منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
أهلاً ومرحباً بك
يشرفنا دخولك منتدى المودة العالمي
منتدى المودة العالمى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المودة العالمى

ســـاحة إلكـترونية جــامعـة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:52 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 109 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 109 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 109 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
المقدمة :
قدم جلال الدين للكتاب الثاني من المثنوى بمقدمة قصيرة بين فيها السبب في تأخير نظمه بعض الوقت . ومن المعروف أن الكتاب الثاني قد جاء بعد عامين من الكتاب الأول ، وقد حدود الشاعر تاريخ البدء فيه بعام 662 هـ كما هو مذكور في المقدمة المنظومة . 
وذكر الأفلاكى أن جلال الدين قد انقطع عن النظم بعد اكمال الكتاب الأول، لأن تلميذه حسام الدين كان قد فقد زوجته، واستلسم إلى الحزن نتيجة لذلك.
وقد اختتم جلال الدين الكتاب الأول بأبيات تشيع فيها سحابة من الحزن، ولكنه لم يذكر بصراحة مأساة تلميذه ، على النحو الذي بينه الأفلاكى.


وها نحن أولاء نراه في مقدمة الكتاب الثاني يذكر أن الحكمة الإلهية تتكشف للعبد بمقدار، حتى يتاح له تذوقها وادراكها ، كما يذكر أن الحكمة الإلهية لو كشفت للانسان بصورة متكاملة لحطمت ادراكه ، لأنه يعجز عن تلقيها دفعة واحدة . 
ولعله يستوحى هذه الفكرة من نزول الرسالات منجمة على الأنبياء . 
والعارفون - الذين يقولون بتلقى الهام من الخالق لن يكون موقفهم في تلقى هذا الالهام أقوى من موقف الرسل . 
فالشاعر يقرر هنا أن اصدار الكتاب الثاني من المثنوى كان لا بد أن تسبقه فترة كافية من التأمل والتفكر .

[ شرح من بيت 1 إلى بيت 150 ]
( 1 ) ذكر الشاعر في البيت الأرض تأخره في نظم الكتاب الثاني من المثنوى ، لكنه يعتذر عن ذلك بأن الحكمة لا بد لها من أن تمكث في فكر الشاعر وقلبه فترة كافية ليستطيع تقديمها سائغة وللعقول والأفهام . ان الدم يحتاج إلى مهلة ليتحول إلى حليب . وكذلك لا بد للحكمة أن تمكث في فكر الشاعر وقلبه فترة كافية قبل ان يستطيع أن يقدم للعقول حكمة روحية لطيفة يستخلصها من تجاربه كما يستخلص الحليب من الدم . والصورة المادية في البيت تشير إلى اقتباس من آية كريمة . قال تعالى : “ وان لكم في الأنعام لعبرة ، نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين “ . ( النحل ، 16 : 66 ) .
ويصدق تصور الشاعر هذا على كل ابداع فنىّ . فلا بد لكل عمل فنى أصيل أن ينضج في نفس صاحبه ، قبل أن يتخذ صورته . فالعجلة والتسرع يهبطان بمستوى الأعمال الفنية . وهناك أعمال فنية عظيمة ثم انجازها في أسابيع قليلة ، ومن أمثال ذلك السيمفونيات الثلاث الأخيرة لموتزارت ( رقم 39 ، 40 ، 41 ) . ولكن هذا الانجاز السريع لا ينفي أن هذا الفنان قد جاشت في نفسه هذه الأنعام فترة طويلة من الزمن ، ولم يخرجها إلى الوجود الا بعد أن نضجت وتحددت معالمها الفنية المتكاملة .
( 2 ) ما لم ترزق الهاما جديدا ، فإنك لن نستطيع أن تستنبط هذه الحكمة الروحية ، مما يحيط بك من مظاهر العالم المادىّ ، فالالهام الروحي هو مصدر المعرفة عند الصوفية .
( 3 ) يرتبط نظم المثنوى عند الشاعر بتلميذه حسن حسام الدين .
وكانت عودته اليه - بعد انقطاع - أحد العوامل التي حثت الشاعر على اسئناف النظم . وقد عبر عن هذه العودة بأنها كانت عودة من أوج السماء . وليس في هذا البيت إشارة إلى أحزان حسام الدين من جراء

“ 399 “

فقد امرأته . واكتفى الشاعر هنا بأن أشار إلى أن حسام الدين كان قد انطلق إلى آفاق التأمل الروحي .
( 4 ) انصراف حسام الدين إلى التأمل ، وانقطاعه عن أستاذه بعض الوقت ، كان في نظر جلال الدين عروجا إلى آفاق الحقائق . ولقد انقطع الشاعر عن نظم المثنوى ابان غيبة تلميذه . وقد شبه تلميذه بالربيع الذي اقترن به تفتح الأزاهير في رياض الشعر ، وفي غيبته لم تكن تتفتح البراعم .
( 5 ) صورة أخرى لسعادة الشاعر بعودة تلميذه . لقد كان مستغرفا في بحر الروح ، وها هوذا يعود إلى الساحل ، إلى عالمنا الدنيوي ، فكانت هذا العودة مصدر بهجة روحية ، تمثلت في انطلاق المثنوى بأنغامة وألحانه .
( 6 ) “ يوم الاستفتاح “ يقصد به هنا أنه يوم يلتمس فيه انفتاح باب إلى العالم الروحي .
( 7 ) استخدم الشاعر كلمة “ التجارة “ هنا لتدل على معنى روحي .
وهو استعمال مستوجى من القرآن الكريم .
قال تعالى : “ ان الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور “ . ( فاطر ، 35 : 29 ) .
انظر أيضا : ( سورة الصف ، 61 : 10 ) .
وهذا البيت يتضمن أيضا تحديدا صريحا لتاريخ بدء الكتاب الثاني من المثنوى ، وهو عام 662 هـ .
( 8 ) يشير الشاعر بهذا البيت إلى ما مرّ به حسام الدين من تطور روحي . لقد النطلق إلى التأمل الروحي ، وكان بلبلا غريدا ، يتغنى فرجع بعد أن أصبح طائرا قويا كالباز ، قديرا على اصطياد المعاني .
( 9 ) استعار الشاعر هنا صورة الملك الذي يمده ساعده للباز ، طائر الصيد ، فيقبل ذلك الطائر ويقف فوق ساعد الملك . لقد كانت الطيور


“ 400 “


الجوارح تدرب على الصيد ، وتستأنس بحيث تلبى دعاء صاحبها ، وتقف فوق ساعده . وكانت هذه الرياضة منتشرة بين ملوك العلام الاسلامي في القرون الوسطى .
وقد استخدم جلال الدين الباز هنا رمزا لحسام الدين . أما قوله :
“ فليكن ساعد الملك مسكنا لهذا الباز “ ، فمعناه : لتكن قوة الله مؤيدة لهذا الباز الروحي حسام الدين ويكثر في شعر جلال الدين استخدام نداء المليك للباز رمزا لنداء الله الروح .
وأما قوله : “ وليبق هذا الباب مفتوحا . . . “ فالباب هنا يقصد به السبيل إلى عالم الروح . والشاعر يلتمس هنا بقاء ذلك الباب مفتوحا حتى الأبد .
( 10 ) الهوى والشهوة هما اللذان يغلقان السبيل أمام الانسان ، ويحولان بينه وبين التأمل الروحي ، وهما اللذان يحرمان الانسان من تذوق لذات الروح . وقد رمز بالشراب إلى لذات الروح .
( 11 ) اتنقل الشاعر هنا إلى تصوير لذات الحس وأثرها على الروح ، فعبر عن ذلك بصور فنية . فالفهم والحلق هما الرباط الذي يحجب العالم الروحي عن العين . وهذا التعبير الموجز ينطوى على مضمون واسع .
فالفم والحلق رمز للتعلق بلذات الحس . والتعلق بتلك الملاذ معناه اغلاق السبيل أمام التأمل الروحي . وغنى عن البيان أن الفم والحلق لا يعنيان مجرد الغذاء الضروري ، وانما المقصود بهما النهم ، ذلك النهم والاسراف في المتع الحسية ، وما ينطوى عليه من تبلد الاحساس الروحي .
( 12 ) تعبيره عن الفم بأنه فوهة النار تشبيه للفم بالجحيم . فالنهم الجشع لا يشبع مهما نال من حظ مادي ، بل يبقى على الدوام في تطلع إلى المزيد . وهكذا جهنم . قال تعالى : “ “ يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل مزيد “ . ( ق ، 50 : 30 ) .
أما قوله بأن الدنيا شبيهة بالبرزخ ، فصورة مستوحاة من البرزخ

“ 401 “

الذي يفصل بين الجنة والنار ، يمشى فوقه الناس يوم القيامة ، ومنهم من ينتقل منه إلى الناس ، ومنهم من ينتقل منه إلى الجنة . فالناس مجتمعون في هذه الدنيا ، وقد اختلط الأخيار بالأشرار كاختلاطهم على البرزخ يوم القيامة . وهناك شبه آخر بين الدينا وبين البرزخ . 
فالدنيا مزرعة الآخرة وعمل الانسان فيها هو الذي يقوده إلى الجنة أو إلى النار . 
فهي أيضا برزخ إلى الآخرة ، يمر فيها الناس حيث يتحدد مصيرهم بمقتضى ما قدموه من أعمال .
والدنيا تشبه البرزخ من وجه آخر ، لأن الدنيا ليست دار إقامة ، وكذلك البرزخ ، لا إقامة فيه ، وانما هو مكان للعبور إلى الجنة أو إلى النار .
( 13 ) العالم المادي ليس منفصلا عن عالم الروح . بل هناك اتصال وثيق بينهما . فالخير والشر قد اختلطا في هذه الدنيا .
والانسان - وهو أعظم المخلوقات - قد ارتبط الروح فيه بالجسد .
وقد شبه الشاعر هذا التجاوز بين العالم المادي والروحي بما يكون من تجاور بين أوعية الدم وأوعية الحليب داخل الجسد .
( 14 ) إذا جعلت للمطالب المادية سبيلا إلى الروح ، وسلطانا عليها ، تلوثت الروح ، كما يتلوث الحليب حين يختلط بالدماء . فيجب ان تبقى الروح طاهرة نقية من المادة ، برغم ملابستها للجسد . ويجب أن تبقى لها سبيلها المتحررة من المادة ، كما يكون للحليب مجراه الخاص برغم مجاورته لأوعية الدماء .
( 15 ) زلة آدم مثال خالد لتغلب شهوة النفس على الروح . فمخالفته صريح الأمر الإلهي ، بدافع من شهوة النفس ، كانت سببا في خروجه من الجنة . وكل انسان غلبت شهوة الحس روحه فقد أصبح أسير جحيم الشهوات ، وكتب عليه فراق جنة الروح .
( 18 ) آدم الذي علمه الله الأسماء وكشف له أسرار المعرفة “ 1 “ كان
.................................................................
( 1 ) انظر : سورة البقرة ، 2 : 31 - 33 .

“ 402 “


وقوعه في الخطيئة أمرا جللا . ومع أن الذنب الذي ارتكبه كان هينا في ظاهره فإنه كان عظيما لأنه وقع من آدم . لقد كان كالشعرة التي نبتت في العين ، ليست في ذاتها شيئا ، لكن وقوعها في العين يجعلها شديدة الايلام .
( 19 ) روى القرآن الكريم طرفا من اعتذار آدم وزوجه . قال تعالى :
“ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لكنونن من الخاسرين “ .
( الأعراف ، 7 : 23 ) .
ويروى عن وهب بن منبه بأنه قال : “ سجد آدم على جبل الهندي مائة عام حتى جرت دموعه في وادى سرنديب . . . ثم جاءه جبريل فقال له : ارفع رأسك فقد غفر لك فرفع رأسه . . . “ . ( المنهج القوى ، ج 2 ، ص 14 ) .
( 20 ) كان على آدم أن يشاور الملائكة قبل أن يقدم على الأكل من الشجرة المحرمة . فهذه المشاورة كانت بمثابة اقتران للعقل بعقل آخر ، ومثل هذا التعاون العقلي من شأنه أن يمنع سوء القول والفعل .
( 21 ) اتباع الهوى والشهوة ، بمؤازرة الشيطان الذي يحث عليهما ، يمثل اقتران نفس أمارة بالسوء بسواها من النفوس . ومثل هذا الترابط بين النفوس الغوية يحجب العقل الانساني - وهو عقل جزئي - عن ادراك الحقيقة ويجعله عاجزا عن أداء وظيفتة .
( 22 ) اتخذ الشاعر من اقتران العقول ، وما يؤدى اليه من صلاح ، واقتران النفوس وما يقود اليه من فساد ، منطلقا للدعوة إلى أن يتخذ المرء مرشدا عارفا . والتصوف يعتمد على المرشد في التربية ، ويدعو بحرارة إلى طاعته . والطالب يسمى في اصطلاح الصوفية مريدا وأما الأستاذ فهو الشيخ أو المرشد . وعلى هذا الأساس التعليمي نشأت الطرق الصوفية في بداية أمرها .
( 24 ) الخلوة والتأمل وحدهما لا توصلان المريد إلى ما يطلبه من سلوك سبيل التصوف . بل عليه أن يتعلم من أحد المرشدين .

“ 403 “


( 25 ) رمز الشاعر بارتداء الفراء إلى الانكماش عن الناس . وقال إن ارتداء الفراء لا يكون الا ابان الشتاء . وقد اتخذ الشاعر من الشتاء رمزا إلى رفيق السوء .
أما الربيع - وهو رمز الرفيق الصالح - فلا يواجه بارتداء الفراء ، بل بالتعرض لأنسامه اللطيفة .
( 26 - 27 ) صحبة العارفين الحكماء هي بمثابة اقتران العقول بعضها ببعض ، وفي هذا ما يزيد كلا منها نورا وادراكا . وأما صحبة الأشرار ، فشبيهة باقتران النفوس الأمارة بالسوء ، وفي هذا ما يزيد كلا منها ظلمة فوق ظلمتها .
( 28 - 29 ) انتقل الشاعر هنا إلى التعبير عما يجب على المريد من احترام لمرشده ، والتزام للأدب في صحبته‌فالمرشد هو بمثابة العين للمريد . فيجب على المريد أن يصونه عن الأذى كما يصون عينه . وعليه ألا يسئ اليه بما لا يليق من الكلام . فالكلام القبيح كالغبار ، يثيره اللسان ، وقد شبهه الشاعر بالمكنسة ، وكلا هذين يوقعان الأذى بالعين ( 30 ) إذا بقيت نفس المرشد صافية إزاء مريده ، كان في ارشاده للمريد كالمرآة الصافية : “ فالمؤمن مرآة للمؤمن “ . والمرآة الصافية خير معين للمرء على اكتشاف ما قد يصيب وجهه من تلوث .
( 31 ) الإساءة إلى المرشد بقبيح الكلام شبيهة - في نظر الشاعر - بالتنفس فوق صفحة المرآة . فهذا الكلام يكدر نفس المرشد كما تغشى الأنفاس صفحة المرآة .
( 32 ) على المرآء أن يمتنع عن الكلام الذي قد يكدر نفس المرشد ، والا كان كمن يتنفس فوق صفحة المرآة فيزيل صفاءها ويغشيها .
( 33 ) الشاعر هنا ينكر على بعض الناس قلة احساسهم . فهو يخاطب هذا النمط من الناس قائلا :
“ أأنت أقل احساسا من التربة ؟ ان هذه حين أقبل إليها الربيع ازدانت بالأزهار الجميلة ، وأبدت كل ابتهاج بصحبة هذا الرفيق المجب

“ 404 “

إليها . فما بالك أيها الانسان لا تحسن صحبة رفيقك بل تسيء اليه في هذه الصحبة ؟ 

“ ( 34 - 35 ) من أمثلة الاحساس الرقيق الذي يتجلى عند غير العاقل أن الشجرة تبتهج بالربيع كل البهجة ، فتردان بالأوراق الخضراء ، وتخضل حين مقدم هذا الرفيق الموافق . فإذا ما أقبل الخريف ، ذلك الرفيق المخالف ، غرفت في نوم عميق ، وغطت وجهها ورأسها بلحاف من السكون . وقد يكون المقصود باللحاف هنا ذلك الثلج الذي يكسو الشجرة ابان الشتاء .
( 36 - 37 ) انتقل الشاعر في هذين البيتين إلى الموازنة بين اليقظة والنوم في مفهومه الصوفي . فالنوم عن الشرور خير من اليقظة . لكن النوم عن القيم الروحية غفلة وجهل . وهكذا يكون كل من النوم واليقظة محمودا في بعض الأحوال مذموما في سواها . فنوم أصحاب الكهف كان خيرا من اليقظة في ظل دقيانوس .
ودقيانوس هو الإمبراطور الروماني دقيوسdecius( 249 - 249 - 249 - 251 ) ، وقد عرف باضطهاد النصارى .
( 38 ) قوله : “ فيقظتهم كان مصروفة على دقيانوس “ ينطوى على تصوير رائع للحاكم المستبد الذي يملك على الناس حواسهم ، ويسيطر على قلوبهم بما يبثه فيها من ذعر ، فيصبح همَّ الناس وشغلهم الشاغل فيقظة أصحاب الكهف كانت كلها وقفا على هذا الملك المستبد ، لأنهم كانوا - على الدوام مهددين بفتكه يتملكهم الخوف منه أما نومهم فكان صورة نبيلة لفناء الروح في خالقها وانصرافها عن العالم الحسىّ .
( 39 ) يقظة الحواس لا جدوى منها ، ان لم تقترن بيقظة الروح .
ان يقظة الروح هي اليقظة الحقيقة ، حتى ولو اقترنت بما قد يبدو نوما حسيا . وكذلك لا جدوى من يقظة يقضيها المرء في معاشرة الجهلاء .
( 40 - 41 ) إذا ساد الحس طغى على الروح . ولامكان لأصحاب .

“ 405 “

القلوب بين عبيد الحس . فلا بد للروح ، من جوّ يلائمها ، كالبلابل ، لا تنتعش الا في بستان الورد . وفي البيتين تصوير رائع .
فالغربان التي تنتشر في الفضاء ابان الشتاء تبحث عن قوتها تبدو في تجمعها وسواد لونها وكأنما هي خيمة قد ضربت في الجواء .
والغربان رمز إلى أسارى الحس ، لأنها معروفة باقبالها على الجيف وهذا عند الصوفية شبيه بتعلق أهل الحس بحطام الدنيا . أما البلابل فهي - بشدوها الجميل ورقتها - تصلح رمزا لأهل الروح .
( 42 - 43 ) يعقد الشاعر هنا موازنة بين شمس السماء وشمس اليقظة الروحية . ان شمس السماء تضئ الجانب الذي تشرق فيه .
فهي تضئ الأرض نهارا ، ثم تنتقل منها - على ما يقول الشاعر - لتضىء ما تحت الأرض من عوالم . أما شمس الروح فليس لها انتقال ، كما أنها تخص باشراقها الروح والعقل ، وهما أسمى من الحواس .
( 44 ) “ شمس الروح التي تشرق من ذلك الجانب “ يعنى “ شمس الروح التي تشرق من عالم الغيب ، حيث أنوار الوحي ، فهذه دأبها الاشراق الدائم “ .
( 45 ) في البيت إشارة إلى قصة ذي القرنين ، التي وردت في القرآن الكريم . ( سورة الكهف ، 18 : 83 - 89 ) . وقد ذكر كثير من المفسرين أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر المقدوني ، وبهذا دخل في تفسير هذه الآيات بعض ما يروى من الجانب الأسطوري لقصة الإسكندري . ومن المعروف أن أسطورة الإسكندر قد اتخذت صورا متعددة في آداب الأمم المختلفة .
ومن الصور العربية لهذه الأسطورة ما جاء في كتاب قصص الأنبياء للثعلبي ( ص 404 - 418 ) . وينسب إلى الإسكندر أنه وصل إلى مغرب الشمس ثم إلى مطلع الشمس ، وفي القصة وصف تفصيلي لتلك الأماكن ، ومن كان يسكنها من الناس .
“ ومطلع الشمس “ في قول الشاعر يرمز إلى مشرق الحقيقة الروحية

“ 406 “

فمن كانت له همة الإسكندر فليقصد إليها ، فان تحقق له ذلك غدا ، ملكا طاهرا .
( 46 ) من وصل في تساميه الروحي إلى مرتبة الانسان الكامل أصبح كالشمس فحيثما توجه يتبعه الاشراق . ويكون اشراقه من لون فريد يفوق اشراق الشمس ، بل إن مغربه يفوق في نوره كل اشراق حسى .
( 47 ) يوازن الشاعر هنا بين نوعين من الحس ، الحس المادىّ والحس الروحي . فأما الحس المادي فهو كالخفاش يتجه نحو الظلام ، وأما الحس الروحي فيتجه نحو النور . والاتجاه نحو الظلام كناية عن الاندفاع نحو المادة ، والعجز عن مواجهة أنوار الروح .
( 48 ) الحس المادي الذي يتمتع به الانسان لا يختلف عن الحس المادي الذي تتمتع به الحمير أو غيرها من الدواب .
( 49 ) الحواس الخمس التي تختلف عن الحواس الجسدية هي حواس القلب . فالصوفية يتحدثون عن ابصار وسمع بالقلب “ 1 “ ، وعن تذوق شراب روحىّ والتمتع بأريج غير حسى . وكل هذه الأمور تشير إلى ألوان من الادراك الغيبي والذوق الروحي . وهذا الحواس الروحية نيست ذات وجود منفصل أو محدد كالحواس الجسدية ، وانما هي مدارك قلبية ومواهب غيبية .
( 50 ) الحس بضاعة لا تلقى رواجا في عالم الروح . فهذا العالم الروحي لا سبيل لبلوغه الا بالروح النقى الطاهر .
( 52 ) “ يا من تسعى إلى أن تتجه إلى الغيب عن طريق الحس ! هل أنت قادر على أن تفعل بالحس الجسدىّ ما فعله موسى حين أدخل يده في جيبه فخرجت بيضاء من غير سوء ؟ “ وفي البيت إشارة إلى هذه المعجزة التي أظهرها موسى . انظر الآيات : ( 20 : 22 ) ، ( 27 : 12 ) ، ( 28 : 32 ) .
.................................................................
( 1 ) ينسب إلى أبى يزيد البسطامي أنه قال : “ انا أكلم الله وأسمع منه منذ ثلاثين سنة ، والناس يظنون أنى أكلمهم “ . المنهج القوى ، ج 2 ، ص 26 .

“ 407 “

وهذا البيت مرتبط بالبيت رقم 50 الذي يقول فيه الشاعر ان بضاعة الحس لا رواج لها في عالم الروح .

( 53 - 55 ) الشاعر يخاطب الانسان الكامل بهذه الأبيات .
( 53 ) يصف الشاعر الانسان الكامل بأن له صفات شمس المعرفة ، وهذه متعددة الصفات ، على حين أن شمس السماء لا تتصف لا بصفة واحدة هي الإضاءة الحسية .
( 54 ) يعدد في هذا البيت بعض صفات الانسان الكامل : فهو كالشمس في الإضاءة ، وكالبحر في الاتساع والعمق ، وكجبل قاف في الرسوخ والثبات والإحاطة ، وكالعنقاء معروف الاسم خفي الذات . وجبل قاف مكان ورود في الأساطير الإيرانية التي تصوره مرتبطا بسلسلة جبلية تحيط بالأرض . ( انظر : كراتشكوفسكى : الأدب الجغرافي العربي ، 1 ، 47 ) .
ويقول ياقوت : “ قاف من قاف أثره قوفا إذا اتبع أثره ، فيكون هذا الجبل يقوف أثر الأرض فيستدير حولها . وقاف مذكور في القرآن ( كذا ) . ذهب المفسرون إلى أنه الجبل المحيط بالأرض “ . ( معجم البلدان ، مادة قاف ) .
( 55 ) يستدرك الشاعر على البيت السابق فيقول : ان هذه الصفات كلها أمور اعتبارية لتقريب المعاني إلى الأفهام ، فالانسان الكامل يتجاوز حدود الأوهام ، ويستعصى على الوصف .
( 56 ) لا يتقيد الانسان الكامل بصفات ومعالم حسية ، وكذلك الروح لا تتقيد بصورة ولا أشكال . فلا شأن لها باللغات واختلافها ، وانما هي قرينة للعقل ، مدركة لجوهر المعرفة .
( 57 ) يبدو أن الشاعر قد انتقل إلى مخاطبة الله في هذا البيت فهو يصفه بأنه لا صورة له ، وهو مع ذلك يتجلى في متعدد الصور .
وهذا المعنى يتمشى مع الفكر الصوفي القائم على تنزيه الخالق عن الشبيه ، لكنه ينادى في الوقت ذاته بأن الله يتجلى في كل مظهر من مظاهر الكون .

 “ 408 “

فالصوفية القائلون بوحدة الوجود لا يفصلون بين الخلق والخالق . وليس من موجود حقيقي سوى الخالق ، ولا أحد سواه يتصف بوجود حقيقي ، وكل مظاهر الكون لمع من تجلياته . ولهذا لا يتقبل الصوفية ما يقوله متكلمو المعتزلة وم سار على نهجهم ممن يتحدثون عن التوحيد بأسلوب فلسفي ينزه الله عن أية صورة من الصور ويمضون في توحيدهم الفلسفي إلى حد القول بوحدة الذات والصفات . كما لا يتقبل الصوفية مذاهب المشبهة الذين يتحدثون عن الخالق وكأنه كائن منفصل عن الوجود ، ويشبهونه بخلقه . وقد عبر ابن عربى عن فكرة الصوفية أصحاب وحدة الوجود بقوله :
ولا تنظر إلى الحق * وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق * وتكسوه سوى الحق
ونزهه وشبهه * وقم في مقعد الصدق
( فصوص الحكم ، ج 1 ، ص 93 ) .
ويقول أيضا :
فان قلت بالتنزيه كنت مقيدا * وان قلت بالتشبيه كنت محددا
وان قلت بالأمرين كنت مسددا * وكنت اماما في العلوم وسيدا
وجلال الدين لا يتحدث بمثل هذا التأكيد الصريح ، وانما يقول إن الموحد والمشبه ( من بين المتكلمين ) لم يدركا جوهر الحقيقة .
( 58 ) المتكلمون بالتوحيد حينا يخطئهم التوفيق فيقعون في التشبيه ، والمشبهون قد يقولون شيئا يكون من التوحيد .
( 59 ) العاشق الصوفي من أهل السكر قد يهتف مخاطبا محبوبه الحق بقوله :
يا صغير السن يا رطب البدن .
وهذا من قبيل الشطح .
وقوله هذا شطر من غزل ينسب إلى جلال الدين نفسه ، وقد جاء فيه :

“ 409 “

يا غزالا بين غزلان اليمن * أنت عيني أنت روحي في البدن
يا صغير السن يا رطب البدن * يا قريب العهد من شرب اللبن
صح عند الناس أنى عاشق * غير أن لم يعرفوا عشقى لمن
روحه روحي وروحي روحه * من رأى روحين عاشا في البدن
اقطعوا وصلى وان شئتم صلوا * كل شئ منكمو عندي حسن


ونحن نستعبد نسبة هذا الشعر إلى جلال الدين . 
وهو نفسه قد نسبه إلى غيره حين قال : “ وحينا يقول لك في سكره أبو الحسن . . . “ .
( 60 ) هذا الصوفي الذي ينطق بكلام يفهم منه التشبيه ، يكون له في الوقت ذاته سعى حثيث إلى التوحيد ، 
فهو يعمل على افناء ذاته متخذا ذلك سبيلا إلى التنزيه ، حيث لا يكون للعبد وجود منفصل عن الخالق .
( 61 - 63 ) يشير الشاعر هنا إلى مذهب المعتزلة . والظاهر أنه يوجه نقده - بصورة خاصة - إلى ما ذكروه من استحالة رؤية الله بالأبصار “ 1 “ . فالمعتزلة ذهبوا إلى استحالة رؤية الله بالأبصار سواء في الدنيا أو الآخرة ، وحجتهم في ذلك أن العين الحسية المحدودة لا يمكن أن تحيط باللامحدود وهو الخالق . ويستدلون على ذلك بقوله تعالى :
“ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار “ ( 6 : 103 ) .
ويأخذ عليهم جلال الدين هذا الاتجاه في التفكير المبنى على التقيد بالحواس . فهم لا يستطيعون تصور أي لون من الابصار الروحي أو القلبي ولا سبيل إلى الابصار - في رأيهم - الا بالعين الحسية . ومن هنا نعتهم بأنهم أسارى الحسن . وينطبق هذا النقد أيضا على مذهبهم في العدل الإلهي ، وهو الذي جعل بعضهم يغالى فيقول : ان الله يجب عليه اجراء العدل ، أو أن الله غير قادر على الظلم . فمثل هذه المفهومات تصدق على الانسان وأفعاله . أما الخالق فلا يجوز التفكير في أعماله على أساس من قياسها على أعمال الناس .
ويخالف جلال الدين المعتزلة أيضا في نظرية الجبر والاختيار .
.................................................................
( 1 ) يتضح ذلك في البيت رقم 63 .


“ 410 “


فالانسان يكون مختارا حتى يفنى ارادته في إرادة الخالق ، وإذ ذاك يصبح بالضرورة مجبرا ، ليست له إرادة منفصلة عن إرادة خالقه .
وقد شغل المعتزلة أنفسهم بالتفكير في مسائل حسية ، وأدخلوها ضمن نطاق فلسفتهم . من أمثلة ذلك خلافهم حول قدرة الممنوع ، كما ورد في كتاب مقالات الاسلاميين للأشعرى ( ج 1 ، ص 282 - 283 ) .
يقول :
“ واختلفت المعتزلة في الممنوع : هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل :
( أ ) فقال قائلون : إذا منع الانسان من المشي بالقيد ، ومن الخروج من البيت بغلق الباب ، فهو قادر على ذلك مع المنع بالقيد وغلق الباب ، فالمنع لا يضاد القدرة .
( ب ) وقال آخرون : القدرة فيه ، ولكن لا نسميه قادرا على ما منع منه .
( ج ) وقال قائلون : بل نقول : انه قادر إذا حلّ وأطلق .
( د ) وقال جعفر بن حرب : الممنوع قادر ، وليس يقدر على شئ ، كما أن المنطبق جفنه بصير ولا يبصر “ .
فهذا مثال من مئات الأمثلة التي حفلت بها فلسفة المعتزلة .
( 64 ) يؤيد الشاعر مذهب أهل السنة القائلين بامكان رؤية الله بالأبصار ، وهؤلاء يستدلون على ذلك بقوله تعالى : “ وجوه يؤمئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة “ . ( 75 : 22 - 23 ) . يروى الأشعري عن جملة أصحاب الحديث ، وأهل السنة أنهم “ يقولون : ان الله - سبحانه - يرى بالأبصار يوم القيامة ، كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون ، لأنهم عن الله محجوبون . قال الله عز وجل : “ كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون “ ( 83 : 15 ) . 
وان موسى - عليه السلام - سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا ، وان الله - سبحانه - تجلى للجبل فجعله دكا ، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل

“ 411 “

يراه في الآخرة “ . ( مقالات الاسلاميين ، ج 1 ، 321 ، 322 ) .
ومن قول الأشعري يتضح لنا أن ايمان أهل السنة برؤية الله مقصور على الآخرة ، وأنه غير ممكن في الدنيا . والصوفية لا يستبعدون رؤية الله في الدنيا ، ويروى الأشعري صورا من أقوال الصوفية في زمانه حول رؤية الله في الدنيا ، منكرا عليهم هذه الأقوال . ( انظر : حكاية قول قوم من النساك ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 319 ) .
ومع ذلك فجلال الدين - وهو الصوفي المتزن في عباراته وآرائه - يرى أن مذهب أهل السنة عن رؤية الله يمثل التحرر من النظرة الحسية الضيقة ، التي لا تستطيع تصور ابصار سوى ما يكون لعين الحس . والظاهر أن اتجاه جلال الدين المتحفظ شبيه باتجاه بعض الصوفية القدماء الذين كانوا يقولون عن الرؤية قولا شبيها بما قاله أهل السنة .
يقول الكلاباذي : “ وأجمعوا لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب الا من جهة الايقان لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم ، ولا يجوز أن يكون ذلك الا في أفضل المكان ، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق ، ولما منع الله سبحانه كليمه موسى عليه السلام ذلك في الدنيا ، وكان من هو دونه أحرى . . . “ . ( الكلاباذي :
التعرف لمذهب أهل التصوف ، ص 42 ، 43 ) .
( 65 ) لو كان الابصار مقصورا على العين الحسية لكان في وسع الحيوان الأعجم أن يرى الله .
( 66 - 67 ) يعود الشاعر هنا إلى الحديث عن “ الحس الروحىّ - وهو غير الحس الجسدي الذي يشترك فيه الانسان والحيوان - ويذكر أن هذا “ الحس الروحي “ هو الذي ميز الانسان وجعله أهلا لتلقى الأسرار الإلهية . وقول الشاعر : “ فيكف يكون الانسان مكرما . . . “ يشير إلى قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم . . . “ الآية . ( 17 : 70 ) .
( 68 ) الانسان الذي يتخذ من صورته الحسية أساسا لادراك حقيقة الخالق لا بد من وقوعه في الخطأ ، لأنه سلك إلى ذلك العرفان سبيلا

 “ 412 “




خاطئة . ان على الانسان أن يتحرر من سيطرة الحواس قبل انطلاقه إلى الحديث عن الخالق .
( 69 ) من تحرر من سلطان الحس ، وأدرك حقيقة الانسانية ، لا يبقى أسير الصورة المادية . وإذ ذاك يستطيع معرفة خالقه عن غير تقيد بالصور والأشباه .
( 70 ) ان كنت محروما من البصيرة الروحية ، ولم تتجاوز مرتبة الحيوانية التي تعتمد في ادراكها على الحواس وحدها ، فلست مطالبا بمثل هذا الادراك الروحي ، لأنك لم توهب سبيلا اليه . ويصدق عليك قوله تعالى : “ ليس على الأعمى حرج “ . ( 48 : 17 ) . وأما ان كنت انسانا قادرا على شئ من الابصار الروحي ، فابذل جهدك لعلك تصل ، وكن صابرا في سعيك ، لأن الصبر مفتاح الفرج .
( 71 ) السعي في صبر وأناة هو الذي يرفع الغشاوة عن البصر ، ويشرح الصدر ، ويجعله صالحا لتلقى أسرار الغيب .
( 72 ) الهدف الأسمى لجهاد الحس ، ومغالبة النفس ، هو تحقيق صفاء القلب . فحين بلوغ هذه المرتبة ، تنعكس على مرآة القلب الصافية صور يتلقاها من خارج هذا العالم المادىّ .
( 73 ) قد يبلغ القلب في صفائه درجة تتيح له مشاهدة الخلق والخالق . وتعبر كلمة “ الفراش “ - في الأصل الفارسي - عن الخالق .
وقد اشتق هذا الوصف للخالق من قوله تعالى : “ والأرض فرشنام فنعم الماهدون “ . ( 51 : 48 ) .
( 74 ) المقصود بخيال الحبيب هنا تجلى الخالق . فقد تجلى للقلب في صورة جميلة تخلب اللب كما يخلب الصنم لبّ عابده ، ولكن هذه الصورة ذاتها هي محطمة الأصنام التي يعبدها الناس ، وتلك التي تتمثل في التلعق بالمادة ، وتعشق لذات الحس ، وغير ذلك . وقد يكون المراد بالحبيب هنا المرشد الكامل .

“ 413 “

( 75 ) “ عندما شهدت خالقي تجلت إلى حقيقة روحي ، فالروح التي تبصر خالقها لا بد أن تكون روحا نقية طاهرة “ . وقد يكون المراد أن المرشد الكامل كشف له حقيقة ذاته على اعتبار أن المؤمن مرآة للمؤمن .
( 76 ) يعبر هذا البيت عن تعظيم المحبوب بأسلوب رمزى . فتراب أعتاب المحبوب فتنة لقلب هذا المحب . ويمثل تراب الأعتاب هذا مرحلة من مراحل القرب .
( 77 ) “ لو كانت نفسي جميلة صافية ، لائقة بهذا الوصال ، فانى أستسهل في سبيله كل مشقة . وان لم تكن نفسي كذلك ، بل كانت قبيحة ، فلن أظفر الا بسخرية الحبيب “ .
( 79 ) في البيت إشارة إلى حديث يروى عن الرسول أنه قال : “ ان الله جميل يحب الجمال “ .
( 84 - 89 ) يصور الشاعر هنا ما ينتاب الانسان من حزن وهم مقيم لو أغلق قلبه عن شهود نور الله ، وسلك إلى العرفان سبيل الاستدلال بالمحسوس على غير المحسوس . يخاطب القارئ قائلا : “ انك حين تغلق عينيك يتولاك الحزن . 
وهذا الحزن قد انبثق في نفسك لأنك فرقت بين نور العين ونور النهار . 
فإذا كان الفراق بين هذين النورين الفانيين يحدث من الحزن ما يدفعك إلى أن تفتح عينيك ، فكيف يكون الحزن الذي يصيبك لو أغلقت عيني قلبك ؟
ان هاتين العينين تنشدان نورا خالدا لا حدود له ، ولا بد أنك تعاني أشد أنواع الحزن لو فرقت بين نور القلب وما ينشده من لقاء النور الخالد “ فهنا دعوة إلى أن يوقظ الانسان قلبه ، وينبهه إلى ما وراء الحس من عوالم الروح ، تلك التي لو أتيح له شهود أنوارها لتحققت له السعادة الخالدة .
( 86 ) يتحدث الغزالي عن عين الظاهر وعين الباطن بقوله : “ العين عينان : ظاهرة وباطنة ، فالظاهرة من عالم الحس والشهادة ، والباطنة من
“ 414 “

عالم آخر ، وهو عالم الملكوت . ولكل عين من العينين شمس ونور عنده تصير كاملة الابصار ، إحداهما ظاهرة ، والأخرى باطنة . والظاهرة من عالم الشهادة وهي الشمس المحسوسة ، والباطنة من عالم الملكوت وهو القرآن ، وكتب الله المنزلة “ . ( مشكاة الأنوار ، ص 49 ) .
( 90 - 91 ) على المرء أن يسعى إلى ادراك حقيقة ذاته . فهو إذا تلقى دعوة المرشد الكامل نظر إلى نفسه ليرى أهي جديرة بالارتباط به أم أنها قبيحة ، وليست أهلا لذلك ، ذلك لأن القبيح لا يليق بصحبة الجميل ، والا كان ذلك مثارا للسخرية .
( 96 ) التمس الشاعر مرآة لبيان حقيقة روحه ، فلم تكن هذه المرآة بالنسبة له سوى وجه صديق ينتمى إلى “ تلك الديار “ ، وهي عالم الروح .
( 98 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني من قبل هذا وكنت نسيا منسيا “ . ( 19 : 23 ) .
( 99 ) “ عندما تفتح قلبي على فيض أنوارك أصبح من بعد غفلته حافلا بالرؤى “ .
( 104 ) ان بصيرة الروح لا تخطىء ، ولا يتطرق إليها خيال ولا وهم .
( 105 ) نظرة الانسان المتعلق بلذات الحياة الدنيوية لا تكون مجردة عن الغرض ، بريئة من الهوى ، فهذه النظرة تتلون بالأغراض والرغاب التي تخضع لتأثيراتها النفس الانسانية . ولهذا يجب ألا يُلتمس الحق عند مثل هذا الانسان .
( 106 ) العين الحسية أسيرة لما تبصره في عالم الحس ، مفتونة بما تراه ، يخدعها ظاهر العالم الحسىّ عن ادراك حقيقة ومصيره المحتوم .
( 109 ) ان أدنى تعلق للروح بالأوهام يحجب بصيرة الروح ويجعلها غير قادرة على الابصار الواضح ، فهي ليست أقل احساسا من عين

“ 415 “

الحس التي يتأثر ابصارها بشعرة واحدة تعترض سبيلها .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 115 - 509 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:53 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 115 - 509 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 115 - 509 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 115 - 509 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

شرح كيف توهم ذلك الشخص رؤية الهلال في عهد عمر رضي الله عنه

( 115 ) القول الذي يُنسب إلى عمر في هذا البيت ، وهو : “ أنا أقدر منك على رؤية الأفلاك “ يشير إلى معنى صوفي ، وهو أن الرجل القوى الروح أقدر من سواه على ادراك الحقائق “ .
( 122 ) ان توازن كفتى الميزان قد يكون على أساس صحيح ، وقد يكون على أساس خاطىء . فالذهب لو ووزن بالذهب فالقدران متساويان ، أما موازنة الذهب بالشعير فموازنة اعتبارية ، ولا حقيقية .
( 124 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم “ . ( 48 : 29 ) .
( 127 ) انك تشعل النار بالبخور لتخلص من الحسد ، وأولى بك أن نشعلها بمصدر ذلك الحسد . ان هؤلاء الحاسدين لشبيهون بالذئاب البشرية التي آذت يوسف ، فهم أعداء الجمال والكمال ، وهم بهذا جديرون بنار غضبك .
( 128 - 131 ) يصور الشاعر هنا الصراع بين الانسان والشيطان بأسلوب لطيف ، وصور بارعة : الشيطان يخاطب الانسان بلطف ، وكأنه أب ناصح : فيقول له : “ يا روح أبيك ! “ ، لكن هذا الأسلوب الرقيق ، كان السبيل إلى خداع آدم . ثم تأتى بعد ذلك صورة الانسان والشيطان وهما متواجهان يلعبان الشطرنج ، ويحذر الشاعر الانسان من الشيطان بقوله : ان الشيطان أمام الشطرنج ملاعب بارع ، سريع كالغراب ، فلا تتعرض لمباراته وأنت مثقل بالكرى . انه يعرف الكثير من الألعاب البارعة ، التي تقف في حلقك ، فلا تستطيع منها خلاصاً “ . ويفسر الشاعر بعد ذلك هذه الحيل التي يستخدمها الشيطان في الخداع ، فإذا هي حب المال والجاه .
وقد وفق الشاعر في الرمز إلى الشيطان بالغراب ، فهذا الطائر بلونه الأسود ، وبما ارتبط به في الأذهان من النحس ، وما عرف عنه من اختطاف

 
“ 416 “
 
أشياء قد لا تنفعه ، وقبح سيره وسرعة طيرانه ، يوحى للخيال بصفات تعين على تصور الشيطان .
( 133 ) يصف الشاعر محب المال بأنه “ عديم الثبات “ ، ويقصد بذلك أن محب المال لا تقدر نفسه على الصمود أمام اغرائه .


( 139 ) في البيت اقتباس من قوله تعالى : “ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون “ . ( 2 : 216 ) .


( 141 - 153 ) : القصة التي رواها الشاعر في هذه الأبيات وردت بصورة أخرى في كتاب “ الهى نامه “ للعطار . وقد نقل فروزانفر نص أبيات هذه القصة ، كما رواها العطار . ( مآخذ قصص وتمثيلات مثنوى ، ص 43 ، 44 ) .
وتختلف القصة - كما رواها جلال الدين - في حوادثها ومغزاها عن قصة العطار .
فالعطار يروى أن الأبله الذي رافق عيسى طلب منه أن يعلمه اسم الله الأعظم . فرفض عيسى في أول الأمر قائلا ان هذا لن ينفع والأبله ، لكن الرجل ألحف في الرجاء والقسم فعلمه عيسى هذا الاسم .
وبينما كان هذا الرجل الأبله سائراً في الصحراء رأى عظاما نخرة ، فأحب أن يجرب أثر الاسم عليها ، وبالفعل استطاع أن يبث فيها الحياة ، لكن هذا كان وبالا عليه ، إذ انطلق من تلك العظام أسد مفترس ، سرعان ما ضرب الرجل بمخالبه ، وقصى عليه . وحين علم عيسى بذلك وقال لأصحابه : “ ان هذا الرجل طلب من الحق ما لم تكن نفسه جديرة به ، فلم يسمح الحق بذلك . فالانسان لا يجوز له أن يطلب من الحق كل ما يطيب له ، وليس يجذر به أن يطلب سوى ما يكون على قدر استحقاقه “ .
أما قصة جلال الدين فتروى أن عيسى أبى أن يعلم الأبله اسم الله الأعظم ، قائلا : ان هذا لن يجديه نفعا . فمثل هذا الاسم لا ينطق به الا من كانت
 
“ 417 “
 
أنفاسه أنقى من المطر ، وسلوكه أقوم من سلوك الملائكة . فما كل من أمسك بعصا موسى يستطيع أن يحقق بها ما حققه موسى . وتذكر القصة بعد ذلك تعجب عيسى من هذا الرجل الذي يطلب أن يتعلم احياء الموتى ، لكي يبث الحياة في العظام النخرة ، على حين أنه تخلى عن روحه الميتة ، ولم يفطن إليها . ويكمل جلال الدين القصة بعد أن ينتهى من تفسيراتها وما يدور حولها ، ويستغرق ذلك نحو ثلاثمائة بيت ، فيذكر أن عيسى نادى باسم الحق على العظام ، فانطلق منها أسد أسود ، ضرب هذا الفتى الأبلة بمخالبه “ فدمر كيانه الصوري “ ثم يمضى بعد ذلك في تفسير معاني القصة . ( البيت 457 وما يليه ) .
( 142 ) “ الاسم السنى “ هو “ اسم الله الأعظم “ ، ويتضح ذلك بصريح العبارة في قصة العطار . ويرد ذكر “ اسم الله الأعظم “ في تفسير بعض قصص القرآن ، وفي كتابات الصوفية ، وكذلك في كتابات مؤرخي الفرق الاسلامية .
وينسب إلى العارفين بهذا الاسم القدرة على احداث المعجزات .
ولهذا فقد قيل إن الأنبياء كانوا يعرفون هذا الاسم . وكذلك ينسب العلم به إلى بعض الأولياء . فمن نسب إليهم ذلك إبراهيم بن أدهم . ( السلمى ، طبقات الصوفية ، ص 30 ، 31 ، 34 ) .
ونسب بعض غلاة الشيعة إلى قادتهم معرفة “ اسم الله الأعظم “ .
يقول الأشعري عن فرقة المغيرية ، أصحاب المغيرة سعيد : “ يزعمون أنه كان يقول : انه نبي ، وانه كان يعلم اسم الله الأكبر . . . “ ( مقالات الاسلاميين ، ج 1 ، ص 68 ) .
ويروى ابن الأثير أن المغيرة قال : “ ان الله وتعالى لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأعظم . . . “ ( الكامل ، حوادث عام 119 ، ج 4 ، ص 230 ) .
 
[ شرح من بيت 150 إلى بيت 300 ]
( 150 ) الأبله في هذه القصة يمثل رجلا ميت الروح طغت عليه

“ 418 “
 
حواسه .
( 151 ) ان هذا الأبله كان يسعى إلى احياء العظام النخرة التي رآها في الجب ، في حين أن روحه كانت ميتة ، فلم يلتفت إليها ، وما كان أحراه بأن يلتمس العون لنفسه من عيسى ، وبذلك يبدأ باصلاح نفسه قبل أن يسعى لاصلاح غيره .
( 158 ) “ فأصبح مع رفقائه مراقباً “ أي دخل معهم حال المراقبة .
والمراقبة ، كما يقول القشيري ، هي “ علم العبد باطلاع الرب سبحانه وتعالى عليه ، واستدامته لهذا العلم مراقبة لربه ، وهذا أصل كل خير ، ولا يكاد يصل إلى هذا الرتبة الا بعد فراغه من المحاسبة ، فإذا حاسب نفسه على ما سلف ، وأصلح حاله في الوقت ، ولازم طريق الحق ، وأحسن بينه وبين الله تعالى مراعاة القلب ، وحفظ مع الله تعالى الأنفاس ، راقب الله تعالى في عموم أحواله ، فيعلم أنه سبحانه عليه رقيب ، ومن قلبه قريب ، يعلم أحواله ، ويرى أفعاله ، ويسمع أقواله ، ومن تغافل عن هذه الجملة ، فهو بمعزل عن بداية الوصلة ، فكيف عن حقائق القربة “ .
( الرسالة القشيرية ، ص 87 ) . وانظر أيضا : ( السراج : اللمع ، ص 82 ، 83 ) ، ( الأنصاري : مشارق أنوار القلوب ، ص 78 - 79 ) .
وقوله : “ وان حضور الرفيق لدفتر ، بل أكثر من ذلك “ ، يشير إلى طريقة الصوفية في التعلم من المرشد ، فالتصوف معرفة ، وسلوك يتلقاهما المريد عن المرشد في أول الأمر ، ثم يسلك بعد ذلك سبل التأمل والمجاهدة . فالرابطة بين الصوفية رابطة محكمة ، وهي عندهم أهم في تحصيل العرفان من الكتاب والدفتر .
( 159 ) قلب الصوفي - حين يصبح نقيا من علائق المادة - يغدو كالمرآة ، تتجلى فيه شتى المعارف ، وتشرق عليه الحقائق . ولا حاجة به حينذاك إلى دفتر ولا كتاب . والدفتر والكتاب يرمزان إلى العلم التقليدى .
( 160 ) العالم الدنيوي يعتمد في تحصيل علومه على آثار القلم ، أما
 
“ 419 “
 
الصوفي فاعتماده يكون على “ آثار القدم “ ، أي اقتفاء سبيل المرشد حتى يتحقق له ما تحقق للمرشد . فالسلوك عند الصوفية يجئ قبل القراءة والدرس .
( 161 ) بداية الطريق بالنسبة للمريد أن يدخل في طريق التصوف .
فهو يكون بذلك شبيها بصياد ، سار في طريق ليحقق غاية . فعليه في بداية الأمر أن يتبع آثار القدم ، وهذا المعنى يرمز إلى اقتفاء شيوخ التصوف .
( 162 ) يكون المريد في بداية أمره قليل الخبرة وقد يقتصر سلوكه في تلك المرحلة على تقليد شيخه ، حتى إذا ما أصبح متحققا بالعرفان ، صار جوهرُ السلوك وغايته هدفاً له .
( 163 ) المريد الذي تصدق همته في اقتفاء المرشد ، يقوده اخلاصه هذا إلى غايته ، فيصبح هو أيضا من أهل الحقيقة .
( 164 ) عندما يصبح السالك من أهل التحقيق ، فكل خطوة يخطوها بعد ذلك تكون أعظم من مائة خطوة من خطاه أيام كان من أهل التقليد .
( 165 ) القلب - بالنسبة للعارف الواصل - يصبح مَشرقاً لأنوار المعارف ، وسبيلا للنفوذ إلى عالم الروح ، في حين أنه يكون سدا أمام غير العارف .
( 166 ) يصور الشاعر القلب بالنسبة للعارف ، فيقول انه باب ، ذلك لأنه مفتوح أمام أسرار الغيب ، تتكشف له المعارف اليقينية .
أما من لم يكن من أهل العرفان فقلبه مغلق يفصل بينه وبين عالم الروح ، كأنه حائط . أما قوله : “ وهو عندك كالحجر . . . “ فهذا يشير إلى معان عدة . فالقلب بالنسبة للصوفى جوهر نفيس ، ولا يتركه نهبا للعبث أو الأحقاد والضغائن ، بل هو للتأمل والتفكر ، والسعي إلى الكمال . أما الانسان الغارق في ماديته فلا قيمة للقلب عنده ، فالقلب - بالنسبة له - كقطعة من الحجر . ولفظة “ الحجر “ هنا تفيد انحطاط
 
“ 420 “
 
القيمة كما تشير إلى ما توصف به القلوب القاسية من غلظ يجعلها شبيهة بالأحجار . قال تعالى : “ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة “ . ( 2 : 74 ) .
( 167 ) يعبر هذا البيت بطريقة رمزية عن معنى شبيه بقول القشيري عن الصوفية : “ مذاهبهم أقوى من قواعد كل مذهب . . . فالذي للناس غيب فهو لهم ظهور ، والذي للخلق من المعارف مقصود ، فلهم من الحق سبحانه موجود ، فهم من أهل الوصال ، والناس من أهل الاستدلال ، وهم كما قال القائل :ليلى بوجهك مشرق * وظلامه في الناس سارى
فالناس في سدف الظلا * م ونحن في ضوء النهار( الرسالة ، ص 180 ) .
( 168 ) ان أرواح العارفين كانت موجودة قبل أن يخلق هذا العالم المادي ، وكانت تنعم في بحر الجود . فهؤلاء قد سلفت لهم الحسنى ، وسبق التقدير بسعادتهم .
( 169 ) قبل أن تحل أرواح هؤلاء العارفين في الأجساد كانت قد أمضت أعمارا طويلة في عالم الروح . وقد ظفرت بنعيم الله وكرمه من قبل أن تعمل عملا تستحق عليه الجزاء . فهذا الكرم والنعيم الذي لقيته قبل حلولها في الأجساد لم يكن جزاء على عمل قامت به .
( 170 ) لقد تكشفت لهذه الأرواح حجب المستقبل ، فعرفت ما يكون قبل أن يصبح كائنا .
( 171 - 172 ) حين أخبر الله الملائكة باعتزامه خلق آدم ، كانت هذه الأرواح مدركة لإرادة الله . وبينما كانت الملائكة تتساءل عن حكمة الله في خلق آدم ، كانت أرواح العارفين تسخر من الملائكة .
ولقد روى القرآن الكريم اعتراض الملائكة على خلق آدم في قوله تعالى : “ وإذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الأرض خليفة ، قالوا
 
“ 421 “
 
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك . قال إني أعلم ما لا تعلمون “ . ( 2 : 30 ) .
( 173 ) لقد كان في وسع هذه الأرواح أن تطلع على صورة ما يكون من الكائنات . فهي قبل أن تعلق بالأبدان كانت نقية من علائق المادة ، بعيدة عما يعكر صفاء رؤيتها . يروى ابن عربى عن أبي يزيد البسطامي قوله : “ لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها “ .
ويزيد ابن عربى على ذلك قوله : “ وهذا وسع أبى يزيد في عالم الأجسام . بل أقول : لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه “ .
( فصوص الحكم ، ج 1 ، ص 88 ) .
ويقول الأنصاري : “ والنفوس إذا صفت ورقت ، تشبهت بالملا الأعلى ، واتتقشت فيها أمثلة الكائنات ، واطلعت على المغيبات ، وأثرت في السفليات “ . ( مشارق ، 100 ) .
فإذا كان هذا رأيهم في قلب العارف ومدى احاطته ، فلا عجب اذن أن يكون رأيهم في روح العارف - قبل خلق الجسد - أعظم من ذلك .
( 175 - 176 ) لقد كانت الأفكار تنتقل إلى هذه الأرواح بالهام الهى ، ولم تكن بحاجة إلى وسائل لتلقيها ، كالدماغ والقلب . كما أن هذه الأرواح قد تحقق لها أعظم قدر من الظفر بدون كدح يشبه كفاح الدنيا .
وأرواح العارفين تبصر ما وراء الحس . فكل ما تشهده فهو بالنسبة لها فكرة ، لأنها تنفذ إلى حقيقة جوهره . أما الحسيون فان كل ما يشهدونه لا يتعدى الرؤية الحسية بالنسبة لهم .
( 177 ) ان التفكر في صورته المعروفة للناس يرتبط بالماضي وبالمستقبل . أما هذه الأرواح التي تحررت من سيطرة الزمن فلم يعد
 
“ 422 “
 
التفكر عندها مقيدا بهذا القيد ، ولهذا فقد حلت - بالنسبة لها - مشكلة المعرفة .
( 178 - 179 ) ان أرواح العارفين - بتحررها من الزمن - قد استطاعت أن ترى كل ممكن الوجود من قبل أن يوجد . فمعرفتها جوهرية كلية ، وليست مرتبطة بالجزئيات التي تتكشف خلال الزمن .
( 180 ) هذا البيت شبيه بقول ابن الفارض :شربنا على ذكر الحبيب مدامة * سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم( 181 - 182 ) هذان البيتان مرتبطان بفكرة الكشف والالهام عند الصوفية ، تلك التي تتيح للعارفين منهم الماما بكليات الحقائق ، فلا يصرفهم جانب منها عن الجانب الآخر ، ولا يحول مظهر للحقيقة أمام أعينهم دون مشاهدة المظاهر الأخرى الكامنة في طي الامكان . وتنطبق هذه القدرة المبصرة على عالمي الغيب والشهادة . يقول ابن عربى :
“ ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن ، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا “ . ( فصوص الحكم ، ج 1 ، ص 54 ) .
( 183 ) يرتبط معنى البيت بفكرة الانسان الكامل ، وأنه محور الوجود . يقول ابن عربى : “ فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الانسان الكامل ، ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اخترنه الحق فيها ، وخرج ما كان فيها ، والتحق بعضه ببعض ، وانتقل الأمر إلى الآخرة ، فكان ختما على خزانة الآخرة ، ختما أبديا . فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الانسانية ، فحازت رتبة الجمع والإحاطة بهذا الوجود “ . ( فصوص الحكم ، ج 1 ، ص 50 ) .
وقد عبر جلال الدين عن هذا المعنى بأسلوب شعري . فبدلا من أن يتبع الطريقة الاصطلاحية في التعبير فيذكر أن كل مظاهر الوجود خلقت من أجل الانسان الكامل ، قال إن السماوات نشوى بشراب العارفين ،


“ 423 “
 
على اعتبار أن الله أنعم عليها بالوجود ، من أجل الانسان الكامل ، وكذلك الشمس يرتبط وجودها بوجوده ، “ فهي من جوده ترفل في وشى الذهب “ .
وهناك حديث قدسي يذكر في كتب الصوفية ، ويروى عن الله تعالى أنه خاطب الرسول بقوله :
“ لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك “ .
( 184 ) “ إذا رأيت رفيقن من العارفين فأعلم أنهما من حيث وحدة الروح رجل واحد ، أما من حيث القوة والمقدرة فهما يعدلان ألوفا كثيرة “ .
( 185 ) ان ظهور العارفين كأشخاص متعدين لا يعنى أنهم متعددو الروح ، فما تعددهم الظاهري الا كتعدت أمواج البحر ، تلك التي تبدو كأنها وحدات متفرقة ، ولا حقيقة لهذه الفرقة ، فكلها من البحر واليه ، وماؤها جميعا ماء واحد ، لكن الريح هي التي تظهرها على هذه الصورة .
والريح هنا رمز للإرادة الإلهية التي تظهر العارفين على هذه الصورة .
( 186 - 187 ) الروح الانساني واحد . وقد أشرق على الأبدان ، فاقتبست منه الحياة . فهو كالشمس تشرق من قرص واحد ، وكل مكان يقتبس النور منها . وهذا تصوير شعري لوحدة روح الانسانية ، وهو مبنى على الذوق الصوفي ، وليس على أساس فلسفي .
ومن الصوفية من أنكر ذلك بشدة . فالسهروردى الاشراقي يقول :
“ وجماعة من الناس لما تفطنوا أن هذه ( النفس ) غير جسمية توهموا أنها الباري تعالى ، وقد ضلوا ضلالا بعيدا ، فان الله واحد ، ولو كانت نفس زيد وعمر واحدة ، لأدرك أحدهما جميع ما أدرك الآخر ، ولو طلع كل الناس على ما اطلع عليه الكل وليس كذلك . ثم كيف تستأمر قوى البدن اله الآلهة ، وتسخره رهين شهوات ، وعرضة بليات ، في خبط عشوات “ . ( هياكل النور ، 54 ، 55 ) .
 
 “ 424 “
 
وهذا موقف فلسفي يختلف عن الموقف الذوقى الذي عبر عنه جلال الدين . ومع ذلك نجد السهروردي يعبر عن وحدة النفوس في أصلها وذلك بصدورها جميعا عن العقل الفعال . يقول : “ ومن جملة الأنوار القاهرة أبونا ورب طلسم نوعنا ، ومفيض نفوسنا ، ومكملها بالكمالات العلمية والنفسية ، روح القدس ، المسمى عند الحكماء بالعقل الفعال “ . ( المصدر السابق ، ص 65 ) .
ويعبر الأنصاري عن اتحاد الأرواح بقوله : “ واعلم أنه ليس في العالم شئ الا وله مغناطيس يجذبه ، لطيفا كان أو . كثيفا . ومغناطيس النفوس شعاع نور الجمال ، فلهذا كان تعاشق الأرواح انجذاب بعضها إلى بعض حتى تتحد “ . ( مشارق ، 97 ) .
ويقول أيضا : “ واتصال النفسين هو اتحاد هما حتى لا يكون بينهما فرق الا بالجسم ، والجسم زائد على ماهية النفس ، والانسانية تُعقل في الذهب دون جسم ، إذ هي معنى كلى يتصور في النفس دون أمر زائد من شكل أو حامل وسائر الأعراض “ . ( المصدر السابق ، 99 - 100 ) .
( 188 ) يميز الشاعر بين الروح الانساني والروح الحيواني . فالروح الانساني هو مصدر الحياة الواعية المدركة التي يعيشها الانسان . أما الروح الحيواني فهو مصدر الحياة في الجسد ، وبه تحبى أجساد البشر والحيوانات على السواء .
ولعل الروح الانساني هو الذي يعبر عنه بالنفس الناطقة في كتابات بعض الصوفية . يعرف السهروردي النفس الناطقة بقوله : “ وهذه النفس الناطقة لها قوى من مدركات ظاهرة ، وهي الحواس الخمس ، وهي اللمس والذوق والشم والسمع والبصر وقوى من مدركات باطنة ، كالحس المشترك وهو الذي يشاهد صور المنام معاينة لا على سبيل التخيل . ومن الحواس الباطنة الخيال . . . والقوة الفكرية . . . والوهم . . . والحافظة “ ( هياكل النور ، ص 51 - 53 ) .



“ 425 “
 
أما الروح الحيواين فيتحدث عنه بقوله : “ وللحيوانات قوة شوقية ذات شعبتين : منها شهوانية جعلت لجلب الملائم ، وغضبية خلقت لدفع ما لا يلائم . وقوة محركة تباشر التحريك . وحامل جميع القوى المحركة والمدركة هو الروح الحيواني ، وهو جرم لطيف بخارى مولد من لطائف الأخلاط ، وينبعث من التجويف الأيسر من القلب ، وينبث في البدن بعد أن يكتسب السلطان النوري من النفس الناطقة . ولولا لطفه ما سرى فيما يسرى ، إذا وقعت سدة تمنعه من النفوذ إلى عضو يموت ذلك العضو . وهو مطية تصرفات النفس الناطقة . وتتصرف النفس في البدن ما دام ، وإذا انقطع انقطع تصرفات النفس الناطقة . وتتصرف النفس في النفس الناطقة . وتتصرف النفس فىالنفس الناطقة . وتتصرف النفس فىالبدن . هذا الروح الحيواني غير الروح الإلهي الذي يأتي في كلام النبوات ، فإنه معنى به النفس الناطقة التي هي نور من أنوار الله تعالى ، القائمة لا في أين ، من الله مشرقها ، وإلى الله مغربها “ . ( المصدر السابق ، 53 ، 54 ) .
ولو أردنا أن نلخص آراء السهروردي في كلمتين جامعتين لقلنا انه يعنى بالنفس الناطقة القوى المدركة ، وبالروح الحيواني القوى المحركة من غضب وشهوة وطاقة .
( 189 ) ما دام الروح الانساني جوهرا واحدا فاض عن الخالق ، فليس من الممكن أن يقع انقسام في هذا الجوهر .
( 190 ) الشاعر يدرك أنه أفاض في الحديث عن معان رمزية عميقة الدلالة ، وانصرف عن رواية قصة الصوفي التي بدأها قبل معالجة تلك المعاني . ولهذا فإنه يحث المستمع على الاصغاء اليه ليحدثه بلمحة عما تشهده روحه من جمال التجلي .
( 191 ) ليس البيان بقادر على أن ينقل إلى المستمع لمحة من جمال الشهود . وكيف يتسنى له ذلك ، والعالمان بأسرهما ليسا سوى لمحة من أنوار هذا الجمال .
( 192 ) “ لو أنني تحدثت عن لمحة من لمحات هذا الجمال ، لكاد
 
“ 426 “
 
كيانى الجسدي يتبدد ، فمثل هذا الحديث الروحي لا تقدر عليه عبارات الحس وأو صافه “ .
( 193 ) مثل هذا الكشف الروحي أمانة ينوء بحملها كيان العارف ، ومع ذلك يكون سعيدا بها ، كما تكون النلمة سعيدة في بيدر القمح ، برغم ما يحيط بها من أثقال ينوء بها كيانها .
( 194 - 200 ) يبين الشاعر في هذه الأبيات ، كيف مال مستمعوه إلى سماع صورة الحكاية التي كان يرويها ( حكاية الصوفي ) ، وكيف صرفه هذا الميل من جانب مستمعيه عن تقرير معنى الحكاية .
( 195 ) هناك فيض غزيز من القول ، يندفع كمد البحر ، ثم يعود إلى الانكماش كالجزر .
( 196 ) ان انصراف خاطر المستمع عن الاصغاء للمعاني الروحية جعل الشاعر يعرض عن الافضاء بها .
( 199 ) الصوفي ليس بصورته الظاهرة وانما هو بجوهره وحقيقته .
والقصة ليست قيمتها بوقائعها السطحية ، بل هي بمغزاها ومعانيها الدقيقة .
والولع بظاهر الحكاية مبعثه لذة سطحية ، كتلك التي تجعل الأطفال مولعين بالجوز والزبيب .
( 200 ) ولع الرجال بلذات الحس شبيه بولع الأطفال بالجوز والزبيب . فاللذات الحسية مذاقها وقتي ، ومن كان رجلا فلذته أسمى من ذلك ، لأنها ذات طبيعة روحية .
( 201 ) ان لم تكن قادرا على أن تتخلى عن لذات الحس ، فالله قادر على أن يجعلك تتنزه عنها ، وترتفع فوق طباق السماء .
( 203 - 250 ) في هذه الأبيات يقص الشاعر قصة الصوفي والخادم والحمار ، وهي القصة التي بدأ في روايتها في البيت رقم 156 ، ثم ما لبث أن انصرف عنها ، مستطردا إلى الحديث عن الصوفية وأحوالهم .
ونلحظ في هذه القصة كغيرها براعة الشاعر القصصية . وقد
 
“ 427 “
 
تجلت في هذه القصة الخصائص الآتية :
أولا : روح الفكاهة الغالبة على القصة .
ثانيا : براعة الحوار .
ثالثا : مقدرة الشاعر على تصوير هوا جس النفس .
رابعا : براعته في تصوير شخصياته القصصية . ولم تقف هذه البراعة عند حد تصوير الانسان بل تعدته إلى الحيوان . فحمار الصوفي هنا يثير العطف بما يلاقيه من آلام ، وله أيضا هو اجسه وأحلامه ! ( 251 ) على الانسان ألا ينخدع بلطيف المقال حتى لا يخدعه هذا عن حقيقة الحال .
( 261 ) في هذا البيت دعوة قوية صريحة إلى الحزم ، والاعتماد على النفس .
( 264 ) عاد الشاعر هنا إلى حديث الروح والجسد . فالجسم الترابى غريب عن جوهر الانسان .
( 265 ) تغذية الجسم ورعايته لن تفيد جوهر الانسان . فالجسم يتضخم من هذا الغذاء ، في حين أن الجوهر يتضاءل .
( 266 ) مهما أحيط الجسم بالرعاية والعناية ، فإنه لا محالة هالك ، والموت يكشف طبيعة الخسيسة ، فمهما أحيط بالمسك ، فلا بد من ظهور رائحته الخبيثة بعد الموت .
( 267 ) المسك الذي يلطخ المرء به جسده لا جدوى منه ، لأن أثره سطحى ، وأولى بالانسان أن يعطر بالايمان قلبه .
( 275 ) ما دمت تنطوى على نفس أمارة بالسوء ، تغلى بهليب الشهوات ، فكن يقظا ، والا قادتك إلى الجحيم .
( 277 ) هذا المعنى شبيه بقول زهير بن أبي سلمى في معلقته :لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم يبق الا صورة اللحم والدم( 280 - 282 ) في هذه الأبيات صورة مشتقة مما يقع تحت أبصار

 
 “ 428 “
 
الناس في حياتهم اليومية . فهناك دكان العطار وقد صُفَّت أمامه أوعية تشبه الطبول ، ووضع في كل وعاء صنف من الأصناف . والعطار قد جعل كل صنف منها على حدة . وإذا وقع اختلاط بين الأصناف فإنه يحرص كل الحرص على الفصل بينها . وقد اتخذ الشاعر من هذا منطلقا للحديث عن الأنبياء ، وكيف أرسلوا ليفصلوا بين أهل الصلاح وأهل الفساد .
( 283 - 284 ) قبل بعث الرسل ، لم يكن هناك فيصل بين الطيبين .
والخبيثين . فكانت الأرواح الطيبة والخبيثة يختلط بعضها ببعض .
فأرسل الله الرسل ليكونوا فيصل بين الفريقين . قال تعالى : “ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه “ . ( 2 : 213 ) .
( 293 - 294 ) قلب العارف يشرق فيه من نور العرفان ما يزرى في اشراقه بنور النهار . أما الأستار التي يسدلها على أسراره فشبيهة بظلمات الليل . وقد يكون المراد بالستر هنا الجسد الذي يحجب حقيقة الولىّ العارف . ( انظر البيت رقم 299 ) .
( 295 - 301 ) تذكر هذه الأبيات تفسيرا صوفيا لقوله تعالى :
“ والضحى والليل إذا سجى ، وما ودعك ربك وما قلى “ . ( 93 : 1 - 3 ) .
فالشاعر يذكر أن الله أقسم بالضحى لأنه نور ضمير المصطفى ، أو لأنه فيض من نور الخالق . ولولا ذلك لما جاز القسم بالضحى لأنه فان ، وهو بهذا غير جدير بقسم الخالق . ان الخليل قال : “ لا أحب الآفلين “ ، فيكف يقسم رب العالمين بما هو عرضة للفناء ؟
وبعد هذا ينتقل الشاعر إلى تفسير “ والليل “ ، فيقول انه رمز لستره أي جسده الذي يخفى حقيقة جوهره . وحينما أشرقت شمس الوحي على الرسول ، قالت لجسده : “ ما ودعك ربك “ ، أي أن الله لم يتركك برغم أنه قطع الوحي عنك أياما . أما قوله : “ ولقد تجلى الوصل

 
“ 429 “
 
من عين البلاء “ ، فمعناه أن جمال الوصل قد تجلى واضحا بعد الانقطاع ، فالشىء يتضح بضده ، ولهذا فان الله تعالى قال : “ وما قلى “ . فهذا الانقطاع لم يكن منبعثا عن اعراض أو كره من الله .
وهذا تأويل صوفي يحمل الألفاظ أكثر مما تحتمل ، في بعض المواقف . والمعروف عند المفسرين أن هذه الآيات نزلت على الرسول بعد أن تأخر الوحي عنه خمسة عشر يوما ، وقال الكفار : ان محمدا ودعه ربه وقلاه .
 
[ شرح من بيت 301 إلى بيت 450 ]
( 302 ) ان كل عبارة رمز لحال . فالحال هو الموجه لمعنى العبارة ، وليست العبارة سوى الأداة التي يعبر بها الحال عن حقيقته . ان الحال كاليد والعبارة كالآلة .
( 303 ) لا جدوى من اطلاق العبارات على ما ليست ترمز اليه من الأحوال ، والا كان ذلك كوضع الآلة في يد لا تحسن استخدامها . فلا بد أن تحمل العبارة تعبيرا صادقا عن الحال .
( 305 ) يتضمن هذا البيت مثالا لا ستخدام العبارة في موضعها ، ومثالا لاستخدامها في غير موضعها .
( 306 ) عصا موسى ، في يد موسى ، كانت آلة وضعت في موضعها الصحيح . أما العصا في أيدي السحرة ، فقد ذهبت هباء لان تلك الأيدي لم تكن - في مقام اظهار المعجزة - جديرة بتلقيها .
( 310 ) انتقل الشاعر من الحديث عن اقتران الأحوال ، والعبارات ، واقتران الأيدي ، والآلات ، إلى ذكر الواحد الذي لا قرين له ، ولا آلة .
وبين كيف أن كل عدد يكون عرضة للخطأ ما عدا الواحد فإنه لا شك فيه .
( 311 - 312 ) يقول ابن الفارض في هذا المعنى :وان عبد النار المجوس وما انطفت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيرى وان كان قصدهم * سواي وان لم يظهروا عقدنيةوجلال الدين يقول : ان كل من عبدوا اثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك



“ 430 “
 
هم - في الوقت ذاته - قائلون بالواحد ، مؤمنون به . ويروى القرآن الكريم عن مشركي العرب قولهم عن الأصنام : “ ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى “ . ( 39 : 3 ) .
فهؤلاء المشركون كانوا مؤمنين بالاله الواحد . ويعزو جلال الدين هذه الألوان المختلفة من الشراك إلى الحَوَل ، وهو مرض يجعل العين تبصر الشئ الواحد متعددا . فإذا شفى هؤلاء المشركون من حولهم العقلي ، فهم لا شك عائدون إلى الايمان بالاله الواحد .
( 313 ) من قال بالوحدانية فقد سلك السبيل الحقّ إلى ربه .
فعليه أن يستسلم لخالقه على أكمل وجه ممكن ، فلا تكون له حركة الا بدافع من الله ، كما تندفع الكرة في الميدان بدفع الصولجان .
( 314 ) كلما ازداد كما الكرة كانت أكثر استجابة لدفع الصولجان ، وكلما ازداد كمال الانسان كان أسرع استجابة لا رادة الله .
( 315 ) على الأحوال الذي أخطأ الرؤية أن يحسن الاستماع بعقلة ، فلعله يستطيع أن يتلقى بسمعه ما يعينه على التخلص من علة ابصاره .
( 316 ) حسن الاستماع ، مع عمق التأمل ، قد يعين القلب على الابصار . أما الاستماع ، بدون تأمل فلا جدوى منه للقلب الأعمى ، لأن نور العرفان لا يستقر فيه ، بل يرجع إلى أصله .
( 317 ) سحر الشيطان يجد له مستقرا ملائما في القلب المنحرف ، كما تستقر القدم العوجاء في الحذاء الأعوج .
( 318 - 320 ) الحكمة لا تتحقق لانسان . ما لم يكن من محبيها المخلصين لها ، الذين يتقبلونها بقلوبهم وأرواحهم . وبدون هذا فلا سبيل لانسان إليها ، فكثرة القراءة والحفظ ، والتشدق بالحكمة ، كلها لا تجدى نفعا ، ما لم تستقر الحكمة في قلب الانسان ويتحقق اخلاصه لها .
( 321 ) الاخلاص قد يعين صاحبه على أن يحصل من الحكمة ما لم يحصله المجتهد الذي تجرد من الاخلاص . وهذا المعنى مرتبط بفكرة



“ 431 “
 
الالهام عند الصوفية ، تلك التي تقول بان القلب النقىّ الذي صفا من الأكدار يتلقى من العرفان ما لا يتحقق لمن أضاع عمره بين الأسفار .
( 323 - 335 ) تروى هذه الأبيات قصة ترمز إلى الروح الذي يفر من كنف خالقه ، ويستسلم للدنيا ولذاتها . فالباز في القصة رمز للروح ، وقد هرب من مليكه إلى عجوز شمطاء ( وترمز للدنيا ) فساء جزاؤه من جراء ذلك .
وتُروى هذا القصة في مصادر عدة من أهمها أسرار نامه للعطار ، وجوامع الحكايات لعوفى “ 1 “ . والقصة كما رواها العطار لا تنطوى على تلك النظرة العاطفية التي صور بها الملك حبه للباز .
وقد ذكر فروزانفر مواضع أخرى وردت فيها إشارات لهذه القصة ، وهي كشف المحجوب للهجويرى ، وديوان شمس تبريز ل
 ، وكتاب المقالات المنسوب لشمس الدين التبريزي “ مخطوط مكتبة الفاتح باستنبول ، رقم 2788 “ . ( انظر مآخذ قصص ، ص 44 ، 45 ) .
( 335 ) هذا البيت شبيه بقول أبى نواس :ان كان لا يرجوك الا مؤمن * فبمن يلوذ ويستجير المجرم( 336 ) ان الروح قد تنحرف عن قصد السبيل معتمدة على لطف الله وكرمه .
( 337 ) الانسان يقترف السيئات ، مع أن حسناته لا تكاد ترقى إلى المستوى الذي يجعلها جديرة بقبول الخالق .
( 338 - 340 ) من أسباب خطيئة الانسان أن يعتقد أن عبادته لله أمر مستلزم للقبول الإلهي ، فيركن إلى هذا الاعتقاد ، ويصيب الغرور
( 1 ) انظر تعليقات نيكولسون .



 “ 432 “
 
قلبه ، ويظن أنه قد أصبح من خاصة الله . ومثل هذا الغرور يؤدى إلى الضلال .
وقد عقد عبد الرحمن بن الجوزي فصلا حول هذا المعنى بعنوان :
“ غرور المتعبدين “ .
يقول : “ وفي المتزهدين أهل تغفيل ، يكاد أحدهم يوطن نفسه على أنه ولى محبوب ومقبول . . . وربما احتقر غيره ، وظن أن محلته محفوظة به ، تغره ركيعات ينتصب فيها ، أو عبادة ينصب بها “ . ( صيد الخاطر ، 135 - 136 ) .
( 341 ) لا يجوز أن يكون احساس المرء بالاقتراب من ربه دافعا إلى إساءة الأدب . ويروى عن أبي يزيد البسطامي - في هذا المعنى - قوله :
“ قعدت ليلة في محرابى ، فمددت رجلي ، فهتف بي هاتف : من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب “ . ( السلمى : طبقات الصوفية ، ص 69 ) .
( 343 ) الباز قد اغتر بنفسه ، فظن أنه قادر على صيد الأسود ، ولم يدر أن الصياد الحقيقي هو المليك ، وليس الباز - في حقيقة الأمر - الا ملتقط الصيد . فهو هنا يعتذر لمليكه عن الخطأ الذي وقع فيه نتيجة لغروره وسوء فهمه . وهذا تعبير رمزى عن الانسان الذي يكرمه ربه فيقدره على فعل الأمور العظام ، فيظن أن ذلك قد تحقق له بقدرته الذاتية ، وينسى فضل الخالق ، فيعتريه الغرور من جراء ذلك .
( 344 ) تكشف للباز - بعد أن ابتعد عن كنف مليكه - أن قدرته كانت مقتبسة من قدرة هذا المليك . وهكذا الانسان ، لا قدرة له لو تخلى عنه الخالق . فالباز يقول : “ مع أن أظافري قد قلمت ، فأنا قادر على اقتلاع الشمس من مدارها ، لو أنك كنت لي “ . والانسان - المؤيد بالقدرة الإلهية - لا تكون هناك حدود لطاقاته .
( 345 ) “ لعب الفلك “ يقصد به هنا ما كان يُعتقد للفلك من تأثير



“ 433 “
 
على الأحداث . ومعنى البيت : “ مع أنني قد غدوت مقصوص الجناح فإنك لو تقبلتنى برضاك تضاءلت قوة الفلك أمام قوتى “ .
( 346 ) “ المئزر “ في البيت رمز للتأهب للعمل . والمعنى : “ لو دفعتني إلى العمل لهدمت الجبال ، ولو وهبتنى قلما لحطمت به السيوف والرماح .
ويقول جلال الدين أيضا في هذا المعنى : “ ان ملك الملوك حين ينزل إلى الميدان ، يصبح كل عجز آلة ووسيلة “ . ( مثنوى ، 1 : 2696 ) .
( 347 ) إشارة إلى قصة البعوضة التي أهلكت النمرود بن كنعان .
( انظر : الثعلبي قصص الأنبياء ، ص 97 .
وانظر أيضا : مثنوى جلال الدين ، ج 1 ، ص 497 ) .
( 348 - 349 ) إشارة إلى قصة الطير التي أهلكت أصحاب الفيل ، وهم في طريقهم إلى مهاجمة الكعبة . ويروى أن هذا الحادث وقع في زمن عبد المطلب جد الرسول .
يقول المسعودي : “ فأرسل الله عليهم الطير الأبابيل ، أشباه اليعاسيب ، ترميمهم بحجارة من سجيل ، وهو طين قد خلط بحجارة من البحر ، مع كل طير ثلاثة أحجار ، فأهلكهم الله عز وجل “ . ( مروج الذهب ، ج 2 ، ص 128 ) .
( 353 ) إشارة إلى معجزة شق القمر تروى عن الرسول عليه السلام .
( 354 ) “ حتى يعلم الجاهل بالسعد والنحس أن الرسول كان أعمق أثرا في توجيه المقادير من القمر ، وسائر الكواكب “ . والجاهل بالسعد والنحس هو المنجم ، الذي يربط مصائر الخلق بالنجوم .
( 364 ) هذا البيت عربى في الأصل ، ويشير إلى حديث قدسي يروى



“ 434 “
 
عن الله قوله : “ كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لأعرف “ .
( 369 ) التخلص من عبادة الأصنام هو بداية الطريق للتخلص من صنم الباطن . وقد وصف جلال الدين النفس بأنها صانعة الأصنام .
وأصنام النفس هي شهواتها المختلفة . فالتخلص من أصنام الباطن يقتضى جهادا روحيا عظيما .
( 372 ) في البيت إشارة إلى بعض الأساطير الفارسية القديمة . زال هو ابن سام بن نريمان الذي كان من أمراء سجستان . أما رستم فهو ابن زال ، وقد اشتهر - في تلك الأساطير - ببطولة خارقة .
( 375 ) مهد الشاعر بهذا البيت لقصة يرويها عن الشيخ أحمد بن خضرويه ، وهو من قدامي الصوفية ، ( توفى عام 240 ه ) . ذكره السلمى بقوله : “ أحمد بن خضرويه البلخي ، وهو من كبار مشايخ خراسان ، صحب أبا تراب النخشبىّ وحاتما الأصم ، ورحل إلى أبى يزيد البسطامي ، وهو من مذكورى مشايخ خراسان بالفتوة . . . “ . ونقل السلمى بعض أقواله ( طبقات الصوفية ، 103 - 106 ) .
وقد ذكر السلمى أن أحمد بن خضرويه كان يقترض الأموال لاطعام الفقراء ، وأن دينه قد بلغ مائة ألف درهم . أما القشيري فقد ذكر قصة شبيهة بقصة المثنوى . يقول : “ وكان عليه سبعمائة دينار دينا ، وغرماؤه عنده ، فنظر إليهم وقال : اللهم انك قد جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال ، وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم فدعني . قال : فدق داق الباب وقال : أين غرماء أحمد ؟ فقضى عنه ثم خرجت روحه ، ومات رحمه الله سنه 240 “ . ( الرسالة ، ص 16 ، 17 ) . وروى العطار هذه القصة ذاتها في “ تذكرات الأولياء “ ، ونقلها عنه فروزانفر . ( مآخذ قصص ، ص 46 ) .



“ 435 “
 
أما قصة الصبى بائع الحلوى فقد عثر عليها نيكولسون مرتبطة بأبى سعيد بن أبي الخير ( انظر شروح نيكولسون ، ص 252 ) . وذكر فروزانفر نص هذه القصة ( مآخذ قصص وتمثيلات ، 46 ، 47 ) .
وقد ذكر أحمد بن خضرويه في حلية الأولياء للأصفهاني ، وكشف المحجوب للهجويرى ، ونفحات الأنس للجامى ، إلى جانب المراج السالفة الذكر .
( 379 ) في البيت إشارة إلى معجزة تنسب إلى إبراهيم ، عليه السلام ، وتروى بصور مختلفة ، خلاصتها أن إبراهيم أبى أن يدين بألوهية النمرود ، كما كان يفعل أهل زمانه ، فرده النمرود بدون طعام ، فمر على كثيب رمال وملأمنه كيسا يدخل به على أهله ، لكن الله أحال الرمال في الكيس إلى دقيق . ( الثعلبي ، قصص الأنبياء ، ص 95 - 96 ) .
( 380 - 381 ) انظر : مثنوى ، ج 1 ، (2223 -2225 وتعليقنا على الأبيات ) ، ص 283 .
( 382 ) “ الجود بالروح ، وتقديمها قربانا لخلاق الوجود “ ، تعبير عن دعوة الصوفية إلى افناء الذات في الخالق . فكأن الشاعر يقول : ان الصوفية الصادقين أكثر الناس سخاء لأنهم ضحوا بأرواحهم ، وجعلوها قربانا لخالقهم . والبيت شبيه بقول الشاعر .يجود بالنفس إذ ضمنّ الجواد بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود( 383 ) جاء في قصة إبراهيم أنه حين هم بذبح ابنه إسماعيل لم تفعل السكين فعلها في عنقه . يقول الثعلبي : “ ثم أنه وضع السكين على حلقه فلم يجزع ولم تعمل السكين شيئا . . . وضرب الله صحيفة من نحاس على حلقه . . ثم إنه وضع السكين على قفاه فانقلبت . . . “ .
( قصص الأنبياء ، ص 94 ) . ويشير الشاعر بذلك إلى أن من ضحى بالذات في سبيل الخالق ، تحقق له البقاء .
( 384 ) الشهداء يموتون في حومة الوغى ، ومع ذلك يوهبون حياة



 “ 436 “
 
الخلود ، على مقتضى قوله تعالى : “ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون “ . ( 3 : 169 ) . وكذلك الصوفية - الذين حققوا فناء الذات - ظفروا بالبقاء . وليست العبرة ببقاء الجسد ، كما يتوهم الكفار .
( 385 ) لا يقتصر جزاء الشهداء على خلود الروح ، بل تقترون بذلك البهجة والفرح . ولقد أتبع الله قوله : “ ولا تحسبن الذين قتلوا . . . “ يقوله : “ فرحين بما آثاهم الله . . “ الآية . ( 3 : 170 ) .
وكذلك الصوفية ، ولا يكون البقاء وحده في هو ما يتحقق لهم ، نتيجة لا فنائهم الذات ، بل إن لهم بالفناء بقاء مقترنا بالبهجة والسرور .
( 435 ) انظر قصة الأصم الذي ذهب ليعود جاره المريض ( مثنوى ، ج 1 ، الأبيات 3360 - 3395 ، ص 386 - 389 ) .
( 436 - 437 ) قصة موسى والعبد الصالح - الذي ذكر المفسرون أنه الخضر - قد رويت في القرآن الكريم ( سورة الكهف ، 18 : 65 - 82 ) .
( 438 ) “ يا موسى زماننا “ معناها “ يا من تنظر إلى الصالحين نظرة موسى إلى الخضر “ .
( 441 - 443 ) انظر : مثنوى ، ج 1 ، الأبيات 818 - 822 ، ص 150 ) .
( 444 ) “ إذا أردت أن تظفر بهذا العطاء الإلهي ، فليكن انسان عينك باكيا آسفا على ما يكون من تهاون الجسد “ .
( 445 ) انظر الأحاديث النبوية في “ فضل الكباء من خشية الله تعالى وشوقا اليه “ . ( النووي : رياض الصالحين ، ص 208 - 210 ) .
( 449 ) “ المسيح “ هنا رمز للروح . فالزاهد يقول : “ على الانسان ألا يأسى على عين الحس ، ان كان قوى الروح ، ذلك لأن الروح كالمسيح ، تهب الابصار للأعمى “ .

“ 437 “
.
يتبع
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات من 115 - 509 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:54 pm

شُروح وَدرَاسَات من 115 - 509 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات من 115 - 509 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي

شرح كيف توهم ذلك الشخص رؤية الهلال في عهد عمر رضي الله عنه

[ شرح من بيت 451 إلى بيت 600 ]
( 451 ) لا تجعل الروح - في كل لحظة - مسخرا لجسم غليظ .
( 452 ) انظر : قصة الأبله الذي رافق عيسى ( الأبيات 141 - 155 ) .
( 453 ) الأبله الذي رافق عيسى طلب منه أن يبث الحياة في عظام نخرة ، ولم يلتمس منه حياة لروحه . ان على الانسان ألا يسخر الروح لرغاب الجسد ، والا كان كمن يلتمس من موسى أن يعمل عمل فرعون .
( 454 ) “ لا تثقل فؤادك بهم التفكير في المعاش “ : في هذه العبارة دعوة للانسان إلى أن يتجنب اغراق فؤاده في هموم العيش ، حتى لا يكون هذا سببا في انصرافه عن كل تأمل روحىّ ( 456 ) طالما كانت الروح في الدنيا فلن تعدم الاستقرار في أحد الأجساد ، ولها حينذاك رعاية من الخالق . انها كالتر كمانى لا بد له من أن يستقر في احدى الخيام طالما كان مقيما في الحىّ .
( 461 ) ان هذا الفتى الأبله كان خاليا من اللب ، ولهذا كان القضاء على جسده قضاء عليه ، لأنه لم يكن ينعم بذلك الروح الذي يعيش بعد فناء الجسد .
( 463 ) الأسد كان قد فارق الدنيا ، وانقطع بذلك رزقه الدنيوي ، فبعثه المؤقت على يد عيسى لم يكن يعنى أنه استأنف حياته الدنيوية .
( انظر البيت 469 ) .
( 464 ) الأسد الضاري قد قتل الرجل ، ومع ذلك ، لم يستطيع أن ينال منه رزقا ، لأن الرزق مقسوم . وكثير من الرجال يعيشون في هذه الدنيا بقدرة كاملة على الصيد وحظ قليل من الرزق .
( 465 ) يصور الشاعر بهذا البيت الحرص الذي يتملك بعض الرجال للحصول على رزق لا يتحقق ، فهم يقضون حياتهم بين دفع الحرص وامتناع الرزق . وليس معنى هذا أن الشاعر لا يؤمن بالسعي ، ففي المثنوى كثير من المواقف اليت تحت على السعي . لكن الشاعر ينتقد الحرص المرير الذي يكدر الحياة ، ويجعل صاحبه ضحية لسلسلة



“ 438 “
 
لا تنتهى من الرغاب الجامحة ، والفشل المتكرر .
 
( 468 ) العبرة المقصودة من البيت هي أن المرء - برغم بالغ حرصه - قد يحرم من ثمرة يحققها له هذا الحرص .
( 470 - 471 ) انتقل الشاعر إلى الحديث عن الجزاء الذي لقيه الفتى الأبله . لقد واجه هذا الهلاك ، لأنه - وقد لقى نبعا لحياة الروح هو المسيح - اختار حياة البدن ، فكان كمن يلوث النبع بدلا من أن ينهل من مائه .
( 472 - 473 ) هذا الأبله قد لقى هذا الرسول ، الذي وهبه الله مثل هذا القدرة على بعث الحياة في الأرواح ، فكيف يلتمس منه حياة الجسد ؟
( 474 ) النفس الأمارة بالسوء تسعى وراء اللذات ، كما يسعى الكلب وراء العظام . وحياة النفس الأمارة بالسوء يكون فيها القضاء على حياة الروح . فهناك هذا التضاد في الذات الانسانية بين النفس الأمارة بالسوء وبين الروح .
( 475 ) العظام هنا رمز للذات الحس التي تشتهيها النفس ، كما يشتهى الكلب العظام . وقد تكون رمزا لوجود الانسان المادي ، الذي تتعلق النفس بلذاته . أما قول الشاعر :
“ تحول بين الكلب وبين صيد الروح “ فمعناه : أن لذات الحس تصرف النفس عن تذوق ما يتيحه لها الروح من لذات .
( 476 ) “ ان لم يكن أسير الشهوات كالكلب المولع بالعظام أو كالضبع المولع بالدماء ، فلماذا هو أسير لشهوات الحس ؟ “ ( 477 ) الانسان المجرد من البصيرة الروحية ، كالعين المجردة من الابصار ، فهذه عند الامتحان لا جدوى منها ، وهكذا يكون مثل هذا الانسان .
( 478 ) المحروم من البصيرة الروحية قد يعتمد على الظن الذي
 
“ 439 “
 
يخطئ حينا ، ويصيب حينا آخر ، ويكون هذا الظن مبنيا على الاجتهاد العقلي أما الظن الذي لا يبصر فأعتقد أنه كناية تقليد المقلدين الذين حرموا من الالهام الروحي ، كما حرموا من الاجتهاد العقلي . وفي الأبيات التالية يتحدث الشاعر عن التقليد ومساوئه .
( 479 ) يخاطب الشاعر بهذا عين المقلد ، فيقول : “ أيتها العين التي تبكى على سواها ! ان حالك أسوأ من حال سواك ، فليكن بكاؤك على نفسك ، فحالك أولى بالبكاء “ . يقصد الشاعر بذلك أن المقلد يردد نغمات الأسى على سواه وينسى نفسه ، كما يفعل جهال الواعظين .
( 480 ) يذكر الشاعر في مواضع كثيرة أن دموع الندم تجلو القلب ، وتجعل الروح مزدهرا ، فهي كالسحاب الباكي تزدهر به الرياض ، أو كدموع الشمعة تزيدها نورا .
( 481 - 483 ) الانسان الذي يبكى على ما يفنى خير من المقلد الجامد الاحساس . فالباكى على الفاني يكون غافلان عن كنوز الحياة الروحية الخالدة ، لكنه - مع ذلك - خير من المقلد الذي أصاب التقليدُ قلبه بالجمود .
( 484 ) التقليد يكون كالجبل المنيع ، يجعل صاحبه غير قابل للتأثر ، أو يحول بينه وبين ادراك الحقائق الكامنة وراء ظاهر الأشياء . فالتقليد - في ذاته - أسلوب واه كالقشة .
( 485 ) لا قيمة للمقلد مهما كان عظيم الجسم شديد الانفعال . وهذا تصوير لمن يدِّعون العلم مع تجردهم منه ، فمثل هؤلاء الأدعياء قد يعتمدون على المظهر المهيب ، أو اصطناع مظاهر التحمس والانفعال ، ولا يكون وراء ذلك قيمة جوهرية . فمثل هذا المقلد كجاهل أعمى ، تجرد من البصر والبصيرة ، فهو لا يعدو أن يكون كتلة من اللحم .
( 486 ) قد يتحدث المقلد بكلام دقيق ، لكن قلبه لا يدرك حقيقة معناه .



 “ 440 “
 
( 487 ) قد تظهر على المقلد نشوة بما ينطق به ، لكنها نشوة مفتعلة ، بعيدة عن صدق الاحساس ، وعمق التأثر .
( 488 ) تشبيه رائع للمقلد ، يصطنع المعرفة ، ويتفوه بالعلم ، من غير أدنى قدر من التذوق ، فهو كالنهر ، يمر الماء بمجراه ، ولا يكون له أي تذوق لهذا الماء . وقد يوجد من المستمعين من هو أكثر من المعلم المقلد فهما لما يقوله هذا المقلد ، وهكذا يكون الشاربون متذوقين لطعم الماء ، في حين أن النهر الذي يحمله إليهم مجرد من الذوق .
( 490 ) المقلد ينطق بأقوال لا يدركها ، كالناى يترنم بألحان الأسى ولا علم له بهذا الاحساس .
( 493 ) عرف داوود بجمال الصوت والعزف - انظر ما جاء عن ذلك في القرآن الكريم ( 34 : 10 ) .
والشاعر يشبه قول المحقق بغناء داوود ، أما قول المقلد فهو كرجع الصدى .
( 495 ) المقلد يصطنع الانفعال بدون احساس حقيقي ، أما المحقق فيحمل العبء صامتا . وهكذا يكون شأن العربة والثور ، يحمل الثور العبء الحقيقي ويمضى صامتا عى حين أن العربة هي التي تردد الأنين .
( 498 ) المتسول يهتف باسم الله من أجل الخبز ، والمقلد يهتف بالعرفان طلبا للمنفعة الدنيوية ، ولا يستشعر ذوقا لما يقول ، أما العارف فيهتف باسم الله من أعماق قلبه ، وهذا هو المحقق الذي يتذوق بروحه ما ينطق به .
( 499 ) لو أن المقلد أدرك مضمون قوله لهان في نظره ما يهدف اليه من منفعة دنيوية جعلته يتخذ من ادعاء العلم سبيلا إليها .
( 500 ) المقلد يصطنع العلم من أجل هدف تافه ، هو تحقيق شئ من الربح المادي ، كالحمار يحمل المصحف ليكون جزاؤه على ذلك وجبة من التبن . وفي البيت اقتباس من قوله تعالى : “ مثل الذين حملوا التوراة

 
“ 441 “
 
ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا “ . ( 62 : 5 ) .
( 502 ) ان اسم الشيطان يستخدم في السحر ليحقق الثراء العريض ، فهل يجوز أن يستخدم اسم الله لتحقيق ربح تافه ؟
( 503 - 512 ) يروى الشاعر هنا حكاية عن التقليد ثم يعود بعدها إلى بيان مثالبه .
( 508 ) إشارة إلى تصدع جبل الطور حين تجلى له الخالق .
قال تعالى : “ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ، وخر موسى صعقا “ . ( 7 : 143 ) .


( 509 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله “ . ( 59 : 21 ) .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 514 - 841 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:55 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 514 - 841 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 514 - 841 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 514 - 841 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

شرح كيف باع الصوفية بهيمة المسافر ليقيموا بثمنها مجلسا للسماع

( 514 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية أخرى عن آفات التقليد . وأسلوب الشاعر في هذه الحكاية بعيد كل البعد عن الوعظ والتعليم ، فهي تنطوى على صور رائعة لحياة الخانقاه ، وسلوك أدعياء التصوف . والشاعر هنا ، وفي كل موقف مشابه ، يكشف عن قدرته التصويرية الرائعة ، التي تشغل الحواس والخيال بالألوان والظلال والأصوات والروائح في وقت واحد ، وتشتق من الحياة صورا معبرة مؤثرة ترقى إلى أرفع المستويات الفينة . ويقترن هذا كله بأسلوب ساخر ممتع .
( 517 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ كاد الفقر أن يكون كفرا “ .
( 533 - 534 ) يحرص الشاعر على أن يميز بين الصوفية العارفين ، وبين المرتزقة من أدعياء التصوف .
( 544 ) “ قول الخادم : “ انظر إلى لحيتك “ ، تعبير ساخر ، معناه :
“ لا تكن أحمق ، وتصرف بحكمة تناسب لحيتك “ .
( 548 ) يرى صاحب المنهج القوى أن هذا البيت يشير إلى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ الآخذ ضامن والزعيم غارم “ .
( 555 ) “ لو أنك أخبرتني بما جرى لا بتعت الحمار ممن قد اشتراه ،


 
“ 442 “
 
أو حصلت على ثمنه قبل أن يقتسمه الصوفية “ .
( 564 ) إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : “ لا أحب الآفلين “ ( 6 : 76 ) . و “ الآفلون “ في البيت هم المسخرون للنفس الأمارة بالسوء ، وهي آفلة لأنها ليست بذات بقاء .
( 567 ) تقليد المريد للمرشد العارف هو أول مراحل التحقيق .
( 572 ) لو أن المرآة أصيبت بالطمع لما أظهرت حقيقة الحال ، ولصارت منافقة كالناس . وهكذا القلب الانساني ، إذا دخله الطمع ، لم تبق له قدرة على الادراك الصحيح . وينطبق هذا أيضا على العقل الذي يصرفه الحرص عن سلامة التفكير .
( 574 ) حكى القرآن الكريم عن الأنبياء ما يفيد هذا المعنى . انظر ( 6 : 90 ) ، ( 11 : 51 ) ، ( 26 : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180 ) ، ( 42 : 23 ) .
( 576 ) يروى أن أبا بكر أنفق أربعين ألف درهم على الدعوة المحدية. وقيل إنه أنفق أربعين ألف دينار. (انظر تعليق نيكولسون على هذا البيت). 
وقد أورد فروزانفر مصادر متعددة لهذا الخبر منها طبقات ابن سعد ، وقد جاء فيه قوله : “ كان أبو بكر معروفا بالتجارة .
لقد بعث النبي وعنده أربعون ألف درهم ، فكان ينفق منها ويقوى المسلمين ، حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم ، ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة “ . ( انظر : مآخذ قصص ، 52 ) .
( 577 ) الأخر المادي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الجزاء الروحي ، ولا مجال لأن يقاس هذا بذاك .
( 578 ) الحكاية التي يشير إليها الشاعر هي حكاية “ القاضي والمفلس “ التي تبدأ روايتها بعد أبيات قليلة . وقد أوردها الشاعر ليبين أن الطمع يحجب الأذن عن استماع الحقائق .
( 583 ) الصوفي الذي فقد حماره كان بعيدا عن نشوة الشهود ،
 
“ 443 “
 
لتعلقه بلذات الحس ، واندفاعه وراءها . ولولا الحرص الذي أعماه لكان بوسع الخادم أن ينبهه إلى فقد حماره .
( 585 ) ذكر فروزانفر أصلا بسيطا للقصة التي تبدأ روايتها في هذا البيت وقد ورد هذا الأصل في محاضرات الراغب ( ج 1 ، ص 297 ) .
يقول : “ وفلس القاضي رجلا فاركبه حمارا فطوف به ، ونودي عليه أن لا يبايع فإنه مفلس ، فلما أنزل قال له صاحب الحمار . هات الكراء فقال له : فيم كنا من أول النهار يا أبله “ . كما أورد فروزانفر صورة أخرى لهذه القصة مأخوذة من كتاب “ أخبار الظرفاء والمتماجنين “ لا بن الجوزي ( انظر : مآخذ قصص ، ص 52 ) .
وهذه الحكاية البسيطة لا تكاد ترتبط بعمل جلال الدين الا ارتباط البذرة الصغيرة بالدوحة الباسقة .


( 586 ) “ جبل قاف “ - في الأساطير الفارسية - هو أعظم جبال الأرض . انظر تعليقنا على البيت 54 .
( 588 ) كل من جرم من الرضى والقناعة وغنى الروح ، بقي حريصا على متاع الدنيا حرص المتسول ، حتى ولو تحقق له ثراء السلاطين .
( 590 - 591 ) حياة الدنيا لا يمكن أن تخلو من الآفات ، والانسان في كل جانب من جوانبها عرضة للعدوان والأذى .
( 592 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر “ . فهذا السجن الذي فرض على المؤمن يتقاضاه أجرا ويفرض عليه تكاليف .


( 594 ) بعد أن تحدث الشاعر عن متاعب الدنيا ، انتقل إلى الحديث عن موقف الانسان ازاءها . فهو يقول في هذا البيت ان الانسان يستطيع بجميل الخيال أن يجمل الحياة .
( 595 ) الخيال السىء والأوهام القبيحة تقضى على الانسان .

 
“ 444 “
 
[ شرح من بيت 600 إلى بيت 750 ]
( 600 - 601 ) في البيتين إشارة إلى حديث يروى عن الرسول قوله : “الصبر رأس الايمان“ ، وكذلك قوله : “من لا صبر له فلا ايمان له“.
( 603 - 605 ) يبين الشاعر هنا أن الهوى يلون الحكم على الأشخاص ، فعين الرضى يخفى عليها عيب الانسان وعين السخط تبدى مساوئه . ويعجب الشاعر من هذا ، فيقول ان مثل هذا الشخص الذي تتناقض حوله الآراء يكون حينا سمكة وحينا شصا ، أو يكون نصفه مؤمنا ونصفه كافرا ، لو كان لنا أن نصدق هذه الآراء المتناقضة .
( 606 ) يبين الشاعر خطأ الناس في أحكامهم المتناقضة على الفرد الواحد ، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى : “ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، والله بما تعملون بصير “ ( 64 : 2 ) . فالمرء لا يكون كافرا ومؤمنا في الوقت ذاته .
( 609 ) من الأمثلة الدالة على خطأ النفس الساخطة في الحكم على الأفراد ما لقيه يوسف من كره اخوته وسوء فعلهم . فسخط نفوسهم عليه جعله يبدو قبيحا في أعينهم .
( 610 - 611 ) ينتهى الشاعر هنا إلى النتيجة التي مهد للوصول إليها ، وهي أن الخيال القبيح يضل عن العقل ، وهذه بدورها تضل عين الحس .
( 612 - 613 ) الانسان - في ظاهره - يبدو حسيا مقيدا بالمكان ، ولكنه بأصله الروحي ينتمى إلى اللامكان . فلو أنه تخلص من سلطان الحس ، فُحتت أمامه عوالم الروح الفساح . ان عليه أن يتخلص من هذا العالم الحسي لأنه يفرض عليه موقعا سيئا ، يجعل الهزيمة حتما عليه .
وقوله : “ العالم ذو الجهات الست “ يقصد به العالم الحسى المقيد بجهات ست هي : اليمين والشمال والأمام والوراء ، والفوقية والتحتية .

“ 445 “
 
ويشبه الشاعر جهات العالم الست بالأقسام الستة فوق لوحة النرد .
( 620 ) في القرآن الكريم آيات كثيرة ورد بها فعل الأمر “ كلوا “ .
انظر مثلا : ( 2 : 57 ، 58 ) ، ( 5 : 88 ) . والشاعر يسخر من هذا النهم الأكول الذي أراد أن يصور الشره على أنه طاعة لأمر الهى .


( 634 ) الشيطان يهدد ويغرى ، يهد الناس بالفاقة ، فليتزمون البخل ، ويغريهم بلذات الحياة فيوقعهم في المعاصي .
( 635 ) الايمان في “ سجن “ الدنيا قليل . ومع قلته فهو مهدد بعدوان الشيطان .
( 638 - 639 ) يروى عن الرسول حديث نصه : “ الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم “ .
( 640 ) إذا لم يظهر الشيطان في صورة مجسدة ، هي أحد مواقف الاغراء ظهر في الخيال .
( 641 ) لا يقتصر اغراء الشيطان على اللهو ، بل هو يغرى بالربح في التجارة ، واتخاذ العلم سبيلا إلى التظاهر وتحقيق المغانم المادية ، وكذلك بامتلاك الدور والقصور .


( 679 ) ان في الغيب صورا كثيرة لكن عين الحسن لا تبصرها ، وفي الغيب أيضا أصداء كثيرة ، لكن أذن الحس لا تسمعها .
( 680 ) الله وحده هو القادر على أن يفتح العين على ما يشاء من مشاهد الجمال والكمال .
( 684 ) الحديث الذي أشار اليه الشاعر يروى عن الرسول قوله : “ ان الله خلق لكل داء دواء “ .


( 686 ) لعل في البيت إشارة إلى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ ان الروح إذا قبض تبعه البصر “ .
( 688 ) يراد بالعدم هنا الوجود غير المادي .
( 689 ) ان العالم الروحي ، ( العالم الذي تنعدم فيه المحسوسات ) ،
 
“ 446 “
 
هو المكان الذي يتحقق للانسان فيه الربح الكامل . ذلك لأن حياته فيه أبدية ، وسعادته خالدة ، أما هذا الوجود المادي فهو مكان الانفاق ، ينفق الانسان فيه أيام حياته فيما لا يجدى ، ويضيع فيه ألوانا من السعادة الروحية ، تحول المادة بينه وبين تحقيقها .
( 690 ) “ العدم مقر مصنع الحق “ يعنى أن الله يخلق كل شئ من العدم .
( 692 ) “ فالدعاء منك والاستجابة أيضا منك “ ، يعنى “ أن الله يلهم الروح الدعاء المستجاب حينما تصبح إرادة الانسان منبثقة من إرادة الخالق “ .
( 698 - 701 ) الشاعر يتحدث في هذه الأبيات عن الصوفية العارفين ، الذين تحرروا من سلطان العالم المادي ، ونجوا من مغرياته ، وأصبح الحس بألوانه لا يغريهم ، بل قنعوا بما وراء الحس ، وعاشوا في هذه الدنيا وأعينهم وقلوبهم متعلقة بعالم الروح .
( 702 - 703 ) كل تعشق للصور الحسية يحجب بصيرة الروح ، ويصرف الانسان عن حب ما يبقى إلى حب مظاهر براقة لا بقاء لها .
( 704 ) العشق الجسدي لا بقاء له . ولو كان له بقاء حقيقي فلماذا يتخلى العاشق عن معشوقه إذا فارقته الروح ؟
( 705 ) الجسد يبقى على صورته المحسوسة بعد أن تفارقه الروح .
فلماذا ينصرف محبه عن التعلق به ؟ ان هذا مدعاة لأن يفكر الانسان في المعشوق الحق ، الذي لا يعتريه من التغير ما يصرف عنه القلوب .
( 706 ) لو كان المعشوق هو الجسد المحسوس ، لبقى حس العاشق متعلقا به ، وان فارقت الروح هذا الجسد .
( 707 ) من طبيعة العشق أنه يزيد الوفاء . فأين الوفاء لجسد المحبوب إذا فارقته الروح ؟ ان الوفاء حينذاك يتخذ صورة أخرى .


 
“ 447 “
 
( 708 ) ان العاشق الصوري ينخدع بالجسد حين يكون حيا بالروح ، ويغفل عن حقيقة حياة الجسد ، وما الجسد الا كجدار أشرق عليه نور الشمس ، فالنور من الشمس لا من الجدار ، والحياة من الروح لا من الجسد .
( 709 ) الافتتان بالجسد الحي كالافتتان بالنور المشرق فوق جدار .
فالجسد سرعان ما تفارقه الروح ، والجدار سرعان ما يزول عنه النور .
فالأولى بالانسان أن يتعلق بمصدر الحياة ، الذي يبث الحياة في جميع الاحياء ، كما تنشر الشمس نورها فوق كل مكان .
( 710 ) المفتون بالعقل الانساني وقدراته ، مضلل كالمفتون بالحس سواء بسواء ذلك لأن قدرة العقل الانساني محدودة .
( 711 ) النور المشرق على الحس قبس مستعار من نور العقل الكلى .
فهذا النور قد استضاءت له الحواس بصورة وقتية ، فأصابت به بعض الادراك ، وما اشراق هذا النور فوق الحواس الا كالتماع قشرة التذهيب فوق النحاس .
( 712 ) وهكذا يكون جمال الجسد بريقا مؤقتا كبريق قشرة التذهيب ، وسرعان ما يزول هذا البريق . وان لم يكن الحال كذلك ، فلماذا تغدو المرأة الفانية قبيحة كالحمار الهرم عندما تبلغ الشيخوخة ؟
( 715 ) الجسم ينحل بطول البقاء ، على حين أن الروح خالدة ، لا تتأثر بالزمان . فعلى الانسان أن يتعلق بالقلب ، ويتخلى عن التعلق بكيان قوامه العظام البالية .
( 717 ) عندما يتحرر الانسان من ذاته يصبح هو الساقي والشارب والنشوة ، ذلك لأن ذاته - بعد فنائها في الذات الإلهية - لا يبقى لها وجود منفصل ، كانفصال الشارب عن الساقي ، أو انفصال طبيعة الاحساس بالنشوة عن تقديم الشراب أو ارتشافه .
( 718 ) ادراك مثل هذه الوحدة لا يمكن تحقيقه بالجدل والقياس ؛

 
 “ 448 “
 
فلا سبيل اليه الا بالطاعة الكاملة والخضوع المطلق .
( 719 ) ان المتعلقين بالمجادلات والقياسات العقلية يحسبونها جوهر الحقيقة ، وما هذه الا صور ظاهرية براقة . انها كالقافية في الشعر ، تروق يرنينها ، لكنها لا تعبر عن جوهر المعنى .
( 720 - 721 ) المعنى الحقيقي لو تجلى لروح الانسان ، لم تبق له حاجة إلى الصور . والمراد بالصور هنا ألوان المناقشات والمجادلات التي يتعلق بظاهرها الحسيون والعقليون . فهذه المعارف هي التي تجعل الانسان حائرا حيرة الأعمى والأصم ، وتصرفه إلى ظاهر العبارات ، وليست هي جوهر الحقيقة ، فهذه لو تجلت للروح ، زالت حاجة الانسان إلى كل هذه المعارف الحسية والعقلية .
( 722 ) ان الحسى كالأعمى ، يتخبط على غير هدى ، في البحث عن الحقيقة ، وحظه من ادراكها كحظ الأعمى من ادراك المبصرات : كل ما يناله منها هو ما يحمله اليه خياله الضيق . أما صاحب البصيرة الروحية فهو كالعين المبصرة ، تكشفت له حقائق العرفان بعد أن تحرر من سلطان ذاته الحسية .
( 723 ) يدافع الشاعر هنا عن طريقة الصوفية في تفسير القرآن . فهم ينشدون المعنى الباطني للآيات . ويقول الشاعر ان الجاهل هو الذي يقف به الفهم عند حروف القرآن ، ويحسب أنها جوهر الكتاب الكريم . ومثل هذا شبيه بمن أخطأ رؤية حماره ، وأخذ يسوق سرجه .
( 724 - 725 ) من أحاط بالجوهر ظفر بالعرض أيضا . أما من ركز اهتمامه في للأعراض . فلا سبيل له إلى الجوهر .
( 726 ) الحمار في البيت رمز للجوهر ، والسرج رمز للأعراض . فظهر الحمار هو الذي يجلب الربح ، وليس السرج الذي يوضع فوق ظهر الحمار . والروح هي التي تمثل القيمة الحقيقة للانسان ، وليس الجسد الذي يكبلها بالقيود ، كما يثقل السرج ظهر الحمار .



 
“ 449 “
 
( 727 - 728 ) لا يزال الشاعر يستخدم “ الحمار “ هنا بصورة رمزية ، وهي أنه جوهر بالقياس إلى السرج . وقوله ان الرسول امتطى حمارا عارى الظهر ، كناية عن سلوكه سبيل الروح وابتعاده عما يكلبها من علائق المادة . وقوله “ انه أيضا قد سافر ماشيا “ كناية عن تجرد روحه من سلطان الجسد بصورة كاملة ، فكأنما كان روحا يسعى بين الناس .
( 729 ) ترك الشاعر هنا استخدام “ الحمار “ في المعنى الرمزى الذي أشرنا اليه من قبل ( 727 - 728 ) ، ونظر اليه من زاوية أخرى ، وهي أنه ذلك الحيوان الذي يسعى وراء حاجات الجسد ، فشبه به النفس الأمارة بالسوء في تمسكها بالحس ولذاته .
( 730 ) على النفس أن تحمل أعباه الصبر والشكر ، مهما طال بها الزمن ، لعلها تتخلص من قيود الحس ونزعاته .
( 731 ) كل نفس مسؤولة عن حمل أعبائها ، فلن تحملها عنها سواها .
وكل نفس سوف تلقى من الجزاء ما يكافىء جهدها ، فلا سبيل إلى الحصاد الا الزراعة .
( 732 - 734 ) في هذه الأبيات دعوة صريحة إلى العمل والجد وبذل الجهد ، ولا تقصر هذه الدعوة على الجهاد الروحي ، بل تمتد إلى الجهاد العملي في هذه الحياة الدنيا . فالأبيات تنتقد التواكل ، والركون إلى الحظ ، وتنادى بوجوب الكسب ما دام الجسم قادرا ، وتدعو إلى العمل وتصفه بأنه هو السبيل إلى الكنز الذي يحلم المتواكلون بالعثور عليه .
وهذا المعنى العملي ينطبق أيضا على جهاد الروح . فلا سبيل إلى المعرفة بدون الصبر والشكر ومجاهدة النفس ، فهي الكنز الذي يظفر به الصوفي لقاء سعيه المتواصل .


 
“ 450 “
 
( 737 ) يذكر شراح المثنوى في تفسير هذا البيت حديثا يروى عن الرسول قوله : “ إياكم وكلمة ( لو ) فإنها من كلام المنافقين “ .
( 738 ) في هذا البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكون من الصالحين “ . ( سورة المنافقون ، 63 : 10 ) .
( 739 - 743 ) إن كلمة “ لو “ شبيهة بالمنزل الخراب . فهذه الكملة لا تصلح لأن تكون محورا للفكر المستقيم ، كما أن المنزل الخراب لا يصلح للسكنى . 
والحياة الدنيا شبيهة بالمنزل الخراب ، والناس يبحثون فيها عن السعادة فلا يجدونها ، فتواجههم دائما كلمة “ لو “ .

ولو عرفوا السعادة الحقيقة ، لأدركوا أن ما يشقون من أجله في الدنيا ليس هو السعادة الحق ، ولكان بوسعهم أن يميزوا بين الأصيل والزائف ، وإذا ذاك لا يشقون بامتناع السعادة ، لا متناع أسبابها .
( 744 ) الناس جميعا يبحثون عن السعادة بدون أن يدركوا حقيقة جوهرها .
( 745 ) لقد اختلطت القيم أمام الناس وظهرت كلها براقة أمام أعينهم . ومن هذه ما هو صحيح ومنها ما هو زائف . والانسان في حاجة إلى محك صادق للتميز بينها ، كما يُميز الذهب الخالص من الزائف .
( 746 ) إذا كان الانسان قد تحققت له القدرة الذاتية على التمييز ، فليمض في اختياره ، والا فان عليه أن يلتمس مرشدا يهديه .
( 747 ) المحك الصادق هو الذي ينبثق من الادراك الروحي . فمن لم يكن لديه مثل هذا المحك فلا بد له من مرشد صادق ، يقيه أخطار الطريق .
( 748 ) “ الغيلان “ هنا رمز للمغريات والشهوات . وصوتها يكون “ مألوفا “ لأنه ينبثق من الكيان الحسى للانسان . وهذه الألفة ذاتها هي التي تقود الانسان إلى الدمار .


 
“ 451 “
 
( 749 ) ان الشهوات الدنيوية تنادى الانسان بصوتها المغرى ليتبع سبيلها المهلك ، كما تفعل الغول حين تدعو المسافرين في الصحراء إلى اتباع سبيل الضلال والهلاك .


[ شرح من بيت 750 إلى بيت 900 ]
( 750 ) قول الشاعر : “ ان الغول ينادى كل شخص باسمه “ ، يعنى :
أن كل انسان يتلقى النداء الذي يؤثر فيه ، فمحب المال يُغرى بالمال ومحب الجاه يغرى به وهكذا .
( 751 ) في البيت صورة فنية رائعة ، تمثل نتيجة الاستجابة الداعي الهوى والشهوة . ان ذئاب الشهوات وأسودها تحيط به ، ويكون قد ابتعد عن طريق النجاة ، ولم يبق من العمر ما يتسع لا يجاد مخرج أو خلاص .
( 752 ) كشف الشاعر في هذا البيت عما كان يرمز اليه بصوت الغول ، فذكر أنه نداء الحرص على المال والجاه والرونق .
( 755 ) “ لتكن قادرا على تمييز الحقيقة من الأوهام ، فسعادة الدنيا شبيهة بالفجر الكاذب ، أما سعادة الروح فهي الفجر الصادق “ .
( 756 ) الصبر والمثابرة على التأمل الروحي ، والاخلاص القلبي في التعبد وجهاد النفس قد تتيح للعينين بصرا روحيا ، يختلف عن ابصارهما الحسى . ووصفه العينين بأنهما “ تبصران الألوان السبعة “ كناية عن تعلقهما بشتى ألوان العالم المادي التي يشبهها الشاعر بألوان الطيف .
( 757 ) الابصار الروحي يختلف عن الابصار الحسى ، فابصار الروح يقع على الحقائق الجوهرية ، على حين أن ابصار الحس يقف عند المظاهر الصورية .
( 759 ) ان العدم ( عالم الفناء المطلق ) هو مصنع الحق ، ولا سبيل للانسان إلى رؤية الحق الا إذا دخل في هذا العالم . ويتحقق له هذا بنفي الذات الانسانية .
( 760 ) هذه المخلوقات المتعددة ، والمظاهر المتنوعة ، تحجب العيون


 
 “ 452 “
 
عن مشاهدة الصانع ، أي أنها تشغل العيون بتعددها وتنوعها ، فتقف حجابا بينها وبين شهود خالقها . ولهذا فالعدم ( عالم النفي ) هو وحده مكان شهود الخالق .
( 762 - 763 ) عالم الامكان هو الذي يظهر قدرة الخالق وروعة صنعة بأجلى صورة ، فهو دائم الخلق ، يصنع من العدم وجودا ، فمن دخل في “ العدم “ شهد روعة الصنع .
( 764 ) “ فرعون “ رمز للانسان الحسى ، الذي لا يؤمن بقدرة وراء عالم الحس . لقد كن مغرورا بملكه وقوته ، وغفل عن قدرة الله الخالقة ، فأمر بقتل الذكور من بني إسرائيل ، حتى لا يظهر من بينهم من يقوى على أن يزيل ملكه .
( 770 ) لو كان فرعون مدركا لقدرة الله التي لا نهاية لا مكاناتها ، لجمدت يداه وساقاه عن ارتكاب مظالم ما كانت لتجديه نفعا .
( 774 ) الانسان الحسىّ يتصور أن له عدوا خارج كيانه ، فيجهد نفسه في البحث عنه ، مع أن ألد أعدائه نفسه التي بين جنبيه . وهكذا كان فرعون يبحث عن عدوه في كل مكان ، على حين أن العدو الحقيقي “ موسى “ كان ينعم بالسلامة في منزل فرعون .
( 776 - 785 ) يروى الشاعر حكاية رجل قتل أمه لأنها قد ارتكبت الزنى فلما عوتب لا رتكابه تلك الفعلة ، وذكر بأنه كان أولى به أن يقتل شريكها في الزنى قال : “ كان على اذن أن أقتل كل يوم رجلا ! “ وهذه القصة قد رويت لتصوير النفس الحسية ، وما ينبثق عنها من شرور . فهي تدفع الانسان إلى العدوان ، الجرم ، ولا سبيل إلى التخلص من شرها الا بقتلها ، وإذ ذاك يتحقق للانسان الأمن والسلام والسكينة ، ويسود بين الناس الوئام .
( 786 - 801 ) يجيب الشاعر في هذه الأبيات عن شبهة قد تثور في نفس القارئ حول الأنبياء والأولياء ، وطبيعة صلتهم بالناس .



 
“ 453 “
 
فألانبياء والأولياء قد قتلوا نفوسهم الحسية ، فلماذا لم يتحقق السلام بينهم وبين الناس .
ويجيب الشاعر على هذه الشبهة بأن هؤلاء الناس الذين عادوا الأنبياء ، كانوا في حقيقة الأمر أعداء لا نفسهم .
فالخفاش الذي يكره الشمس ليس عدوا لها ، لكنه غير قادر على ابصار نورها ، على حين أن الشمس ذاتها لا تتحمل منه عناء . وجميع الكافرين حجبوا أنفسهم عن الشعاع الذي فاض من جوهر الأنبياء .
فالكفار الذين عادوا الأنبياء مثلهم كمثل المرضى يعادون الطبيب ، أو الصبيان يعادون المعلم .
( 790 ) لم يكن كفر الكافرين مضرا بالأنبياء ، لكنّ ضرر ذلك وقع على الكفار أنفسهم .
( 802 ) “ ان كنت قد خلقت قبيحا فلا تزدد قبحا بحسدك سواك “ .
وقد بدأ الشاعر هنا ينتقل إلى الحديث عن الحسد ، وهو خليقة مرتبطة بحقد الكفار على الأنبياء .
( 803 ) هذا البيت قد فسر تفسيرات غربية لا أرى داعيا لها .
( أنظر أمثلة منها في تعليقات نيكولسون ) . وأعتقد أن الشاعر يريد بهذا البيت أن الانسان إذا كان محروما من احدى النعم ، فعليه ألا يضيف إلى الحرمان ما هو أقسى منه ، ألا وهو الاحساس بالحسد . وإذا كان الانسان موزع الخاطر بين أمرين ، فعليه ألا يزيد الأمر سوءا ، ويصبح مشنتتا بين أربعة أمور متعاكسة .
( 804 - 805 ) انتقل الشاعر من الرمز للحسد إلى الحديث عنه بصريح العبارة ، وذكر أنه أسوأ من جميع النقائص . فالحاسد الذي يستشعر التخلف عن سواه ، يوقعه الحسد في شر النقائص .
( 811 - 813 ) ان بعث الرسل يكشف عما كمن في نفوس الناس من الحسد . فالناس لا يستنكرون الخضوع للخالق ، وليس منهم من هو


 
“ 454 “
 
حاسد لله ، لكنهم يحسدون الرسول إذ يحسبونه بشرا شبيها بهم .
( 815 ) ليس يخلو أي زمن من ولى قائم ، ويكون ظهورة امتحانا للخلق ، يكشف عن كامل الحسد في نفوسهم .
( 817 ) الإمام الحق وهو الولي . ولا عبرة بالنسب في استحقاق مثل هذه الإمامة ، ذلك لأنها مبنية على صفاء الروح والتقوى .
( 818 ) مثل هذا الامام هو المهدى والهادي ، وقد يكون بين الناس ، أو بالقرب منهم ، ومع ذلك تخفى عليهم حقيقته . وهذا وصف القطب الأكبر ، الذي اعتقد الصوفية أنه امام الزمان .
( 819 ) هذا القطب الأكبر يستمد من الله نور العرفان .
أما الولي الذي هو أدنى درجة فيستمد النور من عقل القطب ، فالقطب يحمل العرفان إلى تابعه المباشر ، كما حمل جبريل رسالة السماء إلى الرسل . والأولياء الذين يجيئون في المرتبة بعد القطب الأكبر هم الأبدال . ويقال إن عدد هؤلاء سبعة .
( 820 ) هناك بعد الأبدال أولياء آخرون هم أقل مرتبة من الأبدال ، ودرجتهم في النور أقل من درجة هؤلاء ، فنورهم كالمشكاة ، ونور الأبدال كالقنديل .
( 821 - 826 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ ان الله سبعمائة حجاب من نور وظلمة “ . فكأنما كل ولىّ - على مقتضى درجته - ينتمى إلى طبقة من طباق هذا النور .
وقد أورد الغزالي هذا الحديث في “ مشكاة الأنوار “ على النحو التالي : “ ان الله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره “ . يقول : وفي بعض الروايات سبعمائة ، وفي بعضها سبعين ألفا . ( ص 84 ) . 
وقد شرح الغزالي معنى هذا الحديث في الفصل الثالث من “ المشكاة “ ، وعنده أن الأعداد “ سبعمائة “ أو “ سبعين ألفا “ وردت على سبيل التكثير لا على سبيل الحصر . وقد



 
“ 455 “
 
حاول أن يذكر أصناف المحجوبين على سبيل المثال لا الحصر وانتهى إلى قوله : “ فإنهم انما يحجبون بصفاتهم البشرية ، أو بالحس ، أو بالخيال ، أو بمقايسة العقل ، أو بالنور المحض “ . ( ص 93 ) .
وذكر عبد الرحمن الأنصاري هذا الحديث ، ثم علق عليه بقوله :
“ أما الحجب فقد ثبت بالبراهين أن الحق تعالى لا يسره حجاب ، وانما الذي حجبه عن خلقه شدة ظهوره ، وعجز الخلق عن رؤيته لقوة نوره “ .
( مشارق أنوار القلوب ص 125 ) .
( 852 ) النور الذي يطيقه القطب وينعم به ، لا يكون في وسع صاحب الحس الأحول أن يقترب منه .
( 826 ) “ إذا تجاوز المرء الأستار السبعمائة فنى في بحر الوحدة “ .
( 827 - 839 ) كل انسان يأخذ من النور على قدر طاقته الروحية .
وفي هذه الأبيات أمثلة متعددة يصور الشاعر بها هذا المعنى . فالحديد يحتاج في صياغته إلى لهب قوىّ ، على حين أن التفاح أو السفرجل يطبخ بلهب لطيف ، وهكذا .
( 829 ) “ التنين “ رمز للنار القوية المستعرة .
( 836 ) القطب الأكبر بمثابة القلب ، والعالم بمثابة الجسد ، وتدبير العالم بحكمة منوط بالقطب ، كما أن تدبير الجسد منوط بالقلب .
( 839 ) قلب العارف هو المعدن الصافي ، وأما قلوب العامة فكدرة شبيهة بالأجساد .
( 841 ) “ قد يسئ العوام فهم ما نقول ، فتصبح محاسننا مثالب في نظر هؤلاء ، برغم أن كل قولنا صادر عن تجرد من الهوى “ .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 841 - 1283 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:56 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 841 - 1283 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 841 - 1283 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 841 - 1283 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف امتحن الملك هذين الغلامين
( 841 ) “ قد يسئ العوام فهم ما نقول ، فتصبح محاسننا مثالب في نظر هؤلاء ، برغم أن كل قولنا صادر عن تجرد من الهوى “ .
( 842 ) من كان معرضا عن الذوق الصوفي فخير له ألا يدعى إلى ذلك ، فتلك دعوة لا تلائمه ، ومن الأفضل أن يبقى خارج نطاقها . فهو

 
 “ 456 “
 
في معرفة الروح فقير متسول ، ولامكان له في محفل أصحاب القلوب .
( 848 ) قد يُعثر في الخرائب على كنز ويكون إلى جانبه ثعبان . وقد استعار الشاعر هذه الصورة للانسان الذي يكون قوى الروح نقى الفؤاد ، ومع ذلك لا يخلو من بعض نزعات الحس . فالكنز هو العرفان الروحي ، والثعبان هو نزعات الحس .
( 853 ) عندما يصبح نور القرآن هو نور البصيرة الانسانية ، يكون لدى الانسان الجواب عن كل ما يثور في نفسه من شبهات .
( 854 ) إذا لم يتحقق للعين سداد النظر نور القرآن الكريم ، فهي عين حولاء ، ثنائية الشهود ، أسيرة الشبهات .
( 856 ) “ الفكر شعاع ذلك الجوهر “ يعنى أن الفكر شعاع من نور القرآن الكريم .
( 857 ) بعد دعوة الفكر إلى التأمل والمشاهدة ، يسفه الشاعر هنا المعارف النقلية التي يُعتمد في تلقيها على السماع .
( 858 ) “ ليست المعرفة الروحية المبنية على العيان والمشاهدة كالمعرفة النقلية ، فهذه تبدو سوقية ، إذا قوربت بعرفان أهل الوصال “ .
( 859 ) المعرفة النقلية محدودة الأثر . انها قد تؤدى إلى تبديل في صفات متلقيها ، أما تبديل الذات من حال إلى حال ، فلا سبيل اليه الا بالشهود والعيان .
( 862 ) الأذن حين تحسن الاستماع يمكن أن تصبح سبيلا إلى العلم اليقيني . فالمريد يتلقى من المرشد - عن طريق السمع - ما يمهد له السبيل إلى التأمل الروحي .
( 883 ) السمنى هو عابد الصنم . ويشبه الشاعر من يركز نظره على سواه ، ويغفل عن ذاته بعابد الصنم الذي يلهيه الصنم عن ادراك حقيقة روحه وجوهر كيانه .

 
“ 457 “
 
( 884 ) من عرف نفسه فقد عرف خالقه . فادراك الانسان لحقيقة ذاته يجعله أكثر استنارة من سواه من مخلوقات الله ، وهو ان فنى عن ذاته بالشهود ، بقي له هذا الشهود ، إذ أنه يغدو مبصرا بعين الله .
( 886 ) معرفة الذات ليست مما يمكن ادراكه بالحس . فالانسان لا يرى بالحس سوى الصورة الظاهرية .
( 892 ) من لم يكن مدركا قدرة الله الخالقة لم يَجْد بالروح .
( 893 ) الانسان الذي يكون بصيرا بقدرة الله الخالقةُ لا يضن بحياته على الله ، لأنه يعلم أن الجود بها سوف يجعله مستحقا - من جزاء الله - ما يعوضه عنها بحياة خالدة لا زوال لها .
( 897 ) ان الجود بالروح مبعثه رؤية الجزاء . فمن أدرك حقيقة ذلك الجزاء الإلهي ، هان عليه البذل والعطاء .
( 898 ) البخل - في نظر الشاعر - عجز عن ابصار الجزاء . فمن هذا الوجه يكون البخل جحودا وانكارا لما وعد به الله من حسن المثوبة .
( 899 ) لا وجود اذن للبخل في العالم ، وانما مرد ذلك إلى الجحود .
فمن لا يعتقد بالجزاء ، لا يتقبل بالرضى مبدأ الجود .
 
[ شرح من بيت 900 إلى بيت 1050 ]
( 900 ) رؤية الجزاء الأوفى هي التي تدفع إلى السخاء . ولهذا فان البصيرة هي الدافع إلى السخاء . والمشاهدة الروحية هي وحدها سبيل النجاة .
( 909 ) ترجمة البيت على هذا النحو هي السبيل الوحيد لتفسيره .
فكلمة “ بركرفت “ يجب أن تفهم على أساس “ الامساك “ فالله خلق النور الصافي ، وأمسك عنه حرارة النار . أما أن يفهم من البيت أن الله خلق النور الصافي من النار ، فهذا ما لا يمكن تأويله ، فسواء أكان المقصود بالنور الصافي نور محمد ، أو كان هذا النور هو النور الابداعي الأول ، الذي يتحدث عنه الاشراقيون ، فهو لم يخلق من النار .

“ 458 “
 
يقول السهروردي عن النور الأول : “ فأول ما يجب بالأول واحد لا كثرة فيه ، وليس بجسم فتختلف فيه هيئات مختلفة كالشكل ، ولا هيئة فيحتاج إلى محل ، ولا نفس فيحتاج إلى بدن ، بل هو قائم مدرك لنفسه ولبارئه . وهو النور الابداعي الأول ، لا يمكن أشرف منه ، وهو منتهى الممكنات ، وهذا الجوهر ممكن في نفسه ، واجب بالأول “ . ( هياكل النور ، ص 62 ، 63 ) .
وهذا النور الابداعي الأول ، هو الذي يقول عنه الصوفية انه النور المحمدي . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، الباب الثامن والخمسون : “ في الصورة المحمدية ، وأنها النور الذي خلق الله منه الجنة والجحيم ، والمحتد الذي وجد منه العذاب والنعيم “ ، ج 2 ، ص 31 ) .
 
( 910 ) “ لقد اقتبس آدم العرفان من النور المحمدي “ .
يقول ابن الفارض في التائية الكبرى :وانى وان كنت ابن آدم صورة * فلى فيه معنى ناطق بأبوتى( 912 ) “ الجوهرة “ التي كان نوح جديرا بها هي الخلافة في الأرض .
أما قول الشاعر : “ فكم كان يمطر الدر في جواء بحر الروح “ ، فيشبر لاي خرافة قديمة ، تحكى أن اللالىء تتكون من قطرات المطر المتساقط في أجواء البحار “ .
( 913 ) إشارة إلى قصة القاء إبراهيم في النار بأمر النمرود ، وخروجه منها سالما ( انظر : مثنوى ، 1 ، 547 في الترجمة والتعليقات ) ، وانظر القصة في القرآن الكريم ( 21 : 68 - 69 ) .
( 914 ) إشارة إلى قصة إسماعيل واستسلامه لنصل أبيه إبراهيم ، تصديقا للرؤيا التي كان إبراهيم قد رآها . وقد ذكرت هذه القصة في القرآن الكريم ( 37 : 101 - 107 ) . واسم إسماعيل لم يرد بصريح
 
“ 459 “
 
القول في هذه الآيات ، لكن بعصض المفسرين ، وكذلك الثعلبي صاحب قصص الأنبياء يذكر أن الغلام المقصود بقوله تعالى : “ فبشرناه بغلام حليم “ ، هو إسماعيل ، وأنه هو الذي استسلم للقتل تصديقا لرؤيا أبيه ، ففداه الله بذبح عظيم .
( 915 ) عرف داوود بيراعته في صنع الدروع . وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : “ وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون “ . ( 21 : 80 ) .
( 916 ) ذكر القرآن الكريم في أكثر من موضع أن الجن سُخِّرت لسليمان . ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : “ فسخَّرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين في الأصفاد “ . ( 38 : 36 - 38 ) .
( 917 ) كان يعقوب قد فقد بصره من كثرة بكائه على ابنه يوسف .
لكن بصره عاد اليه حينما ألقى على وجهه قميص يوسف . ( سورة يوسف ، 12 : 84 ، 96 ) .
( 918 ) انظر ما رواه القرآن الكريم عن تأويل يوسف للأحلام .
( 12 : 43 - 49 ) .
( 919 ) ان موسى أظهر بعصاه معجزة قضت على ملك فرعون .
قال تعالى عن موسى وسحرة فرعون : “ فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون “ . ( 26 : 45 ) . ولم يقتصر أثر هذه المعجزة على السحرة وحدهم ، بل كان من آثارها القضاء على ملك فرعون .
( 920 ) يقول الثعلبي في قصة عيسى بن مريم : “ رفعه الله وكساه الريش وألبسه النور وقطع منه شهوة المطعم والمشرب ، فهو يطير مع الملأئكة حول العرش ، فكان انسيا ملكيا ، أرضيا سماويا “ . ( قصص الأنبياء ، ص 454 ) .
( 921 ) إشارة إلى معجزة شق القمر التي ظهرت على يد الرسول ،

 
 “ 460 “
 
وترى في تفسير قوله تعالى : “ اقتربت الساعة وانشق القمر “ . ( 54 :
1 ) . فالذين فسروا الآية على هذا الوجه ذكروا أن المشركين سألوا رسول الله آية ، فأشار إلى القمر فانشق .
( 926 - 930 ) ذكر الشاعر في هذه الأبيات بعض المشهورين من الصوفية . وهؤلاء هم الجنيد ، وأبو يزيد البسطامي ، ومعروف الكرخي ، وإبراهيم بن أدهم ، وشقيق البلخي - ولهؤلاء تراجم كثيرة في كتب التصوف . انظر : أبو نعيم الاصفهالنى : حلية الأولياء ، السلمى : طبقات الصوفية ، الشعراني : لواقح الأنوار ، اليافعي : مرآة الجنان ، العطار :
تذكرة الأولياء ، القشيري : الرسالة . وانظر كذلك كتب التراجم العامة كوفيات الأعيان لابن خلكان ، وشذرات الذهب لا بن العماد الحنبلي .
( 926 ) الجنيد البغدادي ، من مشهوري الصوفية . توفي عام 297 هـ .
( 927 ) المقصود هنا الصوفي المهشور أبو يزيد البسطامي ، المتوفى عام 260 هـ ، ويقال عام 261 هـ .
( 928 ) الكرخي هو أبو محفوظ معروف بن فيروز أو ابن الفيروزان .
وهو من صوفية بعذاد المعروفين . توفي عام 200 ه ، وقبره ببغداد . وقد ولد لأبوين نصرانيين ، واعتنق الاسلام - كما يروى - على يد علىّ بن موسى الرضى ، امام الشيعة .
( 929 ) إبراهيم بن أدهم ، ويذكر السلمى في ترجمته أنه “ من أهل بلخ ، كان من أبناء الملوك والمياسير . خرج متصيدا ، فهتف به هاتف أيقظه من غفلته . فترك طريقته في التزين بالدنيا ، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع . وخرج إلى مكة ، وصحب بها سفيان الثوري ، والفضيل بن عياض ، ودخل الشام ، فكان يعمل فيه ، ويأكل من عمل يده “ .
 
( طبقات الصوفية ، ص 27 ) . توفي بالشام عام 160 هـ .
( 930 ) شقيق البلخي هو المقصود بهذا البيت . يقول السلمى :
“ شقيق بن إبراهيم ، أبو علىّ الأزدي . من أهل بلخ . حسن الجرى

 
“ 461 “
 
على سبيل التوكل ، وحسن الكلام فيه . وهو من مشاهير مشايخ خراسان . وأظنه أول من تلكم في علوم الأحوال بكور خراسان . كان أستاذ حاتم الأصم ؛ صحب إبراهيم بن أدهم ، وأخذ عنه الطريقة “ .
( طبقات الصوفية ، ص 61 ) . توفى عام 194 هـ .
( 931 ) يروى عن الرسول حديث قدسي نصه : “ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيرى “ . ويستشهد السلمى “ 1 “ على وجود أولياء مجهولين بقوله تعالى في سورة الفتح : “ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء “ . ( 48 : 25 ) .
وهذه الآية تذكر أن من أسباب كف أيدي المؤمنين عن الكفار يوم فتح مكة أنه كان بين الكفار مؤمنون ومؤمنات لا يعرفهم المؤمنون الفاتحون . وعند الصوفية أن الله “ لم يخل وقتا من الأوقات من داع اليه بحق ، أو دال عليه ببيان وبرهان “ .
( المصدر السابق ) .
( 939 ) “ ماذا حصلت أنت من العرفان ، وأية درة ظفرت بها من بحر الروح ؟ “ ( 943 ) “ ما دامت هذه الحياة المادية لا تبقى فمن الواجب على المرء أن ينشد حياة الروح الخالدة “ .
( 944 - 957 ) في هذه الأبيات يعالج الشاعر موضوع الأعمال وهل قيمة الفعل الحسن في الفعل ذاته ، أم في نتيجة ذلك الفعل . والشاعر قد جعل الملك يشرح لغلامه أن العبرة ليست بالفعل بل بنتيجته . فقوله تعالى : “ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها “ ، لا يقصد به أن الثواب نتيجة للفعل ذاته - وهو عرض - بل هو نتيجة لتقديم الفعل إلى الله وهذا هو جوهر الفعل . وكأنما يريد الشاعر باجراء هذا الرأي على لسان الملك ، أن يقول : ان الله لا يكافىء على الفعل ذاته بل على النية الدافعة
.................................................................
( 1 ) طبقات الصوفية ، ص 1 .
 
“ 462 “
 
اليه والنتيجة المترتبة عليه بالنسبة لفاعله فتسبيح المرائي لا قيمة له ، وصلاة المنافق لا جدوى منها . والهدف من الأعمال الحسنة ليس الفعل ذاته ، بل نتيجة الفعل وهي تنقية النفس وتطهيرها ، والتقدم بها إلى الله نقية بريئة من السيئات . وهذا البحث في قيمة الفعل مرتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا ، وهو يختلف عن أبحاث الفعل التي قام بها المتكلمون ، والمعتزلة منهم بوجه خاص ، وكانت أبحاثهم مرتبطة بأسباب الحسن والقبح وهل هي عقلية أو شرعية ، ومتعلقة بالاستطاعة ، وهل هي من الله أو من الانسان .
لكنهم لم يتناولوا هذا الجانب الأخلاقي الدقيق ، الذي يتناول علاقة الفعل بالفاعل من حيث النية والأثر .
( 947 - 948 ) الأفعال الحسنة في ذاتها أعراض تفنى بانتهاء وقتها .
لكن هذه الأعراض تفنى جوهر الروح من الأمراض . فمثل هذه الأعمال لا تنفع الخالق ، بل تنفع صاحبها إذ تنقى روحه ، وتسمو بنفسه .
( 949 ) “ العرض يغدو بالجهد جوهرا “ ، فالأفعال الحسنة التي هي أعراض تغدو جوهرا حين تنقى الروح الانساني وتبلغ به درجة الكمال .
ذلك لأن الفعل في ذاته لا بقاء له ، لكن نتيجته تبقى ببقاء الجوهر الذي أثرت فيه ، وهو الروح الانساني .
 
( 958 - 963 ) يعرض الشاعر وجهة نظر أخرى عن الأعمال على لسان الغلام . فالخادم - الذي هو أدنى مقاما من الملك - هو في أسلوب الرمز أدنى عرفانا من الملك . فهو هنا يمثل الاتجاه العامي في تقويم الأفعال ، وأنها - ليست كما يقول الملك - أعراضا لا توجد في زمانين ، بل تفنى بفناء وقتها ، وانما هي - في رأى الخادم - تعود ، وتحشر مع الانسان ، وتكون لها صورتها الخاصة بها يوم الحشر . ولو كان مآل الأفعال الحسنة إلى النفاء ، لكان ذلك مدعاة لقنوط فاعليها .
 
( 964 - 982 ) يقدم الخادم أمثلة كثيرة للأعراض التي أصبحت جواهر ، فيذكر أمثلة لكثير من الأمور العرضية التي تنبثق عنها جواهر
 
“ 463 “

 
مكتملة . فالديار والقصور الجميلة ، أولم تكن أفكارا عارضة في ضمير المهندس ؟ وكل عمل فنى متكامل ، أولم يكن في أول الأمر خيالا عارضا ؟
فما كان في أول الأمر فكرا مجردا ، أصبح عملا . والزارع حين يزرع يكون دافعه إلى ذلك ما يجنيه من ثمار ، وهذه لا تظهر الا في النهاية . والعالم كله كان عرضا في عالم الامكان ، وفأصبح جوهرا في عالم الوجود .
وكل هذه الأمثلة التي ذكرها الغلام تشير إلى امكان حشر الاعمال ، برغم أنها من الأعراض .
ولقد أبدع الشاعر في عرض وجهتي النظر ، ودافع عن كل منهما بأسلوب بارع . ومع أنه قد رجح في النهاية رأى الملك ، فهو قد أتاح لكل رأى عرضا جميلا ، ودفاعا حارا .
 
( 974 ) كان ظهور محمد - وهو الانسان الكامل - غاية لخلق هذا الكون كله . ويروى الصوفية حديثا قدسيا نصه : “ لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك “ ، وعندهم أن هذا الحديث يعنى أن محمدا هو الغاية من خلق العالم .
( 975 ) هذا البحث والحديث المتبادل بين الملك والغلام كان عرضا يهدف إلى ادراك الحقيقة . وهكذا أيضا قصة الأسد وابن آوى ( من قصص كليلة ودمنة ) ، ان هي الا صورة ، تستخلص منها الحقيقة .
 
( 976 ) هذا البيت يقبل تفسيرين : أولهما أن البشر قبل أن يخلقوا ، كانوا أعراضا لا وجود لها الا في عالم الامكان . لقد كانوا عدما ، ولم يكن يربطهم بهذا الوجود سوى امكان خلقهم .
أما التفسير الثاني فهو أن جميع الناس يخلقون من نطفة لا صورة لها ، ثم يتخذون بعد أن يخلقوا تلك الصورة التي يكونون عليها . وقد يؤيد هذا الشرح أن الشاعر يستشهد هنا بسورة الانسان ، والآية الثانية منها تتحدث عن خلق الانسان من نطفة . قال تعالى : “ هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا

 
 “ 464 “
 
بصيرا “ . ( 76 : 1 - 2 ) .
وبرغم ذلك أعتقد أن التفسير الأول الذي ذكرناه أقرب إلى السياق .
ذلك لأن الشاعر يتحدث في الأبيات التالية عن العقل الكلي ، ومعنى الأبيات يشير إلى أن الشاعر كان يتحدث عن نظرية الخلق ، بلغة القائلين بوحدة الوجود .
( 983 ) الملك يخاطب خادمه قائلا : “ لو سلمنا جدلا برأيك ، وهو أن الأعراض تنجب الجواهر ، فلماذا لم يتحقق ذلك بالنسبة لك ، وبقيت على ظاهرك ، ولم تغير من هذا الظاهر حقيقة باطنك ؟ “ .
( 984 ) أجاب الخادم الملك بقوله : “ ان العقل الكلى حجب صورة الباطن عن الناس في هذه الدنيا . فالدنيا عالم امتزج فيه الخير بالشر ، والإرادة الإلهية قد قضت بألا تتبين فيها حقيقة الضائر والأرواح “ .
( 985 ) “ لو كانت خلجات النفوس وخبايا الضمائر تُرى في هذه الدنيا ، لا ختفى منها الخبث ، وتساوى الناس في نقاء القلب “ . وشرح نيكولسون لهذا البيت بعيد كل البعد عن معناه .
 
( 986 - 987 ) “ لو كان الكفر بقبحه يرتسم على الجبين ، والايمان يتجلى على الوجوده بجماله ورونقه ، فهل كان يبقى كافر واحد في هذه الدنيا ؟ وهل كان انسان يجترىء على الجحود ؟ “ ( 988 ) لو أن الخير والشر ظهرا على حقيقتهما للناس لكانت هذه الدنيا كالعالم الآخر ، ولما كان هناك مقترف للآثام .
 
( 992 ) الملك يقول لخادمه : “ اذكر لي علامة واحدة تشير إلى عرفانك الصوفي ، ولسوف أعلم منها كل شئ وأدارك أسرار عرفانك مهما أحاطت به الحجب “ .
 
( 993 - 994 ) يقول الخادم للملك : “ ما دمت قادرا على كشف المحجوب فما حاجتك إلى قولي ؟ “ فيجيبه الملك بقوله : “ ان الخق ذاته أراد العيان لعمله ، فخلق الدنيا “ .

 
“ 465 “
 
( 995 ) طبيعة العيان تختلف عن طبيعة العلم . فالخالق لم يلق على الخلق أعباء الأمانة والمسؤولية الا بعد أن جاء بهم إلى عالم الوجود . وهذا الوجود الدنيوي قد فرض على الخلق ألم المخاض في سعيهم للتحرر مما يفرضه عليهم من أثقال ، سعيا إلى حياة أسمى ، ووجود أبقى .
( 996 ) من طبيعة الوجود الدنيوي أن الانسان يكون فيه عرضة للدوافع المختلفة . فهذه الدوافع تحركه نحو الخير أو الشر .
( 997 ) من شأن الدوافع التي تحرك الانسان أن تؤدى إلى كشف سره وبيان طبيعته .
( 998 ) طالما أن الضمير يتحرك ، ويثير الدوافع ، فلا سكون للجسد .
( 999 ) دفع الضمير للانسان يجعله يعاني من القلق المستمر . وهذا الاحساس ذاته هو الذي يجعل خلو الانسان من العمل أمرا شديد الايلام ، كأنه نزع الروح .
( 1000 ) في هذا العالم ، وكذلك في العالم الآخر ، تولد الأسباب على الدوام ، وهذه الأسباب تترتب عليها الآثار . فحركة العالمين مبنية على الأسباب ، وما تولده من آثار . ووراء ذلك كله مسبب الأسباب .
( 1001 ) كل أثر ترتب على سبب يصبح بدوره سببا تترتب عليه آثار ، فالبذرة سبب في نمو الشجرة . فالشجرة اذن أثر للبذرة . لكنها من جهة أخرى سبب للثمار . والثمار أثر للشجرة ، ولكنها من جهة أخرى سبب للغذاء ، وهكذا .
( 1003 ) استطاع الملك - بحديثه مع الغلام - أن يرى علامة خفية دلته على ما أن عليه هذا الغلام من العرفان .
( 1023 - 1024 ) كل الأجساد تنطوى على أرواح ، ولكن هذه الأرواح ليست جميعا صافية طاهرة نبيلة .
( 1026 - 1045 ) عالج جلال الدين في هذه الأبيات الصورة والمعنى ،



“ 466 “
 

أي الجسد والفكر . وبين أن العبرة ليست بالضخامة ، فالجبال الضخمة أقل قيمة من اليواقيت الصغيرة . والجسد العظيم يسيره فكر خفى .
وقدم صورا فنية كثيرة لا يضاح هذه المعاني . فالملك وهو فرد واحد ، يتبعه الآلاف من الناس . وهذا الملك ذاته يخضع لسلطان الفكر . والعين وهي صغيرة الحجم أكثر ادراكا من الأيدي والأرجل والشعر ، مع أن هذه تفوق حجم العين مئات المرات . والخلق كلهم يتحركون مندفعين بسيل الفكر . وهذا العالم الواسع الأرجاء ، بأرضه وشمسه ونجومه وأفلاكه ، يتحكم فيه سلطان الفكر . ويوم تقوم الساعة فان سلطان الفكر هذا يجعل كل هذه الظواهر - التي تروعنا برونقها وجلالها - حطاما وعهنا مفنوشا وهباء . فعلى الانسان أن يدرك أين تكمن القوة في الانسان ، فلا يعد الجسد سلطانا في قوة سليمان ، في حين أنه يحسب الفكر نملة .
فالفكر أساس كل الحرف . والفكر هو الذي عمر الأرض بالديار والقصور والمدائن .
( 1049 ) أياز كان غلاما تركيا جميلا ، من عبيد السلطان محمود الغزنوي ( 389 - 389421 - 389421 - 421 ه ) . 
وكان محمود شديد التعلق بأياز ، وقد اشتهر ذلك الحب في تاريخ محمود . ( انظر : نظامى عروضى : جهار مقالة ، ص 39 ، طبعة لندن ) .
 
[ شرح من بيت 1050 إلى بيت 1200 ]
( 1050 ) الأولياء كانوا ذوى أرواح حية مدركة قبل أن يخلق هذا العالم . لقد سبق لجلال الدين ذكر ذلك ( انظر الأبيات 168 - 175 ) .
فالشاعر يعزو هذه الألفة بين الملك وغلامه ، إلى سابق محبة كانت بين روحيهما قبل خلق هذا العالم .
( 1051 ) حياة الجسد لا اعتبار لها إذا قورنت بحياة الروح قبل الجسد ، ويصدق ذلك - بوجه خاص - على الأولياء ، الذين نعموا
 
“ 467 “
 
بحياتهم الروحية قبل خلق الأجساد .
( 1052 ) العارف ذو النظر السديد لا يخطئ الرؤية ، ويبصر الأشياء على حقيقتها ، فيدرك بذلك جوهرها الأصيل ، غير حافل بما آل اليه ظاهر حالها .
( 1053 ) العارف يبصر الحقيقة في جوهرها ، سواء نظر إليها في النهار المضئ أو الليل المظلم .
( 1054 ) ما سبق تقديره فلا سبيل إلى الفرار منه . ومهما احتال المرء للخلاص من قدر الهى سابق ، فان حيلته لا بد أن تذهب هباء .
( انظر : المثنوي ، ج 1 ، الأبيات 950 - 970 ) .
 
( 1055 ) في هذا البيت اقتباس معنوي من قوله تعالى : “ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين “ . ( 3 : 54 ) .
 
( 1058 ) مهما احتال الانسان ليغير الأقدار ، فلا سبيل له إلى ذلك .
فالقضاء راسخ لأنه ارداة الله ، وإرادة الانسان - أمام الإرادة الإلهية - واهية عاجزة .
( 1062 ) ليكن سعيك وجهدك كله من أجل الله ، ان كنت بحق تستشعر المحبة الإلهية .
 
( 1064 - 1065 ) يصور الشاعر النفس الأمارة بالسوء بلص يختلس المتع ، تحجب حقيقته هذه الحياةُ الدنيا ، فإذا تجلى صبح البعث وتكشفت السرائر ، كان في ذلك افتضاح النفس السارقة . وكل ما سرقته يبقى عالقابها ، لأنها تبعث على ما كانت عليه في حياتها الدنيا ، ويتكشف ما كان خافيا من نقائصها ، فكأنها لص ضبط متلبسا بالسرقة .
 
( 1068 - 1070 ) بعد أن بين الشاعر أن الانسان في هذا الوجود أسير القضاء ، تصور أن سائلا يسأله : “ ما فائدة الوجود اذن ، وما جدوى خلق الانسان ؟ “ ويجيب الشاعر على ذلك بأن مجرد السؤال عن



 “ 468 “
 
فائدة الوجود ، هو في ذاته فائدة محققة . فمثل هذا السؤال رمز للتفكر والتأمل .
( 1071 ) لئن كانت الحياة الدنيا - من جهة لذاتها ومتعها ، وصرفها الناس عن خالقهم - تبدو عديمة الفائدة ، فهي من جهة أخرى حافلة بالفوائد : انها مجال لتجلى القدرة الإلهية ، وهي ميدان لتأمل هذه القدرة ، ثم هي السبيل الذي يسلكه الخلق إلى الآخرة .
( 1072 ) إذا كانت الحياة الدنيا تبدو غير مفيدة للعارفين ، فليس معنى ذلك أنها غير مفيدة لسواهم . فمن الممكن أن تصير هذه الحياة - بالنسبة للمحرومين - سبيلا إلى العرفان ، ووسيلة للتحقق به .
( 1075 ) انظر البيت رقم 694 .
( 1076 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون “ . ( 3 : 169 ) .
( 1079 ) النفس المتعلقة بلذات الدنيا تكون متعلقة بقوت عارض .
فهذه الحياة المادية صورة مؤقتة للانسانية ، ترجع منها إلى أصلها الروحي .
ولهذا فان النصح والتهذيب يردان النفس عن هذه الطبيعة المنحرفة .
 
( 1084 ) القلب العليل أصابه ما أصاب النفس الحسية ، فتعلق أيضا بلذات الحس ( الماء والطين ) .
 
( 1085 ) لقد خارت قوى القلب من جراء التلعق بالماء والطين ، “ فأصبح شاحب الوجه ، واهى الساقين ، خفيف اللب . وما ذاك لا لا نصرافه عن غذاء السماء .
 
( 1068 ) الغذاء الروحي لا يقتضى تناوله حلقا ولا أداة طعام .
 
( 1102 ) دأب جلال الدين على ذكر الأفلاك التسعة في المثنوى ، بالرغم من أن المعروف أن السماوات سبع . وقد ذكر بعض شراح المثنوى أن الفلك التاسع هو “ العرش الأعظم “ ( المنهج القوى ، 2 : 267 ) .

 
“ 469 “
 
انظر أيضا : ( تعليقات نيكولسون على هذا البيت ) . ورأيي أن جلال الدين يقصد بالفلك التاسع السماء السابعة . والسماء السابعة هي الفلك التاسع ، إذا أخذنا في اعتبارنا أن بعض الصوفية يضيفون إلى أفلاك السماوات السبع فلكين آخرين يحيطان بالأرض هما فلك الهواء أو “ كرة الهواء وفلك النار أي “ كرة النار “ . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، 2 ، 66 ) . فمعنى البيت أن هذه المعاني التي لا تبدو في الدنيا ذات مجد ووراء ، تنتمى إلى أعالي السماء ، ولها مجد ورواء مستمد من تلك الأعالي .
 
( 1106 ) أعتقد أن المتحدث هنا هو الولىّ إلى ينكر على الناس اندفاعهم وراء مجد زائف ، على حين أنه ينعم في عزة ، تغمرها شمس الحقيقة .
 
( 1107 ) قول الشاعر : “ ومشرق الشمس برج أسود اللون “ يحتمل أحد تفسيرين . أولهما أن الناس يترقبون اشراق الشمس من سماء مظلمة . وثانيهما أن الشمس التي تغرب في عين حمئة مظلمة ، ( انظر سورة الكهف ، 18 : 86 ) ، تعود إلى الشروق من حيث غربت . أما “ الشمس التي هي فوق المشارق “ ، فالمقصود بها شمس الحقيقة ، واشراق التجلي الذي لا يحده مكان ولا زمان .
 
( 1108 ) ليس معنى شروق شمس التجلي أنها قابلة للمغيب ، فهي في تجل دائم . فالحديث عن شروقها لا يكون الا باعتبار الذرات العالقة بها ، فهي التي ينقلها تعلقها بالشمس إلى حال الشروق .
 
( 1109 ) “ مع أنني لست من الأولياء المقربين وهؤلاء هم الذرات العالقة بشمس التجلي فان النور الذي يغشانى بتجليه يجعلني شمسا لا تغشاها الظلال “ .
 
( 1110 ) المحبة تنبعث من المحبوب ، ولا فضل للمحب في ايجادها .
( 1111 ) في العلاقة بين المحب والمحبوب يكون الجمال والجلال
 
“ 470 “
 
من بين الأسباب التي تجذب المحب إلى المحبوب ، هذا من وجهة نظر المحب . أما المحبوب فليس الجمال والجلال عنده أسبابا ، وانما هما من صفات الذات . فالعبد قد ينظر إلى بعض الأمور على أساس أنها أسباب ، والخالق يكون مدركا لهذه الأسباب ، لكنه لا يتأثر بها .
( 1114 ) الخالق صانع كل شئ . وهذه حقيقة لا تقبل استثناء فاليأس الذي قد يصيب النفس هو أيضا من خلق الله .
 
( 1115 ) النفس التي صنعها الخالق تبقى مرتبطة بخالقها حتى في حالة اليأس ، لأن الصنع لا ينفصل في وجوده عن ذات الصانع .
 
( 1116 ) البراق والخيل العراب والحمير كلها رموز للناس ، على تفاوتهم في قواهم الروحية ، أو تعلقهم بغرائزهم الحسية . وجميع الموجودات مهما كانت طبيعتها تقتبس وجودها من الوجود المطلق .
 
( 1117 ) من غفل عن حقيقة الصانع ، توجه إلى سواه ، ظانا أنه صاحب القدرة . ويظل يتخبط في هذا الجهل فيقع في كل يوم فريسة لوهم جديد .
 
( 1118 ) قول الشاعر : “ فهو قد شرب من البحر العذب ماء ملحا “ ، يعنى أن هذا الغافل الذي يسعى إلى خالقه لم يسلك في سعيه السبيل القويم ، ولهذا فان هذا السعي قاده إلى الضلال والتيه ، بدلا من أن يقوده إلى أمن اليقين .
 
( 1119 ) “ الشرب باليد اليمنى من البحر “ رمز للسلوك القويم الذي يحقق الغاية المنشودة .
 
( 1122 ) الشاعر يقول إن عشق شمس الدين قد شغله عن كل ما سواه ، فلم يكن لديه مجال للعناية بمن عميت بصيرتهم الروحية . وشمس الدين المقصود هنا هو شمس الدين التبريزي . ولعل الشاعر أشار بذلك إلى ما كان يعانيه حينذاك من أحزان لفقد أستاذه الروحي .
 
“ 471 “
 
( 1123 ) يدعو الشاعر تلميذه حسام الدين إلى أن يقوم عنه بمداواة من كلت بصائر أرواحهم .
 
( 1125 ) قدرة الله وحدها هي التي تستطيع أن تكشف عن النفس والروح ما تراكم فيهما من ظلمات الجهل .
( 1126 ) الحسد يحجب صاحبه عن تلقى نور الهداية ، ويمثل عقبة يصعب على الروح تخطيها . أما الجهلاء الذين خلت نفوسهم من السحد فهم قابلون لتلقى نور العرفان .
 
( 1128 - 1130 ) السحد احدى الرذائل التي أكثر الشاعر من بيان أخطارها . فالحسد هو الذي دفع بعض مريدى جلال الدين إلى القضاء على شمس الدين . وكان الحسد دائما مصدر حقد على الأولياء. وهو علة لا دواء لها ، لأنه كما يقول الشاعر يجعل المرء يسعى إلى اطفاء نور لا يخبو ، وشمس لا تغيب .
 
( 1131 ) روح العارف تهتدى إلى خالقها ، كما يهتدى الباز إلى الملك فيعود اليه . أما الروح التي تضل سبيلها فشبيهة بالباز الأعمى .
 
( 1132 ) “ الهبوط في احدى الخرائب “ كناية عن الركون إلى عالم الدنيا ، هذا الذي حق عليه الخراب ، والفرار من عالم الروح . أما “ اليوم “ فرمز لعشاق الدنيا الدين يتعلقون بها ، كما تتعلق البوم بالأرض الخراب .
 
( 1146 - 1147 ) البوم تكذب الباز حين يذكر لها صلته بالملك .
وكذلك الكفار والمنافقون يكذبون النبي حين يذكر لهم صلته بالخالق .
 
( 1154 - 1155 ) بالرغم من أن الشاعر قد استخدم الباز رمزا للولي أو النبي ، وذلك على اعتبار أن رجل الله يرتبط بالله ارتباط الباز بمليكه ، فقد استخدمه في هذين البيتين رمزا لمعنى حسى هو القوة والسطوة . فالبوم لا تقدر على ايذاء باز المليك ، بل إن البيران الجارحة - وهي هنا رمز لأهل السطوة من الكافرين - تعجز عن أن تمس بالسوء
 
“ 472 “
 
باز المليك . ولا مناسبة بين باز الملك وبين البيزان الجارحة ، فالأول وفىّ لمليكه ، مطيع لندائه ، وأما البيزان الأخرى فمتوحشة تحكمها قوة حسية عارمة .
 
( 1157 ) الباز يباهى بأن خياله مقيم في قلب السلطان ، وأن قلب السلطان يغدو سقيما لو غاب عنه هذا الخيال . وفي هذا تعبير رمزى عن محبة الخالق للانسان الكامل ، تلك المحبة التي جعلته - في رأى كثير من الصوفية - يخلق الأكوان من أجله .
 
( 1162 ) يمكن تفسير هذا البيت على أساس أن الانسان الكامل يشفع للخلق عند الخالق . كما يمكن النظر اليه من زاوية العقيدة الصوفية ، فيكون معناه أن الله قد حرر - على يد الانسان الكامل - كثيرا من الخلق ، كانوا يرسفون في أغلال سجن المادة .
 
( 1163 ) لقد حل الانسان الكامل بين الكفار - أشباه البوم - برهة من الزمان ، فصاروا بفضله ذوى قوة روحية ، وحلقوا في السماء كالبيزان .
 
( 1167 ) المحب الصادق مهما قاسى من الآلام فإنه يكون سعيدا في آلامه ، بما أوتيه من سعادة الروح .
 
( 1169 ) ان المحب الصادق يلبى نداء خالقه : “ يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية “ . ( 89 : 27 - 28 ) . فهذا النداء بالنسبة للمؤمن كالطبل بالنسبة للباز .
 
( 1170 ) يبين الشاعر هنا أن الانسان الكامل مختلف عن خالقه ، وهو ليس سوى عبد لملك الملوك .
 
( 1171 - 1173 ) ليس معنى فناء العبد في الخالق أن هناك تشابها بين ذات العبد وذات الخالق . فالتجانس لا يحتم التشابه بين المتجانسين .
فالماء يتجانس مع التراب في النبات . والخمر تنجانس مع الطبع الانساني .
والفناء في الخالق لا يقتضى تشابها في الذات بين العبد وخالقه .
 
“ 473 “
 
( 1174 ) صورة فنية للأرواح التي تفنى في حب خالقها ، فلا يبقى لها وجود منفصل ، بل تصبح في حضرته هباء ، ويبقى الخالق وحده ، لا شريك له .
 
( 1175 ) في هذا البيت صورة فنية أخرى لفناء الروح في الخالق .
“ فالروح تغدو ترابا “ وهذا رمز إلى فنائها “ وتبقى أقدامه منطبعة فوق ترابها “ وهذا رمز إلى بقائها ، فهي بالفناء تحقق لها البقاء .
 
( 1176 ) الفناء في ذات الخالق يحقق لصاحبه أنبل مجد ، وأخلد بقاء .
 
( 1177 ) هذا البيت يجرى على لسان الولىّ الذي يخاطب سواه بقوله : “ لا تنخدع بظاهرى ، وتحسبنى مجرد انسان مادي ، بل تذوق ما أقدمه لك من غذاء روحي ، قبل انتقالى من هذه الحياة “ .
 
( 1178 ) كم من أناس خدعوا بظاهر الصورة ، فحسبوا رجل الله أو النبي انسانا عاديا ، وغرهم ما شاهدوه من ظواهر انسانيته ، فتهجموا عليه ، فكان تهجمهم على الله .
 
( 1179 ) الصلة بين الله وبين نبيه أو وليه قائمة ، ولا ينفيها ما يكون من بعد الشبه بين ذات الله وذات عبده . ويستدل الشاعر - في هذا البيت وفي الأبيات التالية - على امكان قيام هذه الصلة ، وذلك بما يكون من صلة بين الروح والجسد ، أو بين العين المكونة من شحم وماء وبين البصر ، وهكذا فمثل هذه الصلات بين المعنى والمادة صور تبين امكان قيام الصلة الوثيقة بين الانسان والخالق .
 
( 1183 - 1188 ) أوَّل الشراح هذه الأبيات تأويلات مختلفة لا تستند إلى النص . ورأيي أن هذه الأبيات تتضمن أفكارا عن خلق العالم مستوحاة من مذاهب الاشراقيين . ولسنا نستطيع أن نجزم بأن الروح الكلى هنا يشير إلى الخالق ، أو إلى الحقيقة المحمدية . ثم هناك في البيت رقم 1186 عبارة “ روح الروح “ ، ويتضمن معنى لا يمكن تحديده
 
.

يتبع
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات من 841 - 1283 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:57 pm

شُروح وَدرَاسَات من 841 - 1283 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات من 841 - 1283 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف امتحن الملك هذين الغلامين الذين 
كان قد اشتراهما قبل فترة وجيزة
“ 474 “
 
على وجه اليقين . والشاعر يستخدم هذه المصطلحات كلها في سياق شعري ، يعبر به عن صدور العالم عن الخالق ، وفق نظرية الاشراقيين .
ولكننا لا نستطيع أن نجزم بتفسير يحدد معنى كل مصطلح من المصطلحات ، كما أننا لا نستطيع أن نقطع بمرحلة الخلق التي بدأت بالحديث عنها هذه الأبيات ، وهل هي الفيض الأول الذي صدر عن واجب الوجود ، أم أنها مرحلة تالية لذلك . وخلاصة مضمون هذه الأبيات هي أن هذا العالم المتعدد المظاهر والأشكال قد صدر عن الواحد ، “ روح الروح “ ، الذي أبدع الروح الكلىّ ، ففاض منه هذا العالم ، وأن هناك في كل وقت فيضا جديدا ، وأن هذا العالم سوف يلد العالم الآخر ، وإذ ذاك تتضح للخلق حقيقة الحشر .
 
( 1184 ) لقد كان ميلاد هذا العالم المادي من أصل روحي ، كما كان ميلاد المسيح بصورة حسية صادرا عن أصل روحي .
 
( 1185 ) ومع أن هذا المسيح قد ظهر للناس وخالطهم ، وأظهر من المعجزات ما بهرهم ( ومنها المشي على الماء ) ، فحقيقته أسمى مما شهده الناس منه وعرفوه ، لأنه روح تسامى فوق حدود المكان .
 
( 1186 ) العالم فيض من الروح الكلى ، والروح الكلى فيض من الخالق .
 
( 1187 ) عالم الدنيا يلد بدوره عالم الآخرة ، وإذ ذاك تتجلى للخلق حقيقة الحشر .
 
( 1189 ) يقول الشاعر ان كل هذه الأقوال التي قدمها ليست في جوهرها سوى دعاء الله ، انطلقت كلماته من شفاه طيبة ، ملتمسة من الخالق جواب الدعاء .
 
( 1192 ) يبدأ الشاعر هنا قصة رمزية جديدة ، تصور البدن بصورة جدار عال يقف في سبيل الروح ويعوقها عن الانطلاق إلى عالمها ، وأن الروح تتمنى لو حطمت هذا السجن ، وتحررت منه .
 
“ 475 “
 
( 1194 ) كان صوت الماء في أذنه كخطاب فرج همه ، وبشِّره بالخلاص .
 
[ شرح من بيت 1200 إلى بيت 1350 ]
( 1203 ) إشارة إلى حديث يروى عن الرسول قوله : “ انى لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن “ .
 
( 1207 ) كل غريزة من غرائز الجسد - أمكن التغلب عليها واقتلاعها من النفس - كان في التغلب عليها اقلان من سلطان الجسم على الروح ( 1208 ) الاقلال من سلطان الجسد هو السبيل إلى خلاص الروح ، فهو الذي يقف حائلا بينها وبين اللحاق بعالمها .
 
( 1209 ) أعمال العبادة تؤدى إلى التخفيف عن سلطان الجسد ، وتتيح للروح بعض الانطلاق . وقد رمز لهذه الأعمال في القصة بمتابعة هدم الجدار الذي يقف حائلا بين الرجل وبين الماء .
 
( 1210 ) لا يتسنى يخفض الرأس إذا كان العنق شامخا ، وكذلك لا يمكن الاخلاص في العبادة ، إذا كان الجسد مسيطرا على الروح .
 
( 1212 ) كل من كانت روحه أكثر اخلاصا وشوقا ، كان أكثر اجتهادا في التخلص من سلطان الحواس ونزعاتها .
 
( 1213 ) بقدر ما يكون الاخلاص الروحي تكون القدرة على اخضاع الجسد .
 
( 1214 ) كل اتصال بعالم الروح ( كما يكون في التعبد مثلا ) يغمر الصوفي بالنشوة ، على حين أن الحسى لا يتجاوز ذلك عنده حد أداء العبادات في صورها الحسية .
( 1216 - 1225 ) صور الشاعر الشباب والشيخوخة ، فرسم لنا بأسلوبه البارع صورا فنية رائعة .
( 1227 - 1240 ) ذكر الشاعر في هذه الأبيات قصة رجل زرع الشوك ، فلما نُهى عن ذلك وعد باقتلاعه ، ودأب على اخلاف وعده حتى قويت شجرة الشوك ورسخت ، وأما هو فضعفت قوته ازاءها . بهذه
 
“ 476 “
 
الصورة أراد الشاعر أن يقدم مثالا لمن يترك الأخلاق السيئة تستقر في نفسه، ولا يسعى إلى اقتلاعها حتى تتأصل وترسخ ، ولا تبقى لديه قوة على مقاومتها .
 
( 1241 ) ان صاحب الخلق السىّء - الذي تأصل عنده هذا الخلق - يسئ إلى نفسه من غير أن يشعر بذلك .
 
( 1244 ) الرجل المكتمل الرجولة يكون قادرا على أن يقتلع ما رسخ في نفسه من خلق سىء ، كما اقتلع علىّ باب خيبر ، فكان ذلك تحطيما لما كان يمثله هذا الباب ، وهو تحصن الكفر وراء الأسوار المنيعة .
وقد فتح المسلمون خيبر عام 7 ه / 628 م .
 
( 1245 ) “ ان لم تستطع الخلاص من الخلق السىء فاتخذ لك رفيقا من رجال الله ، حتى يكون شوكك هذا مقترنا بشجرة ورد ، ونارك مقترنة بالنور الصافي “ .
 
( 1246 ) لعل النور الصافي ( ويمثله رجل الله ) يخلصك مما يضطرم بنفسك من النار ، وتغدو أشواكك بفضل صحبته ورودا .

( 1247 ) ذو الخلق السىء شبيه بنيران الجحيم ، أما المرشد فهو مؤمن والمؤمن لا يخشى النار .

( 1248 - 1249 ) انظر : مثنوي ، ج 1 ، 3700 .
 
( 1253 ) يروى عن الرسول أنه قال : “ الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه “ . فلعل هذا الاحسان هو المقصود من قول الشاعر :
“ روح المحسن الطاهر “ .
 
( 1258 - 1259 ) كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم ، كذلك يكون جحيم النفس بردا وسلاما على المؤمن ، فلا يحرق بستان صفائه واطمئنانه ، ولا يضرم النار في عدله واحسانه .
( 1260 ) “ النمام “ نبت شبيه بالريحان عطرىّ قوى الرائحة ، وسمى بذلك لسطوع رائحته .
 
“ 477 “
 
( 1261 ) “ لقد انصرفنا عن موضوعنا الأصلي إلى سواه ، وأطلنا البحث في ذلك ، فلنعد إلى موضوعنا الأصلي “ .
 
( 1262 ) يعود الشاعر هنا إلى الحديث عن الخلق السىء ، وكيف يصعب اقتلاعه إذا رسخ في النفوس . وهو يربط قوله هنا بما كان قد انتهى اليه في البيت 1225 .
 
( 1264 ) “ ان الفساد قد تأصل في النفس ، فلم يبق لها سبيل إلى الشفاء الا بالفناء “ .
 
( 1266 ) “ ابذل قصارى جهدك وأنت بعد في عنفوان قدرتك ، فهذه القدرة لا تدوم طويلا “ .
( 1267 ) الانسان الذي يحسن استثمار أيام الحياة - على قلتها - يستطيع أن يحقق لفنسيه عمرا روحيا مديدا .
 
( 1268 ) “ السراج اللألاء “ في الانسان هو قلبه أو روحه ، لأن القلب ينير للانسان سبيل الحياة . فعليه أن يعنى بهذا القلب ، ويحافظ عليه وينقيه ، حتى لا تخبو أنواره ، وتتلاشى في ظلمات الحياة الجسدية .
 
( 1271 ) يدعو الشاعر هنا إلى الاقلال من الكلام ، مع الاكثار من صالح الأعمال . ويحث على التخلي عما اقترن بالجسد من البخل ، ويدعو إلى الاقبال على ما ارتبط بالروح من السخاء والجود .
 
( 1274 ) ورد ذكر “ العروة الوثقى “ في موضعين من القرآن الكريم . قال تعالى : “ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى “ . ( 2 : 256 ) . وقال : “ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى “ . ( 31 : 22 ) .
 
( 1276 ) “ يوسف الحسن “ رمز للروح للطاهر . والبئر رمز للدنيا ؛ فكما ألقى يوسف الصديق في البئر ، كذلك دُفع الروح الطاهر إلى هذه الدنيا ، وهي بئر الشهوات .
( 1284 - 1293 ) يتحدث الشاعر في هذه الأبيات عن نور الحس ،



“ 478 “
 
ونور القلب أو الروح ، وهو النور الذي يفيضه الله على قلوب أهل الصفاء ، فيجعل لنور الحس ادراكا أوسع ، وشهودا لا يقتصرا على الواقع المحسوس ، وانما يتعداه إلى الغيب المحجب . وقد بحث الغزالي هذا الموضوع في مشكاته . قال : “ اعلم أن نور بصر العين موسوم بأنواع النقصان فإنه يبصر غيره ولا يبصر نفسه ، ولا يبصر ما بعد عنه ، ولا يبصر ما هو وراء حجاب . ويبصر من الأشياء ظاهرها دون باطنها . ويبصر من الموجودات بعضها دون كلها . ويبصر أشياء متناهية ولا يبصر ما لا نهاية له . ويغلط كثيرا في ابصاره : فيرى الكبير صغيرا والبعيد قريبا والساكن متحركا والمتحرك ساكنا . فهذه سبع نقائص لا تفارق العين الظاهرة . فإن كان في الأعين عين منزهة عن هذه النقائص كلها فليت شعري هل هي أولى باسم النور أم لا ؟
واعلم أن في قلب الانسان عينا هذه صفة كمالها ، وهي التي يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة بالنفس الانساني . . . “ ويمضى الغزالي بعد ذلك بعد في بيان تنزه نور ، القلب عن هذه النقائص التي يعاني منها ابصار العين . ( مشكاة الأنوار ، 43 - 49 ) .
وأسلوب جلال الدين في الموازنة بين النورين قائم على التصوير الفنى ويكثر فيه استخدام الرمز .
والصبر على أمر الله هو سبيل الخلاص . لقد صبر يوسف ، فأرسل الله اليه من خلصه من البئر . والروح الصابر أيضا يمد الله له أسباب النجاة .
 
( 1279 ) “ عالم الروح الجديد “ يعنى “ العالم الحافل بالرؤى ، المتجدد على الدوام “ .
 
( 1280 - 1283 ) يشبه الشاعر في هذه الأبيات عالم الحس وعالم الغيب بالتراب والهواء .
فالتراب ينتشر في الفضاء ، ويبدو كأنه موجود متحرك ، أما الهواء

 
“ 479 “
 
فيكون خفيا ، مع أنه هو الذي ينشر الغبار ويحركه . فهذا التراب ليس الا ألعوبة في أيدي الهواء .
 
( 1284 ) “ من كانت العين الحسية سبيله الوحيد إلى الابصار فسوف يعجز عن مشاهدة الهواء ، ورؤيته تكون مقصورة على مشاهدة التراب “ .
 
( 1285 ) العين الترابية ( الحسية ) يقتصر ادراكها على ما يكون في مستواها وهو التراب . وشبيه بذلك معرفة الحيوان لأبناء جنسه ، فالحصان يعرف الحصان ، وهكذا . أما الابصار الروحي فمن طراز آخر . انه شبيه بمعرفة الفارس لنظيره .
 
( 1286 ) عين الحس - بدون نور الله - تبقى بعيدة عن الابصار الصحيح ، كالحصان يبقى - بدون الفارس - قاصرا عن ادراك السبيل .
فنور الله يوجه عن الحس ويرشدها ، كالفارس يوجه حصانه ويحسن قيادته .
 
( 1287 ) إذا لم يهذب الحصان ، فإنه لا يكون لائقا بالميلك ، وكذلك العين الحسية لا تكون جديرة بنور الله ما لم تسلك السبيل إلى ذلك بالتزام الغفة والتهذب ، والاعراض عن الطمع ، والطموح إلى لذات الحس .
 
( 1288 ) بدون نور الله يسوء حال العين الحسية ، وتضطرب رؤاها فهي كالحصان يتخبط في سيره ، إذا لم يكن له فارس يهديه .
 
( 1289 ) إذا لم يهتد الابصار الحسىّ بنور الله ، فأي مطمع يكون له سوى لذات الحس ؟ كالحصان إذا ترك وشأنه فلا مطمع له إذ ذاك سوى المرعى . أما النفع الذي يحققه الحصان فلا يكون الا بهداية الفارس .
 
( 1290 ) حين يسيطر نور الله على نور الحس ، يكون هذا السبيل اهتداء الروح ، وباعث شوقها إلى عالمها .
 
( 1291 ) الطريق الملكي هو الطريق إلى الله . والفارس الملك هو

 
“ 480 “
 
الرجل الكامل .
( 1293 ) يشير الشاعر هنا إلى قوله تعالى : “ نور على نور يهدى الله النورة من يشاء “ . ( 24 : 35 ) . وهذه الآية - في نظر الشاعر - دليل واضح على افتقار الحس إلى الهداية ، بدون نور الله .
والهداية هنا روحية ، والله يهب لمن يشاء مثل هذه الهداية . وللنور أهمية كبرى في فلسفة الصوفية . وعليه تقوم عقائدهم الاشراقية . انظر :
( الغزالي : مشكاة الأنوار ) ، ( السهروردي : حكمة الاشراق ، وهياكل النور ) .
 
( 1296 ) الحس الباطني الذي يوجه الحس الظاهري لا يظهر الا في جميل الأثر ، وطيب الكلم .
 
( 1297 ) نور الحس الذي هو - بالقياس إلى نور الروح - غليظ كثيف يكون محتجبا في سواد العين . وكان الأقدمون يعتقدون أن الابصار أشعة تنطلق من العين إلى المرئيات ، وهذه الأشعة لا ترى لأن النور محتجب في سواد العين .
 
( 1298 - 1299 ) من بين ما ذكره الغزالي عن نقائص نور العين أنه “ يبصر غيره ولا يبصر نفسه “ . ( المشكاة ، 43 ) . وما دامت العين تعجز عن مشاهدة نوها المحسوس فيكف تستطيع أن تشاهد النور الروحي ، وهو أكثر من النور الحسى لطفا وخفاء ؟ وهذا البيت أيضا مرتبط بفهم الأقدمين لطبيعة الابصار ، وهو أنه أشعة تنطلق من العين إلى المرئيات .
 
( 1304 ) قول الشاعر : “ وتأمل كيف أن الأرواح ظاهرة “ يعنى أنها ظاهرة الفعل والأثر .
 
( 1305 ) قول الشاعر : “ ولا تحطم السهم “ يعنى : “ ولا تغالب القضاء الإلهي “ ، أما قوله : “ فإنه سهم المليك “ فيعنى أنه نافذ لا محالة .
 
( 1306 ) انظر المثنوي ، ج 1 ، 614 ، 615 .

“ 481 “
 
( 1307 ) الغضب مما تأتى به الأقدار يعمى الانسان عن إرادة الله في ذلك . فالانسان يحارب القضاء ، مع أنه وقع بمشيئة الله ، وينظر إلى الأقدار ، بسخط مع أنها فعل الله .
 
( 1313 ) المخلص لا يكون في مأمن من شباك الأقدار الا إذا خلص من ذاتيته . فالفناء عن الذاتية يجعل الانسان في رحاب الله ، وبذلك يستعصى على ضربات القدر .
 
( 1315 - 1316 ) في هذين البيتين يوازن الشاعر بين الاخلاص والخلاص . فالاخلاص مرحلة أولى في سبيل الخلاص . فلو وقف المرء عند هذه المرحلة الأولى ، فهو رجل مخلص فحسب ، لكنه لم يظفر بعد بمراده ، وهو تحقيق النجاة الكاملة ، فهذه النجاة لا تتحقق الا بتنقية القلب حتى يصبح مرآة صافية . وبدون ذلك فليست هناك نجاة ، بل سعى إلى النجاة . والساعي إلى النجاة كالصياد الذي يبحث عن صيد ، أما مدركها فهو كصياد ظفر بصيده . والفائز بالنجاة يبلغ مقام الأمن الذي لا يشوبه خوف .
 
( 1317 - 1318 ) الواصل الذي بلغ مقام الأمن لا يبقى بعد ذلك عرضة للتغير . فالمرآة التي بلغت درجة الصقل لا تعود حديدا خشنا ، والخبز لا يرتد قمحا ، والعنب الناضج لا يرجع إلى الفجاجة ، وهكذا .
 
( 1319 ) يذكر الشاعر أستاذه برهان الدين محقق بوصفه مثالا لبلوغ النضج ، الذي يجعل الانسان في مأمن من التغير . وقد ذكر الجامي برهان الدين محقق بقوله : “ السيد برهان الدين محقق رحمه الله هو شريف حسنى ترمذى ، وكان من مريدى مولانا بهاء الدين ولد ، وممن ربوا على يديه . واشتهر في خراسان وترمذ بالسيد المطلع على الأسرار ، وذلك بسبب اشرافه على الخواطر . وفي اليوم الذي مات فيه مولانا بهاء الذين وَلَد كان جالسا مع الجماعة في ترمذ ، فقال : واأسفاه ! لقد
 
“ 482 “
 
مات أستاذي وشيخى . وبعد أيام سافر إلى قونية لتربية مولانا جلال الدين “ . ويذكر الجامي بعد ذلك أن جلال الدين تتملذ تسع سنوات على برهان الدين محقق ، وأن برهان الدين قد ذاع صيته في أرض الروم ، وأن السهروردي “ 1 “ قد ذهب لزيارته ووصفه بأنه بحر مواج من درر المعاني . ( نفحات الأنس ، ص 298 ، طبع الهند ، 1893 ) .
 
( 1321 - 1323 ) يذكر نيكولسون أن هذه الأبيات لم ترد في أقدم مخطوطات المثنوى ، وأنها ظهرت لأول مرة في مخطوط يرجع إلى منصف القرن الرابع عشر . كما يذكر أن هذه الأبيات وردت في حاشية احدى النسخ تحت عنوان “ ولدى “ . وقد استنتج نيكولسون من ذلك أن هذه الأبيات ربما كانت من نظم سلطان وَلَد ، الذي كان متزوجا من ابنة صلاح الدين زركوب ، وأراد أن يذكر صهره في المثنوى إلى جانب شمس الدين التبريزي ، وبرهان الدين محقق ، وحسن حسام الدين .
( انظر تعليقات نيكولسون ) . ومهما يكن من أمر فان صلاح الدين زركوب كان من تلاميذ جلال الدين المقربين . وقد ذكره جلال الدين في كثير من غزليات الديوان . وكان صلاح الدين فريدون زركوب ( الصائغ ) من مريدى برهان الدين محقق . ويُروى أن برهان الدين قال :
“ وهبت حالي الصلاح الدين ، ومقالى لجلال الدين “ . ) ( نفحات الأنس ، 299 ) . ويذكر الجامي أن صلاح الدين تخلى عن دكان الصياغة الذي كان يملكه ولزم جلال الدين . وانتهى الأمر إلى ارتباطهما بالمصاهرة ، حيث تزوج سلطان ولد بابنة صلاح الدين زركوب ، وكان جلبي عارف من أبنائهما . ويذكر الجامي أن جلال الدين قال في صلاح الدين :
.................................................................
( 1 ) المقصود هو أبو حفص عمر بن محمد المتوفى 633 ، وصاحب كتاب عوارف المعارف . أما السهروردي الاشراقي فقد مات قبل ذلك بكثير ( عام 588 ) .

 
“ 483 “
 
يكى كنجى بديد آمد درين دكان زركوبى * زهى صورت زهى معنى زهى خوبى زهى خوبى” لقد ظهر كنز في دكان الصياغة هذا ، فما أجمل الصورة ، وما أجمل المعنى ، وما أروع هذا الحسن والبهاء “ . ( انظر : نفحات الأنس ، 304 ، 305 ) .
 
( 1323 ) للشيخ سلطان على القلوب مقتبس من قدرة الله . وهذا السلطان يجعله ذا أثر على القلوب بدون آلة يستعين بها في تحقيق ذلك .
 
( 1325 ) أثر الشيخ المرشد على القلوب شبيه بأثر الخاتم على الشمع ، ولكن من إذا الذي صنع في الأصل نقش الخاتم ؟
 
( 1326 ) صانع هذا النقش هو الصائغ ، وهو هنا رمز للخالق .
فهناك سلسلة مترابطة الحلقات ، تربط المسببات بأسبابها حتى تصلها بالخالق .
 
( 1327 ) من القلوب ما يتردد في جوانبه صوت رسالات السماء ، ومنها ما يكون خاليا من هذا الصوت .
 
( 1329 ) تختلف الجبال في مقدار الصدى الذي تردد به ما تتلقاه من أصوات ، فمنها ما يكون رجع الصدى فيه محدودا ، ومنها ما يكون رجع الصدى فيه عظيما مدويا . وهكذا شأن القلوب بالنسبة لصوت السماء ، فمنها ما يستجيب له بقدر محدود ، ومنها ما يكون عظيم الاستجابة .
 
( 1330 ) ان مئات الألوف من ينابيع الحكمة والمعرفة تتفجر من استجابة العارفين والمؤمنين لدعوة السماء .
 
( 1331 ) إذا ما فارق القلوب صوت السماء صارت المعارف التي تصدر عنها غير سائغة المذاق . ومع أن الأصل في طبيعة القلوب أن تكون لطيفة ، لا يصدر عنها الا ما هو لطيف ، فإنها بالخبث والجحود تفارق
 
“ 484 “
 
طبيعتها فلا يصدر عنها غير ما يؤذى ويضر .
( 1332 ) “ المليك الأكبر “ هنا هو موسى ، عليه السلام ، فقد صعد فوق جبل الطور ، وناجى ربه ، فتجلى له الله . ولقد بورك الجبل بهذا التجلي الإلهي . ولعل الشاعر يستخدم الرمز هنا أيضا ، فيكون مرور موسى فوق جبل الطور رمزا لاشراق نور الرسالات السماوية على قلوب العارفين ، وليس سوى هذا ما يسمو بها ، ويعلى قيمة جوهرها .
 
( 1333 ) “ ان الجبل قد أصبح ذا روح وادراك حين تجلى له الخالق ، فكان أن دُكّ ساعة التجلي . فما هو هذا الجمود الذي أصاب بنى الانسان إزاء رسالات السماء ؟ فهل يكون الناس أقل ادراكا من الحجر ؟ “ . ( انظر : مثنوى ، ج 1 ، 25 - 26 ) .
 
( 1334 - 1335 ) ينتقد الشاعر في هذين البيتين ما يعانيه الناس من جمود روحىّ وجسدي .
 
( 1336 ) “ أين الحمية التي تجعلهم يعملون على افناء هذا الكيان الذاتي الراسخ الذي يقف كالجبل حائلا بينهم وبين تلقى نور الرسالات “ .
 
( 1337 ) لعل فناء النفس الحسية - التي تقف حائلا دون التأمل الروحي - يتيح للقلب أن يتلقى لمحة من أشعة التجلي ، فيستضىء بنورها الكيان الانساني .
 
( 1338 - 1339 ) يوازن الشاعر هنا بين القيامة الكبرى التي تعنى نهاية العالم ، وفيها يصيب العالم الدمار “ وتصير الجبال كالعهن المنفوش “ ، وهذه القيامة لا يهون أمرها على الانسان ، فهي موقف فيه هول ورعب ، على حين أن تلك “ القيامة الروحية “ تحقق الراحة والأمن والسلام . فالقيامة الروحية هي بعث الروح الذي أزهقته الشهوات ، وخنقته الأطماع . ان خلاص الروح من الشهوات والأطماع يمثل لونا من البعث ، يتيح للانسان حياة جديدة . ) ( انظر ما كتبه الجيلى عن “ الساعة الكبرى “ ، و “ الساعة الصغرى “ . الانسان الكامل ، 2 : 52 - 57 ) .
 
“ 485 “
 
( 1340 ) كل من استطاع أن يبلغ هذه اليقظة الروحية ، فقد تحقق له الأمن في موقف البعث الرهيب . وهذه اليقظة ذاتها هي السبيل لمحو ما سبقها من سيئات .
 
( 1345 - 1347 ) يتحدث الشاعر في هذه الأبيات عن الصوفية الذين يسعون إلى افناء ذواتهم في ذات الله ، ويستشعرون التحقق بالفناء ، فيدفعهم هذا إلى التعبير عن هذا الاحساس بعبارات تعرف عادة بالشطح .
وهناك عبارات كثيرة تروى عن أهل السكر من الصوفية . ومن أمثله ذلك قول أبى يزيد البسطامي : “ سبحانى ، ما أعظم شأني “ ، وقول الحسين بن منصور الحلاج : “ ما في الجبة غير الله “ .
 
( 1348 ) من الصور التي يتخذها جلال الدين رمزا للفناء الصوفي تلاشى لون الحديد في لون النار . وقد سبق أن قدم صورا مماثلة لهذه الصورة . ( انظر : مثنوى ، ج 1 ، 1531 - 1535 ) .
 
[ شرح من بيت 1350 إلى بيت 1500 ]
 
( 1353 ) الانسان الذي أصبح - بفنائه في الذات الإلهية - مغمورا بنور الله ، يكون جديرا بأن تسجد له الملائكة ، كما سجدت لآدم .
 
( 1354 ) كل انسان خلصت روحه من الشك والطغيان ، يصير كالملائكة ، وإذ ذاك ، يخلص في متابعة هذا الانسان الكامل ، لأن الله هو الذي اجتباه .
 
( 1355 ) خشي الشاعر من تلعق المستمع بالتمثيلات ، وانصرافه عن جوهر المعنى فقال : “ وأي قيمة للنار والحديد في هذا البحث . انهما ليسا سوى مثالين ، فلا تقع أسير التشبيه ، في حين أنك تسخر من التشبيه “ .
 
( 1356 ) “ ما دمت قد تعلقت باللفظ وانصرفت عن الجوهر ، ( وقد تجلى هذا في تعلقك بظاهر المثال ، وانصرافاك عن جوهره ) ، ما دمت كذلك فلا تتقدم نحو بحر الوحدة ، وأقلل من حديثك عنه . والزم الصمت والحيرة إزاء هذه الأسرار ، ولا تخض في الحديث عنها “ .



“ 486 “
 

( 1357 ) البحر رمز للخالق الذي يستوعب في وجوده كل الموجودات .
والشاعر يقول إنه برغم ضعفه البالغ أمام مثل هذا البحر فهو حريص على خوضه ، لا يطيق ابتعادا عن الفناء في لجِّه . والمقصود بخوض اللج السعي إلى افناء الذات الانسانية .
 
( 1358 ) قول الشاعر : “ هذا البحر هو الذي أدى دية العقل والروح “ ، يعنى أن الخالق يمنح البقاء جزاء لمن أفنى ذاته في السعي اليه .
 
( 1359 ) “ سوف أسعى إلى البحر ما دامت إلى إرادة . فإذا ما بلغته - بافناء ارداتى - بقيت ملازما له ، لا أحيد عنه “ .
 
( 1360 ) من تحقق له هذا الوصول - مهما كان مشوبا بشئ من النقص - خير ممن تخلى عن السعي اليه . فالحلقة فوق الباب تكون نافعة حتى ولو كانت معوجة . “ والحلقة “ هي الأدادة التي يقرع بها الباب ، وربما قصد الشاعر أن يجعل منها رمزا للسعى .
 
( 1361 ) “ الحوض “ هنا رمز للقلب . فالشاعر يدعو المتعلقين بالحس - ممن تلوثت أجسادهم - إلى أن يكون تعلقهم بالقلب ، لا بالجسد ؛ فالقلب هو الحوض الذي ينضح بماء الطهر ، ولا سبيل إلى الطهر بدونه .
 
( 1362 ) من كان طاهر الجسد لا يكون طاهر الذات ، إذا تخلى عن حياة القلب .
 
( 1363 ) طهارة القلب لا حدود لها ، أما طهارة الجسد فهيِّنة الأمر ، طفيفة القيمة .
 
( 1364 ) القلب هو الحوض الذي يفيض منه الطهر ، ذلك لأن له اتصالا خفيا ببحر الطهر ذاته .
 
( 1365 ) هذا الطهارة التي تتحقق بالتقوى تحتاج إلى مدد دائم من القلب ، والا تناقصت على مرّ الزمن ، إذ أن العبادات تصبح مجرد عادات ما لم تستند إلى الايمان القلبي المتجدد . فبدون هذا الايمان تخلو العبادات - بمرور الزمن - من روحها .

 
“ 487 “
 
ونور القلب أو الروح ، وهو النور الذي يفيضه الله على قلوب أهل الصفاء ، فيجعل لنور الحس ادراكا أوسع ، وشهودا لا يقتصرا على الواقع المحسوس ، وانما يتعداه إلى الغيب المحجب . وقد بحث الغزالي هذا الموضوع في مشكاته . قال : “ اعلم أن نور بصر العين موسوم بأنواع النقصان فإنه يبصر غيره ولا يبصر نفسه ، ولا يبصر ما بعد عنه ، ولا يبصر ما هو وراء حجاب . ويبصر من الأشياء ظاهرها دون باطنها . ويبصر من الموجودات بعضها دون كلها . ويبصر أشياء متناهية ولا يبصر ما لا نهاية له . ويغلط كثيرا في ابصاره : فيرى الكبير صغيرا والبعيد قريبا والساكن متحركا والمتحرك ساكنا . فهذه سبع نقائص لا تفارق العين الظاهرة . فإن كان في الأعين عين منزهة عن هذه النقائص كلها فليت شعري هل هي أولى باسم النور أم لا ؟
واعلم أن في قلب الانسان عينا هذه صفة كمالها ، وهي التي يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة بالنفس الانساني . . . “ ويمضى الغزالي بعد ذلك بعد في بيان تنزه نور ، القلب عن هذه النقائص التي يعاني منها ابصار العين . ( مشكاة الأنوار ، 43 - 49 ) .
وأسلوب جلال الدين في الموازنة بين النورين قائم على التصوير الفنى ويكثر فيه استخدام الرمز .
والصبر على أمر الله هو سبيل الخلاص . لقد صبر يوسف ، فأرسل الله اليه من خلصه من البئر . والروح الصابر أيضا يمد الله له أسباب النجاة .
 
( 1279 ) “ عالم الروح الجديد “ يعنى “ العالم الحافل بالرؤى ، المتجدد على الدوام “ .
 
( 1280 - 1283 ) يشبه الشاعر في هذه الأبيات عالم الحس وعالم الغيب بالتراب والهواء .
فالتراب ينتشر في الفضاء ، ويبدو كأنه موجود متحرك ، أما الهواء
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 12:58 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1391 - 1706 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 1391 - 1706  .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف جاء الرفاق إلى البيمارستان من أجل ذي النون
قدس الله سره العزيز
“ 488 “
 
( 1391 ) “ ليس في الامكان وقف اندفاع الصوفي ، مهما ضاق العوام بما قد يظهر عليه من أحوال ، لا يروقهم ظاهرها .
 
( 1392 ) قول الشاعر : “ والملوك ليست لهم علامة ظاهرة “ ، يعنى أن العارفين لا يظهر عليهم ما يميزهم في نظر العوام .
 
( 1393 ) “ إذا كان الحكم في يد أسارى الحس الجهلاء ، فلا غرابة إذا أصبح السجن مصير العارفين “ .
 
( 1394 ) ان الصوفي مَلك بقوته الروحية وبعرفانه . لكن قوة الروح والعرفان لا يظهر انه في أبهة الملك التي يعرفها العوام . فكأنه ملك يمشى وحيدا ( مجردا من أبهة الملك ) ، فيعبث به الصبية . و “ الصبية “ هنا رمز لجلاء الناس وعوامهم . وهم في سوء تقديرهم للعارف الكامل كالأطفال إذ يعبثون بالدرة اليتيمة ، ولا يعرفون شيئا عن قيمتها .
 
( 1395 - 1397 ) سبق للشاعر أن وازن بين ظاهر الولي وبين حقيقة حاله ، وضرب مثالا لذلك بالنبي صالح الذي كان فردا واحدا فانتصر - بقدرة الله - على قبيلة بأسرها . والأبيات هنا قريبة المعنى من أبيات جاءت قبل ذلك في المثنوى ( ج 1 ، 2502 - 2508 ) .
 
( 1396 ) قد يبدو الولي في بداية الأمر بسيط المظهر ، لكن حقيقته - المحتجبة وراء مثل هذا المظهر - تنكشف بعد ذلك رويدا رويدا .
 
( 1397 ) “ إذ تجلى الانسان الكامل تلاشت في ضيائه الكائنات جميعا ، وسكوت بكماله ، ثم صحت على وجود أسمى “ . ( انظر :
الجيلى : الانسان الكامل ، ج 2 ، الباب 60 ، ص 47 وما يليها ) .
ومن أمثلة ما قاله عن الانسان الكامل : “ وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم ، ليعلى شأنهم ويقيم ميلانهم “ . ( ص 50 ) . وكذلك قوله : “ والانسان ! الكامل أيضا مرآة الحق ، فان الحق تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه وصفاته لا في الانسان الكامل “ . ( ص 52 ) .
 
“ 489 “
 
( 1401 ) كيف يلتمس المسيحي الأمان من السيد الذي صلب . وما دام هذا السيد ذاته قد تعرض للصلب ، فكيف يستطيع أن يدفع عن غيره السوء . ويعتقد المسلمون أن السيد المصلوب ليس المسيح عيسى بن مريم .
 
( 1402 ) “ ان كان المسيح قد صلب على أيدي اليهود ، وفقا لاعتقاد ذلك المسيحي ، فكيف يستطيع أن يمده بالعون ؟ “ ( 1403 ) مهما كانت محبة ذلك الرسول الكريم ( عيسى ) لقومه ، وحرصه عليهم ، فلا سبيل اليه أن يتحقق لهم بعد الرتفاعه ما كان يتحقق لهم من الأمان ابان وجوده بينهم . ويستند هذا المعنى على آية كريمة خوطب بها الرسول في سورة الأنفال . قال تعالى : “ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون “ . ( 8 : 33 ) .
 
( 1404 ) انتقل الشاعر هنا إلى تصوير حياة الولي بين قومه . وقد قدم لها بالحديث عن حياة الأنبياء بين أقوامهم . فالرجل الكامل يكون دائما عرضة لزيف المزيفين ، وتزوير أهل الخيانة ، كما يكون الذهب وصائغه هدفا للمزيفين والمزورين .
 
( 1405 ) الحسد هو القوة التي تدفع الناس إلى محاربة أهل الكمال .
وهو قوة مدمرة ، تجعلهم يعيشون في لهيب مستعر ، وتدفعهم إلى الايذاء دفعا . ومن هنا كان ميل أهل الكمال إلى اخفاء حقيقتهم وانصرافهم عن الظهار مزاياهم .
 
( 1406 ) الجبّ الذي ألقى به يوسف كان نتيجة لحسد اخوته .
فالحسد هو الجبّ الحقيقي . وأهل الكمال هدف وضحية لهذا الجب الذي يكمن في طريقهم ، وهو الحسد . فالحاسدون يسعون إلى اهلاك كل من تفوق عليهم .
 
( 1407 ) الذئب الذي تحدث عنه اخوة يوسف وذكروا لأبيهم أنه أكل أخاهم ، لم يكن سوى ذئب الحسد الذي كمن له في الخفاء ، ذلك
 
“ 490 “
 
لأنه لم يكن هناك ذئب حقيقي . وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى ، حكاية عن اخوة يوسف : “ قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب “ . ( 12 : 17 ) .
 
( 1408 ) حينما طلب اخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم يرتع ويلعب عبر لهم يعقوب عن خوفه من أن يأكله الذئب وهم عنه غافلون قال تعالى حكاية عن يعقوب : “ قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأتتم عنه غافلون “ . ( 12 : 13 ) . فالذئب الذي خاف منه يعقوب هو في رأى الشاعر ذئب الحسد الذي كان يغلى في نفوسهم ، وكان من الممكن أن يدفعهم إلى ايذائه وهم في غفلة عما بينه وبينهم من إخاء . وفي آيات القرآن الكريم ما يوضح خوف يعقوب على يوسف من حسد اخوته له . قال تعالى : “ قال يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا “ . ( 12 : 5 ) .
 
( 1411 ) آلاف الذئاب لا يكون لها من المكر ما يكون لذئب الحسد .
ذلك لأن ذئب الحسد يدبر كيده في الخفاء . لكنّ أمره لا بد أن يفتضح في النهاية .
 
( 1412 - 1415 ) ذكر الشاعر الصور التي يحشر عليها الحاسدون والحريصون والزناة وشاربو الخمر . أما أصحاب القلوب النتنة ، الذين لا يظهر في الدنيا نتن قلوبهم ، فسوف يصبح تنها - في آلآخرة - ظاهرا محسوسا .
 
( 1416 - 1417 ) في البيتين تصوير رائع للوجود الآدمي . فقد شبهه الشاعر بغابة كثيفة الأشجار ، لا يعرف أحد ما يجوس خلالها من الوحوش الضوارى . فالانسان لا ينبئ بظاهره عن حقيقة باطنه .
 
( 1420 ) الكيان البشرى قابل لا كتساب الصفات الجميلة والقبيحة .
فقد تنفذ اليه صفة غادرة شبيهة بصفات الذئب ، وقد تنفذ اليه صفة جميلة ، كأنها يوسف في جمال محياه .
 
“ 491 “
 
( 1422 ) لا يقتصر اكتساب الصفات على الانسان وحده ، بل ربما اكتسبها الحيوان من الانسان .
 
( 1427 ) الصدور يرتبط بعضها ببعض خلال طريق خفي يدركه العارفون . فالصدور تمد شباكها لتتصيد المعارف والخصال من سواها .
وقد رمز الشاعر إلى العارفين بالأسود . ولا داعى للأخذ بالتفسيرات القديمة ( انظر المنهج القوى ، 2 ، ص 332 ) ، كما أنه لا ضرورة لتفسير “ الأجمة العجيبة “ في هذا البيت بأنها “ أجمة الذات الإلهية المشتملة على كل إيوان الوجود والعقل الإلهي المتضمن لجميع الأفكار “ . فالشاعر هنا يتحدث في موضوع تعليمي ، هو امكان اكتساب المعارف من العارفين .
وفي البيت التالي لهذا يحث المريدين على سرقة جواهر المعرفة من صدور العارفين . “ فالأجمة العجيبة “ هنا ليست سوى صدر الانسان بما ينطوى عليه من عجائب .
 
( 1428 ) قول الشاعر : “ يا من أنت أقل من كلب “ توبيخ للمريد الذي لم يستطع أن يقتبس المعرفة من الشيخ العارف ، وبهذا لم يبلغ ما بلغه كلب أصحاب الكهف ، حين اكتسب الصلاح من أصحابه .
 
( 1429 ) في البيت إشارة إلى مثل عربى نصفه : “ إذا سرقت فاسرق الدرة “ . فالشاعر يخاطب المريد قائلا : “ ان كان لا بد لك أن تسرق ، فدرة العرفان هي أثمن شئ يسرق . وفي هذا المعنى دعوة إلى تحويل الرذائل الحسية إلى فصائل روحية .
 
( 1434 ) “ العقلاء “ هنا هم العقلاء الدنيويون .
 
( 1436 - 1441 ) تشير هذه الأبيات إلى قصة وردت في تفسير آيات من سورة البقرة . يقول الزمخشري : “ كان في بني إسرائيل شيخ موسر ، فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه ، وطرحوه على باب مدينة، ثم جاءوا يطالبون بديته. فأمرهم الله أن يدبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله...

“ 492 “
 
وروى أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأو داجه تشخب دما ، وقال :
قتلني فلان وفلان لا بنى عمه ، ثم سقط ميتا ، فأخذا وقتلا “ . ( الكشاف ج 1 ، ص 148 ، 153 ) . وقد وردت هذا القصة في تفسير الآيات 67 ، 72 ، 73 من سورة البقرة . قال تعالى : “ وإذ قتلتهم نفسا فادَّار أتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون . فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون “ . ( 2 : 72 - 73 ) .
 
( 1442 ) هذا البيت يتضمن التفسير الصوفي للقصة السابقة . فحينما تقتل شهوات الجسد الغليظ ويقضى على تسلطه ، يبعث الروح حيا .
والبقرة في القصة السابقة رمز للكيان الجسدي الغليظ .
 
( 1443 ) حينما قتلت البقرة - رمز الكيان الجسدىّ الغليظ - تكشفت الأسرار ، وظهر ما كان خافيا . وهكذا الحال عندما يقُضى على الجسد ، فالروح يتحرر حينذاك ، ويطلع على عالم الغيب ، وخفىّ الأسرار .
 
( 1444 ) حينذاك يصبح الروح قادرا على كشف حقيقة الشياطين المستترين ، ولا يكون للخداع والمكر سبيل للايقاع به . وربما كانت “ الشياطين المستترة “ هنا رمزا لشهوات الحس التي تزين اللذات للناس ، كما يفعل الشيطان . ووصف الشياطين بأنها “ دائبة على سفلك الدماء “ رمز إلى أنها مثابرة على قتل الأرواح .
 
( 1445 ) “ قتل البقرة “ ، يعنى قتل رغبات الحس ، وشهوات الجسد .
 
( 1464 ) رُوى عن مجاهد أنه قال : “ كان لقمان عبدا أسود ، عظيم الشفتين مشقق القدمين “ . ( الثعلبي : قصص الأنبياء ، ص 391 ) .
 
( 1465 ) يبدأ الشاعر هنا رواية حكاية عن مَلك وصوفي . وتتضمن هذه الحكاية حكمة في الزهد نسبت إلى مصادر متعددة . ومن أقدم من نسبت إليهم ديوجانس الكلبي . يذكر الشهرستاني أن ديوجانس سئل :


 
“ 493 “
 
كم عبد لك ؟
قال : أربابكم ، يعنى الغضب والشهوة . ( الملل والنحل ، 2 ، 150 ) .
وقد بين نيكولسون ورود قصة الملك والصوفي في كشف المحجوب للهجويرى ، كما تتبع فروزانفر هذه القصة في مختلف مصادرها ( مآخذ قصص ، 53 - 55 ) .
وتروى القصة أن ملكا التقى بأحد الدراويش . فخاطب الملك الدرويش قائلا : “ سلني حاجة “ . فقال الدرويش : “ لست أريد شيئا ممن هو عبد العبيدي “ . فقال الملك : “ وكيف كان ذلك ؟ “ فقال الدرويش : “ ان لي عبدين كلاهما سيد لك ، أحدهما هو الحرص وأما ثانيهما فهو طول الأمل “ .
 
( 1469 ) الملك الحق هو الذي لا يكون للمُلك سلطان على نفسه ، فلا يتسرب إليها - من جرائه - الغرور والحرص .
 
( 1470 ) الكنز الحقيقي هو الروح اليقظ . وصاحب هذا الروح هو مالك الكنز ، لأنه ظفر بالوجود الحق . أما المعتد بوجوده الحسى فلا سبيل له إلى الوجود الحق .
 
( 1472 ) قول الشاعر : “ فالجوهر أدنى في نظرهم من القش “ ، يعنى أن الناس يقبلون على الزائف ويقدرونه ، على حين أنهم يعرضون على الجوهر الأصيل ، ولا يدركون قيمته .
 
( 1478 - 1479 ) جاء في رسالة القشيري ( ص 107 ) رواية عن أحمد بن عاصم الأنظاكى : “ إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق ، فإنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحسون “ .
ويتصل هذا المعنى بملكة الفراسة التي تنسب إلى العارفين . ويبنى القول بها على حديث يروى عن الرسول قوله : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله “ . يقول القشيري ( ص 105 ) : “ وهي ( الفراسة ) على


 
“ 494 “
 
حسب قوة الايمان ، فكل من كان أقوى ايمانا كان أحد فراسة “ . وقد فُسِّر قوله تعالى : “ ان في ذلك لآيات للمتوسمين “ ( 15 : 75 ) ، بأن “ المتوسمين “ هم أهل الفراسة ، العارفون بالسمات .
ونقل القشيري عن الواسطي قوله : “ ان الفراسة سواطع أنوار لمعت في القلوب ، وتمكين معرفة حملت السرائر في الغيوب ، من غيب إلى غيب ، حتى يشهد الأشياء من حيث أشهده الله الحق سبحانه إياها ، فيتكلم على ضمير الخلق “ . ( الرسالة ، 105 ) .
 
( 1483 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنَّا له الحديد “ . ( 34 : 10 ) .
فمن لان في كفه الحديد فما أهون الشمع في كفيه ، ومن كان عالما بأسرار الوحدانية فما أهون أسرار الخلق عليه .
 
( 1495 ) السيادة في الدنيا ليست دليلا على السيادة في الآخرة ، ولا ضعة الشأن مقدمة لحدوث ذلك في الآخرة ، بل كثيرا ما يكون الوضيع في الدنيا سيدا في الآخرة ، والسيد في هذا العالم وضيع المقام خاوى الوفاض في العالم الآخر .
 
[ شرح من بيت 1500 إلى بيت 1650 ]
 
( 1500 ) ليس كتمان السر عن الأشرار فعلا عظيما يستدعى الاعجاب ، فهذا من الأمور التي لا يقتصر ادراكها على خاصة العارفين . ان الفعل العجب يتجلى في مقدرة المرء على كتمان سره عن نفسه . و “ كتمان السرّ عن النفس “ ، يعنى الامتناع عن الاحساس بالذات ، لأن ذلك يبعث الغرور في النفس . وتهذيب النفس على هذا النحو يعُتبر - عند الصوفية .
- نهجا رفيعا من الاخلاص . روى عن أبي على الدقاق أنه قال :
“ الاخلاص هو التوقي عن ملاحظة الخلق وصدق التنقى من مطالعة النفس .
فالمخلص لا رياء له ، والصادق لا اعجاب له “ . ( رسالة القشيري ، 95 ) .
 
( 1502 ) “ اسلام النفس إلى شباك المثوبة “ ، كناية عن تقديمها إلى الله . وحنيما يتحقق هذا الموقف لا يبقى للمرء حرص ذاتي ، ويستطيع



“ 495 “
 
- في غمرة هذا الاخلاص - أن يقتلع الأنانية من ذاته .
 
( 1503 ) انتزاع الأنانية من النفس الحسية يهون ، حين يسلم المرء قلبه إلى الخالق . فمثل هذا التوجه يخرج النفس الحسية عن وعيها ، فيسهل حينذاك اقتلاع الشرور منها ، كما يسهل بالتخدير اقتلاع رأس الحربة من الجريح .
 
( 1505 ) إذا ركز فؤاد المرء في احدى الأفكار سُلب منه ما سواها فلو كان اهتمامه الكلى بمتاع الدنيا ، سُلبت منه معارف الروح .
 
( 1506 ) مهما يكن لك عن عرفان تعتقد أنه يقيك ، أو علم تركن اليه ، فان الشيطان يستطيع أن ينفذ إلى قلبك ساعة اشتغالك بما سواهما .
 
( 1507 ) لو اشتغل الانسان بما هو أهم - وهو العرفان الروحي - سُلب منه ما هو أدنى ، وهو التلعق بالمادة ، والحرص على مطالب الحس .
 
( 1508 - 1509 ) إذا كانت بعض الخواطر لا بد أن تضيع من المرء ، فخواطر الشر هي الأحرى بالضياع . فالتاجر حين تسقط بضائعه في الماء يسارع إلى استنقاذ أثمنها .
 
( 1510 - 1528 ) القصة التي يرويها الشاعر عن لقمان في هذه الأبيات وردت في مصادر متعددة ، لكن بطلها - طبقا لهذه المصادر - لم يكن لقمان . ولعل الشاعر قد وجد فيها من الحكمة ما يشبه حكمة لقمان فنسبها اليه . وقد بين فروزانفر بعض المصادر التي وردت بها هذه القصة ، وهي الامتاع والمؤانسة لأبى حيان التوحيدي ، وكذلك منطق الطير للعطار ، وجوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وأسرار التوحيد .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 55 - 56 ) .
وفيما يلي ترجمة لأبيات العطار ، التي روى فيها هذه القصة “ يحكى أن ملكا طيب السيرة أعطى ذات يوم فاكهة لأحد غلمانه .
فأكل الغلام هذه الفاكهة ملتذا ، وكأنه لم يذق طعاما مثلها !

“ 496 “
 
فكان التذاد الغلام بالفاكهة ، على هذه الصورة ، مما أثار رغبة السيد في تذوقها .
فقال : “ هب لي نصفها أيها الغلام ، فإنك تبدى غاية التلذذ بهذا الطعام الطيب “ .
فناوله الغلام نصفها فلما تذوقه المليك ، وجده مرّا ، فقطب حاجبيه .
وقال : “ ما أكل أحد مثل هذا قط أيها الغلام . ومن ذا الذي يجد الحلاوة في مثل هذه المرارة ؟ “ فقال هذا السالك للملك : “ أيها المليك . ما دمت قد تناولت من يدك ألوفان من التحف ، فلست أسيع رد حبة من الفاكهة المرة ، أقلتت ذات مرة من يدك .
فما دام لي في كل لحظة كنز من يدك ، فكيف تزعجنب حبة واحدة من الفاكهة المرة ؟
 
 ( 1526 ) قول الشاعر : “ وما دمت غريق حَبِّك وشبابك “ يعنى :
“ وما دمت غريق فضلك أسير انعامك “ .
 
( 1527 ) قول الشاعر : “ فليُحث فوق كل أعضائي تراب مائة طريق “ : حثو التراب على رأس انسان يُعد صورة بالغة من صور الإهانة والتحقير . وكثيرا ما يرد هذا التعبير في المثنوى وغيره . وقد بالغ الشاعر هنا في هذه الصورة ، فجعل لقمان يرجو الله أن يُحثى فوق كل أعضائه تراب مائة طريق له أنه تنكر لسيده ، من جراء هفوة واحدة .
 
( 1532 ) العرفان يجعل من تحقق به محبا صادق الحب . ولا سبيل إلى الوصول إلى مقام المحبة ما لم يتحقق المرء بكامل العرفان .
 
( 1533 ) ان من نقص العرفان أن يتعلق الانسان بالجماد أو بالمادة .
ولو تحقق لانسان كامل العرفان ما ارتضى أن يشغل قلبه بشئ يصرفه عن


 
“ 497 “
 
الخالق . ذكر القشيري قولا منسوبا إلى يوسف بن علىّ جاء فيه : “ لا يكون العارف عارفا حقا حتى لو أعطى مثل ملك سليمان لم يشغله عن الله عز وجل طرفة عين “ . ( الرسالة ، 142 ) .
 
( 1537 ) روى في الجامع الصغير عن ابن مسعود أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : “ ذهاب إلى البصر مغفرة للذنوب ، وذهاب السمع مغفرة للذنوب ، وما نقص من الجسد فعلى قدر ذلك “ . ( المنهج القوى ، ج 2 ، 352 ) .
 
( 1542 ) بدون صفاء الرؤية لا يستطيع الانسان أن يميز بين النور الآفل وبين النور الخالد ؛ يبهره البرق الخلب ، فيتصور دوامه ، فلا يلبث البرق أن يختفى ويتركه للظلام . والعرفان الروحي هو النور الخالد ، أما المعارف الدنيوية فهي البرق الخلب .
 
( 1544 ) ان أنوار الفلك كسيحة مقطعة الأرجل ، تشرق وتغيب ، ومن الممكن حجبها . فأين هي من نور الله الخالد ، والذي لا يؤثر فيه شروق ولا غروب .
 
( 1549 ) “ المشترى “ كوكب سعد ، وأما زحل فهو كوكب نحس .
يقول البحتري ، في قصيدته عن إيوان كسرى .
عكست حظه الليالي وبابت المشرتى فيه وهو كوكب نحس .
 
( 1550 ) “ تأمل بنظرك العقلىّ هذا النحس الذي وقعت فيه ، لعلك بذلك تدرك حقيقة النفس الأمارة بالسوء ، وكيف أنها جرت عليك كل هذا النحس “ . هذا هو المعنى الواضح للبيت . وتفسير نيكولسون له فيه كثير من التكلف والتأويل البعيد عن النص .
 
( 1551 ) النظر المدرك الذي يشهد ما يصيب الانسان من جزر ومدّ ، قد استطاع أن يشق له سبيلا إلى السعد برغم ما يحيط به من حجب النحس .
 
( 1552 ) الله قادر على أن يحول الانسان من حال إلى حال . وهو


 
“ 498 “
 
يقوده إلى هذا التحول بما وهبه من ملكات ، منها ادراك الضد بضده فالموازنة والمقارنة المبنية على الادارك السليم تنقل الانسان من النحس إلى السعد ، أي من الحسية المظلمة ، إلى مشرق الروح .
 
( 1553 ) “ عندما يظهر لك الله الشر وأخطاره ، في مواجهة الخير ، يتولد الخوف في قلبك من أن تذهب ضحية الشر ، وتصبح من أصحاب الشمال . ويأتي حينذاك الأمل في لذة أصحاب اليمين ، وهم هنا العارفون الروحيون . ومثل هذا الأمل لا يطمح اليه سوى الرجال ، الذين صدقت رجولتهم بالاستقامة والايمان .
ووصف الشاعر للأشرار بأنهم “ أصحاب الشمال “ وكذلك وصفه للأخيار بأنهم “ أصحاب اليمين “ مقتبسان من القرآن الكريم . ( 56 :
27 ، 41 ) .
 
( 1554 ) “ الجناحان “ في البيت رمز للخوف والرجاء . فلا بد للانسان من هذين الدافعين ، يحركانه بصورة متوازنة . فالخوف بدون رجاء ، قنوط لا يرجى معه عمل . والرجاء بدون الخوف سذاجة وطمع لا يستندان إلى أساس . فالخوف والرجاء ضروريان لاتزان السلوك الانساني ضرورة الجناحين للطائر . يروى السلمى عن أبي عثمان المغربي أنه قال : “ من حمل نفسه على الرجاء تعطل ، ومن حمل نفسه على الخوف قنط ، ولكن من هذه مردة ومن هذه مرة “ . ( القشيري : الرسالة ، 63 ) .
 
( 1557 ) حكمة الله في أعماله لا يدركها حق ادراكها سوى الأنبياء والصديقين . وأصعب ما يكون ادراك الحكمة حينما تقترن ببلاء يقع فيه الانسان . ولا بد من روح شبيه بروح إبراهيم ليقدر على اختراق حجب البلاء ، ويبصر الحكمة الكامنة وراءها . فهذا الرسول - وهو في صميم النار - أبصرت روحه الفردوس .
 
( 1558 ) لا بد من الروح المبصر لكي يرقى الانسان في درجات الكمال
 
 
 
“ 499 “
 
والاشراق إلى القمر ثم إلى الشمس ، ولا يبقى أسير هذا الوجود المادىّ كما تبقى الحلقة أسيرة الباب . والمعروف عند الفلكيين العرب أن القمر أقرب الكواكب إلى الأرض ، وان الشمس في السماء الرابعة .
 
( 1559 ) ان الروح المكتملة بالعرفان لتتجاوز في تساميها السماء السابعة ، ولا يكون نور الأفلاك الآفلة شيئا بالقياس إلى ما تراه من النور الخالد . وهذا ما كان من إبراهيم ، ذلك الرسول الكريم ، الذي قال عنه الخالق : “ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين “ . ( 6 : 75 ) . فقد ظلمت روح تنشد النور الخالد وتعرض عن النور الآفل ، وانتهى بها البحث والطلب إلى الاهتداء اليه .
 
( 1561 - 1562 ) رجع الشاعر هنا إلى قصة كان قد بدأ روايتها في البيت رقم 1047 ، ثم استطرد منها إلى سواها بعد أبيات قليلة .
 
( 1563 ) بستانىّ الملك هو العارف الكامل ، وهو الذي رمز الشاعر اليه بالملك في هذه القصة . والاستفهام هنا انكارىّ . فالمراد تأكيد عرفانه وقدرته على التمييز .
 
( 1574 ) قول الشاعر : “ كان يصفق بيديه ساخرا من هؤلاء الخزافين “ ، يعنى أن الملك كان يسخر من هؤلاء القوم الذين لم تكن لهم عناية الا بأبدانهم ، وهي الهياكل الترابية ، فكأنهم خزّ افون لا هم لهم الا تشكيل الطين وصقله .
 
( 1577 ) “ لقد كانوا يحيكون شبكة للمليك ، لكنهم عرفوا في النهاية كيف أن الملك كان أحكم منهم تدبيرا “ . ذلك كان على مقتضى قوله تعالى : “ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين “ . ( 3 : 54 ) .
 
( 1580 - 1581 ) ان عين الشيخ العارف تنفذ خلال الحجب ، وتطلع على ما يكتم التلميذ المريد في قلبه ، في حين أن التلميذ يسعى إلى أن يحجب حقيقته عن أستاذه بستار بال ، هو قلبه المهلهل .
 
( 1583 ) يخاطب الأستاذ تلميذه الخالي من الوفاء بقوله : “ يا أخس


 
“ 500 “
 
من كلب “ ، على أساس أنه لا يملك الوفاء ، مع أن الوفاء من صفات الكلب .
 
( 1585 ) قول الأستاذ لتلميذه : “ وبدونى ما كان ينساب من أجلك ماء “ ، يعنى “ بدون ارشادي ما كنت بمستطيع أن تتلقى أوى قبس من العرفان الروحي “ .
 
( 1587 ) يقول الأستاذ لتلميذه : “ أنت تقول : لقد كنت أقدح النار في الخفاء “ ، فالأستاذ هنا يوبخ تلميذه على اعتقاده بأن الظن الفاسد لم يتجاوز عنده الخفاء إلى العلن . ويؤكد له الأستاذ - بعد ذلك - أن القلب الصافي يطلع على خبايا القلوب .
 
( 1593 ) دخول الشمس في برج الحمل يكون من نتائجه قدوم الربيع . ( أنظر : نلينو : علم الفلك ، ص 127 ) .
 
( 1596 ) “ إذ رأيت الذبول يشيع في بستان روحك ، فاعلم أن ذلك قد أصابك لأن الشيخ غاضب عليك “ .
 
( 1597 ) لا معنى لتفسير “ برج العتاب “ هنا بأنه “ برج الجدى “ كما فعل ويلسون . وقد تبعه في ذلك نيكولسون . ( انظر تعليقه على البيت ) . ان التعبير هنا مجازىّ والمراد به أن الشيخ - الذي شبهه الشاعر بالشمس - لو دخل برج العتاب ، لا سودّ بذلك وجه المريد .
فالبروح التي يمكن أن يدخل بها الشيخ هي برج الرضا ، وبرج العتاب ، وبرج الغضب ، وما إلى ذلك . فحالاته النفسية ومشاعره نحو مريده يكون لكل منها أثر مختلف على المريد ، كما تختلف آثار الشمس بين برج وآخر .
 
( 1598 ) الشاعر هنا يشبه الشيخ بعطارد ، كاتب السماء . فالشيخ يخط في قلوب مريديه ما يشاء من قبض وبسط ، فيكون ما يتركه عيلها من سواد وبياض ميزان ترددها بين هاتين الحالتين .
 
( 1599 ) “ الأحمر والأخضر “ هنا كناية عن الربيع . فمعنى البيت


 
“ 501 “
 
 
أن الشيخ يعود فينشر في القلوب ربيعا من البهجة والبشر ، يخلصها من الكآبة والعجز .
 
( 1600 ) بين الشاعر في هذا البيت ما قصد اليه من الرمز باللون الأحمر والأخضر ، وهو الربيع . ثم قال إن الربيع يبدو - عند التأمل - شبيها بقوس قزح ، يعنى أن من يحسن تأمل الريع يجد أن ألونه لا تقتصر على الأحمر والأخضر ، بل هي متنوعة تنوع ألوان الطيف . والتعبير بالألوان المتعددة هنا يشير إلى تنوع احساسات البهجة والتفاؤل التي ينشرها الولي في نفوس مريديه .
 
( 1601 ) يبدأ الشاعر هنا رواية قصة بلقيس ملكة سبأ مع النبىّ سليمان . ويبدو من السياق أن تفسيره الصوفي لهذه القصة هو أن بلقيس تمثل المريد الطيع ، إذ سرعان ما أدركت أسرار دعوة سليمان من كلمات قليلة نقلها إليها الهدهد .
 
( 1602 ) ذكر القرآن الكريم نص كتاب سليمان على لسان مكلة سبأ قال تعالى : “ قالت يا أيها الملا انى ألقى إلى كتاب كريم . انه من سليمان وانه باسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلوا على وأتوني مسلمين “ .
( 27 : 29 - 31 ) .
 
( 1604 ) يشير الشاعر بهذا إلى أن المظهر المتواضع قد يحجب حقيقة عظيمة . وكثيرا ما أكد الشاعر هذا المعنى ، حين حديثه من الأنبياء الذين حسبهم الناس أفرادا عاديين ، ولم يفطنوا لما كان يدعمهم من تأييد الهى .
 
( 1605 ) ان العقل يكون دائما على خلاف مع الحس في مواجهة هذه الطلسمات ذات اللونين ، أي التي تفهم من جانبين ، جانبها الحسى ، وجانبها المعنوي . فالعقل ينفذ وراء الظاهر ، والحواس تقف عند ظاهر الحس ، فينشأ خلاف في الادراك . والشاعر قد ذكر الرسول بوصفه أسمى من تحقق له الادراك الروحي ، وأبا جهل بوصفه صورة للغفلة الناجمة من


 
“ 502 “
 
الخضوع الكامل لسلطان الحس .
 
( 1608 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها “ . ( 7 : 179 ) .
 
( 1610 ) “ سيد الغد والحال “ هو الخالق . أما قول الشاعر عن العين الحسية انها “ لا ترى من الكنز مثقال شعيرتين “ فمعناه : أن هذه العين لا تبصر من كنز العرفان الا أقل القليل .
 
( 1615 ) انشقاق السماء يكون يوم البعث . فلعل الشاعر يتحدث هنا عن بعث الروح الغافل ، وأن هذا البعث أيضا يجعل السماء تنشق فيرى الروح ما كمن وراءها من عالم الغيب . ويؤيد ذلك قوله عن الانسان في البيت التالي ( 1616 ) : “ تأمل ذلك التراب الذي جاوز العرش مسرعا “ .
 
( 1616 ) التراب - بطبيعته - يرسب في الماء ، ولكن الله صاغ من التراب كائنا تسامى إلى العرش . هذا المخلوق هو الانسان الكامل .
وشبيه بهذا المعنى ( تسامى التراب ) قول الشاعر : “ ان العشق جعل الجسد الترابى يعلو على الأفلاك “ ( مثنوى ، 1 ، 25 ) .
 
( 1624 ) قول الشاعر : “ وأنت يا إبليس ، أيها النارى ! اهبط إلى حضيض الثرى “ ، يمكن أن يفهم على ضوء قول الجيلى :
“ وأما الطبقة السابعة من الأرض فإنها تسمى أرض الشقاوة . وهي سطح جهنم ، خلقت من سفليات الطبيعة ، يسكنها الحيات والعقارب وبعض زبانية جهنم . . . وحياتها وعقاربها كأمثال الجبال ، . . . وهي محلقة بجهنم . . . أسكن الله هذه الأشياء في هذه الأرض لتكون أنموذجا لما في جهنم من عذابه “ . ( الانسان الكامل ، 2 ، 75 ) .
 
( 1625 ) يسخر الشاعر من الفلاسفة الذين ينسبون التحول في الأشياء إلى الطبائع الأربع ، الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة .
( انظر تعريف كل من هذه الطبائع عند ابن سينا : تسع رسائل في الحكمة الطبيعة ، الرسالة الرابعة “ في الحدود “ ، 95 - 96 ) .


 
“ 503 “
 
ويذكر الجيلى أن الطبيعيين عبدوا الطبائع الأربع مدعين أنها أصل الوجود ، إذ العالم مركب من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة . ( الانسان الكامل ، 2 : 81 ) .
ويسخر الشاعر هنا أيضا من بعض المتفلسفين الذين وصفوا الخالق بأنه “ العلة الأولى “ . ويعرف الشهرستاني العلة بقوله .
“ المبدأ والعلة يقال لكل ما يكون قد استتم له وجوده في نفسه ، ثم حصل منه وجود شئ آخر ، وتقوم به “ . ( الملل والنحل ، 2 : 186 ) .
 
( 1626 ) قول الشاعر : “ وليس بذى علة “ فيه تورية . فقد يعنى وصف فعل الخالق بأنه لا سبيل إلى أن ينسب اليه اعتلال ، وقد يعنى أن فعل الخالق ليس مبنيا على علل وأسباب ، إذ أنه يفعل ما يشاء . ويصدق هذا التفسير أيضا على قوله : “ وتقديرى لا علة فيه “ .
 
( 1630 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر “ . ( 75 : 8 - 9 ) .
( 1631 ) قول الشاعر ان الخالق يجعل بالقدرة “ عين الدم مسكا “ يعنى أن الخالق يستطيع أن يجعل عين الشمس الملتهبة الحمراء مظلمة سوداء كالمسك . ومع أن الشاعر يعبر هنا عن المعنى تعبيرا لونيا ، فليس هناك ما ينفى الإشارة إلى الحقيقة المعروفة ، وهي أن المسك يستنبط من دم ، هو دم الغزال ؛ فتحول الدم إلى مسك هو في ذاته صورة من صور القدرة الإلهية المشهودة .
 
( 1632 ) الشمس والقمر - عند قيام الساعة - يشرقان من المغرب ، فيصيران مظلمين ، ويمضيان على هذا النحو مسخرين ، كأنهما ثوران أثقل عنقاهما بالأعباء . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، 2 ، 57 ) .
 
( 1633 - 1640 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات قصة وردت في تفسير قوله تعالى : “ قل أرأيتم ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين “ . ( 67 : 30 ) .

“ 504 “
 
يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية : “ وعن بعض الشطار أنها تليت عنده فقال : تجىء به الفؤوس والمعاول . فذهب ماء عينيه “ .
( تفسير الكشاف ، 4 ، 583 ) .
وأورد فروزانفر صورا أخرى لهذه القصة من مصادر متعددة .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 56 - 58 ) .
 
( 1646 ) شعيب هو النبي الذي أرسل إلى أهل مدين . يقول صاحب المنهج القوى : “ روى من معجزات سيدنا شعيب أن المحل الذي يسكنه كان جبلا محجرا لا يقبل الزراعة ، فدعا الله تعالى أن يبدله بأرض ذات تراب تقبل الزارعة ، ففعل “ . ( المنهج القوى ، 2 ، 378 ) . ولم أعثر على أصل ذلك فيما قرأت من سيرة شعيب . وليس في القرآن الكريم نص على معجزة شعيب ، بل فيه إشارة إليها . قال تعالى : “ وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم “ . ( 7 : 85 ) . يقول الزمخشري : “ فان قلت ما معجزته ؟
قلت : قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله : ( قد جاءتكم بينة من ربكم ) . . . غير أن معجزته لم تذكر في القرآن ، كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه “ . ويستطرد الزمخشري - بعد ذلك - بذكر معجزات رويت عن شعيب ، ليس من بينها ما أشار اليه الشاعر . ( الكشاف ، 2 ، 127 ) .
والشاعر يستاءل في هذا البيت عن ولىّ يكون له من الكرامة عند الله ما كان لشعيب ، فيجعل من الجدب خصبا .
 
( 1647 ) “ الأمر الصعب المستحيل “ الذي يشير اليه الشاعر هو خوض النيران من غير احتراق بها ، وهو ما حدث للخيل ، حين ألقى في النار ، فكانت عيه بردا وسلاما .
 
( 1648 ) أورد فروزانفر ما يمكن أن يكون أصلا لهذه القصة ، وذلك في نص نقله عن معجم البلدان لياقوت الحموي ، جاء به قوله :


 
“ 505 “
 
“ سال المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فتعجب عمرو من ذلك ، وقال : أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب اليه أن سله لم أعطاك به ما أعطاك ، وهي أرض لا تزرع ، ولا يستنبط فيها ماء ، ولا ينتفع بها ، فقال : انا نجد صفتها في الكتب وأنها غراس الجنة ، فكتب إلى عمر بذلك فكتب اليه عمر : انا لا نجد غراس الجنة الا للمؤمنين “ . ( مآخذ قصص وتمثيلات ، 59 ) .
 
[ شرح من بيت 1650 إلى بيت 1800 ]
 
( 1651 - 1652 ) ليست التوبة مجرد إرادة ينويها المرء ، فيقترف الذنوب ، معتمدا على أنه سوف يتوب يوما إلى الله ، فتُمحى ذنوبه .
ان التوبة هبة الهية . والقرآن ملىء بالآيات التي تذكر أن الله يتوب على الناس ، وتصفه بأنه هو التواب الرحيم . قال تعالى : “ فتلفي آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم “ . ( 2 : 37 ) . وقال :
“ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات “ . ( 33 : 37 ) . وغير ذلك كثير . وهذه الهبة مقترنة بصدق اخلاص المرء في طلبها .
 
( 1653 ) قول الشاعر : “ لا بد للتوبة من لهيب وماء “ يعنى أنه لا بد للتوبة من حرقة القلب ودموع العينين .
 
( 1654 ) لا بد من الدمع ولهيب القلب لكي تحقق الحياة الروحية ثمارها . فثمار الحياة الروحية شبيهة بثمار البستان في حاجتها إلى الحرارة والماء .
 
( 1655 - 1664 ) انتقل الشاعر من حديثه من الحرارة والماء ، وضرورتهما لنضج الثمار ، إلى التوسع في بيان ما لهما من أثر على الحياة . وقد اتخذ الشاعر من الحرارة والماء رمزا لحرارة القلب المخلص ، ودموع الخوف والرجاء . وبيِّن ما يكون لهذين من الأثر على بستان الروح ، ثم صور هذا البستان حافلا بالورد والأزهار والأشجار ، مفعم الجنبات بشدو البلابل ، وهتاف الحمام .
 
( 1662 ) “ اللقلق طائر أعجمي طويل العنق ، وكنية - عند أهل


 
“ 506 “
 
العراق - أبو خديج . . وصوته اللقلقة . . ويوصف بالفطنة والذكاء “ .
( انظر : الدميري : حياة الحيوان ، ج 2 ، ص 319 ) .
 
( 1665 ) هذه الهبات الروحية التي يتلقاها العارف أدلة يهتدى بها ، وعلامات يقتفيها ، في سلوك السبيل إلى خالقه .
 
( 1666 ) من كان عارفا بالخالق سعد بتلك الآثار الروحية التي يتلقاها . أما من حُرم هذا العرفان فان هذه الآثار تحدث له فلا يفطن إليها ولا يدرك معناها .
 
( 1667 - 1668 ) ساعة “ ألست “ إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى “ . ( 7 : 172 ) . فالعارفون - قبل خلق العالم - تذوقوا خمر المحبة ، ولهذا فإنهم يعرفون هذه الخمر في الدنيا ، أما سواهم فلم تتحقق لهم مثل هذه النشوة من قبل ، فهم في هذه الدنيا غافلون عنها .
 
( 1669 ) في البيت إشارة إلى الحديث المشهور : “ الحكمة ضالة المؤمن “ . وقد أورده الترمذي بسند ينتهى إلى أبي هريرة .
ان الحكمة - بالنسبة للمؤمن - كالناقة الضالة ، يبحث عنها ويطلبها ، فإذا ما لقيها عرفها ، لأن روحه كانت قد تذوقتها قبل هذه الحياة . فالحكمة - التي هي ضالة المؤمن - تكون دلالة له على أصله الروحي . وينسب إلى الامام على أنه قال : “ الحكمة دلالة المؤمن “ .
أما الملوك - المذكورون في هذا البيت - فيقصد بهم الصوفية العارفون .
 
( 1670 - 1671 ) قد يُوحى للعارف بالبشائر الإلهية ابان النوم .
 
( 1673 ) قول الشاعر : “ ومن علاماته أنه سوف يطوى أمامك ساعديه “ ، يعنى أن “ من علاماته أن يقف أمامك مبديا احترامه لك ، وطاعته لأمرك “ .
 
( 1675 ) هذه الآيات التي يبديها الحق للعارفين شبيهة بالآية التي أبداها الحق لنبيه زكريا .



“ 507 “
 
( 1676 - 1677 ) النهى - في هذين البيتين - تفسير للنهي عن الكلام الذي وجهه الله إلى زكريا .
 
( 1678 ) عاد الشاعر هنا إلى الحديث عن العارف الذي يتلقى في منامه حلما ينبئه بآيات وعلامات لتحقق مراده .
 
( 1680 - 1686 ) يصور الشاعر في هذه الأبيات حال المحب الذي يطلب الحق باخلاص ، وما يقدم من تضحيات ، وما يصيبه من آلام في سبيل ذلك . فهو يبكى ويتضرع خلال الليالي والأسحار . وهو يشعر بالتعاسة أثناء النهار ، ويغدو عنقه - من كثرة المجاهدة - نحيفا كالمغزل .
وهو يجود بكل شئ ، ويتخلى عن كل ما يملك . ويخاطر في كل سبيل ، غير مبال بالأخطار .
 
( 1687 ) يصور الشاعر هذا المحب - الذي ضحى وبذل كل هذا الجهد - وقد استيقظ ذات صباح ، بعد ليل من الأنس ، تلقِّى فيه أثناء النوم بشرى بتحقيق مراده .
 
( 1688 - 1896 ) في الأبيات صور متعددة لهذا الحالم الذي تلقى البشرى ، فهو في الغداة يتلفت في كل اتجاه ، وينظر في كل جانب ، لعله يصادف تلك الآيات التي تبشره بتحقيق مراده .
 
( 1690 ) في البيت تعبير رمزى يشير إلى أن الحكمة ضالة تدفع العارف للبحث عنها ، كما تدفع الممتلكات الدنيوية الناس للبحث عنها ، والجد في طلبها .
 
( 1691 ) في البيت تعبير عن دهشة العوام لسعى العارف وراء شئ غير محسوس ولا ملموس .
 
( 1694 ) في البيت إشارة إلى تهمة الجنون التي كثيرا ما كان يُرمى بها من غلب عليه الوجد الصوفي .
 
( 1696 ) قوله : “ أيها الراكب “ يعنى : “ يا من أنت مستريح ناعم مغتر بأبهتك . . . “ .
( 1699 ) قول الشاعر : “ فيقول من لا خبر عنده : ان هذا لخداع


 
“ 508 “
 
ونفاق “ ، يعنى أن أحوال الصوفية لا يمكن أن يعرفها سواهم ، لأن هؤلاء لم يجربوها .
 
( 1700 ) المنكرون على الصوفية ظاهر حالهم لا يعلمون حقيقة الحال التي يكون عليها هؤلاء . وهكذا من حُرم من الآيات والعلامات الروحية ، لا يستطيع ان يفطن لما يفطن اليه من وهب هذه الآيات .
والأرواح منذ وقفت أمام خالقها ، قبل خلق الدنيا ، كان منها ما انتشى بهذا الموقف ، وكان منها اكتفي باظهار الطاعة .
 
( 1704 ) روح العارف سرعان ما تصدق الأنبياء ، لأنها تكون مدركة لما يظهرونه من آيات .
 
( 1706 ) “ وكيف يستطيع انسان أن يحصى ما لا يحصى من آيات الله . . “ .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1719 - 2140 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:00 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1719 - 2140 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 1719 - 2140 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 1719 - 2140 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
 شرح كيف أنكر موسى عليه السلام مناجاة الراعي
( 1719 ) لو كان تنزيه الخالق يستند إلى وصفه بأنه ليس بحائك أو ماشابه ذلك من الصفات الجسدية ، فليس هذا بتنزيه . ولا يصدر مثل هذا القول الا عن جاهل .
 
( 1720 - 1760 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات قصة عن موسى - عليه السلام - وأحد الرعاة ، توضح التباين في تصور الله بين الراعي ، وبين ذلك النبي المرسل . ثم يتحدث الشاعر بعد ذلك عن مدى مسؤولية الجاهل عن هذا التصور الخاطىء .
وقد وردت في العقد الفريد صورة بسيطة لهذه القصة ، لم يذكر فيها موسى ، ولكن جوهرها مشابه لجوهر قصة موسى والراعي ، كما رواها الشاعر . وفيما يلي نص قصة العقد الفريد .
“ قال الأصمعي : كان الشعبي يحدث أنه كان في بني إسرائيل عابد جاهل قد ترهب في صومعته ، وله حمار يرعى حول الصومعة ، فاطلع عليه من الصومعة فرآه يرعى ، فرفع يديه إلى السماء ، فقال : لو كان لك حمار كنت أرعيه مع حماري ، وما كان يشق علىّ . فهم به نبىّ كان فيهم في ذلك الزمان ، فأوحى الله اليه . دعه ، فإنما أثيب كل انسان على
 
“ 509 “
 
قدر عقله “ . ( العقد الفريد ، 6 ، 164 ) .
وذكر فروزانفر صورا متعددة لهذه القصة من مصادر مختلفة .
( مآخذ قصص وتمثيلات ، 59 - 61 ) .
وقد تناول جلال الدين هذه القصة بأسلوبه الفنى ، فصاغ لها حوارا رائعا ، وأغناها بكثير من الصور .
 
( 1737 - 1739 ) يصف الشاعر في هذه الأبيات الانسان الكامل .
ويقول على لسان موسى : ان مثل هذه الأوصاف الجسدية التي تحدَّث بها الراعي عن الخالق لا تجوز في حق الانسان الكامل ، فهي - من باب أولى - غير جائزة في حق الله ، جل وعلا .
 
( 1737 ) “ العبد الذي قال عنه الحق : انه ذاتي وأنا ذاته “ هو العبد الذي أفنى ذاته في ذات الحق ، فصدق عليه قوله تعالى : “ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى “ . ( 8 : 17 ) .
 
( 1738 ) يتضمن هذا البيت إشارة إلى حديث رواه أبو هريرة عن الرسول . 
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ ان الله عز وجل يقول يوم القيامة ، يا ابن آدم ، مرضت فلم تعدنى ! 
قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ 
قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده . أما علمت أنك لو عدته لو جدتنى عنده ؟
 يا ابن آدم ، استطعمتك فلم تطعمنى ! قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أنه استطمعك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لو جدت ذلك عندي ؟ 
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ! قال :يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ 
قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه . أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ؟ “ . رواه مسلم .
( النوري : رياض الصالحين ، 369 - 370 ) .
 
( 1739 ) “ بعد ان غدوت له سمعا وبصرا “ : هذه العبارة تتضمن إشارة إلى الحديث القدسي الذي رواه الرسول بقوله : “ يقول الله
 
“ 510 “
 
تعالى : ما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها ، وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها “ .
( السراج : اللمع ، 463 ) .
 
( 1746 ) “ هذا الجانب من النهر “ ، كناية عن عالم الدنيا .
 
( 1752 ) في البيت اقتباس من حديث يَروى عن الرسول قوله :
“ ما خلق الله مباحا أحب اليه من العتاق ، وما خلق الله مباحا أبغض اليه من الطلاق “ . ( المنهج القوى ، 2 : 396 ) .
 
( 1753 - 1754 ) كل مؤمن يعبد ربه ، ولكن درجة الادراك لمعنى العبادة ، وأسلوب التعبير عنها ، يختلف من شخص إلى آخر . فتعبد الرجل الساذج لا يمكن أن يكون شبيها بتعبد النبىّ أو العارف .
 
( 1755 - 1756 ) ذات الخالق منزهة عن كل طهر وتلوث ، فمقاييس الانسان في هذين الأمرين لا تصدق عليها ، كما أن الخالق غنى عن العالمين ، لا حاجة به إلى عبادة الناس . وقد فرض عليهم التكاليف لا لربح ينشده منها ، وانما لتكون سبيل الناس للسمو بأنفسهم ، والوصول إلى درجة الكمال الروحي ، وهذان هما السبيل إلى رضى الله ، وتحقيق السعادة الأبدية .
 
( 1760 ) في هذا البيت يبدو أنت الشاعر يدافع عن أهل الشطح من الصوفية ، الذين
قد ترد على ألسنتهم عبارات منافية لمألوف القول ومعقولة ، ومع ذلك لا يعوز قلوبهم الاخلاص والايمان والخشوع .
 
( 1765 ) يدافع الشاعر هنا عن أهل الشطح من الصوفية . فعنده أن هؤلاء من العشاق الذين تحترق قلوبهم في كل لحظة . 
فليس يفترض فيهم ما يفترض في أهل الصحو من مراعاة للآداب ، فالعاشق صار - من جراء احتراقه - مثل القرية الخربة ، وهذه لا يفرض عليها خراج ولا عشور .
 
( 1768 ) الصلاة في كل اتجاه جائزة في الكعبة . والتوجه إلى الله ممكن

 
“ 511 “
 
في كل أنجاه ، لأن الله منزه عن المكانية . وكما لا يكون الغواص ، بحاجة إلى ارتداء ما يقيه من الغوص ، فكذلك طالب الوصال لا يتوسل إلى ذلك بما هو من معوّقات الوصال .
 
( 1769 ) سكارى المحبة لا يكون سلوكهم من ذلك اللون التقليدى المعروف ، فهؤلاء لا تلتمس عندهم الهداية التي ينشدها العوام . ومن يَفترض فهيم الاقلاع عن سلوكهم فهو شبيه بمن يطلب إلى من تهلهلت ثيابه أن يقوم برفوها .
 
( 1771 ) افتقار العارف المحب إلى الصور الظاهرية لا ينتقص منه ، كما لا ينتقص من الياقوتة أن تكون مجردة من نقش الخاتم . وإذا كان العاشق غريق بحار الأسى ، فلا ضير عليه من آلام العشق .
 
( 1788 ) “ سدرة المنتهى “ هي نهاية المكانة التي يبلغها الانسان ، في سيره إلى الله تعالى . ( انظر : مثنوى ، 1 ، شرح 1066 ) .
 
( 1790 ) يعتبر الحلاج من أقدم من تحدث عن الناسوت واللاهوت في الاسلام . 
قال :سبحان من أظهر ناسوتُه * سرّ سنا لا هوته الثاقب
وقال : “ اللهم انك المتجلى من كل جهة ، المتخلي عن كل جهة ، بحق قيامك بحقي ، وبحق قيامي بحقك ، وقيامي بحقك يخالف قيامك بحقي ، فان قيامي بحقك ناسوتية ، وقيامك بحقي لا هوتية ، وكما أن ناسوتيتى مستهلكة في لا هو تيتك ، فلا هو ، تيتك مسؤولة عن ناسوتيتى، غير مماسة لها“.
وقول جلال الدين - على لسان الراعي - لا يتعدى دعاء الله أن يجعل كيانه الانساني جديرا بأن يكون نجى سرّ الخالق .
 
( 1792 - 1795 ) انتهى حديث الراعي إلى موسى في البيت 1791 .
وعاد الشاعر من جديد إلى سرد آرائه . وقد وقعت شبهات حول تفسير البيتين
 
( 1792 - 1793 ) إذ اعتبرهما بعض الشراح من كلام

“ 512 “
 
الراعي لموسى . والواقع أنهما حديث مباشر من الشاعر ، وهما مرتبطان بالبيتين التاليين لهما . فالشاعر يحذر المتعبدين من الاغترار بما يوجهونه إلى الخالق من مدح وثناء ظانين أنهم بذلك قوة وفوه حقه . فالثناء مهما علا لن يتجاوز ما يفهمه قائله من معنى الكمال . 
ولهذا فان الانسان يستمد تصورة المثالي من صورة نفسه ، ظانا أن هذا التصوره شئ خارج عن ذاته ، وليس الأمر كذلك . 
فهو كمن نظر إلى المرآة فرأى صورته ، فحسبها شيئا مختلفا عن ذاته ، أو كمن نفخ في النار ، وحسب الأنغام أمرا منفصلا عن أنفاسه .
 
( 1797 ) المستحاضة ، هي الحائض التي لا ينقطع عنها الدم بعد انقضاء فترة الحيض .
( 1799 - 1800 ) من اليسير التطهر من النجس الذي يصيب ظاهر الانسان ، أما النجس الذي يصيب باطنه فيصعب التطهر منه .
 
[ شرح من بيت 1801 إلى بيت 1950 ]
 
( 1808 ) عبر الشاعر عن اغترار الكافر بحياته الدنيوية ، وحرصه عليها ، بأنه اختار الخروج عن ترابيته ، ثم يقول : انه لو بقي ترابا ، لاستطاع أن يكون كالتراب ، يتلقى الحبة وينمينها . فالخروج عن الترابية يرمز إلى غرور الكافر - في تناسيه أصله - وكذلك يرمز إلى عقمه ، وعجزه عن الأثمار .
 
( 1809 ) ان رحلة الكافر في الحياة الدنيا لم تكن رحلة مثمرة ، ولهذا فقد عاد منها بدون أن يحصل شيئا .
 
( 1811 ) الاعراض عن طريق اليقظة الروحية مبعثه الحرص والطمع ، وأما الانطلاق في هذا السبيل فدافعه الصدق والاخلاص .
 
( 1817 ) “ اعتراض الملائكة “ ، هو القول الذي روى القرآن الكريم أنهم خاطبوا به ربهم حين أخبرهم بخلق آدم . قال تعالى : “ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . . “ . ( 2 : 30 ) .
 
( 1821 ) يريد موسى أن يطمئن بالشهود والعيان ، كما فعل إبراهيم .
قال تعالى : “ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى ، قال
 
“ 513 “
 
أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي “ . ( 2 : 260 ) .
 
( 1823 ) “ لقد كشفت للملائكة سر خلق آدم ، وأظهرت لهم أن مثل هذا المخلوق كان جديرا بأن يُخلق برغم أنه كان عرضة لا رتكاب المعاصي ، فهو قد تحقق بصفات كمالية تفوق ما كان يتوقع أن يقترف من مخالفات “ . وقد رمز الشاعر للروح الآدمي بالشهد ، وأما الجسد فقد رمز له بالابر .
 
( 1824 ) حين عرض الخالق نور آدم على الملائكة تبين لهم ما لم يكونوا يعلمون ، وأدركوا حكمة الله في خلق الانسان .
 
( 1825 ) كل ما بدا للادراك الآدمي سرا غامضا ، يكشفه الله في نهاية الأمر . فهو الذي كشف للملائكة سر خلق آدم . وهو الذي يكشف بالحشر سر الموت ، كما يكشف الثمار عن سر الأوراق .
 
( 1826 ) الموجودات تبدأ بداية متواضعة ، ثم تتجلى بعد ذلك امكاناتها . فالدم والنطفة هما بداية الوجود الانساني . ومن هذه البداية يتشكل الجمال الانساني بصورته ، ثم بمعناه .
 
( 1827 - 1828 ) العلم هو أحد الأمور التي تكون ذات بداية متواضعة . فالعالم يكون - في أول أمره - طفلا يغسل اللوح ليكتب فوقه . وكذلك القلب الانساني ، هو - في بداية أمره - دم ودموع ( أي مجرد حياة حسية عاطفية ) ، ثم ينتهى به الأمر إلى أن يكون موضعا لتجلى الأسرار الإلهية .
 
( 1829 ) لكي يحقق كل عمل امكاناته الكاملة يجب أن يتضح هدفه منذ البداية . فالطفل الذي يغسل اللوح يجب أن يعلم أن ذلك للتعلم ، وليس للعب .
 
( 1830 ) من الواجب أن يبدأ العمل على أساس سليم . فعند الشروع في بناء منزل ، يجب أن يزال من موقعه الأساس القديم ، قبل وضع الأساس الجديد .


 
“ 514 “
 
( 1831 ) للوصول إلى النتيجة المثمرة لا بد من التعب والعناء . لا بد من الحفر ، ورع الطين ، من أجل الوصول إلى الماء .
 
( 1832 - 1833 ) عناء الكد والسعي يكون بغيضا إلى الجهلاء ، الذين لا يدركون عاقبة الأمور . أما العارفون المدركون لتلك العاقبة فالعناء محبب إلى نفوسهم . ان الجلاء شبيهون بالأطفال الذين لا يدركون من إبرة الحجام سوى وخزها . أما العارفون فهم شبيهون بالرجال المدركين لجدوى إبرة الحجام ، ولهذا فإنهم يقبلون عليها راغبين ، ويبذلون في سبيلها المال .
 
( 1834 - 1835 ) كل من أدرك نتيجة الجهد سارع إلى بذله . فهو كالحمال الذي يسابق الآخرين إلى حمل الأثقال ، لأنه يعلم ما يعود عليه من ربح لقاء ذلك . وهكذا البصير بالعواقب . يبذل جهده في هذه الحياة ، لأنه يعلم نتيجة ذلك .
 
( 1842 - 1844 ) من صفت نفسه ، وأصبح ذا بصيرة روحية فهو قادر على ادراك الحقائق من غير حاجة إلى أسباب ومبررات . أما من يعتمد في معارفه على الحواص فهو أسير الأسباب والعلل . وليست تتحقق منزلة الكشف الا لمن تحررت روحه من سلطان المادة . فمثل هذا يكون قادرا على ادراك معجزات الأنبياء ، على أساس حقيقتها الروحية المستمدة من عالم الغيب ، ولا يقف ازاءها موقف أسير الحس ، الذي ينظر إليها نظرة سطحية ، لا تخرج عن نطاق العالم المادي .
 
( 1845 ) “ الأسباب “ قادرة على أن تبين أمورا حسية محدودة ، كما يكون من شفاء المريض بمعالجة الطبيب ، أو إضاءة السراج باشعال الفتيل .
 
( 1846 ) “ ابذل جهدك لتصحيح هذه الأسباب التي تستند إليها في تحصيل المعارف . وكن على يقين أن هناك عرفانا أسمى من كل ذلك ، يشبه نور الشمس ، على حين أن معارف الحس شبيهة بنور السراج “ .

 
“ 515 “
 
( 1847 ) الطين الذي يتكون منه سقف الدار رمز للأسباب التي تُستمد منها معارف الحس . أما سقف السماء فهو رمز لعرفان الروح .
وهذا العرفان منزه عن الأسباب .
 
( 1848 ) “ لقد انقضت خلوة التجلي بما شاع فيها من أنس ، وبزغ صبح الوعي الحسىّ “ .
 
( 1849 ) لا بد للقلب أن يلقى العناء حتى يتحقق له مثل هذا التجلي .
فالبدر لا يتجلى الا في الظلام .
 
( 1850 ) “ نبي الله عيسى وقد امتطى الحمار “ رمز للروح وهي مرتبطة بالجسد . فمن عُنى بجسده وغفل عن روحه شبيه بمن يرعى الحمار ويعرض عن عيسى . فلا جرم أن من يفعل هذا يكون خارج نطاق العرفان .
 
( 1852 ) “ أنين الحمار “ رمز لنداء البدن وهو يلتمس الشهوات .
فمن استجاب لهذا النداء شبيه بمن وقع تحت سيطرة حمار ، لأن البدن في حسيته وتعلقه باللذات شبيه بالحمار .
 
( 1853 ) “ كن رحيما بالروح ، ولا تكن رحيما بالجسد . ولا تتح لغرائزك سبيل التحكم في عقلك “ .
( 1856 ) في البيت إشارة إلى حديث يَروى عن الرسول قوله :
“ أخروهن من حيث أخرهن الله “ . ويقال إن المقصود من هذه الحديث تأخير النساء عن الرجال في صلاة الجماعة ، أي جعلهن في الصفوف الخلفية . وقد فسر الشاعر هذا الحديث تفسيرا رمزيا ، فاعتبر المرأة رمزيا ، للنفس الأمارة بالسوء ، وهذه يجب أن تتنحى جانبا لكي يتقدم عليها العقل .
 
( 1857 ) العقل الوضيع ينحط في تفكيره ، ولا يبقى له نشاط خارج نطاق الحس . وإذ ذاك يصبح شريكا للجسد ، لا هم له الا تحصيل اللذات .
 
( 1858 - 1859 ) لقد تغلبت روح عيسى على جسده وأخضعته ،



“ 516 “
 
فالروح القوية يتضاءل أمامها الجسد .
( 1860 ) الجسد الضعيف يقوى ويتسلط ، حينما يقترن بعقل ضعيف .
 
( 1861 ) “ فلو أن المرشد الروحي قسا عليك وآلمك ، فلا تعرض عنه ، فان هذا الألم هو السبيل الذي تكسب منه روحك قوة ومناعة “ .
 
( 1862 ) ان المرشد العارف يلقى جحودا وحسدا من الناس ، برغم أنه كنز روحي أتيح لهم . فهذه الآلام التي يعانيها العارف شبيهة بالثعبان الذي يحرس الكنز . فهناك خرافة شعبية تؤمن بأن كل كنز لا بد له من ثعبان يحرسه . فكأنما يريد الشاعر أن يقول إن كل مرشد عارف لا بد له أن يقابل بحسد الحاسدين وكيدهم .
 
( 1863 ) المرشد العارف يلقى من الحاقدين والحاسدين ما لقيه عيسى من اليهود ، وما لقيه يوسف من اخوته الحاسدين .
 
( 1865 ) لا فضل عند الحاقدين ذوى الوجوه الصفراء . انهم شبيهون بمرض الصفراء ، لا فضل له سوى ما يحدثه من صداع . وفي الشطر الثاني من البيت تأكيد للدم بما يشبه المدح .
 
( 1866 ) ورد الشطر الثاني من البيت : “ ما نفاق . . . “ بدلا من “ بانفاق . . . “ ، في بعض الروايات . فيكون معنى البيت :
“ فلتفعل أنت ( أيها المرشد ) ما تفعله شمس المشرق . وأما نحن ( أهل الدنيا ) ففعلُنا نفاق واحتيال وسرقة وخداع “ .
 
( 1867 ) “ أنت - أيها المرشد - في تساميك ، واستقامتك في الدين والدنيا ، شبيه بالعسل ، ونحن في سوء أخلاقنا شبيهون بالخلّ .
ولا علاج لعلتنا باقتباسنا من أخلاقك “ .
 
( 1868 ) “ لتزدد - أيها المرشد - فضلا كلما ازددنا نحن سوء خلق ! ذلك لأن سوء خلقنا ناشىء من اعتلالنا ، فنحن في حاجة إلى مزيد من عنايتك وكرمك “ .
 
“ 517 “
 
( 1869 ) “ لئن ساءت أفعالنا فهذا مدى قدرتنا . فالنفس السيئة لا يصدر عنها سوى السوء . وكل ما يصدر عنها من سوء يزيدها خبثا ، كالرمل في العين يزيدها عمى “ .
 
( 1870 ) أفعال المرشد الخيرة جديرة بنفسه الخيرة . انه كالكحل ينير لضعاف النظر أبصارهم . وهو لا يبخل بعونه على أحد ، مهما بلغ هو ان أمره .
 
( 1871 ) الانسان الكامل يكتوى بنار الظالمين ، ومع ذلك لا يحقد عليهم ، بل إنه لا يضن عليهم بالحب والحنان . وهذا ما أثر عن الرسول عندما أصيب في غزوة أحد ، فدعا ربه قائلا : “ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون “ .
 
( 1872 - 1875 ) في هذه الأبيات يصف الشاعر الانسان الكامل .
 
( 1872 ) “ منجم العود “ : العود بطبيعة الحال نبات . فكلمة “ منجم “ هنا استعملت استعمالا مجازيا . وقد ترجمنا بها كلمة “ كان “ الفارسية . ويقصد بمنجم العود منبته أو مصدره .
 
( 1877 ) لم يقف الشاعر عند مفهوم هذا الحديث ، وهو أن عداوة العاقل خير من صداقة الجاهل ، بل تعدى ذلك إلى بيان النفع الذي يتحقق من عداوة العاقل ، والضرر الذي يحدث من صداقة الجاهل ، فساق قصتين لبيان ذلك : أو لا هما قصة “ الأمير والرجل الذي دخلت في بطنه حية “ . ( الأبيات 1878 - 1930 ) ، والثانية قصة “ الرجل الذي صاحب الدب “ ( البيت 1932 وما يليه ) .
 
( 1878 ) الفارس العاقل في هذه القصة رمز للمرشد الروحي ، أما الرجل النائم فهو رمز للجاهل الغافل .
 
( 1911 - 1913 ) لعل الحديث المشار اليه بهذه الأبيات هو ذلك الذي ذكره صاحب المنهج القوى ( مرويا عن أبي الدرداء ، باخراج الطبراني
 
“ 518 “
 
والحاكم ) ، ونصفه : “ لو تعلمون ما أعلم ، لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ، لا تدرون تنجون أو لا تنجون “ . ( المنهج القوى ، 2 ، 426 ) .
وعن أنس بن مالك أن الرسول عليه السلام خطب فقال : “ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا “ . ( النووي : رياض الصالحين ، ص 209 ) .
 
( 1914 - 1920 ) مضى الشاعر في شرح الحديث ، وتصوير معناه .
وقد أجرى هذا الشرح على لسان الرسول ، لتقريب المعنى إلى أفهام سامعيه .
 
( 1916 ) مما يكثر ذكره في كتب الصوفية أن الرسول عرف الأولياء الذين جاءوا بعده ، وأنه كان يظهر لهم ويخاطبهم . وهم كثيرا ما ينسبون إلى الرسول أقوالا ، يذكرون أنه حدث بها هؤلاء الأولياء . ولهذا لا يستغرب أن ينسب اليه معرفة أبى بكر الربابى ، وما اشتهر به من طول الصمت .
أما قوله : “ وهأنذا أضرب الحديد بيدي مثل داوود “ ، فمعناه :
“ وهأنذا ألين تلك القلوب القاسية ، وأسعى إلى تغييرها ، كما كان داوود يصنع بالحديد “ .
 
( 1920 ) معجزة شق القمر أظهرت - فوق السماء - ما كان ليد الرسول من المقدرة .
 
( 1921 ) قول الشاعر : “ وهذه الصفة أيضا هي من جراء ضعف العقول “ ، يمكن أن يفهم على وجهين ، حسب تفسيرنا لما أراده الشاعر بكلمة “ الصفة “ . فربما كان المقصود بهذه الصفة لزوم الصمت حتى لا يخطئ ضعاف العقول فهم المعاني . وربما كان المقصود بها الحديث عن قدرة الله بأسلوب تمثيلى ، ينسب إلى الله اليد ، وغيرها من الأعضاء .
 
“ 519 “
 
( 1926 ) انظر التعليق على البيت 1871 .
 
( 1932 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية معروفة هي حكاية الدب الذي قتل صاحبه . ( انظر : تعليقات نيكولسون ، وانظر أيضا : فروزانفر :
مآخذ قصص ، 62 ) .
 
( 1938 ) الرجل الشجاع لا يهدف إلى نفع من وراء أعماله الخيرة ، وليس له من دافع ولا هدف سوى المحبة . انه كالدوا ، لا غاية له سوى إزالة المرض .
 
( 1943 ) “ هتاف الأفلاك “ : كان المعتقد في زمن الشاعر أن للأفلاك أنغاما وألحانا . والنص التالي - وهو من رسائل اخوان الصفاء - يوضح لنا هذا المفهوم :
“ ولما كانت الأفلاك دائرات ، والكواكب والنجوم متحركات ، وجب أن يكون لها أصوات ونغمات . ولما كانت مستوية في نظامها ، محفوظة عليها صورة تمامها وكمالها ، وجب أن تكون حركاتها منفصلة ، وأصواتها متصلة ، وأقسامها معتدلة ، ونغماتها لذيذة ، وألحانها بديعة ، ومقالتها تسبيحا وتقديسا وتكبيرا ، وتهليلا تفرح له نفوس المستعمين لها ، والحافين بها من الملائكة والنفوس التي تقدم عليها ، وتصعد إليها . وتلك الحركات والأصوات هي مكيال الدهور والأزمان التي بها يحكم على عالمها بالبقاء من حيث هي . . . وقد استمعتها النفوس وهي في عالم الكون والفساد ، فتذكرت بها عالم الأفلاك ولذات النفوس التي هناك ، من فسحة الجنان ، وروضة الريحان ، وعلمت أنها في أحسن الأحوال ، وأطيب اللذات ، وأتم الأشكال وأدوم السرور . . “ . ( رسائل اخوان الصفاء : 3 ، 90 - 91 ) .
 
( 1944 ) “ نزه بصرك وبصيرتك عن الحسية ، والتعلق بالمادة ، وإذ ذاك تستطيع شهود حديقة الغيب “ .
 
( 1946 ) “ خلِّص كيانك من علل الحس وأمراضه ، لأن هذه الأمراض تعوقك عن تذوق حلاوة العرفان الروحي “ .


 
“ 520 “
 
( 1947 ) “ الرجولة “ هنا رمز لقوة الروح وانطلاقها ، و “ العنة “ رمز لضعفها وتراخيها . والشاعر يدعو إلى تقوية الروح حتى تصبح بقوتها وتحررها مجلى للشهود ، وما يكشفه من ألوان الحسن والجمال .
 
( 1949 ) “ الفلك العتيق “ ، هو عالم الحس الذي يؤول إلى بلى وفناء .
 
[ شرح من بيت 1950 إلى بيت 2100 ]
 
( 1951 ) قول الشاعر : “ فالنواح والبكاء ذخيرة عظيمة “ ، يعنى أن دموع الندم والخوف هما من أسباب رحمة الله وغفرانه .
 
( 1956 ) “ ان لكم في السماء أرزاقا روحية عظيمة ، فلماذا تشبثتم بعالم الحس الوضيع ؟ “ .
 
( 1957 ) “ صوت الغول “ رمز للضلال . فالخوف واليأس يبعدان المرء عن سلوك سبيل اليقظة الروحية ، ويقودانه إلى الهلاك ، كما تفعل الغول بالمسافرين في البيداء .
 
( 1959 ) “ صوت الذئب “ هو نداء الحرص والشهوات الحسية .
 
( 1980 - 1982 ) السامري : ( انظر : مثنوى ، ج 1 ، البيت 2258 ، وشرحه ) .
 
( 1987 ) قول الشاعر : “ انه أنت فابحث عن ذاتك فيه “ ، يعنى :
أن المرشد بمثاليته وتساميه يمثل حقيقة جوهرك ، فاطلب عنده تلك الحقيقة .
 
( 1988 ) “ فان أعرضت عن المرشدين العارفين ، فأنت أسير الحرص والطمع ، ومآلك إلى هلاك محقق ، كما كان مآل ذلك الدب بين فكى التنين “ .
 
( 1993 ) بدأ الشاعر في هذه البيت قصة قصيرة ، هي حكاية السائل الأعمى . وقد وردت هذه القصة في محاضرات الراغب الأصفهاني على الوجه التالي :
“ كان أعمى يقول : ارحموا ذا الزمانتين ، فقيل : ما هما ؟

 
“ 521 “
 
قال العمى ، وقبح الصوت . أما سمعتم :فبى عيبان ان عدا * فخير منهما الموت
فقير ما له قدر * وأعمى ما له صوتكما وردت بصورة مشابهة لهذه في شرح نهج البلاغة ، نقلا عن الجاحظ . ( انظر : فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 65 ) .
 
( 2006 ) “ قبيح الصوت الذي يكون ثملا بدم الخلق “ هو من يجيز لنفسه قذف الأعراض ، ويتناول بالسوء سيرة الخلق .
 
( 2009 ) الجرح القديم لا سبيل إلى مداواته الا بالكى . والنفس الموغلة في الآثام والخطايا هي في أمس الحاجة إلى مثل هذا العلاج القاسى .
 
( 2010 ) في الأبيات التالية يصور الشاعر ذلك الرجل الذي أنقذ الدب وكأنه شخص عنيد أبله . ولا تناقض بين هذه الصورة ، وبين ما سبق وصفه به من الشجاعة والنجدة . فهذا الرجل الشجاع ، كانت تنقصه اليقظة الروحية ، وسلامة الادراك ، ولهذا فان شجاعته لم تنقذه من المصير الذي ينتظر أمثاله .
 
( 2023 ) قول الشاعر : “ انني مؤمن وقد أصبحت ناظرا بنور الله “ ، يتضمن اقتباسا من حديث يروى عن الرسول قوله : “ اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله “ . ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 1331 وشرحه ) . أما قوله : “ اهرب من بيت النار هذا “ ، فمعناه : “ دع عنك محبة الدب - ( وهي هنا رمز لصداقة الأبله ) - لأنها شبيهة بعبادة النار “ .
 
( 2040 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون “ . ( 2 : 50 ) .
 
( 2041 ) في البيت إشارة لبعض معجزات موسى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم . قال تعالى : “ وأنزلنا عليكم المن والسلوى “ .
( 2 : 57 ) . وقال : “ وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك
 
“ 522 “
 
الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم “ .
( 2 : 60 ) .
 
( 2044 ) في هذا البيت يعاتب موسى عابد العجل ذلك الذي شك فيما أظهره موسى من معجزات عظيمة ، على حين أنه خر ساجدا عندما سمع صوت العجل . فكأن صوت العجل طوفان جرف إلى نفسه الأوهام ، وكل ما ثار عنده من شكوك حول الدين والايمان ، وكأنما عقل هذا الكافر المخالف قد غلبه نوم الغفلة ، فلم تبق له أية مقدرة على التفكير .
( 2047 ) السامرىّ : ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 2258 وشرحه ) .
 
( 2068 - 2075 ) في هذه الأبيات تعبير عن قصة معروفة ، رويت على أنها سبب لنزول سورة “ عبس “ ، وأوردها صاحب الكشاف على الوجه التالي :
“ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ( الأعمى ) . .
وكان عنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، يدعوهم إلى الاسلام ، رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم . فقال :
يا رسول الله ، اقرئنى وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه ، وعبس وأعرض عنه ، فنزلت “ عبس وتولى “ . فكان رسول الله يكرمه ويقول إذا رآه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربى . ويقول : هل لك من حاجة “ .
( الزمخشري : تفسير الكشاف : 4 ، 700 - 701 ) .
 
( 2071 ) الحبش : من الواضح أن المقصود بهذه الكلمة تلك الجماعة التي كانت تعرف “ بأحابيش قريش “ . وهناك خلاف حول تفسير كلمة أحابيش ، فقد فهمها البعض على أنها تعنى عبيدا من الحبشة ، ولكن نصوصا تاريخية متعددة بينت أنهم كانوا جماعات تنتمى إلى بعض
 
“ 523 “
 
القبائل العربية ، وكانت قريش تستخدم هذه الجماعات في حراسة قوافلها التجارية ، فكأنهم كانوا لها بمثابة الحلفاء . ( انظر : عبد الحميد العبادي : أحابيش قريش ، هل كانوا عربا أو حبشا ؟ بحث في مجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة ، مايو 1932 ) .
 
( 2072 ) “ بصره “ تمثل في هذا البيت مشكلة تاريخية . فإن كان المقصود بها مدينة البصرة العراقية ، فإنها لم تنشأ الا بعد وفاة الرسول ببضع سنوات . واجتماع الرسول بصناديد قريش كان قبل الهجرة ، فمعنى ذلك أن هذه المدينة قد ذكرت في قصة جرت وقائعها قبل بناء هذه المدينة بنحو خمسة عشر عاما . فهل هذا خطأ تاريخي وقع فيه الشاعر ؟ أم أن المقصود مدينة بُصرى ، “ من أعمال دمشق ، وهي قصبة حوران “ “ 1 “ والتي يصفها ياقوت بأنها “ مشهورة عند العرب قديما وحديثا “ ، وقد فتحها العرب عام 13 ه . ومما يساعد على مثل هذا التفسير أنها اقترنت في ذكرها هنا بتبوك “ وهي أيضا من أرض الشام “ توجه إليها النبي عليه السلام في عام تسمع للهجرة - وهي آخر غزواته - ولما وصلها وجد أن من تجمع فيها من الروم وبعض القبائل العربية قد تفرقوا “ 2 “ .
وربما كان ذكر الشاعر للبصرة هنا مبنيا على استبعاد عنصر الزمن في مثل هذا المقام . فالأبيات تعبر عن تفسير عتاب الخالق لرسوله ، كما ورد في سورة “ عبس “ . ويكون المراد بذكر البصرة هنا الموقع الذي قامت عليه هذه المدينة . . بعد فتح العراق .
ومما روى عن علي بن أبي طالب أن الرسول ذكر البصرة ، وتنبأ بحدوث موقعة الجمل . قال : “ سمعت رسول الله يقول : تفتح أرض
.................................................................
( 1 ) ياقوت : معجم البلدان ، مادة بصرى .
( 2 ) المصدر السابق : مادة تبوك .
 
“ 524 “
 
يقال لها البصرة “ 1 “ . . الخ “ . وهذا الخبر - برغم ما يمكن أن يوجه اليه من النقد - يشيع أن الرسول ذكر البصرة ، وتنبأ بما يحدث فيها .
ومما له مغزاه أن هذا الخبر مذكور في معجم البلدان لياقوت . وهذا المؤلف - مثل جلال الدين - من رجال القرآن السابع ، كما أنه جمع الكثير من معلوماته في ذات المنطقة التي عاش بها جلال الدين .
 
( 2077 ) روى أبو هريرة عن الرسول أنه قال : “ الناس معادن كمعادن الذهب والقضة “ . ( المنهج القوى : 2 ، 452 ) .
 
( 2086 ) “ الجعل “ حشرة صغيرة تقبل على الروائح الكريهة ، وتنفر من الروائح الطيبة .
 
( 2090 ) “ انني أمير بين أهل الصورة وبين أهل المعنى “ .
 
( 2095 - 2102 ) رويت هذه القصة في مصادر أخرى بشئ من الاختلاف عن رواية جلال الدين . فقد ذكرها ابن حزم في طوق الحمامة ، وهي في روايته تدور حول أبقراط . وذكرها صاحب قابوس نامه ، وروايته أشبه برواية جلال الدين ، الا أن بطلها هو محمد بن زكريا الرازي ، وليس جالينوس . ( انظر : تعليقات نيكولسون ، وانظر أيضا :
فروزانفر : مآخذ قصص ، 66 ) .
 
[ شرح من بيت 2100 إلى بيت 2250 ]
 
( 2103 - 2105 ) تناول الغزالي المعنى الذي عبرت عنه هذه الأبيات على الوجه التالي : “ وكان مالك بن دينار يقول : لا يتفق اثنان في عشرة الا في أحدهما وصف من الآخر ، وأن أجناس الناس كأجناس الطير ، ولا يتفق نوعان من الطير في الطيران الا وبينهما مناسبة . قال :
فرأى يوما غرابا مع حمامة ، فعجب من ذلك فقال : اتفقا وليسا من شكل واحد ، ثم طارا ، فإذا هما أعرجان “ . ( انظر : فروزانفر ، مآخذ قصص ، 66 ) .\
.................................................................
( 1 ) المصدر السابق : 1 ، 436 .

“ 525 “
 
( 2107 ) سجِّين : هذه الكملة تعنى هنا الجحيم . ( انظر :
المثنوى : 1 ، 640 ) .
 
( 2118 ) “ الورد “ في الأبيات السابقة رمز لأهل الكمال .
والشاعر - في هذا البيت - يقول : “ لقد خلصت من الحسية خلاصا كاملا ، وكانت بي آثار منها . فالله - الذي طهرني منها - لن يرجعها الىّ “ .
 
( 2135 - 2136 ) عبر الشاعر عن مثاليته الخلقية بقوله : ان من لا يتقيد بعهده ، فإنه لا يتقيد بقسمه . ويمضى في تحليل هذه الفكرة على أساس نفسي فيقول : ان القسم يكون بمثابة قيد فرض عليه ، وهذا القيد يجعل نفسه الحسية أكثر ميلا إلى الثورة على العهد ، والتخلي عنه .
 
( 2137 - 2138 ) “ الأسير “ في هذين البيتين رمز للعقل ، و “ الحاكم “ رمز للنفس الحسية . فالانسان المتعلق بشهوات الحس ولذاته تحكمة نفسه الحسية . فإذا حاول عقله أن يقيد هذه النفس بقسم أو عهد كان بمثابة أسير وضع قيدا على حاكمه . والحاكم لا يبقى في القيد بل ينطلق منه ، ثم يحطم عبده الذي قيده . وهكذا النفس الطاغية ، ما لم تهذب فان العقل لا يستطيع السيطرة عليها بأية صورة ، ولئن حاول أن يحد من طغيانها عن طريق الزامها بالعهود ، كان ذلك مدعاة لازدياد ثورتها واندفاعها .
 
( 2140 ) قول الشاعر : “ يجعل من جسده خيطا ، ويلتف حول صاحب عهده “ ، يعنى أنه يرهق جسده في الوفاء بالعهد لمن عاهده ، ولا يحيد قط عن دائرة الوفاء له .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2141 - 2596 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:01 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2141 - 2596 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2141 - 2596 على مدونة عبدالله المسافر
شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 2141 - 2596 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
( 2141 ) بدأ الشاعر في هذا البيت رواية قصة وردت في أحد الأحاديث النبوية . 
وقد أطال الشاعر الوقوف عند مختلف دقائق هذه القصة ، واستطرد استطرادات كثيرة . 
والحديث المشار اليه روى على الوجه التالي :

“ 526 “
 
“ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفّ فصار مثل الفرخ . فقال له رسول الله : هل كنت تدعو بشئ أو تسأله إياه . قال : نعم . كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبى به في الآخرة فعجله في الدنيا . فقال رسول الله : سبجان الله . لا تطيقه ( أو لا تستطيعه ) ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : فدعا الله له فشفاه “ .
وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم ، وغيره من المصادر ( انظر : تعليقات نيكولسون . وانظر أيضا : فروزانفر : مآخذ قصص ، 66 ) .
 
( 2143 ) تروى أحاديث متعددة في الحث على عيادة المريض ، وبيان ثوابها . ( انظر : النووي : رياض الصالحين ، 368 - 373 ) .
 
( 2150 ) قول الشاعر “ وكصانع الأصنام ، انحت لك من الحجر صديقا “ ، تعبير رائع عن الدعوة إلى اكتساب الأصدقاء . فالحجر الصلد أبعد الأشياء عن الاستجابة ، وهو هنا رمز للانسان العنيد ، الذي يغلق قلبه دون الناس . ومثل هذا - في رأى الشاعر - يجب ألا يستعصى على المرء اكتساب وده . وكأنما المرء في اكتساب هذا النوع من الأصدقاء صانع أصنام ، ينحت من الحجر تماثيل يتعلق بها قلبه .
 
( 2154 ) “ ما دمت - أيها المريد - عاجزا عن معرفه الأولياء الصادقين ، فاقصد كل درويش ، والتمس حقيقة حاله ، فلعلك بيحثك تهتدى إلى العارف الكامل ، وشأنك في ذلك شأن الباحث عن الكنز ، ينقب عنه في كل خربة حتى يهتدى اليه “ .
 
( 2156 - 2161 ) في هذه الأبيات إشارة إلى حديث سبقت الإشارة اليه . ( انظر البيت 1738 وشرحه ) . ولم يتضمن هذا الحديث ذكر موسى .
 
( 2156 ) قول الشاعر : “ يا من شهدت طلوع البدر من جيبك “ يشير إلى معجزة موسى إذ أدخل يده في جيبه ، فخرجت بيضاء من غير

 
“ 527 “

 
سوء . انظر الآيات الكريمة : ( 7 : 108 ) ، ( 26 : 33 ) ، ( 27 : 12 ) .
( 2167 ) يبدأ الشاعر في هذا البيت رواية قصة وردت في كتاب “ جوامع الحكايات “ لمحمد عوفي . والقصة - كما رواها عوفي - تذكر أن البستاني وجد في بستانه أربعة أشخاص ، أحدهما فقيه والثاني شريف والثالث جندي والرابع بائع “ جوّال “ . والقصة في رواية عوفي تخلو من كثير من التفصيلات التي جاءت في رواية المثنوى . لقد أضاف إليها جلال الدين من التفصيلات ما جعلها تبدو أكثر واقعية ، كما صورها بأسلوب ساخر يختلف كثيرا عن أسلوب عوفي . وقد رأيت أن أورد هنا ترجمة عربية للقصة ، كما وردت في كتاب عوفي .
قال : “ حكى أن أربعة أشخاص من أصناف البشر دخلوا بستانا ، وشغلوا بأكل الفاكهة . وكان واحد من هؤلاء فقيها وثانيهم علويا ، وثالثهم جنديا ورابعهم سوقيا . ودخل صاحب البستان فرآهم وقد أتلفوا كثيرا من الفاكهة .
وكان رجلا ذكيا فتفكر قائلا : انهم أربعة أشخاص ، ولن أقدر على الأربعة مجتمعين .
فتوجَّه إليهم ثم قال للعالم ( الفقيه ) : انك رجل عالم ، وأنت لنا قدوة ومرشد .
وقد ارتبطت مصالح دينانا وأخرانا بيركة أقدام العلماء وحركة أقلامهم . وأما ثانيكم فهو سيد كبير من أسرة النبي ، ونحن جميعا موالى أسرته ، ذلك لأن محبتها واجب أمرنا به الله حين قال : “ قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى “ .
وأما ثالثكم فجندى من أرباب السيف ، وان عمران ديارنا وأرواحنا منوط بسيف هؤلاء . فلو أنكم دخلتم بستاني ، وأكلتم كل فاكهتى بدون حق ما ضننت بها عليكم ، ولكن من ذا يكون هذا الرجل السوقي ؟ وبأية وسيلة دخل في بستاني ؟
وما فضيلته التي تتيح له أكل فاكهتى ؟ ثم مد يده وأمسك بجيب السوقي ، وحمل عليه حملة قوية حتى طرحه أرضا ، ووضع القيد في يديه ورجليه . ثم توجه إلى الجندي وقال : انني عبد للعلماء ولأنباء النبي . وأما أنت ، أفلم تعلم



“ 528 “
 
أنني دفعت للسلطان خراج هذا المال ، وأنه لم يبق له قبلي شئ أكثر مما دفعت ؟ فلو أن الأئمة والأشراف تقاضونى روحي ( لبذلتها ) وعددت نفسي مقصرا ! أما أنت فلم تقل لي من أنت ، ولا بأي حق عدوت على مالي ! وأمسكه هو أيضا ، وأدبه تأديبا كاملا ، وأحكم قيد يديه ورجليه . وبعد ذلك توجه إلى العالم وقال : ان الناس جميعا عبيد لآل بيت الرسول ، وحرمة نسبت هؤلاء ظاهرة للجميع . أما أنت ، يا من تدعى العلم ، أما حصلت من العلم ذلك القدر الذي تعرف به أنه لا يجوز دخول بستان سواك بغير اذن ؟ فأي قدر من العلم بقي لك ؟ انى ومالي وروحي فداء لآل الرسول . أما كل جاهل يدعى العلم ، ويستحل أموال المسلمين ، فإنه يكون جديرا بالتأديب ، مستحقا للتعذيب . ولقد أدبه أيضا ، أدبا بالغا ثم قيده ، وإذ ذاك ، بقي العلوي وحيدا ، فتوجه اليه وقال : أيها المدعى الخسيس ، يا صاحب الشعر الكثيف والجهل الوافر ! انك لم تقل لي بأي سبب أجزت التطاول عى بستاني ، وأضعت على مالي ؟ وهل قال الرسول عليه السلام أن مالي حلال للعلويين ؟ ثم إنه قيد ذلك الرجل أيضا ، وبهذه الطريقة استطاع أن يقيد الرجال الأربعة ، ثم استوفى منهم ثمن كرومه “ . وقد نقل فروزانفر النص الفارسي لهذه القصة ( مآخذ ، 67 - 69 ) ، أما نيكولسون فترجمها إلى الا نجليزية في تعليقاته .
 
( 2183 ) الجنيد البغدادي ، وأبو يزيد البسطامي امامان من أكبر أئمة الصوفية . توفى أبو يزيد عام 260 ه ، وتوفى الجنيد عام 297 ه .
 
( 2196 - 2197 ) يدافع الشاعر في هذه الأبيات عن الأشراف المنتمين إلى بيت الرسول ، إزاء ما اتهمهم به البستاني من الزيف والانتساب الكاذب . وخلاصة دفاعه أن المرء إذا ساءت أحواله وأفعاله ساءت ظنونه بسواه . فما قاله البستاني عن الأشراف ، لم يكن الا صدى لخبث نفسه ، وسوء ظنه . وهذا شبيه بقول الشاعر العربي :
 
“ 529 “
 
إذ ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم( 2204 ) شمر ، هو شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين يوم كربلاء ، في العاشر من محرم عام 61 ه . وكان قتله للحسين مثالا للخسة والجبن ، لأنه لم ينازله منازلة الرجال ، بل تحين الفرصة حين تكاثر الرجال على الحسين ، فركب صدره واحتز رأسه . أما يزيد فهو يزيد بن معاوية ثاني الخلفاء الأمويين ، وهو الذي حدثت في عهده مأساة الحسين .
 
( 2218 ) يبدأ الشاعر بهذا البيت رواية قصة تحكى عن أبي يزيد البسطامي . ( انظر أصول هذه القصة في “ مآخذ قصص “ لفروزانفر وكذلك في تعليقات نيكولسون “ .
 
( 2221 ) أورد الشراح تفسيرات متعددة لهذا البيت ، وهي جميعا تدخل في باب التأويل البعيد . ( انظر - على سبيل المثال - شرح صاحب المنهج القوى . ج 2 ، ص 473 ) . ولقد نشأت هذه الصعوبة من تفسير كلمة “ حق “ في البيت على أنها تعنى الله . فالقرآن الكريم لا توجد به آية تعبر عن المعنى الذي أشار اليه البيت . وكل ما ذكره الشراح من الآيات لا تعبر عن هذا المعنى الا بكثير من التأويل .
ولعل خير وسيلة لفهم هذا البيت هي أن تفسر كلمة “ حق “ هنا بمعناها الحرفي . فتكون ترجمة البيت : “ ان القول الحق في السفر هو أنك حيثما توجهت يجب عليك أن تلتمس رجلا “ . وبذلك يكون معنى البيت مطابقا للقول العربي : “ خذ الرفيق قبل الطريق “ .
 
( 2222 - 2224 ) “ عليك أن تطلب الجوهر الحقيقي قبل كل شئ ، وإذا ما تحقق لك الجوهر ، تحققت لك معه أعراض كثيرة ، تابعة له . أما من ركز همه في الأعراض فلن يتحقق له الجوهر قط . ومثال ذلك من يزرع القمح ، فهو بالضرورة يحصل على التبن ، إلى جانب

 
“ 530 “
 
القمح ، أما من يزرع التبن ، فلن يحصل قط على القمح . ومن طلب الله بالخلاص قلبي ، وصل إلى الله ، وتحقق له بهذا الوصول كل ما تصبو اليه النفوس من آمال .
 
( 2225 ) من قصد الكعبة للحج ، فسوف يرى مكة - إلى جانب قيامه بالحج . فالحج إلى الكعبة هو القصد الجوهري ، ورؤية مكة عرض جانبي تحقق بدون قصد خاص .
( 2231 ) “ خضر زمانه “ . ( انظر : المثنوى ، ج 1 ، الأبيات 224 ، 2969 ، 2971 وشروحها ) .
 
( 2233 ) “ الفيل الذي يرى في منامه بلاد الهند “ ، رمز للصوفى العارف الذي يشهد في تأمله عالم الروح ، وطنه الحبيب الذي يحلم به ، فكأنما هو فيل مغترب رأى في منامه بلاد الهند .
 
( 2234 - 2235 ) النوم يمثل انطلاق الروح من عقال الجسد .
( انظر : المثنوى ، 1 ، 387 - 389 ) . ولهذا فان الانسان يرى في النوم ما لا يراه في اليقظة .
 
( 2236 ) العارف - وهو من استطاع تخليص روحه من سلطان الجسد - يتحقق له في يقظته شهود روحي .
 
( 2244 ) يتفق معنى هذا البيت مع ما يقوله الصوفية عن “ الانسان الكامل “ ، وهو أنه أفضل مخلوقات الله .
 
( 2245 ) في هذا البيت تعبير عن معنى حديث قدسي ، نصه :
ما وسعني أرضى ولا سمائي ، ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن التقى النقى الورع .
 
( 2247 - 2249 ) في هذين البيتين تعبير عن الفناء في الله والاتحاد به ، وهما من النظريات المشهورة عند الصوفية ، والقول بهما مبنى على التجربة الروحية ، التي يتحدث بها العارفون من أهل التصوف .
 
[ شرح من بيت 2250 إلى بيت 2400 ]
( 2252 ) يعود الشاعر هنا إلى رواية “ قصة الصحابي المريض “
 
“ 531 “
 
انتى بدأها في البيت 2141 ، ثم استطرد منها إلى سواها من الموضوعات .
 
( 2257 - 2265 ) في هذه الأبيات يعبر الصحابي عن الألم ، وأثره في تنبيه الروح ، وايقاظ القلب والضمير . وقد سبق له أن عبر عن مثل هذا المعنى في حديثه عن الخزن . ( انظر المثنوى ، ج 1 ، الأبيات 817 - 822 وشرحها ) .
 
( 2270 - 2271 ) “ لو أن المستشار كان امرأة أو طفلا ( وكلاهما مجرد من الحكمة ) ، فان مشاورتهما تجوز ، شريطة أن يعمل المرء بخلاف ما أشارا به “ . وفي هذا البيت تعبير عن معنى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ شاوروهن وخالفوهن “ .
 
( 2278 ) “ النفس قادرة على الخداع ، تقدم الوعود البراقة ، وتخلفها ، ومع لا تفقد مقدرتها على الخداع “ .
 
( 2281 ) يذكر هذا البيت خرافة عن أثر السحر على رجولة الرجال ، وهي من الخرافات التي لا تزال شائعة بين السذج والجلاء . وقد اتخذ الشاعر من حالة العجز - التي يقال إنها تصيب الرجل من جراء “ الربط “ - رمزا إلى حالة العجز الروحي الذي يقعد الرجل عن التحرر من سلطان المادة . والنفس هي مسببة هذا العجز الروحي ، بما تزينه للمرء من لذات الحس وشهواته .
 
( 2282 ) حسام الدين مثال للعارف الكامل . ولا سبيل إلى خلاص أسارى الحس من غفلتهم الا بمعونة العارفين أصحاب الكمال .
 
( 2283 ) لقد ألقى الله حجابا على قلوب الخلق من جراء ما ارتكبوه من مظالم . وهذا القضاء ينزل بالناس لو توجه بالضراعة إلى الله قلب جريح .
 
( 2285 ) النفس الحسية تكون في بداية أمرها صغيرة كالدودة ثم تكبر فتصبح كالثعبان ، ثم يتعاظم أمرها فتصبح تنينا .
 
( 2286 - 2287 ) هذه النفس الثائرة العصية تغدو طيعة بفضل
 
“ 532 “
 
تعليم العارف وارشاده ، وقوته الروحية ، فكأنما هي الحية ، وقد أصبحت عصا طيعة في كف موسى . قال تعالى : “ فألقاها فإذا هي حية تسعى ، قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى “ . ( 20 : 20 - 21 ) .
 
( 2288 ) لا يزال الشاعر يشبه حسام الدين بموسى . ويشير إلى معجزة أخرى من معجزات موسى ، ذكرت في قوله تعالى : “ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى “ . فهو يطلب من حسام الدين ( مثال الرجل الكامل ) يدا بيضاء ( أي مكرمة جديدة ) ، وهي أن يكشف بعرفانه دياجير الظلمة التي غمرت الناس .
 
( 2290 ) للنفس مكر يخدع الناس ، فهي تظهر لهم في صورة تبديها أهون من حقيقتها ، فيستهينون بأمرها ، على حين أنها تقودهم إلى الهلاك وهم لا يشعرون .
 
( 2291 ) ظهور النفس قليلة الخطر أمام العارف ، لا يخدعه من حقيقتها ، كما هو الحال بالنسبة لعامة الناس ، بل يقويه ، ويزيد من قدرته على مقاومتها . وهذا شبيه بما حدث للرسول في وقعة بدر ، حينما ظهرت جيوش المشركين قليلة في عينيه ، فزاده ذلك استهانة بأمرها ، واقداما على القتال . ( انظر : سورة الأنفال ، 8 : 43 - 44 ) .
 
( 2292 - 2297 ) هذه الأبيات تتحدث عن غزوة بدر ، وما حققه الرسول من نصر فيها ، بعون الله وتأييده . وقد وصف القرآن الكريم هذه الغزوة في سورة الأنفال . وأبيات الشاعر هنا تعبر عن معنى الآيات الكريمة ، التي سبقت الإشارة إليها في التعليق على البيت 2291 .
 
( 2296 ) التأييد الإلهي للرسول أظهر الكفار قلة في عينيه ، فيسَّر له ذلك ما كان ميسورا ، وجعله يقبل على الأمر العسير ، بدون خشية ولا وجل . قال تعالى : “ إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر “ . الآية . ( 8 : 43 ) .

 
“ 533 “
 
 
( 2298 ) من لم يظفر بمثل هذا التأييد الإلهي الذي ظفر به الرسول ، يكون من خذلان الله له أن يظهر لعينيه الأمر العسير يسيرا ، فهذا المخذول شبيه بمن أبصر الأسد هرة ، أو رأى المائة مقاتل شخصا واحدا ، فدفعه الغرور وسوء التقدير إلى القتال .
 
( 2300 - 2301 ) من خذلان الكافرين أن سيف الرسول ظهر لهم وكأنه حربة واهية ، وأن هذا الرسول القوى المؤيد بالله بدا لهم ضعيفا ، فتجاسروا على قتاله ، فحاقت بهم الهزيمة .
 
( 2302 ) ظهور الرسول ضعيفا للكفار كان استدراجا إليها ، أدى إلى هزيمتهم ، وقادهم إلى جزائهم في النار .
 
( 2303 - 2304 ) النبي يظهر لخصومه ضعيفا ، فهو في بداية أمره يكون قليل الأنصار ، فيظنون أنهم قادرون على القضاء عليه بأقل جهد .
وهم لا يدركون أن وراء هذا المظهر قوة لا قبل لهم بها ، هي قوة الله .
فظاهر النبي أنه - بالقياس إلى خصومه - ضعيف كالقشة ، وحقيقته أنه أكثر ثباتا من الجبال ، يزول معاندوه ، ويحيق بهم قهر الله ، وتبقى دعوة النبي بين الناس ، ضاحكة من خصومها .
 
( 2305 ) عوج بن عنق : من الشخصيات الأسطورية التي عرفها المسلمون عن أساطير بني إسرائيل شخصية عوج بن عنق . وعنق اسم أمه التي قيل إنها احدى بنات آدم من صلبه . وقد جاء وصف عوج بن عنق في قصص الأنبياء على الوجه التالي :
“ قال ابن عمر : كان طول عوج ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا بالذراع الأول . وكان عوج يحتجز السحاب ويشرب منه الماء ، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس ، يرفعه إليها ، ويأكله .
ويروى أنه أنى نوحا أيام الطوفان فقال له : احملنى معك في سفينتك ، فقال له : اذهب يا عدو الله ، فانى لم أومر بك . فطبق الماء



“ 534 “
 
الأرض من سهل ومن جبل ، وما جاوز ركبتيه . وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى . وكان لموسى عسكر فرسخ في فرسخ ، فجاء عوج ونظر إليهم ثم جاء إلى الجبل وقدّ منه صخرة على قدر العسكر ، ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله عليه الهدهد ومعه الطيور ، فجعلت تنقر بمناقيرها حتى قورت الصخرة ، وانثقبت فوقعت في عنق عوج بن عنق ، فطوقته وصرعته ، فأقبل موسى وطوله عشرة أذرع ، وطول عصاه عشرة أذرع وققز إلى فوق عشرة أذرع فما أصاب منه الا كعبه وهو مصروع في الأرض ، فقتله . قالوا فأقبل جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه ، فلما قتل ، وقع على نيل مصر ، فحسره سنة “ . ( الثعلبي : قصص الأنبياء ، ص 265 ) .
وقد استخدم الشاعر شخصية عوج في تصوير استدراج الله للكفار ، إذ يظهر لهم الماء ضحلا لا يتجاوز عمقه كعب الرجل ، في حين أن الماء يكون عميقا بحيث يغرق مائة من أمثال عوج بن عنق . وفي البيت إشارة إلى أن قوة الحس ، مهما عظمت ، فهي ضعيفة أمام قوة الروح .
 
( 2307 - 2308 ) في البيتين إشارة إلى قصة هلاك فرعون . ( انظر :
سورة البقرة ، 2 : 50 ) .
 
( 2318 ) الدهري هو المادي الذي يؤمن بقدم العالم وأزليته .
وكان في بلاد العرب قبل الاسلام جماعة آمنوا بذلك . وقد أشار إليهم القرآن الكريم بقوله تعالى : “ وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر “ . ( 45 : 24 ) .
 
( 2319 ) “ لولا الأنبياء ما استطاع الناس ادراك أسرار الفلك وأنه مثلهم مخلوق محدث “ .
 
( 2320 ) “ النبي المطلع على أسرار خلق السماوات والأرض هو الذي يخبر عن حدوث الأفلاك . ولا سبيل للانسان إلى ادراك ذلك بتجربته الذاتية ، لقصر عمره . فالانسان بالقياس إلى الأفلاك ،
 
“ 535 “
 
كالعنكبوت بالقياس إلى الدار . فبينما صاحب الدار يدرك سر بنائها ، فان العنكبوت ينسج خيوطه في جوانبها ، من غير أن يدرك من سرها شيئا .
 
( 2321 - 2322 ) في البيتين صورتان بيانيتان ، تعبران عن المعنى الذي ورد في البيت السابق ، وهو أن الكائنات الحسية لا تستطيع أن تتجاوز الحس ، إلى مدركات سبقت وجودها الحسى . وحياة الحس أيضا قصيرة المدى ، وهذا مما يزيدها عجزا فوق عجزها . فالبعوضة لا تستطيع أن تعرف أصل البستان . ودودة الخشب لا علم لها بأصل الخشب .
 
( 2323 - 2325 ) الادراك الحق يكون للعقل وحده . وليس المقصود بالعقل هنا ذلك العقل الجزئي الذي يعتد بقدرته الانسان .
فهذا - في نظر جلال الدين وغيره من الصوفية - محدود المعرفة .
فالعقل المقصود هنا هو العقل الكلى الذي يظهر ذاته في كثير من الصور ، فكأنما هو جنى يتجلى في مختلف الصور ، بل اين منه الجنى ، وهو أسمى من الملك . ولولا عجز المستمع عن ادراك عيمق المعاني ، لما جاز تشبيه العقل الكلى بالجن في قدرته على الظهور بمختلف الصور .
 
( 2328 ) “ الجنون “ هنا معناه الخروج على ما تعارفت عليه عقول أهل التقليد . فالعقل المقلد والعلم التقليدى يتنافيان مع العرفان الصوفي .
 
( 2333 - 2337 ) في هذه الأبيات حكاية قصيرة ساقها الشاعر لا يضاح معنى البيت 2332 ، وفيه يسخر الشاعر من العقل ( المقلِّد ) ، ويفضل عليه عرفان الروح ( وهو ما قد يصفه بعض المقلدين بأنه جنون ) . فهذه الحكاية ترمز إلى أن عشقا روحيا ظاهره الجنون وباطنه العقل خير من عقل مقلد ، ظاهره العلم ، وهو في حقيقة أمره أسير الجهل .
 
( 2338 ) بدأ الشاعر هنا قصة رجل عاقل كان يتظاهر بالحمق ،

 
“ 536 “
 
فيركب قصبة كالأطفال ، ويمضى بها في الطريق . والظاهر أن هذه القصة - كما يقول نيكولسون - كانت شائعة قبل زمن الشاعر . وقد ذكر نيكولسون صورا متعددة لهذه القصة نقلها عن بستان العارفين ، لأبى اليث السمرقندي ، وكذلك عن جوامع الحكايات لمحمد عوفي .
( انظر تعليقات نيكولسون ) . كما أورد فروزانفر صورا أخرى لهذه القصة عن العقد الفريد لا بن عبد ربه ، وربيع الأبرار للزمخشري ، واسكندرنامه ( المنثور ) . ( مآخذ قصص ، 70 - 72 ) .


ويعزى تظاهر الرجل بالجنون في هذه القصص ، إلى أسباب مختلفة . فمنها ما ينسب اليه أنه أراد بذلك الفرار من منصب حكومي كان يراد اسناده اليه . ومنها ما ذكر أنه انما فعل ذلك ليستطيع الأمر بالمعروف والنهى على المنكر من غير أن يقع تحت طائلة العقاب . وقد وجدتُ في العقد الفريد صورة أخرى لهذه القصة ، مرويَّة عن العتبىّ ، وهي كما يلي :
“ سمعت أبا عبد الرحمن بشرا يقول : كان في زمن المهدىّ صوفي ، وكان عاقلا عالما ورعا ، فتحمق ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وكان يركب قصبة في كل جمعة يومين : الاثنين والخميس ، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة .
 فيخرج ، ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان ، فيصعد تلا وينادى بأعلى صوته : ما فعل النبيون والمرسلون ؟ أليسوا في أعلى عليين ؟
فيقولون نعم : فيقول : هاتوا أبا بكر الصديق . فأخذ غلام فأجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله خيرا أبا بكر عن الرعية . فقد عدلت ، وقمت بالقسط ، وخلقت محمدا عليه الصلاة والسلام فأحسنت الخلافة . . . “ .
وهكذا يذكر الخلفاء الواحد بعد الآخر ويبين ما لهم وما عليهم ، حتى بلغ دولة بنى العباس ، فسكت . فقيل له : “ هذا أبو العباس أمير المؤمنين . قال : بلغ أمرنا إلى بني هاشم . ارفعوا حساب

“ 537 “
 
هؤلاء جملة واقذفوا بهم في النار جميعا “ . ( العقد الفريد ، 6 ، 152 - 154 ) .
 
( 2343 ) السامرىّ . ( انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 2258 وشرحه ) .
والشاعر هنا يحذر من اعتبار الجنون علامة من علامات الولاية . وهذه الخرافة كانت منتشرة بين السذج حتى وقت قريب ، فكثيرا ما ظنوا البله أولياء .
 
( 2347 ) “ لو أبصرت بعين اليقين لرأيت تحت كل مظهر متواضع جنديا من جنود الله ، كما قد يجد المرء كنزا كان مختفيا تحت قطعة من الحجر .
 
( 2348 ) العين القادرة على ابصار اليقين لا يحجبها عن ادراك جوهر العارف بساطة مظهره . انها ترى - في رادء كل صوفي - رجلا يناجى ربه ويسمع منه ، شبيها بموسى الكليم .
 
( 2351 - 2353 ) “ العَمى “ في هذه الأبيات مستخدم بطريقة رمزية . وهو يعنى هنا العجز عن معرفة الأولياء والمرشدين . فمن سلبت المادية والحسية بصيرته ، وصرفته عن جوهر الروح ، لا يستطيع أن يكتشف هذه العلة في نفسه ، لأنه ذو بصيرة مظلمة ، فهو كالأعمى الذي لا يعرف سارقه ، حتى ولو الصطدم به ذلك السارق ، على الطريق .
 
( 2354 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية تمثيلية صغيرة عن الأعمى الحكيم ، والكلب العقور . وقد استخدم “ العمَى “ هنا في معناه الحسى . فالعمى الحسىّ لا يقف حائلا دون الحكمة ، ولا يعوق صاحبه عن تحصيل العرفان . وليس افتقاد البصر مؤديا - بالضرورة - إلى الجهل ، لأن بصيرة الروح أقوى وأعمق من ابصار العينين . والكلب العقورفي هذه الحكاية رمز للطاغية الظالم الذي يؤذى الدراويش الصالحين . “ والعمى الحسىّ “ هنا يشير إلى انصراف العارفين عما حولهم من المظاهر التي تأسر الحس ، من غير أن يكون لذلك أثر على حكمتهم وعرفانهم ، بدليل


“ 538 “
 
أن الدرويش الأعمى ، قد استطاع أن يخلص نفسه من الكلب الضاري .
 
( 2362 - 2363 ) “ الكلب العالم “ رمز للمتعلق بالحس الذي حصَّل شيئا من العلم . فمثل هذا يميز بين الكسب الحلال ، والكسب الحرام .
 
( 2364 ) قول الشاعر : “ والكلب حين صار عالما أصبح سريع الوثبات “ ، يعنى أن المتعلق بالحس ، حينما حصَّل العلم ، تحقق له بعض التحرر من سلطان الحس . وهو حين صار عارفا غدا من أصحاب الكهف . والإشارة هنا إلى كلب أصحاب الكهف الذي يشار اليه كثيرا على أنه قد تحققت له مرتبة البشرية المكرمة ، وذلك بملازمة لأصحاب الكهف . قال سعدى :
“ ان ابن نوح عاشر الأشرار ، فضاع بذلك بيت نبوته . وكلب أصحاب الكهف اقتفى أثر الصالحين بضعة أيام ، فصار كالبشر “ .
( الكلستان ، الحكاية الرابعة ) .
وانظر أيضا : المثنوى ، 1 ، 1022 وشرحه .
 
( 2365 ) “ لقد غدا كلب ( أصحاب الكهف ) عارفا بخالقه ، فيا الهى ، ما أعجب نور العرفان ، وما أقواه على كشف الحقائق ! “ ( 2366 ) بيِّن الشاعر هنا أن افتقاد بصر العينين لا يعنى فقدان البصيرة .
 
( 2368 ) قارون : ( انظر : المثنوى ، 1 ، 864 وشرحه ) .
 
( 2369 ) قول الشاعر : “ ولقد رجفت لاهلاك كل دعىّ “ يشير إلى قوله تعالى في قصة صالح : “ فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين “ . ( 7 : 78 ) . انظر : المثنوى ، 1 : 2509 - 2569 ، وشرح هذه الأبيات .
أما قول الشاعر : “ وفهمت من الحق قوله : يا أرض ابلعي ماءك “ ، فيشير إلى قصة نوح والطوفان ، وكيف أطاعت الأرض أمر

.
يتبع
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات من 2141 - 2596 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:02 pm

شُروح وَدرَاسَات من  2141 - 2596 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَ درَاسَات من 2141 - 2596 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
شرح كيف ذهب المصطفى عليه السلام لعيادة صحابي مريض
“ 539 “
 
ربها بعد الطوفان حين أمرها أن تبلع ماءها .
 
( 2370 - 2371 ) قد يعرف بعض الجماد عن الله أكثر مما يعرف بعض عقلاء البشر . يستشهد الشاعر على ذلك بطاعة السماوات والأرض لأمر الله . ( انظر أيضا : المثنوى ، 1 ، 512 - 513 ) .
 
( 2372 ) هذا البيت يشير إلى قوله تعالى : “ انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلموما جهولا “ . ( 33 : 72 ) . انظر : المثنوى ، 1 ، 1958 وشرحه .
 
( 2373 ) يفسر الشاعر اعراض السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة بأنه نفور من تلك الحياة التي يصبح فيها المخلوق شديد السعي إلى الخلق والبعد عن الحق .
 
( 2374 ) ان الانقطاع عن الخلق يجعل المرء يتيما منفردا . لكن مجرد الانقطاع عن الخلق لا يعنى الأنس بالله ، بل لا بد لذلك من قلب سليم . والقلب السليم قد ذكر في القرآن الكريم مرتبطا بإبراهيم الخليل . انظر الآيات : ( 26 : 89 ) ، ( 37 : 84 ) .
 
( 2375 - 2378 ) “ اللص “ هنا رمز للشيطان ، أو للنفس الحسية وشهواتها . والأعمى هو الانسان الذي لم يرزق الكشف الروحي .
ومعنى “ الامساك باللص “ مراقبة الشيطان ، أو النفس ، حتى يستطيع المرء أن يتخلص من سلطان الشر .
 
( 2379 ) “ الجهاد الأكبر “ هو جهاد النفس الأمارة بالسوء . فعلى المرء أن يقوى في مراقبتها ومحاسبتها حتى يتخلص من آثارها السيئة .
 
( 2380 ) النفس الحسية تغشى بصيرة الروح . وأولى مراحل الابصار الروحي تكون بعد اخضاع تلك النفس .


( 2381 ) “ أصحاب القلوب “ هم المرشدون العارفون .
 
( 2383 ) “ الجهاد “ هنا رمز لمن تجرد من الحياة الروحية . وهو
 
“ 540 “
 
المقابل المضاد لأصحاب القلوب .
 
( 2384 ) عاد الشاعر هنا إلى قصة “ الحكيم الذي كان يتظاهر بالحق “ . وهي التي بدأها بالبيت 2338 .
( 2385 ) قوله : “ تخل عن حلقة الباب “ يعنى لا تطرق الباب .
وهذا القول - على لسان الحكيم - يعنى أنه ليس على استعداد للتباحث مع المستفسر ، فالباب لن يفتح ، لأن ذلك اليوم لم يكن يوم الأسرار . وهذا المعنى يتضح في البيت التالي . فالعارف لا يقبل على التعليم من أجل الكسب والزهو ، كما يفعل العلماء المقلِّدون ، فقد يمر بحالات تجعله راغبا في العزلة والتأمل .
 
( 2386 ) “ لو كانت من علماء الحس المقلدين ، لكان سبيلي أن أجلس فوق دكان وأمارس التلعيم “ .
 
( 2387 ) “ المحتسب “ هو الموظف الادارى الذي كان يناط به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومراقبة الأسواق والآداب العامة .
وقد خصص فصل لبيان واجبات المحتسب في كتاب الأحكام السلطانية ، للماوردي ، وكذلك وصلت الينا بعض كتب الحسبة ، ومن أهم مؤلفيها الشيزرى صاحب “ نهاية الرتبة في طلب الحسبة “ ، ومحمد القرشي صاحب “ معالم القربة في أحكام الحسبة “ . وتضم الموسوعات العربية القديمة فصولا عن الحسبة ، ومن أهمها ما ورد في “ نهاية الأرب “ للنويرى .
 
( 2392 ) طلب المحتسبُ إلى السكران أن يقول ( آه ) ، حتى يشم أنفاسه ، لكن السكران لم يستجب له ، وأخذ يهتف “ هو ، هو “ ، وهو هتاف الصوفية عندما تنتابهم سكرة الوجد .
 
[ شرح من بيت 2400 إلى بيت 2550 ]
 
( 2400 ) عاد الشاعر إلى قصة الحكيم الذي كان يتلكف الحمق .
 
( 2412 ) جاء في نص عربى لهذه القصة رواه صاحب العقد الفريد : “ البكر لك ، والثيِّب عليك ، وذات الولد لا تقربها “ .



“ 541 “
 
( 2425 ) يقول الحكيم ان هذا الجنون الذي تظاهر به ، برغم اكتمال عقله ، يشبه أرضا خرابا تخفى في باطنها كنزا . فظاهرها يدعو إلى الزهد فيها ، لكن باطنها عامر بالكنز النفيس .
 
( 2426 ) “ العسس “ رمز للحكام الدنيويين الظالمين ، الذين يهرب منهم الصوفية ، ذلك لأن الصوفية لا يقبلون التورط فيما يرتكبه مثل هؤلاء الحكام من المظالم .
 
( 2427 ) يقول هذا الحكيم انه لا يبيع علمه من أجل أغراض دينوية عارضة ، فعلمه جوهر خالد ، وليس عرضا فانيا .
 
( 2428 ) يعبر الحكيم في هذا البيت عن تساميه على الأغراض المادية . فقلبه الصافي يتلقى العرفان من الخالق ، وهو سعيد بهذا العرفان الذي يتكشف له .
 
( 2436 ) “ علم الكلام يتوقف ازدهاره على مقدار ما يلاقيه من اقبال المستمعين . فهو علم يستمد وجوده من غرور أصحابه ، وحبهم للظهور ، : وليست له حياة ذاتية “ .
 
( 2439 ) انظر : المثنوى ، 1 ، 1750 وشرحه .
 
( 2440 ) أي عطاء يقدر عليه أهل الدنيا ؟ وماذا يكون عطاؤهم إذا قيس بعطاء الخالق الوهاب ؟
 
( 2441 ) “ أكل الطين “ رمز للاسراف في التعلق بالمادية . ومن أصيب بمثل هذا الاسراف اعتل كيانه .
 
( 2442 ) “ غذاء الروح “ هو الذي يجعل الانسان دائم الشباب .
والروح ذاتها لا تشيخ ، أما الجسد فيشيخ ويفنى . وقول الشاعر :
“ اغتذ بقلبك “ يعنى : اجعل غذاء الروح قوام وجودك .
( 2448 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد “ .
( 50 : 16 ) .

 
“ 542 “
 
( 2449 ) الدعاء والصلوات - التي يرفعها البشر إلى خالقهم - مستمدة من الخالق‌ذاته ، فهو الذي علمهم إياها ، فتساموا بها ، والا فان الوجود الانساني الذي غلب عليه الحس لا تنبثق منه هذه الصلوات . ان هذه الأفعال الروحية الصادرة عن البشر ، شبيهة بورود نبتت في رماد الموقد .
 
( 2450 ) كرم الله أيضا هو الذي بث الفهم والادارك في اللحم والدم ، وجعل المعاني الفكرية المجردة متعلقة بكيان حسىّ .
 
( 2451 ) الابصار - كما يقول الشاعر - نور يفيض من العينين فتلاطم أمواجه السماء . وفي هذا تعبير عن اتساع البصر لكل هذه المشاهد المتجلية في السماوات والأرض .
 
( 2455 ) جنة الروح هي أصل السعادة ونبعها ومجلاها .
 
( 2456 ) يعود الشاعر هنا إلى قصة الرسول والصحابي المريض ، وهي القصة التي بدأت في البيت 2141 .
 
( 2457 - 2458 ) انظر شرح البيت 2141 .
ويشير هذان البيتان إلى نوع من صحابة الرسول تلقوا تعاليمه بتزمت . وهؤلاء هم الأصل في ظهور فرقة الخوارج التي بنيت تعاليمها على هذا التزمت في التفسير .
وقد أشار الشاعر إلى هؤلاء من قبل . ( انظر : المثنوى ، 1 ، 366 - 370 ) .
 
( 2468 - 2470 ) انظر قصة هاروت وماروت . ( المثنوى ، 1 ، شرح الأبيات 3321 - 3354 ) .
وفي هذه الأبيات تفسير جديد للقصة ، هو أن هاروت وماروت آثرا أن يلقيا - في الدنيا - نصيبهما من العذاب ، لقاء ما اقترفا من الاثم والخطيئة ، بدلا من معاناة ذلك في الآخرة .
 
( 2471 ) “ ألم الدخان “ رمز لعذاب الدنيا ، فهو بالقياس إلى
 
“ 543 “
 
عذاب الآخرة شبيه بالدخان ، إذا قيس بالنار .
( 2481 ) انظر حديث الرسول في شرح البيت 2141 .
 
( 2484 ) كان موسى يريد أن يسير ببنى إسرائيل إلى الأرض المقدسة ، بعد أن خرجوا من مصر ولكنهم خافوا دخولها على من كان بها من الحكام والأقوام ، وجبنوا عن القتال . قال تعالى : “ قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون “ ( 5 : 24 ) . فحزن موسى لذلك وشكاهم إلى الله ، فكان عقابهم أن الله أوقعهم في التيه ، وحرم علهيم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة .
قال تعالى : “ قال رب انى لا أملك الا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين . قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين “ . ( 5 : 25 - 26 ) .


يقول الزمخشري عن التيه : “ التيه المفازة التي يتاه فيها . روى أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ ، يسيرون كل يوم جادين ، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه . . . . . . فان قلت : هل كان معهم في التيه موسى وهارون عليهما السلام ؟ قلت : اختلف في ذلك ، فقيل لم يكونا معهم ، لأن كان عقابا . وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم . وقيل : كانا معهم الا أنه كان ذلك روحا لهما وسلامة ، لا عقوبة ، كالنار لإبراهيم “ . ( تفسير الكشاف ، 1 ، 622 - 623 ) .


ويمكن أن يفسر البيت تفسيرا رمزيا على أساس أن التيه رمز للعالم المادي الذي تاهت الأرواح فيه عن أصلها . وأن الرسول يرشد الأرواح في هذا التيه . وأن الاثم ( وهو التعلق بلذات الدنيا ومتاعها ) هو الذي يبقى الأرواح في التيه رهن البلاء .
 
( 2485 ) مضمون هذا البيت شبيه بما أصاب قوم موسى حين

“ 544 “
 
وقعوا في التيه ، فقد لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ ( انظر شرح البيت السابق ) .
 
( 2486 ) استخدم موسى في هذا البيت رمزا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وفي البيتين 2493 - 2494 تعليل لهذا الرمز .


( 2487 ) “ الموائد “ التي كانت تنزل على بنى اسرئيل هي المن والسلوى . قال تعالى : “ وظلمنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى “. ( 2 : 57 ).
 
( 2488 ) في البيت إشارة إلى معجزة لموسى ذكرت في القرآن الكريم . قال تعالى : “ وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا “ . ( 2 : 60 ) .
( 2489 ) إذا غضب الرسول على قومه أصابهم العذاب . ولا يقتصر هذا على ما يصيبهم في الآخرة ، بل إن بعضه قد يصيبهم في الدنيا .
 
( 2490 ) “ القلبان “ هما الرضى والسخط . والرسول يرضى عن قومه إذا أحسنوا ، ويغضب عليهم ان أساؤوا . وكل انسان عرضة لحالى الرضى والسخط ، على مقتضى أفعاله .
 
( 2493 - 2494 ) في هذين البيتين يعتذر الصحابي عن اتخاذ موسى رمزا للرسول في أعماله - وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين - فيقول انه فعل ذلك لأن مدح الحاضر مدعاة للحرج . فهذا الصحابي كان يدلى بهذه الأقوال في حضرة الرسول ، فلجأ إلى الرمز ، والا فان موسى ذاته ما كان ليجيز أن يُذكر اسمه على أنه مثال للتعبير عن كمال محمد .
 
( 2496 ) انتهى الكلام الموجهُ إلى الرسول في هذا البيت .
 
( 2497 ) بدأ الشاعر هنا مجموعة من الأبيات ، في مناجاة الله .
فالصفات التي تضمنتها هذه الأبيات لا تصدق الا على الخالق . وليس من المستطاع أن نعرف ما إذا كان الشاعر يتحدث بهذه المناجاة حديثا



“ 545 “
 
مباشرا ، أم أنه يجريها على لسان الصحابي الذي كان يكلم الرسول .
وهذا الأمر - على أية حال - لا يخلق صعوبة في فهم الأبيات .
( 2507 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم “ . ( 2 : 37 ) .
 
( 2508 ) يصور جلال الدين الشيطان ملاعبا لآدم على رقعة الشطرنج . وقد سبق له التعبير عن هذا المعنى بصورة لطيفة . ( انظر الأبيات 129 - 131 ) .
 
( 2514 ) انظر الآيات الكريمة : ( 35 : 43 ) ، ( 4 : 79 ) ، ( 41 : 46 ) .
 
( 2516 - 2517 ) أول العلاج معرفة الداء . والشيطان وأمثاله قد أعماهم الغرور ، فأصبحوا غافلين عن حقيقة أنفسهم . ولو أنهم فطنوا لقبحها ، لكان ذلك بداية لسعيهم إلى الصلاحها .
 
( 2518 - 2520 ) حين يتألم المرء لسوء حاله يكون ذلك بشيرا بمولد روحي جديد . فالأم تشعر بالألم قبل ولادة طفلها . والمريد يشعر بالألم لما فرط منه قبل انبثاق وعيه الروحي . لكنه بحاجة إلى المرشد ، ليعاونه على استنباط ذلك الوعي الروحي ، كما تحتاج الأم إلى القابلة في ولادة طفلها . وكل انسان قد انطوى قلبه على “ الأمانة “ ، وهي القدرة على الايمان والعلم والمحبة . لكن النفس الحسية - بامعانها في الشهوات واللذات - تحجب عن الانسان الوعي بهذه الأمانة . فالألم من سوء حال النفس هو البداية لذلك الوعي . ونصائح المرشد ضرورية لمعاونة المريد .
 
( 2521 ) من لم يحس بالألم كان طاغيا وتأله ، كما فعل فرعون وأمثاله من الطغاة . وهو أيضا قاطع طريق لأنه يؤذى الأنبياء ، ويقطع على الناس سبيل الاهتداء بهديهم .
 
( 2524 ) إذا كان الاعتماد في معرفة المواقيت على أصوات الطير ،
 
“ 546 “
 
فوجب قطع رأس الطائر الذي يصيح قبل وقته ، حتى يكون هناك تحقق من صدق الاعلام . والطائر الذي يصيح قبل وقته رمز للنفس الحسية التي تدفع صاحبها إلى الغرور والاعتداد بذاته ، فيؤكد لها وجودا منفصلا عن خالقه .
 
( 2526 - 2527 ) قتل النفس الحسية في الانسان شبيه باقتلاع الإبرة من العقرب ، أو الأنياب من الحية . فقتل النفس الأمارة بالسوء يهيىء للمرء النجاة بروحه . واقتلاع الإبرة أو الأنياب يبعد خطر الموت عن العقرب والحية ، وبذلك تتحقق لهما النجاة من القتل .
 
( 2530 ) كل ما يتجلى في الروح فهو من الهام الخالق .
 
( 2534 ) سبق للشاعر أن قدم تأويلا صوفيا لبعض آيات هذه السورة ( انظر الأبيات 295 - 301 ) .
ويفهم من هذا البيت - على ضوء الأبيات السابقة عليه - أن الله لا يتخلى عن عبده المؤمن النقى القلب ، مهما طال بالعبد انتظارُ الهام الخالق .
 
( 2535 - 2543 ) يقدم الشاعر تفسيرا لخلق الشر في هذه الأبيات فهو يقول إن خلق الله للشر دليل على كمال قدرته . فكأنه بذلك يقول إن الله هو الفنان الأعظم ، الذي يخلق الجميل ، ولا يعجز عن خلق القبيح .
 
( 2537 - 2541 ) أراد جلال الدين أن يقرب إلى الأذهان معنى تجلى القدرة الكاملة في خلق الخير والشر ، فمثل لذلك بالفنان الذي يصور الجمال والقبح على السواء . ويكون تصويره لهذا وذاك دليلا على كمال فنه . فكأن جلال الدين بذلك قد ذهب إلى أن الفن ليس مقصورا على صنع الجمال ، بل هو أيضا في القدرة على تصوير القبح .
فالفن اذن هو الخلق ، وليس مقصورا على صنع الجمال . وشاعرنا - بهذا الرأي - قد سبق شاعر الألمان جوته بمئات السنين . . فهذا
 
“ 547 “
 
الأخير قد قال : الفن قوة مشكلِّة قبل أن يكون جميلا . . . وحين يكون كذلك ، يكون فنا صحيحا عظيما ، أصح وأعظم من الفن الجميل .
نفسه “ . ( انظر : كاسيرر : مدخل إلى فلسفه الحضارة الانسانية .
الترجمة العربية لاحسان عباس ، ومحمد يوسف نجم ، ص 246 ) .
 
( 2543 ) انظر : المثنوى ، 1 ، 2446 ) .
 
( 2544 - 2545 ) كل من المؤمن والكافر يكون خاضعا لله ، لكن المؤمن يخضع عن طواعية ورضى ، وأما الكافر فيخضع مكرها . قال تعالى : “ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها “ .
( 13 : 15 ) .
 
( 2546 ) الكافر قد يعمر الأرض ، ويبذل في ذلك جهده ، ولكن عمله هذا لا يكون في سبيل الله ، بل من أجل نفسه ، وغروره الذاتي .
فهو يدعى الامارة على ما هو ملك الخالق .
( 2547 ) يظن الكافر الباغي أنه قد تملك الأرض بطغيانه . ولكن كل شئ يؤول إلى الخالق ، في نهاية الأمر . قال تعالى : “ انا نحن نرث الأرض ومن عليها والينا يرجعون “ . ( 19 : 40 ) .
 
( 2549 ) الكافر القبيح الأفعال يتخذ من الجبر حجة يبرر بها سوء عمله . فهو يعزو ذلك إلى إرادة الله ، الذي لو شاء لخلقه من الأخيار الصالحين .
 
[ شرح من بيت 2550 إلى بيت 2700 ]
( 2550 ) الصالح الخير ينسب حسن فعله إلى الله ، ويشكره على ما وهبه من هداية لتجنب الأخطاء .
 
( 2551 ) استأنف الشاعر من جديد قصة الرسول والصحابي المريض .
 
( 2552 ) يتضمن هذا البيت نظما لآية كريمة . كان الرسول قد علم صاحبه المريض أن يدعو بها ربه ، هي قوله تعالى : “ ربنا آتنا في الدنيا

 
“ 548 “
 
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار “ . ( 2 : 201 ) .
انظر نص الحديث في شرحنا للبيت 2141 .
 
( 2553 ) “ ما دمت أنت مقصدنا - أيها الخالق الكريم - فهون علينا أهوال الطريق ، واجعل طريقنا إليك لطيفا كالبستان “ .
 
( 2554 - 2555 ) قول الشاعر : “ ألم تكن النار طريقا مشتركا “ .
يشير إلى قوله تعالى : “ وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا “ . ( 19 : 71 ) .
 
( 2569 ) في البيت اقتباس من قوله تعالى : “ هل جزاء الاحسان الا الاحسان “ . ( 55 : 60 ) .
 
( 2574 - 2575 ) ان المحبين يحترقون بنار المحبة ، يجذبهم إليها نور وجه الحبيب ، فيندفعون نحوها كما يندفع الفراش نحو الشموع .


( 2576 ) بدأ الشاعر هنا يوجه الخطاب إلى المريد ، ويبين فضل المرشد على المريد . فالمرشد نور يغمر المريد ، وهو مجن يقيه محنة العالم الحسى وبلاءه .
 
( 2578 ) شبِّه الشاعرُ المرشد بالأفق السماوي ، والمريد بالكوكب الذي يتعلق بهذا الأفق .


( 2579 ) عطارد كاتب الفلك ، فهو الذي يفتح دفتر الفلك ويسجل به الأحداث ، والمرشدون يفتحون لك دفتر القلب ليكشفوا لك خفى الأسرار .
 
( 2580 ) دعك من الحيرة ، والتحق بذوي قرباك من أهل القلوب .وان كنت قطعة من النور ، فالتحق بالكل الذي أنت منه .
 
( 2581 ) “ لماذا يكون اجتنابك للمرشدين العارفين ؟ وما هذا التخلي عنهم والا متزاج بالمخالفين ؟ “


( 2582 ) يعبر هذا البيت عن نظرية الفيض المستمدة من الأ فلا طونية المحدثة . يقول اخوان الصفاء : “ ان الأشياء كلها بأجمعها صور وأعيان


 
“ 549 “
 
غيريات أفاضها الباري تعالى على العقل الفعال . . . ومن العقل على النفس الكلية الفلكية التي هي نفس العالم بأسره . . . . ومن النفس الكلية .
فاضت على الهيولى الأولى . . . . ومن الهيولى على النفس الجزئية .
البشرية . . . . فمن أراد أن يعرف صور الأشياء في النفس الكلية قبل فيضها على الهيولى ، فليعتبر صور مصنوعات البشر ، كيف تكونها في نفوسهم قبل اظهارهم لها في الهيولات الموضوعة لهم في صناعتهم . . . .


ومن أراد أيضا أن يعرف كيف كانت صور الأشياء في العقل الفعال قبل فيضه على النفس الكلية ، وكيف كان قبولها تلك الرسوم والصور ، فليعتبر حال رسوم المعلومات التي في أنفس العلماء . . . . ومن أراد أيضا أن يعرف حال المعلومات في علم الباري عز وجل ، قبل فيضه على العقل ، فليعتبر حال العدد كيف كان في الواحد الذي قبل الاثنين “ . ( رسائل اخوان الصفاء ، 1 ، 398 - 399 ) .


لقد انتقد الشاعر - في البيت السابق - اجتناب الجزء لكله ، واندفاعه إلى ما يصرفه عن هذا الكل . ثم بين في هذا البيت الصلة بين الواحد وبين الكثرة ، وكيف يتوالى الفيض حتى تتحول الأجناس إلى أنواع ، وتصير المغيبات الروحية أعيانا حسية ملموسة .
( 2583 ) من خدعه ظاهر الحس ومغرياته عن حقيقة جوهره ، كان كالنساء يخدعهن معسول القول ، وكاذب الثناء .
 
( 2584 ) هذا المغتر بالكذب والخداع ، يحرص عليهما حرصه على الذهب .
 
( 2585 ) ان ما قد يلقاه المريد من تعنيف المرشد وقسوته خير له من كذب المدح وزائف الثناء .
 
( 2596 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون “ .
( 29 : 64 ) .
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2604 - 3101 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:04 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2604 - 3101 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 2604 - 3101 على مدونة عبدالله المسافر

شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 2604 - 3101 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

شرح كيف أيقظ إبليس معاوية رضي الله عنه قائلا : قم فقد حان وقت الصلاة 
“ 550 “
( 2604 ) يبدأ الشاعر هنا قصة عن معاوية وإبليس ، خلاصتها أن إبليس أيقظ معاوية في وقت الصلاة ، فشك معاوية في اخلاصه ، وظل يحاوره حتى كشف خبث سريرته ، وأنه ما قصد من ذلك إلى خير .
وقد أبدى نيكولسون شيئا من العجب إزاء اختيار الشاعر لشخصيتة معاوية في هذا القصة ، برغم ما عرف عن الأمويين من اقبال على الدنيا وبعد عن الزهد ، ثم التمس للشاعر عذار في ذلك ، هو أن معاوية كان من صحابة الرسول ، كما أن الرسول أيضا تزويج أخت معاوية .
ورأيي أن اختيار معاوية هنا لم يكن لمكانته في الاسلام فحسب ، وانما لما كان يعرف به معاوية من دهاء وسعة حيلة . فلقد وضع الشاعر - في القصة - داهية لا يسهل خداعه ، في مواجهة الشيطان ، فطال بذلك الحوار بين هذين المتصارعين ، واستطاع الشاعر أن يملأه بكثير من الصور الفنية الرائعة ، والمعاني التي تكشف عن قدرته في تصوير الصراع ، والتعبير عن وجهات النظر المتعارضة ، حتى ولو كان الشيطان - عدو الانسانية الأكبر - يمثل أحد الجانبين المتصارعين .
وقد أورد فروزانفر نصوصا تعبر عن الفكرة الأساسية لهذه الحكاية ، بايجاز ، وبدون أي تصوير فنى ، مما يجعل عمل جلال الدين ابداعا مستقلا لا يكاد يدين بشئ لمثل هذه النصوص . وفيما يلي مثال للصور التي وردت بها هذه القصة :
“ يروى أن رجلا كان يعلن إبليس كل يوم ألف مرة . فبينما هو ذات يوم نائم إذ أتاه شخص فأيقظه وقال ، قم فان الجدار ها هو يسقط . فقال له : من أنت الذي أشفقت علىّ هذه الشفقة . فقال له :
أنا إبليس . فقال : كيف هذا وأنا ألعنك كل يوم ألف مرة . فقال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله ، فخشيت أن تكون منهم فتنال معهم

 
“ 551 “
 
ما ينالون “ . ( عن قصص الأنبياء للثعلى ، ص 36 . انظر أيضا : فروزانفر :
مآخذ قصص ، 72 - 73 ) .
 
( 2620 ) “ ختن ) بضم أوله وفتح ثانيه ، وآخره نون ) : بلد وولاية دون كاشغر ، ووراء ، يوزكند ، وهي معدودة من بلاد تركستان .
وهي في واد بين جبال في وسط بلاد الترك ، وبعض يقول بتشديد التاء “ . ( ياقوت : معجم البلدان ، مادة ختن ) .
 
( 2635 - 2637 ) هذه الأبيات تعبر عن معنى حديث قدسي ينقل عن الرسول أنه روى عن الله قوله : “ انما خلقت الخلق ليربحوا علىّ ، ولم أخلقهم لأربح عليهم “ .
 
( 2640 ) يجادل إبليس قائلا : “ انه لا ينظر إلى سبب ضلاله ، وهو عصيان الخالق بالامتناع عن السجود لآدم ، والا إلى الجزاء الذي وقع من جراء هذا العصيان ، وهو غضب الخالق .
 
( 2641 ) الخالق لطيف رحيم ، سبقت رحمته على غضبه . وإبليس ينظر إلى ذلك اللطف الأزلي ، ولا يصرفه عن ذلك ما أصابه من غضب الله نتيجة لعصيانه . ان العصيان حادث ولا اعتبار للحادث إذا قيس بالأزلىّ .
 
( 2642 - 2644 ) ساق الشاعر على لسان إبليس حجة أخرى يعتذر بها عن عصيانه ، خلاصتها أن هذا العصيان جاء نتيجة لحبه للخالق ، وحرصه على أن يكون التقديس له وحده ، وغيرته من أن يظفر آدم بمنزلة تفوق ما كان لا بليس من منزلة عند الخالق .
 
( 2645 ) يقول إبليس : “ ان الخالق قد قدر على العصيان منذ الأزل ، ولهذا لهم يكن في وسعى أن أفعل سوى ذلك “ . ( انظر : المثنوى ، 1 ، 1488 ) .
 
( 2647 ) يدعى إبليس أنه - برغم ما يقاسيه من قهر وخذلان - ينعم بالمحبة الإلهية .
 
“ 552 “
 
( 2648 ) “ الجهات الست “ رمز للحواس الخمس . والحس المشترك ، ( وهو الحس الذي تُدرك به الصورة ) . والمراد أن التخلص من سلطان الحواس الست أمر بالغ العسر . وقد شُبهت الحواس الست بالأقسام الستة في لوحة النرد ، فالوقوع تحت سلطان الحواس يحدث الهزيمة ، وكذلك احتباس أحجاز لا عب النرد في “ الخانات “ الست يؤدى إلى هزيمته .
وحاصل المعنى أن المراء لا يستطيع أن يجرى في ستة اتجاهات في وقت واحد .
وحديث إبليس هنا يبدو وكأنه صادر عن انسان ذي حواس . ولا غرابة في ذلك ، فأسير الحواس عند الصوفية صنو إبليس .
 
( 2649 ) أعتقد أن المقصود “ بجزء الستة “ هنا هو الحس المشترك ( الذي تُدرك به الصور ) . فمثل هذا الحس لا يصلح سبيلا إلى معرفة روحية ، ما دام يستمد كل مدركاته من الحواس . فلا قدرة لهذا الحس المشترك على التخلص من سلطان العالم الحسى .
 
( 2650 ) كل من كان واقعا تحت السلطان الحواس فهو في جحيم لا يخلصه منه سوى الخالق القدير .
 
( 2658 ) شبه معارف إبليس بالصفير الذي يحدثه الصياد ليوقع الطيور . فالناس ينخدعون بحديث إبليس ، كما تنخدع الطيور بصفير الصياد .
 
( 2661 ) ان سيطرة الشيطان على قوم نوح جعلت هؤلاء يعصون نبيهم هذا ، فحل بهم غضب الله وأغرقهم الطوفان .
 
( 2662 ) انظر : المثنوى ، 1 ، 854 - 855 وشرحهما .
 
( 2663 ) في البيت إشارة إلى قصة قوم لوط ، وكيف هلكوا من جراء ما كانوا يتعلقون به من الآثام . قال تعالى : “ وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل “ . ( 15 : 74 ) . وقال أيضا : “ وأمطرنا عليهم مطرا فساء
 
“ 553 “
 
مطر المنذرين “ . ( 26 : 173 ) . ولقد كان هلاك قوم لوط بحجارة أمطرتها عليهم السماء . أما وصف الشاعر لقوم لوط بأنهم “ غرقوا في المياه السوادء “ ، فلعل ذلك إشارة إلى ما أصابهم من عمى ، جاء ذكره في قوله تعالى : “ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم “ . ( 54 : 37 ) .
 
( 2664 ) انظر المثنوى ، 1 ، 1189 وشرحه .
 
( 2665 ) فرعون ، الملك الذكي القادر ، صار عديم الفهم من جراء مكر الشيطان ، فلم يستمع إلى رسالة السماء .
 
( 2666 ) أبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب ، عم الرسول .
كان من أشد أقرباء الرسول عداوة له . يقول البلاذري : “ لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : “ وأنذر عشيرتك الأقربين “ ( 26 : 214 ) ، اشتد ذلك عليه ، وضاق به ذرعا ، فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته ، حتى ظن عماتُه أنه شاك ، فدخلن عليه عائدات . 
فقال : ما اشتكيت شيئا ، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فأردت جمع بنى عبد المطلب لأدعوهم إلى الله . 
قلن فادعوهم ، ولا تجعل عبد العزى فهيم - يعنين أبا لهب - فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه اليه “ . 
وتاريخ أبى لهب وامرأته ابان الدعوة حافل بالكيد والعداء المرير لرسول الله .
وقد نزلت في ذمهما سورة من القرآن الكريم ، وهي سورة المسد ، ( 111 ) أما أبو جهل ، فهو أبو الحكم عمرو بن هشام ، وكان من أشد الكفار عداء للرسول . ) ( انظر : المثنوى ، 1 ، 2154 - 2160 ، والشرح ) 
 
( 2670 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى ( حكاية عن ابن نوح ) :
“ قال سآوى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم “ . ( 11 : 43 ) . العصمة وحدها هي التي تنجى الانسان من مكر الشيطان ، كما كانت رحمة الله هي المنقذ الوحيد يوم طوفان نوح .


“ 554 “
 
( 2672 ) يدعى إبليس أنه محك لتمييز الخير من الشر . وهو بهذا يجعل نفسه على مستوى الأنبياء . ( انظر المثنوى ، 2 ، 284 - 287 ) .
وإبليس - من هذه الناحية - محك سلبىّ فهو يدعو إلى الشر ، وبهذا يتبين الشرير من الخير ، على العكس من الأنبياء ، فهم يدعون إلى الخير ، فيتميز الخير من الشرير .
 
( 2674 ) “ ليس الشر من صنعي ، بل هو كامن في النفوس التي تستجيب لي . وقيمة هذه النفوس تظهر على حقيقتها باستجابتها لي ، فكأنما أنا صير في حدد قيمتها “ .
( 2675 ) الشيطان يظهر السبيل للطيبين ، فهو يجعلهم شهودا لما حاق بالعصاة الهالكين من سوء المصير . وهو الذي يقود العصاة إلى نهايتهم .
 
( 2676 ) “ ألوان العلف “ ، هي ألوان المعزيات التي يظهرها إبليس للناس .
 
( 2682 ) الأبتر هو من لا يكون له أثر من نسل ولا ذكر حسن .
والمقصود هنا أن من عاش حياة حسية ، فلن يكون لحياته أثر ، فكل ما هو حسى فمآله إلى الفناء .
 
( 2684 ) ان الخير والشر - برغم اختلافهما - يقومان بعمل واحد ، هو التمييز بين الأخيار والأشرار . فكما يُظهر الأنبياء الأخيار من الأشرار ، كذلك يظهر الشيطان الأشرار وهم الذين يلبون نداءه ، والأخيار وهم الذين لا يستجيبون لاغرائه .
 
( 2686 - 2687 ) في هذين البيتين يتضح الفرق بين فكرة الشيطان في الاسلام وسائر الأديان السماوية من جهة ، وبين تلك الفكرة في الأديان الثنوية من جهة أخرى . فبينما تؤمن الأديان الثنوية بقدرة الشيطان على الخلق ، ومقاومته لإرادة الله ، تنفى الأديان السماوية عن الشيطان القدرة على الخلق ، وتنفى عنه أية قدرة على مشاركة الله في ملكه .
 
“ 555 “

 
( 2688 ) إشارة إلى حكاية صغيرة وردت بصور متعددة في مصادر أخرى . ( انظر : فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، ص 74 ) . وتعبر احدى الروايات العربية عن هذه القصة كما يلي : “ ومر أعرابي بمرآة ملقاة في مزبلة ، فنظر وجهه فيها ، فإذا هو سمج بغيض ، فرمى بها ، وقال : ما طرحك أهلك من خير “ .
 
( 2690 ) هنا يعود إبليس إلى ادعاء صفات لنفسه شبيهة بصفات الأنبياء . فالنبي هو الشاهد على الخلق ، وليس إبليس .
 
( 2692 ) يدعى إبليس أنه يقتلع الفساد من الأرض حتى يسودها الصلاح ! 
 
( 2693 - 2696 ) الشجرة الذابلة هنا رمز لا ستقامة الظاهر وفساد الباطن . فهذه الشجرة تقف مستقيمة كغيرها من الأشجار لكنها في الحقيقة ذابلة جافة . واستقامتها الظاهرية لا تشفع لها في البقاء ، بل إن البستاني يستأصلها . وهكذا حال من استقام ظاهرهم ، وفسد باطنهم .
 
[ شرح من بيت 2700 إلى بيت 2850 ]
( 2702 - 2703 ) ان إبليس يدور حول الانسان ، متظاهرا بأنه يريد مؤازرته ، على حين أنه لا يريد له الا الهلاك . فهو مثل قاطع الطريق ، يسلب ، ولا يشترى . وان تظاهر بالشراء كان ذلك كيدا وخداعا .
 
( 2706 ) “ ان لم تأخذ بيدي غدوتُ مجللا بسواد الاثم والخطيئة “ .
 
( 2708 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة “ . ( 2 : 31 ) .
فآدم - وهو الذي تعلم من الحق - وقع ضحية لخداع إبليس .
 
( 2710 ) في البيت إشارة إلى قصة سقوط آدم وندمه . قال تعالى حكاية عن آدم وزوجه : “ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين “ . ( 7 : 23 “ .
 
( 2718 - 2720 ) يقول إبليس : “ ان النفس الأمارة بالسوء تقود
 
“ 556 “
 
الانسان إلى ارتكاب الخطايا ، حتى يسوء من جراء ذلك حاله . وهو يلعن إبليس ويعزو اليه ما أصابه ، والواقع أن نفسه هي التي جلبت عليه الوبال ، وهو غافل عن خداعها .
 
( 2722 ) يشير البيت إلى معنى المثل القائل : “ ألية في برية ما هي الا لبلية “ “ 1 “. فأذناب الخراف كانت توضع في أشراك لاصطياد الوحوش الكاسرة .
 
( 2724 ) في الشطر الأول من هذا البيت نظم لمثل عربى معروف نصه : “ حبك الشئ يعمى ويصم “ “ 2 “ .
( 2726 ) “ انى منتظر أن يكشف الله عنى ما غشينى من ليل الاثم والخطيئة “ .
 
[ شرح من بيت 2850 إلى بيت 3000 ]
 
( 2758 ) يقول معاوية لا بليس : “ هأنذا قد كشفت زيفك وألزمتك الحجة ، فلتقل الصدق . . . “ .
 
( 2765 ) قول الشاعر : “ فنطق إبليس من تحت أسنانه “ ، يعنى أن إبليس أرغم على البوح بسره .
 
( 2770 ) “ ان احساس العبد بالحسرة على فرض فاته أداؤه ، وأساه المنبثق من اخلاص روحه ، ربما كانا معا يعدل عند الله مائة صلاة “ .
هذا هو المعنى الذي عبر عنه البيت . وهو مرتبط بنصوص صوفية سابقة . ومن أمثلة ذلك ما نقله أبو نعيم الاصفهاني . قال : “ ان الشيطان يزين للعبد الذنب حتى يكسبه ، فإذا كسبه تبرأ منه ، ولا يزال العبد يبكى منه ويتضرع إلى ربه ، ويستكين ، حتى يغفر له ذلك الذنب وما قلبه ، فيندم الشيطان على ذلك الذنب ، حين أكسبه إياه ، فغفر له الذنب وما قلبه “ . ( حلية الأولياء ، 3 ، 335 ) . وقال أيضا : “ ان
.................................................................
( 1 ) الميداني : مجمع الأمثال ، ج 1 ، ص 122 .
( 2 ) المصدر السابق ، ج 1 ، ص 273 .

 
“ 557 “
 
العبد ليعمل الذنب ، فإذا ذكره أحزنه ، فإذا نظر الله عز وجل اليه قد أحزنه ، غفر له ما صنع ، قبل أن يأخذ في كفارته ، بلا صلاة ولا صيام “ .
ومما يجب الاتنباه اليه هنا أن التقصرى الذي يُقابل بمثل هذا الغفران هو تقصير غير مقصود ، كالنوم حتى يفوت موعد الصلاة ، كما هو واضح من قصة إبليس ومعاوية ، في رواية الشاعر ، وكما يتضح أيضا من القصة التي يرويها الشاعر في الأبيات التالية ( 2771 - 2779 ) .
 
( 2788 ) “ انني روح مأمنة ، لا يتملكنى سوى الحق ، فأنا كالباز الأبيض ، لا يصيدنى الا المليك ، وليس لصياد الذباب قدرة على اصطيادى “ . وصياد الذباب هنا رمز للشيطان ، كما أن تشبيه ضعاف النفوس المتهالكين بالذباب يصور هؤلاء تصويرا رائعا ، يعبر عن ضعفهم وتراميمهم ، تهالكهم على اللذات المهلكة ، وسرعة هلاكهم ، ثم زوالهم الكامل .
 
( 2793 - 2807 ) ساق الشاعر في هذه الأبيات قصة يمثل بها لخداع الشيطان الذي يصرف الانسان من الحقيقة إلى الوهم . ففي القصة نرى رجال يطارد لصا حتى يوشك على الامساك به ، فيناديه لص آخر بطريقة مثيرة ، فيتراخى في القبض على اللص ، ويتجه نحو المنادى ، وهناك يخبره اللص الآخر بأنه يريد أن يريه آثار قدمي اللص الهارب .
وقد استطرد الشاعر من هذه القصة إلى الحديث عن “ العلم اليقيني “ وهو - في نظره - العرفان الصوفي ، و “ العلم الوهمي “ ، ويقصد به علم الكلام وما شاكله .
 
( 2811 ) العلم الدنيوي مرتبط بالحس ، أما العلم اليقيني فقد تحرر من الحس .
 
( 2812 ) يشير الشاعر في هذا البيت إلى درجات ثلاث من المعرفة .
أولاها ادراك الصنع ، وهذا ما نتيجة للانسان معارف الحس . والثانية
 
“ 558 “
 
معرفة الصفات الإلهية ، وتلك هي ألأسباب الكامنة وراء الصنع ، فمثل هذه المعرفة تشغل المتكلمين ، الذين يقفون عند حد الأسباب والعلل .
وأما الثالثة فهي معرفة الذات ، وهي التي ينشدها الصوفية العارفون .
وقد يفهم البيت على أساس ترجمة أخرى يسمح بها النص وهي : “ ان المحجوب ( عن الذات ) يرى أن الصنع ( ينبثق ) من الصفات ، فمن أضاع الذات ، يتلعق بالصفات “ . ( فالمعنى - على أساس هذه الترجمة - يشير إلى أن هناك نوعين من المعرفة ، أحدهما هو الفكر العقلي القائم على الأسباب والعلل ، وثانيهما هو العرفان الروحي ، المستند إلى الذات الإلهية وحدها .
 
( 2813 ) “ الواصلوان الغارفون في الذات “ هم الصوفية . وهؤلاء قد ركزوا نظرهم في الذات ، فصرفهم ذلك عن الصفات . فعندهم أن من عرف مسبب الأسباب ، هانت عليه معرفة الأسباب .
 
( 2814 ) من غاص إلى أعمق أعماق العرفان لم تعد تهمه القشور ، فهو كمن غاص إلى قاع البحر ، فلم يعد بصره متعلقا بلون الماء .
 
( 2815 ) من أدرك العلم اليقيني ، ثم عاد منه إلى بحث الأسباب والعلل ، فهو شبيه بمن أخذ ثوبا خشنا لقاء فراء .
 
( 2816 ) كل انسان تكون عبادته على قدر عرفانه وادراكه . فطاعة العوام - التي تقتصر على أداء الفروض من غير ادراك لجوهرها ومعناها - تُعد اثما في نظر الخواص . وما يحسبه العوام كشفا إليها ، وشهودا روحيا ، فهو عند العارفين حجاب .
 
( 2817 ) ان من وصل إلى مقام القرب ، ثم هبط إلى منزلة أدنى من ذلك ، يشبه من كان وزيرا ثم جعله الملك محتسبا .
 
( 2818 ) يُذكر في تفسير هذا البيت قوله تعالى : “ ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “ . ( 13 : 11 ) .
 
( 2821 - 2824 ) في هذه الأبيات تعبير عن قدرة الانسان على
 
“ 559 “
 
تحديد مصيره بعمله . فيجب على المرء ألا يعزو ما يحيق به من سوء المصير إلى ما يسمى عادة “ بالقسمة “ أو “ النصيب “ بل عليه أن ينظر إلى عمله ، ويلتمس فيه تفسيرا لمصيره .
ويؤيد معنى هذه الأبيات قوله تعالى : “ ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك يبدأ من سيئة فمن نفسك “ . ( 4 : 79 ) .
 
( 2825 ) يبدأ الشاعر هنا قصة “ مسجد الضرار “ . وقد أشار إليها القرآن الكريم ، في قوله تعالى : “ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن ان أردنا الا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون . لا تقُم فيه أبدا المسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطِّهرين “ . ( 9 : 107 - 108 ) .
وقصة مسجد الضرار مشهورة . وقد وردت في كافة كتب التفسير بصور متقاربة . وننقل فيما يلي نصا لهذه القصة عن ابن فضل الله العمرى في كتابه مسالك الأبصار ( ج 1 ، ص 129 - 130 ) .


“ روى أن بنى عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء - وكان يأتيهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويصلى فيه - حسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف . وقالوا : نبنى مسجدا ونرسل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى فيه ، ويصلى فيه أبو عامر الراهب ، إذا قدم من الشام ، ليثبت لهم الفضل والزيادة على اخواتهم . زعموا . وأبو عامر هو الذي سما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الفاسق . وقال لرسول الله :
لا أجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك معهم . فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين .
فلما انهزمت هوازن خرج هاربا إلى الشام . وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، فانى ذاهب إلى قيصر ، وآت بجنود ، ومخرج محمدا وأصحابه من المدينة “ .
أما القسم الذي صوره جلال الدين من هذه القصة فهو ما يلي :

 
“ 560 “
 
“ فبنوا مسجد الضرار إلى جانب مسجده قباء ، وقالوا للنبي :
بنينا مسجدا الذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية . ونحن نجب .
أن تصلى لنا فيه ، وتدعوا لنا بالبركة “ . فقال ( صلى الله عليه وسلم ) :
“ انى على جناح سفر وحال شغل . وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه “ .
فلما قفل من غزوة تبوك ، سألوه اتيان المسجد ، فنزل قوله ( تعالى ) :
“ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا “ إلى قوله : “ لا تقم فيه أبدا “ . فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشى قاتل حمزة ، فقال لهم : “ انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه واحرقوه “ . ففعلوا . وأمر أن يُجعل مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة “ .
 
( 2829 ) قول الشاعر : “ وزينوا أرضه وسقفه وقبته . . . “ ، يجب ألا يؤخذ على معناه الحرفي ، ففن انشاء القباب لم يكن قد انتقل إلى الحجاز في عهد الرسول .
 
( 2831 - 2833 ) جاء في قصة “ مسجد الضرار “ أن المنافقين خاطبوا الرسول قائلين : “ بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة والشاتية ، ونحن نحب أن تصلى لنا فيه وتدعوا لنا بالبركة “ .
( انظر القصة في شرح البيت 2825 من هذا الكتاب ) “ .
 
( 2835 ) قول الشاعر : “ وان صحبة الاخوان لتجعل المر حلوا “ ، قد بدا لبعض الشراح محتاجا إلى التأويل ، لأنهم فهموا من قوله “ تجعل المرا حلوا “ أن الجماعة تخفف مرارة العبادة . والواقع أنه لا داعى لهذا التأويل ، وينبغي أن يفهم هذا القول على معناه الحرفي بدون تأويل ، فتزول بذلك الصعوبة في فهمه . وما دامت صحبة الاخوان تجعل المر حلوا ، فمن الطبيعي أنها تزيد الحلو حلاوة . فالعبادة تزداد بالجماعة حلاوة وتأثيرا في النفس .
 
“ 561 “
 
( 2840 - 2843 ) من الصور الرائعة في هذه الأبيات تشبيه اللطف الذي ينطق به اللسان - بدون اخلاص من القلب - بالخضرة فوق رماد المواقد ، وكذلك تصوير اللطف الزائف بأنه جسر مهدم ، لا يمكن الركون اليه .
 
( 2854 - 2856 ) تعبر هذه الأبيات عن معنى الحديث الذي يروى عن الرسول قوله : “ انما مثلي ومثل أمتي كرجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش تفعن فيها وأنا آخذ بحجزكم وأتتم تقتحمون “ .
( انظر : المنهج القوى ، 2 ، 557 ) .
 
( 2860 ) قول الشاعر : “ لقد بنوا مسجدا على جسر النار “ ، مقتبس بمعناه من قوله تعالى : “ أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين “ . ( 9 : 109 ) .
 
( 2861 ) جاء في مسالك الأبصار للعمرى ( ص 130 ) نص يروى عن عطاء قوله : “ لما فتح الله الأمصار على عمر أمر المسلمين أن يبنوا المساجد وأن لا يتخذوا في مدينة مسجدين يضارّ أحدهما صاحبه “ .
 
( 2862 ) المقصود باليهودي في هذا البيت هو أبو عامر الراهب .
( انظر قصة مسجد الضرار ، شرح البيت 2825 من هذا الكتاب ) .
 
( 2863 - 2864 ) انظر من قول الرسول في قصة مسجد الضرار .
شرح البيت 2825 .
 
( 2872 ) قال تعالى : “ اتخذوا أيمانهم جنة “ . ( 58 : 16 ) ، ( 63 : 2 ) . والجُنَّة هي الوقاية . فهؤلاء المنافقون قد احتموا بالأيمان الكاذبة ، واستتروا وراءها .
 
( 2883 - 2884 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى انى أنا الله رب العالمين “ . ( 28 : 30 ) .

“ 562 “
 
( 2903 ) يشير الشاعر هنا إلى “ القليس “ وهي كنيسة بناها أبرهة ، القائد الحبشي الذي فتح اليمن ، قبل ظهور الاسلام بفترة وجيزة .
يقول ياقوت : “ وكان أبرهة قد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة ، وجشمهم فيها أنواعا من السخرة ، وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزع ، والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس ، صاحبة سليمان ، عليه السلام ، وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ . . . . ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ونابر من العاج والأنبوس . . . ولما استتم أبرهة بنيان القليس كتب إلى النجاشي : انى قد بيت لك - أيها الملك - كنيسة لم يُبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب “ . ( معجم البلدان ، 4 ، 394 - 395 ) .


ويقال إن رجلا من العرب غضب - حين سمع بذلك - وتوجه إلى الكنيسة ، ودخلها ولوثها . فلما علم بذلك أبرهة ، جهز جيشا وسار لهدم الكعبة ، فكانت قصة الفيل التي رواها القرآن الكريم . ( انظر : المصدر السابق ) .
 
( 2911 ) الجمل الضال في القصة رمز للحكمة الروحية التي ينشدها المريد ، فالحكمة ضالة المؤمن .
 
( 2915 - 2922 ) ان ملتمس الحكمة عند علماء الدنيا شبيه بمن أضاع جملا ، ثم أخذ يسأل عنه العوام ، فكان كل منهم يدله عليه ، بأسلوب يخالف أسلوب الآخرين ، طمعا في مكافأته . فهذا التناقض في الارشاد إلى الجمل الضائع ، شبيه بتناقض الباحثين في الارشاد إلى الحقيقة ، وبخاصة حين يكون هؤلاء من علماء الحس . ويتبين مغزى هذه الصورة في أبيات تالية . ( 2923 - 2926 ) .
 
( 2926 ) “ كل منهم يشير إلى الحقيقة بأقوال توهم أنه عارف بها ، عليهم بجوانبها “ .

 
“ 563 “

 
( 2927 ) هؤلاء الباحثون الضالون يطلبون الحق ، فيهتدون إلى باطل يحسبونه حقا .
 
( 2928 ) لا أحد يطلب الباطل لذاته . فالذين يقبلون النقد الزائف يكون قبولهم له على أساس أنه نقد صحيح .
 
( 2931 ) المستقيم السوىّ يسوغ للأعوج وجوده . فالجاهل يتقبل الأعوج ، على أنه مستقيم ، والجهل هو الذي يجعل الأعوج مستقيما في نظره . ان الأمل في الصالح يسوغ قبول الطالح ، كما يجعل السكرُ السم سائغا لمن يجعل حقيقته .
 
( 2935 ) لقد احتجبت الحقيقة بين الأباطيل ، كما احتجبت ليلة القدر بين الليالي . واحتجاب الحقيقة بين الأباطيل يلقى على الروح مسؤولية اكتشافها ، وكذلك الحال بالنسبة لليلة القدر . فمن المعروف أنها احدى الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان . فالروح التي تطمع إلى اكتشافها قمينة بأن تسهر الليالي لعلها تصادفها .
وقد ذكرت ليلة القدر في القرآن الكريم على أنها الليلة التي بدأ فيها نزول القرآن الكريم . قال تعالى : “ انا أنزلناه في ليلة القدر “ .
( 97 : 1 ) .
 
( 2937 ) بين المتظاهرين بالزهد يكون هناك زاهد صادق . والبحث الدائب هو الذي يهدى إلى حقيقة مثل هذا الزاهد .
 
( 2939 ) من مزايا وجود الباطل أنه محك لقدرة الروح على اكتشاف الحق . فلو لم توجد في هذه الدنيا سلع معيبة لكان من الميسور لجميع البله أن يصبحوا تجارا .
 
( 2943 ) تجارة الأنبياء ذات طبيعة روحية ، وهي تحقق ربحا جوهريا . أما تجارة الحس فلا تجىء بربح حقيقي . وقول الشاعر :
“ تجار الألوان والروائح “ يرمز للمتعلقين بالمادة ، المنصرفين إلى لذات الحس .

“ 564 “
 
( 2946 - 2947 ) بدأ الشاعر هنا يتحدث عن وجوب امتحان كل شئ حتى يظهر ما فيه من خير ومن شر . فما دامت الحقيقة قد اختلطت بالباطل ، فهذا البحث واجب على كل روح يطمع إلى اليقين .
وقد ضرب - في هذين البيتين - مثلا بالسموات التي يتجلى فيها كمال خلق الله ، وبرغم ذلك ، أمرنا الخالق أن نظر إليها فاحصين .
قال تعالى : “ الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور . ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير “ . ( 67 : 3 - 4 ) .
فهذه الدعوة إلى النظر والتأمل في السماوات لا دراك ما فيها من احكام الخلق ، تبين لنا مدى ما نحتاج اليه من نظر ثاقب لا جتلاء حقيقة ما نلاقيه في هذا العالم الحسى .
 
( 2951 - 2964 ) اتخذ الشاعر من الأرض ، وما تُمتحن به من عوارض ، مثلا للانسان . فالأرض تنطوى على كثير من ألوان الجمال :
انها تبدو في ظاهرها ترابية كالحة ، لكن معدنها ينبت الأزهار والرياحين وطيب الثمار . ولا بد من الربيع والخريف ، والحرّ والبرد ، والبرق والرعد ، لكي يُستخلص من هذه الأرض الترابية ما تنطوى عليه من أنوان الجمال . وهكذا الحال بالنسبة للانسان . فهو يتعرض لألوان متعددة من البلاء تظهر حقيقة جوهره ، وتبين ما كمن في ذاته من صفات الكمال .
 
( 2957 ) “ مخاطبة الأرض بقول لطيف كالسكر “ كناية عن الربيع ، والاعتدال ، أما “ تعليقها في الهواء “ فكناية عن الرياح التي تعصف بها ، فتثير غبارها ، وتجلعه معلقا بالهواء .
 
( 2963 - 2964 ) يعبر الشاعر هنا عن معنى قوله تعالى :
“ ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين “ . ( 2 : 155 ) .
 
“ 565 “

 
( 2965 ) أطلق الله الوحد والوعيد ليفصل بين الخير والشر اللذين امتزجا باذنه .
 
( 2969 - 2972 ) صور الشاعر المحك الصادق لاختبار ، الحقائق - وهو العرفان الحق - فاتخذ من قصة موسى في طفولته مثالا لذلك .
فموسى كان قد عرف حليب أمه ، فلم يتقبل سواه . وكل من شربت روحه من حليب اليقين يوم حشد الله الأرواح قبل خلق هذا العالم بقي لها مذاق اليقين ، ورزقت القدرة على ادراكه . فمن كان حريصا على سلامة ادراكه فليغذ قلبه باليقين ليعرف مذاقه ، كما غذت أم موسى طفلها موسى بالحليب ، فعرفها ، ورفض سواها من المراضع .
 
( 2969 ) من تلقى العرفان الحقيقي من مرشد صادق ، خاض غمار هذه الحياة ، بدون أن يتعرض لمخاطرها ، كما كان من أمر موسى حين ألقى في اليم وهو طفل ، ومع ذلك سلم من أخطاره .
 
( 2970 ) من أتيح له أن يتذوق العرفان الحق - يوم أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم - قبل خلق هذا العالم ، فهو يستطيع تمييز العرفان الصادق ابان وجوده في هذه الحياة ، لأنه يُذكرِّه بما سبق أن تذوقته روحه قبل خلق العالم .
 
( 2972 ) من تلقى الارشاد من مرشد عارف ، أدرك منذ البداية مذاق العرفان الصادق ، ولم يكن عرضة لا لتماس معارف الحس ، عند أصحابها من علماء الحس المغرورين الجهلاء .
 
( 2973 ) عاد الشاعر هنا إلى مثال الرجل الذي أضاع جملا . ( انظر الأبيات 2915 - 2922 ، وشرحها ) .
 
( 2975 ) عالم الحس يمارى ويجادل ، ويتظاهر بالبحث عن الحقيقة ، في حين أنه لا يبحث عن شئ .
 
( 2976 ) أسلوب هذا العالم الحسىّ هو التقليد . فهو يردد ما يقوله العارفون المخلصون من طلاب الحقيقة .

 
“ 566 “
 
( 2982 ) قول الشاعر : “ يغدو جسدك نفسا ، ونفسك روحا “ ، يعنى أن من تلقى الالهام الروحي تسمو حواسه من مستواها المادي إلى مستوى معنوي هو مستوى النفس ، كما تسمو نفسه من مستواها الانفعالي إلى مستوى الروح في تساميها وتجردها .
 
( 2983 ) “ الأمين “ هو العارف الذي يكشف الحقيقة لطالب العرفان .
 
( 2985 - 2986 ) طالب العرفان لا يطول به الوقت حتى يكشف صدق المرشد ، واحاطته بجوهر الحقيقة وسرعان ما يقتفى أثره ، ملتمسا تحقيق العرفان لروحه ، بمعونة هذا المرشد العارف .
 
( 2987 - 2998 ) قد يتحقق للمقلد وصول إلى جوهر الحقيقة ، إذا اقتفى أثر المحققين ، واستعار قبسا من حرارة صدقهم . فهو من بداية أمره يدعى أنه مثلهم طالب للحقيقة ، لكنه سرعان ما يدرك اخلاصهم في الطلب ، وإذ ذاك يفطن إلى أنه أيضا يبحث مثلهم عن ضالة ، هي الحكمة الحقيقة . وبجده واخلاصه يصل هو أيضا إلى الحقيقة ، فيلتقى حينذاك مع العارفين .
 
( 2988 ) المقلِّد لا يفيد من تقليد المحقق الا بمقدار ما يعتقده من صدق هذا المحقق .
 
( 2989 ) اخلاص المحقق ، وحرارة يقينه ، ينبهان المقلد ، فيفطن إلى طريق الحقيقة .
 
( 2990 ) الفطنة إلى طريق الحقيقة - التي يقتبسها المقلد من العارف - تنبهه أيضا إلى أن له ضالة ينشدها ، شبيهة بما ينشده هذا العارف .
 
( 2991 ) “ الطمع في جمل الغير “ رمز إلى الطمع في الوصول إلى الحقيقة من غير طريقها . فالمقلد يظن أنه قادر على كشف الحقيقة عن طريق التقليد .
 
( 2992 ) قد يؤدى تقليد المقلد للمحقق إلى أن يصبح هذا شريكا لذاك في عناء الطلب والبحث والتحري .



“ 567 “
 
( 2993 ) اقتفاء المقلد للمحقق قد ينتهى بالمقلد إلى أن يصبح هو أيضا من أهل التحقيق . وتلك حال شبيهة بحال الكاذب الذي يصحب صادقا ، ويقتنفى أثره ، فيصبح كذبه - من جراء ذلك - صدقا .
 
( 2994 ) عثر المقلِّد - بعد أن جعله الاجتهاد من أهل التحقيق - على الحقيقة ، وسط متاهات الخيال والأوهام .
 
( 2995 ) حينما اهتدى هذا المقلد إلى الحقيقة ، بعد ان سلك سبيل أهل التحقيق ، أدرك أنها هي الهدف الذي كان يسعى لادراكه ، واطمأنت روحه إليها ، وبرئت من المراء والجدال والطمع .
 
( 2996 ) كانت المجاهذة سبيل شهود الحقيقة . وبشهودها أصبح المقلد محقِّقا .
( 2997 ) شهود الحقيقة جعل السالك المقلِّد طالبا لها .
 
( 2998 ) شهود الحقيقة فتح عين السالك المقلد على نور جديد ، ترك كل ما عداه ، وتوجه نحوه .
 
( 2999 ) يستاءل المحقق في هذا البيت عما دعا السالك المقلِّد إلى تركه ، وكان من قبل يقتفى أثره .
 
[ شرح من بيت 3000 إلى بيت 3150 ]
 
( 3000 ) يكشف المقلِّد عن الدافع الذي دفعه إلى اقتفاء أثر المحقق .
ولم يكن هذا سوى الطمع ، إذ لم يكن في بداية أمره قد عرف الاخلاص في الطلب ، والصدق في المجاهدة .
( 3001 ) وحدة السلوك الروحي توحد بين السالكين وان تفرقت الأجساد ، وذلك على العكس من التفاء الناس بأجسادهم ، فمثل هذا اللقاء لا يترتب عليه وحدة هدف ولا غاية .
( 3002 ) يذكر المقلد أن معرفته التقليدية كانت أوهاما مستقاة من عرفان الغير ، أما شهود الحقيقة فقد ملأ عليه نفسه .
( 3004 ) تبين للسالك المقلد أن هذا العرفان الذي تكشف له ، أسمى وأنبل بكثير مما كان يطلب . انه شئ لم يكن يخطر له على بال . كان



“ 568 “
 
طلبه على مستوى نفسه ذات المعدن الخسيس ، لكن هذه النفس قد أصبح معدنها كالذهب بفضل إكسير العرفان .
 
( 3006 - 3007 ) “ المجاهدة والسعي توصل المقلد إلى الصدق واليقين اللذين يتحلى بهما المحقق . لكن الطلب لا ينتهى عند بلوغ مرتبة التحقيق . فاليقين موقف يقتضى دوام الطلب ، طلب الروح لخالقها ، وسعيها اليه “ .
في رأيي أنه يجب المتييز بين طلب السالك المقلد ، ليصل إلى منزلة التحقيق ، وبين طلب المحقق ، الذي أشرقت روحه باليقين .
وقد نقل نيكولسون عن الهجويرى نصا يفهم منه أن الصدق والطلب مقترنان ، فلا صدق الا ويقترن بطلب ، ولا طلب الا ويقترن بالصدق . وأعتقد أن هذا النص يتعلق بالعارف المحقِّق وحده ، وليس بالسالك الساعي إلى التحقيق .
 
( 3008 - 3009 ) يشبه السالك مجاهدة النفس ، وما لاقاه فيها من عناء ، بشق الأرض وزراعتها . وكان - لشدة عنائه - يظن ذلك العمل من قبيل السخرة التي لن يؤجر عليها ، فإذا به يحقق له أعظم الكسب ، وإذا بكل حبة قد أنبتت مائة حبة .
 
( 3010 ) “ اللص “ رمز للمقلد الذي كان يسرق لغة العارفين . وهو الذي اقتفى أثر العارفين ، فأصبح عارفا . فكان اليقين الذي اطمأنت اليه نفسه - على غير توقع منها لذلك - شبيها بمنزل تسلل اليه أحد اللصوص ، ثم تبين له أن المنزل منزله .
 
( 3011 ) في هذا البيت دعوة للمقلد إلى أن يستشعر حرارة اليقين ، فلعلها تخلصه من برودة تقليده ، وإلى أن يصير على عناء السعي والمجاهدة ، فلعل ذلك العناء ينتهى به إلى راحة اليقين .
 
( 3012 ) الحقيقة واحدة ، وان اختلفت سبل السالكين ، الساعين إليها .

 
“ 569 “
 
( 3013 ) إشارة إلى حديث يروى عن الرسول قوله : “ من عرف الله كلّ لسانه “ .
 
( 3014 ) ان الحديث عن المعاني الروحية لا يعبر الا عن لمحات قليلة من حقيقتها ، فهو كالاصطرلاب فيما ينبئ به من معلومات عن الفلك والشمس .
 
( 3015 ) سبر أغوار هذا الفلك وشمسه لا يعد شيئا بالقياس إلى سبر أغوار فلك الروح وشمسها . فهذا الفلك - بالقياس إلى فلك الروح - كالفراشة ، وشمسه - بالقياس إلى شمس الروح - كأنها ذرة .
 
( 3017 ) مما روى من أخبار مسجد الضرار أن الرسول أمر بأن يهدم ، ويجعل مكانه كناسة تُلقى فيها الجيف والقمامة . ( انظر القصة في تعليقنا على البيت 2825 ) .
 
( 3018 ) المقصود “ بصاحب المسجد “ أبو عامر الراهب . ( انظر شرح البيتين 2825 ، 2826 ) .
 
( 3022 ) لكل شئ ظاهر وحقيقة . والأصل في تقدير الأشياء حقيقتها . وفي عالم الحقائق توجد فروق وفصول شبيهة بما يكون في عالم الظاهر من فروق وفصول ، لكن الفروق في عالم الحقائق تكون أصدق ، وأكثر اقترانا بالصواب . وينطبق هذا على حقائق الناس التي قد لا تكون مقفقة مع ظواهرهم .
 
( 3025 ) “ بناء مسجد الضرار “ رمز للنفاق .
 
( 3035 ) الانسان مزيج من الحس والروح ، والحس ينتمى لعالم العيب والخطايا ، وأما الروح فتنتمى لعالم الغيب .
 
( 3039 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تننزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون “ . ( 41 : 30 ) .
فما دام المؤمنون من أهل الاستقامة بحاجة إلى أن يطمئنهم الملائكة ،
 
“ 570 “
 
فيجب ألا يغتر الانسان بعمله ، ويحسب أنه قد خلا من العيوب ، وتحقق له حسن الجزاء . سئل الجنيد عن الخوف فقال : “ هو توقع العقوبة على مجارى الأنفاس “ .
 
( 3042 ) على الانسان ألا يصاب بالغرور لقيامه بعمل صالح ، يرجو من ورائه الشهرة والتظاهر ، بل إن عليه أن يكون خائفا حذرا من ارتكاب الاثم .
 
( 3046 ) الأتراك الغز شعب من شعب آسيا الوسطى ، بدؤوا غاراتهم على خراسان منذ أوائل القرن الخامس الهجري . وقد اشتهرت من بينهم قبيلة قوية هي قبيلة السلاجقة التي استطاعت أن تقيم في القرن الخامس الهجريّ دولة السلامية عظيمة سيطرت على غرب آسيا .
 
( 3055 - 3058 ) عالج الشاعر هذه الفكرة من قبل في قصة “ الأسد والذئب والثعلب “ . ( انظر : مثنوى ، 1 ، 3117 - 3123 ) .
 
( 3077 ) يشير الشاعر إلى تساؤل إبراهيم عن الخالق ، واهتدائه اليه . ( انظر : سورة الأنعام ، 6 : 76 - 79 ) .
( 3078 - 3080 ) المؤمن الحق لا يستطيع أن يستمتع بشئ من لذات الحياة ، من غير أن يقترن ذلك بتأمل صنع الخالق ، وذكر فضله .
 
( 3082 ) من كان من أهل الضلال المخادعين ، فلا بد أن يتضح أمره ، مهما حاول أن يخفيه وراء ستار كثيف من الدهاء والمكر . فأعماله تنبىء عن خبث سريرته ، كما تنبى ، الرائحة النتنة عن قذارة صاحبها .
 
( 3803 ) قول الشاعر : “ ولقد عاش برهة قصيرة ثم انقضى يومه “ ، يعنى أن المنافق المنصرف إلى لذات الحس يستمتع بأيام قليلة تنفضى بانقضاء هذه الحياة الدنيا ، وبعد ذلك يلاقى سوء المصير .
 
( 3086 ) النفس اللئيمة تخدع صاحبها المنافق ، فتسهل له ارتكاب الآثام ، على أساس أن الله غفور رحيم .
 
( 3087 ) لو كان المنافق مؤمنا بالله حقا ، معتقدا برحمته وغفرانه ،
 
“ 571 “
 
فلماذا يقتله الغم لو خلت يداه من الخبز ، ولماذا يرهقه الخوف ما دام الله غفورا رحيما .
 
( 3088 - 3101 ) في هذه الأبيات حكاية صغيرة تصور الشيخوخة الحسية ، بما تجلبه من ضعف وآلام ، وتبين كيف أن الأخلاق تتأثر أيضا بعوارض الوهن ، لكن الشاعر يعقب على القصة بقوله ، ان الشيخ الذي هو ثمل بالحق يكون في الظاهر شيخا ، لكنه في الباطن فتيّ . ومعنى ذلك أن حياة الروح هي الحياة الخالدة التي لا تتأثر بشيخوخة الجسد ، ولا يذهب بنضرتها كرّ الأعوام .
 
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3102 - 3504 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:05 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3102 - 3504 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3102 - 3504 على مدونة عبدالله المسافر

شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 3102 - 3504 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي   

شرح كيف شكا شيخ من الأمراض لأحد الأطباء وكيف اجابه الطبيب
( 3102 ) لو لم تكن حقيقة الأنبياء والأولياء وفضائلهم معروفة للأخيار والأشرار على السواء . فعلى أي شئ يحسدهم الأشرار ؟
 
( 3103 ) ان كان الأشرار يعرفون الأنبياء معرفة يقينية ، ويدركون حقيقتهم ، فلماذا اذن يناصبونهم العداء على تلك الصور المريرة .
 
( 3104 ) يعجب الشاعر من الأشرار، يعرفون البعث والقيامة ، ومع ذلك يحاربون الأنبياء والأولياء؟ فكيف يُعرّضون أنفسهم لانتقام يوم الحساب.
وقد رمز الشاعر إلى عقاب الآخرة “ بالسيف الحاد “ .
 
( 3105 ) ان ظاهر النبي أو الولي يخدع الناس عن حقيقته . فهو في ظاهره وديع رقيق ، يبدو لهم ضعيفا ، على حين أنه يمتلك من القوة ما يقيم مائة قيامة ، لأنه يكون مؤيدا بالله .
 
( 3106 ) يتضمن هذا البيت لمحة من فكرة “ الانسان الكامل “ عند الصوفية .
يقول الجيلى : “ واعلم أن الانسان الكامل مقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه ، فيقابل الحقائق العلوية بلطافته ، ويقابل الحقائق السفلية بكثافته . . . “ . ( انظر ، الانسان الكامل ، ج 2 ، 50 - 52 ) .
 
( 3108 ) كيف يتهجم السفهاء على الأنبياء والأولياء ، وهم يعلمون

“ 572 “
 
أن قوتهم مستمدة من قوة الله وتأييده ؟
( 3109 ) يسخر الشاعر من أدعياء الايمان الذين يتقربون إلى الله بتعظيم المسجد ، في حين أنهم يوقعون الأذى بقلوب العارفين من رجال الله .
 
( 3110 ) المسجد بيت الله ، على سبيل المجاز ، وأما قلب العارف فهو - على التحقيق - بيت الله .
 
( 3116 - 3127 ) حكى الشاعر في هذه الأبيات قصة عن جحى .
وهذه القصة ذات أصل عربى ، رويت في مصادر متعددة ، لكنها لا تدور حول جحى . فمن صورها العربية تلك التي وردت في كتاب الأغانى ، على النحو التالي :
“ قال إن دراج الطفيلى : مرت بي جنازة ومعي ابن ومع الجنازة امرأة تبكى وتقول : بك يذهبون إلى بيت لا فراش فيه ولا وطاء ولا ضيافة ولا غطاء ، ولا خبز ولا ماء . فقال لي ابني : يا أبت إلى بيتنا والله يذهبون بهذه الجنازة . فقلت : كيف ويلك . قال : لأن هذه صفة بيتنا “ .
انظر : ( فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 77 - 78 ) ، ( تعليقات نيكولسون ) .
 
( 3128 ) الطغاة لا يستطيعون أن يروا من الأمور سوى ظاهرها .
فابصار هؤلاء شبيه بابصار الطفل ، في القصة السابقة .
 
( 3129 - 3131 ) القلب الذي لم يتلق نور الهداية ، ولا شعاع الالهام ، يكون مظلما ، لا قدرة له على الادراك السليم .
 
( 3132 ) من كان قلبه مظلما فهو دفين ظلمة الجهل . وبعض الموتى أحسن حالا من الأحياء الذين يعيشون في ظلام الجهل . أما قول الشاعر :
“ فلتنهض الآن من ضريح قلبك “ فمعناه : “ حطم سجن الجهالة الذي يغشاك بظلمة شبيهة بظلام القبر ، وانطلق إلى بعث روحي جديد مشرق بنور العرفان “ .
 
“ 573 “
 
( 3133 ) من كان سبيل آدم - الذي علمه الله الأسماء كلها - كيف يستريح إلى الجهل ، ولا تضيق به أنفاسه ؟
 
( 3134 ) الروح الانساني الذي أحاطت به الظلمة شبيه بيوسف في قرارة الجب ، أو بشمس السماء وسط الظلمات . والجب لا يليق بيوسف ، وكذلك الظلمات لا تناسب الشمس .
 
( 3135 ) يشير هذا البيت إلى قصة يونس حين ابتلعه الحوت ، ثم انقذه الله .
لقد ذكر القرآن الكريم قصة يونس في قوله تعالى : “ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين . فاستجبنا ليه ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين “ . ( 21 : 87 - 88 ) .
وقد وردت قصة يونس في تفسير هذه الآيات . وخلاصة القصة أن يونس كان رجلا صالحا يتعبد في جبل . وكان من أهل نينوى فبعثه الله إليهم ليدعوهم إلى الايمان بالله ، وترك عبادة الأصنام . وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم ، فتعجل الأمر وخرج مغاضبا ، وأتى البحر . قال الثعلبي : “ فلما أتى يونس البحر إذا قوم يركبون سفينة فحملوه بغير أجرة ، فلما دخلها احتبست السفينة ووقفت ، والسفن تسير يمينا وشمالا فقال الملاحون : ان فيها عبدا آبقا من سيده ، وهذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر . فاقتر عوا فوقعت القرعة على يونس . فقال أنا الآبق .
فقالوا تُلقى في الماء . فاقترعوا ثانيا وثالثا فخرجت القرعة على يونس ، فزج نفسه في الماء ، فذلك قوله تعالى : “ فساهم فكان من المدحضين “ ( 37 : 141 ) . فلما وقع في الماء وكل الله به حوتا فابتلعه ، وأوحى الله تعالى إلى الحوث انى لم أجعله لك رزقا بل جعلناك له حرزا ومسكنا ، فخذه ولا تسكر له عظما ولا تخدش له لحما “ . ( قصص الأنبياء 462 - 463 ) .


“ 574 “
 
وبينما يونس في جوف الحوت تاب إلى ربه وسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحة . وشفعت له الملائكة فأمر الله الحوت فقذفه إلى ساحل نينوى . وكان ضعيفا من جراء ما مر به فأنبت الله عليه شجرة من يقطين .
وقد ذكر القرآن الكريم قصة ابتلاع الحوت ليونس ونجاته منه بقوله تعالى : “ وان يونس لمن المرسلين . إذ أبق إلى الفلك المشحون .
فساهم فكان من المدحضين . فالتقمه الحوت وهو مليم . فلو لا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثون . فنبذناه بالعراء وهو سقيم .
وأنبتنا عليه شجرة من يقطين . وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون . فآمنوا فمتعناهم إلى حين “ . ( 37 : 139 - 148 ) .
( 3136 ) يشير هذا البيت إلى قوله تعالى : “ فلولا أنه كان من المسبحين . للبث في بطنه إلى يوم يبعثنون “ . ( 37 : 143 - 144 ) .
 
( 3137 ) قول الشاعر : “ فماذا يكون التسبيح ؟ انه آية يوم ( ألست ) “ يعنى أن التسبيح الحق هو ذلك المنبثق من ايمان الروح بالخالق ، من قبل أن يخلق العالم . ويوم “ ألست “ يُقصد به ما جاء في قوله تعالى : “ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى “ . ( 7 : 172 ) .
 
( 3138 ) “ ان كانت روحك قد نسيت تسبيحها الذي عرفته قبل خلق هذا العالم ، فاستمع إلى تسبيح أهل الكمال ، فإنه يذكرك بما كانت روحك قد عرفته “ . والحيتان هنا رمز للعارفين ، وكثيرا ما يشبههم جلال الدين بالحيتان ، كما يشبه عالم الروح بالبحر .
 
( 3139 ) قول الشاعر : “ وكل من شهد هذا البحر فهو ذلك الحوت “ ، يعنى كل من شهد بحر الروح فهو صوفي عارف .
 
( 3140 ) بدأ الشاعر هنا يستخدم البحر والحوت للتصوير البياني ، وليس للرمز ، كما فعل في البيتين السابقين .



“ 575 “
 
( 3141 ) الروح قد انطوى في الجسد ، كما انطوى يونس في جوف الحوت . ولولا تسبيح الروح لقضى عليه الجسد ، ومحا وجوده ، فالتسبيح هو الذي يمكن الروح من أن يطرح عنه أغلال الجسد ، كما استطاع يونس بالتسبيح أن يخلص نفسه من جوف الحوت . ( انظر :
سورة الصافات ، 37 : 143 - 144 ) .
 
( 3142 ) هذه الدنيا لا تخلو من صوفية عارفين ، ولكن أهل الحس ، الغارقين في اللذات ، لا ينتبهون إلى هؤلاء .
 
( 3143 ) ليس احتجاب العارفين عن أهل الحس ناشئا من حرص هؤلاء على الابتعاد عنهم ، بل الحقيقة أن العارفين كثيرا ما يسعون إلى ارشاد أهل الحس ، لكن هؤلاء لا يفطنون إلى هذا السعي الكريم .
 
( 3144 ) ان كنت قد اخفقت في ملاقاة الرجال العارفين ، فلا بد أن أذنك قد استعمت إلى تسبيحهم .
 
( 3145 ) يكثر الصوفية من الثناء على الصبر . ويروون في الصبر أقوالا كثيرة ، منها قول علي بن أبي طالب : “ الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد “ . والصبر - عند الصوفية - محمود في كل المواقف ، الا الصبر عن الله ، ومن ذلك قول الشاعر :الصبر يجمل في المواقف كلها * الا عليك فإنه لا يجمل( انظر : رسالة القشيري ، باب الصبر ، 84 - 87 ) .
 
( 3147 ) “ الصبر “ هو الطريق الموصل إلى السعادة . انه كالصراط الذي يعبره المؤمن إلى الجنة .
 
( 3149 ) جكلcheyelبلدة وراء نهر سيحون من بلاد تركستان ( ياقوت : معجم البلدان ) . وقد اشتهرت هذا البلدة بجمال نسائها . وقد ذكر جلال الدين هذا المعنى مرارا في شعره . قال في ديوان شمس تبريز .
 
“ 576 “
 
گفت له اين خانه دل برهمه نقشست جرا * كفتم كين عكس تواست اى رخ توشمع جكَل( قال : لماذا قد حفل منزل القلب هذا بالصور قلت إن هذه خيالات محياك يا من وجهك شمع جكَل ) .
والمراد بالصبر هنا الصبر عن الجمال الأسمى ، وهو ما لا تكون للمحب العارف طاقة به .
 
[ شرح من بيت 3150 إلى بيت 3300 ]
 
( 3150 ) عاد الشاعر هنا إلى استخدام الصبر بمعنى القوة على مقاومة البلاء ومعاناة الشدة . وهذا ما يكون من الفضائل التي يتحلى بها الرجال . ومثل هذا الصبر في مجاهدة الحياة يعتبر درجة أدنى من الصبر في مجاهدة النفس ، فهو أيضا يحتاج إلى قوة وجلد ، هما من صفات الصوفي العارف .
 
( 3154 ) هناك فرق بين رايات ترفع للجهاد ، ورايات يرفعها المتسولون ملتمسين كسر الخبز . وليست العبرة بالارتفاع وانماهى بجوهر هذا الارتفاع .
 
( 3159 ) يشير البيت إلى مثل الثعلب والطبل ، وهو من أمثال كليلة ودمنة ، ونصه كما يلي :
“ زعموا أن ثعلبا أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة ، وكلما هبت الريح على قضبان تلك الشجرة ، حركتها فضربت الطبل فسُمع له صوت عظيم باهر . فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته . فلما أتاه وجده ضخما ، فأيقن في نفسه بكثرة الشحم واللحم ، فعالجه حتى شقه .
فلما رآه أجوف لا شئ فيه قال : لا أدرى لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة “ . ( كليلة ودمنة ، 132 ) .
أما قول الشاعر : “ فيا من تشبه بضخامتك قوم عاد “ ، فيشير إلى ما اشتهر به هؤلاء من ضخامة الأجساد . وقد أخبر القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى : “ واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في
 
“ 577 “
 
الخلق بسطة “ . ( 7 : 69 ) .
( 3163 - 3175 ) نقل فروزانفر أصلا لهذه القصة عن “ مقالات شمس “ . انظر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 78 - 79 .
 
( 3176 - 3183 ) لهذه القصة أصل عربى جاء في عيون الأخبار لا بن قتيبة .
قال : “ مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زنبيلان قد كادا يحطمانه ، في أحدهما برّ وفي الآخر تراب . فقيل له : ما هذا ؟ قال :
عدلت البرّ بهذا التراب لأنه كان قد أمالنى في أحد جانبي . فأخذ الرجل زنبيل التراب فقلبه ، وجعل البرّ نصفين في الزنبيلين ، وقال له : احمل الآن ، فحمله ، فلما رآه خفيفا قال : ما أعقلك من شيخ “ . ( فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 79 ) .
 
( 3201 ) الصوفية لا يؤمنون بالفلسفة العقلية ، ويرون أنها لا توصل إلى علم يقيني ، وأن حاصلها الشقاء والحيرة .
 
( 3207 ) “ الفكر الحق هو الذي يفتح طريقا للهداية الروحية “ . أما “ الملك “ هنا فهو رمز للمرشد الكامل .
 
( 3208 ) العارف يكون ملكا بذاته ، لا بخزائنه وجيشه .
 
( 3210 ) بدأ الشاعر هنا قصة صغيرة عن إبراهيم بن أدهم . . وقد وردت هذه القصة في تذكرة الأولياء للعطار ( ج 1 ، ص 155 ) . وترجمة القصة كما يلي .
“ يروى أنه كان ذات يوم جالسا على شاطىء دجلة ، وكان يرقع خرقته الممزقة ، فوقعت ابرته في النهر . فسأله أحد الرجال : لقد تخليت عن مثل هذا الملك ، فماذا وجدت ( عوضا عنه ) . فأشار إلى البحر ليرجع اليه ابرته . فخرجت من النهر ألف سمكة ، وقد أمسكت كل منها بإبرة ذهبية في فمها . فقال إبراهيم : أريد ابرتى ! فخرجت سمكة صغيرة ضعيفة ، وقد أمسكت بفمها ابرته . فقال إبراهيم : هذا أهون شئ وجدته


 
“ 578 “
 
لقاء تركى ملك بلخ ، أما ما سوى ذلك فإنك لن تدركه “ . انظر ( فروزانفر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 80 ) ، ( تعليقات نيكولسون ) .
وقد روى السلمى أن إبراهيم بن أدهم كان ابن أحد ملوك خراسان ، وأنه خرج ذات يوم إلى الصيد ، وبينما هو يطارد صيده هتف به هاتف دعاه إلى ترك ما كان فيه ، فاستجاب له ، وتخلى عن جواده ومتاعه لأحد رعاة أبيه ، وأخذ جبته الصوف فلبسها وتوجه إلى مكة . ( طبقات الصوفية ، 30 ) .
 
( 3221 ) “ العميان “ هنا رمز لمن حرموا نور البصيرة الروحية .
 
( 3222 ) “ المبصرون “ هنا رمز للعارفين الذين أشرقت قلوبهم بنور العرفان .
 
( 3230 ) ربما أتيح للمتعلق بعالم الظاهر أن يتلقى نفحة من الغيب .
لكنه لا يكون مثل أهل العرفان الذين يطلعون على عالم الروح الخفي .
 
( 3231 ) “ الحديقة “ رمز لعالم الروح .
 
( 3232 ) “ ان لم تكن من السالكين إلى حديقة الروح ، فالتمس شيئا من المقدرة على تنسم شذاها ، وادفع عنك تلك الروابط المادية ، التي تحول بينك وبينها “ .


( 3234 ) قميص يوسف الذي ألقى على وجه يعقوب فارتد بصيرا رمز لنفحات الروح التي تنير ظلام الحس ، وتكشف سبيل الابصار الحق .
 
( 3235 ) قول الرسول : “ جعلت قرة عيني في الصلاة “ يشير إلى ما كان يتلقاه في صلاته من نفحات روحية .
 
( 3236 ) يقول الغزالي ان المدركات الحسية تلتقى جميعا لتقدم الصورة الحس المشترك فهو القوة التي تكوّن الصورة العامة مما تتلقاه الحواس المختلفة . “ تلك القوة مجمع المتاثلات والمختلفات فسميناها الحس ، المشترك ، إذ لا تكون النفس مدركة الا بهذه القوة ، وسميناها اللوح إذ لا تجتمع المحسوسات الا في هذه القوة ، وليس لها الا الادراك
 
“ 579 “
 
فقط “ . ( الغزالي : معارج القدس ، 47 - 48 ) .
وجلال الدين يرى ارتباط الحواس بعضها بالبعض الآخر لأنها جميعا تنبع من أصل واحد . وسياق الأبيات يبين ان جلال الدين يرى أنه لو تخطت احدى الحواس نطاق حسيتها إلى مارواء الحس ، فان ذلك يقود الحواس الأخرى إلى تخطى نطاق الحس .
( 3240 ) “ ان انطلاق احدى الحواس من قيد المادة ، واستنارتها بالاحساس الروحي ، يعين بقية الحواس على تحقيق استنارة مماثلة “ .
( 3242 ) الشاعر يشبه الحواس بقطيع من الخراف ، فلو أن واحدا من القطيع قفز من فوق القناة إلى الجانب الآخر تبعته بقية الخراف .
والقناة هنا رمز للحد الفاصل بين عالم الادراك الحسى ، وعالم الادراك الروحي .
( 3243 ) ان حواسك - التي تشبه الخراف في حسيتها - غافلة عن ذلك المرعى ، وهو عالم الروح الكامن وراء عالم الحس . فسق هذه الخراف إلى ذلك المرعى حتى تنعم هناك بغذاء يختلف عما عهدته في عالم الحس .
( 3245 ) لو اطلع كل حس من حواسك على عالم الروح ، أصبح بمثابة النبي الذي يقود الحواس الآخرين إلى ذلك العالم ، كما يقود النبي أتباعه إلى الجنة .
( 3246 ) عندما تصبح الحواس كلها مطلعة على الأسرار ، تزداد الحاجة إلى التعبير عنها ، والإشارة إليها بالألفاظ والعبارات .
( 3247 ) الحقيقة - حينما لا تكون مشهودة - تتقبل الكثير من التأويلات ، وتنشأ حولها الخيالات والأوهام .
( 3248 ) حقيقة الشهود لا تتقبل أي تأويل ، ما دامت مبنية على العيان ، والمشاهدة .
( 3249 ) من تجلى له الغيب ، وأصبح مرشدا لسواه إلى ذلك
 
“ 580 “
 
الشهود ، فقد تحقق له سلطان على الأفلاك .
( 3250 ) الأفلاك وغيرها من مظاهر العالم المادي ليست سوى مظهر يخفى وراءه جوهر الحقيقة ، فمن ملك هذا الجوهر ، فهو - نتيجة لذلك - مالك لما يحيط به من قشور .
( 3253 ) الروح المشار اليه في هذا البيت هو الروح ( الحيواني ) .
وقد عرفه الغزالي بقوله : “ أما الروح فيطلق ويراد به البخار اللطيف الذي يصعد من منبع القلب ، ويتصاعد إلى الدماغ بواسطة العروق ، ومن الدماغ يسرى بواسطة العروق أيضا إلى جميع البدن ، فيعمل في كل موضع بحسب مزاجه واستعداده عملا ، وهو مركب الحياة ، فهذا البخار كالسراج ، والحياة التي قامت به كالضوء ، وكيفية تأثيره في البدن ككيفية تنوير السراج أجزاء البيت “ . ( معارج القدس ، 14 ) .
( 3254 ) قول الشاعر : “ فالحس أكثر سرعة في سلوكه سبيل الروح “ ، يعنى أن الحس أكثر استجابة لدواعي الحياة المتحركة ، وأوضح من العقل تعبيرا عنها .
( 3256 ) الحركة لا قيمة لها في ذاتها ، فهي تظهر من الحيوان ومن الانسان ، ولكن العقل حين يخلع على الحركة اتزانا يجعل لها قيمة ذاتية . فهذا التغيير في قيمة الحركة شبيه بفعل الإكسير الذي يجعل المعدن الخسيس ذهبا .
 
( 3258 ) “ الروح الملهم “ هو الروح الانساني الكامل ، وهذا عند الصوفية أسمى بكثير من العقل . وهو ينتمى إلى عالم أسمى من هذا العالم . وادراك أسرار العقل أيسر من ادراك أسرار هذا الروح الملهم يقول الغزالي : “ هو الروح الانساني المتحمل لأمانة الله ، المتحلى بالمعرفة ، المركوز فيه العلم بالفطرة بالتوحيد بقوله ( بلى ) ، فهو أصل الآدمي ، ونهاية الكائنات في عالم المعاد “ . ( معارج القدس ، 13 - 14 ) ( 3259 ) كان من الميسور لكل انسان أن يدرك مقدار عقل

“ 581 “
 
الرسول ، أما ادراك أسرار روحه الملهم فهذا قد امتنع على كثير من الناس .
( 3260 ) للروح الملهم أفعال متناسبة متزنة ولكن العقل يعجز عن ادراكها . ومن هنا كان عجز علماء الدنيا عن فهم الصوفية العارفين .
( 3261 ) لا سبيل للعقل إلى فهم الروح الملهم ، الا إذا أصبح العقل ذاته روحا . ويبدأ ذلك بايمان العقل بسموّ هذا الروح ، وصدق الهامه . وبدون هذا الايمان تبدو تجليات الروح جنونا ، في نظر العقل .




( 3262 - 3263 ) من أمثلة الصعوبة التي يلاقيها العقل في فهم الروح ما أبداه موسى من انكار لأعمال الخضر ، وذلك حين خرق السفينة وقتل الغلام . ( انظر : سورة الكهف ، 18 : 71 - 75 ) .
( 3265 ) العلم التقليدىّ يكون ذا رونق وراء حينما يجد المشترى ، أنه يقوم على التظاهر ، وطلب المنفعة .




( 3266 ) العلم الروحي لا يخبور رونقه ، ولا يتأثر بالمنافع الموقوتة ، كالعلم التقليدى ، بل هو دائم الرونق ، لأنه من الهام الله ، ولا يراد به سوى وجه الله .
( 3268 ) الملائكة كانوا هم المشترين لدرس العلم الإلهي الذي تلقاه آدم عن خالقه. أما إبليس فلم يتقبل هذا العلم ، لأنه لم يكن أهلا لتلقيه.

( 3269 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين .
قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم . قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم “ . ( 2 : 31 - 33 ) .
( 3271 ) سبق للشاعر أن صور قصير النظر بأن له عقلا كعقل الفأر ( البيت 3264 ) . وهو هنا يشير إلى هذا البيت بقوله : “ قد دعوته فأرا “ . أما قول الشاعر : “ لأن مقرة التراب “ فيعنى أن نفسه
 
“ 582 “
 
غارقة ماديتها ، لا تستطيع الخلاص منها .
( 3276 ) انظر الآيات ( 16 : 15 ) ، ( 78 : 7 ) .
( 3291 ) قدرة الله هي التي ألقت في العين الحسية نور البصر ، وجعلت عظام الأذن قادرة على السمع .
 
( 3294 ) قول الشاعر : “ فان كنت لا ترى الماء بين الطين . . . “ يعنى : “ فان كنت لا تدرك وجود الروح في جسدك ، فما هذه الآثار الدالة عليها ، كما تدل الأعشاب السابحة فوق الماء على وجود الماء “ .
 
( 3295 - 3296 ) ان الصور المنعكسة على صفحة الفكر تدل على وجود عالم معنوي ، خارج العالم الحسى ، ينعكس على الفكر بصورة جميلة أو قبيحة ، على مقتضى ما تكون عليه نفس الانسان من جمال أو قبح .
( 3297 ) الالهام الذي يقبل إلى النفوس من عالم الغيب يقوم دليلا على وجود هذا العالم . والأرواح تحمل آثارا منه ، كما يحمل ماء النهر قشورا من ثمار بستان بعيد .
 
( 3298 ) هذه اللمحات التي تقبل من عالم الغيب ليست الا ظلالا للحقيقة وعلى الانسان أن يبحث عن الحقيقة ذاتها . فقشور الثمار التي تسبح فوق صفحة النهر ليست هي الثمار ، وانما هي دليل على وجود تلك الثمار .
( 3299 ) تحرك الأفكار والخواطر دليل على حياة الروح ، فهذه تحملها إلى الفكر من عالم الغيب ، كما يحمل النهر قشور الثمار من بستان بعيد . وحركة القشور توضح حركة الماء .
 
[ شرح من بيت 3300 إلى بيت 3450 ]
( 3302 ) إذا ازدادات قوة الروح لم يبق للجسد وجود إلى جانبه .
( 3309 ) في رأى الشافعي أن الماء إذا بلغ قلتين لا تقدر القطرة من النجاسة على أن تخرجه عن طهارته . ( انظر : المنهج القوى ، 2 ، 621 ، وكذلك تعليقات نيكولسون ) . وفي هذا تعبير رمزى عما يبلغه العارف من طهارة روحية لا ينتقص منها ما قد يبدو عليه من ظاهر على خلاف ذلك .
 
“ 583 “
 
( 3310 ) انظر : المثنوى ، 1 ، البيت 547 وشرحه .
 
( 3311 ) الأدلة العقلية والبراهين الجدلية من مطالب النفس ، أما الروح فمستقرها عين الحقيقة .
( 3312 - 3313 ) السالك في البيداء هو الذي يكون بحاجة إلى الدليل ، لأنه يكون في كل لحظة عرضة للضلال ، أما الواصل فلا حاجة به إلى عناء البحث ، وحسبة نعمة الشهود .
( 3314 - 3315 ) لو أن أحد العارفين لجأ إلى بسط الأدلة الجدلية ، فهو يفعل ذلك ليفهم من لم تُتح له نعمة الشهود ، فكأنما هو أب يصطنع أصوات الطفولة لوليده الجديد .
 
( 3320 - 3321 ) الذنوب والنقائص الانسانية كلها فانية ، ، فهي تنتهى بانتهاء صاحبها ، أما نور العارف فهو نور خالد ، لأنه مستمد من نور الله .
( 3322 - 3323 ) ايمان العارف مستمد من عرفانه بجوهر الحقيقة ، وليس حاله كحال العوام في ايمانهم أو كفرهم ، فهم يتعلقون بأمور نسبية لا تقاس بجوهر الحقيقة ، بل انها هي التي تحجب الحقيقة .
 
( 3324 ) رأس الجسد - بما ينطوى عليه من غرور ، وانكار لعالم الروح - كافر منكر .
( 3325 ) الكافر المنكر هو الغافل عن حقيقة ايمان العارف .
فما دامت هذه الحقيقة منبثقة من محبة الخالق والفناء فيه ، فهي أسمى درجات التوحيد .
 
( 3326 ) بقاء الروح - بعد تحققها بالفناء - ليس سوى خبر يروى ، بالنسبة لغير العارف . فإذا ما عانى المرء هذه التجربة قويت روحه ، وتأصل عرفانه .
( 3330 - 3331 ) انظر : المثنوى ، 1 : 1234 ، 2659 - 2663 ، والشرح .


 
“ 584 “


 
( 3340 ) الشاعر في هذا البيت يسفه الذين يسيئون إلى الشيوخ العارفين ، ويضمرون لهم الحسد والبغضاء ، في حين أن هؤلاء المسيئين لا يحسنون غسل وجوههم .
( 3341 ) قول الشاعر : “ انك تشن غارة على الملائكة “ ، يعنى أن المسىء إلى العارف الكامل يسئ إلى الملائكة الذين عرفوا لهذا العارف قدره ، وسجدوا له ، حينما شهدوا صفاته في شخص آدم .
 
( 3344 ) إذا تأبى المتعلق بالحس على المرشد العارف ، فلم ينتفع بارشاره ، فذلك لا يسئ إلى عرفان العارف .
( 3345 - 3349 ) يوازن الشاعر في هذه الأبيات بين المرشد العارف وبين عدوّه الحسى العنيد ، ثم يقدم للحاسد صورا تبين استحالة النيل من العارف أو انتقاص فضله كماله .
 
( 3350 ) من عاب الصوفي العارف ، ولم يطق مواجهته ، شبيه بخفاش يعيب الشمس ويطلب احتجابها .




( 3351 ) قول الشاعر : “ والغيوب قد أضحت - بغيرتهم عليها - غيوبا “ يعنى أن هؤلاء الصوفية يحرصون على اخفاء الأسرار الغيبية عمن لا يكونون أهلا لتلقيها .




( 3355 ) الروح التي هبطت من عالمها إلى هذا العالم الحسى ، ينبغي لها ألا تصبح غريقة عالم الحس . فالحمار - وهو من الحيوانات التي اشتهرت بالغباء - لو انزلق في الوحل فإنه يتحرك على الدوام لكي ينهض من كبوته .
 
 
( 3358 ) “ ها أنت ذا تتأول رخصة لتعلقك بالمادة وحرصك عليها ، لأنك لا تريد أن تخلص قلبك من سلطانها “ .
 
( 3359 ) “ انك تبرر تعلقك بالمادة ، فتدعى أنك مُجبر على ذلك ، وأن الله لا يعاقب المجبر على عمل لا حيلة له فيه “ .




( 3360 ) من اقترف الاثم وحسب أن الله لن يأخذه باثمه فهو في
 
“ 585 “
 
الحقيقة مغرور أعماه الغرور . وهذا العجز عن ابصار الخطأ هو في ذاته عقوبة الهية . يقول ابن الجوزي في هذا المعنى : “ وإياكم والاغترار بحمله وكرمه فكم استدرج “ . ( صيد الخاطر ، ص 133 ) .
 
( 3361 - 3363 ) اشتهر الضبع عند العرب بالحمق ، حتى ضربوا به المثل ، فقالوا : “ أحمقُ من الضبع “ .
يقول الدميري : “ الضبع أحمق الحيوان . . . ومن حمقه أنه يغفلى عما يجب التيقظ له . ولذلك قال علي بن أبي طالب : لا أكون كالضبع تسمع اللدم فتخرج حتى تصاد ، واللدم الضرب الخفيف . . . . والصياد إذ أراد أن يصيدها رمى في جحرها بحجر ، فتحسبه شيئا تصيده ، فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك “ .
وذكر الدميري كلاما يقال على باب جحرها ، “ فلا يزال يقال لها حتى يدخل عليها الصائد فيربط يديها ورجليها ، ثم يجرها “ . ( حياة الحيوان ، ج 1 ، ص 365 ، ج 2 ، ص 82 ) . وذكر النويري كلاما شبيها بهذا عن الضبع . ( انظر : نهاية الأرب ، ج 9 ، 274 - 276 ، “ ذكر ما قيل في الضبع “ ) . والنويري يستبعد ما يقال عن استسلام الضبع لصائديه فيقول : “ وهذا القول - فيما أظن - من خرافات العرب “ .
 
( 3364 - 3369 ) أوردت المصادر العربية قصة شبيهة بما رواه الشاعر في هذه الأبيات .
انظر : ( حلية الأولياء ، 10 : 168 ) ، ( محاضرات الأدباء ، 2 :
277 ) . وقد نقلها عنهما فروزانفر . ( مآخذ قصص ، 80 ) . ونص هذه القصة كما يلي : “ قيل : وكان في بني إسرائيل حبر قال في دعائه : يا رب . كم أعصيك وأنت لا تعاقبنى ! فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان ، قل لعبدي : كم أعاقبك ولا تدرى ، أسلبك حلاوة مناجاتى “ .
 
( 3370 ) “ ان الآثام الكثيرة التي ارتكبتها قد جعلت باطنك أسود ،
 
“ 586 “
 
فلم تعد لديك قدرة على معرفة الخير من الشر “ .
( 3371 ) قلب الانسان كالمرآة والآثام التي يرتكبها شبيهة بالصدأ .
فكلما ازداد ارتكاب الآثام . زادت ظلمة القلب ، فيصبح كالمرآة التي تراكمت فوقها طبقات من الصدأ .
 
( 3372 ) من كان نقى القلب ، أحس بوقوعه في أدنى خطأ . فالقدر الجديدة يظهر أثر الدخان فوقها ، مهما قل هذا الدخان .
 
( 3373 ) الاثم يكون غريبا على القلب النقى ، فسرعان ما يتكشف لهذا القلب قبحه ، كما تتميز الأشياء ، بضدها ، أو كما يتضح السواد فوق البياض .
 
( 3374 ) إذا أصبح القلب أسود لفرط ما ران عليه من الاثم ، فكيف يتضح فيه ما يغشاه من اثم جديد ؟ أنه يكون كالقدر السوادء ، لا يظهر فوقها أثر الدخان .
 
( 3375 ) “ الحداد الزنجي “ رمز للقلب الأسود . فهذا الحداد الأسود الوجه لا يبين في وجهه أثر الدخان . وهكذا القلب المظلم بأخطائه وآثامه .
 
( 3376 ) “ الحداد الرومي “ رمز للقلب النقى . فمثل هذا يتبين له أثر الدخان في وجهه .
( 3394 ) انظر شرح الأبيات 3364 - 3367 .
 
( 3316 ) قال تعالى : “ انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم “ . ( 2 : 173 ) . وانظر أيضا : ( 6 : 145 ) ، ( 16 : 115 ) .
 
( 3430 ) العارف لو تذوق متاع الدنيا فإنه يتقوى به على التأمل الروحي ، على حين أن الرجل الحسى يتذوق الشهد فينقلب في كيانه سما ، لأنه يزيد من حرصه على الشهوات ، ومتع الحس .
 
( 3432 - 3433 ) في البيتين إشارة إلى قصة أصحاب الفيل الذين


 
“ 587 “
 
أرادوا هدم الكعبة فأهلكهم الله . قال تعالى : “ وأرسل عليهم طيرا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل . فجعلهم كعصف مأكول “ .
( 105 : 3 - 5 ) .
 
( 3436 ) يبدأ الشاعر هنا حكاية ترمز إلى أن المريد لا يليق به أن يجترىء على العارف . وهذه الحكاية مرتبطة بالبيت السابق ( رقم 3435 ) .
 
[ شرح من بيت 3450 إلى بيت 3600 ]
 
( 3453 ) “ ما دمت لست من العارفين فلا بد لك من السير في طريقهم ، وبذل الجهد ، لعلك تصبح واحدا منهم ، فتخلص من بئر الشهوات إلى حيث يتحقق لك الجاه والمجد “ .
 
( 3454 ) “ ما دمت لم تصل بعد إلى مقام العارفين فلا بد لك من مرشد “ .
 
( 3456 ) السالك بحاجة إلى الانصات لكي يتعلم . وقد أمر الله بالانصات في قوله تعالى : “ وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون “ . ( 7 : 204 ) .
 
( 3464 ) من كانت روحه مفعمة بالكمال ، لم يكن للجاه الدنيوي قيمة عنده ، ولا أثر عليه . أما المتعلق بالحس فالرياسة تدفعه إلى الغرور والتعالى وتزيد نفسه قبحا .
وفي هذا البيت هدم لمبدأ اعتزال الحياة ، والانصراف عن الدنيا ، وهو ما قال به بعض الصوفية الذين يصرون على مواجهة هذا العالم بموقف سلبىّ .
 
( 3465 ) في اعتقادي أن “ الجبل الملىء بالثعابين “ يرمز هنا للحياة الدنيوية الحافلة بالمغريات . فالشاعر يدعو الانسان إلى مواجهة هذه الحياة بقوة ، وعليه ألا يخافها ما دام في الامكان أن تنطوى هذه الحياة على مضمون روحي ، يحول بين الانسان وبين المهلكات الحسية ، من لذات وشهوات .
 
( 3466 ) قول الشاعر : “ فإذا ما أصبحت الرئاسة نديما لدماغك . . . “
 
“ 588 “
 
يعنى : “ فإذا لا تولاك الغرور من جراء جاهك وسلطانك . . . “ .
 
( 3467 - 3469 ) يصور الشاعر هنا موقف العناد الذي يقفه بعض الأفراد من آراء المخالفين ، وكيف أنهم يتصورون أن كل مخالفة لآرائهم انما هي محاولة للقضاء على كيانهم الذاتي . وهذا - في نظر الشاعر - ينشأ من رسوخ الأخلاق السيئة في نفس صاحبها .
 
( 3471 ) ينشأ الانسان وعنده قدر محدود من الشهوة . لكن بعض الناس يترك لشهواته مجال النموّ حيت تتحكم فيه : “ ان الشهوة تكون - في بداية أمرها - نملة ، لكنها سرعان ما تعظم ، وتصير مثل الثعبان “ .
 
( 3473 - 3474 ) أسير الشهوات لا يفظن إلى ما يعانيه من اسار المشهوة ولا بد له من مرشد يعينه على ادارك حقيقة حاله . وحين يتحقق لمثل هذا خلاص من سيطرة اللذات الحسية ، فإنه يتسنى له إذا ذاك أن يدرك ما كانت عليه نفسه من سوء الحال .
 
( 3475 ) لكي تتحول النفس الخسيسة المعدن ، إلى نفس كريمة المعدن ، لا بد لها من الصبر على مشقة هذا التحول . فالنحاس لا بد له من الصبر على الإكسير . والقلب لا بد له من الصبر على ما يفرضه عليه من تَملكه .
 
( 3476 ) قول الشاعر : “ وان هؤلاء ليهربون من الدنيا كالنهار والليل “ يعنى : “ أن الصوفية العارفين يهربون من سلطان الدنيا كالنهار والليل ، اللذين يمران بها ، ويعملان عملهما ، ومع ذلك لا يستقران فيها ، ولا يخضعان لسلطانها “ .
 
( 3478 - 3495 ) يروى الشاعر في هذه الأبيات حكاية عن كرامات فقير اتهم بالسرقة . وكرامات الأولياء كانت موضوعا لحكايات كثيرة تملا كتب التصوف ، وبخاصة تلك التي تهتم بتراجم الصوفية .
والقصة المذكورة هنا وردت ، في مصادر متعددة ، وأشار إليها فروانفر ، كما نقل نصا فارسيا لها من “ كشف المحجوب “ للهجويرى .




“ 589 “
 
( انظر : مآخذ قصص وتمثيلات ، 81 - 82 ) . وفيما يلي ترجمة لنص كشف المحجوب :
“ وبلغت منزلته ( مالك بن دينار ) أنه كان ذات يوم راكبا في سفينة ، وكان أن فقدت جوهرة في هذه السفينة ، فاتهموه بأنه أخذها لأنه بدا أقل القوم حظا من ظهور الحال ، فرفع رأسه إلى السماء ، وفي الحال صعد إلى سطح الماء كل ما كان في البحر من الأسماك ، وقد أمسكت كل سمكة بجوهرة في فمها . فأخذ جوهرة من جملة هذه الجواهر ، وأعطاها للرجل ، ثم وضع قدمه فوق الماء ، وسار فوقه برفق حتى خرج إلى الساحل “ .
 
( 3478 ) قول الشاعر : “ وقد اتخذ لنفسه من بضاعة الرجولة ظهيرا “ ، يعنى أن ذلك الصوفي لم يكن يمتلك بضاعة كغيره من الناس ، إذ لم تكن له بضاعة سوى الرجولة والشرف .
 
( 3500 ) قول الشاعر : “ ان النفس سوفسطائية . . . “ يعنى أنها تميل إلى المغالطة ، والمجادلة بالباطل .
 
( 3503 ) الشهود الروحي لا يتسنى الا لعين طهرت من أهواء الحس .
 
( 3504 ) الشهود الروحي يتسامى فوق ملكات الحس . فهو كالطاووس ، لا يستقر في حفرة ضيقة . واستخدام “ الطاووس “ هنا رمزا للشهود الروحي يشير إلى ما ينطوى عليه هذا الشهود من الجمال والبهجة . 
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي

عبدالله المسافربالله يعجبه هذا الموضوع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:42 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 على مدونة عبدالله المسافر

شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي    

شرح كيف ذم الصوفية امام الشيخ ذلك الرفيق الذي كان يكثر من الكلام
( 3512 - 3513 ) الأخلاط في جسد الانسان أربعة ، هي المرة السوداء ، وهي مسكن اليبوسة ، والمرة الصفراء وفيها الحرارة ، والدم وفيه الرطوبة ، والبلغم وفيه البرودة . “ فأيما جسد اعتدالت فيه هذه الأربعة الأخلاط . . . 
وكانت كل واحدة منهن ربعا لا تزيد ولا تنقص ، كملت صحته واعتدلت بنيته . 
وان زادت واحدة منهن على أخواتها وقهرتهن ومالت بهن ، دخل السقم على الجسد من ناحيتها ، بقدر ما زادت .
وإذا كانت ناقصة ضعفت طاقتها عن مقاومتهن فغلبنها ، ودخل السقم على

 
“ 590 “
 
الجسد من نواحيهن بقدر قلتها عنهن ، وضعف طاقتها عن مقاومتهن “ .
( رسائل اخوان الصفا ، 1 : 300 ) .
وكان يعتقد أن هذه الأخلاط ذات تأثير على أخلاق الانسان ، “ فان مالت به اليبوسة وأفرطت ، كانت عزمته قساوة وفظاظة ، وان مالت به الرطوبة ، كان لينه توانيا ومهانة ، وان مالت به الحرارة ، كانت حدته طيشا وسفاهة ، وان مالت به البرودة ، كانت أناته ريثا وبلادة ، وان اعتدلت وكن سواء ، اعتدلت أخلاقه واستقام أمره ، وكان عازما في يغلبه خلق من أخلاقه ، ولا تميل به طبيعة من أخلاطه عن المقدار المعتدل “ . ( المصدر السابق ، 1 : 301 ) .
 
( 3515 - 3516 ) في البيتين إشارة إلى قصة موسى والعبد الصالح الذي ذكر المفسرون أنه الخضر . وقد وردت هذه القصة في القرآن الكريم ( 18 : 65 - 82 ) . وكان افراط موسى في سؤال الخضر سببا في أن الخضر تخلى عن صحبة موسى . انظر أيضا : المثنوى ، ج 1 ، 2969 ، 2971 وشرحهما ) .
 
( 3517 - 3518 ) “ موسى “ هنا رمز للمريد . والمرشد يدعوه إلى الصمت ، حتى لا يضطر إلى الابتعاد عنه ، كما اضطر الخضر إلى مفارقة موسى .
 
( 3522 ) أهل الغفلة يكونون بحاجة إلى من يحميهم . ويكون حاميهم أحد الذين تحققت لهم يقظة روحية . أما الصوفية العارفون فهؤلاء قد تحقق لهم الأمان ، بعد وصولهم إلى عالمهم الروحي ، ولم تعد بهم حاجة إلى حارس .
 
( 3523 ) “ ان الذين يتطلعون إلى حياة الحس هم بحاجة إلى من يصونهم عن الضلال . فالجسد كالثوب ، يكون بحاجة إلى من ينظفه .
أما الروح الذي تحرر من سلطان الجسد ، فيكون ذا رونق حين يتعرى



“ 591 “

من رداء البدن .
( 3524 ) من أراد صحبة العارفين فليكن مثلهم متحررا من رداء البدن . ومعنى “ التحرر من رداء البدن “ أن يكون الروح هو المسيطر على الانسان ، المتحكم في أفعاله .
 
( 3525 ) “ ان لم تستطع أن تسيطر على البدن سيطرة كاملة فعليك أن تبذل جهدك حتى لا يطغى على روحك ، وليكن لك موقف وسط بين الروح والبدن “ .
 
( 3527 - 3528 ) انظر : سورة الكهف ، 18 : 65 - 82 .
 
( 3530 ) كان هذا الدرويش من أهل الكمال ، وهؤلاء - في رأى الصوفية - يظهرون في كل زمان . والقائلون بوحدة الوجود يرون أن أهل الكمال مرتبطون بالحقيقة المحمدية . ( انظر : الجيلى : الانسان الكامل ، ج 2 ، 50 ) .
 
( 3545 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى “ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم “ . ( 31 : 27 ) .
 
( 3547 ) يرد الدرويش هنا على ما اتهمه به أصحابه من شدة استغراقه في النوم . ( البيت 3510 ) .
 
( 3550 ) بدأ الدرويش - في هذا البيت - يسفه رأى من اتهمه بطول استغراقه في النوم . ويوالى الدرويش الدفاع عن نفسه في الأبيات التالية .
 
( 3551 ) “ حس القلب “ هو الحس الكوني الذي يشهد به العارف ما لا تشهده الحواس .
 
( 3552 ) “ لقد خدعك ظاهري فلم تفطن إلى حقيقة حالي . لقد نظرت إلى من خلال ضعفك ، فظننتنى على شاكلتك ، في حين أن ما يخفى عليك من الأمور ، يبدو أمامى واضحا كالضحى “ .
 
“ 592 “
 
( 3554 ) “ انك مقيد بقيود الحس وأغلاله ، وأما أنا فقد أصبح الحس عندي مُشرقا بنور الروح . وأنت من حياتك المادية في هم مقيم ، على حين أنني في فرحة وهناء “ .
 
( 3555 ) ان العارف يقيم مع أهل الغفلة في مكان واحد ، لكنه كثيرا ما تنطلق روحه من اسار الحس فتبلغ السماء السابعة .
 
( 3556 ) مهما تجاوز العارف والغافل فان تجاور هما لا يعنى أنهما في منزلة واحدة . فالعارف يجاور الغافل بجسده على حين أن روحه تحلق في سمائها التي لا يرقى إليها فكر الغافل .
 
( 3558 ) الأفكار تكون رهن إرادة العارف يتحكم فيها كما يتحكم الباني في النباء . أما الغافل فالأفكار تسيطر عليه وتحكمه .
 
( 3562 ) ربما ينزل الرجل العارف إلى مستوى ضعاف الناس ، ذوى الطاقة الروحية الواهية ، وذلك ليمكنهم من أن يأخذوا عنه الهداية ، ويقتبسوا منه العرفان .
 
( 3563 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن الا الرحمن انه بكل شئ بصير “ .
( 67 : 19 ) .
فالعارف يذكر هنا مقدرته على الانطلاق إلى الآفاق العالية .
 
( 3564 ) “ ان قدرتى على الانطلاق نابعة من الذات التي صفت ، والروح الملهم ، وليس أساسها علما زائفا ولا وهما باطلا “ .
 
( 3565 ) يطلق لقب جعفر الطيار على جعفر بن أبي طالب ، وهو ابن عم الرسول الذي استشهد في غزوة مؤتة ، وقد قام بها المسلمون عام 8 ه 629 م . وكانت موجهة إلى الروم . قال ابن هشام : “ وحدثني من أثق به من أهل العلم : أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحضتنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير



“ 593 “
 
بهما حيث شاء “ . ( سيرة ابن هشام ، ج 4 ، 20 ) أما جعفر العيار فهو من يتسمى بجعفر ، برغم أنه يكون نقيض جعفر بن أبي طالب في ايمانه وصدقه .
 
( 3566 ) من لم يجرب ذوق الروح يجد أن هذا الكلام مجرد دعوى أما من ذاق لذة الشهود فهو وحده يدرك معناه .
 
( 3567 ) يُعرف الغراب عند العرب بأنه من أخس الطيور . قال الجاحظ : “ قال صاحب منطق الطير : الغراب من لئام الطير وليس من كرامها ولا من أحرارها ، ومن شأنه أكل الجيف والمقامات “ . ( الدميري :
حياة الحيوان ، ج 2 ، 173 ) .
وقد اتخذ الشاعر الغراب رمزا للجاهل الخبيث النفس ، المتعلق بالحس .
أما الذباب فهو رمز لقصير النظر الذي يعجز عن ادراك معنى الابصار الروحي ، كما تعجز الذبابة عن ادراك حقيقة المرئيات . ( انظر : المثنوى ، 1 ، 1082 - 1090 ) .
 
( 3568 ) إذا كان الغذاء الحسىّ يزيد من قوتك وطاقتك الروحية فلا ضير منه . فالعارف الحق يأكل ليعيش ويحيى حياة روحية ، متحررة من سلطان الحس . والأكل في هذه الحال لا يُطلب لذاته ، وانما لأثره في تقوية الانسان . يقول الغزالي : “ اعلم أن طيب المطعم له خاصية عظيمة في تصفية القلب وتنويره ، وتأكيد استعداده لقبول أنوار المعرفة “ .
( الأربعون ، في أصول الدين ، 63 ) .
 
( 3569 - 3570 ) يروى الشاعر هنا معجزة لأحد الصوفية ، هي أنه تقيأ جوهر أمام بعض من أساؤوا به الظن ، فكانت هذه كرامة ، إذ تحول الجوهر المعقول ، وهو جوهر العرفان ، إلى جوهر محسوس أمام هؤلاء المنكرين . واعتقاد الصوفية بوقوع الكرامات يسمع بأمثال هذه القصة .
 
( 3588 ) قول الشاعر : “ أصغ اليه ، واجعله قرطا في أذنك “ ، يعنى : “ أصغ اليه ، وأحسن الاصغاء حتى يستقر الكلام في أذنك ، كأنه
 
“ 594 “
 
قرط معلق بها “ .
 
( 3589 ) قول الشاعر : “ يكون هذا الكلام - بالنسبة إليك - معجزة جديدة ، وذهبا قديما “ ، يعنى أن هذا الكلام الذي سبق لك أن سمعته في نومك تسمعه في يقظتك ، فيبدو لك معجزة جديدة ، وذهبا قديما ، لا يذهب القدم بقيمته بل يبقى كما هو معدنا نفيسا . فما تلقيته في منامك من حديث روحي لا يذهب بقيمته التكرار ، كما هو شأن الحديث المعاد .
 
[ شرح من بيت 3600 إلى بيت 3810 ]


( 3601 ) الروح الغريبة في عالم الحس تسمع صوت النبي الذي يكون في هذا العالم مغتربا عن عالمه الروحي ، فيكون ما تسمعه الروح من النبي مقربا لها من خالقها . وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ وإذا سألك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان “ . ( 2 : 186 )


( 3602 - 3606 ) يروى الشاعر هنا حكاية لها أصولها العربية عن يحيى والمسيح . وقد أورد الثعلبي هذه الحكاية على الوجه التالي .
“ يحيى أول من آمن بعيسى وصدقه ، وذلك أن أمه كانت حاملة به ، فاستقبلتها مريم وقد حملت بعيسى ، فقالت لها أم يحيى : يا مريم ! أحامل أنت ؟ فقالت : لماذا تقوليت هذا ؟ قالت : انى أرى مافيبطنى يسجد لما في بطنك ، فذلك تصديقه له ، وايمانه به “ . ( قصص الأنبياء ، 423 ) .
انظر أيضا : ( فروزانفر ، مآخذ قصص ، 82 ) ، ( تعليقات نيكولسون ) .
 
( 3617 ) يبدأ الشاعر هنا إشارات إلى بعض قصص كليلة ودمنة .
ويشير الشاعر في هذا البيت والأبيات الثلاثة التي تليه إلى قصة “ الأسد والثور “ .


( 3620 ) قول الشاعر : “ وكيف صار الفيل وجلا من خيال القمر “ بشير إلى قصة “ الأرنب وملك الفيلة “ . ( كليلة ودمنة ، الباب الثامن ، ص 272 . طبعة دار الحياة ، بيروت ) .
 
( 3624 ) شعراء الغزل من الفرس كثيرا ما يتغنون بحب البلبل



“ 595 “
 
للوردة ، ويديرون بينهما الحوار في غزلياتهم . ومن أشهر من فعل ذلك حافظ الشيرازي .
 
( 3671 ) جوهر المعرفة الروحية واحد مهما اختلفت تجلياته وآثاره .
 
( 3677 ) الأسماء المتعدة تشتت الفكر وتصرفه عن ادراك جوهر الصفات .
 
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالجمعة سبتمبر 04, 2020 1:43 pm

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )      

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 على مدونة عبدالله المسافر

شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي    

شرح كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر
( 3687 ) “ الرجل المتعدد اللغات “ هو العارف القادر على ادراك الجوهر الواحد ، الكامن وراء اختلاف الألفاظ والأسماء .
 
( 3695 - 3696 ) نقل ابن البيطار عن الرازي أنه قال : “ الخل بارد مطفىء ، ويطفئ حرق النار أسرع من كل شئ “ . ( مفردات ، ج 1 ، 66 ) . 
و “ الخل “ هنا رمز إلى العلم التقليدى ، وهذا يكون بدون حرارة مهما اتخذ طابع الاخلاص .
( 3697 ) “ الدبس “ رمز للعرفان الروحي ، فهو الذي ينطوى على حرارة حقيقية ، مهما ظهر على خلاف ذلك .
 
( 3705 ) من سعى وراء المادة أهلكه مسعاه ، وأما من سلك سبيل الروح ظفر بالروح والمادة معا .
 
( 3707 - 3708 ) “ في زماننا هذا - وفي كل زمان - عارف روحي يقر الوئام بين النفوس المتصارعة ، لو أنها استمعت اليه ، وآمنت بجوهر عرفانه “ .
 
( 3716 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم “ . ( 49 : 10 ) .
 
( 3718 ) “ العنب الناضج “ رمز للمؤمن ، وأما “ العنب الفجّ “ فهو رمز للكافر .
 
( 3725 ) النضج الروحي يؤدى إلى التحرر من الأنانية الذاتية ، ويمهد سبيل الوحدة بين الناس .
 
( 3727 ) المحبة الإلهية هي وحدها السبيل التي تجمع بين البشر في



“ 596 “
 
وجود حقيقي واحد .
 
( 3729 ) الوحدة التي يصنعها الله من الأرواح ليست شبيهة بخلق الأجساد من الماء والطين . فوحدة الجسد قابلة للتفكك ، كما يحدث عند الموت ، لكن اتحاد الأرواح لا يكون عرضة لذلك .
 
( 3731 ) في اعتقادي أن “ سليمان “ هنا رمز للمحبة الإلهية التي توحد القلوب والأرواح . فالشاعر يقول إن هذه قريبة من الروح ، ومع ذلك نجد طلاب العلم التقليدى يتركون الحل القريب ، وينظرون إلى أمور بعيدة معقدة ، تعميهم عن حقيقة أرواحهم ، وتصرفهم إلى ألوان من البحث العقيم .
 
( 3732 ) نظر الانسان إلى ما بعد عنه يعميه عما هو قريب منه .
يسعى الانسان إلى معرفة إلى بالعقل والأدلة العقلية ، مع أن القلب هو خير وسيلة لمعرفة الله ، وأقرب طريق اليه . فمن الناس من يترك السبيل القريب ( سبيل القلب ) ، ويلجأ إلى السبيل البعيد ( سبيل العقل والأدلة العقلية ) .
وهذه الغفلة عن القلب وجلاله وجماله شبيهة بغفلة انسان ينام في قصر ، فلا يشعر بما حوله من رونق وبهاء .
 
( 3733 ) أوضح الشاعر هنا ما كان يقصده بالنظر إلى البعيد .
ويتجلى ذلك عنده في الولع بدقيق الكلام ، والتعشق لحل المشكلات الكلامية ، عن طريق الجدل والبحث النظري .
 
( 3734 - 3735 ) هذا النظر العقلي ، المجرد من الشعور والاحساس الروحي ، يزيد الأمور تعقيدا ، ويزيد الانسان سعيا إلى الايضاح ، فلا يكاد يدركه ، ويأخذه في وضع القواعد التي يظنها موصلة إلى الحل المنشود ، فكأنما هو طائر يشغل نفسه بشباك تأسره ، يحل عقدها ، ثم يعود إلى ربطها ، ظانا أنه بذلك يصبح مكتمل البراعة .
 
( 3736 - 3737 ) من شغل نفسه بالجدل العقلي العقيم ، وحرم نفسه من جمال الروح ، وتأمل مباهجها ، شبيه بذلك الطائر الذي شغل


 
“ 597 “
 
نفسه بحل عقد الشباك ، وإعادة ربطها ، فحُرم بذلك من الغياض والمروج ، وضاع عمره في معالجة العقد . فمثل هذا الطائر العنيد يتكسر جناحاه من معاناة العقد ، وهو في حقيقة الأمر لا يصل إلى شئ من مراده ، لأن الشباك تبقى موجودة برغم جهوده . وهكذا حال من أضاع حياته في الجدل والنظر الخاوي من الشعور ، فهو يعيش أسير الجدل ، ولا يتحقق له حل المعضلات .
 
( 3738 - 3739 ) أقلل من هذا الصراع الذي لا جدوى منه ، وإضاعة الجهد في أمور لا يتحقق من روائها شئ سوى العناء . فهذا الصراع المرير ، المبنى على الحيلة والذكاء ، لم يق الانسان مما يخشاه من العوارض والمخدورات . ولقد أقعده انشغاله بمثل هذا الصراع عن التحليق في آفاق الروح الفساح .
 
( 3740 ) ان الدهاء والحذر والعمل على مغالبة القضاء ، كلها لا تمكن المرء من الخلاص مما قدر له . ويستهشد الشاعر على ذلك بقوله تعالى :
“ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص “ . ( 50 : 36 ) .
ومما هو جدير بالانتباه هنا أن الشاعر لا يدعو إلى الاستسلام وترك الجهد ، وانما هو يدعو إلى احساس الروح بسلطان الخالق ، وابتعاد الانسان عن الظن بأن في وسعه أن يصنع لفنسه شيئا لا يريده له الله . وهذا هو التوكل بمعناه الروحي ، الذي عبر عنه ابن عربى بقوله :
“ انه اعتقاد القلب على الله ، مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم . ( الفتوحات المكية ، ج 2 ، 264 ) .
 
( 3743 ) “ أيها المتنازعون المتصارعون كالطيور التي تصطرح على القوت . ليتكم استمعتم إلى نداء الله بأرواحكم ، كما يستع الباز إلى دعاء المليك حين يقرع له الطبل ، اذن لا ستجبتم جميعا لهذا النداء ، وزوال كل ما بينكم من أسباب الفرقة والصراع “ .
 
“ 598 “
 
 
( 3746 ) غفلة الروح عن المحبة الإلهية تجعلها عمياء بعيدة عن النضح ، حالها كحال الطير التي غفلت عن معرفة سليمان .
 
( 3747 ) الغفلة عن المحبة الإلهية تجعل أصحابها على خلاف مع العارفين . يعيش هؤلاء بأرواحهم‌فيعالم الروح ، على حين أن الغافلين من أسارى الحس يتعلقون بعالم مآله إلى الخراب . وهؤلاء الحسيون في عداوتهم للعارفين شبيهون بالبوم التي تتعلق بالخراب ، وتظهر العداء للبيزان المحلقة في آفاق السماء .
 
( 3748 ) في هذا البيت ايضاح للرمز في الأبيات السابقة عليه .
 
( 3749 ) جماعة العارفين الذين استناروا بالمحبة الإلهية ، كيف يقترفون إساءة إلى مخلوق ؟
 
( 3751 ) قصة سليمان وبليقس والهدهد مذكورة في القرآن الكريم . ( سورة النمل ، 27 : 20 - 23 ) . 
والهدهد هو الذي جاء إلى سليمان بنبأ بلقيس .
وقد أصبح الهدهد رمزا للعارف في الشعر الصوفي ويتجلى ذلك في الدور الذي أسنده اليه الشاعر فريد الدين العطار في منظومته الصوفية “ منطق الطير “ ، حيث جعله قائد الطير في بحثها عن العنقاء .
 
( 3752 ) ان أدنى أهل العرفان منزلة - وهو من يكون بينهم كالغراب بين الطير - يكون بريئا من الزيغ والضلال .
 
( 3755 ) من هؤلاء العارفين من هو سعيد كالبلبل في الحديقة ، لكن سعادته تكون مستمدةمن حديقة باطنه التي تفتحت فيها الورد فحديثه المبتهج افصاح عن الباطن ، وليس انفعالا بالظاهر .
 
( 3756 ) “ البيغاء “ في الشعر الصوفي كثيرا ما تستخدم رمزا لمعنى رفيع ، هو الروح الذي أفنى ذاته في الخالق ، فأصبح صدى للإرادة الإلهية ، يفصح عنها افصاحا أمينا ، كما تفعل الببغاء بما تسمعه من الأصواب . والعارف الذي وصل إلى تلك المكانة ينطلق في التعبير عن

 
“ 599 “
 
احساسه الباطني ، بدون حاجة إلى ما يغريه بذلك ، كما يكون من اغراء الببغاء بالسكر . فمثل ذلك الروح يكون مفعما باللذة والبهجة الخالدة .
 
( 3757 ) سيقان الطواويس تعد مثالا للقبح . ومع ذلك فسيقان هذه الطواويس التي تنتمى إلى العرفان ، أبهى من أجنحة طواويس الدنيا .
ومعنى ذلك أن أدنى ما عند العارفين يفوق في بهائه أسمى ما عند أهل الحس .
 
( 3758 ) منطق الطيور الدنيوية ليس الا صدى ومحاكاة ، أما منطق طيور سليمان فمن نوع فريد ، لأنه من الهام الله . و “ الطيور الملكية “ فرمز للعارفين .
 
( 3759 ) أنى لك أن تعرف نداء الروح ، إذا كنت لم تنعم بلحظة واحدة من الأنس بالخالق .


( 3760 ) ان العارف تتجاوز دعوته حدود المكان ، ولا تبقى أسيرة لمشرق ولا لمغرب . وأسمى لون من العرفان رسالات الأنبياء .
 
( 3761 ) مثل هذا العارف لا تحجبه آدميته عن الوصول إلى الخالق . فهو بين الخلق ، وروحه مع الخالق ، في الوقت ذاته .
 
( 3762 ) “ سبيل سليمان “ رمز سبيل الله . وما دام سبيل الله هو الطريق إلى النور واليقين ، فمن تخلى عن هذا الطريق فهو عاشق للكفر والجهل والضلال ، وهو في عشق الظلمة شبيه بالخفاش .
 
( 3764 ) “ لو خطوت نحن الله خطوة واحدة لغدا سلولك هو السلوك المثالي الذي يقاس عليه “ .
 
( 3766 - 3787 ) في هذه الأبيات تمثيل رمزى للأصل الروحي للانسان ، والكيان المادي الذي يحجب عنه ادراك حقيقة هذا الأصل .
وقد رمز الشاعر للعالم الروحي بالبحر ، ولعالم الدنيا بالبر . والانسان طائر بحرى ، تربى في البر فنسى أصله . والشاعر يدعو الانسان إلى


 
“ 600 “
 
التسامى إلى أصله ، بعد التعرف على حقيقة ذاته .
( 3767 ) “ انك من أصل روحي ، لكن واقعك المادي يربطك بالمادة ويجعلك متعلقا بها “ .


( 3768 - 3769 ) النزعة الروحية في الانسان مصدرها أصله الروحي . أما النزعة المادية فمصدرها ذلك العالم الحسيّ الذي غذاه وربى جسده .
 
( 3771 ) يريد “ بالأم “ هنا المربية ، وهي الأم الحسية ، التي تصرف الانسان عن التطلع إلى أصله الروحي .


( 3772 ) الانسان في حقيقته قادر على الوصول إلى عالم الروح ، برغم ارتباطه الجسدي بعالم الحس .
 
( 3773 - 3774 ) فسر الشاعر قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ ( الاسراء ، 17 : 70 ) ، على أنه رمز إلى أن الله كرّم الانسان بأن جعله منتميا إلى عالمي الروح والحس في وقت واحد .
 
( 3775 ) الجمع بين الروح والحس هو السرّ في تفضيل الانسان على كل من الملائكة ، وهي كائنات روحية ، والحيوانات ، وهي كائنات حسية .
 
( 3777 - 3778 ) الأنبياء والرسل هم المثل العليا للكمال الانساني .
وهؤلاء يعيشون في الأرض بهيكل ترابىّ ، وتدور أرواحهم في فلك روحي .
 
( 3779 ) قال جلال الدين في ديوان شمس تبريز :خلق جو مرغابيان زاده ز درياى جان * كي كند اينجا مقام مرغ كزين بحر خاست( الخلق طيور مائية ، ولدت من بحر الروح ، فيكف يقيم هنا طائر انطلق من ذلك البحر ) .
 
( 3782 ) ان الله حاضر أمام الجيمع ، لكن غيرته تحجب بصيرة من يتعلقون بسواه . فالله لا يتجلى الا لمن وهب القلب كله للخالق .


( 3783 - 3786 ) الجهل والغفلة والفضول ، كلها صفات تصرف


 
“ 601 “
 
الانسان عن الله ، وتجعله يغفل عن نبع الوجود كله ، ويتعلق ببعض الأسباب ، غافلا عن مسبب الأسباب .
( 3784 ) العقل الذي لا يستطيع أن يتخطى الظاهر المحسوس يبقى متعلقا بهذا الظاهر ، غافلا عما استتر وراءه من المعنى .
 
( 3785 ) المتعلق بالحس لا يستطيع تصور لذة خارج العالم الحسى .
ولهذا فان نفسه تبقى متعلقة بما يحيط به ، عاجزة عن التحرر منه .
 
( 3788 ) بدأ الشاعر هنا رواية قصة زاهد رآه الحجاج في الصحراء ، يصلى غير عابىء بالقيظ ، فلما عجبوا من أمره وجدوا الماء يقطر من يديه .
ولما سألوه عن سرّ ذلك دعا ربه فأمطرت السماء مطرا غزيرا ، وشرب الحجاج وملؤوا قربهم . ومثل هذا النوع من الكرامات يرد في تراجم أقطاب الصوفية . ومن أمثلة ذلك ما يُروى عن إبراهيم بن أدهم في وصف انصرافه عن الدنيا . قال : “ توجهت إلى مكة ، فبينا أنا في البادية ، إذا برجل يسير ، وليس معه اناء ولا زاد ، فلما أمسى وصلى المغرب ، حرك شفتيه بكلام لم أفهمه ، فإذا أنا باناء فيه طعام ، واناء فيه شراب ، فأكلت وشربت ، وكنت معه على هذا أياما ، وعلمني ( اسم الله الأعظم ) ثم غاب عنى وبقيت وحدى “ 1 “ . . . “


 أما قول الشاعر : “ وكان مستغرقا في العبادة كأهل عبادان “ فيشير إلى ما يروى عن عبادان ( الجزيرة الواقعة في دلتا شط العرب ) من أنها كانت موضعا “ فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع ، وكانوا قديما في وجه الثغر ، ويسمى الموضع بذلك “ . ( ياقوت : معجم البلدان ، مادة عبادان ، ج 4 ، ص 74 ) .
 
تمت شروح الكتاب الثاني من المثنوي
.................................................................
( 1 ) السلمى : طبقات الصوفية ، ص 30 .

*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
الشروح والدراسات المجمعة المثنوي المعنوي الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبدالله المسافربالله

عبدالله المسافربالله


ذكر
عدد الرسائل : 3605
تاريخ التسجيل : 21/11/2017

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي    شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي  Emptyالأربعاء سبتمبر 09, 2020 9:52 pm

تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 WORD
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 TXT
تحميل المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي د. محمد الكفافي  ج 2 pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 01 - 4003 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» مقدمة مولانا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» حكاية عشق ملك لاحدى الجواري المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» حكاية البقال والببغاء المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
» مقدمة مولانا الكتاب المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المودة العالمى ::  حضرة الملفات الخاصة ::  حضرة مولانا جلال الدين الرومي-
انتقل الى: