له : لا تقدر على ذلك.
 
قال رضي الله عنه :  ( والرتبة ) الفرعونية ( تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه، لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.) لكن ليس له سلطنة على موسى ورتبته ، لأنه أعلى منه مقاما وأرفع منه درجة ، كما أخبره بقوله : ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) أي في العاقبة .
 
ولما كان له التحكم في ذلك المجلس ، جعل موسى يدافعه ، ( فقال له ) حال كونه ( يظهر له المانع من تعديه عليه : "أو لو جئتك بشئ مبين" . )
 
قال رضي الله عنه :  (فلم يسع فرعون إلا أن يقول له : "فأت به إن كنت من الصادقين". حتى لا يظهر فرعون عند  ضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، وهي الطائفة التي استخفها فرعون وأطاعوه "إنهم كانوا قوما فاسقين" أي، خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له ).
 
أي ، للعقل ( حدا ، يقف عنده ، إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين . ولهذا ) أي ، ولأجل أن
للعقل حدا ، يقف عنده ، وصاحب الكشف يتجاوز عنه ، وليس للكشف نهاية ، لأنه بحسب التجلي ولا نهاية للتجلي.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:13 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السادسة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والعشرون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا فهم ذلك موسى منه أعطاه حقّه في كونه يقول له : لا تقدر على ذلك ، والرّتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه ؛ لأنّ الحقّ في رتبة فرعون من الصّورة الظّاهرة ، لها التّحكّم على الرّتبة الّتي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ، فقال له يظهر له المانع من تعدّيه عليهأَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[ الشعراء : 30 ] ، فلم يسع فرعون إلّا أن يقول له :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[ الشعراء : 31 ] حتّى لا يظهر فرعون عند الضّعفاء الرّأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي الطّائفة الّتي استخفّها فرعون فأطاعوه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ[ الأنبياء : 74 ] أي : خارجين عمّا تعطيه العقول الصّحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللّسان الظّاهر في العقل ، فإنّ له حدّا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين ).
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك ) أي : كونه وعيد ، وبحسب مرتبته ( موسى ) فيه بلسان الحال ( أعطاه ) ، أي : أعطى موسى فرعون ( حقه ) من العجز الذي له ( في كونه ) ، أي : الوجود الحادث بحيث يمتنع تأثيره بالمانع منه بخلاف تأثير الحق ، إذ لا مانع له أصلا ، فكأنه ( يقول له ) بلسان الحال : ( لا تقدر على ذلك ) ؛ للعجز الكوني فيك المتأثر بالمانع ،
 
وإن كانت ( الرتبة ) التحكمية ( تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه ) لا من جهة كونه ، بل من حيث ظهور الحق فيه ؛ ( لأن الحق ) الظاهر ( في رتبة فرعون من ) جهة ( الصورة الظاهرة ) في عينه الثابتة بحيث يكون ( لها التحكم على الرتبة التي ) فيها الحق بصورة موسى ، ولو في ( ذلك المجلس ) ، وكان لموسى التحكم عليه حين أغرق في البحر ، وفي القيمة وغير ذلك .
 
فاحتاج موسى إلى إظهار المانع من نفور قدرته فيه وتأثيره ، فقال له بلسان المقال حكي كونه ( يظهر له المانع من تعديه عليه ) ، وذلك من كمال ظهور الحق فيه باسمه الحفيظ والمبين يمنعانه من الستر والحبس ، بحيث إذا قصده فرعون بأحدهما ، أي : مقتضى ذاته من العجز ؛ فقال :( أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) [ الشعراء : 30 ] .
 
لما فيه من الصورة الكاملة الإلهية المانعة من تأثير الغير فيها ، فلا قدرة لفرعون في ستره ولا حبسه ، فلما علم فرعون أن لا قدرة له مع وجود المانع ، وأن السكون موجب لانقطاع حجته مع الخصم ، ( فلم يسع فرعون ) السكوت ، ولا إظهار القدرة ؛ لظهور عجزه بالكلية حينئذ ، فلم يسع له ( إلا أن يقول له :فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [ الأعراف : 16 ] ،
فأخذ يظهر الإنصاف معه ( حتى لا يظهر فرعون عند ضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف ) ، وإن كان غير منصف في دعوى الربوبية لنفسه ، وإنكار ربوبية اللّه تعالى ونبوة موسى ومعجزاته ، إذ لو ظهر لهم عدم إنصافه ، ( فكانوا يرتابون فيه ) بأن الإله لا بدّ وأن يكون منصفا عدلا ، فإذا لم ينصف فليس بإله مع أنهم لم يرتابوا عند عدم إنصافه فيما ذكرنا ، ومن هنا تبين أنها ( هي الطائفة التي استخفّها فرعون فأطاعوه ) .
 
ثم بيّن الاستحقاق بقوله :( إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [ النمل : 12 ] ، ولما لم يناسب المقصود الخروج عن طاعة اللّه بينه بقوله : ( أي : خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون ) ، سيما إذا كان ( باللسان الظاهر ) بلا تأويل ، فإنه منكر ( في العقل ) ، أما إذا كان بلا تأويل فظاهر ، وأما إذا كان بالتأويل ؛ فلأن العقل لا يقول بظهوره في المظاهر ،
( فإن له حدّا ) من التنزيه ( يقف عنده ) لا يتجاوزه إلى التشبيه بالظهور في المظاهر ، ( إذا جاوزه صاحب الكشف ) الذي يراه في المظاهر ، ولا يمنعه العقل من ذلك وإن لم يدركه بنفسه ؛
 
"" أضاف المحقق :
تنزيه الكشف : هو المشاهد لحضرة إطلاق الذات المثبت للجمعية للحق ؛ فإن من شاهد إطلاق الذات صار التنزيه في نظره ، إنما هو إثبات جمعيته تعالى لكل شيء ، وإنه لا يصح التنزيه حقيقة لمن لم يشاهده تعالى كذلك . لطائف الإعلام . ""
 
ولكن لا يقول بالتأويل صاحب ( اليقين ) ، إذ لا ظهور للإلهية عنده ، وإنما يقول بالتأويل صاحب الغنى أو الغلبة ، فإنه يرى صورة وجود الحق صورة إلهية من الغلبة ، فيقول من الغلبة : « أنا الحق » ، لكن فرعون وقومه ليس من هذا القبيل .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
جواب موسى
قال رضي الله عنه  : ( فلما فهم ذلك موسى منه ) في قوله : " لأَجْعَلَنَّكَ من الْمَسْجُونِينَ " فهم العارف بلسان إشارة أهل الخصوص ( أعطاه حقّه ) ، فإنّ لكلّ مقابل ومناظر حقّا إذا أعطي سكن عن المقابلة ،
 
فلذلك أفحم فرعون بهذا وما ناظر بعد ذلك ، بل ظهر سلطان موسى عليه وذلك ( في كونه يقول له : لا تقدر على ذلك ، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه ، وإظهار الأثر فيه ، لأنّ الحقّ في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة ) بيان للحقّ في رتبة السلطنة .
وفيه إشارة غير خفيّة  ( لها التحكَّم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ، فـ " قالَ " له  يظهر له المانع من تعدّيه عليه )
 في صورة الستر والسجن : ( " أَوَ " ) يفعل ذلك ( " لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ " ) أي مظهر لي عليك من الآيات .
 
قال رضي الله عنه  : ( فلم يسع فرعون إلَّا أن يقول : " فَأْتِ به إِنْ كُنْتَ من الصَّادِقِينَ " حتى لا يظهر فرعون عند ضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف ، فكانوا يرتابون فيه ، وهي الطائفة التي استخفّها فرعون فأطاعوه ، " إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ".
 
قال رضي الله عنه  : ( أي خارجين عما يعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل ) فإنّهم خارجون عن مقتضى العقل ، وهو إنكار ما ادّعاه فرعون باللسان الظاهر فيه ،
 
قال رضي الله عنه  : ( فإنّ له حدا يقف عنده ) وهو مقتضى نشأته التنزيهيّة الرسميّة المقتضية للتقابل بين مشرق الظهور ومغرب الاختفاء على ما عرفت ( إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين ) بمقتضى الجمعيّة القلبيّة .
فلصاحب العقل حد خاصّ مقيّد من هذه الجمعيّة الإطلاقيّة التي هو مشهد القلب وكشفه ،
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا فهم ذلك موسى منه أعطاه حقّه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك ، والرّتبة تشهد له بالقدرة عليه وإظهار الأثر فيه : لأنّ الحقّ في رتبة فرعون من الصّورة الظّاهرة ، لها التّحكّم على الرّتبة الّتي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس .
فقال له يظهر له المانع من تعدّيه عليهأَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ[ الشعراء : 30 ] .
فلم يسع فرعون إلّا أن يقول له :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[ الشعراء : 31 ] حتّى لا يظهر فرعون عند الضّعفاء الرّأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي )


قال رضي الله عنه :  ( فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك ) ، أو لا تقول فإن حقه أن لا يقول له ذلك كيف ( والمرتبة تشهد له ) أي لفرعون ( بالقدرة عليه ) ، أي على موسى ( وإظهار الأثر فيه لأن الحق في رتبة فرعون من الصور الظاهرة لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس ) لا في آخر الأمر ( فقال ) موسى ( له ) ، أي فرعون ( يظهر له المانع من تعديه عليه ) بالستر والسجن .
 
(أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) [ الشعراء : 30 ] ، أي وتفعل ذلك لو جئتك بآية مظهرة لي عليك ( فلم يسع فرعون إلا أن يقول :فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه ، وهي
 
قال رضي الله عنه :  ( الطّائفة الّتي استخفّها فرعون فأطاعوه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ[ الأنبياء : 74 ] أي خارجين عمّا تعطيه العقول الصّحيحة من إنكار ما ادّعاه فرعون باللّسان الظّاهر في العقل ، فإنّ له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين . )
 
قال رضي الله عنه :  ( الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه « إنهم كانوا قوما فاسقين » ، أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون ) ، إفكا ( باللسان الظاهر ) صدقه ( في ) غريزة ( العقل فإن له ) ، أي للعقل ( حدا يقف ) العقل ( عنده ) ، أي عند ذلك الحدّ ( إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين) .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:14 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السابعة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة والعشرون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :   ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة .فَأَلْقى عَصاهُوهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوتهفَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ[ الشعراء : 32 ] أي حيّة ظاهرة .  فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ[ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم . فظهر الحكم ههنا عينا متميّزة في جوهر واحد . فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا . فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال .  فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل . والحبل التّلّ الصّغير أي مقاديرهم بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة . )

قال رضي الله عنه :  (ولهذا) ، أي لكون الأمر كذلك (جاء موسى) عليه السلام (في الجواب) عن سؤال فرعون (بما يقبله) العبد (الموقن) ، أي صاحب اليقين (والعاقل) ، أي صاحب العقل فقال:
أوّلا : إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
وثانيا : إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ خاصة ،
أي لا غيرهما ، فإن من لم يكن له يقين ولا عقل فلا جواب له من موسى عليه السلام ("فَأَلْقى") موسى عليه السلام عند ذلك ("عَصاهُ") التي كانت في يده وهي ، أي تلك العصا صورة ما ، أي الأمر الذي (عصى به فرعون) رسوله (موسى) عليه السلام ، وذلك مثال نفس فرعون العاصية (في إبائه) ، أي امتناعه (عن إجابة دعوته) ، أي دعوة موسى عليه السلام ("فَإِذا هِيَ") ، أي تلك العصا ("ثُعْبانٌ مُبِينٌ") [ الشعراء : 32 ] ، أي واضح مكشوف بحيث يعرفه كل أحد يعني (حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة) التي عصى بها فرعون لموسى عليه السلام (طاعة)


لو فعل ذلك فرعون أي حسنة يثاب عليها كما قال اللّه تعالى : أولئك (" يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ") [ الفرقان : 70 ] يعني ) بذلك في الحكم الإلهي فبعد أن يكون الحكم عليها بأنها سيئات يصير بأنها حسنات .

قال رضي الله عنه :  (فظهر الحكم) الإلهي (هنا) ، أي في العصا (عينا متميزة) عما سواها (في جوهر واحد) وهو ماهيتها الأصلية التي كانت فيها في حال كونها عصا (فهي العصا) ومع ذلك (هي الحية والثعبان الظاهر) ، وقد ظهر لفرعون من موسى عليه السلام ما كان عنه فرعون من طاعة العين الواحدة لمقتضى رتبة موسى عليه السلام في إظهار ما شاء من المراتب.

ثم قال موسى عليه السلام : بمرتبة عينه على مرتبة فرعون لإبطال دعواه وإظهار عجزه عما يحاول (فالتقم )ذلك الثعبان (أمثاله من الحيات) التي جاءت بها السحرة (من كونها) ، أي عصا موسى عليه السلام (حية و) التقم (العصي) بالتشديد جمع عصاة ، أي ما جاء السحرة من عصيهم (من كونها) ، أي عصا موسى عليه السلام (عصا) ولم يبق لحيات السحرة ولا لعصيهم أثر في الوجود أصلا كل هذا ولم تتغير حية موسى عليه السلام ولا عصاه كما كانت عليه .

قال رضي الله عنه :  (فظهرت) ، أي انتصرت عند ذلك (حجة موسى) عليه السلام أي آيته ودليله وبرهانه (على حجج) ، أي أدلة (فرعون) وكان ذلك (في صورة عصي) جمع عصا (وحيات وحبال فكانت للسحرة الحبال) ، لأنهم أثوابها (ولم يكن لموسى) عليه السلام (حبل) وإنما له العصا (والحبل) بالباء الموحدة التحتية قبلها حاء مهملة يطلق في اللغة على التل الصغير فهو إشارة إلى قدرهم (أي مقاديرهم) يعني السحرة في العلم (بالنسبة إلى قدر موسى) عليه السلام (بمنزلة الحبال) بالحاء المهملة ، أي التلال المستطيلة من الرمل (من الجبال) بالجيم جمع جبل (الشامخة) العالية العظيمة .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :   ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة ) فهم لا يقبلون حكم العقل ولا حكم الكشف فهم ليسوا من الموقنين ولا من العاقلين بل هم بهائم في صورة الأناسي .

قال رضي الله عنه :  ( فألقى عصاه وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في ابائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان مبين أي حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قاليُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) روي أن فرعون آمن باللّه وصدق بموسى بقلبه فأراد إظهاره فشاور لوزيره فمنعه فانقلاب العصا إيماء إلى انقلاب كفر فرعون إيمانا وإعادتها سيرتها الأولى إشارة إلى أن فرعون عاد سيرته الأولى .

فانقلب إيمان فرعون كفرا كما انقلبت الحية عصا فكأنه قال له الوزير لا تخف خذه سينقلب إلى سيرته الأولى
وهو في مقابلة قوله تعالى لموسى سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى فكانت حقيقة السيئة باقية في فرعون وإنما الانقلاب في صورة السيئة
لذلك قال انقلبت ولم يقل محيت وفسر الانقلاب بقوله ( يعني في الحكم ) يريد أن حقيقة السيئة التي في فرعون تظهر في صورة الحسنة فتحكم عليها طاعة وحسنة
كما ظهرت بصورة السيئة فتحكم عليها سيئة لا أن عين السيئة يصبر حسنة أو تمحو حقيقة السيئة وتجيء بدلها حقيقة الحسنة
فبقي الكفر في فرعون إلى ما شاء اللّه فالتبديل لا يكون إلا في الصورة والمقصود بيان الأحكام الواردة بينهما في هذا المجلس لا إثبات إيمان فرعون مطلقا

قال رضي الله عنه :  ( فظهر الحكم هاهنا ) أي في ذلك المقام حال كونه ( عينا متميزة ) قوله ( في جوهر واحد ) يتعلق بقوله فظهر ( فهي ) أي تلك العين المتميزة ( العصا وهي الحية ) فالحية والعصا عينان متميزان يظهر كل منهما بحسب الوقت في الجوهر الواحد الذي لا يدركه الحس بل لا بد للعقل أن يحكم أن ثمة جوهرا واحدا لا يقبل القسمة لذاته ويقبل الصور والأحكام ( والثعبان الظاهر فالتقم ) الثعبان ( أمثاله من الحيات من ) جهة ( كونها حية ) و ( التقم العصا من ) جهة ( كونها عصا فظهرت ) أي غلبت ( حجة موسى عليه السلام على حجج فرعون ) .

قوله رضي الله عنه :  ( في صورة عصا وحيات وحبال ) يتعلق بقوله حجج ( فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى عليه السلام حبل والحبل التل الصغير أي مقاديرهم ) أي مقادير السحرة ( بالنسبة إلى قدر موسى عليه السلام بمنزلة الحبال من الحبال الشامخة)  فلما رأت السحرة ذلك من موسى عليه السلام.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)


قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.  فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .  فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا. فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.  والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)
   

في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)


قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى بالجواب بما يقبله المؤمن والعاقل خاصّة "فَأَلْقى عَصاه ُ " وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ،   "فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ " أي حيّة ظاهرة ، فانقلبت المعصية التي هي السيّئة طاعة أي حسنة ، كما قال : " يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " يعني في الحكم ، فظهر الحكم هنا عينا متميّزة في جوهر واحد ، فهي العصا وهي الحيّة والثعبان الظاهر فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصا من كونها عصيّا  ، فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال ، فكانت السحرة الحبال ، ولم يكن لموسى حبل ، والحبل : التلّ الصغير ، أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة ).

فلمّا كان فرعون صاحب الوقت وربّ السيف في الكلّ ، والربوبية ظهورها فيه أكثر ، لتحكَّمه فيهم جميعا ظاهرا فقال بلسان الحق - الذي أنطق كلّ شيء ، ونطق بألسنة كل ميت وحيّ ، في صورة هداية وغيّ ، إشارة إلى العين الظاهرة المتعيّنة بصورة فرعون وفيها ، وهو عين الحق في صورة من صور الباطل :" أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي ربوبيتى أعلى من ربوبيّتكم ، والعين - الظاهرة في صورتي بربوبية أعلى أعلى وأجلى ، وصدق في كون ربوبيّته أعلى من ربوبية غيره في ملئه كما أشار إلى هذا المقام الشيخ أبو مدين البجائيّ :
لا ينكر الباطل في طوره   .... فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منك بمقداره     .... حتّى توفي حقّ إثباته .
وقلنا في تتمّتها :
فالحق قد يظهر في صورة   .... ينكرها الجاهل في ذاته.


ثمّ اعلم يا أخي :  أنّ المحاجّة والمباحثة الواقعة بين فرعون وموسى ضرب مثل ضربها الحقّ في الشاهد لصور المحاجّة والمخاصمة الواقعة بين الروح العقلي الإنساني المويّد من الله وبين الهوى النفسي الطبيعي والأنانية التعينية الحجابية ،
فإنّ طاغوت الهوى وفرعون صنميّة الحجاب التعيّنيّة الصورية يدعو إلى الربوبية العرضية المقيّدة بمصر الطبيعة الشهوية ، والقوى الحيوانية الغضبيّة والقوى النفسانية الفكرية المنصبغة بأحكام الشهوة والغضب ، والشهوة تساعدها وتعاضدها ،

والروح العقلي الإلهي المؤيّد بنور الله ، يدعو إلى الله الواحد الأحد في عين ما تكثّر وتعدّد ، وقد علمت فيما سلف أنّ كلَّا منها صور ماذا ؟
فطابق بها بين الكلّ في جميع المحاجّات والمخاصمات الواقعة بين فرعون وموسى وبين العقل والهوى ، تعثر على حقائق عزيزة ، إن شاء الله تعالى .

والسحرة صور القوى النفسانية والروح النفسانيّ ، المنصبغة بحكم الهوى وقوّتي الشهوة والغضب ، المنحرفة إلى خصائص الروحين : الطبيعي والحيواني ، فإنّ قوى الروح النفساني إذا تكيّفت بكيفيات هاتين القوّتين وانصبغت بصبغة أحكامهما ، صاغت صور الباطل في صيغة الحق ، وأظهرت الشبه الكاذبة في صور الحجج الصدق ، فخيّلت وأوهمت بما لا حقيقة له ، وادّعت الحكم والربوبية للهوى كما قالت السحرة في أوّل الدعوى :" بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ " فانقادت للهوى وخضعت ، فأسرها الهوى ، واستعملها فيما يشاء ويهوى ، فقطع أيديهم - أي قواهم العلوية الروحية - وأرجلهم أي قواهم الساعية بموجب العقل والشرع في تعمير المملكة الهيكلية .

ثمّ الروح العقلي الإنساني إذا تأيّد بربّه وتجلَّى له الحق - بعد التحقّق بالحق المستوي على أحدية جمع شعب قلبه واستعمال أعضائه الثمانية بحكم الإيمان وشعبها النورانية ، طلبا للأجر والثواب القلبي الأحدي الجمعي ،

وسيّره بأهله مع ما أصحبه من فضله من مدين القلب إلى شاطئ الوادي الأيمن الروحي الإلهي والتجلَّي النوري الأحدي الجمعي في صورة التفرقة النارية بأنّه هو الواحد الأحد في كثرة لا تتناهى من العدد - أعطاه الله صورة الاستقامة على شهوده في صورة العصا الذي عصى به أوّلا فرعون الهوى ،

واتّبع سبيل الهدى بصورة الإيمان والاستقامة والتأييد الذي كان يتوكَّا عليها - أي يعتمد بالإيقان الذي كان يعتقد - ويهشّ بها على غنمه من القوى الإلهية التي بها  أيّده الله وهو عين ما عصى فرعون موسى آخرا حين دعاه إلى الاستقامة على عبادة الله والإقلاع عن الربوبية العرضية ، وهو دعوة الروح الإنساني العقلي للهوى النفسي إلى أن يكون تبعا للعقل المؤيّد من عند الله في عبادة الله ، فيكون هواه في الله وبالله ولله .


لا تقع الإجابة إلَّا عند غرق الهوى في بحار الكشف وأمواج التجلَّي ، فيظهر له سلطان أحدية العين بعين بطلان الربوبية العرضية الموجبة للفرق والبين ، كما آمن فرعون عند الغرق بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون ، فيقول لهوى الربوبية العرضية لسان أحدية العين عند شهود عين اليقين :  " آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ " أي الآن رجعت إلى الحق وأسلمت حين أشرفت على الهلاك وأسلمت ، فاليوم لا بدّ أن تغرق ببحر الربوبية العامّة الكلَّية ،
فيقول لسان حال الربوبية العرضية القائمة بصورة الهوى الطبيعي الذي فرعون مصر صورته وتمثاله - : أجل ، قضيت أجلي الذي أجّلت وأمهلت وما عجّلت ،
فلمّا انقضى الأجل وانتهى الأمل وانقطع العمل ، فإليك المصير ، وكان فيك وبك ولك وإليك المسير فاستغرقني ببحار رحمتك ، فقد آمنت وأسلمت ،
ونجّني من صور الحجاب التعيّني ، وآمنّي ، فقد استجرت واستسلمت فيقول بلسان الربوبية المستغرقة لربوبيات الأرباب ربّ العالمين :  " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "
فإذا غرّقت أنانيّتك في بحر إنّيتي ، فقد بلغت الغاية وانتهيت إلى النهاية ،
وقبل هذا عند اجتماع الروح العقلي مع فرعون الهوى ، لا بدّ أن يظهر الهوى بصورة الربوبية العرضية الأولى ويقهر من دونه وقبله من قبيله بدعوى  " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " ويكون حينئذ معه خطاب موسى الروح العقلي الإلهي ودعوته إلى الربوبية المطلقة المستغرقة لربوبية الأرباب التي تحت حيطة الاسم « الظاهر » الإلهي ، 

فيقول للهوى : إنّي إليك رسول ربّ العالمين ، فيدعوه إلى ربّ الأرباب ، والربوبية المحيطة المستغرقة لربوبيته العرضية في جملة العالمين ، فيقول فرعون الهوى :" وَما رَبُّ الْعالَمِينَ "؟
لا على طريقة السؤال الآبق "اللائق" عن تلك الحقيقة المطلقة اختيارا منه لغرض عرض له واختبارا لا جهلا واستحقارا ، بل اعتبارا واستبصارا ،
إذ السؤال عن الماهية إنّما يتأتّى ويجوز فيما يكون له ماهية متميّزة عن غيرها ، فيكون تحت جنس أو فصل ،
والحقيقة المطلقة الربوبية في العالمين تتعالى عن مثل هذا السؤال ، وتجلّ عن الضدّ والندّ والمثال ، فيقول الروح العقلي للهوى في جوابه :" رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " .
 مبيّنا تفصيل مظاهر حقيقة الربوبية المطلقة الكلَّية العامّة في العالمين ،
فيوهم فرعون الهوى آله من قوى الطبيعة والحيوانية أنّه لم يجب بما يطابق سؤاله ، إذ لم يجب بما يبيّن الماهية الإلهية الربانية ، بل بيّن المضاف إليه كما ذكرنا .

فيقول الهوى :" إِنَّ رَسُولَكُمُ " أي الروح العقلي الإلهي المرسل بالتجلَّي " الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ "  أي مستور عنه ربوبيّتي الظاهرة في الوقت ، فيدعو إلى غيري ولا إلى عيني .


فزاد موسى الروح العقلي الكشفي إرداعا له وإفحاما لا إحجابا وإبهاما  " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي ربّ ما ظهر وما بطن ، فإنّك ما تدعو إلَّا إلى ما تدّعي من الربوبية الظاهرة الجزئيّة العرضيّة في المملكة الهيكلية ، وأنا أدعوك إلى حقيقة الربوبية الحقيقيّة القائمة بما ظهر وما بطن " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أي تقيّدون الظاهر بحدوده الظاهرة أو تقيّدون الباطن بحدوده  الباطنة ، وأنّ ما أدعو إليه أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل فانظر ما ذا ترى ، فإنّه ربّ ما فوق السماوات العلى وما تحت الثرى .
فيقول له فرعون الهوى ما يقول وما يؤول أمره إلى ما يؤول .


وأما هارون فصورة الروح من حيث القوى الناطقة التي هي بمثابة الأخ للقوّة العاقلة وهي أكبر سنّا من القوّة العاقلة الإلهية الكشفية ، لأنّ النطق العرفي بحكم العادة  والعقل المعيشي يكون قبل النطق بموجب الحكمة الإلهيّة والعقل المؤيّد بنور الكشف والتجلَّي ، والقوّة العاقلة في النبوّة وإدراك الحقائق أكبر من القوّة الناطقة بالأصالة ، فإنّ النطق لا يكون إلَّا بالعقل ، ولكنّها أفصح منها لسانا ، لأنّها المترجمة عن القوّة العاقلة .

 
وأمّا هامان فنظير القوّة الشهوية للروح الطبيعي ، لها الوزارة عن الروح الحيواني الذي له الاستيلاء والغلبة ، فإنّ الغلب للغضب والروح الطبيعي بناء هذه البنية الهيكلية ، كما أشار إليه بقوله - تعالى - حكاية عن فرعون :" يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً "  أي أنشئ لي مزاجا خاصّا وهميا عاليا يعطي الاطَّلاع على ما يخبر عنه وينبئ الروح العقلي .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة) على ما ذكر من الجوابين المربين بقوله :  " إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " و " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " .
 

قال رضي الله عنه :  ( " فَأَلْقى عَصاه " وهو صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ) .
اعلم أن الشيخ قدس سره أومأ إلى أن الله تعالى بين صورة المحاجة التي جرت بين موسى عليه السلام وبين فرعون على طريقة ضرب الأمثال فضرب العصا مثلا للمطمئنة الموسوية المطاوعة للقلب المؤتلفة بنور القدس المؤيدة بتأييد الحق ،

ولهذا قال : وهي صورة ما عصى به فرعون في إبائه ، فالنفس حقيقة واحدة فلما أطاعت الهوى في فرعون واستولى عليه شيطان الوهم لغلبة الهوى كانت نفسا أمارة مستكبرة أبت الحق وأنكرته ،
ولما انقادت للحق وأطاعت القلب : أي النفس الناطقة ، وتنورت بنور الروح في موسى كانت عصا يعتمد عليها في أعمال البر والطاعات والأخلاق الفاضلة ، وحية تسعى في مقاصده ومطالبه بتركيب الحجج والدلائل وتحصيل المقاصد ، وثعبانا يلتقم ما زورته شجرة القوة المتخيلة والوهمية من فرعون وقومه من الشبهة كل ذلك لطاعتها موسى القلب والروح ، ومن أراد ترتيب القصة وتحقيق.

 
"" إضافة بالي زاده :
موسى فيقول فرعون في جوابه : موسى إنما فرقت : أي فلما فهم موسى ذلك الحكم والتسلط من فرعون أعطاه حقه في كونه يقول له : أي حال كون موسى قائلا لفرعون لا تقدر على ذلك التحكم يعنى أن قول موسى لفرعون لا تقدر على ذلك ، مجرد إعطاء لحق فرعون في مقابلة قوله لموسى : ومرتبتى الآن التحكم فيك يا موسى لا تكذيب له في قوله هذا . اهـ  بالى زاده ""

 
الحق في هذا المثل ونظائره فليطالعها في التأويلات التي كتبناها في القرآن .
فإن هذا الموضع ينبغي أن لا يزاد على ما أورده الشيخ قدس سره (: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ " أي حية ظاهرة ، فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة ) .

إشارة إلى أن النفس في سنخها وطبعها العصيان للقلب والروح ، لكن لما راضها عليه السلام بقمع هواها حتى صارت بإماتة قواها وقهر هواها الذي هو روحها كالنفس النباتية في الطاعة تشبهت بالعصا بعد كونها مركبا حرونا فإذا اطمأنت صارت معصيتها طاعة وسيئاتها حسنة فكل ما أمرها به موسى امتثلت وآلت إلى هيئة ما أراد منها .


قال رضي الله عنه :  ( كما قال الله تعالى : "يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " يعنى في الحكم ) أي سيئاتهم في حكم حسناتهم ، لأنها إن غضبت وقهرت أو حلمت وتلطفت كانت بأمر الحق ، فكل حركاتها وأفعالها وإن كانت في صورة الفساد كانت عين الصلاح

ألا ترى إلى قوله تعالى : " ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ الله "   و ( فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد ) أي تأصل حكم الله فيها وترسخ حتى صار الحكم لكمال طاعتها بالطبع فيها عينا فكما أمرت تمثلت وتجسدت بصورة الحكم فكل حكم عليها عين متميزة عن نظيرتها إلى صورة حكم آخر في جوهر واحد .


قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا ) في صورة الحكم ( وهي الحية ) في صورة حكم آخر ( والثعبان الظاهر ) كذلك ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصا من كونها عصا ) لأنها متأيدة بتأييد الحق متنورة بنور القدس ، فبأي شبهة تمسك فرعون وقومه أبطلها ببرهان نير من جنسها .


قال رضي الله عنه :  ( فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصا وحيات وحبال فكانت للسحرة حبالا ولم يكن لموسى حبل ، والحبل التل الصغير : أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة )
أي لعلم السحرة أن قوم فرعون يعلمون أن موسى ما دعا إلى فرعون بينوا ذلك ، لأن فرعون كان يدعى أنه رب العالمين .

 

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)


قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) صاحب الكشف واليقين . وهو الجواب الأول . ( والعاقل خاصة . ) وهو الجواب الثاني .

قال رضي الله عنه :  ( "فألقى عصاه" وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ، "فإذا هي ثعبان مبين" أي ، حية ظاهرة . ) لما كان ( عصا ) مأخوذا من ( العصيان ) وفرعون هو الذي عصى ربه وأبى، جعل العصا صورة ما تحقق به إباء فرعون وعصيانه عن إجابة الدعوة.
وليس ذلك إلا النفس الأمارة، فالعصا صورة النفس الأمارة . فإذا انقلبت حية ، صارت صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات .
لذلك قال : "هي عصاي أتوكأ عليها" أي ، استعين بها على مطالبي وسلوكي .

قال رضي الله عنه :  ( وأهش بها على غنمي ) أي ، على رعاياي وعلى ما هو تحت يدي من القوى البدنية .
قال رضي الله عنه :  ( ولى فيها مآرب أخرى ) أي ، مقاصد لا تحصل إلا بها من الكمالات المكتسبة ( فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة ، كما قال : "يبدل الله سيئاتهم حسنات " ) أي ، انقلاب العصا حيوانا ايماء إلى انقلاب المعصية طاعة حسنة فإن العصا من المعصية والمعصية إذا انقلبت صارت طاعة ، كما قال تعالى : " أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " ولما كان تبديل السيئة حسنة عبارة عن ترتب حكم الحسنة عليها ، إلا أن عينها تصير حسنة ،

قال رضي الله عنه  : ( يعنى في الحكم . ) كما جاء في الخبر من أن المحبوبين يعد قتلهم بالإحياء وإفسادهم بالإصلاح .


وعلى هذا ( فظهر الحكم هاهنا عينا متميزة في جوهر واحد . ) أي ، ظهر حكم العصيان المنقلب إلى الطاعة على صورة عين الثعبان ، وهي متميزة عن صورة أخرى ، وكلها تظهر في جوهر واحد لا تعدد فيه حقيقة .

 

قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا والحية والثعبان الظاهر ) أي ، فتلك العين هي العصا بحكم العصيان ، وهي الحية والثعبان بحكم الطاعة للرحمن .
( فالتقم ) الثعبان ( أمثاله من الحيات من كونها حية ، والعصى من كونها عصا . فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصى وحيات وحبال . ) .

لأن الحق أراد تصديق نبيه وتغليبه على فرعون ، فظهرت العين الظاهرة بالصورة العصائية على الصورة الثعبانية ، فالتقم أمثالها من الحيات من كونها حية والعصى من كونها عصى في الأصل .


قال رضي الله عنه :  ( فكانت للسحرة الحبال، ولم يكن لموسى حبل. و "الحبل" التل الصغير . أي، مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. )
أي ، حبال السحرة الظاهرة على صورة الحيات إشارة إلى صغر قدرهم بالنسبة إلى قدر موسى ، لأن ( الحبل ) في أصل اللغة التل الصغير . فنسبة مقاديرهم إلى قدر موسى عند الله كنسبة التلال الصغيرة إلى الجبال الشامخة .
.
يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:14 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السابعة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة والعشرون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة ،فَأَلْقى عَصاهُوهي صورة ما عصا به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوتهفَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ[ الشعراء : 32 ] أي : حيّة ظاهرة ، فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي : حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ[ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم ، فظهر الحكم هاهنا عينا متميّزة في جوهر واحد ؛ فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا ؛ فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال ، فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل ، والحبل التّلّ الصّغير أي : مقاديرهم بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة ).

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي : ولكون القول بإلهية غير أن اللّه لا يتأتى بطريق التأويل من صاحب العقل ، ولا من صاحب اليقين ، ولا يتجاوزهما فرعون وقومه ، بل هو من الجهّال المدعين بلسان الظاهر ، ( جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) القائل بظهور صورة وجود الحق لا صورة إلهيته التي توجب الوجود ، والعاقل القائل بالتنزيه المحض ، فأعمه دون [ . . . ] ؛ لئلا يدعي فرعون ذلك كاذبا كذبا صريحا .

ولما أظهر فرعون الإنصاف طلب المعجزة التي هي الشيء المبين من غير إنصاف في الواقع قال رضي الله عنه :  ( فَأَلْقى عَصاهُ) [ الشعراء : 32 ] ، وهي من حيث كونها آلة لضرب المستحق على المعصية ( صورة ما عصى به فرعون موسى ) ؛ ليدل على عدم إنصافه في التفاته عن ( إجابة دعوته ) إلى الإيمان باللّه ورسله ،" فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ" [ الشعراء:32].
وفي العيان حياة ليست في العصا مع أنها مفسرة بالحية المشعرة بالحياة ؛ فلذلك قال ( أي : حية ظاهرة ) ؛ ليشعر بأن في الانقلاب إلى إجابة موسى حياة من بعد الكفر والمعاصي ، وانقلابا لها إلى الطاعات، فكأنه لما انقلبت العصا حية، (فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة حسنة).
وإنما وصف المعصية بالسيئة ، والطاعة بالحسنة ؛ ليتأتى له الاستدلال بالآية المشار إليها في قوله ( كما قال تعالى ) في حق التائبين: ( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [ الفرقان : 70].


ثم أشار على أن قلب العصا حية ، والسيئات حسنات ليس بطريق قلب الحقائق ، فإنه محال ، بل قال رضي الله عنه :  ( يعني في الحكم ) ، فكأنما حقيقة العصا باقية مع صورة الحية ، ( فظهر الحكم ) أي : حكم العصا مع حكم الحية ( هنا ) ، أي : في صورة الانقلاب بحيث يكون كل واحد منهما ( عينا متميزة ) عن عين الأخرى ، إذ الأحكام تابعة للحقائق ، فاختلفت الحقائق ، وتميزت ( في جوهر واحد ) ، فهذه الأحكام التابعة لهذه الحقائق المختلفة في هذا الجوهر لا ثبات لها حتى تكون الإلهية بها ، فلا عبرة بالمراتب ولا بالصور ،
قد غوى الإلهية بالمرتبة أو الصورة ليست غير الإنصاف ، كيف والإلهية لا تكون إلا محض إلهية ، وهاهنا لا تمحض ، إذ غايته الانقلاب ، ولا تمحض معه في صورة انقلاب العصا حية مع انخلاع الصورة الأولى ، فكيف بدونها ؟ !


قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا ) من وجه ، ( وهي الحية ) من وجه ، وفيها اعتبار أن الحياة الحادثة كحياة من حيا باللّه بعد الحياة الحيوانية والثعبانية ، كما قال : ( والثعبان الظاهر ) بهذا الاعتبار يكون قائلا مفنيّا ، ( فالتقم أمثاله ) فيه إشارة إلى أن الجنسية سبب الضم ، والتأثير ( من الحيات من كونها حية ) ، والتقمت ( العصي من كونها عصي ) .

ولما كان الآكل ظاهرا باقيا ، والمأكول باطنا فانيا ، ( فظهرت ) أي : غلبت ( حجة موسى على حجج فرعون ) ، وإن كانت أكثر أفرادا وأنواعا ، والغلبة في النوع الموافق ظاهرة ، فجعلت الحبال حياة ؛ وذلك لأنه كانت حجج فرعون ( في صورة عصا ، وحيات ) انقلبت ، ( وحبال ) انقلبت حيات ، وهذا هو النوع الزائد من وجه ، ( فكانت للسحرة حبال ) ، وهي وإن كانت زائدة صورة ، إذ ( لم يكن لموسى حبل ) ، فهو دال على النقص فيهم ، والكمال في موسى إشارة ؛ وذلك لأن ( الحبل ) وإن أريد به الرسن قد جاء بمعنى ( التل الصغير ) ،
فهو إشارة إلى صغر مقدارهم ، وصغر مقدار التل إنما يعتبر بالنسبة إلى الجبال ، فهو بطريق الإشارة كما قال ، ( أي : مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى ) ، بمنزلة الحبال التي هي ( التّلال الصّغار إلى الجبال الشّامخة ).

 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) أولا بإطلاقه عموما ، ( والعاقل ) يتقيّده في مشارقه المظهرة ومغاربه المخفية ( خاصّة ) .


تأويل انقلاب العصي حيّة
ثمّ إنّ موسى إذ أعطى حقّ فرعون في أمر مقابلته له ومناظرته معه سكن عنها ( " فَأَلْقى عَصاه  ") وهو مما يستلزم إعطاء حقّه ، ولذلك أسند الإلقاء أيضا إلى موسى ، مع أنّ العصا هي صورة ما عليه فرعون ،
على ما أشار إليه قوله: (وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته)، وهي على سياق ما سبق من التأويل إشارة إلى النظر الذي بيد العقل ، يعتمد عليه في جملة أعماله عند تبيين أحكامه وتمييز أحواله ، ويتوكَّأ عليه عند التجلَّي

بجميل أفعاله وأقواله ، ويهشّ به أوراق شجرة الجمعيّة الكماليّة القلبيّة من البراهين الباهرة المقوّية على غنم غنائمه وأمواله ، ممّا يميل إليه ويغنم به عند المقابلة والمناظرة مع الموافقين والمخالفين ،

من الصور الاعتقاديّة والمحسّنات الإدراكيّة التي ترعي وتغتذي بتلك الحجج وبها يقوم أو على مراعي تلك المزارع ممن هو تحت حيطة رعية ورعايته من تلامذته وأصحابه من المستفيدين منه ، المستفيضين من مشرب كماله وله فيه " مَآرِبُ أُخْرى " عند بلوغه إلى رتبة كماله في الإنسان الكامل ،


ولذلك تراه إذا ألقى موسى إلقاء إظهار خصائصه الكمالية (" فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ") تنثعب منه وتنفجر عيون علم وكشف من : ثعبت الماء ، فانثعب : أي فجرت فانفجر فإنّ النظر من صاحب الكمال إذا ألقى وأظهر انفجر من عيون قوّته المفصّلة فنون علم وفيض (" مُبِينٌ ") .

ثم إنّك قد عرفت أنّ الحياة الحقيقيّة هي الحياة العلميّة الفائضة من معدن كماله أبدا ، من غير نقص انقراض وتوهّم انصرام ،


وإلى ذلك أشار في تفسيره الثعبان بقوله : ( أي حيّة ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيّئة ) وهي التي عليها من التنزيه الذي هو مقتضى نشأة صاحبه - يعني العقل – ( طاعة - أي حسنة - كما قال : " يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ "  يعني في الحكم ) ،

فإنّ الأعيان أنفسها لا تتبدّل ولكن تتقلب أحكامها عند العروج في مراقي كمالها ، كما فيما نحن فيه إذا نقلت العقل قلبا ( فظهر الحكم عينا متميّزة )
أي ظهور عين متميزة بحسب الاسم والأثر ( في جوهر واحد ) .
 

قال رضي الله عنه  : ( فهي العصا ) للعوام باعتبار الاعتماد عليها في الآراء المبيّنة للمبدإ والمعاد ( وهي الحيّة ) أيضا للخواصّ ، باعتبار فيضان ماء حياة العلم منها ( والثعبان الظاهر ) أيضا باعتبار انفجار عيون انبساطه وكماله على مزارع قلوب القابلين من أهل الطلب ، المحاطين تحت حيطته ( فالتقم أمثاله من الحيّات ، من كونها حيّة ، والعصيّ من كونها عصا).
والذي يدلّ على تطبيق هذا التأويل وإصابة سهامه مرامي قصد صاحب الكتاب قوله في تأويل الالتقام : ( فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصىّ وحيّات وحبال ) ،

وهي باعتبار جذب القلوب بها واقتناص خواطر أهل القرب والنيّة منها ( فكانت للسحرة الحبال ، ولم يكن لموسى حبل ) ، فإنّه العلم الذي هو مبدأ التخيّل والإيهام ، مما يشوّق ويجذب إلى العالم به ، ويوهم وينفّر عن غيره وليس لموسى من ذلك العلم شيء ، لعلوّ قدره عن أمثال تلك الحيل ،

ولذلك قال رضي الله عنه  : ( والحبل : التلّ الصغير ) ، وهو الممتدّ من الرمل المستطيل الذي به يهتدي الساري إلى بيته ، فلذلك استعير به للوصل ، ولكل ما يتوصّل به ، قوله تعالى : " اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله ".

 موسى والسحرة
قال رضي الله عنه  : (أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة)


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل. والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)


قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة . فَأَلْقى عَصاهُ وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ [ الشعراء : 32 ] أي حيّة ظاهرة . فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم . فظهر الحكم ههنا عينا متميّزة في جوهر واحد . فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا . فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال . فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل . والحبل التّلّ الصّغير أي مقاديرهم )


قال رضي الله عنه :  (ولهذا ) ، أي لتفاوت مرتبتي العقل والكشف ( جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) المشاهد لإطلاقه ( والعاقل ) القابل بتقييده ( خاصة فألقى موسى عصاه وهي صورة ما عصى به ) ، أي ملكه كفر وعناد عصى بها ( فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان ) ، تثعب منه وتنفجر منه عيون علم وكشف من ثعب الماء فانثعب ، أي فجرته فانفجر

قال رضي الله عنه :  ( مبين ) ، ولما كانت الحيات الحقيقية هي الحيات العالمية فسر الثعبان المبين بقوله : ( أي حية ظاهرة فانقلبت ) العصا ثعبانا كما تنقلب
( المعصية التي هي السيئة طاعة ، أي حسنة كما قال تعالى :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يعني في الحكم ) فإن الأعيان أنفسها لا تتبدل ولن تنقلب أحكامها ( فظهر الحكم هنا ) ، أي في مادة انقلاب العصا ثعبانا ( عينا متميزة ) ، أي ظهور عين متميزة الأحكام ( في جوهر واحد فهي العصا ) حيث كان يتوكأ عليها ( وهي الحية ) من حيث أنها يحس منها الحث والحركة

 
قال رضي الله عنه :  ( والثعبان الظاهر ) باعتبار التقامها أمثالها من الحيات والعصي ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها ) ، أي من حيث كونها ( حية والعصا من كونها عصا فظهر حجة موسى على حجج فرعون ) الظاهرة ( في صورة عصيّ وحيات وحبال فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل والحبل التل الصغير ) وهو الممتد من الرمل المستطيل الذي به يهتدي الساري إلى بيته


قال رضي الله عنه :  ( بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة . )
( أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى عند اللّه بمنزلة الحبال ) ، أي التلال الصغيرة ( من الجبال الشامخة . )

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:15 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثامنة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثامنة والعشرون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم. )
 
قال  رضي الله عنه :  ( فلمّا رأت السّحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الّذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التّخيّل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون : أي الرّبّ الّذي يدعو إليه موسى وهارون ، لعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون .  ولمّا كان فرعون في منصب التّحكّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسّيف - وإن جار في العرف النّاموسي - لذلك قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىأي وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظّاهر من التّحكّم فيكم .)
 
قال  رضي الله عنه :  (فلما رأت السحرة ذلك) ، أي عظم ما جاء به موسى عليه السلام من الحق المبين (علموا) ، أي السحرة (رتبة موسى) عليه السلام (في العلم) باللّه تعالى (وأن الذي رأوه) من عصا موسى عليه السلام وما تلقفه من حبالهم وعصيهم (ليس من مقدور) ، أي من الأمر الذي تقدر عليه قوّة (البشر و) إن (كان) ذلك (من مقدور) بعض (البشر فلا يكون إلا ممن له تمييز) ، أي رفعة وشرف (في العلم) الإلهي (المحقق) ، أي الكاشف عن حقيقة الأمر البعيد (عن التخيل والإيهام) ، أي التمويه والزخرفة الباطلة .
 
قال  رضي الله عنه :  ("فآمنوا") ، أي السحرة عند ذلك كما قالوا (برب العالمين رب موسى وهارون أي الرب الذي يدعو إليه )، أي إلى عبادته وطاعته دون غيره من الأرباب الباطلة (موسى وهارون) عليهما السلام (لعلمهم) ، أي السحرة (بأن القوم) ، أي قوم فرعون الحاضرين (يعلمون أنه) ، أي موسى عليه السلام (ما دعا) ، أي طلب الطاعة والانقياد (لفرعون) وإنما كان يدعو إلى اللّه رب العالمين .
 
قال  رضي الله عنه :  (ولما كان فرعون في منصب التحكم الظاهر صاحب ذلك الوقت وأنه الخليفة) عن الحق تعالى في الأرض (بالسيف وإن جار) ، أي ظلم وتعدى (في العرف) ، أي الاصطلاح (الناموسي) ، أي الشرعي الذي يعرفه موسى عليه السلام ومن تبعه ، لا في عرفه هو ، فإن اللّه تعالى يستخلف في الظاهر المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ، ويجعله بحيث ينفذ أمره ونهيه طوعا وكرها في كل ما يريد ،
 
كما قال تعالى عن قوم صالح عليه السلام وهم ثمود :وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ[ الأعراف : 74 ] وهو كثير في القرآن لذلك ، أي لأجل ما ذكر قال : ، أي فرعون لقومه لما جمعهم كما قال تعالى :فَحَشَرَ فَنادى ( 23 ) فَقالَأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى( 24 ) [ النازعات : 24 ] .
 
وإن كان الكل من بني آدم أربابا لما تحت أيديهم من الأملاك بنسبة مّا ، فلهم التحكم في أملاكهم فأنا الأعلى منهم ، أي من الأرباب كلهم بما ، أي بسبب الأمر الذي أعطيته بالبناء للمفعول أي اقتضاه مقامي ومنزلتي في الظاهر من التحكم فيكم بحيث ينفذ أمري ونهيي .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم. )
 
فلما رأت السحرة ذلك ) من موسى عليه السلام ( علموا رتبة موسى عليه السلام في العلم وأن الذين رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق ) بفتح القاف الأولى .
 
قوله رضي الله عنه  : ( عن التخيل والإيهام ) متعلق بقوله تميز ( فآمنوا ) بسبب علمهم هذا ( برب العالمين رَبِّ مُوسى وَهارُونَ  أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون عليهما السلام لعلمهم ) أي لعلم السحرة ( بأن القوم يعلمون أنه ما دعي ) موسى عليه السلام الخلق ( لفرعون ) أي إلى فرعون بل دعي إلى رب العالمين .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما كان فرعون في منصب التحكم ) قوله ( صاحب الوقت ) خبر كان ( وأنه ) أي وأن فرعون ( الخليفة بالسيف وإن جار ) أي ظلم قوله ( في العرف الناموسي ) يتعلق بقوله الخليفة أي يطلق الخلافة بالسيف على الأمير الظالم في الشرع كما قال رسول اللّه عليه السلام : « أطيعوا أمراءكم وإن جاروا »  أي ظلموا . ورد بلفظ « أطيعوا أمراءكم مهما كانوا » ، ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وابن عساكر في كتابه تهذيب تاريخ دمشق وذكره أيضا المتقي الهندي في كتابه كنز العمال .
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لذلك ) يتعلق بقوله ( قال ) وهو جواب لما (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم ) ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله  من قوله :"أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى"
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  . )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام. فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون. ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  . )
 
 في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الذي رأوه ليس من مقدور البشر ، وإن كان من مقدور البشر ، فلا يكون إلَّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التخييل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون . أي الربّ الذي يدعو إليه موسى وهارون - بعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون ، فلمّا كان فرعون في منصب التحكَّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسيف  وإن جار في العرف الناموسي - لذلك قال الشيخ رضي الله عنه : :"أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى ". أي وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم . )
 
فلمّا كان فرعون صاحب الوقت وربّ السيف في الكلّ ، والربوبية ظهورها فيه أكثر ، لتحكَّمه فيهم جميعا ظاهرا فقال بلسان الحق - الذي أنطق كلّ شيء ، ونطق بألسنة كل ميت وحيّ ، في صورة هداية وغيّ ، إشارة إلى العين الظاهرة المتعيّنة بصورة فرعون وفيها ، وهو عين الحق في صورة من صور الباطل :" أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي ربوبيتى أعلى من ربوبيّتكم ، والعين - الظاهرة في صورتي بربوبية أعلى أعلى وأجلى ، وصدق في كون ربوبيّته أعلى من ربوبية غيره في ملئه كما أشار إلى هذا المقام الشيخ أبو مدين البجائيّ :
لا ينكر الباطل في طوره   .... فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منك بمقداره     .... حتّى توفي حقّ إثباته .
وقلنا في تتمّتها :
فالحق قد يظهر في صورة   .... ينكرها الجاهل في ذاته.
 
ثمّ اعلم يا أخي :  أنّ المحاجّة والمباحثة الواقعة بين فرعون وموسى ضرب مثل ضربها الحقّ في الشاهد لصور المحاجّة والمخاصمة الواقعة بين الروح العقلي الإنساني المويّد من الله وبين الهوى النفسي الطبيعي والأنانية التعينية الحجابية ،
فإنّ طاغوت الهوى وفرعون صنميّة الحجاب التعيّنيّة الصورية يدعو إلى الربوبية العرضية المقيّدة بمصر الطبيعة الشهوية ، والقوى الحيوانية الغضبيّة والقوى النفسانية الفكرية المنصبغة بأحكام الشهوة والغضب ، والشهوة تساعدها وتعاضدها ،
 
والروح العقلي الإلهي المؤيّد بنور الله ، يدعو إلى الله الواحد الأحد في عين ما تكثّر وتعدّد ، وقد علمت فيما سلف أنّ كلَّا منها صور ماذا ؟
فطابق بها بين الكلّ في جميع المحاجّات والمخاصمات الواقعة بين فرعون وموسى وبين العقل والهوى ، تعثر على حقائق عزيزة ، إن شاء الله تعالى .
 
والسحرة صور القوى النفسانية والروح النفسانيّ ، المنصبغة بحكم الهوى وقوّتي الشهوة والغضب ، المنحرفة إلى خصائص الروحين : الطبيعي والحيواني ، فإنّ قوى الروح النفساني إذا تكيّفت بكيفيات هاتين القوّتين وانصبغت بصبغة أحكامهما ، صاغت صور الباطل في صيغة الحق ، وأظهرت الشبه الكاذبة في صور الحجج الصدق ، فخيّلت وأوهمت بما لا حقيقة له ، وادّعت الحكم والربوبية للهوى كما قالت السحرة في أوّل الدعوى :" بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ " فانقادت للهوى وخضعت ، فأسرها الهوى ، واستعملها فيما يشاء ويهوى ، فقطع أيديهم - أي قواهم العلوية الروحية - وأرجلهم أي قواهم الساعية بموجب العقل والشرع في تعمير المملكة الهيكلية .
 
ثمّ الروح العقلي الإنساني إذا تأيّد بربّه وتجلَّى له الحق - بعد التحقّق بالحق المستوي على أحدية جمع شعب قلبه واستعمال أعضائه الثمانية بحكم الإيمان وشعبها النورانية ، طلبا للأجر والثواب القلبي الأحدي الجمعي ،
وسيّره بأهله مع ما أصحبه من فضله من مدين القلب إلى شاطئ الوادي الأيمن الروحي الإلهي والتجلَّي النوري الأحدي الجمعي في صورة التفرقة النارية بأنّه هو الواحد الأحد في كثرة لا تتناهى من العدد - أعطاه الله صورة الاستقامة على شهوده في صورة العصا الذي عصى به أوّلا فرعون الهوى ،
واتّبع سبيل الهدى بصورة الإيمان والاستقامة والتأييد الذي كان يتوكَّا عليها - أي يعتمد بالإيقان الذي كان يعتقد - ويهشّ بها على غنمه من القوى الإلهية التي بها  أيّده الله وهو عين ما عصى فرعون موسى آخرا حين دعاه إلى الاستقامة على عبادة الله والإقلاع عن الربوبية العرضية ، وهو دعوة الروح الإنساني العقلي للهوى النفسي إلى أن يكون تبعا للعقل المؤيّد من عند الله في عبادة الله ، فيكون هواه في الله وبالله ولله .
 
لا تقع الإجابة إلَّا عند غرق الهوى في بحار الكشف وأمواج التجلَّي ، فيظهر له سلطان أحدية العين بعين بطلان الربوبية العرضية الموجبة للفرق والبين ، كما آمن فرعون عند الغرق بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون ، فيقول لهوى الربوبية العرضية لسان أحدية العين عند شهود عين اليقين :  " آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ " أي الآن رجعت إلى الحق وأسلمت حين أشرفت على الهلاك وأسلمت ، فاليوم لا بدّ أن تغرق ببحر الربوبية العامّة الكلَّية ،
فيقول لسان حال الربوبية العرضية القائمة بصورة الهوى الطبيعي الذي فرعون مصر صورته وتمثاله - : أجل ، قضيت أجلي الذي أجّلت وأمهلت وما عجّلت ،
فلمّا انقضى الأجل وانتهى الأمل وانقطع العمل ، فإليك المصير ، وكان فيك وبك ولك وإليك المسير فاستغرقني ببحار رحمتك ، فقد آمنت وأسلمت ،
ونجّني من صور الحجاب التعيّني ، وآمنّي ، فقد استجرت واستسلمت فيقول بلسان الربوبية المستغرقة لربوبيات الأرباب ربّ العالمين :  " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "
فإذا غرّقت أنانيّتك في بحر إنّيتي ، فقد بلغت الغاية وانتهيت إلى النهاية ،
وقبل هذا عند اجتماع الروح العقلي مع فرعون الهوى ، لا بدّ أن يظهر الهوى بصورة الربوبية العرضية الأولى ويقهر من دونه وقبله من قبيله بدعوى  " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " ويكون حينئذ معه خطاب موسى الروح العقلي الإلهي ودعوته إلى الربوبية المطلقة المستغرقة لربوبية الأرباب التي تحت حيطة الاسم « الظاهر » الإلهي ، فيقول للهوى : إنّي إليك رسول ربّ العالمين ، فيدعوه إلى ربّ الأرباب ، والربوبية المحيطة المستغرقة لربوبيته العرضية في جملة العالمين ، فيقول فرعون الهوى :" وَما رَبُّ الْعالَمِينَ "؟
لا على طريقة السؤال الآبق "اللائق" عن تلك الحقيقة المطلقة اختيارا منه لغرض عرض له واختبارا لا جهلا واستحقارا ، بل اعتبارا واستبصارا ،
إذ السؤال عن الماهية إنّما يتأتّى ويجوز فيما يكون له ماهية متميّزة عن غيرها ، فيكون تحت جنس أو فصل ،
والحقيقة المطلقة الربوبية في العالمين تتعالى عن مثل هذا السؤال ، وتجلّ عن الضدّ والندّ والمثال ، فيقول الروح العقلي للهوى في جوابه :" رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " .
 مبيّنا تفصيل مظاهر حقيقة الربوبية المطلقة الكلَّية العامّة في العالمين ،
فيوهم فرعون الهوى آله من قوى الطبيعة والحيوانية أنّه لم يجب بما يطابق سؤاله ، إذ لم يجب بما يبيّن الماهية الإلهية الربانية ، بل بيّن المضاف إليه كما ذكرنا .
فيقول الهوى :" إِنَّ رَسُولَكُمُ " أي الروح العقلي الإلهي المرسل بالتجلَّي " الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ "  أي مستور عنه ربوبيّتي الظاهرة في الوقت ، فيدعو إلى غيري ولا إلى عيني .
 
فزاد موسى الروح العقلي الكشفي إرداعا له وإفحاما لا إحجابا وإبهاما  " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي ربّ ما ظهر وما بطن ، فإنّك ما تدعو إلَّا إلى ما تدّعي من الربوبية الظاهرة الجزئيّة العرضيّة في المملكة الهيكلية ، وأنا أدعوك إلى حقيقة الربوبية الحقيقيّة القائمة بما ظهر وما بطن " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أي تقيّدون الظاهر بحدوده الظاهرة أو تقيّدون الباطن بحدوده  الباطنة ، وأنّ ما أدعو إليه أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل فانظر ما ذا ترى ، فإنّه ربّ ما فوق السماوات العلى وما تحت الثرى .
فيقول له فرعون الهوى ما يقول وما يؤول أمره إلى ما يؤول .
 
وأما هارون فصورة الروح من حيث القوى الناطقة التي هي بمثابة الأخ للقوّة العاقلة وهي أكبر سنّا من القوّة العاقلة الإلهية الكشفية ، لأنّ النطق العرفي بحكم العادة  والعقل المعيشي يكون قبل النطق بموجب الحكمة الإلهيّة والعقل المؤيّد بنور الكشف والتجلَّي ، والقوّة العاقلة في النبوّة وإدراك الحقائق أكبر من القوّة الناطقة بالأصالة ، فإنّ النطق لا يكون إلَّا بالعقل ، ولكنّها أفصح منها لسانا ، لأنّها المترجمة عن القوّة العاقلة .
 
وأمّا هامان فنظير القوّة الشهوية للروح الطبيعي ، لها الوزارة عن الروح الحيواني الذي له الاستيلاء والغلبة ، فإنّ الغلب للغضب والروح الطبيعي بناء هذه البنية الهيكلية ، كما أشار إليه بقوله - تعالى - حكاية عن فرعون :" يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً "  أي أنشئ لي مزاجا خاصّا وهميا عاليا يعطي الاطَّلاع على ما يخبر عنه وينبئ الروح العقلي .
 
ثم لمّا تبيّنت لقوى النفسانية المنصبغة بحكم الهوى والشهوة والغضب ، المظهرة للباطل والكمالات الوهمية في صورة الحق التي صوّرها السحرة  أنّ الروح العقلي الإلهي قد تأيّد وأنّه هو الحق الظاهر بالحق الباطن فآمنوا وأقلعوا عن عادة الهوى ، واتّبعوا الهدى واجتنبوا في اتّباع القوى الحيوانية والطبيعية الردى ، فاستسلموا لأمر الله ، وانقادوا لحكمه ، فقطعت أيدي تصرّفاتهم وأرجل مساعيهم إلى طلباتهم التي كانت مطلقة بأمر فرعون الهوى ، فكان الله إذ ذاك عن أيديهم وأرجلهم وألسنتهم ، فنطقوا بالحقّ : إنّا آمنّا بربّنا ربّ الروح الإلهي المؤيّد بالتجلَّي ، ليغفر لنا خطايانا التي تخطَّينا إليها في طاعة الهوى وما أكرهتنا عليه من السحر ، وهو ستر الحق في صورة الباطل ، والظهور بالباطل في صورة الحق ، والله خير وأبقى ، فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  )


قال رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وإن الذي رأوه ليس من مقدور البشر ، وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلا ممن له تمييز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام - فآمنوا   " بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وهارُونَ " أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون ) .
 
أي لعلم السحرة أن قوم فرعون يعلمون أن موسى ما دعا إلى فرعون بينوا ذلك ، لأن فرعون كان يدعى أنه رب العالمين .
"" إضافة بالي زاده :
فهم لا يقبلون حكم العقل ولا الكشف فهم ليسوا من الموقنين والعاقلين بل هم بهائم في صورة الأناسى . اهـ  بالى زاده ""
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت ، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى "   )
الرب اسم إضافى يقتضي مربوبا ، وهو يجيء في اللغة بمعنى المالك يقال : رب الدار ورب الثوب ورب الغنم ، وبمعنى السيد ،
يقال :  رب المدينة و رب القوم و رب العبيد ،
وبمعنى المربي يقال : رب الصبى ورب الطفل ورب المتعلم ، ولا يطلق بدون الإضافة إلا على رب العالمين فالرب المطلق بلام التعريف هو الله وحده فله الربوبية على الحقيقة بالمعاني الثلاثة ولغيره عرضية لأنه مجلى ومظهر لها فهي صفة لعين واحدة ظاهرة بصور كثيرة ، فكل من ظهر له ربوبية عرضية بحسب ما أعطاه من التصرف والتحكم في ملكه وعبيده ومرباه ، وتختلف المظاهر في تجلى صفة الربوبية وتتفاضل ، فمن كان أكثر تصرفا وتحكما بالنسبة إلى غيره كانت ربوبيته أعلى ، ولما كان فرعون صاحب السلطنة في وقته متحكما في قومه بحسب إرادته ادعى أنه ربهم الأعلى ( أي وإن كان الكل أربابا ) بنسبة ما وإضافة لمن يربه .
"" إضافة بالي زاده :
في العرف الناموسي يتعلق بقوله الخليفة : أي يطلق الخلافة بالسيف على الأمير الظالم في الشرع لقوله عليه الصلاة والسلام « أطيعوا أمراءكم وإن جاروا » . اهـ  بالى زاده ""
 
قال رضي الله عنه :  ( فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم)
أي وإن كان الرب الأعلى مطلقا هو عين الحق فإنه تعالى بأحديته الذاتية والأسمائية ظاهر في كل صورة بقدر قابليتها فله أحدية جميع الربوبية الأسمائية في الكل بالحقيقة بجميع المعاني الثلاثة ، لكن الصورة القابلة لما قبلها من المعاني صورة فرعون .
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  . )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك ، علموا رتبة موسى في العلم ، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر ، وإن كان مقدورا لبشر ، فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام ، فآمنوا برب العالمين ، رب موسى وهارون . أي ، الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون ، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون . ) .
 
أي ، لأن السحرة علموا أن موسى ما يدعو الخلق إلى فرعون ، بل إلى الحق المطلق . ف‍
( اللام ) في قوله : ( لفرعون ) بمعنى ( إلى ) .
 
قال رضي الله عنه :  ( ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف) أي ، خليفة الدولة الظاهرية .
( وإن جار في العرف الناموسي ، لذلك قال : "أنا ربكم الأعلى" أي ، وإن كان الكل أربابا بنسبة ما ، فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم . ) .
( جار ) من ( الجور ) . وهو إشارة إلى ما قال رسول الله ،
 
صلى الله عليه وسلم : ( أطيعوا أميركم وإن جار ) أي، وإن ظلم  ولذلك قال : ( في العرف الناموسي). وقوله : ( في العرف ) متعلق بمحذوف. تقديره : كما ثبت في العرف الناموسي .
 
و ( قال ) جواب ( لما ) : أي ، لما كان في منصب التحكم وخليفة في الظاهر بالسيف ، قال : " أنا ربكم الأعلى " واعلم ، أن الرب المطلق ، بمعنى المالك والمصلح والسيد وغيرها من المعاني التي يطلق ( الرب ) عليها ، هو الله تعالى وحده ، لا اشتراك فيه لأحد . والرب المضاف يطلق على الحق تعالى ،
كقوله : (الحمد لله رب العالمين) ويطلق لغيره أيضا، كقولهم : رب الدار ورب الغلام و رب القوم . وهذا الإطلاق أيضا هو للحق ، لأنه هو الذي يرب عباده في صور مظاهره ومجاليه . فلكل من العباد نوع من الربوبية .
 
وأعلى أنواعه في صور التفاصيل للخليفة على العالم كله ، ثم للخليفة في الباطن وحده ، ثم للخليفة في الظاهر وحده .
لذلك قال : ( أنا ربكم الأعلى ) فأضاف إليهم وجعل لنفسه ما هو أعلى منهم ، لتحكمه عليهم بالسيف ، وإن كان لكل منهم نصيبا من الربوبية .
وقد مر في المقدمات تنبيه في هذا المعنى ، فليطلب هناك تحقيقه.
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:16 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثامنة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثامنة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثامنة والعشرون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلمّا رأت السّحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الّذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التّخيّل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون ،  أي : الرّبّ الّذي يدعو إليه موسى وهارون ، لعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون ، ولمّا كان فرعون في منصب التّحكّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسّيف ، وإن جار في العرف النّاموسي لذلك قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] ، أي : وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظّاهر من التّحكّم فيكم ).
 
قال رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك ) أي : نقصهم في كمالهم ، وكمال موسى في نقصه ، إذ رأوا علو شأن حجج موسى في قلتها أفرادا وأنواعا ، ولا يعلو شأن الحجج إلا من علو شأن المحتج بها في العلم الذي أتى به منه ( علموا رتبة موسى في العلم ) ، وأنه انتهي من اتصاله بربه بحيث لا يصل إليه طوق الساحر ، ومن هنا علموا ( أن الذي رأوه ) من التقام عصاه عصيهم وحبالهم ( ليس من مقدور البشر ، وإن كان من مقدور البشر ) ، كما تقول
الفلاسفة :
" إن المعجزات آثار النفوس القدسية " ؛ ( فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام ) ، فإن غاية علم الساحر إن يعلم كيفية إخفائها حتى يتخيل الرأي ويتوهم أنها فنيت لا حقيقة الإفناء ، وإنما يكون لمن تحقق بعلم إفاضة الصور تكوينا وإفسادا ، وذلك إنما يكون للمتوسط بين اللّه وبين خلقه وهو الرسول ، فعلموا حقيقة رسالته ، وقبلوا دعوته ( فآمنوا برب العالمين ) .
ولما كان يتوهم أن المراد به فرعون ، أزالوه بقولهم :( رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) [ الشعراء : 48 ] ليس المراد الاسم الخاص بتربيتهما ؛ فلذا فسره بقوله : ( أي : الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون ) ، وحينئذ يرتفع عندهم اللبس عن القوم بأنه ليس المراد به فرعون ، وإن جوز متوهم أن يقصدوا ذلك بناء على أنهم ربما ظنوا أن دعوة موسى إنما كانت لإلهية فرعون ؛
 
قال رضي الله عنه :  ( لعلمهم ) أي : السحرة ( بأن القوم يعلمون أنه ) ، أي : موسى وكذا هارون ( ما دعا لفرعون ) أي : بالإفراد بربوبيته للعالمين ، وإن كان له التحكم التام والسيف العام كما قال ، ( ولما كان فرعون في منصب التحكم ) جواب الشروط قوله :فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] ؛ وذلك لظنه أن الربوبية بهذا التحكم ، فإن صحّ فإنما يكون لمن كان تحكمه من الأزل إلى الأبد بالاستقلال ظاهرا وباطنا بلا احتياج إلى السيف ، وهو في هذا التحكم إنما كان ( صاحب الوقت ) الحاضر لا قبل ما وفي ولا بعد الموت ،
 
قال رضي الله عنه :  ( وإنه الخليفة ) ، بلا استقلال مع أن تحكمه إنما يكون ( بالسيف ) لا بأمر " كن "، فغايته أنه خليفة عن اللّه ، وإن جاز لجوازان يجوز الخليفة ، وإن كان المستخلف عدلا مع أنه إنما ( جار في العرف الناموسي ) ، أي : ظاهر الشرع ، وفي الباطن أفاد المظلوم بحسناته أو احتمال سيئاته ؛ ( لذلك ) أي : لظنه الربوبية بالتحكم كيف ما كان ، ( قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [ النازعات : 24 ] ، فجعل بعض الأرباب أعلى لعلوه في هذا التحكم ، وبعضهم أدنى لدنوه فيه ؛
 
ولذلك فسر كلامه بقوله : ( أي : وإن كان الكل أربابا ) ؛ لأن كل منهم وجها من التحكم ( بنسبة ما ) ، وأقله تحكم نفوسهم في تدبير أبدانها ، ( فأنا الأعلى منهم ) ؛ لعلو تحكمي وإن لم يكن من مقتضى ذاتي ، بل ( بما أعطيته في الظاهر ) ، وإن كان تصرف نفوسهم المتحكمة في الباطن ، بل أقدر على إزالة ذلك بالقتل .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  )  
 
فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى ) وعلوّ قدره ( في العلم ، وأنّ الذي رأوه ليس من مقدور البشر ) من حيث أنّه بشر ، ( وإن كان من مقدور البشر ) مطلقا ( فلا يكون إلَّا ممن له تميّز في العلم المحقّق عن التخيّل والإيهام ) اللذين بهما تنجذب القلوب من عوام الناس ، ( فآمنوا " بِرَبِّ الْعالَمِينَ " ) ،
 
وهذا القول عند القوم فيه إجمال ، لادّعاء فرعون أنّه ذلك ، فينبّه بقوله : ( " رَبِّ مُوسى وَهارُونَ" أي الرب الذي يدعوا إليه موسى وهارون )  .
إفصاحا بالمقصود ، وإزالة للإجمال بحسب أفهام القوم ( لعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون ، ولما كان فرعون في منصب التحكَّم ) على مسند الخلافة والظهور بها في ذلك.
( صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسيف ) الذي عليه مبنى أمر الظهور ، وبحكمه يتمّ القطع والفصل عند تأمير الوقت أحدا من أبنائه ، فهو آية سلطانه على غيره وقهرمانه على الكلّ
، فصاحب السيف هو صاحب الوقت ، كما قيل " الوقت سيف " .
 
قال رضي الله عنه  : ( وإن جار في العرف الناموسي ) ومقتضى شريعته ، كما ورد من الخاتم صلَّى الله عليه وسلَّم : « أطيعوا أميركم ولو جار » . ""لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف""
 ""أضاف الجامع :
حديث مسلم : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: «لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة»، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» ) رواه البخاري و مسلم و أحمد بالمسند و ابن حبان و النسائي ومسند البزار و البيهقي والشريعة للآجري وغيرهم. ""
 
فرعون والسحرة
قال رضي الله عنه  : ( ولذلك ) السلطنة وكونه صاحب الوقت ( قال : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما ) وإضافة إلى ما يتعلَّق به تعلَّق
 
تصرّف وتربية - كما يقال : « ربّ العبد ، وربّ البيت » ( فأنا الأعلى بما أعطيته في الظاهر من التحكَّم فيكم ) بالسيف ، والإحاطة عليكم بالغلبة .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.  )
 
قال رضي الله عنه : ( فلمّا رأت السّحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم ، وأنّ الّذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلّا ممّن له تميز في العلم المحقّق عن التّخيّل والإيهام ، فآمنوا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون : أي الرّبّ الّذي يدعو إليه موسى وهارون ، لعلمهم بأنّ القوم يعلمون أنّه ما دعا لفرعون . ولمّا كان فرعون في منصب التّحكّم صاحب الوقت ، وأنّه الخليفة بالسّيف وإن جار في العرف النّاموسي لذلك قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أي وإن كان الكلّ أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظّاهر من التّحكّم فيكم . )


قال رضي الله عنه : ( فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى ) وعلو قدره ( في العلم وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر وإن كان من مقدور البشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام فآمنوا برب العالمين ) .
وهذا القول عند القوم كان مجملا لا دعاء فرعون أنه ذلك فبينوه بقولهم (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) 122 ) [ الأعراف : 122 ] ، أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ) ،
أي موسى مع أخيه هارون : ( ما دعا لفرعون ) ، أي إلى فرعون فلا إجمال فيه ( ولما كان فرعون في منصب التّحكم صاحب الوقت وأنه ) ، أي صاحب الوقت هو ( الخليفة بالسيف ) ، أي خليفة الدولة الظاهرة ( وإن جاز في العرف الناموسي ) ، أي وإن كان جائزا بموجب الحكم الشرعي
( لذلك ) ، أي لكونه خليفة بالسيف ( قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، أي وإن كان الكل أربابا بنسبة مّا فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم . )
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:16 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة التاسعة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة والعشرون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».   والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )

قال رضي الله عنه :  ( ولمّا علمت السّحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقرّوا له بذلك فقالوا له :فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا[ طه : 72 ] فالدّولة لك .  فصحّ قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] وإن كان عين الحقّ فالصّورة لفرعون ، فقطّع الأيدي والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلّا بذلك الفعل .  فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأنّ الأعيان الثّابتة اقتضتها ؛ فلا تظهر في الوجود إلّا بصورة ما هي عليه في الثّبوت إذ لا تبديل لكلمات اللّه . وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث . ولذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه :ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ( 2 ) [ الأنبياء : 2 ] وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ( 5 ) [ الشعراء :5].  والرّحمن لا يأتي إلّا بالرّحمة . ومن أعرض عن الرّحمة استقبل العذاب الّذي هو عدم الرّحمة.)


قال رضي الله عنه :  (ولما علمت السحرة) بعد إيمانهم (صدقه) ، أي فرعون (فيما قال لهم) كما حكاه تعالى :" قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى"( 71 ) [ طه : 71].

قال رضي الله عنه :  (لم ينكروه )، أي قوله (وأقروا له بذلك) ، بنفوذ تحكمه في الحياة الدنيا (فقالوا له) ،قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا( 72 ) [ طه : 72 ] .

 
وفي معنى الآية تقديم وتأخير وتقديره كما قال : ("فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ"[ طه : 72 ] فالدولة) ، أي السلطنة والمنصب (لك فصح قوله) ، أي فرعون حينئذ ("أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ") أنا نافذ الأمر في جميع أحوالكم وإن كان ، أي فرعون لما قال ذلك (عين الحق) تعالى من حيث الوجود الظاهر بالفعل .


قال رضي الله عنه :  (فالصورة) الظاهرة (لفرعون) فنفذ أمره (فقطع الأيدي والأرجل) من السحرة (وصلب) لهم كما توعدهم بذلك (بعين حق) ظاهر (في صورة باطل) وهو فرعون لنيل ، أي حصول (مراتب) ، أي مزايا ومقامات في الآخرة للسحرة (لا تنال) تلك المراتب (إلا بذلك) الفعل الذي فعله فرعون بالسحرة من القطع والصلب .


قال رضي الله عنه :  (فإن الأسباب) التي جعلها اللّه تعالى بحيث يترتب عليها المسببات (لا سبيل إلى تعطيلها) أصلا ، كما قتل اليهود أنبياءهم وقطع رأس يحيى ونشر زكريا عليهم السلام ، فهي أسباب لمسببات شريفة عظيمة جعلها اللّه تعالى وسائل إليها (لأن الأعيان الثابتة) في العلم الإلهي المعدومة بالعدم الأصلي (اقتضتها) ، أي تلك الأسباب فهي مرتبة معها كذلك (فلا تظهر) ، أي تلك الأعيان الثابتة (في ) هذا (الوجود إلا بصورة ما هي عليه في حال الثبوت) العلمي مطابقة لذلك إذ لا تبديل  لكمات اللّه تعالى كما قال سبحانه :لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ[ يونس : 64 ] .

 
قال رضي الله عنه :  (وليست كلمات اللّه) تعالى (سوى أعيان الموجودات) المحسوسة والمعقولة والموهومة (فينسب) بالبناء للمفعول (إليها) ، أي إلى الأعيان الموجودات (القدم) فيصح أن يقال أنها قديمة (من حيث ثبوتها) بالعدم الأصلي في حضرة العلم الإلهي القديم (وينسب) أيضا (إليها) ، أي إلى الأعيان الموجودات (الحدوث) فيصح أن يقال إنها حادث (من حيث وجودها) المرئي لها (وظهورها به كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو) حدث (ضيف زائر) ، أي حدثت له صفة العندية والضيفية لا حدث هو في نفسه (ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث الذي وقع الإخبار عنه.


قال رضي الله عنه :  (ولذلك) ، أي لأجل ما ذكر (قال تعالى في حق كلامه العزيز ، أي في إتيانه) بإنزاله على النبي صلى اللّه عليه وسلم (مع قدم كلامه) تعالى ، أي كونه قديما وليس بحادث (ما يَأْتِيهِمْ)، أي الكافرين (مِنْ ذَكَرٍ)، أي قرآن (مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) إتيانه عندهم مع قدمه (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) بآذانهم (وَهُمْ يَلْعَبُونَ)[ الأنبياء : 2 ] بقلوبهم وعقولهم في أحوال دنياهم ويلعبون به بأن يترنموا بكلماته ويطربوا بها من غير تدبر للمعاني ولا عمل بها .

وقال تعالى أيضا : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ)[ الشعراء : 5 ] ،

إتيانه أيضا مع قدمه (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) لاشتغالهم بدنياهم أو بتحسين كلماته وتجويد ألفاظه من غير التفات إلى تدبر معانيه والعمل به (والرحمن سبحانه لا يأتي إلا بالرحمة) لأن العالم كله ما ظهر إلا بها وهي التي وسعت كل شيء ومن أعرض عن الرحمة كما قال إلا كانوا عنه معرضين (استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة) ، لأنه نقمة .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )


قال رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله ) من قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ( لم ينكروا وأقرّوا بذلك فقالوا : إنما تقتضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض فالدولة لك فصح قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) بمعنى صاحب الدولة ولما اتجه أن يقال كيف يصح أن يقال قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ورب الأعلى ليس إلا هو على الحق أجاب بقوله .


قال رضي الله عنه :  ( وإن كان ) الرب الأعلى ( عين الحق فالصورة ) التي ظهرت الربوبية عنها ( لفرعون ) فصح قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى بحسب الصورة الفرعونية ( فقطع ) فرعون ( الأيدي ) مفعول قطع ( وإلا رجل وصلب بغير حق ) فإن السلطنة في الحقيقة لها لا له ( في صورة باطل ) وهي الصورة الفرعونية وإنما وقع القطع والصلب من فرعون ( لنيل ) كل من السحرة وفرعون ( مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل ) أما فرعون فإنه لا يصل إلى مقصوده في الدنيا وهو إظهار التحكم والسلطنة إلا بالقتل والصلب وكذلك لا يصل في الآخرة إلى مقصوده وهو جزاء القتل والصلب إلا به وهو من نيل المراتب وأما السحرة فإنهم لا ينالون درجة الشهادة في الآخرة إلا بالقتل في يد فرعون .


قال رضي الله عنه :  ( فإن الأسباب ) سواء كانت أسبابا للباطل أو للحق ( لا سبيل إلى تعطيلها فإن الأعيان الثابتة ) في علم اللّه التي هي صور العالم ( اقتضتها ) لتنال إلى مقاصدها فعلم اللّه منها وقضى عليها وقدّرها .

قال رضي الله عنه :  ( فلا تظهر الأعيان في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات اللّه تعالى ) هذا باعتبار الكثرة وإما باعتبار الوحدة فمعنى قوله فقطع أي قطع الحق الأيدي والأرجل وصلب بغير حق أي باقتضاء العين الثابتة في صورة باطلة أي في صورة خلقية فانية ، إذ كل زائل باطل عندهم وهو مقابل للحق الثابت الباقي وهو عين الثابتة فالحق يفعل القطع بمقتضى العين الثابتة بيد الفاعلة في صورة فرعون وبيد القابلة في صورة السحرة لنيل الحق مراتب الوجود التي لا تنال إلا بذلك الفعل


قال رضي الله عنه :  ( وليست كلمات اللّه تعالى سوى أعيان إليها القدم من حيث ثبوتها ) ويقال من هذا الوجه أنه حق ثابت دائم باق ( وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث ولذلك ) أي ولأجل أن ما له وجود وحدوث له ثبوت وقدم

 
قال رضي الله عنه :  ( قال تعالى في كلامه العزيز أي في إثباته مع قدم كلامه ما يأتيهم من ذكر ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون وما يأتيهم من ذكر الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين والرحمن لا يأتي إلا بالرحمة ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ) .
ولما فرغ عن ذكر الحكم الإلهية التي كانت في الآيات الواردة في حق موسى عليه السلام وفرعون رجع إلى إتمام الكلام في حق فرعون .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )


قال رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل. فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها. كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث. لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة. ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )

وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90] ثم تمادي في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )


قال رضي الله عنه :  ( ولمّا علمت السحرة صدقه في مقاله ، لم ينكروه وأقرّوا له بذلك فقالوا له :" إِنَّما تَقْضِي هذِه ِ الْحَياةَ الدُّنْيا " ،   " فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ" فالدولة لك فصحّ قوله : « أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى » وإن كان عين الحق ، فالصورة لفرعون ، فقطع الأيدي والأرجل ، وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلَّا بذلك الفعل ، فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها).


فيقول فرعون الهوى :" وَما رَبُّ الْعالَمِينَ "؟
لا على طريقة السؤال الآبق "اللائق" عن تلك الحقيقة المطلقة اختيارا منه لغرض عرض له واختبارا لا جهلا واستحقارا ، بل اعتبارا واستبصارا ،
إذ السؤال عن الماهية إنّما يتأتّى ويجوز فيما يكون له ماهية متميّزة عن غيرها ، فيكون تحت جنس أو فصل ،
والحقيقة المطلقة الربوبية في العالمين تتعالى عن مثل هذا السؤال ، وتجلّ عن الضدّ والندّ والمثال ، فيقول الروح العقلي للهوى في جوابه :" رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " .
 مبيّنا تفصيل مظاهر حقيقة الربوبية المطلقة الكلَّية العامّة في العالمين ،
فيوهم فرعون الهوى آله من قوى الطبيعة والحيوانية أنّه لم يجب بما يطابق سؤاله ، إذ لم يجب بما يبيّن الماهية الإلهية الربانية ، بل بيّن المضاف إليه كما ذكرنا .
فيقول الهوى :" إِنَّ رَسُولَكُمُ " أي الروح العقلي الإلهي المرسل بالتجلَّي " الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ "  أي مستور عنه ربوبيّتي الظاهرة في الوقت ، فيدعو إلى غيري ولا إلى عيني .


فزاد موسى الروح العقلي الكشفي إرداعا له وإفحاما لا إحجابا وإبهاما  " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي ربّ ما ظهر وما بطن ، فإنّك ما تدعو إلَّا إلى ما تدّعي من الربوبية الظاهرة الجزئيّة العرضيّة في المملكة الهيكلية ، وأنا أدعوك إلى حقيقة الربوبية الحقيقيّة القائمة بما ظهر وما بطن " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أي تقيّدون الظاهر بحدوده الظاهرة أو تقيّدون الباطن بحدوده  الباطنة ، وأنّ ما أدعو إليه أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل فانظر ما ذا ترى ، فإنّه ربّ ما فوق السماوات العلى وما تحت الثرى .
فيقول له فرعون الهوى ما يقول وما يؤول أمره إلى ما يؤول .

وأما هارون فصورة الروح من حيث القوى الناطقة التي هي بمثابة الأخ للقوّة العاقلة وهي أكبر سنّا من القوّة العاقلة الإلهية الكشفية ، لأنّ النطق العرفي بحكم العادة  والعقل المعيشي يكون قبل النطق بموجب الحكمة الإلهيّة والعقل المؤيّد بنور الكشف والتجلَّي ، والقوّة العاقلة في النبوّة وإدراك الحقائق أكبر من القوّة الناطقة بالأصالة ، فإنّ النطق لا يكون إلَّا بالعقل ، ولكنّها أفصح منها لسانا ، لأنّها المترجمة عن القوّة العاقلة .

 
وأمّا هامان فنظير القوّة الشهوية للروح الطبيعي ، لها الوزارة عن الروح الحيواني الذي له الاستيلاء والغلبة ، فإنّ الغلب للغضب والروح الطبيعي بناء هذه البنية الهيكلية ، كما أشار إليه بقوله - تعالى - حكاية عن فرعون :" يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً "  أي أنشئ لي مزاجا خاصّا وهميا عاليا يعطي الاطَّلاع على ما يخبر عنه وينبئ الروح العقلي .

ثم لمّا تبيّنت لقوى النفسانية المنصبغة بحكم الهوى والشهوة والغضب ، المظهرة للباطل والكمالات الوهمية في صورة الحق التي صوّرها السحرة  أنّ الروح العقلي الإلهي قد تأيّد وأنّه هو الحق الظاهر بالحق الباطن فآمنوا وأقلعوا عن عادة الهوى ، واتّبعوا الهدى واجتنبوا في اتّباع القوى الحيوانية والطبيعية الردى ، فاستسلموا لأمر الله ، وانقادوا لحكمه ، فقطعت أيدي تصرّفاتهم وأرجل مساعيهم إلى طلباتهم التي كانت مطلقة بأمر فرعون الهوى ، فكان الله إذ ذاك عن أيديهم وأرجلهم وألسنتهم ، فنطقوا بالحقّ : إنّا آمنّا بربّنا ربّ الروح الإلهي المؤيّد بالتجلَّي ، ليغفر لنا خطايانا التي تخطَّينا إليها في طاعة الهوى وما أكرهتنا عليه من السحر ، وهو ستر الحق في صورة الباطل ، والظهور بالباطل في صورة الحق ، والله خير وأبقى ، فافهم .

 
قال رضي الله عنه  : (، لأنّ الأعيان الثابتة اقتضتها ، فلا تظهر في الوجود إلَّا بصورة ما كان عليه في الثبوت ، إذ لا تبديل لكلمات الله ، وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها التقدّم من حيث ثبوتها ، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها  ) .
"" أضاف المحقق :  "كلمة التقدم والصحيح القدم"  ""
يعني وجودها النسبيّ من حيث التعيّن ، فإنّ متعلَّق الحدوث الظهور والتعيّن لا غير .

قال رضي الله عنه  : ( كما تقول : حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث ، لذلك قال الله - تعالى - في كلامه العزيز ، أي في إتيانه مع قدم كلامه :  " ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوه ُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ " ، " وَما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْه ُ مُعْرِضِينَ " والرحمة  "يعني القرآن" لا يأتي إلَّا بالرحمة ، ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة )


يعني رضي الله عنه  : أنّ المخاطب في قوله :" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ " إن كان روحه ونفسه ، فمقتضى الآية أنّه بروحه منجّى .
وإن كان المخاطب مجموع الصورة والروح ، فكذلك ليتناول الخطاب المجموع ، وعلى التقديرين وعد من الله وإخبار منه بأنّه ينجّيه ، ووعد الله حق ، وإخباره صدق ، فقد عمّته النجاة جسما وروحا .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.

ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )


قال رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه فيما قال لم ينكروه وأقروا له بذلك فقالوا : " فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِه الْحَياةَ الدُّنْيا "  فالدولة لك فصح قوله : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون ) .

 
أي وإن كان الرب الأعلى مطلقا هو عين الحق فإنه تعالى بأحديته الذاتية والأسمائية ظاهر في كل صورة بقدر قابليتها فله أحدية جميع الربوبية الأسمائية في الكل بالحقيقة بجميع المعاني الثلاثة ، لكن الصورة القابلة لما قبلها من المعاني صورة فرعون


( فقطع الأيدي والأرجل فصلب بعين حق في صورة باطل ) فإن الله تعالى بالمشيئة الذاتية تجلى بها في صورة الأعيان شاء ذلك « ما شاء الله » كان فالوجود بما يجرى فيه تبع لإرادته وهو الفاعل لما يحدث فيه فكما قال بلسان الذي أنطق به كل حي وميت وجماد في صورة الهداية والغي " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " .

فكذلك فعل ما فعل بيد الحق في صورة باطل بالنسبة إلى تجليه باسمه الهادي والعدل والكامل في العرف الناموسي : أي الشرع ، فإن التمييز بين الحق والباطل والحسن والقبح إنما هو في الأحكام الإلهية الشرعية التي يظهر بها كمال الوجود ، وأما سائر المراتب فلكل مرتبة حكم مختص بها كما علل فعله الشنيع الباطل القبيح
بقوله رضي الله عنه  : ( لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل ) مثل المهابة والسلطنة وإلقاء الرعب في قلوب الناس ليسخروا وينقادوا لحكمه

"" إضافة بالي زاده :
لنيل كل من السحرة وفرعون مراتب لا تنال إلا بذلك ، أما فرعون فلأن السلطنة لا بد منها ، والمجازاة في الآخرة ، وأما السحرة فإنهم لا ينالون درجة الشهادة إلا بها . اهـ  بالى زاده ""


قال رضي الله عنه :  ( فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما عليه في الثبوت إذ " لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله " وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات فينسب إليه القدم من حيث ثبوتها ، وينسب إليها الحدوث من وجودها وظهورها ، كما تقول : حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف ، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث ، ولذلك قال الله تعالى في كلامه العزيز في إتيانه مع قدم كلامه " ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوه وهُمْ يَلْعَبُونَ"  و " ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْه مُعْرِضِينَ"، والرحمن لا يأتي إلا بالرحمة ، ومن أعرض عن الرحمن استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ). المعنى واضح

 

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله ، لم ينكروه وأقروا له بذلك ، فقالوا له: " إنما تقضى هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض " فالدولة لك . فصح قوله: "أنا ربكم الأعلى". ) أي ، من حيث الربوبية الإضافية الحاصلة في المظاهر .
( وإن كان عين الحق ، فالصورة لفرعون . ) جواب عن سؤال مقدر .
تقديره : أنك جعلت الحق عين الأعيان في الكتاب كله ، فصح إطلاق الربوبية المطلقة عليه لأنه عينه . فأجاب بأنه وإن كان عينه عين الحق من حيث الأحدية ، كن الصورة الفرعونية تعينه وتجعله متميزا عنه باعتبار ، فلا يصح ذلك الإطلاق .


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق ) وهو الهوية الإلهية الظاهرة بكل شئ وفي كل شئ . ( في صورة باطل ) وهي الصورة الفرعونية الفانية .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل . فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها ) يجوز أن يكون تعليلا لقوله : ( فاقض ما أنت قاض ) . أي ، قالوا ذلك لعلمهم بأن تعذيبه إياهم موجب لنيل المراتب الكمالية التي لا تنال إلا بذلك التعذيب .
فإن درجة الشهادة لا تنال إلا بالقتل ظلما ، لأن الأسباب وسائط للوصول إلى المسببات .
ويجوز أن يكون تعليلا لقطع وصلب .
فمعناه : قطع ليظهر تحكمه وسلطنته عليهم ، فينقادوا لحكمه في الدنيا ويصل إلى مقتضى عينه ونتائج طبعه ونشأته العنصرية في الآخرة من العذاب بالنار وغيرها . ويجوز أن يكون تعليلا لهما . ( لأن الأعيان الثابتة اقتضتها ، ) أي ، اقتضت الأسباب والوسائط .

 
قال رضي الله عنه :  ( فلا تظهر ) الأعيان في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت ، إذ " لا تبديل لكلمات الله " . وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها ، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها ، كما تقول : حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث . لذلك قال تعالى في كلامه العزيز ، أي في إتيانه مع قدم كلامه : "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون " ، "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين " و "الرحمن" لا يأتي إلا بالرحمة ، ومن أعرض عن الرحمة ، استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة . ) المعنى ظاهر .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:17 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة التاسعة والعشرون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة التاسعة والعشرون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة التاسعة والعشرون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )  
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا علمت السّحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقرّوا له بذلك ؛ فقالوا له : فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا [ طه : 72 ] فالدّولة لك ، فصحّ قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] ، وإن كان عين الحقّ فالصّورة لفرعون ، فقطّع الأيدي والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلّا بذلك الفعل ؛ فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأنّ الأعيان الثّابتة اقتضتها ؛ فلا تظهر في الوجود إلّا بصورة ما هي عليه في الثّبوت إذ لا تبديل لكلمات اللّه ، وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث ، ولذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي : في إتيانه مع قدم كلامه :ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [ الأنبياء : 2 ] وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [ الشعراء : 5 ] ، والرّحمن لا يأتي إلّا بالرّحمة . ومن أعرض عن الرّحمة استقبل العذاب الّذي هو عدم الرّحمة ) .
 
"" أضاف المحقق :
لما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنتها الآيات الواردة في شأن موسى وفرعون أراد أن يبين أن مثل هذا الإيمان أي : إيمان فرعون وغيره من آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ، ويرى العذاب الآخر وبأسها نافعا في الآخرة وإن يكن نافعا في الدنيا .( شرح الجامي ).""
 
ثم أشار إلى غاية أثر هذه الربوبية فيما اعتبر رتبة السحرة عند تهديده إياهم لإيمانهم باللّه دون ربوبية فرعون ، فقال : ( ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله ) من التهديد بقوله :فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [ طه : 71 ] .
 
قال رضي الله عنه :  ( لم ينكروه ) لصدوره عن هذا التحكم ، ( وأقروا له بذلك ) التحكم وإن كان يظن به أنه الرب الأعلى ، فكأنهم صدقوه في أنه الرب الأعلى ، لو كانت الربوبية بهذا التحكم كما يصدق من قال له لو كان الإنسان حجر كان جمادا ، فإن المتصلة تصدق عند صدق الملازمة مع كذب الطرفين ، لكنهم ما صرحوا بهذا التصديق ، بل صرحوا بتصديق تهديده مع الإشارة إلى رد هذه الدعوى ، ( فقالوا له ) : إنما تقضي بهذا التحكم هذه الحياة الدنيا ، الحقيقة باقية من الأزل إلى الأبد ،( فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [ طه : 72 ]  .
 
وإن كانت الربوبية بالحقيقة لغيرك ، ( فالدولة لك ) اليوم في الظاهر بحيث لا يعارضك الرب الحقيقي ولا نفوسنا ، وإذا لم يعارض فعله عن هذا التحكم بشيء ، ( فصح ) عنده ( قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ،) إذ العلو في الربوبية عنده التأثير بها بلا معارض مع عموم السيف ، لا باعتبار ظهور الرب كما تعتقده جهّال الصوفية ، ولا ربوبية هذا الظهور مع أنه لا يعتقد ربّا آخر فضلا عن ظهوره ، وإن كان الظاهر فيه ( عين الحق ) إلا أنه بالظهور صار صورة حادثة بمرآة عينه الثابتة ، ولا صورة للحق في ذاته .
 
قال رضي الله عنه :  ( فالصورة لفرعون ) كما أنه لا لون للشمس مع أنها تتلون وراء الزجاجات المتلونة
والألوان للزجاجات ، لكن لا فعل لصورة بالمرآة بدون صاحبها ، فاجتمع في فعله جهتان ، ( فقطع الأيدي والأرجل ، وصلب ) في جذوع النخل ( بعين حق في صورة باطل ) ، حتى استحق الفاعل القهر والمفعول به درجة الشهادة ، كما قال ( لنيل ) السحرة ( مراتب ) في الآخرة ( لا تنال إلا بذلك الفعل ) الذي هو سبب نيلها ، ( فإن الأسباب ) وإن لم يحتج لها الحق ، ولم يفعل بها ( لا سبيل إلى تعطيلها ) لجريان سننه ألا نفعل المسببات إلا عند تحقق أسبابها ؛
 
قال رضي الله عنه :  ( لأن ) فعل الحق على وفق مقتضى ( أعيانها الثابتة ) بحسب سننه المستمرة ، وأعيان المسببات ( اقتضتها ) ، أي : الأسباب ، ( فلا تظهر ) أعيان الأسباب والمسببات ( في الوجود ) الخارجي ( إلا بصورة ما هي عليه ) من السببية والمسببية ( في ) حال ( الثبوت ) العلمي ، وإلا تبدلت كلمات اللّه وهو باطل ،
 
قال رضي الله عنه :  ( إذ لا تبديل لكلمات اللّه ) بالنص ؛ وذلك لأنه ( ليست كلمات اللّه ) عبارة عن الألفاظ المتقطعة المترتبة ، بل هي حقائق الألفاظ الشاملة حقائق الموجودات ، فليست ( سوى أعيان الموجودات ) ، لكن كل ما يكون وجوده عين ثبوته فهو الكلام الأزلي ، وإلا فهو العلم فقط ( فينسب إليه القدم ) الزماني ( من حيث ثبوته ) في العلم الأزلي الذي لا يكون محلا للحوادث ، ومن هنا يقال بقدم الكلام الأزلي من حيث وجوده ؛ لأن وجوده عين ثبوته .
 
قال رضي الله عنه :  ( وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها ) "و في نسخة : من حيث وجودها وظهورها " .
المغاير للوجود الخارجي والذهني للكلام الأزلي ، ويجوز أن يحدث للشيء وجود باعتبار مع تقدم وجوده في نفسه عليه ، فحدوث الظهور مع تقدم الوجود أولى ، وإن كان الظهور لبعض الأشياء عين وجوده في الخارج ،
 
قال رضي الله عنه :  ( كما يقال : حدوث اليوم عندنا إنسان ) ، ولما احتمل فيه الحدوث بالتولد في اليوم بما لا احتمال له فيه ، فقال : ( أو ضيف ) ، فإن طفل اليوم الأول من ولادته لا يسمي ضيفا ، ( ولا يلزم من حدوثه ) ، أي : حدوث وجوده عند القائل ( أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث ) ، فكيف يلزم ذلك قبل الظهور ؛
 
قال رضي الله عنه :  ( ولذلك ) أي : ولتحقق الحدوث في الكلام الأزلي باعتبار الظهور مع تقدم وجوده العيني ، ( قال تعالى في ) شأن ( كلامه العزيز ) باعتبار قيامه بذات اللّه تعالى الموجب لقدمه ما يدل على حدوثه باعتبار وظهوره ، ( أي : في إتيانه ) بصورة لفظية ، أو خطية ، أو ذهنية إلى خلقه (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) عندهم مع قدمه في نفسه ( إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) [ الأنبياء : 2 ] .
 
وقال أيضا :( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ ) [ الشعراء : 5 ] ، مع عدم كلامه المانع من الانتقال منه إليهم ، لكن لا منع للظهور الذي هو الإتيان إلى حدوث الظهور بعد ما لم يكن ظهوره عنه ( إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ) ،
 
وفيه إشارة إلى أن ( الرحمن لا يأتي ) في هذا الذكر ( إلا بالرحمة ) لمن أقبل إليه بالإيمان ، ومن أعرض عنه ، فقد أعرض عن الرحمة ، ( ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ) ، فمقتضى هذا النص أن فرعون لما استقبل الرحمة بالإيمان أتته الرحمة من الرحمن بالنجاة كما أتت السحرة ، فصاروا في أعلى مراتب الشهداء .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )  
 
قال رضي الله عنه  : ( ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقرّوا له بذلك ) وأذعنوا أمره ( فقالوا له : " إِنَّما تَقْضِي هذِه ِ الْحَياةَ الدُّنْيا " ) والصورة الظاهرة المبتنية أمرها على الغلبة بالسيف ،
 ( " فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ " ) فيه وحاكم عليه من الصورة الجسمانيّة ، ( فالدولة ) التي عليها مدار أمر الصورة ( لك ) .
 
قال رضي الله عنه  : ( فصحّ قوله ) لهم : ( " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى "  وإن كان ) الربّ الذي هو أعلى الأرباب على الإطلاق لا يكون إلا ( عين الحقّ فالصورة ) المتعيّنة به ذلك ( لفرعون فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل ) فإنّ من جملة ما تعيّنت به ذلك العين وتصوّرت هو الباطل.
 
كما قال شيخ الشيخ المؤلف أبو مدين :
لا تنكر الباطل في طوره .... فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منه بمقداره ... .... حتى توفّي حقّ إثباته
فالحقّ قد يظهر في صورة .... ينكرها الجاهل في ذاته
ومما يؤيّد ما تلونا عليك في تأويل فرعون من مبدأ أمر تربيته لموسى إلى منتهى مقام مقابلته له واستكماله منه تخصيص قهره مع عموم قدرته على الكلّ بأعوانه وأصحابه ،
من قطع آلات القوّة والسير ، وتفريقهم عن مستقرّهم الأصلي وما هم عليه بحسب نشأتهم النظريّة بتعليقهم على صليب الإفناء عن تعيّناتهم وآثارهم الخاصّة بهم - فلا تغفل .
 
ترتيب الأمور بالأسباب ، ولا سبيل إلى تعطيلها
ثمّ إنّه إذا بيّن أن لمبدإ هذا الفعل جهتي حقّ وباطل من حيثيّتي عين وجوديّة وصورة كونيّة ، ولا بدّ أن يكون لسائر ما يتفرّع عنه أثر من تينك الجهتين أشار إلى جهة حقيّة القطع المذكور لوضوح الأخرى منهما بقوله : ( لنيل مراتب لا تنال إلَّا بذلك الفعل ) من طرف فرعون في تحقيق سياسته وقوّة سلطانه ، ومن طرف السحرة وآله في وصولهم إلى درجات الشهادة والشهود التي لا يمكن لهم الوصول إليها إلا به ،
 
قال رضي الله عنه  : ( فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها ، لأنّ الأعيان الثابتة اقتضتها ) بحسب النظام العلمي والربط الأسمائي ، والسلسلة الكماليّة التي في الحضرات الجلائيّة وهو المعبّر عنها في صناعة الحكمة بالعناية الأزليّة .
 
قال رضي الله عنه  : ( فلا يظهر ) الأعيان بهيئاتها الجمعيّة الارتباطيّة ( في الوجود إلَّا بصورة ما هي عليه في الثبوت ، إذ " لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله "، وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها ) في الحضرة العلميّة الجلائيّة ،
 
قال رضي الله عنه  : ( وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها ) في العوالم الاستجلائية ( وظهورها ) فيها ، ( كما تقول : « حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف » . ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث لذلك قال تعالى في كلامه العزيز - أي في إتيانه ) أي في إثبات الحدوث لإتيان الكلام ، كما في المثال
 
قال رضي الله عنه  : ( مع قدم كلامه : " ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوه ُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ " )  أي محدث عندهم إتيانه ،
وكذلك في قوله : (" ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْه ُ مُعْرِضِينَ ").
 
قال رضي الله عنه  : (والرحمن لا يأتي إلَّا بالرحمة ) التي هي الحياة والعلم ( ومن أعرض عن الرحمة ) العلميّة التي بها يتفطَّن بمثل هذه الدقائق ( استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ) .
 
إيمان فرعون ونجاته
ثمّ إنّ من تلك الدقائق ما أثبت لفرعون من نيل المراتب العلميّة الكماليّة التي أشار إليها ، وهي التي لم يتفطن لها أكثر أهل الظاهر ، مع دلالة الآيات عليها :
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».  والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.   )
 
قال رضي الله عنه :  ( ولمّا علمت السّحرة صدقه فيما قاله لم ينكروه وأقرّوا له بذلك فقالوا له : فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا [ طه : 72 ] فالدّولة لك . فصحّ قوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] وإن كان عين الحقّ فالصّورة لفرعون ، فقطّع الأيدي )


قال رضي الله عنه :  ( ولما علمت السحرة صدقه في ما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك ، فقالوا له : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) المبني أمرها على الغلبة بالسيف ( فاقض ما أنت قاض ) فيه وحاكم عليه في هذه النشأة الجسمانية ( فالدولة ) التي هي الخلافة الصورية ( لك فصح قوله لهم :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فإنه وإن كان عين الحق فالصورة) التي تعينت العين بها. ( لفرعون فقطع الأيدي).


قال رضي الله عنه :  ( والأرجل وصلب بعين حقّ في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلّا بذلك الفعل .  فإنّ الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأنّ الأعيان الثّابتة اقتضتها ؛ فلا تظهر في الوجود إلّا بصورة ما هي عليه في الثّبوت إذ لا تبديل لكلمات اللّه . وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات ، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها كما تقول حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنّه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث . ولذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه :ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ  [ الأنبياء : 2 ] وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ  [ الشعراء : 5 ] . والرّحمن لا يأتي إلّا بالرّحمة. ومن أعرض عن الرّحمة استقبل العذاب الّذي هو عدم الرّحمة .)
 
قال رضي الله عنه :  ( والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل ) فإن من جملة ما تعينت به عين الحق صورة الباطل .
قال الشيخ أبو مؤيد الدين قدس اللّه سره : لا تذكر الباطل في طوره فإنه بعض ظهوراته ( وذلك ) القطع والصلب إنما هو ( لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل ) أما من طرف فرعون ليظهر بحكمه وسلطنته لينقاد لها الآخرون وأما من طرف السحرة ليصلوا إلى الدرجات العالية والمراتب الكمالية وإنما لا تنال تلك المراتب إلا بالفعل ( فإن ) ذلك الفعل من قبيل الأسباب لها وأن ( الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة ) المرتبط بعضها ببعض بالسببية والمسببية في الثبوت العلمي ( اقتضتها فلا تظهر في الوجود ) العيني ( إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت ) العلمي فكل مسبب يكون مرتبطا بسبب في الثبوت العلمي لا يتحقق في الوجود العيني إلا به ( إذ لا تبديل لكلمات اللّه ، وليست كلمات اللّه سوى أعيان الموجودات فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها ) ، في الحضرة العلمية ( وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها ) في المراتب الوجودية ( وظهورها فيها كما تقول : حدث اليوم عندنا إنسان زائر أو ضيف ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في ) شأن ( إتيانه مع قدم كلامه ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) ، أي محدث إتيانه به .
 
وكذلك قوله تعالى : ( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [ الشعراء : 5 ] ، والرحمن سبحانه لا يأتي إلا بالرحمة ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة ) ثم إنه لما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنتها الآيات الواردة في شأن موسى وفرعون أراد أن يبين أن مثل هذا الإيمان أي إيمان فرعون وغيره
من آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ويرى العذاب الآخر وبأسها نافع في الآخرة وإن يكن نافعا في الدنيا فقال :
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:17 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة والثلاثون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر :85 ]. إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلّا قوم يونس .  فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه . هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة . وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به . فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] .  لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب . فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو . فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى . )
 
قال رضي الله عنه :  (وأما) الإيمان في وقت اليأس والشدة واليأس من الحياة المشار إليه بمقتضى (قوله) تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ)، أي الكافرين بحيث ينقذهم من العذاب لما رَأَوْا بَأْسَنا، أي شدتنا عليهم بنزول العذاب فيهم (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي)، أي عادته تعالى (قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ ) [غافر : 85 ] .
 
المتقدمين كان إيمانهم لا ينفعهم عند معاينة أسباب الموت القريبة ، ولا ينقذهم من الهلاك وخسر هنالك المبطلون وقوله تعالى : " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها (إلّا قوم يونس) لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ[ يونس : 98 ] (فلم يدل ذلك) ، أي انتفى نفع الإيمان في وقت نزول العذاب (على أنه) ، أي الإيمان في ذلك الوقت (لا ينفعهم في الآخرة) ، لأن معناه لا ينفعهم ، أي لا يرفع عنهم ذلك العذاب النازل بهم ، وإذا لم ينفعهم برفع العذاب عنهم لا يلزم منه أن لا ينفعهم في الآخرة ،
 
وكون المعنى بأنه لا ينفعهم برفع العذاب النازل بهم يستدل عليه (بقوله) تعالى( في الاستثناء) من عدم النفع في الإيمان (إلا قوم يونس فأراد) تعالى أن (ذلك) الإيمان في ذلك الوقت (لا يرفع عنهم) ، أي عن الكفار (الأخذ) ، أي الإهلاك والتدمير (في الدنيا) ولم يستثن تعالى من هذا الأمر العام إلا قوم يونس كما قال سبحانه لما آمنوا : كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ[ يونس : 98 ] ، وملة بني إسرائيل التي مات عليها فرعون لما قال حين أدركه الغرق أنه :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] كانت هي وصية إبراهيم ويعقوب بالإيمان حين الموت ، قال تعالى :وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( 132 ) [ البقرة : 132 ] .
 
والجملة حال والحال مقارنة للموت فإيمان اليأس مقبول في ملة بني إسرائيل فافهم ؛ (فلذلك) ، أي لأجل ما ذكر (أخذ فرعون) ، أي أهلكه اللّه تعالى بالغرق في البحر (مع وجود الإيمان منه) وصحة قبوله ونفعه في الآخرة ، كل إيمان يحصل في الحياة الدنيا مقبول من صاحبه ، وإن لم ينجه من العذاب الواقع يقال :
قال رضي الله عنه :   (هذا إن كان أمره) ، أي فرعون (أمر من تيقن بالانتقال) ، أي الموت والهلاك (في تلك الساعة) بالغرق في البحر (وقرينة الحال) من فرعون (تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال) بالموت والهلاك إلى الآخرة (لأنه عاين) ، أي رأى وشاهد (المؤمنين) من قوم موسى عليه السلام (يمشون على الطريق اليبس) ، أي اليابس (الذي ظهر) في أرض البحر (بضرب موسى) عليه السلام (بعصاه البحر فلم يتيقن) حينئذ (فرعون بالهلاك إذا آمن بخلاف المحتضر) بصيغة اسم المفعول ، أي الذي حضرته الوفاة وهو في النزع
 
قال رضي الله عنه :   (حتى لا يلحق) ، أي فرعون (به) ، أي بالمحتضر ليأسه من الحياة ورجاء فرعون للحياة (فآمن) ، أي فرعون (بالذي آمنت به بنو إسرائيل) ،
كما حكاه تعالى عنه أن قال :"آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[ يونس : 90 ] (على التيقن بالنجاة) من الهلاك بالغرق (فكان) الأمر (كما تيقن) فحصلت له النجاة (لكن على غير الصورة التي أراد) وهي النجاة من الهلاك بالغرق .
 
قال رضي الله عنه :   (فنجاه اللّه) تعالى (من عذاب الآخرة في نفسه) التي هي داخل بدنه بحصول الإيمان له وقبوله منه ، فإنه لا مانع من القبول لأنه الأصل حتى يوجد دليل قاطع يمنعه (ونجّى) اللّه تعالى أيضا (بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [ يونس : 92 ] ، أي علامة
قال رضي الله عنه :   (لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه) الباقون في مصر بلا غرق (احتجب) عن الناس بالصعود إلى السماء ونحوه (فظهر) ، أي فرعون (بالصورة المعهودة) له عندهم (ميتا) لا حياة فيه (ليعلم) بالبناء للمفعول أنه ، أي فرعون هو ، أي فرعون لا غيره فقد عمته النجاة ، أي السلامة حسا في بدنه ومعنى في نفسه بحصول الإيمان له .
 
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )
 
فقال رضي الله عنه  : ( وأما قوله تعالى : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر : 85 ] ، إلّا قوم يونس عليه السلام فلم يدل ذلك على أنه ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناءإِلَّا قَوْمَ يُونُسَ عليه السلام فأراد الحق ) بالآية .
 
فقال رضي الله عنه  : ( أن ذلك ) الايمان وهو الايمان عند اليأس ( لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ) عن القوم الذين هم غير قوم يونس عليه السلام كقوم عاد وصالح وغير ذلك إذ كلهم آمنوا عند ظهور العذاب من ربهم لكن لم ينفعهم إيمانهم نجاة عن عذاب الخزي في الحياة الدنيا فلا ينجيهم عن الهلاك في الدنيا وأما عدم منفعة إيمانهم في الآخرة فلم يدل تلك الآية على ذلك
فبقي على احتمال النفي في الآخرة ولا يقطع هذا الاحتمال إلا بالإجماع لأن النصوص الواردة في حقهم لا تدل على التعذيب والورود إلى جهنم وهو لا يدل على حرمانهم أبدا لكن الأمة قد اتفقوا واجتمعوا بهذه الدلالة على حرمانهم أبدا .
 
فلم ينفع إيمانهم في الآخرة بالإجماع كما لم ينفعهم في الدنيا فجعلوا عدم نفع إيمانهم في الدنيا دليلا على عدم نفعه في الآخرة فحكموا على شقاء الطائفة المستهلكة يقهر اللّه وعذابه بتكذيبهم النبي عليه السلام .
 
ونقل عن مالك رضي اللّه عنه أنه ذهب إلى أن الايمان عند اليأس وهو قبل نزع الروح عن الجسد بعد انكشاف أحوال الآخرة من الوعد والوعيد مقبول صحيح
أقول هذا المذهب منه لعدم النصوص الدالة عنده على عدم صحة الايمان في تلك الساعة وأما فرعون فقد شقي عنده سواء قبض عند التيقن بالانتقال أو قبل التيقن لوجود النصوص الدالة عنده على شقائه كسائر الأئمة
 
وما كانت عند الأئمة نصوصا في شقاء فرعون ليست بنصوص عند الشيخ بل هو ظاهر عنده لذلك قال وما لهم نص في ذلك مع أن لهم نصا في ذلك بحسب علمهم .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي فلأجل أن إيمانهم لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ( أخذ فرعون ) في الدنيا ( مع وجود الايمان منه ) أي من فرعون ( هذا ) أي جواز نفع إيمان فرعون في الآخرة ( إن كان أمره ) أي أمر فرعون في الايمان ( أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة )
كما قال المفسرون والأئمة المجتهدون أن إيمان فرعون عند تيقنه بالانتقال الذي لا ينفع الايمان في تلك الساعة فحكموا كلهم على أن فرعون شقي في الدنيا والآخرة
فالسبب بعدم صحة الايمان عندهم التيقن بالانتقال ، وأما عند المالك فإن الايمان عند التيقن صحيح لو لم يردّ الدليل ذلك الايمان فإن إيمان فرعون مردود عنده بدليل قوله تعالى :آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ[ يونس : 91 ] ،
 
وغير ذلك من الآيات الدالة على شقائه لا بتيقنه بالانتقال حتى لو لم يدل النص على شقائه لصح إيمانه عنده ولو عند التيقن بالانتقال بخلاف جمهور العلماء حتى لو لم يثبت شقاؤه بالنص وثبت أن إيمانه كان عند التيقن بالانتقال لم يصح إيمانه
وأما عند الشيخ فالأولى التوقف في مثل هذا الايمان حتى جاء البيان من الصحة وعدم الصحة فإنه مالكي المذهب فكأنه مال إلى مذهبه في ذلك
قال في حق فرعون إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال فإنه لو لم يردّ الدليل من النصوص والإجماع لصح عنده إيمان من تيقن بالانتقال
 
لذلك لم يصح إيمان فرعون عنده مع ورود ظاهر القرآن حيث جعله مؤبدا في النار في فتوحاته المكية وتوقف في هذا الكتاب
فإن الإجماع دليل عنده على عدم صحة إيمانه ثم ذكر القرينة التي لم يتفطن عليها علماء الشريعة.
 
بقوله رضي الله عنه  : ( وقرينة الحال تعطى أنه ) أي الشأن ( ما كان ) فرعون عند الايمان ( على يقين من الانتقال لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس ) بالفتحتين أي اليابس ( الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن ) أي وقت إيمانه ( بخلاف المحتضر ) فإنه آمن عند تيقنه بالهلاك لذلك لم يجعل إيمانه صحيحا
( حتى لا يلحق به ) أي فلم يلحق فرعون بالمحتضر على تقدير ثبوت هذه القرينة فكان أمر فرعون عنده دائرا بين الشيئين له وجه يلحق به بالمحتضر وله وجه لا يلحق به بالمحتضر بحسب دلالة ظاهر القرآن مع قطع النظر عن الإجماع.
 
قال رضي الله عنه :  ( فآمن ) أي إن كان أمره أمر من لم يتيقن بالهلاك آمن ( بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان على ذلك ) التقدير ( كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد ) فإن مقصوده من الايمان النجاة عن الهلاك
 
قال رضي الله عنه :  ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في حق نفسه ) وإنما قال في حق نفسه لعدم النجاة في حق غيره من حقوق العباد مما كان عليه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ونجى بدنه كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92] ، أي حتى يعلم قومك ممن اعتقد بربوبيتك أنك كاذب في دعويك ( لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب ) عن أعين الناس فلا يزال اعتقادهم الباطل لعدم تيقنهم بهلاكه .
 
قال رضي الله عنه :  ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو ) فيزول اعتقادهم بربوبيته ( فقد عمته النجاة حسا ) من حيث الصورة المعهودة وإن كان ميتا ( ومعنى ) وهو نجاة الروح عن الحجب المبعدة عن الحق من الشرك والكفر ودعوى الربوبية التي يحصل للروح بسبب تعلقه بالبدن.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة. وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به. فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد. فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب. فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )
 
بقوله: وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90] ثم تمادي  
في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :" فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه " ، " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة ، بقوله في الاستثناء   " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ "فأراد أنّ ذلك " يعنى الإيمان" لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ، هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك الساعة ، وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال ، لأنّه عاين المؤمن في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذا آمن ، بخلاف المحتضر ، حتى لا يلحق به ) .
يعني : لا يلحق بالمحتضر الذي يؤمن بعد تيقّنه بالهلاك .
 
قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقّن بالنجاة ، فكان كما تيقّن ، لكن على غير الصورة التي أراد ، فنجّاه الله من عذاب النار  في نفسه ونجّى بدنه ،
كما قال : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " لأنّه لو غاب بصورته ربما قال قومه
احتجب ، فظهر بالصورة المعهودة ميّتا ، ليعلم أنّه هو ، فقد عمّته النجاة حسّا ومعنى.)
 
يعني رضي الله عنه  : أنّ المخاطب في قوله :" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ " إن كان روحه ونفسه ، فمقتضى الآية أنّه بروحه منجّى .
وإن كان المخاطب مجموع الصورة والروح ، فكذلك ليتناول الخطاب المجموع ، وعلى التقديرين وعد من الله وإخبار منه بأنّه ينجّيه ، ووعد الله حق ، وإخباره صدق ، فقد عمّته النجاة جسما وروحا .
 


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )


قال رضي الله عنه :  ( وأما قوله : " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه"،  ونظيره في سورة يونس مع الاستثناء في قوله " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ"، أي في وقت رؤيتهم العذاب " فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ" )
 
قال رضي الله عنه :  ( فلم يك ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله ) أي بدليل قوله ( في الاستثناء " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " ) لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ،
 
قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ، وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين من الانتقال ) أي من الدنيا إلى الآخرة
 
قال رضي الله عنه :  ( لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس التي ظهرت بضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون الهلاك إذ آمن بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به )   أي لم يتيقن فرعون بالهلاك وقت الإيمان حتى يلحق بالمحتضر الذي يؤمن بعد تيقنه بالهلاك فلا يلحق به  .
 
قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد فنجاه من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى :" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب ) أي عن الأبصار فارتقى إلى السماء أو غاب بنوع آخر بناء على ما اعتقدوا في حقه أنه إله.
 
قال رضي الله عنه :   ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو ، فقد عمته النجاة حسا ومعنى ) حسا بالصورة ومعنى بالروح للإيمان ، لأن الخطاب إن كان للمجموع فذلك وإن كان للروح فمعناه مع بدنك ، والله أعلم بحاله .
 
 
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )
 
قال رضي الله عنه :  (وأما قوله : "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده" إلا قوم يونس ، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء : "إلا قوم يونس".)
ولما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنت الآيات في موسى وفرعون ، شرع في بيان أن مثل هذا الإيمان وإن لم يكن نافعا في الدنيا ، نافع في الآخرة ، أعني ، إيمان فرعون وغيره ممن آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ويرى العذاب الآخرة وبأسها وإن لم يكن نافعا في الدين نافع في الآخرة .


وأما قوله : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم ) . الآية فلا يدل على أنه لا ينفعهم في الآخرة مطلقا ، إذ معناه أن إيمانهم لا يدفع عذابنا الذي أنزلنا عليهم في الدنيا .
وقوله تعالى : ( إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) .
دليل على أن عدم نفعه في الدنيا لا في الآخرة . أي ، ليس هذا حكما كليا أيضا في الدنيا ، لقوله تعالى : "فلولا كانت قرية آمنت" يعنى ، عند رؤية العذاب ،
فنفعها إيمانها ، إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا .
 
قال رضي الله عنه :  ( فأراد ) أي الحق ( أن ذلك الإيمان لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك ) أي ، فلأجل أنه لا يرفع العذاب في الدنيا ( أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه . هذا إن كان أمره ) أي ، أمر فرعون ( أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ) أي ، هذا على تقدير أنه تيقن بالانتقال . وأما على تقدير عدم تيقنه بذلك ، فبالطريق الأولى ينفع إيمانه .
 
قال رضي الله عنه :  ( وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين من الانتقال ، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذا آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به . ) أي ، لم يتيقن فرعون بالهلاك إذا آمن ، فلا يلحق بالمحتضر لأنه متيقن بهلاكه ، فاستعمل "حتى" موضع " الفاء" .
 
قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على اليقين بالنجاة ، فكان كما تيقن ) أي، حصل النجاة كما تيقنها .
 
قال رضي الله عنه :  ( لكن على غير الصورة التي أراد ) لأنه أراد أن ينجو في الحياة الدنيا ( فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجى بدنه كما قال تعالى :"فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " )
أي، فاليوم ننجي روحك من عذاب التعلق بالبدن وغواشيه الظلمانية من الكفر والشرك والاحتجاب بالحجب المبعدة ، وبدنك بالقذف إلى الساحل ، ليظهر على الصورة المعهودة
ميتا .
 
قال رضي الله عنه :  ( لأنه لو غاب بصورته وبما قالوا قومه ، احتجب ) أي ، عن الأعين فتقوى عقيدتهم بربوبيته ، لكنه أظهر ليكون آية لمن خلفه من الأمم ، فلا يدعى أحد بالربوبية . ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو . فقد عمته النجاة حسا ) من حيث البدن .
( ومعنى ) من حيث الروح .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:18 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة والثلاثون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة والثلاثون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه. هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب. فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِه ِ[ غافر: 85].  إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء :إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ [ يونس : 98 ] ، فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدّنيا ،  فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ، هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة ، وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ،  بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به ، فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس :92 ] ، لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب ، فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو ؛ فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى ).
 
ثم استشعر سؤالا بأنه إنما يكون مستقبلا للرحمة لو آمن قبل الناس ، لكن كان إيمانه عند البأس ، فلا تنفعه بالنص، فأجاب بقوله: ( وأما قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر : 85] ، فالمراد عدم نفعه في رفع ذلك البأس الدنيوي ،
وإنما لا ينفع الإيمان في الآخرة إذا آمن عند رؤية البأس الأخروي ، وعندما يجعله ضروريّا لا لبس فيه بوجه من الوجوه كأشراط الساعة
بدليل قوله تعالى بعده : ( سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [ غافر : 85 ] ، وعدم النفع الأخروي في الإيمان برؤية البأس الدنيوي لم تصر سنة خالية ، بل هي منتظرة في الاستقبال ، وبدليل قوله تعالى : " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ " [ يونس : 98 ] ،
 
فإنه أفهم أن إيمانهم نفعهم في دفع البأس الدنيوي ، ولم ينفع غيرهم فيه، (فلم يدل ذلك على أنه) ، أي : إيمان سائر الطوائف عند البأس الدنيوي ( لا ينفعهم في الآخرة ) ، بل قد يفهم نفع الإيمان عند البأس الدنيوي فقط في الآخرة ؛ (لقوله في الاستثناء إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : 98 ]
 
فإنه إذا حصل الممنوع النفع بالنسبة إلى الأقوام لقوم ، فغير الممنوع في حق ذلك القوم أولى ، وإذا كان في حقهم أولى ، ففي حق غيرهم ، وإن لم يكن أولى فلا أقل من الجواز ، فقوله : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ [ غافر : 85 ] ، وإن دلّ بظاهره على عدم نفعه مطلقا ،
أي : في الدنيا والآخرة ، ( فأراد ) تعالى من ذلك المطلق مع هذه القرائن ، ومع قوله عليه السّلام : « تقبل توبة العبد ما لم يغرغر » . ) رواه الترمذي والحاكم في المستدرك وابن حبان.
قال رضي الله عنه :  ( ذلك الإيمان لا يدفع عنهم الأخذ في الدنيا ) ، كإيمان الرقيق لا يوجب إعتاقه ، لكن أوجب نجاته في الآخرة ، واستدل العلماء على عدم نفع هذا الإيمان مطلقا بوجوه :
الأول : أنه ألجئ إلى الإيمان ، ولا قدرة له على التصرف في نفسه .
أجيب : بأنه إن أريد الإلجاء إلى التكلم بهذه العبارة الخاصة الطويلة فباطل ، ومنع التصرف في النفس بالتكلم بمثلها ، وتركه ممنوع وإن أريد الإلجاء إلى التصديق باللّه واليوم الآخر بحصول العلم الضروري به بحيث لا يمكن دفعه ممنوع ، بل غايته أنه كالعلم الحاصل بالمعجزات الباهرة ، وهو وإن أشبه العلم الضروري ، فلا يوجب الإلجاء إلى التصديق باللّه واليوم الآخر ، ولا يسلم أنه لا يمكن للعبد التصرف في نفسه بالانقياد وتركه ، وهذا بخلاف انكشاف أحوال الآخرة عند الموت وعند أشراط الساعة ، فإنها ترفع اللبس من كل وجه .
 
وهنا يبقي اللبس من الوجه الثاني : أن المقصود بهذا الإيمان دفع البلية ، أجيب بالمنع ، فإن غايته أن يكون كإسلام الكافر رجاء دفع مرضه ، وعند غرق السفينة ورجاء السلامة ، وكإسلام المرتد عند رؤية السيف ولو كان هذا منافيا لم يكن قبوله جائزا مع أنه واجب ؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لأسامة حين قتل من قال : لا إله إلا اللّه عند رؤية السيف : «هلا شققت عن قلبه».
رواه مسلم والنسائي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك .
 
كيف ، وقد شرع إعطاء المال للمؤلفة الشرفاء رجاء إسلام نظرائهم ؟
وقد قالوا بأن نية التبرد لا تضر بالنية المعتبرة في الوضوء ، نعم لو آمن بلسانه دون قلبه في هذه الصور ؛ فليس ثم إيمان في الواقع أصلا .
 
الثالث : بأن عند البأس لا يمكن للعبد الاستدلال والثواب على الإيمان ، إنما هو في مقابلة ما يتحمله من المشقة في الاستدلال .
أجيب : بأن إيمان المقلد صحيح عند جميع الفقهاء وأكثر العلماء ، ومنعه جمع من
المتكلمين وهو المشهود عن الأشعري ، وحكي عن عبد القاهر البغدادي عن الأشعري أنه عاص بترك الاستدلال غير كافر ؛ لوجود التصديق وعاقبته ، الجنة فكأنه أراد أنه ليس مؤمنا كاملا كتارك الأعمال ، وحصر ثواب الإيمان في الاستدلال باطل قرب عمل خفيف أكثر ثوابا من العمل الثقيل ، كالإيمان والحج ثم المقلد من نشأ في البادية ، ولم يتفكر في العالم والصانع ، ولم تبلغه المعجزات ، ولا ينظر فيها ، بل أخبر بذلك فصدقه ، وأما من نشأ في بلاد المسلمين وسبح اللّه تعالى عند رؤية متابعة ، فخارج عن حد التقليد ،
 
وقول المعتزلة : لا يكون مؤمنا ما لم يعرف كل مسألة بحجة عقلية مع رفع الشبه بطلانه يكاد يلحق بالضروريات ، فإن أكثر أهل الإسلام قاصرون أو مقصرون في الاستدلال ، ولم تزل الصحابة ومن بعدهم يجرون عليهم أحكام المسلمين .
 
الرابع : عدم قبوله إيمان البأس ؛ لأن عذاب الدنيا مقدمة عذاب الآخرة ، إذ ينتقل منه إليه .
أجيب : بأنه لا يلزم أن تكون لمقدمة الشيء جميع أحكامه ، فإن القبلة من مقدمات الوطء ، وليس لها جميع الحكم ، بل تكون في حكمة في الحرمة ، وفيما نحن فيه يكون من أحكام البأس ألا يندفع بالإيمان لرؤية ، كما لا يندفع عذاب الآخرة بالإيمان لرؤيته ، إلا أن عذاب الآخرة لا يندفع بالإيمان لرؤية عذاب الدنيا إذا عرفت هذا ، فالمعتمد في عدم قبول توبة المختصر وإيمانه ما ذكره الإمام حجة الإسلام الغزالي في « الإحياء » في كتاب التوبة ، وكتاب الخوف والرجاء : أنه بمشاهدة ناصية ملك الموت ينكشف له ما في اللوح المحفوظ ، فتفسير العلوم للنظر بها ضروري ، ويدل عليه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه أبو أيوب : « إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » . أي : ما لم تتردد الروح في حلقه .
 
وعن الحسن : « إن إبليس قال : حين أهبط إلى الأرض ، وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده ، فقال : وعزتي ولا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر » . ، انتهي كلامه .
رواه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في « شعب الإيمان
 
لا يقال : فرعون كوشف له عن جبريل ، إذ هو القائل له : آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [ يونس : 91 ] .
قلنا : يحتمل أنه كوشف له في صورة البشر ، وهو لا يمنع قبول التوبة ، ويحتمل أنه كوشف له بعد الفراغ من هذه الكلمة ، ثم حكمت أشراط الساعة حكم كشف أحوال الآخرة ، أو العلم بالساعة يصير ضروريّا عند رؤيتها .
 
قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي : فلعدم دفع الإيمان عند البأس الدنيوي إياه ( أخذ فرعون ) أي : تم أخذه الدنيوي ( مع وجود الإيمان منه ) ، لا لما قبل أنه لم يحتمل له الإيمان لوجوه :
الأول : أنه كان دهريّا لقوله :ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [ القصص : 38 ] وأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] ، فمثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته إلا بنور الحجة القطعية ، وهو إنما هو ظلمة ، وهو لم يقل آمنت باللّه ،
وإنما قال :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ[ يونس : 90 ] ،
فكأنه اعترف أنه لا يعرف اللّه إلا أنه سمع بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده .
 
أجيب : بأن العلماء لم يفرقوا بين الدهري وغيره إذا آمن بالتقليد ، بل نقل الحليمي إجماعهم على قبول إيمانه بإقراره ، وتصديقه لمجرد وجود الصانع ، ونقله إمام الحرمين عن الأكثر ، وصححه البغوي ،
ولا يسلم أن ظلمة هذا الاعتقاد لا تزول إلا بنور الحجة القطعية ، بل نور الكلمة ماحية لكل ظلمة كشفت أو لطفت ، ثم إنه ليس كل تقليد موجب ظلمة ، وإنما هو التقليد على الباطل ، وإلا لم يجب على العامة تقليد المجتهدين ، بل غايته فقد نور الدليل ،
ثم إنه ليس هاهنا ثمة ظلمة التقليد إلى ظلمة إنكار الصانع ، إذ هذا التقليد في الإقرار بالصانع ، وهو ينقص إنكاره ، فغاية أحد ظلمة حقيقية مكان ظلمة كشفية بها نور كلمة التوحيد التي لا يبقي معها ظلمة أصلا ،
وقولك : كافر اعترف أنه لا يعرف اللّه ، وإنما سمع بني إسرائيل أقروا بوجوده بخلاف الظاهر ؛ فإنه قد عرف هو وقومه صحة دلالة المعجزات ، فقد قال موسى عليه السّلام في حقه :لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ[ الإسراء : 112 ] .
وقال تعالى في حقهم : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ[ النمل : 14 ] .
الثاني : أن بني إسرائيل لما جاوزوا البحر قالوا :اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ[ الأعراف : 138 ] ، واشتغلوا بعبادة العجل ، فانصرف قول فرعون : إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل إلى ذلك ، وكان ذلك سببا لزيادة كفره .
أجيب : بأن ذلك إنما كان بعد هلاك فرعون ، ولا شعور له بذلك ، وقد علم أنهم آمنوا برب السماوات والأرض ، فكيف ينصرف إلى ذلك ؟ !
 
الثالث : أن أكثر اليهود مالوا إلى التجسيم والتشبيه ؛ ولذلك اشتغلوا بعبادة العجل ، وكان إيمانه بآلهتهم إيمانا بالإله الموصوف بالجسمية .
قلنا : إنما مال إلى التجسيم مبتدعهم بعد موسى كمبتدعة هذه الأمة ، أو بعد غيبته بإغواء السامري، وإلا كانت نجاتهم من الغرق بسبب إيمانهم باللّه ، وهو إنما قصد ذلك الإيمان المنجي.
 
الرابع : الإيمان إنما يتم بالإفراد بالنبوة ، والملائكة والكتب واليوم الآخر ، واحتمال أنه كان شرطا في ذلك الزمان دون هذا الزمان بخلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلا بدليل .
أجيب : بأن إيمان المشترك والدهري يتم بشهادة التوحيد على ما صححه البغوي ، ونقله إمام الحرمين عن الأكثر ، ونقل الحليمي الإجماع عليه على أن قوله :وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] يشمل الإيمان بالكل .
 
الخامس : أن جبريل جعل في فيه محل خشية أن تدركه الرحمة ، فكان ذلك قبل تمام الإيمان .
أجيب : بأن ظاهر النفي يدل على أنه تم إيمانه ، وجبريل لا يرضى بالكفر إذ هو كفر ، وإنما خشي من رحمة النجاة عن الغرق ؛ لئلا يتغير عن هذا الإيمان بعده .
 
قال رضي الله عنه :  ( هذا ) أي : القول بأن إيمان فرعون عند الغرق إيمان عند رؤية البأس ، إنما يكون من ( كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ) ، والبأس إنما يكون بأسا عند تيقن الانتقال به ، وإلا كان كالمرض والغرق من حيث هو غرق لا يوجب التيقن بالانتقال ، ( وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال ) لو كان الغرق موجبا للانتقال لا محالة بحسب العادة لا من ( عاين المؤمنين ) على خلاف العادة ،
قال رضي الله عنه :  ( يمشون في الطريق اليابس ) وإن لم تكن كرامة لهم ، بل لمعجزة لموسى عليه السّلام ؛ لأنه ( الذي ظهر يضرب موسى بعصاه البحر ) لنجاة المؤمنين ، وفرعون قد صار منهم فرجا أن يعود أثر المعجزة في حقه ، ( فلم يتقين فرعون ) من هذا الرجاء ( الهلاك ، إذ آمن ) ، وإن تيقن به بعده ، فلم يكن مأواه باستثنائه ثبوتا في حقه وقت إيمانه ( بخلاف المحتضر ) إذا قلنا : لا يقبل إيمانه عند تيقنه الهلاك ، وإن لم يكاشف بأمور الآخرة ( حتى لا يلحق فرعون به ) أي : بالمحتضر لا في تيقن الهلاك ، ولا في كشف أمور الآخرة ، بل تيقن النجاة بالإيمان لمعاينتها في بني إسرائيل .
 
قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة ) ؛ لأنه آمن مثل إيمانهم ، فتيقن أنه ينجو مثل نجاتهم إذ لا سبب لنجاتهم سوى ذلك ، واللّه عند ظن عبده به ، ( فكان ) في أمر النجاة ( كما تيقن ) ، ( لكن ) حصلت له النجاة ( على غير الصورة التي أراد ) ، وهي النجاة من الغرق ، لكنها ربما لا تكون نجاة في نفس الأمر ، أو ربما يتغير بعدها إلى ما كان عليه قبلها ،
قال رضي الله عنه :  ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في حق نفسه ) ، أي : روحه المشار إليها بكاف الخطاب فينُنَجِّيكَ[ يونس : 92 ] ، وإن عذب بحقوق الخلق من إضلال قوم غير محصورين ، واسترقاق بني إسرائيل ، وقتل أولادهم ، (ونجّا بدنه ) عن الهلاك في البحر فألقاه إلى الساحل ، ( كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ) بالفاء الدالة على الترتيب ( نُنَجِّيكَ ) أيتها
الروح ( بِبَدَنِكَ ) أي : مع بدنك ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ) ،أما في نجاة الروح فما مر ألا ييأس أحد من روح اللّه ، وأما في نجاة البدن فذلك ؛ ( لأنه لو ) هلك في البحر ( غاب بصورته ) عن النظر ، ولو غاب بصورته ( ربما قال قومه ) من بقي منهم ممن يعتقد إلهيته ( احتجب ) كما يقول المؤمنين في اللّه : إنه محتجب .
 
قال رضي الله عنه :  ( فظهر بالصورة المعهودة ) قبل التغير ( ميتا ؛ ليعلم أنه هو ) ، إذ لو ظهر حيّا ، لربما قيل : إنه حي لا يموت ، وكذا لو تغير لقيل أنه غيره ، وهو قد ارتفع إلى السماء ( فعمته النجاة حسّا ) من حيث عدم هلاك صورة بدنه قبل الإلقاء إلى الساحل وإن ملك بعده ، وصار ميتا قبله ، ( ومعني ) من حيث نجاة روحه عن عذاب الكفر ، وإن عذب بحقوق الخلق .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.  )
 
إيمان فرعون ونجاته
ثمّ إنّ من تلك الدقائق ما أثبت لفرعون من نيل المراتب العلميّة الكماليّة التي أشار إليها ، وهي التي لم يتفطن لها أكثر أهل الظاهر ، مع دلالة الآيات عليها :
قال رضي الله عنه  : ( وأمّا قوله : " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه ِ " )
وكذلك قوله مع الاستثناء في سورة يونس :" فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ " أي في وقت رؤيتهم العذاب .
" فَنَفَعَها إِيمانُها "، (" إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " فلم يدلّ على ذلك أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ") .
فإنّ سياق الآية دالّ على أنّ النفع المنفي من إيمانهم هو النفع الآجل ، ( فأراد أنّ ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ) ما نفعه في ذلك .
 
قال رضي الله عنه  : ( هذا ) على تقدير التنزّل مع المجادل ( إن ) سلم أنّه ( كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك الساعة ) ، حتّى يكون داخلا في عموم مفهوم الآية المذكورة ( وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال لأنّه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذا آمن ) ، بل آمن من الهلاك بإيمانه ومشاهدته المؤمنين قد نجوا به ، ( بخلاف المحتضر ) الذي تيقّن بالهلاك فآمن ( حتى لا يلحق ) فرعون ( به ) ، فإنّه ما كان الإيمان منه مسبوقا بتيقّن الهلاك سبق إيمان المحتضر فإنّه رأى المؤمنين بموسى من بني إسرائيل قد نجوا ،
 
قال رضي الله عنه  : ( فآمن بالذي  "آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ " على التيقّن بالنجاة فكان كما تيقّن ، ولكن على غير الصورة التي أراد ) ، وذلك لأنّ إيمانه وتيقّنه على غير الصورة التي أراد موسى منه ، بأن يكون في محضر من قومه حتّى يعمّ به الخبر ، وإذا لم يكن إيمانه على ما أريد ، فلم يكن نجاته كما أراد .
 
قال رضي الله عنه  : ( فنجّاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّى بدنه ) أيضا من الغرق في البحر وأن يكون غائبا عن نظر قومه ( كما قال : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "  لأنّه لو غاب بصورته ربما قال قومه ) من المعتقدين فيه اعتقاد صدق : « إنّه ( احتجب ) بصورته » ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم ) قومه ( أنّه هو فقد عمّته النجاة حسّا ) ببدنه ( ومعنى ) بروحه ، لإيمانه قبل أن يظهر عليه من آيات الآخرة شيء ،
 
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )
 
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر : 85 ] إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلّا قوم يونس .
فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدّنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه .
هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة . وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به .)
 
فقال رضي الله عنه  : ( وأمّا قوله تعالى ) في سورة المؤمن : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [ غافر : 85 ]
وكذا قوله مع الاستثناء في سورة يونس فلو لا كانت قرية آمنت ، يعني عند رؤية العذاب فنفعها إيمانها ( إلا قوم يونس فلم يدل ذلك ) المذكور من الآيتين ( على أنه ) ، أي إيمانهم عند البأس ( لا ينفعهم في الآخرة ) وعدم هذه الدلالة إنما هو ( بقوله ) ، أي بدليل قوله ( في الاستثناء إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، فإنه لما استثناهم في عدم انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بين انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بقوله : لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
ولا يلزم من ذلك عدم انتفاعهم ، أي انتفاع المستثنى والمستثنى منه جميعا به في الآخرة ولما كان عدم انتفاع المستثنى منهم بالإيمان في الحياة الدنيا مقطوعا به بمقتضى الآيتين بخلاف عدم انتفاعهم به في الآخرة .
حملها الشيخ رضي اللّه عنه على ما هو مقطوع به فقال:
فقال رضي الله عنه  : ( فأراد ) الحق ( أن ذلك ) ، أي الإيمان عند رؤية البأس ( لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك ) ، أي لأجل أنه لا يرفع العذاب في الحياة الدنيا ( أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه هذا إن كان أمره ) ، أي أمر فرعون ( أمر من تيقن بالانتقال ) من الدنيا إلى الآخرة ( في تلك الساعة وقرينه الحال تعطى أنه كان على يقين من ذلك الانتقال ، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون الهلاك إذا آمن بخلاف المحتضر ) ، أي حين آمن إيمانا ملتبسا بمخالفة إيمان المحتضر فإن إيمانه لم يكن على تيقن من الهلاك بخلاف المحتضر فإنه على تيقن من الهلاك وإنما آمن على هذه الصفة ( حتى لا يلحق به ) ، أي بالمحتضر في عدم قبول إيمانه .
 
قال رضي الله عنه : ( فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] . لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب . فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو . فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى . )
 
قال رضي الله عنه : ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان ) ، أي حصل ( الأمر ) ، أي النجاة ( كما تيقن به لكن على غير الصورة التي أراد ) ، فإنه أراد النجاة من عذاب الدنيا ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ) ، أي روحه حين وفقه للإيمان ( ونجى بدنه عن الغرق ) بقذفه إلى الساحل .
( كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه : احتجب ) عن الأبصار فارتقى إلى السماء أو غاب بنوع آخر على ما اعتقدوه بالألوهية ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو فقد عمته النجاة حسا ) من حيث بدنه ( ومعنى ) من حيث نفسه وروحه
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:18 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الحادية والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الحادية والثلاثون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي .  فخرج فرعون من هذا الصّنف . هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن . ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه . وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه .  ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة : وأعني من المختضرين ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة . )

قال رضي الله عنه :  (ومن حقت) ، أي تحققت (عليه كلمة العذاب الأخروي) وهي كلمة الرب المقطوع بها في علم اللّه تعالى القديم وتقديره الأزلي .

قال تعالى :أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ( 19 ) [ الزمر : 19].
فذكر النار دليل على أنه العذاب الأخروي (لا يؤمن) في الدنيا أصلا (ولو جاءته) ظهرت له (كل آية ).
قال تعالى في حق فرعون :وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى [ طه : 56].
يعني في حياته الدنيا قبل نزوله في البحر بدليل قوله بعده: " قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى"  [ طه : 57 ] ثم آمن بعد ذلك بعد نزوله في البحر وأدرك الغرق كما مر ذكره .
وقال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ( 96 ) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ" [ يونس : 96 - 97 ] ،

أي ( حتى يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف) المذكورين لأنه آمن قبل أن تحق عليه كلمة ربك التي هي كلمة العذاب الأخروي وقبل أن يذوق العذاب الأليم الأخروي ، بل قبل أن يذوق الغرق الذي هو عذاب الدنيا ومن حقت عليه الكلمة لا يؤمن حتى يرى ، أي يذوق العذاب الأليم ، وهو العذاب الأخروي ، لأنه لا أكثر منه في الألم فيدل أنه يؤمن بعد الموت ، والإيمان بعد الموت غير مقبول إجماعا وفرعون لم يفعل كذلك إلا أنه آمن قبل الموت .

(هذا) الكلام المذكور هنا المقتضي بصحة إيمان فرعون وقبوله (هو الظاهر الذي ورد به القرآن)  كما علمت بيانه ولم يرد في السنة النبوية ما يرده ولا في الإجماع أيضا ، لأنه قال بصحة إيمان فرعون جماعة من المجتهدين .
ذكرهم الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه اللّه تعالى في أوائل كتابه اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر والمصنف قدس اللّه سره من جملتهم


"" أضاف الجامع :
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر الجزء الأول ص 33 :-
"ومن دعوى المنكر أن الشيخ يقول بقبول إيمان فرعون وذلك كذب وافتراء على الشيخ فقد صرح الشيخ في الباب الثاني والستين من «الفتوحات» بأن فرعون من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين و «الفتوحات» من أواخر مؤلفاته فإنه فرغ منها قبل موته بنحو ثلاث سنين.
قال شيخ الإسلام الخالدي رحمه اللّه:
والشيخ محيي الدين بتقدير صدور ذلك عنه لم ينفرد به بل ذهب جمع كثير من السلف إلى قبول إيمانه لما حكى اللّه عنه أنه قال:" حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [يونس: 90] وكان ذلك آخر عهده بالدنيا،
وقال الشيخ أبو بكر الباقلاني:
قبول إيمانه هو الأقوى من حيث الاستدلال ولم يرد لنا نص صريح أنه مات على كفره انتهى.
ودليل جمهور السلف والخلف على كفره (أنه آمن عند اليأس) وإيمان أهل اليأس لا يقبل واللّه أعلم. أهـ ""
 

قال رضي الله عنه :  (ثم إنا نقول بعد ذلك) ، أي بعد تقرير ما ذكر )والأمر فيه( ، أي في حق فرعون موكول إلى اللّه تعالى لما ، أي لأجل الأمر )الذي استقر في نفوس عامة الخلق( ، أي العامة من الخلق دون الخاصة منهم أو الأكثرون الأقل )من شقائه( ، أي فرعون يعني هلاكه على الكفر وتخليده في النار ،

بناء على ذكر اللّه تعالى في حقه في القرآن من الأحوال التي كان عليها في حياته في الدنيا ، من الكفر ودعوى الربوبية والظلم والتعدي واتباع السحر وقتل النفوس بلا حق ، والتكذيب بالأنبياء عليهم السلام وإضلال قومه ، إلى غير ذلك من الأوصاف القبيحة ،

ولم يلتفتوا إلى ما ذكره اللّه تعالى أيضا عنه من إيمانه في آخر الأمر قبل أن يهلك بالغرق في البحر وقطعوا بأن ذلك إيمان غير مقبول منه ولم يبحثوا عنه في ذلك الوقت كيف كان حاله مع اللّه تعالى والكل مجمعون على أن الأمور معتبرة بخواتيمها والسعيد من مات على السعادة والشقي من مات على الشقاوة ولو صدر منه في الدنيا من الأعمال كيفما صدر من كفر وغيره .

( قال رضي الله عنه :  وما لهم) ، أي العامة المذكورين (نص في ذلك )، أي في أن فرعون مات شقيا (يستندون إليه) ، أي إلى ذلك في آية أو حديث غير بعض احتمالات في آياتنا قابلة للتأويل بسهولة كما قدمنا بعضها .

والحاصل أن المؤيدات من النصوص لإيمان فرعون كثيرة ، وقول المصنف قدس اللّه سره هنا : والأمر فيه إلى اللّه ، لا يدل على أنه غير قاطع في حقه بشيء ، وأنه متوقف في شأنه باعتبار ما بعده من قوله : لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه ، يعني أنا نقول بتفويض أمر فرعون إلى اللّه تعالى لأجل الذي استقر في النفوس من شقائه لا باعتبار ما عندنا من ذلك ، فإن مسألة إيمان فرعون لا شبهة فيها عند أحد من أهل الكشف والبصيرة ،

لأن أصحاب القلوب المهذبة بالرياضة الشرعية أهل التحقيق والمعرفة الإلهية لا شك عندهم في أمر من الأمور أصلا ولا شبهة ، ولكن هم في تقرير العلم لأهل الظاهر مع ما تفيده الأدلة اللفظية والنصوص الكلامية ، ومع الكشف الصحيح والذوق المستقيم في تقدير ذلك لأنفسهم وأمثالهم إن كانوا ،

وليس ببعيد أن اللّه تعالى يجعل فرعون آية على سعة رحمته وكمال عنايته بمن يشاء من عباده لا سيما ، وفي الآية ما يشير إلى ذلك من قوله تعالى : " لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ "[يونس : 92 ].

 
فتنبه يا أخي لهذه الآية ولا تكن من الناس الغافلين عنها فإن فرعون عاش في الدنيا من أوّل عمره فاسقا ، فاجرا ، كافرا ، ضالا ، وادعى الربوبية مع اللّه ونازع اللّه تعالى وأنبياءه ورسله ، ثم آمن وأسلم فتقبل منه ذلك ،

وغفر اللّه تعالى له جميع ما عمله من الشر ، وأماته طاهرا مطهرا ، فيبقى كل من وصل إلى غاية الشقاء بارتكاب الكثير من الذنوب والمعاصي ومتعارفه الفواحش ، بل من خاض في جميع عمره في أنواع الكفر والزندقة وبالغ في الضلال بحيث فعل جميع ما فعله فرعون وزاد عليه في ذلك إن أمكنه الزيادة ، ثم أسلم وآمن وتاب بقلبه ولسانه ،

وصدق في رجوعه عن كل ما كان فيه ، فإن اللّه تعالى يقبل منه إسلامه وإيمانه وتوبته ، ولو صدر منه ذلك في آخر أجزاء حياته قبيل موته ولو بوقت يسير ، حتى لا ييأس من رحمة اللّه تعالى أحد ، ولا يقنط من روح اللّه مخلوق .

وفي ضد ذلك قد جعل اللّه تعالى إبليس آية على غضبه وسخطه وكمال انتقامه وعظيم مكره واستدراجه ، فأحياه اللّه تعالى في الدنيا في ابتداء خلقه مسلما ، مؤمنا ، صالحا ، عابدا ، زاهدا ، عالما ، عاملا لم يبق بقعة في الأرض إلا وقد عبد اللّه تعالى فيها ، ثم صعد إلى السماء ، فكان يعبد اللّه تعالى مع الملائكة عليهم السلام ،


وكان أعبدهم وأعرفهم وأكملهم وأشرفهم ، بحيث كان يعلمهم ويرشدهم إلى كيفية الخضوع والخشوع ، ثم إن اللّه تعالى بعد ذلك أشقاه وأضله وغضب عليه ومكر به وانتقم منه ،
فكفر وعاند واستخف بحرمة اللّه تعالى ، وأبغض ربه وعاداه وأبغض إخوان الإيمان والصدق وعاداهم ،
وآذاهم وأضرهم حتى يكون عبرة وموعظة للمؤمنين الصالحين العابدين الزاهدين الكاملين في العلم والعمل ، فيخافون من اللّه تعالى أن يمكر بهم ويجعلهم مثل إبليس في الشقاء ، فلا يأمنون من مكر اللّه تعالى ولا من استدراجه لهم ، واللّه على كل شيء قدير ، واللّه يحكم لا معقب لحكمه.


وأما آله ، أي فرعون يعني قومه الذين كانوا يعبدونه من دون اللّه تعالى فلهم حكم آخر غير حكمه هو ، فإنهم ماتوا على الكفر باللّه تعالى وأنبيائه ورسله وعلى التكذيب بالحق ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أسلم وآمن قبل موته .
وقال تعالى في حقهم :" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ " [ غافر : 46 ] .
فإن في بيان عذابهم الآن في النار غدوّا وعشيا ، وكيفيته ، وذكر قبورهم المتنقلة في بطون الحيتان البحرية والحيوانات البرية ، وتنويع عذابهم فيها إلى يوم القيامة ، ثم دخلوا لهم في يوم القيامة إلى أشد العذاب .

وما المراد بذلك العذاب الأشد ؟
وما حكمة ذلك كله ، إلى غير ذلك من بيان أحوالهم البرزخية والأخروية ليس هذا موضع ذكره ، فإنه يحتاج إلى بسط كلام كثير .
ثم ليعلم ، أي السالك أنه ، أي الشأن لا يقبض اللّه تعالى أي يتوفى ويميت أحدا من الناس مؤمنا كان ذلك المقبوض أو كافرا إلا وهو ، أي ذلك المقبوض مؤمن بينه وبين اللّه تعالى في حال قبضه وموته أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية في الكتاب والسنة من الحق كما يشير إليه قوله تعالى : "وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " [ الأنعام : 3 ] ، وإذا عاينوا ذلك فكيف لا يؤمنون بقلوبهم ويصدقون .

 
( قال رضي الله عنه :  وأعني) بهذا التعميم في كل مقبوض إذا كان (من المحتضرين) ، أي الذين حضرتهم ملائكة الموت ، وماتوا بالنزع الكثير أو القليل ؛ (ولهذا) ، أي لكون الأمر كما ذكر (يكره موت الفجاءة) بالضم والمد وتفتح وتقصر أي البغتة ، وهي الموت بلا مرض ولا نزاع ولا ضرب ولا قتل ولا غيرها ، بل من خالص الصحة والعافية ، أو مشوبها ببعض مرض لا يحصل منه الموت عادة .
وكراهته إنما هي في حق المسرفين على أنفسهم والكافرين لتفويت التوبة والإسلام عليهم ، وهو خير في الصالحين ، كما ورد أن إبراهيم الخليل عليه السلام مات بلا مرض كما بينه جمع ، وتوفي داود عليه السلام فجأة ، وكذلك الصالحون وهو تخفيف عن المؤمن .
و يكره (قتل الغفلة) أيضا في حق غير الصالحين أيضا كالفجأة .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم أي يذوق العذاب الأخروي ) فلا يصدق في حق هذا الصنف أنه قبضه اللّه تعالى طاهرا ومطهرا لأنه قبض مع الشرك فبقي جسده نجسا وكذلك روحه وقع في القبضة مع الشرك فذاق العذاب الأخروي ثم آمن فلا ينفع ذلك الايمان لهم بالنص الإلهي وتفسير الرؤية بالذوق على من يرى إيمان اليأس صحيحا ( فخرج فرعون ) على ذلك التفسير ( من هذا الصنف ) وأما من لم يفسر الآية بذلك التفسير دخل فرعون عنده في هذا المصنف ( هذا ) أي المذكور في إيمان فرعون ( هو الظاهر الذي ورد به القرآن ) أي يدل عليه ظاهرا القرآن الذي يجب العمل به إذا لم يعارضه النص أو الإجماع .


فلما زعم من لا يفهم كلامه أنه قد جعل فرعون الذي قد ثبت شقاؤه بحجة قاطعة شرعية من المؤمنين فظن السوء في حقه أراد دفع ذلك الظن الفاسد في حقه فقال ( ثم أنا نقول ) لإزالة إنكار المنكرين في حقه ( بعد ذلك ) أي بعد ورود ظاهر القرآن على إيمان
 

قال رضي الله عنه :  ( والأمر فيه إلى اللّه )  فعدل عن الظاهر الذي ذكره وأورده دليلا على إيمان فرعون إلى التوقف لمعارضته الإجماع وبين سبب عدوله ( لما استقر في نفوس عامة الخلق ) وهم الفرق الاسلامية كلها بل الكفرة أيضا
 

قال رضي الله عنه :  ( من شقائه ) بيان لما ( وما لهم نص في ذلك ) أي في شقاء فرعون ( يستندون ) الشقاء ( إليه ) أي إلى ذلك النص أو يستندون الشقاء بسبب ذلك النص إليه أي إلى فرعون ( وأما إله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه ثم ليعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعني) بقوله ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن.

قال رضي الله عنه :  ( من المحتضرين ولهذا ) أي ولأجل كون المحتضر صاحب إيمان وشهود (يكره موت الفجاءة وقتل الغفلة )

 

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن. ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه. وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )


وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بثوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90]
ثم تمادي في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه  : ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ، ولو جاءته كلّ آية ، حتى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي ، فخرج فرعون من هذا الصنف .
هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنّا نقول بعد ذلك : والأمر فيه إلى الله ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك مستندون إليه .  وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه . ثمّ لتعلم أنّه ما يقبض الله أحدا إلَّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاء به الأخبار الإلهية ، وأعني من المحتضرين ، ولهذا يكره موت الفجاة وقتل الغفلة ، فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج ، فهذا موت الفجأة ، وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة )

يشير رضي الله عنه  إلى بشارة عظيمة لمن احتضر من الكفّار والمشركين ولا محجوبين بأنّهم يشاهدون الملائكة وأمارات الآخرة ، فيؤمن بحكم ما يشهد ولا بدّ ، ولكن قد يكون إيمانه حال الغرغرة ، والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، والمؤمن منهم عند الغرغرة أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ ،
والميت فجأة والمقتول غفلة من الكفّار يقبض على ما كان عليه في آخر نفسه كفرا كان أو إيمانا ويحشر على صورة خاطره إذ ذاك ، والمحتضر من الكفّار بخلافهما ،
وأمّا فرعون غير داخل فيهم ، فإنّه مؤمن قبل الغرغرة ، راج للنجاة من عذاب الغرق ولات حين مناص .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروى لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم : أي يذوقوا العذاب الأخروى فخرج فرعون من هذا الصنف ، هذا هو الظاهر الذي ورد به نص القرآن ، ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى الله لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه ، وما لهم نص في ذلك ) أي في شقائه الأبدي .


قال رضي الله عنه :  ( يسندون الشقاء إليه ، وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره ، ثم ليعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعنى من المحتضرين ، ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة ).
أي لا يدل على الزمان كقوله تعالى :" وكانَ الله عَلِيماً حَكِيماً " .
وكان زيد قائما ، فإن معناه ثبوت الخبر للاسم ووجوده على الصيغة المذكورة وأما قرائن الأحوال فكما تشاهد فقر زيد ،
فيقال لك : كان زيد غنيا : أي في الزمان الماضي فافتقر ،
وكقول الشيخ : كنت شابا قويا ، والمراد أن معنى الحديث أنه يقبض على ما هو عليه ، وإطلاق الحرف على ما كان حرف وجودي مجاز ، كقولهم في حرف إني كذا أي قرأته .



مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ، ولو جائته كل آية ) كأبي جهل وأضرابه ، فإنه قال لقاتله حال القتل : قل لصاحبك ( يعنى محمد ) ما أنا بنادم عن مخالفتك في هذا الحال أيضا .

قال رضي الله عنه :  ( حتى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي ) عند الموت الطبيعي
( فخرج فرعون من هذا الصنف . هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن . ثم ، إنا نقول بعد ذلك : والأمر فيه إلى الله بما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه )
في الآخرة (وما لهم نص في ذلك يستندون الشقاء إليه.) لا إلى الله .
(وأما آله ، فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه.) أي، حكم فرعون حكم المؤمنين الطاهرين المطهرين ، إذ ما وقع بعد الإيمان منه عصيان ، والإسلام يجب ما قبله .


وأما حكم آله ، فحكم الكافرين من وجه ، لأنهم جعلوا الرب المطلق
والمعبود الحق مقيدا في صورة فرعونية فستروا الحق في صورته الباطلة ، وحكم
المؤمنين من وجه ، لأنهم ما عبودا في صورته إلا الهوية الإلهية الظاهرة في المجالي
المختلفة . فرضي الله عنهم من هذه الحيثية ورضوا عنه ، وإن كان من حيث
تقيدهم إياه يعذبهم . ولما لم يكن هذا موضع بيانه ، قال : ( ليس هذا موضعه . )

قال رضي الله عنه :  ( ثم ، ليعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن ، أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية ) لأنه يعاين ما أخبر به الأنبياء، عليهم السلام ، من الوعد والوعيد.
( وأعنى من المحتضرين . ) أي ، وأعنى بهذا القول من يكون من المحتضرين لا من يموت مطلقا .
قال رضي الله عنه :  (ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة) .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:19 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الحادية والثلاثون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الحادية والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الحادية والثلاثون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي : يذوقوا العذاب الأخروي ، فخرج فرعون من هذا الصّنف ، هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن ، ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه ، وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه ، ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة ، وأعني من المختضرين ، ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة).
 
ثم أشار إلى أنه لو كان مأخوذا في الآخرة بكفره لم يكن ليؤمن عند الغرق ؛ لقوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [ يونس : 96 ، 97 ] .
 
ووجه الاستدلال أنه علم بالنص أن ( من حقت عليه كلمة العذاب الأخروي ) ، فإنه المراد بكلمة ربك لأن المفسرين فسروها بقوله : هؤلاء في النار ولا أبالي ( لا يؤمن ) قبيل الموت ، وإن كان يؤمن في الحياة ( ولو جاءته كل آية ) في ذلك الوقت أو قبله ، والبأس الدنيوي من جملة الآيات ( حتى يروه العذاب الأليم ) ، فليس المراد أي عذاب كان ، فإن المحتضر لا يخلو من عذاب المرض في الجملة ، ولا نفس الرواية لذلك العذاب الأخروي بمعنى [ . . . ] به عن تلك الآيات ، بل المراد ( أي : ذوقوا العذاب الأخروي) ، وفرعون آمن قبيل الموت قبل ذوق العذاب الأخروي ، ( فخرج فرعون من هذا الصنف) .
 
ثم أشار إلى أن ذلك ليس مما يجب الاعتقاد به ، بل ( هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن )  أورد أنه ينجي روحه وبدنه ، وورد أنه آمن قبيل الموت ، ومن حقت عليه كلمة العذاب لا يؤمن حينئذ ورده كونه آية في نجاة روحه وبدنه ، والتأويلات التي ذكرها الجمهور خلاف الظاهر .
 
قال رضي الله عنه :  ( ثم إنا نقول بعد ذلك ) أي : بعد التعرض لما يدل عليه ظاهر القرآن ( والأمر فيه إلى اللّه ) ؛ لعدم الدليل القاطع على قبول إيمانه ، ولا على عدم قبوله ( لما استقر في نفوس العامة من شقائه ) من كفره وعلوه أيام جنونه ، وقد أخذ على ذلك وكره اللّه تعالى ذكره تقرر عندهم أن إيمانه غير مقبول في حق الآخرة أيضا ،
 
كما لا يقبل في حق الدنيا مع أن المؤاخذة الدنيوية لا تستلزم المؤاخذة الأخروية لو تخلل الإيمان بينهما قبل كشف الحجب عن أحوال الآخرة ، كما في صورة استرقاق الكافر إذا آمن بعد ذلك ، ولو قبيل الموت قبل انكشاف أحوال الآخرة ( وما لهم نص في ذلك يستندون إليه ) ؛ لأن النصوص الواردة في شأنه إما أن تدل على كفره وطغيانه قبل هذا الإيمان ، فهي لا تدل على عدم قبول إيمانه الثابت بالنص أيضا ، ولا شكّ أنه لو آمن قبل دخول البحر بعد انغلاقه لقبل إيمانه اتفاقا ، وليس الغرق فيه أجل دلالة منه .
 
وإما أن تدل على مؤاخذته على الكفر السابق في الدنيا ، ولا دلالة لها على المؤاخذة الأخروية على ذلك الكفر إذا تخلل بينهما الإيمان قبل كشف الحجب عن أحوال الآخرة ، فاسترقاق الكافر مؤاخذة دنيوية ، والإسلام بعدها لا يدفع تلك المؤاخذة فلا يعتق بمجرد الإيمان ، لكن لا يؤاخذ بذلك الكفر في الآخرة حينئذ .
 
وإما أن تدل على مؤاخذته في الآخرة على حقوق الخلق من إضلال قوم غير محصورين ، واستعباد بني إسرائيل وهم أولاد الأنبياء ظلما وقتلا لأولادهم ، وهذه الحقوق مما لا يعفى منها بالإيمان أو على عذابه في الآخرة مطلقا من غير أن يشير إلى كونه على كفره ، ولا إلى خلوده ، ولا إلى عدم قبول إيمانه ،
فالشيخ إنما أورد هذا ؛ للإشارة إلى أن النصوص ساكتة عن ذلك لا كما يتوهم العامة من دلالتها على عدم قبول إيمانه .
وقد ذكرنا ما يجب اعتقاده في هذه المسألة فيما تقدم ، ولتذكر أدلة الجمهور مع ما أجيب به عنها ، وهي وجوه :
الأول : أنه تعالى ما يقص في كتابه العزيز قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصته ، ولا ذكر من أحد من الكفر والطغيان مثل ما ذكرهما منه ، ولا كرر مثل ما كرره .
 
أجيب : بأن الكناية أبلغ من التصريح ، قلنا : صرح باسم قبلة إبراهيم ، وكني عن حب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله :إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [ آل عمران : 31 ] ،
فكذا صرح باسم فرعون ، وأخفي اسم قابيل مع أنه أشد عذابا منه ، ولعل عاقر ناقة صالح لا يكون أقل عذابا منه ، وقد قال تعالى في حقه :إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها[ الشمس : 12 ] ،
 
وكذا نمرود ، ثم ذكر اسمه الخاص لإحضاره بعينه من جملة من بعث إليه موسى من رؤساء الكفرة ، وهم فرعون وقارون وهامان ، فصرح بأسماء كلهم بخلاف من بعث إلى رئيس معين كنمرود وإلى طائفة عظيمة كقوم نوح ، وإنما جعل قصته أعظم القصص ؛
لأن غاية كفره وطغيانه كان عن غاية قوته ، فمن ذلك أخذ بأسهل الطرق وهو الغرق ، وورث ملكه أعداءه الذين كان يستضعفهم غاية الاستضعاف ، وذكر أنه أخذ مع إيمانه في الدنيا على جرائمه السابقة ، وكان كتمانه سبب نجاته في الآخرة ، كما أشار إليه بقوله :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ،ومع ذلك يؤاخذ بحقوق الخلق .
 
ففي قصته أعظم وجوه التخويف مع أعظم وجوه التوجيه ، كما قال :لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ[ يونس : 92 ] ، فذكر جنايته كذكر من قتل مائة نفس ، ثم جعله اللّه من أهل النجاة. رواه مسلم  وأحمد في المسند .
 
الثاني : قوله تعالى :"يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ" [ هود : 98 ، 99 ] .
وقوله تعالى :"فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ" [ القصص : 40 - 42 ] .
أجيب : بأن تقدمه قومه لإيرادهم النار لإضلالهم ، ووروده قبلهم لذلك ؛ وربما يشير اعتبار دخوله بهذا السبب مع أن الكفر أعظم سببا منه إلى أن دخوله ليس لكفره ، واللعنة قد وردت في حق القاتل ، والإضلال أشد من القتل ، فإنه إهلاك أبدي ، وقد قتل أولاد بني إسرائيل أيضا على أن اللعنة نكرة ، والتنكير للتنويع ، والظلم أعم من الكفر ،
فإن سلم فهي تدل على مؤاخذته بالكفر السابق في الدنيا ، ولا دلالة له على المؤاخذة الأخروية أن المراد به الكافرون به بعد تخلل الإيمان بينهما كما في صورة كافر استرق فآمن ، وكونهم أئمة يدعون إلى النار ؛ لأنهم سنوا سننا قبيحة ، والقبح أعم من أن يكون بالكفر أو سائر المعاصي ، وليس لكل واحد منهم على السوية ؛ لتفاوت درجاتهم .
 
الثالث : قوله تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ( 13 ) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ  [ ص : 12 ، 13 ، 14 ] .
وقوله تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( 14 )[ ق : 12 - 14 ] .
 
أجيب : بأن المراد المؤاخذة الدنيوية ؛ لأن المراد يحق أن الماضي وهو الحقيقة ، أو المستقبل وهو المجاز ، والحمل على الحقيقة هو الأصل ، وإن جاز الحمل على الجمع بينهما عند بعضهم ، فليس بواجب ولا أول من الحمل على الحقيقة ، مع أن بعضهم أول فرعون في الآية الأولى بقومه بدليل قوله :أُولئِكَ الْأَحْزابُ[ ص : 13 ] ،
وإنما تثبت المؤاخذة الأخروية في حق من تثبت له بدليل آخر ، وإلا فإنه دلالة للمؤاخذة الدنيوية على الأخروية مع تخلل الإيمان بينهما .
 
الرابع : قوله تعالى : فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى[ النازعات : 25 ] .
أجيب : بأنه إن أريد بالآخرة أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] ، وبالأولى ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي[ القصص :38] ، فهذه مؤاخذة دنيوية على كفره السابق ، وإن أريد بالآخرة القيامة ، وبالأولى الدنيا ، فنكال الآخرة جزاؤه على إضلاله ، واستعباده بني إسرائيل ، وقتله أولادهم لا يقال على الوجه الأخير .
إذا كان نكال القيامة لقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى دل ذلك على أن مؤاخذته الأخروية لكفره ؛ لأنا نقول لا دلالة للنص على أن نكاله في الآخرة لقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ،
 
بل إن مجموع نكال الدنيا ونكال الآخرة كان لمجموع النداء بعد الحشر ، وقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىفيه إضلال ، ويجوز أن تتوزع أجزاء الجزاء على أجزاء الفعل بأن يكون نكال الآخرة للإضلال المفهوم من النداء .
 
الخامس : قوله تعالى :" وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ( 88 ) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما" [ يونس :  88 – 89 ].
 
أجيب : بأن قوله :فَلا يُؤْمِنُوا إن كان عطفا على لِيُضِلُّوا لم يدخل تحت الدعوى المستجابة ، وإن كان جواب الأمر مع أنه لا يصلح أن يكون جوابا للمعطوف عليه ، فالمراد بالعذاب الأليم : الغرق ؛ لأنه إن أريد عذاب الآخرة كان رضا بموته على الكفر وهو كفر ،
 
والقول بأن الدعاء به ليس بكفر مع أن الرضا به كفر باطل ؛ لاستلزامه الرضاء به مع أنه أتم في الرضاء ، وقول القائل لمن يريد الإسلام في الحال ائتني هذا وقد كفروه ، وكأنه دعا عليهم أن يؤخذوا على الكفر السابق في الدنيا من غير تعريض لبقائه أو عدم بقائه على الكفر إلى انكشاف أحوال الآخرة .
 
السادس : قوله تعالى :آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[ يونس  :91].
لامه على الإيمان حين المؤاخذة ، ولا يلام الشخص على الأمر المقبول منه .
أجيب : بأنه لامه على قصد النجاة من الغرق بهذا الإيمان ، فبيّن اللّه أنه لا ينفع في المؤاخذة على المعاصي الماضية كما قال :وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .ثم أشار إلى نفعه بالنسبة إلى ما بعده ، فأتى بإلقاء الدالة على السببية في قوله :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ 
أي : ننجي روحك ببدنك ، أي : مع بدنك ، إذ الإيمان لا يخلو من نفع ، وقد امتنع النفع الدنيوي ، فلابدّ من النفع الأخروي إذا وقع قبل الانكشاف عن أحوال الآخرة .
 
السابع : روى الإمام أحمد بن حنبل ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :  " أنه ذكر الصلاة يوما ، فقال : من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة ، وحشر مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " . رواه أحمد في المسند والدارمي .
أجيب : بأنه لا معية في عذاب الكفر ؛ لأن تارك الصلاة مؤمن عندنا ، فالمعية في العذاب على سائر المعاصي التي تنهي عنها الصلاة ، فمن تركها فكأنما ارتكبها جميعا ، وعذاب من عذب منهم على الكفر ليس من هذا النص .
 
الثامن : علم بالضرورة من الملك أنه أكفر الخلق ، وانعقد عليه الإجماع .
أجيب : بأنه إن أريد قبل التكلم بكلمة الإسلام عند الغرق ، فلا نزاع فيه بل لعله لم يسبقه سابق ، ولا يلحقه لاحق إن أريد معه أو بعده ، فلا يتصور أصلا فضلا عن الضرورة ، واستقراره في أذهان العامة وأقوالهم لا تجعله من ضروريات الدين كما أنه استقر في القرآن أنه ليس وراء هذه الألفاظ والأشكال مع أنه ليس شيئا منها ، بل هما وجودان زائدان على وجوده العيني ولا نسلم الإجماع على أنه لا يسمي مؤمنا ،
فإن الإمام حافظ الدين النسفي نقل في شرح عقيدته عن الإمام أبي حنيفة أنه قال : لا يدخل النار إلا مؤمن ، فقيل له : كيف ذلك ؟ ،
 
فقال : أنهم حين يدخلون النار لا يكونون إلا مؤمنين ، وإبليس كان قبل الأمر بالسجود مؤمنا ، غايتهم أنهم لا يقبل إيمانهم ولا ينفع ؛ لكونه عند رؤية أحوال الآخرة ، وإن أريد الإجماع على عدم قبوله ، فلابدّ له من نقل ، وغايته أن الأكثر لم ينقل فيه الخلاف ،
وقد رأيت في بعض الرسائل ينقل عن بعض المفسرين الخلاف في قبول إيمانه ، وكذا عن شعب الإيمان للبيهقي عن جماعة من العلماء .
 
العاشر : قوله تعالى :أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ[ غافر : 46 ] يدخل فيه فرعون دخول إبراهيم والناس وأبي أو في قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ[ آل عمران :33].  
وقوله تعالى : سَلامٌ عَلى إِل ‌ْياسِينَ[ الصافات : 130 ] .
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « اللهم صلي على آل أبي » رواه البخاري وابن خزيمة  و رواه مسلم . و ابي داود وابن ماجة والنسائي وأحمد وغيرهم.
أو في حين جاءه أبو أوفى بالصدفة امتثالا لقوله تعالى :وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ[ التوبة : 13 ] .
أجيب : بأن دخول الشخص في آله من صريح المحال ، لكنه قد يذكر آل الشخص ، ويراد به نفسه مجازا بالزيادة ، وقد يقصد به أهله وعياله وأتباعه وهو الحقيقة ، والجمع بين الحقيقة والمجاز ليس مذهب الجمهور ، ومن قال به لا يوجبه ، ولا يرجحه على إرادة الحقيقة وحدها ، واصطفينا إبراهيم لا يفهم من قوله :وَآلَ إِبْراهِيمَ[ آل عمران : 33 ] ،
بل من قوله : وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[ البقرة : 130 ] ، والمفهوم منه اصطفاه إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ويوسف وموسى وهارون ، وغيرهم من أنبياء ذريته صلوات اللّه عليهم أجمعين ، والمراد بآل ياسين هو إلياس وحده على المجاز ، وكذا أبو أوفى من آل أبي أوفى ، وليس المراد بآل فرعون نفس فرعون ، وإلا لم يصح قوله :أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ[ غافر : 46 ] بصيغة الجمع .
 
ولعل الشيخ أشار إلى رفع هذا الاستدلال بقوله : ( وأما آله فلهم حكم آخر ) ؛ لأنهم إن قالوا : هو الإله دون اللّه فهم جاحدون ،
وإن قالوا : هو إله مع اللّه ، فهم مشركون ، وكذلك قالوا : هو إله بظهور الإله فيه ،
ثم قال ( ليس هذا موضعه ) ، بل موضعه ما فهم في فص نوح ، وفص لقمان ، وفص هارون وغيرهما .
 
ثم أشار إلى أن الإيمان في الدنيا لا يخلو من فائدة ، ولو بعد كشف أحوال الآخرة وإن لم يفيد الخروج عن النار ،
فقال رضي الله عنه  : ( ثم ) أي : بعد أن علمت أن إيمان البأس لا يدفع البأس الدنيوي عند رؤيته والأخروي عند رؤيته ؛ ( لتعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن ) عند قبضه ، فتبقي روحه متصفة بصفة الإيمان ، وإن لم يكن في حكم المؤمنين في النجاة عن الخلود في النار ؛ ولذلك يصدق عليه اسم الكافر ، لكنه مؤمن ، ( أي : مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية ) في الكتاب والسنة ، وهي حقيقة الإيمان وإنا نخلف عنها الحكم ؛ لنخلعه عن وقت التكليف به ؛ لأنه لا تكليف بشيء بعد صيرورته ضروريّا بلا ليس عند انكشاف اللوح المحفوظ بانكشاف ناصية ملك الموت ، لكنه لا يكون في الميت فجأة والمقتول غفلة ؛
 
ولذلك قال : ( وأعني ) بقولي أحدا كافرا ( من المحتضرين ) ، إذ لا كشف عن أحوال الآخرة ، ولا إمكان للإيمان والتوبة عند القبض لغيره ؛ ( ولهذا يكره موت الفجأة ، وقتل الغفلة ) في الكافر والفاسق ، إذ يفوت بهما الإيمان والتوبة من كل وجه ، فلا يحصل التخفيف بهما ، وإن كانا لا يفيدان النجاة بعد كشف أحوال الآخرة في حق المحتضر .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )
 
قال رضي الله عنه  : ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخروي ) بظهوره فيه  آيته أن ( لا يؤمن ) في الدنيا ( ولو جاءته كل آية " حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الأَلِيمَ " ) عند حضوره الموت وتيقّنه به ، فإنّه من العذاب الأخروي ،
ولذلك فسّر الرؤية المذكورة بقوله : ( أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف ) لما مرّ من عدم تيقّنه بالموت ، وإيمانه قبل رؤيته العذاب الأليم .
 
قال رضي الله عنه  : ( هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ) كما عرفت في هذه الآية وغيرها ، مما يمكن أن يتمسّك به أهل الظاهر على ما اعتقدوه في فرعون من أنّه غير نصّ فيه ولا ظاهر ، بل الظاهر منها خلافه ، ولذلك قال : ( ثمّ إنا نقول بعد ذلك ) البيان الذي ظهر من الآيات القرآنية : ( والأمر فيه ) أي في فرعون وكفره ( إلى الله ) لعجزنا عن الإبانة عن ذلك الأمر بما هو عليه  ( لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه ) كما في غيره من الصور الاعتقاديّة الرسميّة التي لهم .
 
حكم آل فرعون
وأما النصوص الواردة في آل فرعون ، كقوله تعالى : " وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ " ، "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ".
 فلا دخل لها فيما نحن فيه ، وإليه أشار بقوله : ( وأما آله ، فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره ) فإنّ النسبة الارتباطيّة التي بينه وبين قومه ليست حقيقيّة وجوديّة ، كما للأنبياء مع أصحابهم ، بل كونيّة [ . . ] كما عرفت من طيّ ما جرى بينه وبين موسى .
وتحقيق هذا يحتاج إلى بسط لا يليق بهذا الموضع ، كما أشار إليه في التفرقة بين الكافر المحتضر والكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة بقوله :


كلّ محتضر مؤمن ، وليس كذلك المقتول غفلة والميت فجأة
قال رضي الله عنه  : ( ثمّ ليعلم أنّه ما يقبض الله أحدا إلَّا وهو مؤمن - أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة) لظهور الأمر عليه عند رفعه الحجب المانعة عن ذلك ، وهي القوى الإدراكية وما يترتّب عليها ، كما قال الشيخ رضي الله عنه  :
وأما  المسمى آدما ، فمقيّد   ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق  مثلنا ... لأنا وإياهم  بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
 
( وأعني ) بذلك ( من المحتضرين ) أي من حضره الموت ، وهو واقف عليه حاضر ، ( ولهذا يكره موت الفجأة ) حيث استعيذ منه في الدعوات المأثورة ( وقتل الغفلة ) .
 
ثمّ إنّه يشير إلى مبدأ ذلك الإكراه وبيان لمّيته ، وذلك أن الإنسان ينبغي أن يكون عند خروجه من دار الدنيا في جمعيّة فطرته الأصليّة وإحاطته الذاتيّة ولو بمجرّد الاعتبار وصورة ذلك جمع ما تفرّق وشذّ عنه ، وهو بإدخال ما لم يكن داخلا في الوجود أو في العلم ، كالنفس الداخل مثلا ، وإثبات العقائد وامتياز الصور العلميّة ، وليس ذلك في موت الفجأة وقتل الغفلة .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )


قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي . فخرج فرعون من هذا الصّنف . هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن . ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه . وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه . ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة : وأعني من المختضرين ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة .)
 
قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية ) ، كأبي جهل فإنه قال لقاتله : قل لصاحبك يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم : ما أنا بنادم على مخالفتك في هذه الحال أيضا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ، أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف .
هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه ) موكول ( إلى اللّه لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك ) ، أي في شقائه ( يستندون إليه ) في إثبات الشقاء له
 
قال رضي الله عنه :  ( وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره . ثم ليعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعني بذلك من المحتضرين )، الذين حضرهم الموت واقفون عليه حاضرون به ( ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة ) .

قيل "قتل الغفلة" ههنا بحسب اللغة قتل الغيلة بالغين المعجمة والياء المنقوطة من تحت بنقطتين وكأنه صحفه الناسخون
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:20 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثانية والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثانية والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثانية والثلاثون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.  
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة.)

قال رضي الله عنه :  ( فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النّفس الداخل ولا يدخل النّفس الخارج . فهذا موت الفجأة . وهذا غير المحتضر . وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر : فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر . ولذلك قال عليه السّلام : " ويحشر على ما عليه مات " .  كما أنّه يقبض على ما كان عليه : والمحتضر ما يكون إلّا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمّ فلا يقبض إلّا على ما كان عليه ، لأنّ « كان » حرف وجوديّ لا ينجرّ معه الزّمان إلّا بقرائن الأحوال : فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة كما قلنا في حدّ الفجأة . )

قال رضي الله عنه :  (فأما موت الفجأة فحده) ، أي بيانه (أن يخرج) من الإنسان (النفس الداخل) في جسده (ولا يدخل) ذلك (النفس الخارج) ، أي عوده في جسده (فهذا موت الفجأة).

والمراد في حال الصحة والعافية ، أو قليل المرض وعدم السبب كما ذكرنا ، وإلا فكل موت كذلك (وهذا) ، أي صاحب موت الفجأة (غير المحتضر) ، أي الميت بالمرض والنزع (وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر) ونحو ذلك ، فإنه غير المحتضر أيضا (فيقبض) ، أي الميت فجأة والمقتول غفلة (على ما كان عليه) في حال الموت والقتل من إيمان (أو كفر ولذلك ) ، أي لكون الأمر كما ذكر


قال رضي الله عنه :  (قال عليه) الصلاة و(السلام) في الحديث (ويحشر) ، أي العبد (على ما عليه مات .)،
أي الحالة التي مات عليها من طاعة أو معصية أو إيمان أو كفر .
وفي رواية مسلم يبعث كل عبد على ما عليه مات كما أنه ، أي العبد يقبض على ما كان عليه من الأحوال في الحياة الدنيا .

قال رضي الله عنه :  (والمحتضر) ، أي الميت بالمرض والنزع (ما يكون إلا صاحب شهود)  ومعاينة للحق المبين عند موته مؤمنا أو كافرا (فهو صاحب إيمان بما ثم) بالفتح أي هناك مما شاهد وعاين من الحق (فلا يقبض) ، أي يموت (إلا على ما كان عليه) من الإيمان والكفر (لأن كان حرف وجودي) ، أي معناه وجود خبره لاسمه ، أي ثبوته له ، فإذا قلت : كان زيد قائما ، فمعناه وجود القيام لزيد وثبوته له ، وإطلاق الحرف عليه باعتبار تجرده عن الحدث ، فقد خالف الأفعال في دلالتها على الحدث والزمان ، وخالف الأسماء لعدم دلالته على معنى في نفسه ، فكان حرفا لا يقيد إلا بذكر الخبر كالحرف لا يفيد إلا بضم ضميمة إليه . وهذا في حال استعماله ناقصا والتام فعل بمعنى وجد (لا ينجر) ، أي لا ينسحب (معه الزمان) الماضي المفهوم منه في حال استعماله إلى زمان الحال

قال رضي الله عنه :  (إلا بقرائن الأحوال) في تراكيب الكلام كما في هذا الحديث ، فإن قوله : يقبض على ما كان عليه أي كان من قبل في الماضي واستمر إلى حال القبض (فقبض عليه فيفرق) بما ذكر (بين الكافر المحتضر) في الموت بأن مرض ونازع ومات (وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجأة) كما قلنا في حد الفجأة ، أي تعريفها وتبيينها ، فالكافر المحتضر يموت مؤمنا ، وغير المحتضر يموت كافرا لعدم إيمانه في وقت الموت ،

وإذا مات الكافر المحتضر مؤمنا لا يلزم من ذلك أن يظهر حكم إيمانه في الدنيا ، وإنما إذا لم يعرف منه الإسلام والإيمان عند موته بالصريح ثم مات وهو محتضر بمرض ونزع عومل في الدنيا معاملة الكافر وكان مؤمنا في الآخرة ، وإذا علم إيمانه كان مؤمنا من غير شبهة .
وكون إيمان اليأس غير نافع يعني في رفع العذاب والنجاة من الهلاك في الدنيا لا في حق نجاة الآخرة كما تقدم بيانه .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج. فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. )


قال رضي الله عنه :  ( فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج فهذا موت الفجاءة وهذا غير المحتضر وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر ولذلك قال عليه السلام : « ويحشر على ما عليه مات كما أنه يقبض على ما كان عليه » والمحتضر لا يكون إلا صاحب شهود فهو صاحب إيمان بما ثمة ) .

أي يؤمن بالذي كان يشاهده من الوعد والوعيد فإنه ثبت بالنص بأن كل كافر لا يموت إلا وهو مؤمن لكن لا ينفع إيمان من يتيقن بالموت وعلى أيّ حال فالمحتضر صاحب إيمان .

قال رضي الله عنه :  ( فلا يقبض ) أحد ( إلا على ما كان عليه ) من إيمان أو كفر ( لأن كان حرف وجودي ) تدل على وجود المعنى في محله كما في قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [ الأحزاب : 1 ] ،
تدل على وجود العلم في ذاته تعالى فيدل على وجود معنى في المقبوض فقط لا على زمان وجوده في ذلك المقبوض فاعتبر ذلك المعنى في القبض أن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ

فلا يعتبر الزمان في معناه ( لا ينجرّ معه ) أي مع كان ( الزمان إلا بقرائن الأحوال ) فلا يدل على الزمان إلا بالقرائن فلا يستدل به على زمان القبض على معنى إن كان زمان القبض يأسا قبض مأيوسا فكان كافرا وإن لم يكن مأيوسا في زمان الايمان قبض متيقنا بالنجاة فكان مؤمنا ( فنفرق ) على صيغة المتكلم ( بين الكافر المحتضر في الموت ) وهو الكافر الذي آمن عند التيقن بالموت فقبض على ذلك الايمان فهو في مشية اللّه عند المالك .

قال رضي الله عنه :  ( وبين الكافر المقتول غفلة أو ) الكافر ( الميت فجاءة ) لتحقق الكفر فيهما فقبض على الشرك وأما المؤمن المقتول غفلة أو الميت فجاءة فحكم بكراهتهما لعدم علمه بإيمانهما ( كما قلنا في حد الفجاءة).


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. .   )

 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر. وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر. ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه. والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة. فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. .   )


وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بثوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90] 
ثم تمادي في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. .   )

 
قال رضي الله عنه :  ( بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر ، فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر ، ولذلك قال عليه السّلام : ويحشر الناس على ما هو عليه مات ، كما أنّه يقبض على ما كان عليه . والمحتضر ما يكون إلَّا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمّ فلا يقبض إلَّا على ما كان عليه ، لأنّ « كان » حرف وجودي لا ينجرّ معه زمان إلَّا بقرائن الأحوال ، فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجأة ، كما قلنا في حدّ الفجأة . ).

يشير رضي الله عنه  إلى بشارة عظيمة لمن احتضر من الكفّار والمشركين ولا محجوبين بأنّهم يشاهدون الملائكة وأمارات الآخرة ، فيؤمن بحكم ما يشهد ولا بدّ ، ولكن قد يكون إيمانه حال الغرغرة ، والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، والمؤمن منهم عند الغرغرة أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ ،
والميت فجأة والمقتول غفلة من الكفّار يقبض على ما كان عليه في آخر نفسه كفرا كان أو إيمانا ويحشر على صورة خاطره إذ ذاك ، والمحتضر من الكفّار بخلافهما ،
وأمّا فرعون غير داخل فيهم ، فإنّه مؤمن قبل الغرغرة ، راج للنجاة من عذاب الغرق ولات حين مناص .



شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. .   )


قال رضي الله عنه :  ( فأما موت الفجأة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج فهذا موت الفجأة وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام « يحشر على ما مات عليه كما أنه يقبض على ما كان عليه والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثم فلا يقبض إلا على ما كان عليه « لأن كان حرف وجودي ) .


أي لفظة كان كلمة وجودية ( لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال ) أي لا يدل على الزمان كقوله تعالى :" وكانَ الله عَلِيماً حَكِيماً " .
وكان زيد قائما ، فإن معناه ثبوت الخبر للاسم ووجوده على الصيغة المذكورة وأما قرائن الأحوال فكما تشاهد فقر زيد ، فيقال لك : كان زيد غنيا : أي في الزمان الماضي فافتقر ، وكقول الشيخ : كنت شابا قويا ، والمراد أن معنى الحديث أنه يقبض على ما هو عليه ، وإطلاق الحرف على ما كان حرف وجودي مجاز ، كقولهم في حرف إني كذا أي قرأته .


قال رضي الله عنه :  ( فنفرق بين الكافر المحتضر في الموت ، وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجأة ، كما قلنا في حد الفجأة ) .

هذه بشارة لمن احتضر من الكفار والمحجوبين بأنه يشهد الملائكة وأحوال الآخرة قبل موته ، فهو مؤمن بحكم ما يشهد ولكن قد يكون إيمانه حال الغرغرة والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، ولا شك أن كل محتضر يشاهد ذلك لكن الكلام في أنه لا ينفعه إيمانه حينئذ بما لم يعتقد قبل ذلك فلم يخبر الشيخ عن ذلك ،
والحق أنه لا ينفعه لقوله تعالى :" يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِها خَيْراً ".

"" إضافة بالي زاده :
فهو صاحب إيمان بما ثمة : أي يؤمن بالذي يشاهده من الوعد والوعيد ، فإنه ثبت بالنص بأن كل كافر لا يموت إلا وهو مؤمن لكن لا ينفع إيمان من تيقن بالموت ، وعلى أي حال فالمحتضر صاحب إيمان. اهـ  بالى زاده ""


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. .   )

 
قال رضي الله عنه :  ( فأما موت الفجأة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج . فهذا موت الفجأة . وهذا غير المحتضر .  ولما خص المحتضر بالذكر ، أراد أن يفرق بينه وبين غيره فقال : كذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر ، فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر .  ولذلك قال ، عليه السلام : "ويحشر على ما مات عليه" كما أنه يقبض على ما كان عليه . والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمة . فلا يقبض إلا على ما كان عليه ، لأن "كان" حرف وجودي ) .


أي ، لفظ ( كان ) كلمة وجودية وإطلاق الحرف عليه مجاز ( لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال . ) أي ، ( كان ) يدل على وجود الصفة المذكورة في موصوفه ، ولا تدل على الزمان ، والاستدلال بالزمان يحصل من قرائن الأحوال . كما تقول : كان زيد صاحب المال والجاه .
فمن شهودك في الحال فقره ، تستدل على أن غناه كان في الزمان الماضي .

وكذلك في قولك : كان فلان شابا قويا . أي ، في الزمان الماضي ، واليوم شيخ ضعيف .
ولعدم دلالته على الزمان ، يطلق على الله في قوله : ( وكان الله عليما حكيما ) وعلى غيره من الأمور الثابتة أزلا وأبدا ، كما قال في قوله : ( وكان ذلك في الكتاب مسطور )
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت، وبين الكافر المقتول غفلة، أو الميت فجأة. كما قلنا في حد الفجأة . )

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالأربعاء مايو 06, 2020 4:20 pm

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثانية والثلاثون الجزء الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثانية والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثانية والثلاثون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. )
 
قال رضي الله عنه :  ( فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النّفس الداخل ولا يدخل النّفس الخارج ، فهذا موت الفجأة ، وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر ، فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر ، ولذلك قال عليه السّلام : « ويحشر على ما عليه مات ») . رواه مسلم وابن حبان .
كما أنّه يقبض على ما كان عليه ، والمحتضر ما يكون إلّا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمّ فلا يقبض إلّا على ما كان عليه ، لأنّ « كان » حرف وجوديّ لا ينجرّ معه الزّمان إلّا بقرائن الأحوال ؛ فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة كما قلنا في حدّ الفجأة . )
 
قال رضي الله عنه :  ( فأما موت الفجأة فحده أن تخرج النفس الداخلة ) مع الروح ، ( ولا تدخل النفس الخارجة ) حتى يكون للروح تردد بتردد النفس ، فيجد فرصة في الإيمان والتوبة ، ( وهذا موت الفجأة ) لا موت من قل زمن مرضه ، وإن كان أهل العرف يقولون فيه : مات فجأة على المجاز تشبيها له بالفجأة ،
 
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك ) أي : مثل موت الفجأة في خروج النفس الداخلة ، وعدم دخول النفس الخارجة ، ( قتل الغفلة ) بأن ( يضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر ) ، كما لا يشعر صاحب موت الفجأة حتى يشتغل بتدارك ما فاته من الإيمان والتوبة ، ( فيقبض على ما كان عليه ) قبل الموت أو القتل ( من إيمان أو كفر ) ، إذ لم يكتسب عند الموت شيئا منهما حتى يصير ناسخا لما يقدمه ، فيصير ما كان عليه صفته اللازمة ؛ ( ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم : « يحشر المرء على ما مات عليه ») ، إذ لا يمكن للروح اكتساب شيء بدون البدن ، وهو إنما اكتسب ما قبل حال القبض فيما نحن فيه ، فيحشر عليه
 
قال رضي الله عنه :  ( كما أنه يقبض على ما كان عليه ) قبل القبض مما صار ناسخا لما قبله ، لكن المحتضر يكتسب حال القبض عندما يكون ناسخا لما قبله ؛ وذلك لأن ( المحتضر ما يكون إلا صاحب شهود ) ، إذ ينكشف بانكشاف ناصية ملك الموت ما في اللوح المحفوظ ، والشهود موجب للإيمان .
 
قال رضي الله عنه :  ( فهو صاحب إيمان بما ثم ) وإن لم تفده النجاة عن الخلود ، فيتصف بهذا الإيمان وإن لم يصر راسخا بمرور زمان بين هذا الإيمان وبين القبض ، بل وقع إيمانه في آن ، وقبضه في آن ثان ، ( فلا يقبض إلا بما كان عليه ) كما ورد به الحديث ، فإن لفظه كان فيه لا يدل على مرور الزمان كما تتوهمه العوام ؛ ( لأنه كان حرف وجودي ) ، أي : دال على وجود شيء ( لا ينجر معه ) ، أي : لا ينضم مع هذا المدلول له ( الزمان ) حتى يكون فعلا ، وليس باسم بالاتفاق فهو حرف ( إلا بقرينة الأحوال ) ،
 
أي : أحوال الموجودات إذا كان من مقتضاها البقاء مدة ولا قرينة في الحديث ، لكن لا يتحقق هذا الشهود والإيمان في حق الميت فجأة والمقتول غفلة ، ( فتفرق بين الكافر المحتضر ) بتخفيف العذاب ؛ لأنه مؤمن في حكم الكافر ، ( وبين الكافر المقتول غفلة ) والكافر ( الميت فجأة ) بتضعيف العذاب ؛ لأنه كافر من كل وجه ؛ ولذلك سماه كافرا غير مقبول فقط ، وسمي المحتضر مؤمنا تارة وكافرا أخرى ، وأشار إلى أنهما مع كفرهما يجب الفرق بينهما ، فلو كان فرعون الإيمان كان مستفيدا للتحقيق بسببه ؛ ولذلك ورد في التشديد في آله دونه .
ولما فرغ من بيان شهود المحتضر أشار إلى شهود الحي ،
 
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. )  


ثمّ إنّه يشير إلى مبدأ ذلك الإكراه وبيان لمّيته ، وذلك أن الإنسان ينبغي أن يكون عند خروجه من دار الدنيا في جمعيّة فطرته الأصليّة وإحاطته الذاتيّة ولو بمجرّد الاعتبار وصورة ذلك جمع ما تفرّق وشذّ عنه ، وهو بإدخال ما لم يكن داخلا في الوجود أو في العلم ، كالنفس الداخل مثلا ، وإثبات العقائد وامتياز الصور العلميّة ، وليس ذلك في موت الفجأة وقتل الغفلة .
 
أمّا الأول : فإليه أشار بقوله : ( فأمّا موت الفجأة : فحدّه أن يخرج النفس الداخل ، ولا يدخل النفس الخارج ، فهذا موت الفجأة وهذا غير المحتضر ) فإنّه في حضور من تصوّر الموت وما يترتّب عليه ، وفيه جمعيّته .
وأمّا الثاني : فإليه أشار بقوله : ( وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه )
 
صاحبه ( من ورائه وهو لا يشعر ) ، فإنّه لو لم يكن من ورائه ، أو يكون له شعور بذلك ، كان له صورة جمعيّة في الجملة ، بإدخال الخارج فيه وتصوّره ، ( فيقبض على ما كان عليه من إيمان ) وهو ظهور فطرته الأصليّة وجمعيّته الكماليّة له ( أو كفر ) وهو خفاء ذلك عليه وستره عنه (ولذلك قال عليه السّلام :" ويحشر على ما عليه مات " كما أنّه يقبض على ما كان عليه").
 
قال رضي الله عنه  : (والمحتضر لا يكون إلَّا صاحب شهود) وحضور ، لارتفاع الحجب الإدراكيّة عنه حينئذ بتعطيل القوى عمّا يشغله عن شهود ما عليه الأمر في الآخرة ، ( فهو صاحب إيمان بما ثمّ ، فلا يقبض إلَّا على ما كان عليه ) في ذلك الوقت ، ولا يختصّ بذلك الوقت من الزمان الماضي ، ويزول عند حلول الحال على ما هو مؤدّى صيغة « كان » ،
( لأنّ « كان » حرف وجوديّ لا ينجرّ معه الزمان إلَّا بقرائن الأحوال ) الخارجة عن نفس مفهومه ، ( فتفرق بين الكافر المحتضر في الموت ، وبين الكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة ، كما قلنا في حد الفجأة ) ، وبه يعرف ما بين فرعون وآله من البينونة والفرق .
 
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.  فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة.  )
 
قال رضي الله عنه :  ( فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النّفس الداخل ولا يدخل النّفس الخارج . فهذا موت الفجأة . وهذا غير المحتضر . وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر : فيقبض على ما كان عليه من إيمان وكفر . ولذلك قال عليه السّلام : « ويحشر على ما عليه مات » . كما أنّه يقبض على ما كان عليه :  والمحتضر ما يكون إلّا صاحب شهود ، فهو صاحب إيمان بما ثمّ فلا يقبض إلّا على ما كان عليه ، لأنّ « كان » حرف وجوديّ لا ينجرّ معه الزّمان إلّا بقرائن الأحوال : فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة كما قلنا في حدّ الفجأة . )
 
قال رضي الله عنه :   ( فأما موت الفجأة فحده أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج فهذا موت الفجأة ، وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر ولذا قال عليه السلام : « ويحشر على ما عليه مات ») . رواه مسلم  وابن حبان في صحيحه ورواه غيرهما .
 
قال رضي الله عنه :   (كما أنه يقبض على ما كان عليه . والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود ) ، للملائكة وأحوال الآخرة قبل موته ( فهو صاحب إيمان بما تم فلا يقبض إلا على ما كان عليه ) ، أي على ما هو عليه عند الموت لا في زمان سابق عليه ( لأن كان ) الواقع عبارة الحديث النبوي ( حرف وجودي ) ، أي كلمة تدل على وجود خبرها لاسمها وثبوته ( لا ينجر معه الزمان ) ، أي لا يدل على الزمان كقوله تعالى :وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وكان زيد قائما فإن معناه ثبوت الخبر للاسم ووجوده على الصفة المذكورة فلا يفهم منها الزمان ( إلا بقرائن الأحوال ) .
 
كما إذا قال الشيخ الهرم : كنت شابا قويا هذا والظاهر من علوم القواعد العربية أنه نص في الزمان حتى لا ينخلع عنه المعنى بدخول حرف الشرط مثل أن عليه ، وانخلاعه عنه إنما يكون بالقرينة على عكس ما ذكرها هنا .
 
وكان هذا ميل إلى ما اصطلح عليه أهل الميزان لجعلهم إياها رابط على أنهم أيضا يسمونها رابطة زمانية ( فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة والميت فجأة كما قلنا في حد الفجأة ) الفرق بينهما ظاهر لكن الكلام في أنه هل ينفعه إيمانه بما لم يعتقده قبل ذلك وإن قبض عليه عند الموت .
 
فلم يخبر الشيخ رضي اللّه عنه عن ذلك والحق أنه لا ينفعه لقوله تعالى :يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.

 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:50 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثالثة والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثالثة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة والثلاثون :                                         الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه. فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب. فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )


قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة التّجلّي والكلام في صورة النّار ، فلأنّها كانت بغية موسى عليه السّلام ، فتجلّى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه . فإنّه لو تجلّى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همّه على مطلوب خاصّ .  ولو أعرض لعاد عليه فأعرض عنه الحقّ ، وهو مصطفى مقرّب . فمن قربه أنّه تجلّى له في مطلوبه وهو لا يعلم .كنار موسى رآها عين حاجته * وهو الإله ولكن ليس يدريه )


قال رضي الله عنه :  (وأما حكمة التجلي) الإلهي ، أي انكشافه تعالى وظهوره لموسى عليه السلام (و) حكمة (الكلام) الإلهي أيضا لموسى عليه السلام (في صورة النار) التي رآها بطور سيناء وكان ليلا فقال لأهله :امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى ( 11 ) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً( 12 ) [ طه : 10 - 12 ] ،


قال رضي الله عنه :  (فلأنها) ، أي النار (كانت بغية) ، أي حاجة (موسى عليه السلام) تلك الليلة مع أهله لأجل برد أو طبخ أراده (فتجلى له) الحق تعالى في صورة (مطلوبه) وظهر له في هيئة مرغوبه ومحبوبه (ليقبل) ، أي موسى (عليه) السلام عليه ، أي على الحق تعالى إقبالا بكليته (ولا يعرض عنه) ، أي عن الحق تعالى (فإنه) ، أي الحق تعالى (لو تجلى له) ، أي لموسى عليه السلام (في غير صورة مطلوبه) في ذلك الوقت أعرض ، أي موسى عليه السلام عنه ، أي عن الحق تعالى


قال رضي الله عنه :  (لاجتماع همه) ، أي هم موسى عليه السلام يعني همته وعزمه (على مطلوب) له خاص غير ذلك المتجلي له لتجليه في غير المطلوب (ولو أعرض) ، أي موسى عليه السلام عن الحق تعالى (لعاد عمله) أي إعراضه ذلك عليه أي على موسى عليه السلام (فأعرض عنه) ، أي عن موسى عليه السلام (الحق) تعالى أيضا ، لأنه تعالى الملك الديان كما يدين يدان ، وهذا من حيث الظاهر .

وفي الباطن أن الفعل واحد ، ينسب إلى العبد باعتبار وإلى الرب باعتبار ، كما قال تعالى :ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[ التوبة : 118 ].
 

قال رضي الله عنه :  وهو) ، أي موسى عليه السلام (مصطفى) ، أي اصطفاه اللّه تعالى واختاره على جميع أهل زمانه (مقرب) بصيغة اسم المفعول فيهما ، أي قربه اللّه تعالى وأدناه من جنابه وأكرمه بمناجاته وخطابه (فمن) جملة (قربه) ، أي موسى عليه السلام من حضرة ربه تعالى (أنه) تعالى (تجلى) ، أي انكشف وظهر (له) ،
أي موسى عليه السلام (في) صورة (مطلوبه) الخاص في ذلك الوقت يعني النار وهو ، أي موسى عليه السلام لا يعلم بذلك ولهذا سماه نارا فقال لأهله :" امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً" .

"" أضاف الجامع :
"أن من التحقيق أن تعطي المغالطة في موضعها حقها"
عنها قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب السادس والعشرون ومائة :-
فاعلم أيدك الله أن من التحقيق أن تعطي المغالطة في موضعها حقها فإن لها في كتاب الله موضعا وهو قوله في أعمال الكفار" كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً "
والحق هو الذي أعطاه في عين هذا الرائي صورة الماء وهو ليس بالماء الذي يطلبه هذا الظمآن فتجلى له في عين حاجته " حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ".
فنكر وما قال لم يجده الماء فإن السراب لم يكن ذلك المحل الذي جاء إليه محل السراب ولو كان لقال وجد السراب وما كان سرابا إلا في عين الرائي طالب الماء فرجع هذا الرائي لنفسه
لما لم يجد مطلوبه في تلك البقعة ، فوجد الله عنده فلجأ إليه في إغاثته بالماء أو بالمزيل
لذلك الظماء القائم به ، فبأي أمر أزاله ،
فهو المعبر عنه بالماء فلما نفى عنه اسم الشيء جعل الوجود له سبحانه "لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" فما هو شيء بل هو وجود
فانظر ما أدق هذا التحقيق فهذا كنار موسى فتجلى له في عين حاجته فلم تكن نارا كما قلنا
كنار موسى يراها عين حاجته ..... وهو الإله ولكن ليس يدريه .أهـ ""

 
وإلى ذلك أشار المصنف قدس اللّه سره إلى ذلك بقوله : [ شعرا ]
كنار موسى يراها عين حاجته ..... وهو الإله ولكن ليس يدريه
قال رضي الله عنه :  (كنار موسى) عليه السلام يعني أن الحق تعالى يتجلى للسالك في طريقه بالصورة التي ينصرف إليها عزمه وهمته في كل حين (رآها) ، أي رأي النار موسى عليه السلام (عين حاجته) ، أي بغيته ومطلوبه في ذلك الحين (وهو) ، أي المتجلي له في صورة النار (الإله) سبحانه من غير حلول ولا اتحاد في الصورة بها ،

لأن كل ما سوى الوجود الإلهي الحق عدم باطل ، فلا يمكن أن يحل أحدهما في الآخر أصلا كما مر بيانه غير مرة (ولكن) كان موسى عليه السلام (ليس يدريه) ، أي لا يعلمه ، يعني لا يعلم أن الحق تعالى تجلى له في صورة تلك النار التي رآها .

تم الفص الموسوي


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه. فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب. فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )


قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار ) من التنازع فحذف مفعول أحدهما بإعمال الآخر ( لأنها كانت ) النار ( بغية ) أي مطلوب ( موسى فتجلى اللّه له ) أي لموسى ( في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همته على مطلوب خاص ) وهو النار لكمال احتياجه إليها.


قال رضي الله عنه :  ( ولو أعرض لعاد عمله عليه ) وهو الاعراض عن الحق ( فأعرض عنه الحق ) مجازاة له ( وهو مصطفى مقرب ) عند اللّه ( فمن قرّبه ) أي قرّب الحق من التقريب ومن موصولة أي فمن جعله الحق مقرّبا عنده وعند البعض من القرب ومن حرف جر والأول أنسب ( أنه ) أي الشأن ( تجلي ) الحق ( له ) أي لمن قرّبه الحق ( في ) صورة ( مطلوبه وهو لا يعلم كنار موسى رآها عين حاجته وهو الإله ولكن ليس يدريه ) والضمير في قوله وهو الإله وفي يدريه راجع إلى النار إما باعتبار كون النار مطلوبا أو باعتبار الخير .



شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.   فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب. فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )

قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه. فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص . ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب. فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )

 
كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.  فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.  فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )

قال رضي الله عنه  : ( وأمّا حكمة التجلَّي والكلام في صورة النار فلأنّها كانت بغية موسى ، فتجلَّى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه ، فإنّه لو تجلَّى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همّه على مطلوب خاصّ ، ولو أعرض لعاد عمله عليه ، فأعرض عنه الحق وهو مصطفى مقرّب ، فمن قربه أنّه تجلَّى له في مطلوبه وهو لا يعلم .
كنار موسى يراها حين حاجته  ... وهو الإله ولكن ليس يدريه )


قال العبد : النار أعظم الأسطقسّات وأقواها ، ولا يفارق النور صورة النار ، إذ لها الإشراق وكمالها الإحراق ، وهي تفني ما سواها من الأشكال والمولَّدات إذا قربت وسلَّطت عليه ، ولها من الحقائق الإلهية التجلَّي الإراديّ والحبّ الإلهي ، وكان الغالب على التجلَّيات الكلامية التي أوتيها موسى عليه السّلام من حضرة المحبّة والمشيّة ، ومستند الحقيقة الكلامية أيضا هي الإرادة ، فإنّ الكلام مظهر السرّ الإرادي ومظهر ما أحبّ المتكلَّم إيجاده من صور سبب علمه ، وقال الله تعالى لموسى :" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي " .
 والآية تحتمل الوجهين في المحبّة :
أحدهما : أن يكون الحق ألقى محبّته عليه وأحبّه .
والثاني : ألقى محبّة الحق في قلبه وسلَّطها عليه ، فأحبّ موسى الحق .

وأيضا في قوله : " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى " فكان طالبا رضى الله ، ومحبّا لمحبّته إيّاه .
وأيضا كان شهوده الغالب عليه في آخر أمره ، وكماله شهود الوحدة - التي هي عين الكثرة - خارجة عنها ، وشهود الكثرة في وحدة العين كثيرة ،
ولذلك كان التجلَّي في الصورة النارية وهو النور ونور الوحدة الجمعية التي في نار التفرقة وكان متعلَّق نظره الفرق في الجمع ، ولهذا أوتي الفرقان ،
وتجلَّى له نور الواحد في نار الكثرة وعين مطلوبه من الشجرة وهو صورة التفرقة التفصيلية الفرقانية بين المتشاجرات المتخالفات في عين الوفاق ،
كاختلاف الشجرة بعضها الممتدّ من أصل شجرة أعيان العالم وهو ظلّ الله الممدود المتعيّن الظاهر بصورة العالم ، فانظر التفرقة في نظره إذ قال :"رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ".


فأثبت إنّيّين اثنين ، وأضاف فعلين إلى فاعلين ، وأنت إذا قلَّبت أحواله وأقواله ، وجدت الفرقان والتمييز ، لهذا وقع التجلَّي له على التعيين في صورة النار من الشجرة كلاميّا فجمع له بين الكلام والشهود ، لكون الشهود مثاليا ، إذ لا يجمع بينهما في الشهود المعنوي الحقيقي ، لفناء الشاهد في المشهود حقيقة ،
"" المراد : كان شهود موسى صورة النار من الشجرة ممثّلا. ""

وكان شهود موسى عليه السّلام وصورة النار الشجرة ممثّلا تمثّل له الواحد الأحد الحق في عين الكثرة ، وكذا الكلام ، لأنّ الشهود الحقيقي يقتضي فناء المتجلَّى له في المتجلَّي ، والتجلَّي وظهور المتجلَّي ببقائه في عين المتجلَّى له والتجلَّي بلا اثنينية في الإنّية ،
بل وحدة بحتة ونور محض وحق صرف واحد أحد وحدته عينه فلا تجلَّي ولا متجلَّى له ، ولا كلام ولا مخاطب ، فإنّها تقتضي الفرقان والتمييز ،
ولهذا اندكّ ظهور تعيّنه من طور أنانيّته وفني وخرّ صعقا لمّا بدا إنّيتي أجلى سواه وأفنى فشاهد العين منّا فكان في الكلّ عينا مشهودة العين عينا " وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".



شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.  فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.  فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )

قال رضي الله عنه :  (وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه ، فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص ، ولو أعرض لعاد عمله عليه فأعرض عنه الحق ، وهو مصطفى مقرب ، فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم .
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه )

ولما كان موسى عليه السلام مصطفى محبوبا جذبه الله تعالى بأن وفقه لمصلحة شعيب عليه السلام حتى عرفه الحق وحببه إليه فكان الغالب عليه طلب الشهود ، والشهود لا يكون إلا في صورة أشرف ،
ولا أشرف من صور أركان العالم كالنار ، فإنها تناسب حضرة الحق بالصفتين اللتين هما أجل الصفات الذاتية وأقدمها وهما القهر والمحبة فالإحراق في النار أثر القهر بأنها ما مست شيئا قابلا لتأثيرها إلا أفنته ،

كما أن الله تعالى ما تجلى لشيء إلا أفناه والتجلي لا يكون إلا بحسب قبول المتجلى له والنورية أثر المحبة ، فإن النور لذاته محبوب فمن عنايته أحوجه إلى النار فاستولى على باطنه وظاهره صفتا القهر والمحبة من التجلي والمتجلى فيها ،

فإنه لا بد للمتجلى له أن يتصف بصفة المتجلى ويناسب المتجلى فيه ، وهذا هو الشهود المثالي في مقام التفرقة قبل الجمع ، ومقام المكالمة المقتضى للاثنينية ، وأما الشهود الحقيقي فهو يقتضي فناء المتجلى له في المتجلى ،

وذلك في قوله  : "  فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّه لِلْجَبَلِ جَعَلَه دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقاً " وهناك لا اثنينية فلا خطاب ولا كلام إلا بعد الإفاقة والله الباقي بعد فناء الخلق ، والله أعلم بالصواب .
تم الفص الموسوي


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه. فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.  فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )


قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار ، فلأنها كانت بغية موسى ، فتجلى له مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه ، فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبة ، أعرض عنه لاجتماع همته على مطلوب خاص . )

أي ، وأما حكمة تجلى الحق وكلامه مع موسى ، عليه السلام ، في الصورة النارية ، فلأنه ، عليه السلام ، كان يطلب النار لحاجته إليها ، فتجلى له الحق في صورتها ليقبل موسى ، عليه السلام ، على الحق المتجلي الظاهر على صورة مطلوبه ولا يعرض عنه ، إذ لو تجلى له في
صورة غير الصورة النارية ، لكان يعرض عنه وكان يشتغل على مطلوبه لاجتماع همته على المطلوب الخاص .

قال رضي الله عنه :  ( ولو أعرض ، لعاد عمله عليه ، فأعرض عنه الحق ) أي ، ولو أعرض ، لعاد حكم عمله الذي هو الإعراض عليه ، فكان يعرض عنه الحق أيضا مجازاة له .
( وهو مصطفى مقرب ، فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه ، وهو لا يعلم . ) 
أي، فمن قربه وكونه محبوبا عند الله تعالى، تجلى له الحق وهو طالب للنار غير طالب للتجلي .
وهذا مخصوص بالمحجوبين المعتنى بهم .
شعر :
(كنار موسى يراها عين حاجته   ..... وهو الإله ولكن ليس يدريه )
ظاهر .
وتذكير الضمير في قوله : ( وهو الإله ) وفي قوله : ( ولكن ليس يدريه ) لتغليب الخبر واعتباره .

والله الهادي .
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:50 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثالثة والثلاثون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الثالثة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الثالثة والثلاثون :                                         الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )


قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة التّجلّي والكلام في صورة النّار ، فلأنّها كانت بغية موسى عليه السّلام ، فتجلّى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه ؛ فإنّه لو تجلّى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همّه على مطلوب خاصّ ، ولو أعرض لعاد عليه فأعرض عنه الحقّ ، وهو مصطفى مقرّب ، فمن قربه أنّه تجلّى له في مطلوبه وهو لا يعلم .
كنار موسى رآها عين حاجته  .... وهو الإله ولكن ليس يدريه ).


فقال رضي الله عنه  : ( وأما حكمة التجلي ) لموسى ( والكلام معه في صورة النار ) لا بالظهور في مرآتها ، إذ يأخذ حكمها فلا يصح لها أن تقول :إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [ طه : 12 ] إني أنا اللّه رب العالمين ، وإذا جاز ظهور من له صورة في صورة غيره من غير تعلقه ببدنه كجبريل عليه السّلام في صورة دحية الكلبي  ، فظهور ما لا صورة له في ذاته في صورة شيء غير ممنوع ؛ ( فلأنها كانت بغية موسى ) ، إذ قال :إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً[ طه : 10 ] ،

وتلك الصورة وإن لم تكن عين بغيته في الواقع ، كانت عين بغيته في نظره ( تتجلى له في مطلوبه ) بحسب اعتقاده ؛ ( ليقبل عليه ) من كل وجه ، أي : من جهة كونه مطلوب الإقبال عليه بالنداء ، ومن جهة كونه طلبا لما هي صورته ، بل عينه في اعتقاده ( ولا يعرض عنه ) بوجه ،


قال رضي الله عنه :  ( فإنه لو تجلي له في غير صورة مطلوبة أعرض عنه ) من حيث إنه ليس مطلوبه ، وإن أقبل عليه من حيث دعي إلى الإقبال عليه ، لكن كان الراجح الإعراض ( لاجتماع همه على مطلوب خاص ) ، والإقبال والإعراض إنما يكون بذلك الهم ، فكأنه معرض عن الحق من كل وجه ، ( ولو أعرض ) عن الحق من كل وجه باعتبار من الاعتبارات ( لعاد ) أي : صار عمله الذي به إقبال الحق عليه وتجليه له وكماله معه مردودا عليه .

قال رضي الله عنه :  ( فأعرض عنه الحق ) ؛ لزوال سبب إقباله عليه ، ولكن لا يعرض عنه إذ ( هو مصطفى ) ، وكل مصطفى ( مقرب ) ، وإعراض الحق بعد ، فأسباب الإعراض أسباب البعد ، ومن جملتها التجلي في غير صورة مطلوبة ، ( فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه ) أي : صورة مطلوبة ، فكان نفس الحق في الواقع كان عين مطلوبه ، وإن كان ( هو لا يعلم ) أنه مطلوبه ، واستشهد بقول بعض المحققين : ( كنار موسى رآها عين حاجته ، وهو الإله المتصور بصورتها لا في مرآتها ، فكأنه كان عين حاجته ، ( ولكن ليس يدريه ) ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .

ولما فرغ من الحكمة العلوية التي بها استعلاء التصرف بالحق على المتصرف بنفسه ، شرع في الحكمة الصمدية التي بها الاستعلاء عنهم وافتقارهم إليه ؛
فقال : فص الحكمة الصمدية في الكلمة الخالدية


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )  

حكمة التجلي لموسى في صورة النار
قال رضي الله عنه  : ( وأما حكمة التجلَّي ) الظهوريّ عليه ( والكلام ) وهو الإظهاريّ منه ( في صورة النار ) التي لها العلوّ في الأسطقسات : ( لأنّها كانت بغية موسى ) بحسب المناسبة الأصلية ، وبما ساق إليه حكم الوقت ، ( فتجلَّى ) الله تعالى


قال رضي الله عنه  : (له في ) صورة ( مطلوبة ليقبل عليه ولا يعرض عنه ) لغلبة حكم الصورة عليه ( فإنّه لو تجلَّى له في غير صورة مطلوبه ، أعرض عنه لاجتماع همّته على مطلوب خاصّ ) حسب ما حكم عليه الوقت من التفرقة التي ظهرت قهرمانها عليه في ذلك الزمان ، على ما هو مقتضى كلمته العليّة الموسويّة ، على ما نبّهت إلى بعض حكمها الكاشفة عنها .


قال رضي الله عنه  : ( ولو أعرض لعاد عمله عليه ) بناء على تحقّق مجازاة العمل على وفق معادلته وطبق موازاته ، كما هو مؤدّى قوله تعالى : " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ "  ( فأعرض عنه الحقّ وبالا لعمله وهو مصطفى ) ،  بقوله تعالى : " اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ " (مقرّب ) لقوله : " قَرَّبْناه ُ نَجِيًّا " ( فمن قربه ) وتقريب الله إيّاه نجيّا ( أنّه تجلَّى له في مطلوبه وهو لا يعلم ) :

( كنار موسى ، يراها عين حاجته  .... وهو الإله ولكن ليس يدريه )

وفيه إشارة إلى أن المطلوب والمحتاج إليه عينه هو الحقّ إذا توجّه إليه بجمعيّة من الهمّة ، وإن لم يكن يعلم المتوجّه ، كما وقع لموسى مع كماله في العلم .

 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .  فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه   . )


قال رضي الله عنه :  ( وأمّا حكمة التّجلّي والكلام في صورة النّار ، فلأنّها كانت بغية موسى عليه السّلام ، فتجلّى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه . فإنّه لو تجلّى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همّه على مطلوب خاصّ . ولو أعرض لعاد عليه فأعرض عنه الحقّ ، وهو مصطفى مقرّب ، فمن قربه أنّه تجلّى له في مطلوبه وهو لا يعلم . كنار موسى رآها عين حاجته  .... وهو الإله ولكن ليس يدريه)

 
إيمان "فرعون" بما لم يعتقده قبل ذلك وإن قبض عليه عند الموت فلم يخبر الشيخ رضي اللّه عنه عن ذلك والحق أنه لا ينفعه لقوله تعالى :يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.

 

قال رضي الله عنه :  ( وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى عليه السلام فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه حينئذ على مطلوب خاص ) ، غير ما تجلى فيه ( ولو أعرض لعاد عمله ) ، أي حكم عمله ( عليه فأعرض عنه الحق ) ، أي جاراه بالإعراض عنه جزاء وفاقا .


قال رضي الله عنه :  ( وهو مصطفى ) لقوله :إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى( مقرب ) لقوله : قربناه نجيا ( فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم ) أولا لأنه هو المطلوب الحقيقي في صورة مطلوبه المجازي
( كنار موسى رآها عين حاجته . . وهو الإله ولكن ليس يدريه ) .

وتذكير الضمير في وهو الإله لتذكير الخبر وفي يدريه لأنه راجع إلى الإله أي ليس يعرف الإله المتجلي فيها أو إلى النار بالتأويل المذكور ، ووفقنا اللّه معشر الطالبين لجمعية الهمة على مطلوب ينشق عن وجه جمال المطلوب الحق وجمال وجه المطلوب المطلق .

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:51 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الرابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الرابعة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الرابعة والثلاثون :                                  
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
24 – شرح نقش فص حكمة امامية في كلمة هارونية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هارون لموسى بمنزلة نواب محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد انفصاله إلى ربه فلينظر الوارث من ورث وفيما استنيب. فتعينه صحة ميراثه ليقوم فيه مقام رب المال.
فمن كان على أخلاقه في تصرفه كان كأنه هو. )
اعلم أنّ الامامة المذكورة في هذا الموضع اسم من أسماء الخلافة.
و هي تنقسم إلى إمامة لا واسطة بينها و بين حضرة الألوهية و إلى إمامة ثابتة بالواسطة.
و التعبير عن الامامة الخالية عن الواسطة مثل قوله تعالى للخليل عليه السلام، «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» [البقرة : 124]، و التي بالواسطة مثل استخلاف موسى هارون عليهما السلام على قومه حين قال له، "اخْلُفْنِي في قَوْمِي". [الأعراف : 142]
إذا عرفت هذا، فنقول، كل رسول بعث بالسيف، فهو خليفة من خلفاء الحق و إنّه من أولى العزم.
ولا خلاف في أنّ موسى و هارون عليهما السلام بعثا بالسيف. فهما من خلفاء الحق الجامعين بين الرسالة و الخلافة.
فهارون له الامامة التي لا واسطة بينه و بين الحق فيها، و له الامامة بالواسطة من جهة استخلاف أخيه إيّاه على قومه.
فجمع بين قسمى الامامة، فقويت نسبته إليها. فلذلك أضيفت حكمته إليها دون غيرها من الصفات. فاعلم ذلك.

(هارون لموسى) عليهما السلام حين استخلفه على قومه و ذهب لميقات ربّه (بمنزلة نواب محمد) لمحمّد (صلّى الله عليه و سلم بعد انفصاله) عن هذه النشأة العنصرية ذاهبا الى ربه. فكما أنّ نوّاب محمّد صلّى الله عليه و سلم من الكمّل و الأقطاب ورثته و خلفاؤه في أمّته، يتصرّفون فيهم كتصرّفه صلّى الله عليه و سلم، فكذلك كان هارون وارثا لموسى عليهما السلام و خليفة عنه في قومه و متصرّفا فيهم مثل تصرّفه.

(فلينظر) الولى (الوارث) الذي يرث من قبله من الأنبياء (من يرث منهم)، فانّ الوارث إمّا محمّدى أو غير محمّدى، و الغير المحمّدى إمّا وارث لموسى أو عيسى أو إبراهيم أو غيرهم من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

و لينظر الوارث أيضا (فيما استنيب)، أو في العلم دون الحال و المقام، أو في العلم و الحال دون المقام كذي مقام ينصبغ بحال ذى حال ، إمّا بتأثيره الروحاني أو بكلامه و إرشاده فيسرى العلم و الحال.
فإذا سرّى عنه، انصبغ بحال مقام هو فيه.  (فتعينه)، أي الولى الوارث، (صحة ميراثه) و قوّة وراثته للنبي المورّث (ليقوم فيه)، أي فيما استنيب، (مقام) ذلك النبي الذي هو بمنزلة (رب المال) .


فيأخذ العلم مثلا من المأخذ الذي أخذ النبي المورّث أيضا منه، فانّ علوم الأنبياء كانت إلهية وهبية و كشفية بالتجلّى، لا بالكسب و التعمّل.
فوجب أن تكون الوراثة الحقيقية كذلك وهبية، لا نقلية و لا عقلية.  
فيرث الولى الوارث العلم من المعدن الذي أخذه النبي و الرسول عنه ، فليس العلم ما يتناقله الرواة بأسانيدهم الطويلة،
فانّ ذلك منقول يتضمّن علوما لا يصل إلى حقيقتها و فحواها إلّا أهل الكشف و الشهود.
و النبي الرسول إنّما أخذ العلم عن الله، لا عن المنقول.
فالورث الحقيقي إنّما هو في الأخذ عن الله، لا عن المنقول.

قال سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي رضى الله عنه لبعض علماء الرسوم و نقلة الأحكام و الآثار و الأخبار: «أخذتم علمكم ميتا عن ميت، و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت». و كذا الحال في الأحوال و المقامات. 
فمن لم يأخذها عن الله كما أخذ الأوّلون عنه تعالى، بل حفظ كلماتهم و مقالاتهم و روى عنهم، فليس وارثا على الحقيقة، بل بالمجاز.

 
(فمن كان) من الأولياء الوارثين (على أخلاقه)، أي على أخلاق النبي المورّث و صفاته، (في تصرفه) فيما يرثه بإعطائه غيره أو في الخلق بالإرشاد و التكميل، كان ذلك الولى الوارث (كأنه هو) ذلك النبي المورّث بعينه، كما قال عليه السلام، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل".

 " فائدة: سئل الحافظ العراقي عما اشتهر على الألسنة من حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل
فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ويغني عنه العلماء ورثة الأنبياء وهو حديث صحيح . فتح القدير للمناوي وقاله ابن حجر العسقلاني".


""أضاف الجامع :
قال الشيخ فى الفتوحات  الباب الثاني والثلاثون :
"والعلماء ورثة الأنبياء أحوالهم الكتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ، لهذا قال الخضر ما فعلته عن أمري فالكتمان من أصولهم إلا أن يؤمروا بالإفشاء والإعلان" أهـ.  ""

اعلم أنّ الأولياء الوارثين يأخذون العلوم و الأحوال و المقامات عن أرواح الأنبياء الذين كانوا فيها قبلهم.
ويصل إمداد هؤلاء من أرواحهم ومنهم من يأخذها كما ذكرنا عن الله، إمّا في موادّ تلك الرسل والأنبياء أو في الحضرات الإلهية.
و الوارث المحمّدى يأخذ العلوم النبوية عن روح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحسب نسبته منه.
و الأعلى يأخذ عن الله في الصورة المحمّدية أو عن روح خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية أو عن الله فيه كذلك.
فالمقامات الإلهية و الأحوال و العلوم معمورة أبدا بعد الأنبياء بالورثة المحمّديين و غير المحمّديين.
و يسمّيهم المحقّق «أنبياء الأولياء»، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلم بقوله، "علماء أمّتى كأنبياء بنى إسرائيل"، و في رواية، "أنبياء بنى إسرائيل"، بلا كاف التشبيه. و الروايتان صحيحتان.

فالآخذون عن أرواح الرسل من كونهم رسلا ليست علومهم و أحوالهم و مقاماتهم جمعية أحدية محيطة. و الآخذون علومهم عن الله في الصورة المحمّدية الختمية هم الكمّل من أقطاب المقامات.
و أكمل الكمّل وراثة أجمعهم و أوسعهم إحاطة بالمقامات و العلوم و الأحوال و المشاهد، و هو خاتم الولاية الخاصّة المحمّدية في مقامه الختمى.
فوراثته أكمل الوراثات في الكمال و السعة و الجمع و الاحاطة لعلوم رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أحواله و مقاماته و أخلاقه، و يطابقه في الجميع.

.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:52 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الخامسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة والثلاثون :                                         الجزء الأول
كتاب تعليقات د أبو العلا عفيفي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 1385 هـ :
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
الفص الخامس و العشرون حكمة علوية في كلمة موسوية
(1) حكمة علوية في كلمة موسوية "حكمة قتل الأبناء".
(1) أراد أن يفسر السر في قتل فرعون أبناء بني إسرائيل عندما أخبره كهنة عصره أن هلاكه سيكون على يد مولود منهم، فجاء بهذه الفكرة الغربية التي شرحها في صدر هذا الفص و الظاهر- كما يبدو من شرح القاشاني- أنها فكرة أوحت بها نظرية أفلوطين في الفيوضات، 
وإن كانت بعدت كثيراً عن مصدرها، وامتزجت بعناصر إسلامية لا صلة لها بمذهب أفلوطين.
ولكي نفهم ما يسميه «الحكمة في قتل أبناء بني إسرائيل من أجل موسى» يحسن أن نلخص الأساس الفلسفي الذي تعتمد عليه هذه الفكرة، و هو ما أشرت إليه من قبل.
قد ذكرنا مراراً أن المؤلف يرى أن الوجود حقيقة واحدة لا تعدد فيها و لا تكثر، و إنما تتعدد و تتكثر بحسب التعينات و التجليات الظاهرة في الوجود.
ونزيد هنا أن بعض هذه التعينات كليٌ وبعضها جزئي.
فالكلية كالتعينات الجنسية والنوعية وكأمهات الأسماء الإلهية، والجزئية كالأفراد غير المتناهية المندرجة تحت التعينات الكلية.
والأولى تقتضي في عالم الأرواح حقائق روحانية مجردة، أولها العقل الأول المسمى «أم الكتاب» و«القلم الأعلى» و«النور المحمدي»: وهذا ينفصل بحسب التعينات الروحانية إلى العقول السماوية و الأرواح العلوية و الملائكة الكروبيِّين و أرواح الكمل من الأنبياء و الأولياء. 
ثم تتنزل مراتب التعينات إلى تعين النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ.
وتتنزل مراتب التعينات في هذه النفس الكلية أيضاً ثم يأتي بعد ذلك عالم المثال، ثم عالم العناصر الذي هو آخر مراتب التنزلات.
وكل متعين بالتعين الكلي من المجردات العقلية و النفوس السماوية و أرواح الأنبياء إلخ، يُفِيض على ما تحته من التعينات الجزئية و يمده بالحياة و يدبره و يتصرف فيه.
فأرواح الأنبياء على هذا الرأي من التعينات الكلية. 
و أرواح أممهم بالنسبة إليهم هي بمثابة الأعوان و الخدم.
وموسى أحد هذه الأرواح المتعينة بالتعين الكلي. 
و أرواح الأبناء الذين قتلوا في زمان ولادته هي الأرواح التي تحت حيطة روحه، و في حكم خدمه و أعوانه.
فلما أراد اللَّه إظهار موسى على فرعون و قهره إياه، قضى بأن يقتل فرعون أبناء بني إسرائيل لتنضم أرواحهم إلى روح موسى فيتقوى بها و تجتمع فيه خواصها.
فلما تعلق الروح الموسوي ببدنه، تعاضدت تلك الأرواح في إمداده بالحياة والقوة، وكلِّ ما هو مهيأ من الكمالات لتلك الأرواح الطاهرة.
فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة توجهت إليه وأقبلت نحوه بهواها ومحبتها و نوريتها خادمة له.
وقد كان أثرها فيه عظيماً، لأنها أرواح أطفال حديثي التكوين قريبي العهد بربهم.
وظاهر من هذا أن المراد بالتعينات الكلية إنما هو المجالي الكلية للواحد الحق التي نسبتها إلى المجالي الجزئية أشبه شيء بنسبة الكلي المنطقي إلى جزئياته.
والأنبياء والأولياء أو بعبارة أدق أرواح الأنبياء والأولياء بعض هذه المجالي. ولهذا قال محمد صلى اللَّه عليه وسلم: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين: أي تجلى الحق في صورتي الروحية الكلية قبل خلق آدم.
وقد ذكرنا أن من رأي ابن العربي أن الحق هو المتجلي في صورة كل شيء بحسب استعداد تلك الصور، ولكنه متجلٍ في أكمل صورة في الإنسان الكامل الذي يتمثل في طبقة الأنبياء والأولياء.
وإذا كانت الأنبياء من المجالي الكلية للحق، ومن أوائل الكلمات الإلهية (العقول الإلهية)، أدركنا لِمَ ينسب ابن العربي حكمة كل فص من فصوص كتابه إلى كلمة من كلمات الرسل، كأنما يقصد بذلك أن روح كل فص والموحِي بالحكمة الواردة فيه نبي من الأنبياء أو هو الحق متجلياً في صورة ذلك النبي.
ولم يكن قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل عن خطأ أو جهل، بل كان عن علم إلهي و تقدير أزلي، وإن كان فرعون نفسه لم يشعر بذلك.
 
(2) «و أما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليَمِّ ... إلى قوله سكينة الرب».
(2) أشار إلى أن المراد بالتابوت الجسم الإنساني الذي يطلقون عليه اسم الناسوت، و باليَمِّ العلم الحاصل للنفس عن طريق القوى البدنية، كقوة النظر الفكري و قوى الحواس و القوة المتخيلة و ما إلى ذلك من القوى التي هي آلات المعرفة في الإنسان.
وظاهر أن «موسى» هنا ليس إلا مثالًا للإنسان الكامل الذي خلقه اللَّه على صورته، و أن كل ما يصدق عليه يصدق على غيره من الكاملين.
فقد ألقاه اللَّه في اليمِّ، أي قذف بناسوته في بحر المعرفة لتحصل له الكمالات الإلهية التي يمتاز بها الإنسان عن غيره من صور الوجود الأخرى.
والتابوت الانساني الذي هو الجسم أكمل الأجسام العنصرية على الإطلاق، ولذلك كان أهلًا لأن يكون محلَّ النفس الانسانية التي تدبره، ومحلّ السكينة الإلهية.
ويظهر أن المؤلف يشير بما ذكره عن السكينة الإلهية التي وضعها اللَّه في التابوت الانساني، إلى ما ورد في القرآن في صورة البقرة عن قصة طالوت.
والذي يعنينا هنا هو الآية التي ورد فيها ذكر التابوت وسكينة الرب، وهي الآية الوحيدة التي اقترن اسم السكينة فيها باسم التابوت.
قال تعالى: «وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ» (البقرة- 249).
ومعنى السكينة اللغوي الطمأنينة و الأمن، و بهذا وردت آيات كثيرة في القرآن كقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ».
ولكن ليس هذا هو المعنى الذي يرمي إليه ابن العربي. وأغلب الظن أنه يرمي إلى معنى آخر قريب من المعنى الذي تفيده كلمة «سكينة» العبرية في استعمالها الديني و الفلسفي عند اليهود.
نعم لا إجماع بين مفكري اليهود على رأي خاص في معنى «سكينة» و لكنها تفيد بوجه عام معنى الحضور الإلهي بين بني إسرائيل.
وقد تستعمل مرادفة لاسم اللَّه نفسه و قد فهمَتْ أيضاً بمعنى الواسطة بين اللَّه والخلق وبمعنى روح القدس وغير ذلك. وإذا صح ما ذكره أبو البقاء في «كلياته» من أن كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في قصة طالوت فإنها شيء كرأس الهرة له جناحان» (الكليات ص 201)، كانت سكينة التابوت الانساني شيئاً مختلفاً تماماً عن سكينة تابوت طالوت، لأنه لا يقصد بها إلا الناحية الإلهية في الإنسان (أي اللاهوت)، وهو الحضور الإلهي الذي يفهمه اليهود من كلمة «سكينة»، أو هو اللَّه نفسه.
 
(3) «كذلك تدبير الحقِّ العالَمَ، ما دبره إلا به أو بصورته ... كتوقف الولد على إيجاد الوالد».
(3) بعد أن شرح كيف يتوقف تدبير النفس الانسانية للبدن على البدن ذاته و ما فيه من قوى و استعدادات، قال كذلك يدبر الحق العالم. فالحق في نظره لا يدبر العالم كتدبير فاعل محض لقابل محض،
بل تدبير العالم بالعالم: أي يظهر تدبيره في العالم فيما يجري في العالم نفسه من تدبير بعضه بعضاً، و توقف بعضه على بعض كتوقف وجود الولد على وجود الوالد، وتوقف المسببات على أسبابها، و المشروطات على شروطها، و المعلولات على عللها.
كل أولئك أنواع من التدبير جارية بالفعل في العالم، و هي بعينها ما يسميه بالتدبير الإلهي. فالكاف في قوله: «كتوقف الولد على إيجاد الوالد» ليست للتشبيه، لأنه لا يريد تشبيه تدبير الحق للعالم بتوقف الولد على إيجاد والده له، ولكنها للتمثيل فكل ما ذكره من توقف بعض أنواع الوجود على بعض وتأثر بعضه ببعض، إنما هو أمثلة للتدبير الإلهي في العالم، وهو لا يجري إلا في العالم وبواسطة العالم نفسه.
ولهذا قال بعد أن ذكر الأمثلة السابقة: «و كل ذلك من العالم، و هو تدبير الحق فيه».
وخلاصة القول أن اللَّه لا يدبر العالم و هو بعيد عنه مخالف له، مستقل في وجوده عن وجوده، بل يدبره على أنه صورة و هو عين تلك الصورة. وكل ما يجري في العالم بواسطة العالم هو تدبيره.
وأما المراد «بصورته» أي صورة العالم فهو الأسماء الإلهية المتجلية في جميع مراتب الوجود، لأنها صُورة الوجود الظاهرة و الذات الإلهية باطنه.
ومعنى تدبير الحق العالم بواسطة الأسماء الإلهية تجليه بها في أعيان الموجودات، وظهوره فيها بحسب مقتضيات استعدادها، إذ العالم من حيث هو ظاهر الحق مجموع هذه الأسماء الإلهية.
وفي هذا المعنى يقول ابن العربي : " فما وصفناه أي تَسَمَّى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم".
ولكن أي تدبير هذا الذي تقتضيه طبيعة الوجود وهي ثابتة مستقرة أزلًا لا تخضع إلا لجبريتها الصارمة؟.
 
(4) «الأسباب و الشروط و العلل»:
(4) يجمع هذه الألفاظ الثلاثة معنى واحد، و هو أنها مقدمات يتبعها توال.
ولكن لكل منها معنى خاص. فالسبب بالمعنى اللغوي اسم لما يتوصل به إلى المقصود، وهو في الشريعة عبارة عما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم من غير أن يؤثر فيه.
ومعناه الفلسفي ما يوجد المسبَّب بوجوده فقط إذا كان تاماً، وما يتوقف وجود المسبَّب عليه، ولكن لا يوجد المسبَّب بوجوده فقط إذا كان ناقصاً.
والشرط تعليق شيء بشيء بحيث إذا وجد الأول وجد الثاني.
وقيل هو ما يتوقف عليه وجود الشيء و يكون خارجاً عن ماهيته غير مؤثر في وجوده.
وأحياناً يفرقون بين السبب و الشرط على أساس أن السبب هو ما إذا وُجِدَ وجد مسبَّبه وإذا لم يوجد لم يوجد مسبَّبه، في حين أن الشرط هو ما إذا لم يوجد المشروط، ولكنه إذا وجد فقد يوجد وقد لا يوجد المشروط. و قد تستعمل كلمتا السبب والعلة على سبيل الترادف في الفلسفة، و لكن الفقهاء يميزون بينهما من وجهين: الأول أن المسبَّبَ يوجد عند وجود سببه لا به، في حين أن المعلول شيء لازم عن العلة ذاتها. الثاني أن معلول العلة يحصل عنها مباشرة وبغير واسطة، في حين أن المسبَّب لا يحصل عن سببه مباشرة.
 
(5) «فكما أنه ليس شيء من العالم إلا و هو يسبح بحمده، كذلك ليس شيء من العالم إلا و هو مسخَّر لهذا الإنسان».
(5) كل شيء في الوجود يسبّح الحق لأنه يعلن صفة من صفاته، أو يظهر اسماً من أسمائه. و في ذلك إفصاح عن الكمالات الإلهية، و هذا أعلى مراتب التسبيح و التقديس. و ليس هذا التسبيح نطقاً باللسان، و لكنه تسبيح أحوال الكائنات التي تعبِّر عن مكنونات أسرارها، كما أنه ليس المسبِّح بالحمد سوى المسبَّح بحمده:
أي أن «الكل» ألسنة ثناء على «الكل». و في هذا المعنى قال ابن العربي في الفص الخامس:
فيحمدني و أحمده و يعبدني و أعبده
ولكن أكمل الكائنات تسبيحاً للحق هو أكثرها إظهاراً لكمالاته و هو الإنسان: ذلك الكون الجامع في نفسه حقائق الوجود من أعلاه إلى أسفله، و ذلك المختصر الشريف الذي تنعكس على مرآته صورة الحضرة الإلهية بتمامها. و ليس تسخير ما في السموات و الأرض للإنسان في قوله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ» سوى إظهار جميع حقائق الوجود في الإنسان.
وهي مسخَّرة له: لا بمعنى خضوعها له، بل بوجودها فيه بمعناها و حقيقتها. و هذا سر قوله تعالى «وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها»، أي أودع فيه سر جميع الأسماء الإلهية التي هي مظاهر الوجود.
و العالم عالمان:
عالم أكبر، و هذا يسبح الحق بمفرداته بالمعنى الذي شرحناه،
و عالم أصغر و هو الإنسان.
و هذا يسبِّح الحق بجملته بنفس المعنى، و يسبحه على وجه لا يتهيأ لمخلوق آخر حتى للملائكة. و لذلك قال المؤلف في الفص الأول مشيراً إلى الملائكة: «فما سبحته بها (أي ببعض الأسماء الإلهية) و لا قدسته تقديس آدم».
 
(6) «فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها».
(6) بعد أن ذكر أن إلقاء موسى في التابوت و إلقاء التابوت في اليمِّ يدلان في ظاهرهما على الهلاك، و هما في الباطن عين الحياة الحقيقية التي هي حياة العلم، و بعد أن قارن بين الأموات بالجهل و الأحياء بالعلم المشار إليهما
في قوله تعالى: «أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً» إلخ،
انتهى إلى القول بأنه لما كان الأمر في نفسه، أي أمر الوجود لا غاية له يوقف عندها، كان مآل الجميع إلى الضلال و الحيرة.
و لكن الحيرة حيرتان: 
حيرة الجهل و حيرة العلم.
و هي بالمعنى الأول حيرة الجهل مرادفة للضلال،
و بالمعنى الثاني حيرة العلم مرادفة للهدى.
و قد جرت عادة المؤلف باستعمال لفظي الحيرة و الضلال على سبيل الترادف، و لكنه يفرق بينهما في هذه الفقرة لأنه يعرِّف الهدى المقابل للضلال بأنه الاهتداء إلى الحيرة. 
و إنما جعل الاهتداء إلى الحيرة عين الهداية، لأن الحيرة التي هي نتيجة العلم إنما تحصل من شهود وجوه التجليات الإلهية المتكثرة المحيرة للعقول و الأوهام، و ذلك عين الهداية.
 
(7) «كذلك وجود الحق كانت الكثرة له و تعداد الأسماء ... إلى قوله مع الأحدية المعقولة».
(7) أي كما تعددت أزواج النبات الخارج من الأرض بعد اهتزازها و نموها و إنباتها كما قال تعالى «وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» ،
كذلك تعددت مظاهر الكثرة في الواحد الحق بتعدد الأسماء التي تقتضيها أعيان الممكنات الظاهرة بها، و هي في الحقيقة عين واحدة لا كثرة فيها.
فالأرض و ما يخرج منها من ألوان النبات رمز للعالم، و الماء الذي يدفع بها إلى الاهتزاز و النمو و الإنبات رمز لمبدإ الحياة في الوجود.
فالأرض واحدة بالحقيقة، كثيرة بالمظاهر الخارجة عنها كذلك الحق، واحد بالحقيقة، كثير بالمظاهر.
 
وهذا معنى قوله «فثبت به و بخالقه أحدية الكثرة»: أي ثبت بالعالم و الحق الذي هو خالق العالم أن الكثرة الوجودية الظاهرة واحدة بالحقيقة.
و هو لا يريد بالخالق هنا إلا الذات الإلهية من حيث هي، لا الذات الإلهية المتصفة بالخلق، إذ لا خلق و لا مخلوق و لا خالق على الحقيقة في مذهبه. وقد قرأتُ النصَّ هكذا: «فثبت به و بخالقه أحدية الكثرة».
 
وهو ما ورد في المخطوطات التي رجعت إليها فيما عدا كلمة «بخالقه» التي وردت في إحدى المخطوطات «تخالفت» و في الأخرى «يحالفه» من غير نقط. 
و لكن القاشاني (ص 403) يقرأ الفقرة هكذا «فثُنِّيت به، و يخالفه أحدية الكثرة».
أي فثنيت الأسماء الإلهية بالعالم، و هذه الاثنينية مخالفة لأحدية الكثرة التي هي له لذاته. فكأن هناك مشابهة بين اثنينية الحق و الخلق و زوجية النباتات المشار إليها من قبل. أما بالي (شرح الفصوص ص 391) فيقرؤها «فثُنِّيت به و بخالقه أحدية الكثرة».
و يقرؤها القيصري (ص 274) «فثبت به و بخالقه أحدية الكثرة»: و يشرح ذلك بقوله «أي فثبت بالعالم و الحق الذي هو خالقه: أي بهذا الموضوع: أحدية الكثرة كما مر في الفص الإسماعيلي أن مسمى اللَّه أحديّ بالذات كلٌ بالأسماء و الصفات و صحف بعض الشارحين قوله بخالقه فقرأ يخالفه من الخلاف و هو خطأ».
 
(8) «فقبضه طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الخبث لأنه في قبضه عند إيمانه».
(8) من أهم المسائل التي أنكرها المسلمون على ابن العربي أشد الإنكار و كفروه بها :
قوله بصدق إيمان فرعون و نجاته من عذاب الآخرة، لأنه بذلك قد تحدي كل ما ورد في القرآن من الآيات الخاصة بكفر فرعون و ادعائه الألوهية،
و ما أُعِدَّ له و لآله من صنوف العذاب في الآخرة. و لكننا قد رأينا أن لابن العربي أسلوبه الخاص في التأويل و الإشارة، و أنه بالرغم من استشهاده بنصوص القرآن الواردة في حق الأنبياء أو غيرهم، و استقصائه لهذه الآيات، يؤول معانيها بما يشاء، و يرمز بألفاظها إلى ما يريد.
و قد رأينا أنه رمز بتابوت موسى إلى الجسم الانساني، و باليمِّ الذي ألقِيَ فيه موسى إلى بحر المعرفة، و بموسى نفسه إلى الإنسان الكامل أو أحد التعينات الكلية الإلهية.
و هو هنا يرمز بفرعون إلى النفس الانسانية الشهوانية ممثلة في أقوى صورها.
فإن فرعون كان مثالًا للعصيان و الكفر و الطغيان و الادعاء و الكبرياء، و لكنه مع ذلك يمثل في نظر ابن العربي، و في نظر الحلّاج من قبله، دور الفتوة و البطولة: لأنه لم يفعل ما فعل في نظرهما إلا تلبية للأمر الإلهي التكويني الذي يخضع له كل ما في الوجود، و إن خالف بمعصيته الأمر التكليفي.
 
فهي طاعة في صورة معصية، و نجاة في صورة هلاك.
ولا يعنينا تفصيل ما أورده ابن العربي عن إيمان فرعون أثناء غرقه من أن اللَّه قبضه ساعة توبته و إسلامه، وقوله إن الإسلام يَجُبُّ ما قبله كما ورد في الحديث، والتوبة تَجُبّ ما قبلها، ولا دفاعه عن إيمان فرعون بأنه بالفعل نطق بإيمانه في قوله: «آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
ولم يرد نص في القرآن بعدم قبول إيمانه هذا. لا يعنينا كل ذلك، فإن مثل هذه التفاصيل يوردها لتدعيم الفكرة الأساسية في مذهبه، وهي أنه لا ثواب ولا عقاب على ما يصدر من العباد من أعمال أو يعتقدونه من عقائد.
وإنما النعيم المقيم إنما هو في معرفة العبد حقيقة نفسه و منزلتها من الوجود العام، و شقاء العباد إنما هو في غفلتهم عن هذه الحقيقة.
ولكن لا خلود في النار- نار الحجاب هذه لأن هذه الحقيقة لا بد أن تتجلى للعبد بعد خلاصه من قيود صورته البدنية ورجوعه إلى الحق.
وقد شرحنا ذلك بالتفصيل في مواضع كثيرة من هذه التعليقات (راجع مثلًا التعليق الحادي عشر من الفص الإسماعيلي).
وإذا كان الأمر على هذا النحو فنفس كل إنسان فرعونُه، لأنها مصدر معاصيه و آثامه، و لكن معاصي الإنسان في الحقيقة طاعات بالمعنى الذي أسلفناه ولهذا وسعتها الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء.
 
(9) «كذلك علم الشرائع كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً: أي طريقاً: و منهاجاً أي من تلك الطريقة جاء».
(9) أي كما حرم اللَّه على موسى أن يرضع من ثدي غير ثدي أمه- و كان امتناعه عن الرضاع عن علم ذوقي و إلهام من اللَّه- كذلك وهبه اللَّه علماً ذوقياً بحقيقة الشرائع و أوقفه على سرها. و لكنه يكني بأم موسى عن الأصل الذي انحدر منه، و هو الحق الذي ظهر موسى بصورته. و لهذا قال فيما بعد «فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته».
و قال قبل ذلك: «فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء، فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله».
فأم موسى اذن هي الأصل الذي غذاه بالوجود، و هذا الأصل هو الحق.
و كذلك كنَّى بلبن أم موسى عن صورة العلم الإلهي، و هذا مطرد في جميع كتاباته، استناداً إلى أثر يروونه من أن النبي صلى اللَّه عليه و سلم رأى في منامه يوماً أنه يشرب لبناً فأوَّلَ اللبن بالعلم. فكأن الذي حرم على موسى لم يكن في الحقيقة لبن المراضع، بل الشرائع و الاعتقادات الدينية التي اعتنقها من سبقه أو عاصره، و هي الشرائع التي يكفِّر بعضها بعضاً و يلعن بعضها بعضاً، و التي تحل حراماً أو تحرم حلالًا، لأن اللَّه قد كشف له عن الشريعة الحقة- و هي شريعة وحدة الوجود في نظر ابن العربي- التي لا تعرف حلالًا، و لا حراماً، و انما تعرف أن كل فعل و كل اعتقاد مرضي في نظر الحق (راجع الفص الاسماعيلي التعليق الرابع).
و هو يصل إلى هذه النتيجة عن طريقين:
الأول بالتجائه إلى فكرته فيما يسميه «الخلق الجديد»
والثاني بتأويله آية «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً».
فهو يرى أن الحق الظاهر في كل لحظة في صورة جديدة من صور الوجود، يظهر كذلك في كل آن في صورة جديدة من صور المعتقدات.
فالخلق دائم التجدد في مسرح الوجود، و الحق دائم التجدد في مسرح المعتقدات. و اذن ليس بين المعتقدات الدينية المختلفة خلاف إلا في الصورة.
أما في نفس الأمر فكلها مظاهر متجددة لحقيقة واحدة و شريعة واحدة. و ما كان حلالًا في شرع ما لا يكون حراماً في شرع آخر إلا في الصورة.
و في الحقيقة ليس هذا عين ذاك، لأن الأمر في خلق جديد، و لا تكرار في الوجود. و يظهر أن كلامه في الحلال و الحرام هنا منصب على الاعتقادات دون المعاملات.
وأما الآية، فلما لم يستقم له ظاهرها، عمد إلى طريقة في تفسيرها لا تبررها أساليب اللغة و لا يرتضيها الذوق.
فقال: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً» معناه لكل جعلنا منكم شريعة واحدة مهما اختلفت أساليبها و صورها، «وَ مِنْهاجاً» أي و من هذه الشريعة جاء شرعكم.
فقسم كلمة منهاجاً- أي طريقاً- إلى كلمتين: منها أي من هذه الشريعة جا: أي جاء.
و قد يفهم تفسيره للآية بمعنى آخر على أنه تفسير للوجود لا للشرائع. أي بمعنى أن المراد بالشريعة الطريق، و هو الطريق الأمم الذي ذكره في افتتاح الكتاب (الفصوص) - طريق الوجود العام و هو الحق.
و منها جاء أي جاء كل منكم، كما يأتي فرع الشجرة من أصلها، و هو التشبيه الذي ذكره.
فيكون معنى الآية: لكل منكم جعل اللَّه له طريقاً واحداً يسير فيه طريق الوجود الواحد الحق، و من هذا الطريق جاء. و هذا المعنى قد يبرره مذهب المؤلف، و لكنه لا يتفق و روح النص الوارد فيه في هذا الفص.
 
(10) «و نجَّاه اللَّه من غم التابوت فخرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه اللَّه من العلم الإلهي ... إلى قوله و باطنه نجاة».
(10) أي خلص اللَّه موسى من كدورات البدن و ظلماته، فخرق بذلك ظلمة طبيعته بنور العلم الإلهي الذي أعطاه اللَّه إيَّاه.
وذلك العلم لدنيٌ كعلم الخِضْر الذي اقترنت قصته في القرآن بقصة موسى، و قال اللَّه في حقه «فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً» (الكهف آية 65).
وهنا وجه شبه بين سيرة موسى و سيرة الخضر بحسب ما يفهم ابن العربي، و ان لم يشعر أحدهما بذلك.
فقد قتل موسى الغلام القبطي لأمر لم يدرك حكمته فجاء الخضر فقتل هو الآخر غلاماً و قال «ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي»، يشير بذلك إلى أن قتله الغلام و قتل موسى غلامه لم يكونا إلا عن أمر إلهي باطني و إن لم يشعرا به.
ثم ان الخضر خرق سفينة القوم المساكين الذين كانوا يعملون في البحر و هذا عمل ظاهره هلاك وباطنه نجاة، و هو يقابل في قصة موسى إلقاءه في التابوت ثم إلقاء التابوت في اليمِّ، فإنه عمل ظاهره هلاك و باطنه نجاة و رحمة كما قدمنا.
 
(11) «و انما فعلت به أمه ذلك خوفاً من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبراً».
(11) قرأتُها صبراً بالصاد المهملة و الباء، من قولهم قُتِل صبراً، أي حبس و رمي و عُذِّب حتى مات.
وهذا يتفق مع روح النص و سائر القصة، وبه أخذ عبد الرحمن جامي الذي يعتبر قراءة ضَيْراً تحريفاً.
أما القاشاني والقيصري فيقرءانها ضيراً من ضاره الأمر يضيره و يضوره ضوراً و ضيراً أي ضره: أي خوفاً أن يذبحه فرعون ذبحاً مشتملًا على الضرر و هذا كلام لا معنى له.
 
(12) «فإن الحركة أبداً انما هي حبية، و يحجب الناظر فيها بأسباب أخر».
(12) انتقل من الكلام في فرار موسى بعد قتله الغلام و وصفه ذلك الفرار بأنه حركة دفعه إليها حبه النجاة من القتل، إلى الكلام عن الحركة عموماً.
ورأيه أن الحركة في جميع مظاهرها مبعثها الحب، و إن خفي هذا المعنى عن الباحثين في ماهيتها لاشتغالهم بالنظر في أسباب أخرى غير الحب يتوهمون أنها أصل الحركة. الحركة في نظره رمز للحياة و الوجود، و السكون رمز للموت و العدم.
وكل حركة، و كل مظهر من مظاهر الوجود، يبعث عليه الحب الساري في جميع الأشياء، الظاهر في جميع الصور. بل الحب هو سر الخلق و علته.
و أعني بالخلق هنا ما يعنيه ابن العربي نفسه من أنه ظهور الحق في صور أعيان الممكنات و تجليه فيها.
قال تعالى في حديث قدسي يرويه الصوفية «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني».
فحب ظهور الحق في صور الوجود، و حبه في أن يعرف نفسه بنفسه في مرايا الممكنات، كما يشاهد الإنسان صورته في المرآة فيدرك منها معنى غير الذي يدركه من نفسه من غير وجود هذه الصورة: ذلك الحب هو علة خلق العالم، و هو الأساس الحقيقي الذي يقوم عليه الوجود، فإنه يتخلل كل ذرة من ذرات العالم، و يدفع بكل شيء إلى الظهور بالصورة التي هو عليها.
ذلك الحب الذي هو مبدأ الوجود و أصل كل موجود، هو بعينه في نظر الصوفية السبيل الوحيد لمعرفة اللَّه و التحقق بالوحدة الذاتية معه. و هو في نظر ابن العربي أصل جميع الاعتقادات و العبادات كما أسلفنا.
(راجع التعليقين الخامس و السادس من الفص السابق). و قد كان الحب عند الصوفية دائماً روح الحياة الدينية و مصدر جذبتهم إلى الحق و شهودهم إياه و أساس نظريتهم في الأخلاق و المعرفة.
 
(13) «و علْمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين هو له ... إلى قوله للكمال فافهم».
(13) للحق نوعان من العلم: علم بذاته من حيث هو في ذاته، وهذا العلم قديم قدم الذات. وهو للحق دون غيره من حيث هو جوهر أزلي مجرد عن جميع الإضافات و النسب إلى الوجود الظاهري.
وهذا معنى قوله تعالى «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.
وعلم له بذاته و لكن في صور أعيان الممكنات، و هو العلم الحادث المشار إليه في قوله تعالى «حَتَّى نَعْلَمَ».
ويستوي فيه أن نقول إنه علم الحق بذاته في صور أعيان الممكنات، أو علم أعيان الممكنات به من حيث هو ظاهر فيها.
ولا يتم كمال العلم إلا بالاثنين معاً، كما لم يتم كمال الوجود بالوجود الأزلي وحده، و لا بالوجود الحادث الذي هو وجود العالم وحده، و إنما تم بالاثنين جميعاً. فهنا موازاة تامة بين الوجود الأزلي و العلم الأزلي و الوجود الحادث و العلم الحادث: و هما في كل من الحالتين وجهان لحقيقة واحدة.
وليس حدوث العالم وجودَه من بعد عدم و لا خلقَه في زمان معين، و إنما حدوثه- كما يقول ابن العربي- هو ظهور بعضه لبعض و ظهور الحق لنفسه في صور العالم.
 
(14) «فكان الخوف مشهوداً له بما وقع من قتله القبطي، و تضمن الخوف حب النجاة من القتل».
(14) أي فكان خوف موسى مشهوداً له، بمعنى أنه أدركه إدراكاً مباشراً لأنه قتل القبطي.
و لكن هذا الخوف لم يكن الباعث له على الفرار إلا في الصورة أما في الحقيقة فإن الباعث كان حب موسى النجاة من القتل. كذلك الحال في كل ما يصدر عن الإنسان من الأفعال و كل ما يظهر في الوجود من ظواهر لها سبب قريب مدرك مباشرة بالحس أو بالعقل، و سبب بعيد غير مدرك بالحس و لا بالعقل ادراكاً مباشراً.
و السبب البعيد في حدوث أي شيء هو الحب كما أسفلنا. و قد كان السببَ الحقيقي في فرار موسى.
و لكنه لم يدركه، لأن موسى و غيره من الناس انما يعنون بالأسباب القريبة لقربها و وضوحها و اتصالها المباشر بما يعود عليهم من نفع أو يلحقهم من ضرر.
ثم انه لما فرَّق بين السبب القريب و السبب البعيد كما ذكرنا مَثَّل للنسبة بينهما بالنسبة بين الجسم و الروح.
فالجسم هو الجزء الظاهر المحسوس الذي تنسب إليه أفعال الإنسان في الصورة، و الروح هو الجزء الباطن غير المحسوس المدبر للجسم الفاعل على الحقيقة لكل ما يصدر عن الإنسان من أفعال.
 
(15) «و لو كان موسى عالماً بذلك لما قال له الخِضْر «ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً».
(15) أي أني على علم لم يحصل لك عن ذوق، كما أنت على علم لا أعلمه أنا».
يظهر من جميع ما أورده ابن العربي من قصة موسى مع الخضْر، و الطريقة الخاصة التي خرَّج بها الآيات الواردة عنهما في سورة الكهف، أنه يستعمل الاسمين رمزاً لصاحبي نوعين من العلم: العلم الظاهر الذي يأتي به الأنبياء إلى أممهم و هو علم الشرائع.
 
و العلم الباطن الذي يعلمه الأولياء و هو علم الحقيقة. يقول القاشاني (شرح الفصوص ص 412): «اعلم أن الخضر عليه السلام صورة اسم اللَّه الباطن، و مقامه مقام الروح، و له الولاية و الغيب و أسرار القدر، و علوم الهوية و الأنية و العلوم اللدنية ... و أما موسى عليه السلام فهو صورة اسم اللَّه الظاهر و له علوم الرسالة و النبوة و التشريع».
فالحوار الدائر بين موسى و الخضر ليس قصراً على موسى و الخضر، و لكنه موازنة بين مطلق رسول و مطلق ولي.
و قد اعتبر الصوفية دائماً، كما تدل على ذلك عبارة القاشاني، تلك الشخصية الأسطورية الغريبة التي يسمونها «الخضر» من أقطابهم، و نظروا إليه نظرة خاصة من ناحية علمه اللدني الباطن، لأنهم اعتبروه المقصود «بالعبد الصالح» الذي قال اللَّه فيه «وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً».
 
و قد سبق أن ذكرنا أن ابن العربي يعد كل نبي و كل رسول ولياً، لأن الولاية عنصر مشترك بين الثلاثة جميعاً: أي أن كل نبي و كل رسول له مرتبة الولاية أوَّلًا، ثم يضاف إليها مرتبة النبوة إذا كان نبياً و مرتبة الرسالة إذا كان رسولًا.
 
و لكن الفرق بين الولي و الرسول أو النبي أن الولي يعلم العلم الباطن و يدرك أنه يعلمه، في حين أن النبي و الرسول يعلمانه و لكنهما لا يدركان أنهما يعلمانه. و هناك فرق آخر، و هو أن الرسول يعلم علم الظاهر الخاص بشرعه الذي أُرسل به، و هذا لا يعلمه الولي.
ومن هنا كان من واجب الولي أن يتبع رسول وقته فيما يأتي به شرعه من الأحكام، وإن كان يفهمها على النحو الذي يقتضيه علمه الباطن.
أما أن الرسول يعلم العلم الباطن، فدليله أنه معصوم من الخطأ، لأن اللَّه يوجِّه أفعاله حيث يشاء لحكمة عنده مهما كان مظهر هذه الأفعال.
ولهذا نبَّه الخضر موسى إلى باطن أفعاله بما قام به هو نفسه من الأفعال التي يدل ظاهرها على الهلاك دون باطنها.
ثم شرح له الحكمة في كل منها ليظهر له مقامه في الولاية، وليبين له الفرق بين العلم الذوقي الباطن، وعلم الظاهر.
والسر في أن الرسول يعمد دائماً إلى لسان الظاهر ولا يدرك غيره، أنه مكلَّف بتبليغ رسالته إلى قوم فيهم الخاصة والعامة.
وكلاهما يفهم لسان الظاهر و إن انفرد الخاصة بأنهم يفهمون ما يفهمه العامة وزيادة.
فخوفاً من أن تتبلبل أفكار العامة و تزل أقدامهم إذا هم عدلوا عن الظاهر وخاضوا في أسرار باطن الشرع، خوطبوا بهذه الطريقة الخاصة و لم يكلفوا فوق ما يطيقون.
أما الخاصة من أهل الأذواق فيغوصون، كما يقول، على درر الحكم و يعرفون مراد اللَّه الحقيقي من الأحكام.
هذه لا شك نغمة إسماعيلية دخلت التصوف منذ بدأ الصوفية يبحثون في الشريعة و الحقيقة والطريقة، و هو موضوع يعقد له القشيري فصلًا خاصاً في في رسالته.
وعن هذا الطريق وصل الصوفية إلى نتائج كان لها أكبر الأثر في تشكيل مذهبهم و صبغه بصبغة روحية خاصة ميزتهم في ميدان العقائد عن فرق المتكلمين، و في ميدان المعاملات عن الفقهاء.
 
(16) «فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً» يريد الخلافة، و «جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» يريد الرسالة».
(16) يستعمل ابن العربي عادة كلمة «الخليفة» للدلالة على الإنسان الكامل الذي يظهر في أعلى درجاته في صور الأنبياء و الرسل و الأولياء.
وكلٌ من هؤلاء خليفة اللَّه بمعنى أنه الصورة الجامعة الممثلة للكمال الإلهي في عالم الظاهر.
ولكنه يفرق بعد ذلك بين أنواع الخلافة وما يصحبها من وظائف أخرى أو صفات تكون للإنسان الكامل.
فمن الخلافة الخلافة العامة، و هي القدر المشترك بين الأنبياء والرسل والأولياء وكأنه يريد بذلك الولايةَ بالمعنى الذي شرحناه في التعليق السابق: فإن هؤلاء جميعاً يتفقون في أنهم يعلمون علم الباطن، سواء أدركوا هذه الحقيقة أم لم يدركوها، ويأخذونه عن الخليفة الحقيقي الذي هو أصل علم الباطن و منبعه، وهو الروح المحمدي أو الحقيقة المحمدية الظاهرة على الدوام في صور الأنبياء و الرسل و الأولياء أما أنهم خلفاء اللَّه، فمعناه أنهم أكمل مجالي الحق بين الخلق.
ومن الخلافة خلافة التشريع، وهي خلافة الأنبياء الذين أرسلهم اللَّه إلى الناس. وهؤلاء يجمعون بين العلم الباطن الذي هو لهم من حيث كونهم خلفاء وأولياء، وبين العلم الظاهر الذي هو علم الشرائع. ولذلك يسميهم بالخلفاء الرسل.
ومن هذا الصنف الأخير من أعطاهم اللَّه صفة الحكم والمُلك والدفاع عن رسالتهم بالسيف.
ومن هؤلاء موسى في نظر المؤلف، وإن كان نبي مثل داود أو محمد أحق بهذه الأوصاف من موسى.
أما قوله في النص «فالخليفة صاحب السيف و العزل والولاية» فإنه لا يمثل على وجه التحقيق نظريته العامة في الخلافة، كما شرحها في الفص الأول على الأقل.
فإنه هنالك يعد الإنسان من حيث هو إنسان، و الإنسان الكامل بوجه خاص (ممثلًا في صورة آدم) خليفة اللَّه في أرضه.
و يستعمل في مواضع أخرى (الفص السابع عشر مثلًا) كلمة الخلافة مرادفة لكلمة الولاية بمعناها الواسع الذي شرحناه.

.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:52 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة الخامسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة الخامسة والثلاثون :                                         الجزء الثاني
(17) «و أما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل و إنما كان عن اختبار».
(17) سأل فرعون موسى في معرض المحاجة و الجدل فقال «وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ» (الشعراء آية 23).
و السؤال «بما» سؤال عن الماهية، فكأنه بذلك أراد أن يظهر موسى أمام قومه بمظهر العجز: لأن السؤال عن الماهية الإلهية لا جواب له كما سيتضح فيما بعد.
و لم تخف على فرعون الحقيقة: أي أنه لم يكن يجهل أن اللَّه لا يُسْأل عن ماهيته لأنه لا يمكن وضع تعريف له و لكنه أراد إحراج موسى و اختباره لمعرفة صدق دعواه.
لذلك سأل هذا السؤال، و هو سؤال إيهام، ليظهر للحاضرين من قومه ما انطوت عليه نفسه من إيراد مثل هذا السؤال، أعني إظهار عجز موسى.
و السؤال الذي سأله فرعون محتمل إجابتين:
الأولى أن يقول موسى إن الماهية الإلهية لا تُعْرف،
والثانية أن يقول كما قال «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ».
و في كلتا الحالتين يستطيع فرعون أن يظهر لقومه أن موسى لم يجب، فيكون في ذلك انتصاره عليه.
هذه هي خلاصة المسألة كما يبسطها المؤلف.
ومراده منها أن يظهر أن الحقيقة الإلهية بسيطة لا تقبل التعريف، وأن كل ما يقبل التعريف مركب من الجنس و الفصل كما نقول في «الإنسان» إنه «الحيوان الناطق»، فندخله في جنسه القريب الحيوان و نميزه عن غيره من الأنواع الأخرى المشتركة معه في ذلك الجنس بأن نضيف إلى الجنس الفصلَ النوعي الذي هو «الناطق».
والحقيقة الإلهية لا جنس لها، إذ لا يشترك معها غيرها في حقيقتها، وإذن فلا تعريف لها.
فلم يبق إلا أن يعرَّف الحق بمثل ما عرَّفه به موسى: أي بإظهار لوازمه البيِّنة وهي العالم.
ولذلك قال: «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا»، أي الظاهر أثره في السموات- وهي كل ما علا- والأرض، وهي كل ما سفل، وما بينهما:
أي ما كان وسطاً بين العلو والسفل وهو عالم المثال.
وبذلك حصر جميع الموجودات الروحية و المادية. وقال فيما بعد «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما» للدلالة على ما ظهر وما بطن من أنواع الوجود.
فلم تكن إجابة موسى إجابة عن ماهية الذات الإلهية، بل عن هذه الذات من حيث ما ظهرت به، أو ظهرت فيه، من صور العالم.
ولم يأت موسى ببيان لحقيقة الحق على نحو ما يتوقع أهل النظر والمنطق، وإنما أبان هذه الحقيقة على نحو ما يفهمه أهل الحق.
والسؤال عن الماهية سؤال عن الحقيقة، و ليس من اللازم أن من لا تخضع ماهيته لتعريف أهل النظر يكون لا حقيقة له.
 
(18) «فقال رب المشرق و المغرب، فجاء بما يظهر و يستر، و هو الظاهر و الباطن. و ما بينهما: و هو قوله «بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ». «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ».
(18) مزج آيتين مختلفتين و فسر إحداهما بالأخرى تفسيراً لا يبرره إلا حرصه على استخراج فكرة وحدة الوجود من القرآن مهما يكن الثمن.
والآية الأولى هي الواردة في رد موسى على سؤال فرعون عن الماهية الإلهية و نصها «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ»
والثانية هي قوله تعالى «وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
والمراد بالمشرق في نظر ابن العربي كل ما ظهر من الوجود، و بالمغرب كل ما خفي، و بما بينهما، ما هو بين الخفاء و الظهور.
فكما قال في الآية السابقة إن اللَّه هو «رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا» بمعنى أنه الظاهر في صور جميع مراتب الوجود عاليها و سافلها، قال هنا إنه «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما»: أي الظاهر في صور الوجود ظاهرها وخفيها.
وقد قال في الأولى «إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» أي أصحاب علم يقيني، وهو الذي يسميه علم الكشف و الوجود. و قال في الثانية «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» أي أصحاب عقل وتقييد (لأنه يفهم العقل من عَقَلَ بمعنى قيد).
فكأن الآية الأولى تعطي إطلاق الحق، و هو ما يقول به أهل الكشف.
و الثانية تعطي تقييده، و هو ما يقول به أهل العقل.
ولكني لا أرى فرقاً بين الآيتين من حيث دلالتهما على الإطلاق و التقييد، فكلتاهما تصلح لما تصلح له الأخرى.
أما الفرق الحقيقي فبين أن يقال إن ذات الحق منزهة عن كل تعريف و كل تحديد، و في هذا معنى الإطلاق، و أن يقال إنه رب السموات و الأرض، أو رب المشرق و المغرب بمعنى أنه الظاهر في السموات و الأرض و في المشرق و المغرب، و في هذا معنى التحديد.
أما قوله «و هو قوله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»: فمعناه أن قوله «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما» يشبه قوله «وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»: لأن علمه محيط بكل شيء، و الشيء يشمل الظاهر و الباطن من الموجودات، و هو ما أشار إليه بالمشرق و المغرب.
أما «أهل الكشف و الوجود» فهم العارفون أهل الذوق.
وقد سماهم أهل وجود إما بمعنى أنهم يعرفون الوجود الظاهر الذي هو العالم الخارجي إلى جانب ما يكشف لهم من أسرار الغيب.
فهم أهل كشف ووجود أي أهل معرفة ذوقية بحقائق الأشياء، وأهل علم بالعالم الظاهر.
وإما أن يكون معنى الوجود «وجود الحق أي معرفته.
فهم أهل كشف و وجود أي فيهم القوة على كشف الحقائق و معرفة اللَّه.
وللصوفية «حال» يسمونها «الوجود»، وهي حال تعقب حال الوجد.
ففي الوجد يكون الصوفي فانياً عن نفسه، وفي «الوجود» يكون في حالة بقاء مع ربه، أي حالة شعور بالحق لا يفرق فيه بين ذاته المدرِكة والموضوع المدرَك.
وفي هذه الحال يقول الصوفي إنه وَجَدَ الحق ، وهي الحال التي يسمونها حال الصحو بعد المحو، 
وفيها يقول ابن الفارض:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها .... و ذاتي بذاتي إذ تحلت تجلت
 
(19) «فلما جعل موسى المسئول عنه عَينَ العالم ... إلى قوله بما يقبله الموقن و العاقل خاصة».
(19) لعل هذا الجزء من الفص أصعب ما فيه، لا من حيث موضوعه، فإنه لم يخرج عن دائرة وحدة الوجود التي يشرحها على لسان موسى تارة و لسان فرعون تارة أخرى بل من حيث الطريقة الملتوية التي يلجأ إليها في تفسير الآيات القرآنية و التعليق عليها ليخرج من كل ذلك بفكرته كاملة غير منقوصة في وحدة الوجود، مع المحافظة في الشكل على مسرح القصة القرآنية و ما دار فيها من حديث بين موسى و فرعون.
فسَّر قول موسى لفرعون إن اللَّه هو «رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا» تفسيراً يتفق مع فكرته في وحدة الوجود كما أسلفنا، لأنه أولها بمعنى أن اللَّه هو الظاهر في صورة ما في السموات و الأرض و ما بينهما: أي بصورة العالم.
ومهد بذلك لتفسير دعوى فرعون الألوهية، و لكل ما جرى بينهما بعد ذلك من حديث.
قال فرعون لموسى «لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ»، فيسلم ابن العربي بادعاء فرعون الألوهية.
وكيف لا يكون فرعون إلهاً وهو جزء من العالم الذي قال إنه صورة اللَّه؟ إن فرعون و غيره من المحدثات صور الحق في الوجود الظاهري.
ولصورة فرعون مرتبة أعلى من مرتبة صورة موسى في ذلك المقام الخاص الذي كانا يتحدثان فيه، لأنه أعطِيَ الحكم و المُلك و التصرف فيمن دونه من الناس الذين قلَّت مراتبهم عن مرتبته. فالعين واحدة في الجميع و لكنها متكثرة بالمراتب.
ومرتبة فرعون أعلى من غيرها، و لذلك قال «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى».
قال فرعون لموسى «لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ».
وظاهر هذه الآية يعطي معنى الوعيد، و لكن ابن العربي يقلب معنى الآية رأساً على عقب فيقول إن «السين» في مسجونين من حروف الزوائد، 
ومعنى «لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ» لأسترنك: لأن لسان الباطن في نظره يقتضي أن يُقرأ القرآن هكذا.
فبعد حذف السين لا يبقى إلا مادة الجيم والنون التي معناها الستر والإخفاء وبهذا انقلب وعيد فرعون لموسى وعداً، وتهديده له بالسجن حماية ووقاية، جزاءاً لموسى على ما مهد به لفرعون من ادعاء الألوهية.
ويجدر بي أن أقتبس هنا كلام القاشاني في شرح هذه الفقرة لأهميته.
قال: «المراد بهذا اللسان لسان الإشارة، فإن فرعون كان غالياً من غلاة الموحدة، عالياً من المسرفين في دعواه، من جملة من قال عليه السلام عنه «شر الناس من قامت القيامة عليه و هو حي»: أي وقف على سر التوحيد و القيامة الكبرى قبل فناء إنِّيَّته و موته الحقيقي في اللَّه.
وهو يدعي الإلهية بتعينه، و يدعو الخلق إلى نفسه لتوحيده العلمي لا الشهودي الذوقي.
وهو يعلم لسان الإشارة. فلما علم أن موسى موحِّد ناطق بالحق افترص فرصة دعوى الألوهية لأن غير الحق ممتنع الوجود ... فرتبة الحق الظاهر في صورة فرعون له التحكم في ذلك المجلس [مجلس فرعون و موسى] على الرتبة الموسوية. فأيَّده جواب موسى بلسان التوحيد وقواه على دعواه مع إظهار السلطنة و القدرة بحسب الرتبة فقال له ما قال» (شرح القاشاني على الفصوص ص 417).
 
قال اللَّه تعالى في حق قوم فرعون «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» (الزخرف آية 54) يقول ابن العربي «فاسقين» أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل.
ومعنى هذا أن فسق قوم فرعون إنما كان في خروجهم عما يحكم به العقل الصحيح.
والعقل الصحيح ينكر مقالة فرعون في ادعائه الألوهية، إذ العقل يتبع لسان الظاهر ولا يعرف غيره. ودعوى فرعون الألوهية غير مقبولة في نظر العقل وإن كانت مقبولة في نظر الكشف والذوق الصوفي، فإن للعقل حداً يقف عنده يتجاوزه أصحاب الكشف واليقين.
وهذا التجاوز هو الخروج الذي فسر به الفسوق. فمن قوم فرعون من كان من الموقنين أهل الكشف و الذوق- و هم الفاسقون بالمعنى الذي شرحناه- و منهم العاقلون أهل العقل و النظر: ولهذا جاء موسى ... في جوابه عن سؤال فرعون بما يقبله الموقن والعاقل.
 
(20) «فَأَلْقى عَصاهُ و هي صورة 63 - 64 ما عصى به فرعون موسى ... إلى قوله فظهر الحكم هنا عيناً متميزة في جوهر واحد».
(20) ليست عصا موسى إلا صورة و رمزاً لعصيان فرعون و امتناعه عن أن يجيب دعوة موسى. أما انقلابها «حية» فهو أيضاً رمز لانقلاب عصيان فرعون طاعة فكأن نفس فرعون العاصية الأمارة بالسوء قد انقلبت إلى نفس طيعة مطمئنة،
لأنها انقلبت حية، و الحية من الحياة، و الحياة هنا حياة العلم و العرفان. و كما أن اللَّه تعالى يقول: «يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ»، أي يورد الحكم بالحسن و السوء على الفعل الواحد- لأن الفعل في ذاته لا يوصف بالحسن و لا بالقبح- و إنما تختلف أحكامنا عليه- كذلك قلْبُ معصية فرعون طاعة. أي أورد اسم المعصية على فرعون من وجه، و اسم الطاعة عليه من وجه آخر. وهو هو لم يتغير.
و كذلك قلب عصا موسى حية في اللسان الرمزي، أي سماها عصا في صورة، و حيَّةً في صورة أخرى. و جوهرها واحد لم يتغير إلا في الحكم.
وخلاصة القول أن فرعون لم يعص موسى إلا في الصورة، بل لم يكن عصيانه إلا عين الطاعة: لأن العصيان و الطاعة مظهران لحقيقة واحدة، كما أن عصا موسى و حيته لم يكونا إلا مظهرين و صورتين لجوهر واحد.
فلم يختلف عصيان فرعون عن الطاعة الحقيقية إلا بمقدار ما اختلفت عصا موسى عن الحية التي تحولت تلك العصا إليها.
والحقيقة أنه ليس هناك تحول و لا انقلاب و إنما هو تغير في الصور.
والظاهر أن القاشاني (ص 419) يفهم كلمة «الحكم» في النص بمعنى الأمر والنهي.
فكأنه يريد أن يقول إن اللَّه أمر عصا موسى أن تكون عصاً فكانت، ثم أمرها أن تنقلب حية فانقلبت حية، و هي جوهر واحد في كلتا الحالتين لم يتغير.
أما الذي شاهده قوم فرعون في الخارج فهو حكم اللَّه.
وبهذا فهم قول المؤلف «فظهر الحكم هنا عيناً متميزة في جوهر واحد».
ولكني فهمت «الحكم» في هذه الفقرة بمعنى الوصف الذي نورده على الأشياء.
فنحن الذين سمينا عصاً موسى عصا في صورتها الأولى، و سميناها حية في صورتها الثانية، و هي جوهر واحد لم يتغير.
و كذلك نسمي الكثرة الوجودية في الكائنات كلًّا منها باسمه الخاص مع أنها في الحقيقة جوهر واحد.
 
(21) «فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها ... إلى قوله سوى أعيان الموجودات».
(21) تكلم عن الأسباب في معرض كلامه عن أعمال فرعون من صلبه الناس و تقطيعه أيديهم وأرجلهم.
ورأيه أن الذي فعل كل هذا إنما هو الحق الظاهر بصورة فرعون، لأن الحق هو الفاعل على الحقيقة في صورة كل ما له فعل، إذ هو القائل عن نفسه: «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى» (الأنفال آية 17).
وهذا يثبت في نظر أصحاب وحدة الوجود أمثال ابن العربي، أن الحق هو الفاعل لكل شيء في صورة كل شيء.
فإذا نسبنا الأفعال إلى الصور الوجودية التي هي أعيان الممكنات سميناها أسباباً، وإذا نسبناها إلى الفاعل الحقيقي الذي هو الحق لم نتكلم عن الأسباب.
فالمراد بالأسباب هنا العلل الجزئية التي تحدث أَثرها بين موجود و موجود في داخل الوجود الكلي العام. أما ذلك «الكل» فلا سبب له، أي لا علة لوجوده.
و لا سبيل لتعطيل الأسباب لأنها من مقتضيات العلم الإلهي القديم، أي من مقتضيات أعيان الأشياء الثابتة في العلم الإلهي الأزلي، لأن كل ما يظهر في الوجود يتعين على النحو الذي كان عليه في الثبوت تلك كلمات اللَّه التي لا تتبدل، و كلمات اللَّه هي أعيان الموجودات الثابتة.
و هنا يصرح ابن العربي بقدم العالم تصريحاً لا يقل عن تصريح فلاسفة المشاءين، و إن كان يختلف عنهم في تفسير العلاقة بين الحق و الخلق.
فأعيان الموجودات في مذهبه قديمة من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها.
و يمثل لذلك بمجي ء ضيف في وقت معين، فإننا نقول «حدث عندنا اليوم ضيف»، و لا يلزم من حدوثه أنه لم يكن له وجود من قبل.
و كذلك يمثل بما ذكره اللَّه تعالى في «إتيان كلامه» إلى الناس مع أن كلامه قديم.
قال تعالى: «ما يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ» (الأنبياء آية 2)، و قال: «وَ ما يَاتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ» (الشعراء آية 4). هذه كلها أمثلة يسوقها ليفسر بها ما يقصده من معنى الحدوث.
 
فالعالم قديم لأن له عيناً ثابتة في الأزل، بل هو قديم قدم الذات الإلهية الظاهرة في صوره، و حادث لتجدد هذه الصور و اختلافها عليه، بل هو كلَّ آن في خلق جديد.
و يجب أن نلاحظ الفرق بين ما يقوله أهل السنة و الجماعة من وجود الأشياء أزلا في العلم الإلهي القديم و ثبوتها في أم الكتاب أو في اللوح المحفوظ، و بين ما يقوله أصحاب وحدة الوجود من وجود الأشياء في أعيانها الثابتة التي هي في الحقيقة عين الذات الإلهية.
 
و قول هؤلاء الأخيرين يعتمد على نظريتهم في أن المعدوم (الذي ليس له وجود خارجي) شيء ثابت في العدم، و هو رأي يشاركهم فيه كثير من المعتزلة و الرافضة.
 
(22) «ثم لتعلم أنه ما يقبض اللَّه أحداً إلا و هو مؤمن ...... و أعني من المحتضرين».
(22) لما فرغ من الكلام عن فرعون و أثبت بطريقته الخاصة أنه مات مؤمناً، جره ذلك إلى الخوض في الموت على الإيمان أو الكفر إطلاقاً. و قد فرق بين نوعين من الناس: من يموتون ميتة احتضار، و من يموتون ميتة فجأة أو غفلة.
و الأولون يموتون على الايمان، و منهم فرعون- لأن المحتضر يكشف له عن حقيقة الأمر و يعلم ما أعد له من مكان في الجنة أو في النار، و يعلم جميع أحوال الآخرة (بالمعنى الخاص الذي يعطيه ابن العربي للجنة و النار و الدار الآخرة).
و لا بد من إيمانه لأنه لا يمكن أن يبقى على الكفر و الضلال بعد أن انكشف عنه الغطاء و احتد البصر.
قال تعالى: «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (سورة ق آية 22).
فلا يقبض المحتضر إلا على ما كان عليه من الايمان كما يقول الحديث «و يحشر على ما عليه مات».
يقول المؤلف «كان» كلمة وجودية تدل على ثبوت الخبر للاسم و وجوده لا في زمان خاص، و لا تدل على الزمان إلا بقرائن الأحوال.
فإذا قال الشيخ كنت صبياً، أو قال الفقير كنت غنياً، دلت على الزمان الماضي.
أما إذا قال اللَّه تعالى: «وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» ، فمعناه حصول نسبة الغفران و الرحمة إلى اللَّه.
فقوله يقبض على ما كان عليه معناه و يقبض على ما هو عليه: أي على الحال التي هو عليها قبل موته مباشرة.
و بذلك يفرق بين الكافر المحتضر و الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة، و يعد فرعون من النوع الأول.
 
(23) «و أما حكمة التجلي و الكلام في صورة النار فلأنها كانت بغية موسى».
(23) طلب موسى النار فظهر له الحق في صورتها التي أشار إليها في قوله لأهله:
«امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً» (طه آية 10).
وقد تجلى له الحق في صورة النار لأنها عين مطلوبه أولًا، و لأن النار رمز القهر و المحبة ثانياً.
أما أنها رمز القهر فلأنها تفني كل ما اتصل بها و تحوله إلى طبيعتها.
وكذلك الحق يفنى فيه كل ما اتصل به، أي كل من تحقق من وحدته الذاتية به. أما أنها رمز المحبة فلأنها مصدر النور المحبوب لذاته.
 
و لكن شهود موسى للحق في صورة النار لم يكن شهوداً كاملًا، لأن الحق كلمة في ذلك المقام بقوله: «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (طه آية 12)،
و مقام المكالمة يقتضي الاثنينية، أما مقام الشهود الحقيقي فيقتضي فناء المشاهد في المشاهَدِ، و هو المشار إليه بقوله تعالى: «قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قالَ لَنْ تَرانِي ... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً». (الأعراف آية 142).
 
و ليس موسى وحده هو الذي تجلى له الحق في صورة مطلوبة، فإن الحق يتجلى لكل منا في صورة ما يحب، و صورة الحب هي صورة الاعتقاد كما ذكرنا (التعليقات 5، 6، 7 على الفص الهاروني، و التعليق 12 على الفص الموسوي).
 
فهو يتجلى في صور الاعتقاد و يعبد فيها، أو يحب فيها، لأن الحب هو أساس العبادة و المطلوب لذاته عند الجميع.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:53 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء الأول
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.
فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب، فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة جمع قوى فعالة  "2" لأن الصغير يفعل في الكبير.  ألا ترى الطفل يفعل في الكبير
 
……………………………...
1- المناسبة
المناسبة في تسمية الحكمة بعلوية هي أنه لما ادعى فرعون الألوهية بقوله لقومه « أنا ربكم الأعلى » وخاف موسى عندما سحر السحرة أعيان الناس وخيل إليه من سحرهم أن حبالهم وعصيهم أنها تسعى ، فقال له الحق تعالى : لا تخف إنك أنت الأعلى ، فقابل دعوى علو فرعون بعلو موسى عليه السلام المؤيد من عند الله تعالی 
 
2 - حكمة قتل الأبناء *
هذه من المسائل التي لم يرد ذكرها في كتب الشيخ إلا هنا وفي ذلك نقول :
الإمداد إما أن يكون لحفظ الوجود ، وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية ج 1 ص 113.
على لسان الحق مخاطبا الروح الكلي بعد إیجاده " أمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها ، وقد حجبتك عن كيفية إمدادي لك بها ، إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها ۰۰» .
ويطلب الروح من الحق تعالى بعد خلق النفس مثلما له فيقول « رب إنك ربيتني وحجبت عني سر
 
ص 380
 
* * * * * 
……………………….
الإمداد والتربية وانفردت أنت به فاجعل إمدادي محجوبا عن هذا الملك حتى يجهلني كما جهلتك ، ۰۰۰ " وتخيل ( الروح) أن ذلك هو نفس الإمداد ، فأراد الحق أن يعرفه أن الأمر على خلاف ما تخیل ، وأنه لو أعطاه سر الإمداد کما سأل لما انفردت الألوهية عنه بشيء ولاتحدت الإنية » …
 
وإما أن يكون الإمداد بالعلم ، 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الجزء الأول ص 151 :-
«وأما القطب الواحد فهو روح محمد منه وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين والأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة » ..
 
وإما أن يكون الإمداد بالإفادة ، 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه في الجزء الثالث ص 197 «ارتباط العالم العلوي بالسفلي ليفيد ، وارتباط السفلي بالعلوي ليستفيد ، والمفيد هو الأعلى أبدا والمستفيد هو السفلي أبدا » .
 
وإما أن يكون الإمداد بالنصرة والتثبيت 
وفيه يقول الشيخ رضي الله عنه عند شرحه لقوله تعالى ( وأيدناه بروح القدس » أي قويناه فإن الخوف مما تطلبه حکم الطبيعة في هذه النشأة فان لها خورا عظيما لكونها ليس بينها وبين الأرواح التي لها القوة والسلطان عليها واسطة ولا حجاب ، فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص ، فلا يتقوى صاحب الطبيعة إلا إذا كان مؤيد بالروح ، فلا يؤثر فيه خور الطبيعة ، فإن الأكثر فيه أجزاء الطبيعة ، وروحانيته التي هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها وإن كان أبوها روحها ، وللأم أثر في الابن فإنه في رحمها تكون وبما عندها تغذي ، فلا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها الله بروح قدمي ينظر إليها ، فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فلا تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيه أثر ، فإنه لا يمكن زواله بالكلية .
الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323 
 
لذلك قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام «لا تخافا إنني معكما أسمع و أری» وفي ذلك يقول الشيخ رضي الله عنه في  الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323
" قال    



ص 381  
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( بالخاصية  "3"  فينزل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه و يزقزق له و يظهر له بعقله.
فهو تحت تسخيره و هو لا يشعر، ثم شغله بتربيته و حمايته و تفقد مصالحه و تأنيسه حتى لا يضيق صدره.
هذا كله من فعل الصغير بالكبير و ذلك لقوة المقام، فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث التكوين و الكبير أبعد. فمن كان من الله أقرب سخر )
………………………….
لا تخافا إني معكما"، وهذه معية اختصاص لموسى وهارون عليهما السلام ، فهذه بشرى لهما حتى لا يخافا ، فامنهما الله مما خافا منه « أسمع وأرى » فهو السميع دعاء عباده إذا دعوه في مهماتهم فأجابهم من اسمه السميع « وأرى » من كونه تعالی بصيرا بأمور عباده ، فهو البصير الذي يعطي الأمان لا أنه يشهده ويراه فقط ، فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتني به أو أهمله.
 
فأي إمداد يعود به الأبناء الذين قتلوا على موسى عليه السلام ومن أي نوع هو ؟ وكل ذلك منفي بما سبق أن ذكرناه من كلام الشيخ ، نعم لو قال كاتب هذه الكلمات إن الحكمة في قتل الأبناء إنما كان من الرحمة الإلهية بتسليط فرعون عليهم فيقتلون على الفطرة فلا يتعرضون للفتنة كما تعرضت لها بنو إسرائيل من عبادة العجل وغيرها ويعود وبال قتلهم على فرعون و آله، لكان هذا الكلام مناسبا لما جاء به الشيخ رضي الله عنه في قتل الخضر للغلام حيث يقول في ج 4 / 59 
 شهد الله للخضر بأنه رحيم ، اقتلع رأس الغلام وقال إنه طبع کافرا ، فلو عاش أرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وانتظم الغلام في سلك الكفار ، فقتله الخضر رحمة به وبأبويه ، أما الصبي حيث أخرجه من الدنيا على الفطرة فسعد الغلام والله أعلم وسعد أبواه .
 
لهذا الذي أوردناه من كلام الشيخ يستحيل نسبه ما جاء في هذه الفقرة أن يكون من كلام الشيخ أصلاه
 
3 - راجع التسخير فص 24 هامش 9 *
والمقصود بالخاصية هنا هو ما ورد هناك بكلمة الحال و یستبعد أن يكون هذا من كلام الشيخ فإنه لا يعبر عن الحال بالخاصية ، فالكلام واضح فيه التحريف .
 
ص 382


قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( من كان من الله أبعد، كخواص الملك للقرب منه يسخرون الأبعدين. كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه و يقول إنه حديث عهد بربه.
فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها. )
 
……………………………………………..
4 - التسخير *
هذا التعليل يخالف ما جاء في كتب الشيخ ويخالف ما جاء في المتن فقرة 10 ص ۳۸۹ فهو القائل في قوله تعالی :
« ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات » من ملك وكوكب سابح في فلك . فمن الملائكة الموكل بالوحي والإلقاء ، ومنهم الموكل بالأرزاق ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح ، ومنهم الموكل بإحياء الموتى ، ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ، ومنهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد « وما في الأرض » وما بينهما من الخلق جميعا منه ، 
قال تعالی " وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
فأدخل العالم كله أجمع تحت تسخير هذا الإنسان الأرفع ، فما من ملأ أعلى إلا به مستعل ، وما من ملا أدنى إلا يتضرع إليك ويبتهل ، فهم بين مستغفر لك ، ومصل عليك ، وملك بسلام يوصله من الحق تعالى إليك ، وإذا كان السيد يصلي عليه ، فكيف بملائكته ، وإذا كان ناظرا إليك فما ظنك بخليقته ، وما من فاكهة ونعمة عند تناهيها إلا متضرعة لك خاضعة أن تؤدي لك ما أودع الله من المنافع فيها ، فما في الوجود كله حقيقة ولا دقيقة إلا ومنك إليها ومنها إليك رقيقة ، فانظر أین مرتبتك في الوجود ، فالعالم كله على الحقيقة أيها الإنسان تحت تسخيرك إذا سلم من نظرك وتدبيرك ، فإن كل شيء خلقه الله للإنسان ومن أجله وسخر له لما علم الله من حاجته إليه ، فهو فقير إلى كل شيء ، ليس له غني عنه ، ولذلك استخدم الله له العالم كله ، فما من حقيقة صورية في العالم الأعلى والأسفل إلا وهي ناظرة إلى هذا الإنسان نظر کمال ، أمينة على سر أودعها الله إياه لتوصله إليه . 
راجع الفتوحات ج 1 / 60 - ج 3 / 38 - کتاب إنشاء الجداول والدوائر
 
ص 383
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فكان مثل الرسول الذي ينزل بالوحي عليه، فدعاه  بالحال بذاته فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه، ما برز بنفسه إليه. "5"
فهذه رسالة ماء جعل الله منه كل شيء حي فافهم. )
 
…………………………………………...
5 . قوله في المطر « إنه حديث عهد ربه» *
يقارن هذا المعنى الذي يبعد أن يصدر عن الشيخ ، مع ما جاء في كتاب د روح القدس في محاسبة النفس » من جميل المعنى حين يقول عن شيخه أبي جعفر أحمد العريبي أن من كان معه قال : إن الشيخ استسقى لأهل قصر کتامة ، فسقاهم الله ونزلت الأمطار ، وكان الغيث ينزل عن يميننا ويسارنا وأمامنا وخلفنا ، ونحن نمشي لا يصيبنا منه شيء ، فقال لشيخه : عز علي حيث لم تصبك رحمة الله عز وجل ، فصاح الشيخ وقال : فزت بها يا محمد ، يا حسرة لو تذكرتها هناك .
ويقول الشيخ رضي الله عنه من حيث الاعتبار والإشارة في كتاب الأعلاق عند شرحه لقوله :
ريح صبا يخبر عن عصر ….    صبا بحاجر أو بمني أو بقبا
 
ريح صبا تخبر عن عصر صبا ، يقول نسیم روح المعارف من جانب الكشف والتجلي أخبر عن أوان زمان الشباب الذي أشار إليه رسول الله من عند نزول المطر فكشف رأسه عليه السلام حتى أصابه ، فقال عليه السلام إنه حديث عهد بربه ويقول في شرحه لشعره في نفس الكتاب:
سألت ريح الصبا عنهم لتخبرني  …. قالت وما لك في الأخبار من ارب 
في الأبرقين وفي برك العماد وفي …. برك العميم تركت الحي عن كثب
« عن كثب » عن قرب كما قال عليه السلام في المطر لما نزل ، ظهر له بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى أصابه منه، قال إنه حديث عهد بربه فهذا معنى عن كثب.
 
- يراجع الشرح في ترجمان الأشواق . 
ويقول في الفتوحات ج 1 / 280  في معرض الإشارة إلى قوله تعالی «وهو معكم أينما كنتم» من كان معك بهذه المثابة من القرب مع دعواك العلم بذلك والإيمان به 
 
ص 384
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( و أما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليم: فالتابوت ناسوته، واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية إلا بوجود هذا الجسم العنصري.
فلما حصلت النفس في هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه وتدبيره، جعل الله لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده الله منها في تدبير هذا التابوت الذي فيه سكينة الرب.
فرمي به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلك أنه وإن كان الروح المدبر له هو الملك، فإنه لا يدبره إلا به.
فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات والحكم.
كذلك تدبير الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته، فما دبره إلا به كتوقف الولد على إيجاد الوالد ، والمسببات علىسبابها، والمشروطات على شروطها، والمعلولات على عللها ، و المدلولات على أدلتها، و المحققات على حقائقها. و كل ذلك من العالم و هو تدبير الحق فيه. فما دبره إلا به.
وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها و اتصف بها. فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم. فما دبر العالم أيضا إلا بصورة العالم.
ولذلك قال في خلق آدم الذي هو  )
……………………………….
لم تترك الأخذ عنه والحديث معه وتأخذ عن غيره ولا تأخذ عنه فتكون حديث عهد بربك ، يكون المطر فوق رتبتك حيث برز إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  بنفسه حين نزل وحسر عن رأسه حتى أصابه الماء فقيل له في ذلك 
فقال : إنه حديث عهد بربه ، تعليمه لنا وتنبيها .
 
ويرى القاريء التكلف الزائد هنا للاستدلال على التسخير بالحال ، وقد شرحه الشيخ بأسلوب سهل مبسط كما جاء في الفص 24 هامش 9. 
وهذا مما يدل على أن الكلام هنا مقحم على معنی أراده الشيخ ، فإنه لابد من نفع يعود على المسخر اسم فاعل سواء كان بالحال أم بالقوة ، وأي نقع يعود هنا على المطر ؟!
وهذا يدل على أن هذا الكلام لا يصح نسبته للشيخ. 
 
6 - الروح هو الملك المدبر للمملكة الإنسانية
راجع كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية
 
7 - راجع فص حكمة إبراهيمية رقم 5. ص 83
 
"" 5 - كل الأسماء والصفات الله تعالى بالأصالة     فص 5 رقم 5. ص 83
لما رأيت ما ينبغي الله وما ينبغي للعبة، ورأيت ما حجب الله به عباده المنسوبين إليه من حيث أنه جعل لهم في قلوبهم أنهم يعتقدون أن لهم أسماء حقيقة .
وأن الحق تعالى قد زاحمهم فيها ، وحجبهم عن العلم بأن تلك الأسماء أسماؤه تعالی ، زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهية.
وقابلوا مزاحمة بمزاحمة ، وما تفطنوا لما لم يزاحمهم فيه من الذلة والافتقار الذي نبه لأبي يزيد عليها ولنا اعتناء من الله .
فهذه أسماؤهم إلا ما ادعوها ، فزاحموه فيما تخيلوا من الأسماء أنها لهم وهم لا يشعرون .
ولقد كنت مثلهم في ذلك قبل أن يمن الله علي بما من به علي من معرفته ، فعلمني أن الأسماء أسماؤه وأنه لابد من إطلاقها علينا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا.
وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا .
وأطلقها غيرنا اضطرارا إيمانا لكون الشرع ورد بها لا اعتقادا .
فحفظنا عليه ما هو له حين لم يحفظه ومكر بعباده ، فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه كلها التي وصف بها نفسه والتي أعطى في الكشف أنها له . فقد أنصف فاتصف بأنه على كل شيء حفيظ .
والكل أسماء الحق تعالى والعيد لا اسم له ، حتى إن اسم العبد ليس له وهو متخلق به كسائر الأسماء الحسنى .
فالسير إلى الله والدخول عليه والحضور عنده ليس إلا بأسمائه ، وإن أسماء الكون أسماؤه ، وهو مجلي عزيز في منصة عظمى .
كانت غاية أبي يزيد البسطامي دونها فإن غايته ما قاله عن نفسه ،" تقرب إلي بما ليس لي"، فهذا كان حظه من ربه ورآه غاية .
وكذلك هو فإنه غايته لا الغاية ، وهذه طريقة أخرى ما رأيتها الأحد من الأولياء ذوقا إلا للأنبياء والرسل خاصة.
فكل اسم للكون فأصله للحق حقيقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق ، فكل وصف صفة كمال الله تعالی فهو موصوف بها كما تقتضيه ذاته ، وأنت موصوف بها كما تقتضيها ذاتك.
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. و العبد يعبد و الرحمن معبود
الفتوحات ج2 / 350  , ج3 / 228 . ""
 
 
ص 385
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته». وليست صورته سوى الحضرة الإلهية.
فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل، "8" وجعله روحا للعالم "9" فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة.
فكما أنه ليس شيء من العالم إلا وهو يسبح بحمده، كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته.
فقال تعالى «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان، "10" علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل وجهل ذلك من جهله، وهو الإنسان الحيوان.
فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت، وإلقاء التابوت في اليم صورة هلاك، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل.
فحيي كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل، كما قال تعالى «أو من كان ميتا» يعني بالجهل «فأحييناه» يعني بالعلم، «وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» و هو الهدى، «كمن مثله في  )
……………………………………………….
8 - الإنسان الكامل جامع لصورة الحق وصورة العالم *
راجع فص 1، هامش 16، ص 38
ويلاحظ أن كلمة « برنامج » المذكورة هنا ، لا توجد في جميع كتب الشيخ وليست من مصطلحاته ، ولا تفيد من الناحية اللغوية المعنى المقصود في هذا الوطن، مع ما هو معروف عن دقة الشيخ في اختيار اللفظ المناسب ، فهو يستعمل في هذا الموطن كلمة « المثل » أو « الصورة » أو « الحضرة » أو « الحقيقة » أما كلمة
"برنامج" فمعناها ، الورقة الجامعة للحساب ، وهي معربة - راجع القاموس المحيط.
 
"" 4 . خلق الله آدم على صورته  فص 1، هامش 4 = 16 ، ص 38
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان كبير في المعنى والجرم.
يقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فلذلك قلنا في المعنى ، وما في العلم عن الكل وإنما نقاه عن الأكثر ، والإنسان الكامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحيوان ، وهو الإنسان الصغير ، وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير وهو، مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل ، فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.
فلما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله .
 فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأكمل من صورة الحق فلا يكون ، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .
فمن كل شيء في الوجود زوجان الأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الكامل عن العالم مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير بكونه على الصورة بانفراده ، من غير حاجة إلى العالم .
فالإنسان الكامل وحده يقوم مقام الجماعة ، فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ، ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .
فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله ، فما من حقيقة في العالم إلا وهي في   الإنسان .
فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية ، فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته ، وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخالقه، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ، عين سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بين سائر الأنوار ، وقصب له کرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
فلم يخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه ليكون وحده على صورته ، فكل من في العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الكامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم ، فكملت صورته ، فجمع بين صورة الحق وصورة العالم ، فكان برزخا بين الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ، ويرى الخلق أيضا صورته فيه ، لأن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم ، فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ويخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غيره من المناسب ، إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لاأكمل منه في الإمكان، ومعنى رؤية صورة الحق فيه ، إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر
"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد في القران فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه « بالمؤمنين رؤوف رحيم » ، « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » أي لترحمهم ، والتخلق بالأسماء يقول به جميع العلماء ، فالإنسان متصف يسمى بالحي والعالم المريد السميع البصير المتكلم القادر وجميع الأسماء الإلهية من أسماء تنزيه وأفعال .
ولذلك عبر عن الإنسان الكامل بمرآة الحق ، والحقيقة من قوله تعالی « ليس كمثله شيء " وهي مثلية لغوية ، وذلك عند بروز هذا الموجود في أصفى ما يمكن وأجلي ، ظهر فيه الحق بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفي هذا الظهور الكريم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم »
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض ، فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذي اتخذه الله مجلي ، لأنه ما كمل إلا بصورة الحق ، كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر ، فتلك مرتبتها والمرتبة هي الغاية .
راجع الفتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409.
 ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق ""
 
9 -  الإنسان الكامل روح العالم
لما أراد الله کمال هذه النشأة الإنسانية ، جمع لها بين يديه وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها فحازت الصورة الإلهية والصورة الكونية. وجعلها روحا للعالم ، وجعل أصناف العالم له کالأعضاء من الجسم للروح المدبر له ؛ فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، فالدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ۰فتوحات ج 2 / 468 
 
10 - راجع هامش 4 ، ص 383
 
 
ص 386
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الظلمات» وهي الضلال «ليس بخارج منها» أي لا يهتدي أبدا: "11" فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها.
فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة، فيعلم أن الأمر حيرة "12" و الحيرة قلق "13" و حركة، و الحركة حياة. فلا سكون، فلا موت، "14" و وجود، فلا عدم. "15" .   وكذلك في الماء الذي  )
…………………………………………..
11 - فال تعالى « أو من كان ميتا » أراد بالموت الجهل « فأحييناه » بالعلم . وهي الحياة العلمية التي تحيي بها القلوب ، فحياة العلم يقابلها موت الجهل . وبالنور يقع حصوله ، كما بالظلمة يكون الجهل.
الفتوحات ج 2 / 174 ، 342 - ج 3 / 369
 
12 – الحيرة راجع فص 3 ، هامش 10، ص 72
 
""  الحيرة  : راجع الفرق بين فهم الشيخ الأكبر وبين ابن تيمية في الحيرة
"رجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل (الدلائل المتعارضة للتنزيه والتشبيه) واستقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه ، من نبي أو صديق .
قال : « اللهم زدني فيك تحيرا » فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة "فيه ، من نبي أو صديق" .
"وقال الشيخ : "اللهم زدني فيك تحيرا " ، فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة ، ولا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود ، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة ، بما لا يتقارب."
 
يقول الشيخ الأكبر في ديوانه ص 71:
ليس إلى العلم بي سبيل ... ما لي إلى العلم بي دليل
واللّه إني عجزت عني ... فلا نبي ولا رسول
ولا العقول التي فرضتم ... تدرك أعيانها فقولوا
ما يصنع العالم الذي قد ... قيل له اعلم وما يقول
إن كان في العجز عين علمي ... به فقد هانت السبيل
قد حرت واللّه في وجودي ... فإنه جوده الأثيل
إن قلت إن الظهور فيه ... والحكم لي حارت العقول
أو قلت إن الظهور فينا ... به فما لي بذا دليل
حرنا وحار الوجود فينا ... فما لنا نحوه وصول
فما لنا بالإله علم ... إلا الذي أثبت الخليل
أعطاه علما به جليا ... مراتب النور والقبول
ثم نفى عنه ما رآه ... ربا ببرهانه الأفول
أثبته حجة على من ... أشرك من قومه الجليل
فوحد العين لا تثني ... فالنسب الغرّ ما تحيل
توحيده للذي تراه ... من نسب كلها أصول
 
ويقول الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات الجزء الأول ص 270:
من قال يعلم أن اللّه خالقه ... ولم يحر كان برهانا بأن جهلا
لا يعلم اللّه إلا اللّه فانتبهوا ... فليس حاضركم مثل الذي غفلا
العجز عن درك الإدراك معرفة ... كذا هو الحكم فيه عند من عقلا
هو الإله فلا تحصى محامده ... هو النزيه فلا تضرب له مثلا
 
ويقول الشيخ الأكبر رضي اللّه عنه في الفتوحات المكية:
الجزء الأول الصفحة 270 - الباب الخمسون في معرفة رجال الحيرة والعجز -
أعلم أيدك اللّه بروح منه، أن سبب الحيرة في علمنا باللّه، طلبنا معرفة ذاته جل وتعالى بأحد الطريقين، إما بطريق الأدلة العقلية، وإما بطريق تسمى المشاهدة، فالدليل العقلي يمنع من المشاهدة، فالدليل السمعي قد أومأ إليها وما صرح، والدليل العقلي قد منع من إدراك حقيقة ذاته من طريق الصفة الثبوتية النفسية، التي هو سبحانه في نفسه عليها، وما أدرك العقل بنظره إلا صفات السلوب لا غير، وسمى هذه معرفة،
والشارع قد نسب إلى نفسه أمورا وصف نفسه بها، تحيلها الأدلة العقلية إلا بتأويل بعيد، يمكن أن يكون مقصودا للشارع ويمكن أن لا يكون، وقد لزمه الإيمان والتصديق بما وصف به نفسه، لقيام الأدلة عنده بصدق هذه الأخبار عنه، أنه أخبر بها عن نفسه في كتبه أو على ألسنة رسله، فتعارض هذه الأمور - مع طلبه معرفة ذاته تعالى، أو الجمع بين الدليلين المتعارضين - أوقعهم في الحيرة؛
فرجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل واستقصوها غاية الاستقصاء، إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه، من نبي أو صديق،
قال صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم زدني فيك تحيرا» فإنه كلما زاده الحق علما به، زاده ذلك العلم حيرة، ولا سيما أهل الكشف، لاختلاف الصور عليهم عند الشهود، فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة بما لا يتقارب،
قال النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ما بذل جهده في الثناء على خالقه بما أوحى به إليه «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»؛
وقال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه في هذا المقام، وكان من رجاله «العجز عن درك الإدراك إدراك» أي إذا علمت أن ثمّ من لا يعلم، ذلك هو العلم باللّه تعالى، فكان الدليل على العلم به عدم العلم به، واللّه قد أمرنا بالعلم بتوحيده، وما أمرنا بالعلم بذاته، بل نهى عن ذلك بقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ"
ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن التفكر في ذات اللّه تعالى، إذ من ليس كمثله شيء، كيف يوصل إلى معرفة ذاته؟
فقال اللّه تعالى آمرا بالعلم بتوحيده فـ " اعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ "
فالمعرفة به من كونه إلها، والمعرفة بما ينبغي للإله أن يكون عليه من الصفات، التي يمتاز بها عن من ليس بإله وعن المألوه، هي المأمور بها شرعا،
فلا يعرف اللّه إلا اللّه، فقامت الأدلة العقلية القاطعة، على أنه إله واحد، عند أهل النظر وأهل الكشف، فلا إله إلا هو، ثم بعد هذا الدليل العقلي على توحيده، والعلم الضروري العقلي بوجوده، رأينا أهل طريق اللّه تعالى من رسول ونبي وولي، قد جاؤوا بأمور - من المعرفة بنعوت الإله في طريقهم - أحالتها الأدلة العقلية،
وجاءت بصحتها الألفاظ النبوية والأخبار الإلهية، فبحث أهل الطريق عن هذه المعاني، ليحصلوا منها على أمر يتميزون به عن أهل النظر، الذين وقفوا حيث بلغت بهم أفكارهم، مع تحققهم صدق الأخبار،
فقالوا: نعلم أن ثمّ طورا آخر وراء طور إدراك العقل الذي يستقل به، وهو للأنبياء وكبار الأولياء، به يقبلون هذه الأمور الواردة عليهم في الجناب الإلهي، فعملت هذه الطائفة في تحصيل ذلك بطريق الخلوات والأذكار المشروعة، لصفاء القلوب وطهارتها من دنس الفكر، إذ كان المفكر لا يفكر إلا في المحدثات، لا في ذات الحق، وما ينبغي أن يكون عليه في نفسه الذي هو مسمى اللّه، ولم يجد صفة إثبات نفسية، فأخذ ينظر من كل صفة يمكن أن يقبلها المحدث الممكن، يسلبها عن اللّه، لئلا يلزمه حكم تلك الصفة كما لزمت الممكن الحادث، مثل ما فعل بعض النظار من المتكلمين، في أمور أثبتوها وطردوها شاهدا وغائبا، ويستحيل على ذات الحق أن تجتمع مع الممكن في صفة، فإن كل صفة يتصف بها الممكن يزول وجودها بزوال الموصوف بها، أو تزول هي مع بقاء الممكن، كصفات المعاني، والأولى كصفات النفس، ثم إن كل صفة منها ممكنة، فإذا طردوها شاهدا وغائبا، فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه بما هو ممكن لنفسه، والواجب الوجود لنفسه، لا يقبل ما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون، فإذا بطل الاتصاف به من حيث حقيقة ذلك الوصف، لم يبق إلا الاشتراك في اللفظ، إذ قد بطل الاشتراك في الحد والحقيقة، فلا يجمع صفة الحق وصفة العبد حد واحد أصلا، أهـ
 
جاء في كتاب التجليات:
كيف تريد أن تعرف بعقلك من عين مشاهدته عين كلامه، وعين كلامه عين مشاهدته؟ ومع هذا فإذا أشهدك لم يكلمك، وإذا كلمك لم يشهدك.

 
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:54 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء الثاني
ويقول في كتاب التراجم:
الحيرة لا تكون إلا فيمن لا يتكيف.
وفيه يقول: الحيرة قبل. الوصول، والحيرة في الوصول، والحيرة في الرجوع، كيف لا تحار العقول والأسرار، فيمن لا تقيده البصائر والأبصار؟!
وفيه أيضا يقول: لو جلى الحق نفسك لك لحرت.
ومن وجه آخر في الحيرة،

يقول الشيخ رضي اللّه عنه في الجزء الثاني الصفحة 607 من الفتوحات المكية:
ما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال - يعني نسبتها - ولا سيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين، فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حال ظهورها عنهم، وأفعال اللّه كلها حسنة في مذهب المخالف، الذي ينفي الفعل عن المخلوق، ويثبت الذم للفعل بلا خلاف، ولا شك عنده في تعلق الذم بذلك الفعل من اللّه، وسببه الكسب لما وقع مخالفا لحمد اللّه فيه، مأمورا كان بفعله فلم يفعله، أو منهيا عن فعله ففعله، وهذا فيه ما فيه، وفي مثل هذه المسائل قلت:
حيرة من حيرة صدرت ... ليت شعري ثمّ من لا يحار
أنا إن قلت أنا قال لا ... وهو إن قال أنا لا يعار
أنا مجبور ولا فعل لي ... والذي أفعله باضطرار
والذي أسند فعلي له ... ليس في أفعاله بالخيار
فأنا وهو على نقطة ... ثبتت ليس لها من قرار
فقد أوقفناك بما ذكرناه في هذا الباب على ما يزيدك حيرة فيه.

الجزء الثاني من الفتوحات الصفحة 661:
لهذا كان العلم أشرف من المحبة، وبه أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يسأله الزيادة منه، لأنه عين الولاية الإلهية، به يتولى اللّه عباده، وبه يكرمهم، وبه يعرفون أنه لا يعرف، وأما المحب إذا لم يكن عارفا، فهو يخلق في نفسه صورة يهيم فيها ويعشقها، فما عبد ولا اشتاق إلا لمن هو تحت حيطته، ولا يزيله عن هذا المقام إلا المعرفة، فحيرة العارف في الجناب الإلهي أعظم الحيرات، لأنه خارج عن الحصر والتقييد.
تفرقت الظباء على خداش ... فما يدري خداش ما يصيد

فله جميع الصور، وما له صورة تقيده، ولهذا كان يقول صلى اللّه عليه وسلم «اللهم زدني فيك تحيرا» لأنه المقام الأعلى، والمنظر الأجلى، والمكانة الزلفى، والمظهر الأزهى، والطريقة المثلى.

الجزء الثالث من الفتوحات الصفحة 490:
فلا أشد حيرة في اللّه من العلماء باللّه، ولذلك ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لربه «زدني فيك تحيرا» لما علم من علو مقام الحيرة لأهل التجلي، لاختلاف الصور، وتصديق هذا الحديث قوله «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» وقد علمنا ما أثنى اللّه به على نفسه، من بسط يديه بالإنفاق، وفرحه بتوبة عبده، وغير ذلك من أمثاله، ومنلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

 

الجزء الرابع الصفحة 196، 197:
الحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه، وهذه الأفعال تكون عن الصفات، والأفعال أسماء ولابد، والحضرات الإلهية هي التي كنى اللّه عنها بالأسماء الحسنى، ومن ذلك الحضرة الإلهية،
وهي الاسم اللّه، وهي الحضرة الجامعة للحضرات كلها، وهي وإن كانت جامعة للحقائق كلها، فأخص ما يختص بها من الأحوال الحيرة والعبادة والتنزيه، فأما التنزيه وهو رفعته عن التشبه بخلقه، فهو يؤدي إلى الحيرة فيه، وكذلك العبادة فأعطانا قوة الفكر،


الجزء الرابع الصفحة 245:
ما أثنى اللّه بشيء على أحد من المخلوقين، إلا وفيه تنبيه لمن لم يحصل له ذلك الأمر، أن يتعرض لتحصيله جهد الاستطاعة، فإن الباب مفتوح، والجود ما فيه بخل، وما بقي العجز إلا من جهة الطالب، ولهذا يقول: من يدعوني فأستجيب له؛ ومن نكرة، فما وقع العجز إلا منا، وهنا الحيرة، لأنا ما ندعوه إلا بتوفيقه، وتوفيقه إيانا لذلك من عطائه وجوده، واستعداد كنا عليه، به قبلناه فتأهلنا لدعائه.

الجزء الرابع من الفتوحات الصفحة 280:
صدّق اللّه هؤلاء الخواص في حيرتهم، بقوله لأخص خلقه علما ومعرفة "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى " فنفى عين ما أثبت، فما أثبت وما نفى؟
فأين العامة من هذا الخطاب؟
فالعلم باللّه حيرة، والعلم بالخلق حيرة، وقد حجّر النظر في ذاته وأطلقه في خلقه، فالهداة في النظر في الخلق، لأنه الهادي وقد هدى، والعمى في النظر في الحق، فإنه قد حجر وجعله سبيل الردى، وهذا خطاب خاطب به العقلاء. . . فما زادهم إلا إيمانا بالحيرة وتسليما لحكمها. . ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق، أن الحق له الوجود الصرف، فله الثبوت، وصور التجلي حق بلا شك، وما لها ثبوت وما لها بقاء، ما من صورة يتجلى فيها إلا إذا ذهبت، ما لها رجوع ولا تكرار. أهـ   ""


13 - ملاحظة  *
قوله : « الحيرة قلق » لا يتفق مع مفهوم الشيخ المنصوص عليه في جميع كتبه بأن الحيرة علم كما جاء ذلك في كتابه الفتوحات المكية  ج 1 / 270 ، 420 - ج 2 / 607 - ج 3 / 490 - ج 4 / 196، 197 ، 245 ، 280 - وفي ديوانه ص 71، وفي كتابه التجليات ، وفي كتاب التراجم ، ينص في هذه الكتب كلها على أن الحيرة علم لا قلق ، 
وهو يتفق مع شرحه لقوله من « اللهم زدني فيك تحيرا » 
حيث يقول رضي الله عنه : فإنه كلما زاده الحق علما به ، زاده ذلك العلم حيرة - راجع كتابنا الرد على ابن تيمية لتفصيل ما أوجزناه من ص 50 إلى ص 90
وهذا يدل على أنه قد وقع التصرف في ألفاظ الشيخ في كتاب الفصوص فان القلق اضطراب وانزعاج ، لا يتفق مع طلبه من في قوله « اللهم زدني فيك تحيرا » أي زدني فيك علما ، وهو ما أوضحه الشيخ في كتبه المشار إليها.


14 - الحركة والسكون والحياة والموت
لتعلم أن التحقيق في الحركة والسكون أنهما نسبتان للذوات الطبيعية المتحيزة المكانية أو القابلة للمكان إن كانت في الإمكان ، 
وذلك أن المتحيز لا بد له من حيز يشغله من زمان وجوده فيه ، فلا يخلو إما أن يمر عليه زمان ثان أو أزمنة وهو في ذلك الحيز عينه ، فذلك المعبر عنه بالسكون ، أو يكون في الزمان الثاني في الحيز الذي يليه ، 
وفي الزمن الثالث في الحيز الذي يلي الحيز الثاني ، سمي ذلك الانتقال


ص 387


به حياة الأرض وحركتها، قوله تعالى «اهتزت» وحملها، قوله «وربت»، وولادتها قوله «وأنبتت من كل زوج بهيج». أي أنها ما ولدت إلا من يشبهها أي 
……………………………………...
حركة ، وانتقال الشيء من وجود إلى وجود یسمی متحرکا ، فعلم السكون والحركة هو علم الثبوت والإقامة وعلم التغيير والانتقال . وما من حركة يتحركها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهي عليه .
أما قوله « حياة فلا موت » فالمراد به « وإن من شيء إلا يسبح بحمده » ولا يسبح إلا حي ، فتوحات ج 1 / 644 - ج 2 / 457 ، 458 ، 473 .

15 - عدم العدم وجود
الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه ، قال تعالى " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " وقال تعالى « ما نفدت كلمات الله » فالكلمات في خزائن الجود لكل شيء يقبل الوجود ، وقال تعالى: " وما ننزله إلا بقدر معلوم " من اسمه الحكيم ، فالحكمة سلطانة هذا الإنزال الإلهي ، وهو إخراج هذه الأشياء من الخزائن إلى وجود أعيانها، وعدم العدم وجود فهو نسبة كون الأشياء في هذه الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها غير موجودة لأنفسها ، فبالنظر إلى أعيانها هي موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن، هي موجودة عن عدم العدم وهو وجود ، وعلى هذا قلنا إن الأشياء مخلوقة من وجود لا من عدم ، فإن الأصل على هذا كان ، وهو العماء من النفس وهو وجود ، وهو عين الحق المخلوق به .
واعلم أن الله لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم 6 فالقدرة فعالة دائما ، فإنه ما شاء إلا الإيجاد ، ولهذا قال «إن يشأ يذهبكم» والذهاب انتقالكم من الحال التي أتم فيها إلى حال تكونون فيها « ويأت بخلق جديد » ویکسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لكم لو شاء ، لكنه ما شاء ، فليس الأمر إلا كما هو ، فانه لا يشاء إلا ما هي عليه ، لأن الإرادة لا تخالف العلم والعلم لا يخالف المعلوم ، والمعلوم ما ظهر ووقع ، فلا تبديل لكلمات الله فإنها على ما هي عليه . الفتوحات ج 1 / 2 ، 281 ،310 - ج 2 / 281 - ح 3 / 548 - ج 4 / 93 ، 240 ، 414 

 

ص 388


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».
فلو كممن يئس ما بادر إلى الايمان.
فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون  )

…………………………………………..

16 - « وترى الأرض هامدة » :
فإن الأرض فراش « فإذا أنزلنا عليها الماء ، فإذا نکج الجو الأرض وأنزل الماء « اهتزت » ودبرت الماء في رحمها آثار الأنواء الفلكيه « وربت » وهو الحمل « وأنبتت من كل زوج بھیج » فأولدها توأمين . فضحكت الأرض بالأزهار . وإنما كان زوجا من أجل ما يطلبه من النكاح ، إذ لا يكون إلا بين زوجين -  الفتوحات ج 3 / 517 - ج 4 / 415

 
17 - راجع « العين واحدة والحكم مختلف »
فص 3، هامش 5، ص 68

 
"" 5 - العين واحدة والحكم مختلف فص 3، هامش 5، ص 68
ما يعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العين واحدة والحكم مختلف

                                                     الفتوحات ج1 / 185 .
فالله والرب والرحمن والملك     ….. حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة والحكم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلك
                                               الفتوحات  ج3 / 310.

فالعين واحدة والحكم مختلف       ….. وذاك سر لأهل العلم ينكشف
                                            الفتوحات ج3 / 430

والعين واحدة والحكم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور
                                                الفتوحات  ج2 / 392

فالعين واحدة والحكم يختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر
                                              الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55

فالعين واحدة والحكم للنسب   …… والعين ظاهرة والكون للسبب
                                                  الفتوحات ج3 ص 525  

والعين واحدة والحكم مختلف    ….. والعبد يعبد الرحمن معبود
                                                 الفتوحات  ج2 ص 484
من الزوائد أن تعلم أن حكم الأعيان ليس نفس الأعيان ، وأن ظهور هذا الحكم في وجود الحق، وينسب إلى العبد بنسبة صحيحة، وينسب إلى الحق بنسبة صحيحة فزاد الحق من حيث الحكم حكما لم يكن عليه ، وزاد العين إضافة وجود إليه لم تكن يتصف به أزلا .
قال تعالى : « كل يوم هو في شأن » أحوال إلهية في أعيان کيانية بأسماء نسبية عينتها تغييرات كوئية ، فتجلى أحدي العين في أعيان مختلفة الكون ، فرات صورها فيه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، في تلك العين ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غير المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المكية ج2 ص 521 , 305 .
راجع وحدة الوجود - المرايا - فص 2 هامش رقم 4  . أهـ  ""
  
 

ص 389

 

على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله. "18" ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد

…………………………………………………..

18 - إيمان فرعون
قوله تعالى « فقولا له فولا لينا لعله يتذكر أو يخشی »
لعل كلمة ترج والترجي من الله إذا ورد واقع بلا شك ، ولهذا قال العلماء إن كلمة عسي من الله واجبة ، فعلم الله أنه يتذكر ، والتذكر لا يكون إلا عن علم سابق منسي ، فالترجي من الله واقع كما قالوا في عسى ، فإن لعل وعسى كلمتا ترج ، ولم يقل تعالى لموسى وهارون لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس ولا بد ، ولا خلصه للاستقبال الأخراوي . 

فإن الكل يخونه في ذلك الموطن ، فجاء بفعل الحال الذي يدخله الاحتمال بين حال الدنيا وبين استقبال التأخير للدار الآخرة ، وذلك لا يكون مخلصا للاستقبال إلا بالسين أو سوف ، ولما كان لعل وعسى من الله واجبتين . 

وقد ترجى من فرعون التذكر والخشية فلابد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ، والذي ترجى من فرعون وقع ، لأن ترجیه تعالی واقع ، فآمن فرعون وتذكر وخسي كما أخبر الله فإن تلك الخميرة ما زالت معه تعمل في باطنه - مع الترجي الإنهي الواجب وقوع المترجي - ويتقوى حكمها إلى حين انقطاع يأسه من أتباعه وحال الغرق بينه وبين أطماعه ، فلجأ إلى ما كان مستترا في باطنه من الذلة والافتقار ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء الإلهي كما أخبر الله ، 

فقال : « آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين » فأظهر حالة باطنه وما كان في قلبه من العلم الصحيح بالله ، فهذا يدلك على قبول إيمانه لأنه لم ينص إلا على ترجي الذكر والخشية ، لا على الزمان ، إلا أنه في زمان الدعوة ، ووقع ذلك زمان الدعوة في الحياة الدنيا .

الفتوحات ج 2 / 276 ، 417 - ج 3 / 264 ، 533.


«حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين».
لما علم فرعون الحق وأثبت في كلامه بأن موسى عليه السلام مرسل بقوله « إن رسولكم الذي أرسل إليكم لجنون » فإنه ما جاء من نفسه لأنه دعا إلى غيره، فبقيت
 

ص 390


أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها. ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى 
…………………………………………………..

تلك الخميرة عند فرعون تختمر بها عجين طينته ، وما ظهر حكيها ولا اختر عجينه إلا في الوقت الذي قال فيه « آمنت » فتلفظ باعتقاده الذي معه « أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل » وما سمي الله ليرفع اللبس والسك ، إد فد علم الحاضرون أن بني إسرائيل ما آمنت إلا بالإله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم . 
فاو قال « آمنت بالله » وهو قد قرر أنه ما علم لقومه من إله عيره لقالوا لنفسه شهد لا للذي أرسل موسى إلينا ، كما شهد الله لنفسه ، فرفع هذا اللبس بما قاله . 
عند ذلك أخذ جبريل حال(1) البحر فألقمه في فم فرعون حتى لا يتلفظ بالتوحيد . 

ويسابقه مسابقة غيرة على جناب الحق ، مع علمه بأنه علم أنه لا إله إلا الله . 
وغلبه فرعود فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر الله تعالی عنه في كتابه العزيز ، فجاء فرعون باسم الصلة وهو «الذي» ليرفع اللبس عند السامعين ولرفع الإشكال عند الأشكال. 
وهذا هو التوحيد الثاني عشر في القرآن ، وهو توحيد الاستغاثة وهو توحيد الصلة ، فإنه جاء « بالذي » في هذا التوحيد، وهو من الأسماء الموصولة . 
وقدم الهوية في قوله « أنه » ليعيد ضمين « به » عليه ، ليلحق بتوحيد الهوية . 

تم نسم وقال « وأنا من المسلمين » خطاب منه لتحق لعلمه بأنه تعالى يسمعه ويراه ، قال ذلك لما علم أن الإله هو الذي ينقاد إليه ، ولا ينقاد هو لأحد ، أعلم بذلك فرعون ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم ، من أنه ربهم الأعلى ، فأمره إلى الله فإنه آمن عند رؤية البأس ، وما نفع مثل ذلك الإيمان فرفع عنه عذاب الدنيا إلا قوم يونس ، ولم يتعرض للآخرة ، ثم إن الله صدقه في إيمانه بقوله « الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين » .

قال تعالى لفرعون « الآن » قلت ذلك ، فأثبت الله بقوله « الآن » أنه آمن عن علم محقق والله أعلم وإن كان الأمر فيه احتمال ، فدل على إخلاصه في إيمانه ، ولو لم يكن مخلصا لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين

 

ص 391


أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به. كذلك علم الشرائع، كما 
……………………………………………….

قالوا « آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم » وشهد الله لفرعون بالإيمان ، وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا وبجازيه به . وبعد إيمانه فما عصى . 
فقبله الله ، إن كان قبله طاهرا، والكافر إذا أسلم وجب عليه أن يغتسل . فكانه غرقه غسلا له وتطهيرا ، حيث أخذه الله في تلك الحال نكال الآخرة والأولى . 
وجعل ذلك عبرة لمن يختي ، وما أشبه إيمانه إيمان من غرعر . 
إن المغرغر موقن بأنه مفارق قاطع بذلك ، وهذا الغرق هنا لم يكن كذلك ، لأنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين ، فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم ، فما أيقن بالمون بل غلب على ظنه الحياة ، فليس منزلته منزلة من حضره الموت ، فقال «إني نبت الآن ، ولا هو من الذين يموتون وهم كفار ، 
فأمره إلى الله تعالى ، « فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » كان حكم آل فرعون في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه . فإنه علم صدق موسی عليه السلام .
وعلم حكم الله في ظاهره بما صدر منه وحكم الله في باطنه بما كان يعقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه ، وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند الله مخصوصا بزمان مؤقت . لا يكون إلا فيه . وبحالة خاصة . 
فظهر بالإيمان لما جاء زمانه وحاله . 

فغرق قومه آية ، ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية ، فمن رحمة الله بعباده أن قال « فاليوم ننجيك ببدنك » يعني دون قومك « لتكون لمن خلفك آية » أي علامة لمن آمن بالله ، أي ينجيه الله ببدنه أي بظاهره ، فإن باطنه لم يزل محفوظة بالنجاة من الترك ، لأن العلم أقوى الموانع ، فسوى الله في الغرق بينهم وتفرقا في الحكم . 

فجعلهم سلفا ومشلا للآخرين ، يعني الأمم الذين يأتون بعدهم . وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى الله بالنجاة ، فإن الحق خاطب فرعون بلسان العتب وأسمعه « الآن » أظهرت ما قد كنت تعلمه «وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين» فهي كلمة بشرى لفرعون . عرفنا الحق بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ، ثم قال "فاليوم ننجيك" ، فبشره قبل قبض روحه ، « ببدنك

 

ص 391



قال تعالى « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » أي طريقا . ومنهاجا أي من تلك
………………………………………………..
لتكون لمن خلفك » يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك « آية » علامة إذا قالت ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك ، وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ولا أن إيمانه لم يقبل ، وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزله به إذا آمن في

حال رؤيته ، إلا ةوم يونس ، فقوله "فاليوم ننجيك ببدئك" ، إذ العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك ، وقد أريت الخلق نجاته من العذاب ، فكان ابتداء الغرق عذابا ، فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم يتخللها معصية ، فقبضت على أفضل عمل ، وهو التلفظ بالإيمان ، كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله ، والأعمال بالخواتيم ، فلم يزل الإيمان بالله يجول في باطن فرعون ، وجاء طوعا في إيمانه ، وما عاش بعد ذلك ، 

فقبض فرعون ولم يؤخر في أجله في حال إيمانه لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ، ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه « وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » وقد أظهرت نجاتك آية أي علامة على حصول النجاة ، فغفل أكثر الناس عن هذه الآية ، وقضوا على المؤمن بالشقاء ، 

وأما قوله تعالی "فأوردهم النار" ، فما فيه نص أنه يدخلها معهم ، بل قال الله « ادخلوا آل فرعون » ولم يقل «أدخلوا فرعون وآله» ورحمة الله أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر ، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق ، والله يقول «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء» فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه ، وهذا آمن خالصا ، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا خوفا من العوارض أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاء به في هذه الحال ، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإيمان ، وجعل ذلك الغرق « نكال الآخرة والأولى ، فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة ، هذا ما يعطيه ظاهر اللفظ ، وهذا معنی قوله « إن في ذلك لعبرة لمن يخشي » يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى ، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ليعلم أن العذاب ، أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة ، فلذلك قدمها في الذكر على الأولى ، وهذا هو الفضل العظيم . 

الفتوحات ج 2 / 276 ، 410 - ج 3 / 90 ، 164 ، 533 - ج 4 / 60 

 

ص 393 

 
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الطريقة جاء. "19"
فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.
فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة: أعني قولي يكون حلالا، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، "20"  لأن الأمر خلق جديد و لا تكرار. فلهذا نبهناك. "21"
فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع: فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها و تغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها.
فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها.
والمرضعة ليست كذلك، فإنها قصدت برضاعته حياته و إبقائه. "22"
فجعل الله ذلك لموسى في أم ولادته، فلم يكن لامرأة عليه فضل إلا لأم ولادته لتقر عينها) 

………………………………………………….

19 ، 20 - النسخ

النسخ في الحكم عبارة عن انتهاء مدة الحكم لا على البداء ، فان ذلك يستحيل على الله ، فما كان محرما في شرع ما حلله الله في شرع آخر ونسخ ذلك الحكم الأول في ذلك المحكوم عليه بحكم آخر في عين ذلك المحكوم عليه ، 

قال الله تعالى « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » فالنسخ لا أقول به على حد ما يقولون به ، فإنه عندنا انتهاء مدة الحكم في علم الله ، فإذا انتهى فجائز أن يأتي حكم آخر ، وبذلك يكون النسخ عبارة عن انتهاء مدة ذلك الحكم أعقبه حكم آخر ، لا أن الأول استحال ، بل انقضى لانقضاء مدته ، لارتباطه في الأصل بمدة يعلمها الله معينة .  الفتوحات ج 2 / 164 ، 473 - ج 3 / 61 - ج 4 / 107

 

21 - ملاحظة *
الحرام والحلال حكم الله وحكم الله ليس بمخلوق - فتوحات ج 1 / 44

 

22 - الأم على الحقيقة *
إياك وعقوق الوالدين إن أدركتهما ، فأشقى الناس من أدرك والديه ودخل النار ، 
قال تعالى : " ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ، وقال في الوالدين إذا


ص 394

 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( بتربيته و تشاهد انتشاءه في حجرها، «ولا تحزن».
ونجاه الله من غم التابوت، فخرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه الله من العلم الإلهي وإن لم يخرج عنها، و فتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به.
فأول ما أبلاه الله به قتله القبطي بما ألهمه الله ووفقه له في سره  وإن لم يعلم بذلك، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك.
ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر «ما فعلته عن أمري» ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك. )

……………………………………………………..

كانا كافرين «وصاحبهما في الدنيا معروفا » وقال « أن اشكر لي ولوالديك ، ورجح الأم وقدمها في الإحسان والبر على ابيك ، ثبت أن رجلا قال لرسول الله و من أبر ؟ قال له أمك ، ثم قال له من أبر ؟ 
قال أمك ، ثلاث مرات ، ثم قال في الرابعة من أبر ؟ قال أمك ثم أباك ، فقدم الأم على الأب في البر وهو الإحسان ، كما قدم الجار الأقرب على الأبعد، ولكل حق . فتوحات ج 2 / 354 - ج 4 / 478.

 
 ويقول في كتابه « إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن » في تفسير قوله تعالى : « والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين » أمر خرج مخرج الخبر ، يقول حق على الوالدة رضاع ولدها ، والذي يقول إنه لا يجب عليها لقوله تعالى : " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" ، وأنه إنما يجب على المولود له وهو الأب ، يقول پإيجابه إذا لم يقبل غير ثدي أمه أو يكون الوالد معسرة ، فالقرآن أوجب الرضاعة على الأم ، وأوجب على الأب نفقة الأم وكسوتها ما دامت ترضعه ، وذلك بالمعروف ، وهو أن لا تكلفه إلا على قدر ما يجده ولا تضاره ولا يضارها الأب بأن يأخذه منها بعد تألفه بها لتسقط عنه بذلك النفقة وما يجب لها ، وكل ضرر يتعلق بسبب الولد من كل واحد منهما بصاحبه ، 

وقوله « حولين » يقول سنتين ، وقوله « کاملين » رفعا للتجوز الذي يدخل الكلام في ذلك ، تقول في بعض اليوم الثاني : ما رأيت فلانة منذ يومين - من قبل أن ينقضي اليوم الثاني - فإذا قال « کاملين » رفع هذا الالتباس ، ولذلك قال " لمن أراد أن يتم الرضاعة "

 

ص 395

 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها هلاك و باطنها نجاة من يد الغاصب.
جعل له ذلك في مقابلة التابوت له الذي كان في اليم مطبقا عليه. فظاهره هلاك و باطنه نجاة.
و إنما فعلت به أمه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا  وهي تنظر إليه، مع الوحي الذي ألهمها الله به من حيث لا تشعر.
فوجدت في نفسها أنها ترضعه فإذا خافت عليه ألقته في اليم لأن في المثل «عين لا ترى قلب لا يفجع».
فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين، ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به.
فعاشت بهذا الظن في نفسها، والرجاء يقابل الخوف واليأس، وقالت حين ألهمت لذلك لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط  )

……………………………………………….
والعامل في قوله « لمن » يرضعن ، فما أوجب سبحانه إتمام الرضاعة له ، ثم قال « وعلى المولود له » يريد الأب دون الأم ، فإن الولد للأب ۰۰۰ فلهذا أضيف إلى الأب ، وإذا أضيف الولد إلى أمه فمن كونه يكون في رحمها وكان غذاؤه منها في مدة كونه في بطنها :

وإنما أمهات الناس أوعية ومستودعات وللأبناء آباء وقوله : " وعلى الوارث مثل ذلك "، أحسن التأويلات فيه ، أن يكون المعني بالوارث الولد إذا مات أبوه ، أنفق عليه مما يرثه من أبيه من ماله ، 

وقوله : « مثل ذلك ، أي مثل ما كان يجب على الأب من النفقة والكسوة لمن يرضعه ، وقوله « فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ، يقول فإن أراد والداه بعد أن عرفا التحديد على أكمل الوجوه بذكر الحولين لمن أراد تميم الرضاعة ، يقول فإن تراضيا وتشاورا على فصاله أي فطامه من الرضاعة ، فلا جناح عليهما ، وسبب ذلك أن الأم أعلم بمصالح الصغير وتربيته فينبغي أن لا يكون الفصال إلا بعد مشورتها ومشورة الأب ورضاه لما يلزمه على ذلك ، فإذا رأيا الزيادة أصلح بالطفل زادا ، أو النقص من الحولين اتفقا على ذلك ، للحق الذي لكل واحد منهما في الولد …….
ورفع الله الإثم عن الأبوين في الزيادة والنقص عن التحديد الذي حد الله من النقص والتمام « وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم » الآية ، يقول إن امتنعت الأم عن رضاع ولدها ، إما إباية أو لعذر قام بها من انقطاع لبن أو فساده

 

ص 396


على يديه.  فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها، وهو علم في نفس الأمر. "22"
ثم إنه لما وقع عليه الطلب خرج فارا خوفا في الظاهر، وكان في 

………………………………………………….

لمرض يخاف على الصبي إن شرب منه ، فأردتم أن تسترضعوا من يرضع أولادكم من النساء وهي الظئر،  "" الظئر الأم الراضعة لطفل غيرها""

فحذف أحد المفعولين « فلا جناح عليكم » يقول فلا حرج عليكم في دلك « إذا » شرطا ، يقول « سلمتم ما آتيتم بالمعروف » والتسليم الإعطاء بسهولة والانقياد إلى ذلك ۰۰۰ يقول إذا قبضتم الظئر ما آتيتم القدر الذي تعطونها من الأجرة على ذلك « بالمعروف » بالوجه المشروع من السماحة في العطاء والمبادرة إليه من غير نقص مما وقع عليه الاتفاق بينكم من غير مطل .

 

23 - « وأوحينا إلى أم موسی ۰۰.» *
الوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ، ولا أعجل من أن يكون عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه . 
ألا ترى أن الوحي هو السرعة ، ولا سرعة أسرع مما ذكرناه ، فهذا الضرب من الكلام يسمى وحيا ، ولما كان بهذه المثابة وأنه تجل إلهي كان الوحي ما يسرع أثره من كلام الحق تعالى في نفس السامع ، ولهذا لا يتصور المخالف إذا كان الكلام وحیا ، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم "وأوحينا إلى ام موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم" ، 

وكذلك فعلت ولم تخالف مع أن الحالة تؤذن أنها ألقته في الهلاك ، فلم تخالف ولا ترددت ولا حكمت عليها البشرية بأن إلقاءه في اليم في تابوت من أخطر الأشياء ، فدل على أن الوحي أقوى سلطانا في نفس الموحى إليه من طبعه الذي هو عين نفسه ، فانظر في نفسك في التردد أو المخالفة فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفصيل أو تفكر فلست صاحب وحي ، فإن حكم عليك وأعمالك وأصمك وحال بين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك فذلك هو الوحي وأنت عند ذلك صاحب وحي . فتوحات ج 2 / 78
هذا المعنى يخالف تماما ما جاء في هذه الفقرة من وصف أم موسی ب : لعل وغلبة الظن والتوهم إلى غير ذلك .


ص 397

.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:54 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الثالث .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء الثالث
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( المعنى حبا للنجاة.
فإن الحركة أبدا إنما هي حبية، ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر، وليست تلك."24"
وذلك لأن الأصل حركة العلم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود، ولذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون: فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب.
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف ».  فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه.
فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك: ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود حركة حب من جانب الحق وجانبه : "25" فإن الكمال محبوب لذاته، وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين، هو له.
وما بقي إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان، أعيان العالم، إذا وجدت.
فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين، وكذلك تكمل مراتب الوجود: 
……………………………………………...
24 - فرار موسی علیه السلام
قال هذا الكلام موسى عليه السلام لفرعون و آله ، فإنه لما وقع من موسى عليه السلام ما وقع من قتل القبطي ففر إلى النجاة التي يمكن أن تحصل له بالفرار ، فإنه علم أن الله وضع الأسباب وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق ألأغراض وبما لا يوافقها وبما يلایم الطبع وبما لا يلائمه ، فرأى أن الفرار من الأسباب الإلهية الموضوعة في بعض المواطن لوجود النجاة ، فهو فرار طبيعي لأنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر ، لكنه معري عن التعريف بما ذكرناه من الوضع الإلهي فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به ، ويحتمل أن يكون فرار موسى عليه السلام الذي علله بالخوف من فرعون وقومه ، ما كان خوفه إلا من الله أن يسلطهم عليه إذ له ذلك ، فإنه فعال لما يريد ولا يدري ما في علم الله ، فكان فراره إلى ربه ليعتز به . 
فتوحات ج 2 / 155 - ج 3 / 125 ، 264 - ج 4 / 183  
 
25 – الحب سبب وجود العالم
راجع فص 1، هامش 3، ص 23 
راجع فص 10، هامش 26، ص 154
 
""  3 - الحب سبب وجود العالم              فص 1، هامش 3، ص 23 
لما لم يكن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم يكن في الوجود إلا هو.
فما ظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه ، فلابد أن يكون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية ، فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نشء العالم من غير زيادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم
في غاية الإحكام والإتقان كما قال الإمام أبو حامد الغزالي من أنه لم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ..
فطابق العالم الأسماء الإلهية ، وكأنه تعالى كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحديث .
ولما أظهر العالم في عينه كان مجلاه ، فما رأي فيه غير جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجميل المحب الجمال ، ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جميل يحب الجمال"، فأوجد الله العالم في غاية الجمال والكمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى يحب الجمال ، وما ثم جميل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن يرى نفسه في غيره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إليه فأحبه حب من قيده النظر ، فما خلق الله العالم
إلا على صورته ، فالعالم كله. جميل وهو سبحانه يحب الجمال.
كلمة الحضرة الإلهية وهي كلمة « کن » : لله تجل في صورة تقبل القول والكلام بترتيب الحروف ، « فكن » عين ما تكلم به فظهر عنه الذي قيل له كن ، فعين الأمر عين التكوين ، وما ثم أمر إلهي إلا كن ، فإذا نظرت إلى تكون العالم من النفس الرحماني الظاهر من محبة الله أن يعرفه خلقه ، علمت أن ما في العالم أو ما هو العالم سوی کلمات الله ، وكلمات الله أمره ، وأمره واحدة كلمح البصر أو هو أقرب .
وعلمت اختصاص كلمة الحضرة من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهره فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره وأمره كلامه وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فليس للحق منزه ولا مجلي إلا العالم.
راجع الفتوحات المكية  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403
ج3/ 151 , ج4/ 269
 
26 - الحب سبب وجود العالم       فص 10، هامش 26، ص 154
الحب أصل سبب وجود العالم والسماع سبب كونه ، و بهذا الحب وقع التنفس. وأظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حكم الحب ( الكرب ) وتنفس ما يجد المحب. وخرج ذلك النفس عن أصل محبة في الخلق الذي يريد أن يتعرف إليهم ليعرفوه .
فتوحات ج 2 / 111 ، 428  . راجع فص 1 هامش 3 ص 23   ""
 
 
ص 398
 
فإن الوجود منه أزلي و غير أزلي وهو الحادث.
فالأزلي وجود الحق لنفسه، و غير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت.
فيسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم.
فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبية للكمال فافهم. "26"
ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم، فكانت الراحة محبوبة له ، و لم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى 
……………………………………………..
26 - كمال مرتبة العلم والوجود
اعلم أن العقل والحقيقة نقسم الوجود إلى ما له أول وإلى ما لا أول له ، وهو کمال الوجود ، فإذا كان ما لا أول له موجودا وهو الله تعالى ، والذي لم يكن ثم کان ويقبل الأولية الحادثة ليس بموجود ، فما كمل الوجود ما لم يكن هذا موجودا ، وذلك قوله تعالی لبعض أنبيائه وفد سأله لم خلقت الخلق ؟ 
فقال : « کنت کنزا مخفيا لم أعرف فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني » وذلك أن العلم بالله ينقسم إلى قديم وإلى محدث ، فعلم الله نفسه وألوهيته بالعلم القديم ، ونقص من مراتب الوجود العلمي العلم المحدث ، فخلق الخلق فتعرف إليهم فعرفوه بقدر ما يعطيه استعدادهم ، فوجد العلم المحدث فكملت مراتب العلم بالله في الوجود ، الا أن الله تعالى يكمل بعلم العباد .
واعلم أن الله تعالى ما خلق العالم لحاجة كانت له إليه ، وإنما خلقه دليلا على معرفته ليكمل بذلك ما نقص من مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة ، فلم يرجع إليه سبحانه في خلقه وصف كمال لم يكن عليه ، بل له الكمال على الإطلاق ، ولا أيضا كان العالم في خلقه مطلوبا لنفسه ، لأنه ما طرأ عليه من خلقه صفة كمال ، بل له النقص الكامل على الإطلاق سواء خلق أو لم يخلق ، بل كان المقصود ما ذكرناه مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة أن تكمل بوجود العالم وما خلق الله فيه من العلم بالله، لما أعطاه التقسيم العقلي ، فأراد الله سبحانه أن يعرف بالمعرفة الحادثة لتكمل مراتب المعرفة ويكمل الوجود بوجود المحدث ، ولا يمكن أن يعرف الشيء إلا نفسه أو مثله، فلا بد أن يكون الموجود الحادث الذي يوجده الله للعلم به على صورة موجده، حتى يكون كالمثل له ، فلو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل
 
 
ص 399
 
والأسفل.
فثبت أن الحركة كانت للحب، فما ثم حركة في الكون إلا و هي حبية."27"
فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السبب الأقرب لحكمه في الحال واستيلائه على النفس.
فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل. ففر لما خاف، و في المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون و عمله به.
فذكر السبب الأقرب المشهود له في الوقت الذي هو كصورة الجسم للبشر.
وحب النجاة مضمن فيه تضمين الجسد للروح المدبر له. "28"
والأنبياء لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم الخطاب، واعتمادهم على فهم العالم السامع.
فلا يعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه عليه السلام على هذه المرتبة في العطايا فقال «إني لأعطي الرجل و غيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار».
فاعتبر الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع.
فكذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة.
ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم بما استوجب هذا «هذه الخلعة من الملك». فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثياب، فيعلم منها قدر من خلعت عليه، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا.
ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة أن في العالم وأممهم من هو بهذه المثابة، عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، 
……………………………………………………….
المقصود من العلم بالحق ، أعني العلم الحادث في قوله « کنت کنزا لم أعرف » فجعل تقسه کنزا ، والكنز لا يكون إلا مكتنزة في شيء فلم يكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئيته وثبوته ، هناك كان الحق مكنوزا ، فلما كسا الحق الإنسان ثوب شيئية الوجود ، ظهر الكنز بظهوره ، فعرفه الإنسان الكامل بوجوده . وعلم أنه كان مكنوزا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به ، فسبب وجود الممكنات کمال مراتب الوجود الذاتي والعرفاني لا غير . 
کتاب عقلة المستوفز - فتوحات ج 1 / 45 - ج 2 / 670 - ج 3 / 133 ، 266 ، 267 
 
27 - محاضرة الأسماء
راجع فص 1، هامش 2، ص 20 -  فص 15 ، هامش 23، ص 241
الحب سبب وجود العالم - راجع فص 1، هامش 3، ص 23 
 
""  2 - محاضرة الأسماء و تحاورها           فص 1، هامش 2، ص 20
اجتماع الأسماء في حضرة المسمى وظهور أحكامها
إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتى تتميز أعيانها بآثارها.
فإن الخالق الذي هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحيني والميت والوارث والشکور .
وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.
فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي تظهر أحكامنا فيها فيظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهية التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عينه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا وينبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا " .
فقال الباريء : « ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته ».
وكان أصل هذا أن الممكنات في حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال حال ذلة وافتقار .
وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة مايجب لكم من الحق علينا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الجلال والتعظيم ، وأنتم أيضا كانت السلطنة تصح لكم في ظهورنا بالفعل ، واليوم .أتم علينا.
سلاطين بالقوة والصلاحية، فهذا الذي نطلبه منكم. هو في حقكم أكثر منه في حقنا.
فقالت الأسماء : إن هذا الذي ذكرته الممكنات صحیح فتحركوا في طلب ذلك ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .
قال القادر : أنا تحت حيطة المزيد فالا أوجد عينا منكم إلا باختصاصه ، ولا يمكنني الممكن من نفسه إلا أن يأتيه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتكوين وقال له کن مکنني من نفسه و تعلقت بإيجاده فكونته من حينه.
فلجأوا إلى الاسم المريد ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه في إيجاد أعيانبا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم ؟
وقال المريد صدق القادر. ولكن ما عندي خبر ما حكم الأمم العالم فيكم ، هل سبق علمه بإيجادکم فنخصص أو لم يسبق؟
فأنا تحت حيطة الاسم العالم ، فسيروا إليه واذكروا له قضيتكم.
فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الأسم المريد .
فقال العالم : صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ؛ ولكن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي الاسم الله .
فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء كلها في حضرة الله .
فقال : ما بالكم ؟
فذكروا له الخبر .
فقال : أنا اسم جامع لحقائقكم وإني دليل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه، فقفوا حتى أدخل على مدلولي ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء.
 فقال : اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بما تقتضيه حقیقته في الممكنات فإني الواحد لنفسي من حيث نفسي ، والممكنات إنما تطلب مرتبتي وتطلبها مرتبتي، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لا لي إلا الواحد خاصة فهو اسم خصيص بي لا يشاركني في حقيقته من كل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممکنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمى ، فتعلق العالم والمريد والقائل والقادر .
فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إليه من الأسماء ، فادي إلى منازعة وخصام.
فقالوا : إنا نخاف علينا، أن يفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذي كنا فيه .
فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الأسم العلم والمدبر.
وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه يحفظ علينا وجودا وتحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدم من يحد لكم حدا تقفون عنده وإلا، هلكنا وتعطلتم .
فقالوا : هذا عين المصلحة وعين الرأي ، ففعلوا ذلك .
فقالوا : إن الاسم المدبر هو ينهي أمركم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .
فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .
وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات .
فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزير الواحد الاسم المدبر ،والوزير الآخر المفصل.
قال تعالى : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربکم توقنون، الذي هو الإمام، فانظر ما أحكم کلام الله تعالى ، حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ليبلوكم أيهم أحسن عملا .
محاضرة الأسماء في حضرة الذات ... دليل على الماضي دليل على الآتي
أقول بها والكون يعطي وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات
فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من يدري وجود لأثبات
ويقول في موطن آخر :
اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهية لما كانت بأيديهم مقاليد السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقي كل سادن بمقلاده لا يجد ما يفتح .
فقالوا : يا للعجب خزان بمفاتيح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقاليد ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذين أعطونا هذه المقاليد ولم يعرفونا المخازن التي تكون عليها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعينها لكم إن شاء الله تعالى ، ولكن تعالوا نصل إلى من بقي من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهي إمام الأئمة ، فاجتمع الكل وهم بالإضافة إلى الإمام.
المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجميع ببابه فبرز لهم.
 وقال : ما الذي جاء بكم ؟
فذكروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى يضعوا كل مقلاد على بابه ، فقال : أين الإمام المخصص ؟
 فبادر إليه المريد ، فقال له : أليس الخبر عندك وعند العليم ؟
فقال له نعم ، قال : فإن كان فأرح هؤلاء مما هم فيه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العليم والمريد : أيها الإمام الأكمل .
 قل الإمام القادر يساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعينا أخويكما فيما هما بسبيله.
فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .
فقالا للجواد : عزمنا على إيجاد الأكوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتك حضرة الجود.
فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غاية الإحكام والإتقان ، فلم يبق في الإمكان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .
ولو بقي أبدع منه لكان الجواد قد بخل بما لم يعط وأبقاه عنده من الكمال ، ولم يصح عليه إطلاق اسم الجواد وفيه شيء من البخل .
فليس اسم الجواد عليه فيما أعطى بأولى من اسم البخيل عليه فيما أمسك ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخيل عليه محال ، فكونه أبقى عنده ما هو أكمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.
راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , كتاب إنشاء الجداول والدوائر.



23 - محاضرة الأسماء ومحاوريها      فص 15 ، هامش 23، ص 241
يقول الشيخ في كتابه « عنقاء مغرب » في باب محاضرة أزلية على نشأة أبديه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا كريما وتريا منزهة عن العدد ، من غير مادة الأمد ، فلما أخذ كل اسم فيها مرتبته ، ولم يتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار كل اسم إلى الذي يجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 
يا ليت شعرنا ، هل يتضمن الوجود غيرنا ، فما عرف أحد منهم ما يكون ، إلا اسان أحدهما العلم المكنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العليم الفاضل : وقالوا أنت لنا الحكم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحيم»، وأشار إلى الاسم العظيم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبي » وأشار إلى الاسم الخبير والعلي" ، بمحمد الكريم ، وأشار إلى الاسم الحميد « خاتم الأنبياء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر في الأسماء من لم يكن له فيما ذكره العليم حظ ، ولا جرى عليه من اسسه التكريم لفظ ، وقال العليم ، من ذا الذي صليت عليه ، وأثرت في كلامك إليه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .
 
 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقييد، إلى اسمه الرحيم والحميد ، فقال لهم يا عجبا ، وهذا هو الذي سألتموني عنه أن أبينه لكم تحقيقا ، وأوضح لكم إلى معرفته طريقا ، هو موجود يضاهيكم في حضرتكم ، وتظهر عليه آثار نفحتكم، فلا يكون في هذه الحضرة شيء إلا ويكون فيه ، ويحصله ويستوفيه ، ويشارككم في أسمائكم ، ويعلم بي حقائق انبائكم ، وعن هذا الوجود المذكور الصادر من حضرتكم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور يكون الكون ، والكيف والأين ، وفيه تظهر بالاسم الظاهر حقائقكم ، وإليه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقكم ، فقالت تنبيها على أمر لم يكن به عليما ، وكان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علينا عظيما ، فمتى يكون هذا الأمر ، ويلوح هذا السر ؟ 
 
فقال سألتم الخبير ، واهتديتم بالبصير ، ولسنا في زمانه ، فيكون بيننا وبين هذا الكون مدة وأوان ، فغاية الزمان في حقنا ملاحظة المشيئة حضرة التقديم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطي في جنسه ، المنزه في نفسه ، وأشارت إلى المريد ، فقيل له متى يكون عالم التقييد في الوجود الذي يكون لنا فيه الحكم والصولة، ونجول بظهور آثارنا عليه في الكون على ما ذكره الاسم الحكيم جولة ؟ 
فقال المريد وكان به قد كان ، ويوجد في الأعيان ، وقال الاسم العليم ویسی بالإنسان ، ويصطفية الاسم الرحمن ، ويفيض عليه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محياه ، وحيا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وكذلك الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطي بحساب وبعير حساب . 
فقال الاسم الحسيب ، أقيد عليكم ما تهبونه ، وأحسب عليكم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهيد ، فإنه صاحب الضبط والتقييد ، غير أن الاسم العليم قد يعرفی المعطى له ما يحصل له في وقت ، ويبهم عليه الاسم المريد في وقت إبهامه يعلمه ولا يمضيه ، ويأمر بالشيء ويريد ضده فلا يقضيه ، فلا زوال لي عنكما ، ولا فراق لي منكما ، فأنا لكم لزيم ، فنعم الجار والحميم ، فتوزعت الأسماء كلها مملكة العبد الإنساني، على هذا الحد الرباني وتفاخرت في الحضرة الإلهية الذائية بحقائقها . 
وبينت حكم مسالكها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الكون ، رغبة في أن يظهر لهم عين ، فلجأوا إلى الاسم المريد ، الموقوف علیه تخصيص الوجود ، وقالوا سألناك بهذه الحضرة التي جمعتنا ، والذات التي شملتنا ، إلا ما علقت نفسك بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت يا قادر سألناك بذاك إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناك بذلك إلا ما أحكمته ، وأنت يا رحمن سألناك بذاك إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل كلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر يا إخواننا على المريد بالتعلق وعلي بالإيجاد ، وقال الحكيم على القادر بالوجود وعلي" بالإحكام . 
 
فقام الرحمن وقال علي بصلة الأرحام فإنه شجنة مني فلا صبر لها عني ، فقال له القادر كل ذلك تحت حكمي وقهري ، 
فقال له القاهر لا تفعل إن ذلك لي وأنت خادمي ، وإن كنت صاحبي وحميمي ، فقال العليم أما الذي قال تحت حكمي فليقدم علي . 
فتوقف الأمر على جميع الأسماء ، وأن بجملتها يصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بينهما إلى مقام  الأستواء ، ولو فتحنا عليك باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأيت أمرا يهولك منظره ، ويطيب لك خبره ، ولكن فيما ذكرناه ، تنبيه على ما سكتنا عنه وتركناه .
 
ولنرجع ونقول والله يقول الحق ويهدي السبيل ، فعندما وقع هذا الكلام الأنفس ، في هذا الجمع الكريم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها في الوجود ، ولاسيما الاسم المعبود ، ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى ليعرفوه بما عرفهم ، ويصفوه بما وصفهم .
فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون » فلجأت الأسماء كلها إلى اسم الله الأعظم ، والركن القوي الأعصم .
فقال ما هذا اللجاء ولأي شيء هذا الالتجاء ، فقالت أيها الإمام الجامع ، لما نحن عليه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن كل واحد منا في نفسه على حقيقة ، وعلى سنة وطريقة ، وقد علمت يقينا أن المانع من إدراك الشيء مع وجود النظر ، کونك فيه لا اكثر ، ولو تجرد عنك بمعزل لرأيته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .
ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الكوني ، وظهر هذا العالم الذي يقال له العلوي والسفلي ، لامتدت إليه رقائقنا ، وظهرت فيه حقائقنا ، فكنا نراه مشاهدة عين ، لما كان منا في أین ، وفي حال فصل وبين ، ونحن باقون على تقديسنا من الأينية ، وتنزيهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهية والكيفية ، فغايتهم أن يستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إليك مضطرين ، ووصلنا إليك قاصدين ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، كما لجأت إليه الأسماء والصفات ، وذكر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتكلم بنفسه العليم ، لك ذلك .
قد كان بالرحمن ، فقل للاسم المريد يقول للاسم القائل يأمر بكن ، والقادر يتعلق بإيجاد الأعيان فيظهر ما تمنيتم ، ويبرز لعیانكم ما اشتهيتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والكثرة، وذلك من حضرة الرحمة وفيض النعمة .""
  
الحب سبب وجود العالم – راجع هامش 25   
 
28 ، 29 - راجع هامش 24
 
ص 400
 
فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي. فاكتفى المبلغون العلوم بهذا.
فهذا حكمة قوله عليه السلام «ففررت منكم لما خفتكم»، ولم يقل ففررت منكم حبا في السلامة والعافية. "29"
فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين «فسقى لهما» من غير أجر، «ثم تولى إلى الظل» الإلهي فقال «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزله الله إليه، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده.
فأراد الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك، فذكره سقايته من غير أجر، "30" إلى غير ذلك مما لم يذكر حتى تمنى صلى الله عليه وسلم أن يسكت موسى عليه السلام ولا يعترض حتى يقص الله عليه من أمرهما فيعلم بذلك ما وفق إليه موسى من غير علم منه.
إذ لو كان على علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكاه وعدله . ومع هذا غفل موسى عن تزكية الله وعما شرطه عليه في اتباعه، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله.
ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر «ما لم تحط به خبرا» أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا. فأنصف.
وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول.
وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني» فنهاه عن صحبته.
فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بيني و بينك».
ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه.
فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفيقة الأدب الإلهي حقه وإنصاف الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له «أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، و أنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا».
فكان هذا الإعلام في الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله «وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، و ليست تلك الرتبة للخضر. "31"  و ظهر ذلك في الأمة 
……………………………………………..
30 - راجع هامش 31 
 
31 - الخضر وموسى عليهما السلام *
« فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما » « فوجدا » تنبيها من الله وتأديبا لموسى عليه السلام لما جاوزه من الحد في  
 
ص 401
 
المحمدية في حديت إبار النخل، فقال عليه السلام لأصحابه « انتم أعلم بمصالح 
………………………………………………..
إضافة العلم إلى نفسه ، بأنه أعلم من في الأرض في زمانه ، فلو كان عالما لعلم دلالة الحق التي هي عين اتخاذ الحوت سربا ، وما علم ذلك ، وقد علمه يوشع و نستاه الله التعريف بذلك ، 
ليظهر لموسى عليه السلام تجاوزه الحد في دعواه ، ولم يرد ذلك إلى الله في علمه في خلقه «عبدا من عبادنا ، فأضافه إلى نون الجمع ، وهو خضر واسمه بلیا بن ملکان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام ، كان في جيش ، فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء ، 
وكانوا قد فقدوا الماء ، فوقع بعين الحياة ، فشرب منه فعاش إلى الآن، وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء « آتيناه رحمة من عندنا » الرحمة تقدم بين يدي العلم تطلب العبد ثم يتبعها العلم ، فالعلم يستصحب الرحمة بلا شك ، فإذا رأيت من بدعي العلم ولا يقول بشول الرحمة ، فما هو صاحب علم ، وهذا هو علم الذوق لا علم النظر ، 
قال تعالى في حق عبده خضر « آتيناه رحمة من عندنا » فقدم الرحمة على العلم ، وهي الرحمة التي في الجبلة ، جعلها فيه ليرحم بها نفسه وعباده ، فيكون في حق الغلام رحمة أن حال بينه وبين ما يكتسبه لو عاش من الآثام ، 
إذ قد كان طبع کافرا ، وأما رحمته بالملك الغاصب حتى لا يتحمل وزر غضب تلك السفينة من هؤلاء المساكين ، فالرحمة تنظر من جانب الرحيم بها لا من جانب صاحب الغرض فإنه جاهل بما ينفعه ، وإن أراد الله تعالى أنه أعطاه رحمة من عنده ، أي رحمناه فأعطيناه هذا العلم الذي ظهر به وهو ما أعطاه من الفهم ، « وعلمناه من لدنا علما » جودا ورحمة من الله فإنه لم يذكر له تعملا في تحصيل شيء من ذلك ، وجعل الكل منه امتنانا وفضلا ، 
فهو علم الوهب لا علم الكسب ، وهذا مقام المقربين بين الصديقية ونبوة التشريع ، فلم تبلغ منزلة نبي التشريع من النبوة العامة ولا هو من الصديقين الذين هم أتباع الرسل القول الرسل ، وغير الرسل من العلماء بالله مثل الخضر وأمثاله لم يكله إلى عنديته ولا إلى نفسه ، بل تولى تعليمه ليريحه لما هو عليه من الضعف ، وأعطاه هذا العلم من قوله « لدنا » والغصن اللدن هو الرطيب ، فهي هنا اللين والعطف وهي الرحمة
 
ص 402
 
دنیاکم » . ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به : ولهذا مدح الله نفسه بأنه بكل
………………………………………………………..
المعطوفة في المكروه ، وبهذه الرحمة قتل الغلام وخرق السفينة ، وبالرحمة التي في الجبلة أقام الجدار ، وأضاف الحق التعليم إليه تعالى لا إلى الفكر ، فعلمنا أن ثم مقاما آخر فوق الفكر يعطى العبد العلم بأمور شتى يقول عنه بعض العلماء أنه وراء طور العقل ، 
قال النبي مع « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله » هذا من العلم الذي يكون تحت النطق . فما ظنك بالعلم الخارج عن الدخول نحت حكم النطق ، فما كل علم يدخل تحت العبارات ، وهي علوم الأذواق كلها وقال تعالى في حق عبده خضر « عبدا من عبادنا » فأضافه إلى نون الجميع « آتيناه رحمة من عندنا » بنون الجمع « وعلمناه » بنون الجمع « من لدنا » بنون الجمع « علما » أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر والباطن ، وعلم السر والعلانية ، وعلم الحكم والحكمة ، وعلم العقل والوضع ، وعلم الأدلة والشبه ، قال له موسى «هل اتبعك على أن تعلمني ما علمت رشدا . 
اعلم أن الأنبياء أصحاب الشرائع هم أرفع عباد الله من البشر ، ومع هذا لا يبعد أن يخص الله المفضول بعلم ليس عند الفاضل ، ولا يدل تميزه عنه أنه بذلك العلم أفضل منه ، قال الخضر لموسى عليه السلام « أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت » قال إنك لن تستطيع معي صبرا ثم أنصفه في العلم وقال له « وأنت على علم علمه الله لا أعلمه أنا » « وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » 
الخبر الذوق وهو علم حال لأنه وحي خاص إلهي ، ليس للملك فيه وساطة من الله ، فإن وحي الرسل إنما هو بالملك بين الله وبين رسوله ، 
فلا خبر له بهذا الذوق في عين إمضاء الحكم في عالم الشهادة فما تعود الإرسال لتشريع الأحكام الإلهية في عالم الشهادت إلا بوساطة الروح الذي ينزل به على قلبه أو في تمثله ، لم يعرف الرسول الشريعة إلا على هذا الوصف ، لا غير الشريعة ، فإن الرسول له قرب أداء الفرائض والمحبة عليها من الله ، وما تتج له تلك المحبة ، وله قرب النوافل ومحبتها وما يعطيه محبتها ، ولكن من العلم بالله لا من التشريع وإمضاء الحكم في عالم الشهادة ،

ص 403
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:56 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الرابع .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء الرابع
قال الشيخ رضي الله عنه : ( شيء عليم . فقد اعترف صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأنهم اعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبره له)
…………………………………………………………..
فخرق الخضر السفينة وقتل الغلام حكما ، وأقام الجدار مکارم اخلاق ، عن حكم أمر إلهي ، فلم يحط موسى عليه السلام به خبرا من هذا القبيل ، فهذا القدر الذي اختص به خضر دون موسى عليه السلام ، 
فلما علم الخضر أن موسى عليه السلام ليس له ذوق في المقام الذي هو الخضر عليه قال الخضر لموسى عليه السلام « وکیف تصبر على ما لم تحط به خبرة » لأنه كان في مقام لم يكن لموسى عليه السلام في ذلك الوقت الذي نفاه عنه العدل بقوله وتعديل الله إياه بما شهد له به من العلم ، مع کون موسى عليه السلام كليم الله ، وكما أن الخضر ليس له ذوق فيما هو موسى عليه من العلم الذي عليه الله ، إلا أن مقام الخضر لا يعطي الاعتراض على أحد من خلق الله لمشاهدة خاصة هو عليها ، ومقام موسي و الرسل يعطي الاعتراض من حيث هم رسل لا غير ، في كل ما يرونه خارجا عما أرسلوا به ، ودليل ما ذهبنا إليه في هذا قول الخضر لموسى عليه السلام « و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » فلو كان الخضر نبيا لما قال له « ما لم تحط به خبرا » فالذي فعله لم يكن من مقام النبوة ، 
وقال له في انفراد كل واحد منهما بمقامه الذي هو عليه « یا موسى أنا على علم - الحديث » فافترقا وتميزا بالإنكار ، وما رد موسي على الخضر في ذلك ولا أنكر عليه في قوله المذكور في هذه الآية بل قال له " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " .
« قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا » 
« فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا مرا » « قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا » . 
العلم حاكم فإن لم يعمل العالم بعلمه فليس بعالم ، العلم لا يمهل ولا يهمل ، لما علم الخضر حکم ، ولما لم يعلم صاحبه اعترض عليه ونسي ما كان قد ألزمه فالتزم « فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا » أي ينكره شرعي ، فما أنكر موسى عليه السلام إلا بما شرع له الإنكار فيه ، ولكن غاب عن تزكية الله هذا الذي جاء بما أنكره عليه صاحبه ، فهو في الظاهر طعن في المزكي ، واعلم أنه
 
ص 404
 
بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولا يتفرغ عليه السلام لعلم ذلك . بل كان شغله بالأهم
……………………………………………………...
ما أذهل موسى عليه السلام إلا سلطان الغيرة التي جعل الله في الرسل عليهم السلام على مقام شرع الله على أيديهم ، فلله أنكروا ، وتكرر منه عليه السلام الإنكار مع تنبيه العبد الصالح في كل مسألة ، ويأبی سلطان الغيرة إلا الاعتراض ، لأن شرعه دوق له ، والذي رآه من عيره أجنبي عنه ، وإن كان علما صحيحا ولكن الذوق أغلب والحال أحكم ، « قال ألم أقل لك إنك لن تستطع معي صبرا » « قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا » « فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ، فوجدا فيها جدارة يريد أن ينقض فأقامه ، قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا » 
فكانت الثالثة ونسي موسى حالة قوله : « إني لما أنزلت إلي من خير فقير » وما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة « قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم نسطع عليه صبرا » فحصل لموسى عليه السلام مقصوده و مقصود الحق في تأدیه ، فعلم أن الله عبادا عندهم من العلم ما ليس عنده « أما السفينة فكانت المساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا » « وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا » « فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما » « وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا کنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا » من کلام خضر يعلم أدب الإضافة ، فقال « فأردت أن أعيبها » لذكره العيب وهو ما يذم ، 
وقال في الغلام « فأردنا أن يدلهما » للاشتراك بين ما يحمد ويذم ، 
وقال في الجدار « فأراد ربك » التخليص المحمدة فيه ، فيكتسب الشيء الواحد بالنسبة ذما وبالإضافة إلى جهة أخرى حمدا وهو عينه ، 
وتغير الحكم بالنسبة « وما فعلته عن أمري » يعني جميع ما فعله من الأعمال وكل ما جرى منه ، وجميع ما قال لموسى عليه السلام عن ذلك ، يعني أن الحق علمني الأدب معه ، والوجه الثاني لولا أن الخضر أمره الله أن يظهر
 
ص 405
 
فالأهم. "32"  فقد نبهتك على أدب عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه.
وقوله
…………………………………………….
لموسى عليه السلام بما ظهر ، ما ظهر له بشيء من ذلك ، فإنه من الأمناء ، الوجه الثالث ، فعلم موسی علیه السلام أن فراق الخضر له كان عن أمر ربه فما اعترض عليه في فرافه،
وأما ما جاء هنا من امتثال الخضر نهي موسى عليه السلام ، فهو ما قاله الشيخ عن أبي مدين رضي الله عنه حيث يقول : قال شيخنا أبو النجا المعروف بأبي مدين لما علم الخضر رتبة موسی وعلو قدره بين الرسل امتثل ما نهاه عنه طاعة لله ولرسوله ، فإن الله يقول: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
فقال له في الثانية: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني - فقال سمعا وطاعة ، 
فلما كانت الثالثة ونسي موسی حال قوله « إني لما أنزلت إلي من خير فقير » وما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة ، فارقه الخضر بعدما أبان له علم ما أنكره عليه ، 
فقد علم الخضر حق موسى وما ينبغي له وامتثل أمره فيما نهاه عنه من صحبته ، احتراما منه لمقام موسی وعلو منزلته ، وسکوت موسی عنه حين فارقه ولم يرجع عن نهيه ، لأنه علم أن الخضر ممن لم يسمع نهي موسى عليه السلام ، ولاسيما وقد قال له « وما فعلته عن أمري » فعلم موسى أنه ما فارقة إلا عن أمر ربه ، فما اعترض عليه في فرافه إياه.
دقق الخلاف بين ما ورد هنا وبين ما جاء في هذه الفقرة . 
راجع فتوحات ج 1 / 199 ، 393 - ج 2 / 19 ، 41 ، 51 ، 76 ، 79 ، 114 ، 158 ، 260 ، 261 ، 262 ، 420 ، 481 ، 644 - ج 3 / 366 - ج 4 / 55 ، 153 ، 345 ، 422  - کتاب الأعلاق .
 
 32 - قوله صلى الله عليه وسلم : « أنتم أعلم بأمور دنياكم »*
الإمام لا يقتني العلوم من فكره ؛ بل لو رجع إلى نظره لأخطأ ، فإن نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره ، فيحجبه ذلك عن ربه ، فإنه في كل حال يريد الحق أن يأخذ عنه ما هو
 
 
ص 406
 
 
«فوهب لي ربي حكما» يريد الخلافة، «وجعلني من المرسلين» يريد الرسالة : فما كل رسول خليفة.
فالخليفة صاحب السيف و العزل و الولاية. والرسول ليس كذلك: إنما عليه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل عليه و حماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول.
فكما أنه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه. "33"
وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل، و إنما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم فيستدل بجوابه على صدق دعواه.
وسأل سؤال إيهام من
………………………………………………..
فيه من الشؤون في كل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغيره ، وللعاقل إذا استبصر دلیل" قد وقع يدل على صحة ما ذكرناه ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن آبار النخل ، ففسد لأنه لم بار عن وحي الهي ، و نزوله يوم بدر على غير ماء ، فرجع إلى كلام أصحابه ، فإنه صلى الله عليه وسلم  ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله ، لا نظر له إلى نفسه في ذلك . 
وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه ، فما ظنك بمن هو دونه ، وما بقي للعارفين بالله علاقة بين الفكر وبينهم بطريق الاستفادة ، ولا تنسى الشخص إلهية إلا أن لا يكون أخذه العلوم إلا عن الله من فتوح المكاشفة .. فتوحات ج 3 / 139
راجع هذا الشاهد في فص 2، هامش 8، ص 56
 
 
وكلام الشيخ في شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إنه « علم علم الأولين والآخرين » 
راجع فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52
 
"" علمت علم الأولين والآخرين  فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52
هذا ما ورد عن الشيخ رضي الله عنه في حق الأنبياء والرسل عامة وإليك ماكتبه بخط يده في هذه المسألة عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين و الأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة .
الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه .
الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله عليه وسلم " علمت علم الأولين" ، وهم الذين تقدموه د "والآخرين" ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة.
 الفتوحات ج1/ 214.  - دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه عليه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي ... محمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171  - كان صلى اللَّه عليه وسلم من أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين ، ومن الأولين علم آدم بالأسماء ، وأوتي محمد صلى اللَّه عليه وسلم و جوامع الكلم ، وكلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى اللَّه عليه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن ، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم ، والكلم جمع كلمة ، وكلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا يتناهی ، فعلم ما يتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره .
الفتوحات ج3/ 456  - كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان و رسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها .
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 ص 496 في تقسيم الرحمة الإلهية : ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد کشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ،ومن نور مشكاتهم عرفناه.
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة « الإحاطة بعلم كل عالم بالله » و « كل علم إنما هو میراث محمدي » وهو نص في الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشكاتهم عرفناه » !!! . .
ويقول في الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف .
وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية هنا للأولياء فضلا عن الأنبياء ؟! أهـ ""
 
 33 - الخلافة والرسالة
كان موسى عليه السلام خليفة رسولا ، لأن الرسول لا يكون حاكما حتی يكون خليفة .
واعلم أن الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة ، فأخذها آدم عليه السلام بحكم العناية الإلهية ، وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل ، لأنه ما كل رسول خليفة ، فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة ، 
قال تعالى « ما على الرسول إلا البلاغ » وليس له التحكم في المخالف ، إنما له تشريع الحكم عن الله أو بما أراه الله خاصة ، فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم فذلك هو
 
ص 407
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله، فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم أن فرعون أعلم من موسى.
ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك فقال لأصحابه «إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون» أي مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا يتصور أن يعلم أصلا.
فالسؤال صحيح، فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب، ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه .
وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك، ومن لا جنس له لا يلزم ألا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره.
فالسؤال صحيح )
………………………………………………..
الاستخلاف والخلافة ، والرسول الخليفة ، فما كل من أرسل حكم ، فإذا أعطي السيف وأمضى الفعل حينئذ يكون له الكمال ، فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية ، فيعطي ويمنع ، ويعز ويذل ، ويحيي ويميت ، ويضر وينفع ، ويظهر بأسماء التقابل مع النبوة ، لابد من ذلك ، 
فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو ملك وليس بخليفة ، فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده ، لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم ، فهذه هي درجة الكمال ، 
فلابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه ، فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه ، ولما اقتضى الأمر ذلك انزل أمرا منه إليه سماه شرعا ، بين فيه مصارف هذه الأسماء والصفات الإلهية التي
لابد للخليفة من الظهور بها وعهد إليه بها ، 
فكل نائب في العالم فله الظهور بجميع الأسماء ، ومن النواب من أخذ المرتبة بنفسه من غير عمد إلهي إليه ، وقام بالعدل في الرعايا . 
واستند إلى الحق في ذلك ، كسلوك زماننا اليوم مع الخليفة ، فمنهم السمع والطاعة فيما يوافق أغراضهم وما لا يوافق ، فهم فيه كما هم في أصل توليتهم ابتداء ، ومنهم من لا يعمل بمكارم الأخلاق ولا يمشي بالعدل في رعيته ، فذلك هو المنازع لحدود مكارم الأخلاق و المغالب لجناب الحق في مغالبته رسل الله ، كفرعون صاحب موسى عليه السلام وأمثاله ، وإن كان الحق ما استخلفهم بالخطاب الإلهي
 
ص 408
 
على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم، والجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى.
وهنا سر كبير، فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتي، "34"
فجعل الحد الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فيه 
……………………………………………………….
على الكشف ، لكنهم نوابه من وراء الحجاب ، فإذا ظهروا بصفات ما ينبغي للملك أن يظهر بها ولم يوافق بها المصارف الإلهية التي شرعها الحق - بألسنة الرسل نعت ذلك بالمنازع و المغالب ، فمهما ظهر كانت الغلبة له ، ومهما ظهر عليه كانت الغلبة للحق ، فكان الحرب سجالا له وعليه . 
راجع فتوحات ج 2 / 155 ، 272 - ج 4 / 3
 
34 - جواب موسی علیه السلام لفرعون *
"قال فرعون وما رب العالمين" ، لما دعا موسی فرعون إلى الله رب العالمين فسأله فرعون " وما رب العالمين" ، يسأله عن الماهية ، ولما كانت ذات الله لا يجوز أن تطلب بما كما طلب فرعون فأخطأ في السؤال ، 
لهذا عدل موسى عليه السلام عن جواب سؤاله ، لأن السؤال إذا كان خطأ لا يلزم الجواب عنه ، وكان المجلس مجلس عامة فلذلك تكلم موسى بما تكلم به ، 
والحق سبحانه لا يقال فيه إنه له ماهية ، وإن سئل عنه بما ، فالجواب بصفة التنزيه أو بصفة الفعل ، لا غير ذلك ، 
لذلك قال موسی علیه السلام « رب السموات والأرض إن کنتم موقنين » يقول إن استقر في قلوبكم ما يعطيه الدليل والنظر الصحيح من الدال ، 
فقال فرعون وقد علم أن الحق مع موسى فيما أجابه به ، إلا أنه أوهم الحاضرين واستخفهم ، لأن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق وهو قوله "وما رب العالمين" ، فما سأله إلا بذكر العالمين ، فقال
موسی " رب السموات والأرض وما بينهما " فطابق الجواب السؤال ، 
فقال فرعون لقومه « لمن حوله ألا تستمعون » أسأله عن الماهية فيجيبني بالأمور الإضافية ، فغالطهم ، وهو ما سأل إلا عن الرب المضاف ، 
فقال له موسی « ربكم ورب آبائكم الأولين» فخصص الإضافة لدعوى فرعون في قومه أنه ربهم الأعلى «قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون » لما رأى فرعون أن موسى عليه السلام ما أجابه على
 
ص  409
 
قال الشيخ رضي الله عنه الله عنه : ( من صور العالم. فكأنه قال في جواب قوله «وما رب العالمين» قال الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض: «إن كنتم موقنين»، أو يظهر هو بها. "35" 
فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» كما قلنا في معنى )
………………………………………….
حد ما سأل ، لأنه تخيل أن سؤاله هذا متوجه ، وما علم أن ذات الحق لا تدخل تحت مطلب « ما » وإنما تدخل تحت مطلب « هل » وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل متحقق أم لا ؟ فقال فرعون وقد علم ما وقع فيه من الجهل إشغالا للحاضرين لئلا يتفطنوا لذلك « إن رسولكم الذي أرسل إليكم » ولولا ما علم الحق فرعون ما أثبت في هذا الكلام أنه أرسله مرسل ، وأنه ما جاء من نفسه ، لأنه دعا إلى غيره، وكذا نسبه فرعون إلى ما كان عليه موسى بقوله « لمجنون » أي مستور عنكم فلا تعرفونه ، فعرفه موسي بجوابه إياه وما عرفه الحاضرون ، كما عرفه السحرة وما عرفه الجاهلون بالسحر ، 
والوجه الثاني " لمجنون " أي قد ستر عنه عقله ، لان العاقل لا يسأل عن ماهية الشيء فيجيب بمثل هذا الجواب 
فقال له موسى لقرينة حال اقتضاها المجلس ما قال إبراهيم عليه السلام للنمروذ " قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن کنتم تعقلون" ، ولو لم يقل « وما بينهما » لجاز ، لأنه ليس بينهما شيء، 
وذلك لأن عين حال الشروق في ذلك الحيز هو عين استوائها وهو عين غروبها ، فكل حركة واحدة من الشمس في حيز واحد شروق واستواء وغروب ، فما ثم ما ينبغي أن يقال "وما بينهما" ، 
لكنه قال " وما بينهما" و لغموضه على الحاضرين ، فإنهم لا يعرفون ما فصلناه في إجمال "وما بينهما" ، فجاء بالمشرق والمغرب المعروف بالعرف 
ثم قال لهم « إن کنتم تعقلون » فأحالهم على النظر العقلي .
فتوحات ج 3 / 90 - ج 4 / 20 ، 175 
 
35 - التجلي الصوري 
صور التجلي محدثة - في ج 4/ 266 
"" أضاف الجامع :
فما ثمَّ إلا الحجب .. ومطالعة وجه الذات في الدنيا محال .تَكَبَّرَ الحق على الصورة
والشأن فوق العقول والعيون ، والذات باطنة عن الإدراك حساً معنىً
كذلك الأمر ليس كما تدركه العين فجميع صور التجلي مُحدثة  أي طارئة متغيرة محدودة الآجال وما في الوجود إلا الحجب وهي موضع الإدراكات المختلفة .
 
قال الشيخ رضي الله عنه فى الباب الثامن والخمسون وخمسمائة :-
"وهكذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر في البحر بمنقاره وهو على حرف السفينة فقال له الخضر تدري ما يقول هذا الطائر 
وكان الخضر قد أعطى منطق الطير فكان نقره كلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلك وكان الخضر قد ذكر لموسى عليه السلام أنه على علم علمه الله لا يعلمه موسى وموسى على علم علمه الله لا يعلمه خضر مع العلم الكثير الذي كان عند كل واحد منهما 
فقال ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا بقدر ما نقر هذا الطائر
ومعلوم أنه قد حصل شيئا من الماء في نقره كذلك حصل بما علمه موسى والخضر من العلم شركه مع الله في ذلك القدر 
فعلمنا من علم الله شيئا مما يعلمه الله فحقق ما حصل لك وما بقي ولم يحصل لك فوقع التشبيه الصحيح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم يحصل لأن الذي لم يحصل من اليم متناه والذي لم يحصل من العلم لموسى والخضر غير متناه" أهـ
 
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثامن والخمسون وخمسمائة في معرفة الأسماء الحسنى:
"وهذا خطاب خاطب به العقلاء ما خاطب به أهل الجمع والوجود فما نظر قط أهل الخصوص في اكتساب علم به ولا بمعلوم وإنما جعل لهم أن يهيئوا محالهم ويطهروا قلوبهم حتى يأتي الله بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ من عِنْدِهِ بالفتح فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا في أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ ،
لأنهم عاينوا ما وصلوا إليه بالفتح الإلهي والأمر عين ما انفصلوا عنه فما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً بالحيرة وتَسْلِيماً لحكمها ،
ومن هذه الحضرة أثبت أن الباطل شيء قذف بالحق عليه فدمغه فإذا الباطل زاهق ،
ولا يزهق إلا ما له عين أو ما تخيل أن له عينا فلا بد له من رتبة وجودية خيالا كانت أو غير خيال قد اعتنى بها على كل حال ثم إنه من أعظم الحيرة في الحق إن الحق له الوجود الصرف فله الثبوت وصور التجلي حق بلا شك
 
وما لها ثبوت وما لها بقاء ..... لكن لها اللقاء فما لها شقاء
ما من صورة ينجلي فيها إلا إذا ذهبت ما لها رجوع ولا تكرار وليس الزهوق سوى عين الذاهب فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ فهل في الحق باطل أو ما هو الباطل وما اذهب الصورة إلا قذف الصورة الأخرى وهي تذهب ذهاب أختها فهي من حيث ورودها حق ومن حيث زهوقها باطل فهي الدامغة المدموغة فصدق من نفي رؤية الحق 
فإن الحق لا يذهب فإنه إن كانت الصور صورنا فما رأينا إلا أنفسنا ونحن ليس بباطل ،
وقد زهقنا بنا فنحن الحق لأن الله بنا قذف علينا فما أتى علينا إلا منا فالله بالحق قاذف والعبد للحكم الإلهي واقف
فالعين مني ومنه ..... لها البقاء والثبوت
من ذا الذي منه يحيى ..... أو من هو منه يميت
ومنه مني يحيي ..... أو منه مني يموت
قد حرت فيه وفينا ..... فنحن خرس صموت
لا تدعى فيه دعوى ..... فإنه ما يفوت
أصبحت لله قوتا ..... وإنه لي قوت
فالأمر دور وهذا ..... علمي به ما بقيت
فلا تعتمد على من له الزهوق فإنه ما يحصل بيدك منه شيء ولا تعتمد إلا عليك فإن مرجعك إليك وإلى الله ترجعون كما تُرْجَعُ الْأُمُورُ فمن هنا قال من قال من رجال الله أنا الله فأعذروه فإن الإنسان بحكم ما تجلى له ما هو بحكم عينه وما تجلى له غير عينه فسلم واستسلم فالأمر كما شرحته وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ ... 
ولَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ" أهـ  ""
 
راجع الظاهر في المظاهر فص5 ، هامش 6، ص 84 
المرايا فص 2، هامش 6، ص 45
 
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر  فص5 ، هامش 6، ص 84 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606
"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . 
أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
 
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
 
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
 
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""

.
يتبع 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:57 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء الخامس .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء الخامس

6 - وحدة الوجود – المرايا       المرايا فص 2، هامش 6، ص 45
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
 وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم   المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل
المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
کالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.  أهـ ""
 
 
ص  410
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كونه مجنونا، زاد موسى في البيان  ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم».
«إن كنتم تعقلون»: أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد.
فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود.
فقال له «إن كنتم موقنين» أي أهل كشف ووجود، فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم، فإن لم تكونوا من هذا الصنف، فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل و تقييد و حصر. ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم.
فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه. "36"
وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية، فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما  فلذلك أجاب.
ولو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال.
فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون.
فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس. "37"
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند )
………………………………….
36 - راجع هامش 34 *
 
37 - المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب
راجع الظاهر في المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 5
لا تشهد الأعيان إلا بمراتبها لا بأعيانها ، فإنه لا فرق بين الملك والسوقة في الإنسانية ، فما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعض إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره وإن كان يقول
 
ص 411
 
 
الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر،  "38"
…………………………………….
إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، وما من حركة ينحركها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهي عليه ، هذا مفروغ منه عندنا في الحقائق الإلهية ، والعارف يشهد الأسماء الإلهية «ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ) ومعها يتأدب.
الفتوحات ج 1 / 644 - ج 3 / 225
 
راجع الظاهر في المظاهر
"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر   قفرة 6 ص 84
 
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  أهـ ""


"" أضاف الجامع :
يقول الدكتور أبو العلا عفيفي:
" وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي الطائي الحاتمي ليست وحدة وجود مادية تنكر الألوهية ولوازمها أو تنكر القيم الروحية ،
بل العكس هو الصحيح : أي أنها وحدة وجود تنكر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقيقي إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له في ذاته ".
 
تقول د. سعاد الحكيم في وحدة الوجود عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربي ، إذ أنها من ناحية لم ترد عنده مطلقا ،
ومن ناحية ثانية هي تشكل تيارا فكريا له جذوره البعيدة في تأريخ النظريات الفلسفية ،
ولكننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظريات شيخنا الأكبر بالنظر لأهميتها عنده ، إذ فيها تتبلور مصطلحاته وتتكشف ، ويتجلى وجه ابن العربي الطائي الحاتمي الحقيقي ، فنلمس فيه الفكر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".
 
إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربي الطائي الحاتمي ،
أو بالأحرى صنفوه في زمرة لقائلين بها . إذ أن الباحث لا يلتقط فكر مفكر إلا بتحليله إلى عناصره البسيطة ، وإعادة تركيبه تركيبا يتلاءم وينضبط مع التيارات الفكرية المعروفة . وبالتالي استدل الملتمس وجه ابن العربي الطائي الحاتمي من جمل أمثال :
الوجود كله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما في الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة الماديين بتغليب الجانب الإلهي فيها .
ولكن ما حقيقة موقف ابن العربي الطائي الحاتمي من الوحدة الوجودية ؟
وما نسبة التفكير النظري إلى الشهود الصوفي فيها ؟
 
وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟
كثيرا ما يتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربي الطائي الحاتمي متسائلا :
أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟
ثم لا يلبث ان يقرر انها وحدة وجود ، من حيث أنها لم تبرز في صيحة وجد ، بل كانت نتيجة باردة لتفكير نظري .
ويعود تردد الباحث بين الوحدتين إلى أنهما يتطابقان في النتيجة ، فكلتاهما ترى :
إن الوجود الحقيقي واحد وهو الله .
ولكن صاحب وحدة الشهود يقولها في غمرة الحال ، على حين يدافع عنها ابن العربي الطائي الحاتمي في صحو العلماء وبرود النظريين .
والحقيقة أن وحدة ابن العربي الطائي الحاتمي تختلف عن وحدة شهود غيره بسبب جوهري ، وهو أن الشيخ الاكبر لم يقطفها ثمرة فيض فناء في الحق ، فناء افناه عن رؤية كل ما سوى الحق .
ولم يقل بعدم كل ما سواه ، إن ابن العربي  يرى الكثرة ، وشهوده يعطيه الكثرة ، وبصره يقع على الكثرة . إذن الكثرة عنده موجودة .
وهنا نستطيع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقيض من وحدة الشهود ، تعطي : كثرة شهودية . فالنظر يقع على كثرة عنده . وهذا ما لا يمكن أن ينطبق على وحدة الشهود .
ولكن ابن العربي الطائي الحاتمي لا يقف مع الكثرة الشهودية أو بتعبير أدق المشهودة ، بل يجعلها ( كثرة معقولة ) لا وجود حقيقي لها .
وهي - إذا امكن التعبير بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربي الطائي الحاتمي : خيال . ""
 
 
9 -  تفاضل الأسماء والصفات الإلهية والمراتب    
تفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 9
للشيخ في هذه المسألة نظرتان :
الأولى من حيث دلالة الأسماء على الذات الإلهية الواحدة فلا تفاضل بينها ،
والأخرى من حيث دلالة كل اسم على معنی لیس للاسم الآخر في العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ، 
لذلك نراه يقول :
الحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل لأن الشيء لا يفضل نفسه ، فكما هو الأول هو الآخر وكما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فيها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ، ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله ، فيكون بعض الأسماء الإلهيه أفضل من بعض ، وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا يدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول ، أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الكثرة ، والشيء لا يفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا يقال إن خلة الحق أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد ، فهي بالنسبة إلى كذا خالقة ، وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة .
أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا يتناهي من الممكنات فلا نشك أن العلم أكثر إحاطة منها ، لأنه يتعلق بها وبالممكنات والواجبات والمستحيلات والكائنات وغير الكائنات ، مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده.
لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بكل شيء علما» ولا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كان معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذي أحاط بكل شيء علما سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم لهذا كان المعلوم محاطا به ، 
فقال تعالى « أحاط بكل شيء علما » من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمير المراتب ليتميز الكثير الاختصاص بالله الذي اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غيره من العبيد ، فلو لم يقع التفاضل في العالم لكان بعض المراتب معطلا غير عامر ، وما في الوجود شيء معطل بل هو معمور كله ، فلابد لكل مرتبة من عامر يكون حكمه بحسب مرتبته ، 
ولذلك فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله في الأسماء الإلهية ، أين إحاطة العالم من إحاطة المريد من إحاطة القادر ، فتميز العالم عن المريد ، والمريد عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المريد والقادر بشيء لا يكون للمريد ولا للقادر من حيث أنه مريد وقادر ، 
فإنه يعلم نفسه ولا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقيقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ، 
ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناك ظهر التفاضل في العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرين لها ، فلابد من التفاضل في العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لايدرك کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المكاشف عمارة المراتب بكشفه للعامرين لها ، ولا يعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهي . 
الفتوحات ج 1 /  141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317 
 
"" أضاف الجامع : 
قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله" :
قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله". رواه ابو داود والبيهقي
فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم
فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه
فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره
فلا يعلم الخلق إلا به   ..... ولا يعلم الحق إلا بها
وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم
وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشيء نفسه فلا يضاد نفسه
فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه
فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول
فبالعلم يعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط
وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو
فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به  فقال ما هو غيره
فحار فنطق بما أعطاه فهمه
فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره
ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد
فما يزيد المتكلم على من يقول" إِنَّ الله فَقِيرٌ" إلا بحسن العبارة
ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . أهـ. ""
 
 
38 - الحقائق لا تتبدل والجوهر يخلع صورا ويلبس صورا * 
إن أعيان الصور لا تنقلب فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق ، وإنما الإدراكات تتعلق بالمدركات ، تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها ، فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت وما انقلبت ، مثل عصا موسى عليه السلام ما انقلبت حية تسعى ، فإن الأعيان لا تنقلب ، فالعصا لا تكون حية ولا الحية عصا ، ولكن الجوهر القابل صورة العصا قبل صورة الحية ، 
فهي صور يخلعها الحق القادر الخالق عن الجوهر إذا شاء ويخلع عليه صورة أخرى ، فلولا ما بين السيء والحسن مناسبة تقتضي جمعها في عين واحدة يكون بها حسنا سيئا ما قبل التبديل ، 
ومثال ذلك شخص في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار ، 
فنظف من ذلك الوسخ العارض، فبان جماله ، 
ثم كسي بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ، 
ففي حق أهل الشهود الذين يرون ويشهدون الأفعال كلها لله ، :
فما كان من حسن أضافوه إليه تعالی خلقا فيهم 
وأضافوه إليهم من كونهم محلا لظهوره ، 
وإن كان سيئا أضافوه إليهم بإضافة الله فيكونون حاکین قول الله ، 
فيريهم الله حسن ما في ذلك المسمى سوءا
 
ص 412
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال،"39" 
فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه )
………………………………………………….
بأن يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة ، وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع ، فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحكام وهو الدار الآخرة ، رأى عند کشف الغطاء حسن ما في الأعمال كلها ، لأنه يكشف له أن العامل هو الله لا غيره ، فهي أعماله تعالی وأعماله كلها كاملة الحسن لا نقص فيها ولا قبح ، فإن السوء والقبح الذي كان ينسب إليها إنما كان ذلك بمخالفة حكم الله لا أعيانها ، فبدل الله سيانهم حسنات ، وما هو إلا تبديل الحكم لا تبديل العين .
الفتوحات   ج 1 / 236 - ج 2 / 141 ، 277 ، 278 - ج 3 / 403 - ج 4 / 34 .
 
39 - عصا موسى عليه السلام *
فلما ألقى موسی عصاه فكانت حية تلقفت تلك الحية جميع ما كان في الوادي من الحبال والعصي ، أي تلقفت صور الحيات منها المتخيلة في عيون الحاضرين ، فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصيهم التي ألقوها حبالا وعصيا كما هي وأخذ الله بأبصارهم عن ذلك ، فهذا كان تنقفها لا أنها انعدمت الحبال والعصي ، إذ لو انعدمت الدخل عليهم التلبيس في عصا موسى وكانت الشبهة تدخل عليهم ، فإن الله يقول " تلقف ما صنعوا " ، وما صنعوا الحبال ولا العصي ، وإنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات وهي التي تلقفت عصا موسى ، 
وما قال تعالى « تلقف حبالهم وعصيهم » « إنما صنعوا کید ساحر » أي فعلوا ما يقارب الحق فإن الكيد من کاد وكاد من أفعال المقاربة ، أي فعلوا ما يقارب الحق في الصورة الظاهرة للبصر . 
الفتوحات ج 1 / 158 ، 235 
 
ص 413
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي "40" لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.
ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها "41"  لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: )
………………………………………………….
40 - راجع هامش 33
 
41 - تجلي الحق في صور الأسباب
لم يدع الألوهية لنفسه أحد من خلق الله إلا الإنسان الذي ظهر بأحكام الأسماء الإلهية والنيابة ، فكان ملكا مطاعا كفرعون وغيره ، ولما كان الإنسان فقيرا بالذات، احتجب الله بالأسباب وجعل نظر العبد إليها ، وهو من ورائها ، فأثبتها عينا وتفاها حكما ، فإنه لا يفتقر إلى أحد سوى الله ، وعند الكشف يعلم المحجوب أن أحدا ما افتقر إلا إلى الله ، لكن لا يعرفه لتجليه في صور الأسباب التي حجبت الخلائق عن الله تعالى ، مع كونهم ما شاهدوا إلا الله ، ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق « يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله » فاتحجب الحق بالإرسال ، ائحجابه بالأسباب ، فوقع الذم على الأسباب ، فهي وقاية الرحمن ، فما خالف أحد الله تعالی وما خولف إلا الله تعالى ، فلا تزال حجب الأسباب للمحجوبين مشهودة ، ولا يزال الحق للعارفين مشهودا ، مع عقلهم الحجب في حق من حجبته ، فإن الله لا يعطل حکم الحكمة في الأشياء ، فالأسباب حجب إلهية موضوعة لا ترفع . 
الفتوحات ج 2 / 470 ، 533 - ج 3 / 411 ، 547 - ج 4 / 249 
 
ص 414
 
 
قال الشيخ رضي الله عنه : («ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين». "42"
والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة. )
…………………………………………………..
42 - الأعيان الثابتة برزت للوجود على ما هي عليه في العلم الإلهي
العين الثابتة اشتركت مع الحق في وجوب الثبوت ، فله تعالى وجوب الثبوت والوجود ، وللعين وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العين كالأسماء الإلهية للحق ، فكما أن الأسماء للعين الواحدة لا تعدد المسى ولا تكثره ، كذلك الأحوال لهذه العين لا تعددها ولا تكثرها ، مع معقولية الكثرة والعدد في الأسماء والأحوال ، وبهذا صح لهذه العين أن يقال فيها إنها على الصورة أي على ما هو عليه الأمر الإلهي ، فحصل لهذه العين الكمال بالوجود الذي هو من جملة الأحوال التي تقلبت عليها ، فما نقصها من الكمال - ألا وهو نفي حكم وجوب الوجود - للتميز بينها وبين الله ، إذ لا يرتفع ذلك ولا يصح لها فيه قدم ، ولذلك تقسم الموجودات إلى قسمين إلى قديم وحادث ، فوجود الممكن حادث ، أي حدث له هذا الوصف ، ولم يتعرض للوجود في هذا التقسيم هل هو حادث أو قدیم ؟ 
لأنه لا يدل حدوث الشيء عندنا على أنه لم يكن له وجود قبل حدوثه عندنا ، 
قال تعالى :" وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " إن هنا بمعنی ما ، فعم بها وبشيء ، وجعله مخزونا في خزائن غيبه ، ولهذا قلنا إن الكون صادر من وجود ، وهو ما تحويه هذه الخزائن ، إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها ، فلولا نحن ثابتين في العدم ، ما صح أن تحوي علينا خزائن الكرم ، فلنا في العدم شيئية غير مرئية ، فما ثم معقول ولا موجود يحدث عند الله ، 
بل الكل مشهود العين له بین ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ، والوجود ما يحدث عندنا من تلك الخزائن ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشياء إلى وجود أعيانها ، 
فهي في الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعيانها ، غير موجودة لأنفسها، فالأشياء الموجودة بالنظر إلى أعيانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى كونها عند الله في هذه الخزائن موجودة عن وجود ، 
فالأشياء عند الله مختزنة في حال ثبوتها ، فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن ، وأمرها أن تكتسي حلة الوجود ، فيظهر
 

ص 415
.
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:57 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الخامسة والثلاثون الجزء السادس .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السادسة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السادسة والثلاثون :                                         الجزء السادس
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء )
………………………………………………..

عينها لعينها ، ولم تزل ظاهرة الله في علمه أو لعلمه بها ، فليست الخزائن إلا المعلومات الثابتة ، فإنها عنده ثابتة يعلمها ويراها ويرى ما فيها ، فيخرج منها ما شاء . 
الفتوحات ج 1 / 522 - ج 2 / 281 ، 587 - ج 3 / 314 - ج 4 / 130 ، 293 ، 340 

کلام الله قديم من كونه صفة المتكلم به وهو الله ، ووصف بأنه محدث الإتيان والنزول فهو محدث الإتيان والنزول ، أي حدث عندهم بإتيانه ، كما تقول حدث عندنا ضيف ، فإنه لا يدل ذلك على أنه لم يكن له وجود قبل ذلك . 
فتوحات ج 1 / 367 ، 552 - ج 4 / 266

أما الشاهد بقوله «لا تبديل لكلمات الله » فقول الشيخ في ذلك عند تفسيره لقوله تعالى « لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم ، لما كانت البشري من كلمات الله قال تعالى «لا تبديل لكلمات الله » وهو قوله تعالی « ما يدل القول لدي » أي قولنا واحد لا يقبل التبدیل ۰

وأما كلمات الله بمعنی خلق الله فجاءت في معرض تفسيره لقوله تعالی " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " - الآية - 
وفيها يقول : ما عبد كل عابد إلا الله في المحل الذي نسب الألوهية له ، فصح بقاء التوحيد الله الذي أقروا به في الميثاق وأن الفطرة مستصحبة «لا تبديل لخلق الله » وهو الفطرة ، وهو ما شهد به الله في أول مرة .. 

الوجه الثاني « لا تبديل لخلق الله » أي التبديل لله ليس للخلق تبديل ، وقد يكون معناه لا تبديل لخلق الله من كونه أعطى كل شيء خلقه ، وخلق الله كلماته ، فلا تبديل لخلق . 

لا تبديل للكلمات الله ، وإنما التبديل لله ، فيسوغ في هذه الآية أن خلق الله هي كلمات الله ، فهي عبارة عن الموجودات ، 

كما قال في عيسى عليه السلام « إنه كلمته ألقاها إلى مريم » فنفى أن يكون للموجودات تبدیل ، بل التبديل لله ، ولا سيما وظاهر الآية يدل على هذا التأويل ، أي ليس لهم في الفطرة تبدیل ، وهذه بشرى من الله بأن الله ما فطرنا إلا على


ص 416


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، "43"
فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة )
……………………………………………...

الإفرار بربوبيته ، فما يتبدل ذلك الإقرار بما ظهر من الشرك بعد ذلك في بعض الناس ، لأن الله نفي عنهم أن يكون لهم تبدیل في ذلك . بل هم على فطرتهم ، وإليها يعود المشرك يوم القيامة عند نبري الشركاء منهم . وإذا لم ينسف التبديل إليهم فهي بشرى في حقهم بمالهم إلى الرحمة وإن سكنوا النار فبحكم كونها دارا . 
الفتوحات ج 2 / 69 ، 564 ، 563 - ج 3 / 24 ، 177 ، 230 ، 255 - ج 4 / 347 .


43 - الإيمان عند رؤية البأس
« فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، سنه الله التي قد خلت في عباده ، وخسر هنالك الكافرون » ۰۰. 
إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهو العلم بوجود الرب أنه ربنا ونحن عبيد له ، والإنسان لا يقبض حين يقبض إلا بعد کشف الغطاء ،
 فلا يقبض إلا مؤمنا ، ولا يحشر إلا مؤمنا ، فلا يموت أحد من أهل التكليف إلا مؤمنا عن علم وعیان محقق لا مرية فيه ولا ش ك من العلم بالله والإيمان به خاصة ، هذا هو الذي يعم ، غير أن الله تعالى لما قال « لم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » ولا بأس أشد من الموت ، فما بقي إلا هل ينفعه ذلك الإيمان أم لا ؟ 

فما آمنوا إلا ليندفع عنهم ذلك البأس ، فما اندفع عنهم وأخذهم الله بذلك البأس ، فما رفع العقوبة عنهم إلا من اختصه الله ، وما ذكر أنه لا ينفعهم في الآخرة، ويؤيد ذلك قوله تعالى « فلولا قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا » حين رأوا البأس " کشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا" ، 

فهذا معنی قولنا « فلم يك ينفعهم إيمانهم » في رفع اليأس عنهم في الحياة الدنيا كما نفع قوم يونس، فما تعرض إلى الآخرة ، أما الاستثناء هنا فلا حكم على الله في خلقه ، وأما نفع ذلك الإيمان في المال فإن ربك فعال لما يريد ، ومع هذا فإن الله يقيم حدوده على عباده


ص 417


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.
ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه.  "44"  ثم لتعلم )
………………................……………………………...

حيث شاء ومتى شاء ، فقوله تعالی « سنة الله التي قد خلت في عباده » هو موضع استشهادنا ، فحقت كلمة الله وجرت سنته في عباده أن الإيمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت إلا قوم يونس كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع ولا الزاني مع توبته عند الحاكم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله ، 

وحديث ماعز في ذلك صحيح أنه تاب توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم ، ومع هذا لم يدفع عنه الحد، بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  برجمه ، كذلك كل من آمن بالله عند رؤية البأس من الكفار إن الإيمان لا يرفع البأس عنهم مع قبول الله إيمانهم في الدار الآخرة ، فيلقونه ولا ذنب لهم ، فإنهم ربما لو عاشوا بعد دلك اكتسبوا أوزارا ، 

فالرجعة إلى الله عند رؤية البأس وحلول العذاب نافعة في الآخرة وإن لم يكشف عنهم العذاب في الدنيا، وما اختص قوم يونس إلا بالكشف عنهم في الحياة الدنيا عند رجعتهم ، 

فيكون معنى قوله « فلم بك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » يعني في الدنيا، فإن الله يقول « وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون » فقول الله تعالى في هذه الآية محقق في غاية الوضوح ، فإن النافع هو الله ، فما نفعهم إلا الله « سنة الله التي قد خلت في عباده » يعني الإيمان عند رؤيه البأس غير المعتاد ، 

وليس في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ، ولا أن الإيمان لا يقبل وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عن نزل به إذا آمن في حال رؤيته إلا قوم يونس.

الفتوحات ج 2 / 276 - ج 3 / 165 ، 318 ، 383 ، 533 


44 - راجع هامش رقم 18


ص 418


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين :  "45" و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.
فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.
فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .
فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه "46" )
……………………………………………...

45 - راجع هامش رقم 43


46 - تجلي الحق لموسى عليه السلام في النار
خرج موسى عليه السلام في طلب النار لأهله ، لما كان فيه من الحنو عليهم . فمشي في حق أهله ليطلب لهم تارة يصطلون بها ، ويقضون بها الأمر الذي لا ينقضي إلا بها في العادة ، وما كان عنده خبر بما جاءه ، فأسفرت له عاقبة ذلك الطلب عن کلام ربه ، فكلمه الله في عين حاجته ، وهي النار في الصورة ، ولم يخطر له عليه السلام ذلك الأمر بخاطر ، وأي شيء أعظم من هذا ، وما حصل له إلا في وقت السعي في حق عياله ، ليعلمه بما في قضاء حوائج العائلة من الفضل ، فيزيد حرصا على سعيه في حقهم « فلما أتاها نودي با موسی » فوقع له التجلي في عين صورة حاجته ، فرأى نارا لأنها مطلوبه فقصدها ، فناداه ربه منها وهو لا علم له بذلك لاستفراغه فيما خرج له « يا موسى إني أنا ربك ، فتجلى له الحق في عين حاجته فلم تكن ثارا .

الفتوحات ج 2 / 269 - ج 3 / 119 ، 336 .


ص 419

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله    السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  - صفحة 2 Emptyالخميس مايو 07, 2020 12:58 am

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله  

الفص الموسوي الفقرة السابعة والثلاثون على مدونة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم
الفقرة السابعة والثلاثون :        
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1417هـ :

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
المرتبة 25 : لفص حكمة علوية في كلمة موسوية من الاسم القوي ومرتبة الملائكة وحرف الفاء ومنزلة الأخبية من برج الدلو .
سريان اللطيف في جميع المراتب يستلزم مقاومته وقهره لجميع الحدود والقيود ، أي يستلزم ظهور الاسم : القوي المتوجه على إيجاد مرتبة الملائكة .
وقد قرنت الملائكة في القرآن بالقوة فوصف الحق تعالى جبريل بقوله :ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ( التكوير ، 20 )   كما قال عنه :عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى( النجم ، 5 ) .
وقال :عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ ( التحريم ، 6 ) .
ومنهم حملة العرش المحيط ، ومنهم إسرافيل الذي يفني الخلق بنفخة ويحييهم بأخرى .
وهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون لقوتهم المستمدة من الاسم المتوجه على إيجاد مرتبتهم أي القوي المتوجه أيضا على إيجاد حرف الفاء ومنزلة سعد الأخبية من الدلو الهوائي
والفاء حرف تفشي النفس في الهواء المناسب بلطافته لطافة الملائكة والجن.
كما ناسبهم لفظ سعد الأخبية فالخبأ هو الستر فهم السعداء المخبئون عن الأبصار . . . ويضاهيهم في الإنسان قواه الروحية .

وأنسب الأنبياء لحضرة القوة هو موسى عليه السلام فقد وصف بالقوة في الآية 26 من القصص :إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ وأمره الحق تعالى بالقوة في الآية 145 من سورة الأعراف فقال له :فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها
كما أمر تعالى قومه :خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ( البقرة ، 63 ) .

وسيرته مشحونة بمظاهر القوة ، فقد سمع كلام اللّه تعالى مباشرة فخص بكمال القوة السمعية وتحدى فرعون وقومه والسحرة وقوم اعوجاج بني إسرائيل وقتل القبطي بوكزة ،
ورمى الألواح ليأخذ بلحية أخيه . . .

وفي كتاب العبادلة نجد بابا تحت عنوان : " عبد اللّه بن موسى بن عبد القوي " .

ولهذا ذكر الشيخ في هذا الفص لفظتي " القوي - قوة " نحوا من ست مرات في بداية الباب الذي افتتحه بالقوى الروحية التي جمعها موسى من جميع الأطفال الذين قتلوا من أجله وأرواحهم كالملائكة لأنهم استشهدوا على صفاء الفطرة .
ومن مظاهر القوة في هذا الفص تسخير كل شيء للإنسان الكامل فبقوة مكانته الحاملة للأمانة كان له هذا التسخير ، حتى إن أقوى الملائكة في خدمته . . .
وشبه الشيخ موسى بالجبل الشامخ في قوته .
ورغم قوته ، فإنه خر صعقا لما تجلى ربه للجبل بعد طلبه الرؤية .
ولهذا نجد الشيخ في الفصل 35 من الباب 198 الذي تكلم فيه عن الاسم القوي والملائكة يتكلم على مسألة هذه الرؤية فيقول : (
وليس في العالم المخلوق أعظم قوة من المرأة لسر لا يعرفه إلا من عرف فيم وجد العالم وبأي حركة أوجده الحق تعالى وأنه عن مقدمتين فإنه نتيجة .
والناكح طالب والطالب مفتقر والمنكوح مطلوب والمطلوب له عزة الافتقار إليه والشهوة غالبة . فقد بان لك محل المرأة من الموجودات وما الذي ينظر إليها من الحضرة الإلهية وبماذا كانت ظاهرة القوة .

 
وقد نبه اللّه على ما خصها به من القوة في قوله في حق عائشة وحفصة :
" وان تظاهرا عليه - أي تتعاونا عليه - فإن اللّه هو مولاه - أي ناصره - وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " .
هذا كله في مقاومة امرأتين وما ذكر إلا الأقوياء الذين لهم الشدة والقوة فان صالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو أقوى الفعل . فان فهمت فقد رميت بك على الطريق .

فأنزل الملائكة بعد ذكره نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ولا قوة إلا باللّه . فدل أن نظر الاسم القوي إلى الملائكة أقوى في وجود القوة فيهم من غيرهم فإنه منه أوجدهم .
فمن يستعان عليه فهو فيما يستعان فيه أقوى مما يستعان به .
فكل ملك خلقه اللّه من أنفاس النساء هو أقوى الملائكة فإنه من نفس الأقوى .
فتوجه الاسم الإلهي القوي في وجود القوة على إيجاد ملائكة أنفاس النساء أعظم للقوة فيهم من سائر الملائكة وإنما اختصت الملائكة بالقوة لأنها أنوار .

وأقوى من النور فلا يكون لأن له الظهور وبه الظهور وكل شيء مفتقر إلى الظهور ولا ظهور له إلا بالنور في العالم الأعلى والأسفل قال تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقيل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قيل له : أرأيت ربك ؟
فقال صلى اللّه عليه وسلم : نور أنى أراه .
وقال لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه . والسبحات الأنوار . فهي المظهرة للأشياء والمفنية لها .

ولما كان الظل لا يثبت للنور والعالم ظل والحق نور فلهذا يفنى العالم عن نفسه عند التجلي فإن التجلي نور وشهود النفس ظل 
فيفنى الناظر المتجلي له عن شهود نفسه عند رؤية اللّه فإذا أرسل الحجاب ظهر الظل ووقع التلذذ بالشاهد .
وهذا الفصل فيه علم عظيم لا يمكن أن يقال ولا سره أن يذاع ، من علمه علم صدور العالم علم كيفية .
واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل .
فانظر كيف تكلم الشيخ في هذا الفصل على مسألة الرؤية الموسوية للمناسبة بينها وبين فص موسى لاستمدادها معا من الاسم ( القوي ) .

وكلامه على المرأة مناسب لكلامه في هذا الفص عن وجود العالم بحركة الحب بدءا من قوله :
" فان الحركة أبدا إنما هي حبيبة . . . ففر لما أحب النجاة . . . " كما تكلم على أم موسى وامرأة فرعون وبنتي شعيب .
وكلامه في هذا الفصل على تجلي النور مناسب لكلامه في آخر الفص على التجلي والكلام في صورة النار التي طلبها موسى خدمة لأهله :

" كنار موسى رآها عين حاجته  ..... وهو الإله ولكن ليس يدريه "

وإنما ختم الباب بذكر النار ليمهد للدخول لباب الفص الموالي المخصوص بالاسم اللطيف المتوجه على إيجاد الجن وكلمة خالد في الحكمة الصمدية
فألطف الأركان النار التي خلق منها الجن . . . وإلى النار صمد موسى في طلبه حاجته . . . ولخالد قصة إعجاز مع النار .

وأما وصف حكمة هذا الفص الموسوي بالعلوية فلها عدة وجوه :

أولا : ورد الاسم " الأعلى " في القرآن تسع مرات وسمى الحق تعالى موسى به فقال في الآية 68 من طه : قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى
وهذا في مقابلة قول فرعون في سورة النازعات الآية 24 : فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى
فلم يصف الحق تعالى أحدا من الرسل بالأعلى إلا موسى فحكمته علوية لعلو درجته في النبوة والرسالة حيث كلمه اللّه بلا واسطة
وكتب له التوراة بيده تعالى وأيده بكبرى المعجزات وهو القطب الأكبر لبني إسرائيل وللسماء السادسة سماء العلم الذي هو أعلى المنح .

ومن أسماء القطب القرآنية : " المثل الأعلى " .
ثانيا : حيث أن لهذا الفص مرتبة الملائكة فحكمته علوية لأنهم وصفوا في القرآن بالملأ الأعلى قال تعالى في الآية 8 من الصافات : لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى
وفي الآية 69 من ص : ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ
وفي الآيتين 6 و 7 من النجم : ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ( 6 ) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى

ثالثا : التكامل بين موسى وأخيه هارون .
فلهارون المرتبة 24 التي لها الاسم المذل المتوجه على أسفل المراتب أي الحيوان الأرضي . ولموسى المقابل أي العلو الملائكي السماوي .


فائدة : في فصول كتاب " عقلة المستوفز " :
ذكر الشيخ أسماء ملائكة مراتب الوجود فلنذكرها هنا باختصار .
* لعالم الملكوت الأعلى الأرواح العالون المهيمون في الجلال والجمال ومنهم القلم الأعلى .
ودونه اللوح المحفوظ . ودونه أربعة أملاك مناسبون لأركان الطبيعة الأربعة وأرواح متحيزة في أرض بيضاء مهيمون في التسبيح والتقديس لا يعرفون أن اللّه خلق سواهم .

* للعرش حملته الثمانية والحافون به هم الملائكة الواهبات وبه مقام إسرافيل ، وتحته ملائكة عالم الهباء .
ثم الكرسي وملائكته المدبرات وبه مقام ميكائيل ، وتحته ملائكة عالم الرفرف وهي المعارف العلى وعالم المثل الإنسانية .
وتحته فلك البروج وملائكته المقسمات وبه مقام جبرائيل .
وتحته ملائكة عالم الرضوان والجنان .
وتحته فلك الكواكب الثابتة وملائكته التاليات وبه مقام رضوان خازن الجنان .
وكل هذه العوالم السابقة من عالم الدوام والبقاء .


وأما عالم الاستحالة وهو عالم الدنيا فهو التالي :
السماء السابعة وكوكبها كيوان وملائكتها النازعات .
وبينها وبين فلك الكواكب الثابتة ملائكة عالم الجلال ومسكن مالك خازن النار وعزرائيل ملك الموت .
وتحتها ملائكة عالم الجمال .
 ثم السماء السادسة وكوكبها المشتري وملائكتها الملقيات ومقدمهم اسمه المقرب .
وتحتها ملائكة عالم الهيبة .
ثم السماء الخامسة وكوكبها الأحمر وملائكتها الفارقات ومقدمهم اسمه الخاشع .
وتحتها عالم البسط .
ثم السماء الرابعة وكوكبها الشمس وملائكتها الصافات ومقدمهم اسمه الرفيع .
وتحتها ملائكة عالم الأنس .
ثم السماء الثالثة وكوكبها الزهرة وملائكتها الفاتقات ومقدمهم اسمه الجميل .
وتحتها ملائكة عالم الحفظ .
ثم السماء الثانية وكوكبها الكاتب وملائكتها الناشطات ومقدمهم اسمه الروح .
وتحتها ملائكة عالم المزج .
ثم السماء الأولى وكوكبها القمر وملائكتها السابحات ومقدمهم اسمه المجتبى.
وتحتها ملائكة عالم الخوف .
ثم كرة الأثير وملائكتها السابقات .
وتحتها ملائكة عالم الشوق .
ثم كرة الهواء وملائكتها الزاجرات ومقدمهم اسمه الرعد .
وتحتها ملائكة عالم الحياة .
ثم كرة الماء وملائكتها الساريات ومقدمهم اسمه الزاجر .
وتحتها ملائكة عالم الذكر .
ثم كرة التراب وملائكتها الناشرات ومقدمهم اسمه قاف .
وعلى كرة التراب عالم الإنسان يخلق اللّه من أعماله وأقواله وخواطره ملائكة هم آخر الملائكة خلقا .


25 : سورة فص موسى عليه السلام
سورة هذا الفص هي " الفلق " . والاسم الإلهي الوحيد الظاهر فيها هو . " رب الفلق " المناسب للاسم " القوي " الحاكم على مرتبة هذا الفص والمتوجه على إيجاد الملائكة لأن " الفلق " يستلزم القوة الفالقة .
وفي القرآن لم يقترن الفلق مع مخلوق سوى موسى حين فلق البحر بعصاه .

قال تعالى في الآية 63 من الشعراء :
" فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم " وفلق موسى الحجر بعصاه فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا ،
ووكز القبطي ففلق جسمه وقضى عليه ،
وضم يده إلى جناحه فانفلق كونها بياضا من غير سوء ،
وانفلقت عصاه حية فإذا هي تلقف ما يأفك السحرة . . .
وأعظم من كل هذا انفلاق سمعه بكلام اللّه تعالى مباشرة فقال تعالى وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً ( النساء ، 164 )

وختم الشيخ الفص بالكلام عن نار موسى التي سمع منها الخطاب والتي انفلقت أنوارها من " رب الفلق " ،
هذه الأنوار التي فصلها في الباب " 271 فتوحات " الخاص بمنزل سورة " الفلق " حيث قال الشيخ رضي الله عنه :

 إنه يتعلق بهذا المنزل علم طلوع الأنوار وهي على نوعين أنوار أصلية وأنوار متولدة عن ظلمة الكون . إلى آخره .
وفي آخر هذا الباب يقول إن هذا المنزل من منازل الأمر . أي من السور المفتتحة بالأمر " قل " .
وهو ما يذكر بقوله في هذا الفص : " . . . ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري " .
والاسم " الرب " الحاكم على سورة " الفلق " هو الأكثر تجليا في موسى وفصه :
تربية أمه ورضاعها ، وتربية فرعون ، وتربية شعيب ، وتربية الخضر .

وتكرر في هذا الفص هذا الاسم ومشتقاته نحو " 16 " مرة والفص مشحون بصور إعاذة رب الفلق لموسى من شر ما خلق : شر قتل الأبناء ، وشر الإلقاء في اليم ، وشر القبطي ، وشر فرعون وآله وشر السحرة . . .
والاسم " الرب " مع مشتقاته هو الاسم الأكثر ظهورا مع الاسم " اللّه " في القرآن .
واسم " موسى " هو الأكثر ذكرا من جميع الأنبياء إذ تكرر 136 مرة
وبعده " إبراهيم " تكرر 69 مرة
وكان الاسم " الرب " كثير الجريان على لسان موسى كقوله :قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي( المائدة ، 25 ) ،   رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ( الأعراف ، 143 )  ، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي( الأعراف ، 151 )  ، رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ( الأعراف ، 155 ) ،

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ( طه ، 25 )  ، وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى( طه ، 84 )
رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( القصص ، 21 ) ، رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ( القصص ، 24 ) . . . إلى آخره .

وكلام الشيخ عن موسى والسحرة في هذا الفص مناسب للآية :
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ( الفلق ، 4 ) .

 

علاقة هذا الفص بلاحقه
في هذا الفص أعاد كلمة " مجنون " وفسرها ب " مستور " .
فالجن هم المستورون المذكورون في سورة الفص التالي أي سورة " الناس " التي نزلت مباشرة بعد " الفلق " فهي أختها ولها الاسم " اللطيف " المتوجه على إيجاد " الجن " أي الأرواح البرزخية النارية كما أن لهذا الفص الاسم " القوي " المتوجه على " الملائكة " أي الأرواح النورية .
ولهذا ختم الشيخ هذا الفص بالكلام عن نار موسى لأنها ألطف الأركان فناسبت اسم " اللطيف " المتوجه على الجن .
فنورها لملائكة فص موسى من " الفلق " وحرارتها ودخانها لجن فص خالد من " الناس " وأشار إلى الجنة والناس بقوله : " رب المشرق والمغرب " فجاء بما يظهر ويستر وهو الظاهر والباطن . فالظهور للناس والستر للجن.

تم بحمد الله وفضله
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية
جمعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» السفر السادس والعشرون فص حكمة صمدية في كلمة خالدية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر‌ ‌السابع‌ ‌والعشرون‌ ‌فص‌ ‌حكمة‌ ‌فردية‌ ‌في‌ ‌كلمة‌ ‌محمدية‌ ‌.موسوعة‌ ‌فتوح‌ ‌الكلم‌ ‌في‌ ‌شروح‌ ‌فصوص‌ ‌الحكم‌ ‌الشيخ‌ ‌الأكبر‌ ‌ابن‌ ‌العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الرابع والعشرون فص حكمة إمامية في كلمة هارونية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الحادي والعشرون فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
» السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي-
انتقل الى: