أول من قاس النص بالقياس إبليس المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
أول من قاس النص بالقياس إبليس على منتدى عبدالله المسافر باللهأول من قاس النص بالقياس إبليس الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
أول من قاس النص بالقياس إبليس
3410 - إن أول من قاس أنوار الله بهذه القياسات الواهية ، كان إبليس .- وقال : إن النار لا جدال أفضل من الطين ، وأنا من النار ، وهو من التراب الأدنى .- ولنقس الفرع إذن على أصله ، إنه من الظلمة وأنا من النور المنير .- وقال الحق ، لا بل هذا زمن " لا أنساب " والزهد والتقوى صارا مقياسا للفضل .- إن هذا ليس ميراث الدنيا الفانية ، حتى تجده بالأنساب ، إنه روحاني . 3415 - بل إنه ميراث الأنبياء ، وإنما ترثه أرواح الأتقياء .- لقد صار ابن أبي جهل مؤمنا عيانا ، وصار ابن نوح النبي من الضالين .- وابن التراب صار منورا كالقمر ، وأنت ابن النار ، فامض مسود الوجه .- وهذه القياسات والتحري في اليوم الملبد بالسحاب وفي الليل ، قام بها الحَبر من أجل القبلة ................................................................( 1 ) ج / 2 - 566 : إن السيد يظن أنه يقوم بالطاعة ، غافلا عن أنه يقتلع روحه بالمعصية . - فامض واترك قياسك هذا ، فمن قياسك تشيب لحيتك .
« 309 » - ولكن في وجود الشمس والكعبة أمامك ، لا تتوخ هذا القياس وهذا التحري . 3420 - ولا تتجاهل الكعبة ، ولا تشح عنها بالوجه من القياس ، والله أعلم بالصواب .- وعندما تسمع صفيرا من طائر الحق ، وتتعلم ظاهره وكأنه الدرس .- ثم تقوم آنذاك بقياسات من نفسك ، وتجعل من الخيال المحض حقيقة واقعة .- وهناك مصطلحات للأبدال ، لا خبر عنها في المعتاد من الأقوال .- ولقد تعلمت منطق الطير محض صوت ، ورفعت مائة قياس ومائة هوس . 3425 - ومثل ذلك المريض جرخت منك القلوب ، ولقد صار الأصم ثملا بمجرد ظن الإصابة .- وكاتب الوحي ذاك من مجرد صوت الطير ، ظن أنه كان شريكا للطير .- فضربه الطير بجناحيه ضربة غادرته أعمى ، وحملته في التو إلى قاع الموت والألم .- فحذار " أيها الملكان " بفكر عكسي أو بظن منكما ، لا تسقطا عن مقامات السما .- بالرغم من أنكما هاروت وماروت ، ومقدمان عن الجميع في سقف "نحن الصافون” 3430 - فأشفقا على إساءات المسيئين ، والعنا الأنية والعُجب .- حذار وإلا انطلقت الغيرة من مكمنها ، فتقعان منكسين في قاع الأرض .- وقال كلاهما : يا إلهي ، الأمر لك ، وبلا أمانك ، أين يكون الأمان في الأصل ؟- أخذا يقولان هذا وقلبا هما يخفقان ، قائلين : أنى يتأتى منا السوء ونحن نعم العبيد ؟- وإن وخز الشوك لم يترك حتى الملكين ، حتى غرس فيهما بذور العُجب . « 310 » 3435 - فأخذا يقولان : يا من أنتم في إسار الأركان ، إنكم بلا علم عن طهر الملائكة .- إننا نقيم الخيام على هذا الفلك ، فلنهبط إلى الأرض ، ولنضرب مخيمنا . « 1 »- ولننشر العدل ، ولنجلب العبادة ، ثم لنحلق كل ليلة نحو الفلك .- حتى نصبح أعجوبة الزمان ، وحتى نضع في الأرض الأمن والأمان .- وهذا القياس لأحوال الفلك مع أحوال الأرض لا يصح ، فقد كان بينهما ثم فرق خفي . في بيان أنه ينبغي أن تخفي حالك وسكرك عن الجاهلين
3440 - إستمع إلى ألفاظ الحكيم " الذي طوته " الحجب : ضع رأسك حيثما شربت الخمر .- وعندما يخرج ثمل مترنحا من الحان ، يصير سخرية للأطفال وألعوبة لهم .- ويسقط في طين كل طريق من ناحية إلى أخرى ، ويضحك عليه كل أبله .- وهو على هذه الحال والأطفال في عقبه ، لا علم لهم عن سكره ولذة خمره .- والخلق أطفال ، إلا الثمل بالله ، ولا بالغ واحد ، إلا من خلص من الهوى . 3445 - ولقد قال " وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب " ، وأنتم أطفال ، وصدق الله .- وما لم تقلع عن اللعب فأنت طفل ، وبلا حرقة للروح ، متى تكون ذكيا ؟- واعلم أيها الفتى أن الشهوة التي يمارسونها هنا ما هي إلا جماع أطفال .- وماذا يكون جماع الطفل ؟ إنه لعب ، إذا قيس بجماع أمثال رستم والغزاة ................................................................( 1 ) ج / 2 - 577 : - وقال كلاهما : لا خوف علينا ، فإن طبيعتنا ليست من الماء والطين . « 311 » - وحروب الخلق مثل حروب الأطفال ، كلها حقيرة ، لا معنى لها ولا مغزى . 3450 - إن كل حروبهم تتم بسيوف خشبية ، وكلهم يقصدون ما لا ينفع .- ولقد ركبوا جميعا أعواد من البوص ، وهم يقولون : هذا براقنا ذو الخطي كخطي الدُلدُل .- وهم حملة قد تسامقوا جهلا ، ظنا منهم أنهم راكبون ومحمولون .- فانتظر يوما يعبر فيه الذين حملهم الحق إلى الطباق التسع يسوقون خيولهم .- " تعرج الروح إليه والملك ، من عروج الروح يهتز الفلك " « 1 » 3455 - وكلكم كالأطفال ، تركبون ذيول ثيابكم ، وقد وضعتم أطرافها في أفواهكم ، وكأنها الجياد .- ولقد بلغنا عن الحق " إن الظن لا يغني " ، فمتى أسرع مركب الظن على الأفلاك ؟- " أغلب الظنين في ترجيح ذا ، لا تماري الشمس في توضيحها " « 2 »- وترون آنذاك مطاياكم ، وأنكم جعلتم من أقدامكم مطايا .- واعلم أن أوهامكم وحسكم وإدراككم ، كأعواد البوص ، مطية للطفل ، فانية . 3460 - وعلوم أهل الدين حاملة لهم ، وعلوم أهل الجسد أحمال على " كواهلهم " - والعلم عندما يطرق القلب يكون معينا ، والعلم عندما يحط على الجسد يكون وقرا .- وقد قال الله " يحمل أسفارا " ، فإنه يكون حملا ، ذلك العلم الذي لا يكون من لدنه - والعلم الذي لا يكون من لدنه بلا واسطة ، لا يثبت ، مثل الأصباغ التي تضعها الماشطة ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن .( 2 ) بالعربية في المتن وبعده بيت ج ( 2 / 586 ) : - عندما تستوي شمس الحق يوم القيامة على الراشد والغوي
« 312 » - لكنك عندما تحمل هذا الحمل جيدا ، يضعون عنك الحمل ويهبونك السعادة . 3465 - فحذار، لا تتحمل حمل العلم من أجل الهوى ، حتى ترى في الباطن خزانة العلم . « 1 »- وحتى تصبح ممتطيا مطية العلم المسرعة ، ويقع من بعدها الحمل من فوق كاهلك .- ومتى تنجو من الأهواء دون كأس " هو " ؟ يا من صرت قانعا من " هو " باسم " هو " .- وما ذا يتولد من الصفة والاسم ؟ الخيال ، وذلك الخيال يكون لوصاله الدلال .- فهل رأيت دلالا بلا مدلول قط ؟ وما لم يوجد الطريق ، لا يوجد الغول قط . 3470 - وهل رأيت اسما بلا حقيقة قط ؟ أو هل قطفت قط من اسم الوردة وردا ؟- ولقد قرأت الاسم ، فامض وابحث عن المسمى ، واعلم أن القمر في السماء ، لا في ماء النهر .- وإذا أردت أن تعبر مرحلة الأسماء والحروف ، فطهر نفسك من نفسك ، هيا ، دفعة واحدة .- وكالحديد المجلو ، صر خاليا من لون الحديد ، وفي الرياضة اجعل مرآتك خالية من الصدأ .- واجعل نفسك صافيا من أوصافك ، حتى ترى ذاتك الصافية الطاهرة . 3475 - وترى في القلب علوم الأنبياء ، بلا كتاب وبلا أستاذ أو معيد ................................................................( 1 ) ج / 2 - 578 : هيا لا تحمل حمل هذا العلم هوى ، حتى تركب مطية العلم المسرعة .« 313 » - وقد قال الرسول ، من من أمتي يكون في جوهري وفي همتي ؟- إلا من تراني أرواحهم بذلك النور الذي أراهم أنا به .- وهذا بدون الصحيحين والأحاديث والرواة ، بل في مشرب ماء الحياة .- فاعلم سر " أمسيت كرديا " ، واقرأ سر " أصبحت عربيا " « 1 » 3480 - وإذا أردت مثالا عن العلم الخفي ، فار وقصة عن أهل الروم وأهل الصين . قصة تنافس أهل الروم وأهل الصين في علم التصوير
- قال الصينيون : نحن أكثر مهارة في النقش ، وقال أهل الروم : بل نحن أصحاب الكر والفر فيه .- وقال السلطان : وأنا أريد امتحانا في هذا الموضوع ، لنرى من المبرز منكم في دعواه . « 2 »- وعندما حضر نقاشو الصين والروم ، كان الروم أكثر وقوفا على هذا العلم .- وقال نقاشو الصين : ليخصص لنا منزل ولكم منزل . 3485 - وكان المنزلان متواجهين ، أخذ أحدهما نقاشو الروم ، وأخذ الآخر نقاشو الصين .- وطلب نقاشو الصين مائة لون من الملك ، ففتح خزائنه ذلك الملك العظيم .- وكان لنقاشي الصين كل يوم من خزانة الألوان جعل معين .- وقال نقاشو الروم : لا نقش ولا لون جدير بهذا العمل ، اللهم إلا صقل الصدأ .- وأغلقوا الباب وظلوا يصقلون ، وصار " ما صقلوه " كالسماء بسيطا صافيا ................................................................( 1 ) ج / 2 - 578 : - وسر أمسينا وأصبحنا " يوصلك إلى جانب طريق الله .( 2 ) ج / 2 - 615 : - قال الصينيون : سمعا وطاعة ، وقال الروميون : نحن في الحكمة جسد واحد . « 314 » 3490 - فهناك طريق من تعدد الألوان إلى اللالون ، فاللون كالسحاب ، واللالون كالقمر .- فكل ما تراه في الضوء وفي الأشعة ، إعلم أنه من النجوم ومن الشمس والقمر .- وعندما فرغ نقاشو الصين من العمل ، أخذوا يدقون الطبول فرحا .- ودخل الملك فرأى صورا في ذلك المكان ، كانت تسلب العقول والألباب .- ثم انتقل صوب نقاشي الروم ، فكشفوا ستارة كانت موضوعة أمامه 3495 - فانعكست تلك الصور وتلك الأعمال على تلك الجدران الصافية .- وكل ما رآه هناك ، انعكس هنا أفضل ، فكانت تخطف العيون من محاجرها .- ونقاشو الروم هم الصوفية أيها الوالد ، بلا حفظ ولا كتاب ولا فضل .- كلهم صقلوا تلك الصدور ، فهي طاهرة من الطمع والحرص والبخل وأنواع الحقد .- فصفاء المرآة ذاك ، وصف للقلب ، الذي يكون قابلا لصور لا نهاية لها . 3500 - وصورة الغيب التي لاحد لها ولا صورة لها ، انعكست في مرآة قلب موسى من الجيب .- ومع أن هذه الصورة لا تُستوعب في الفلك ، ولا في الفرش والعرش والبحر والسماء ؛- ذلك أن هذه المواضع محددة ومعدودة ، فاعلم أن مرآة القلب لا حد لها .- والعقل هنا إما ساكت وإما مضل لذلك الذي يكون القلب معه ، أو يكون هو نفسه القلب .
« 315 » - وانعكاس كل صورة لا ينعكس إلى الأبد ، إلا من القلب ، سواء كان مع الأعداد أو منتفيا عنها . 3505 - فكل صورة جديدة تنعكس فيه إلى الأبد ، تبدو فيه بلا حجاب .- لقد نجا أهل الصقل من الرائحة ومن اللون ، وهم في كل لحظة يشاهدون الحُسن دون إبطاء .- ولقد تركوا صورة العلم وقشوره ، ورفعوا راية عين اليقين .- ومضى عنهم الفكر وشاهدوا النور ، ووجدوا بر الألفة وبحرها .- والموت ، ذلك الذي يهلع منه جميع الناس ، يهز أمنه هؤلاء القوم . 3510 - ولا يظفر أحد على قلوبهم أبدا ، فإن الضرر يقع على الصدف لا على الدر .- فبالرغم من أنهم تركوا النحو والفقه ، إلا أنهم ظفروا ب " محو " الفقر .- ومنذ إن إنبعثت نقوش الجنان الثمانية ، وجدت ألواح قلوبهم قابلة .- إنهم أعلى من العرش ومن الكرسي ومن الخلاء ، فهم مقيمون عند الله في " مقعد صدق " « 1 »[ حكاية الرسول صلى اللّه عليه وسلّم مع زيد ] سؤال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لزيد : كيف أصبحت ؟
وجوابه : أصبحت مؤمنا يا رسول الله
- قال الرسول ذات صباح لزيد : كيف أصبحت أيها الرفيق ذا الصفا ؟ 3515 - قال : " عبدا مؤمنا " ، فقال : وما علامة حديقة الإيمان إن كانت قد تفتحت .- قال : لقد أظمأت نهاري ، وأسهرت ليلي ، بالعشق والحُرقات...............................................................( 1 ) ج / 2 - 616 : - فهم محو مطلق وإن كانت لهم مائة أمارة ، أية أمارة ؟ بل عين مشاهدة الحق . « 316 » - بحيث نفذت من النهار ومن الليل ، مثلما تنفذ أطراف السنان من الدرع .- فمن تلك الناحية ، الأمة كلها بمثابة واحد ، وتستوي مئات الآلاف من السنين ولحظة واحدة ! !- وهناك فيها اتحاد بين الأزل والأبد ، وليس للعقل طريق إلى تلك الناحية ، فهو يفتقده . 3520 - قال : أية هدية أتيت لنا بها من هذا الطريق جديرة بفهم أهل هذه الديار وعقولهم ؟- قال : مثلما ينظر الخلق إلى السماء ، أنظر أنا إلى العرش وإلى ملائكة العرش ،- والجنان الثمانية ، والنيران السبعة أمامي ، ظاهرة كما يظهر الصنم أمام الوثني .- وأميز بين خلقها واحدا واحدا ، مثل التمييز بين القمح والشعير في الطاحون .- فمن هو صائر إلى الجنة ومن هو الغريب المبعد ، ظاهران أمامي كالحية والسمكة . 3525 - وفي هذا الزمان يصير ظاهرا لهذه الجماعة ، " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " .- ومن قبل هذا مهما كانت مليئة بالعيب ، فقد كانت في الرحم وغائبة عن الخلق .- " الشقي من شقى في بطن الأم ، من سمات الجسم يعرف حالهم " . « 1 »- والجسد كالأم حامل بطفل الروح ، والموت هو ألم المخاض وهو الزلزلة ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن .« 317 » - وكل الأرواح تبقى منتظرة ، " لترى " على أي شكل تولد تلك الروح البطرة . 3530 - فيقول الزنج : إنها منا ، بينما يقول الروم : لا ، إنها شديدة الجمال .- وعندما تولد في عالم الروح والجود ، لا يبقى الاختلاف بين البيض والسود .- فإن كانت زنجية حملها الزنج ، وإن كانت رومية حملها الروم .- وما لم تولد ، هناك مشكلات لا حصر لها ، فقليلون هم الذين يعلمون من لم يولد بعد .- اللهم إلا إذا كان ينظر بنور الله ، فإن له طريقا إلى ما تحت الجلد . 3535 - وأصل ماء النطفة أبيض وجميل ، لكن من انعكاس الروح يكون الأبيض والأسود .- إنها تضفي على أحدهم لون أحسن التقويم ، بينما ترد أحدهم إلى أسفل سافلين .- إن هذا الكلام لا نهاية له ، فسق ثانية ، حتى لا نتخلف عن صف القافلة .- و " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " ، يشتهر الهندي ويشتهر التركي من بين تلك الجماعة .- ففي الرحم ، لا يظهر الهندي أو التركي ، وعندما يولد تراه سمينا أو نحيلا . . 3540 - وأنا أراهم بأجمعهم ، كما يكونون يوم الحشر ، عيانا ، من رجال ونساء .- هيا ، أأتحدث أو أصمت ؟ فعض المصطفى شفتيه بما معناه : أصمت .- هل أقول سر الحشر يا رسول الله ؟ وهل أجعل النشور ظاهرا في الدنيا اليوم ؟- دعني حتى أمزق الحجب ، وحتى يتألق جوهري كشمس ! !- وحتى تصاب الشمس بالكسوف مني ، وحتى أبدي النخل من الصفصاف . 3545 - وحتى أبدي سر الحشر ، والسكة الصحيحة من السكة المخلوطة بالزيف .
« 318 » - وأصحاب الشمال ممن قطعت أيديهم ، وأبدي لون الكفر ولون " الختم الملكي " الأحمر .- ولأكشفن عن فتحات النفاق السبعة ، في ضياء القمر الذي لا يخسف ولا يعتريه المحاق .- وأبدي سرابيل الأشقياء ، وأسمع طبول الأنبياء وكوسهم .- وآتي للكاذبين أمام عيونهم ، بالجحيم والجنة والبرزخ بينهما . 3550 - وأظهر حوض الكوثر يهدر بالمياه ، بحيث يضرب الماء وجوههم ويصل " خريره " إلى آذانهم .- وأولئك الظامئون المسرعون حوله ، صاروا أمامي هذه اللحظة عيانا .- وتحف أكتافهم بكتفي ، وتصل صيحاتهم إلى أذني .- وأهل الجنة أمام عيني ، يتعانقون اختيارا .- ويتزاورون والأيدي في الأيدي ، ويتبادلون القبلات المنهمرة . 3555 - ولقد صمت أذناي من أصوات الصيحات الصادرة عن الأخساء وصياحهم واحسرتاه .- ولولا خوفي من عقاب الرسول ، لأظهرت هذه الصيحات من أعماقها .- وظل هكذا يتحدث ثمل الرأس مهدما ، فأمسك الرسول بخناق ثوبه .- وقال : انتبه ، أصمت ، فقد تحمس جوادك ، وانعكس عليه قول " إن الحق لا يستحي " وذهب الحياء .- ولقد قفزت مرآتك من غلافها ، ومتى تكذب المرآة ؟ ومتى يكذب الميزان ؟ 3560 - ومتى تحبس المرآة والميزان أنفاسهما خشية من تأذي أحد أو خجله ؟ « 319 » - فالمرآة والميزان كلاهما معيار عدل ، ولو قمت بخدمتهما مائتي سنة ؛- ثم قلت لأيهما : أخف الحقيقة ، وأبد الزيادة ، ولا تبد النقصان .- لقال لك : لا تضحك على لحيتك وشاربك ، أنكون مرآة وميزانا وثم ريآء ومداراة ؟- فما دام الله قد نشرنا من أجل أن تعرف الحقيقة عن طريقنا ؛ 3565 - فلا يصح هذا ، فما ذا نساوي بعدها أيها الشاب ؟ ومتى نصبح إذن رهن أيدي الحسان ؟- لكن فلتغط المرآة باللباد ، إذا كان جبل سيناء قد تجلى من الصدر .- قال " زيد " : هل تُخفى شمس الحق وذُكاء الأزل تحت الإبط قط ؟- إنها لتمزقن سواءً المحتال وإبطه ، ولا يبقى أمامها لا جنون ولا عقل .- قال " الرسول " إنك إن وضعت إصبعا واحدا أمام عينيك ، ترى العالم خاليا من الشمس . 3570 - فإن طرف إصبع صار حجابا على القمر ، وهذه دلالة على ستر الله .- حتى تخفي العالم نقطة واحدة ، وتنكسف الشمس من سقطة واحدة .- فضم شفتيك ، وانظر إلى عمق البحر ، فقد جعل الحق البحر تحت سيطرة البشر- مثل عين السلسبيل وعين الزنجبيل ، تكون في حكم ساكن الجنان الجليل .- وأنهار الجنة الأربعة تحت حكمنا ، وليس هذا بحول منا ، بل بأمر الله . 3575 - وحيثما نريد نجريها ، وكأنها السحر تحت سيطرة السحرة .- مثل هذين النبعين الجارين للعين ، كلاهما تحت سيطرة القلب ، وتحت أمر الروح .- فإن أرادت ، جرت نحو السم والثعبان ، وإن شاءت ، مضت نحو الاعتبار « 320 » - وإن أرادت جرت نحو المحسوسات ، وإن شاءت جرت نحو الملبوسات .- وإن أرادت ، أسرعت نحو الكليات ، وإن شاءت ظلت حبيسة الجزئيات . 3580 - وهكذا الحواس الخمسة ، صارت كالأنابيب ، جائزة بحسب مراد القلب وأمره .- وحيثما أشار القلب لها ، تمضي الحواس الخمسة جارة أذيالها .- واليد والقدم ، تحت أمر القلب على الملأ ، مثلما كانت تلك العصا في كف موسى- فإن أراد القلب ، بدأت القدم في الرقص ، أو أسرعت من الخسران إلى الربح .- وإن أراد القلب تبدأ اليد في الحساب بالأصابع حتى تسجل الدفاتر . 3585 - واليد قد بقيت " تحت سيطرة " يد خفية ، وهي في الداخل ، وأبدت لنا " يد " الجسد .- فإن أرادت تصبح ثعبانا على العدو ، وإن أرادت تصبح عونا للولي .- وإن أرادت تصبح مغرفة لما هو مأكول ، وإن أرادت تصبح كالمقمع الذي يزن عشرة أمنان .- فما ذا يقول القلب لها ويا للعجب ! ! ، ويا له من اتصال طريف ، سببه اتصال خفي .- فهل وجد القلب خاتم سليمان ؟ بحيث أمسك في يده بزمام الحواس الخمسة ؟ 3590 - فالحواس الخمسة الظاهرة مسخرة له ، والحواس الخمسة الباطنة تحت سيطرته .- عشرة حواس ، وسبعة أعضاء ، وغيرها مما لا يتأتى في مقال ، وداوم العد ! !- وأنت أيها القلب مثل سليمان ، وفي عظمتك ، سلط خاتمك على الجن والشياطين « 321 » - وإذا أصبحت في ملكك بريئا من الرياء ، لما استطاع شياطين ثلاثة " سديو " أن يسلبوا الخاتم من إصبعك .- ثم يستولي اسمك على العالم ، وتصبح الدار ان طوع أمرك ، كجسمك . 3595 - وإذا سلب الشيطان الخاتم من يدك ، فقد فقدت الملك ومات إقبالك .- ومن بعدها تصبح "يا حسرتا على العباد"، محتومة عليك ، حتى يوم التناد .« 1 »- وإذا أنت قمت بإنكار سكرك ، فمتى تنجو بروحك من الميزان والمرآة ؟! « 2 » اتهام الغلمان والرفاق في العبودية للقمان بأكله تلك الثمار النضرة التي جلبوها
- كان لقمان الأصغر جرما من بين العبيد عند سيده .- وكان يرسل الغلمان إلى البستان ، لتجلب له الفاكهة ، من أجل أن يتمتع بها . 3600 - وكان لقمان من بين العبيد كالطفل الصغير ، مليئا بالمعاني ، داكن البشرة ، كأنه الليل .- وأكل أولئك الغلمان الفاكهة المقطوعة هنيئا ، من سيطرة طمعهم عليهم .- وقالوا للسيد : لقد أكلها لقمان ، فغضب السيد على لقمان ، وعبس في وجهه .- وعندما تحرى لقمان عن السبب ، قال معاتبا سيده :- يا سيدي : إن العبد الخائن لا يكون مرضيا عنه من الله . 3605 - فاختبرنا جميعا أيها الكريم ، واملأ بطوننا جميعا بالماء المغلي .- ثم خذنا جميعا إلى موضع فسيح ، واجعلنا نجري ، وأنت راكب ................................................................( 1 ) ج / 2 - 649 : - وإن كنت منكرا لشيطانك ، عندما تمضي إلى هناك تراه ظاهرا .( 2 ) ج / 2 - 649 : وهذا الكلام لا نهاية له ، ولأعكف بعده على قصة لقمان .
« 322 » - ثم أنظر آنذاك سىء الفعل ، وانظر إلى صنع كاشف الأسرار .- فأصبح السيد ساقيا الماء المغلي للغلمان ، وشربوا خوفا .- ثم أخذ يسوقهم في الأودية ، وأخذت هذه الجماعة تعدو بين المنخفضات والمرتفعات . 3610 - فغلبهم جميعا القيء من العناء ، وكان الماء المغلي يجلب معه الفاكهة " المأكولة " .- وعندما تقيأ لقمان جوفه ، كان الماء يتدفق منه صافيا .- وإذا كانت حكمة لقمان تعلم إبداء هذا " الأمر " ، فما بالك إذن بحكمة رب الوجود ؟- يوم تبلى السرائر كلها ، بان حكم كامن لا يُشتهى ،- إذ سقوا ماءً حميما قطعت ، جملة الأستار مما أفظعت " « 1 » 3615 - ومن هنا كانت النار عذابا للكافرين ، فإن النار تكون امتحانا للحجر .- وكم قمنا بترقيق هذا القلب الذي يشبه الحجر ، لكنه لم يقبل النصح .- وللجرح السيء ، يجد العرق دواءً قاسيا ، وإنما يليق برأس الحمار أسنان الكلب .- والخبيثات للخبيثين حكمة ، والقبيح للقبيح قرين وقمين .- ومن ثم ، إمض إلى أي قرين تريد ، وصر ممحوا فيه ، فأنت من نفس شكله وصفاته ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن . « 323 » 3620 - وإن كنت تريد النور ، كن مستعدا للنور ، وإن كنت تريد البعد ، أنظر إلى نفسك ، وأبتعد .- وإن كنت تريد طريقا من هذا السجن الخرب ، لا تشح بالرأس عن الحبيب ، واسجد واقترب . « 1 » بقية قصة زيد وأجوبته على الرسول صلى الله عليه وسلم
- هذا الكلام لا نهاية له ، فانهض يا زيد ، وضع القيد على براق " القوة " الناطقة .- ما دامت الناطقة فاضحة للعيب ، ولا تفتأ تمزق أستار الغيب .- والله تعالى قد طلب الستر والكتم في أوقات كثيرة ، فسق هذا القارع للطبل بعيدا ، وسد طريق " النطق " . 3625 - ولا تسق منبتا ، وشد الزمام ، فالستر أولى ، وأفضل أن يكون كل إنسان مسرورا بظنه .- والحق يريد دوما ألا يترك القانطون فيه هذه العبادة . « 2 »- ثم يشرفون بالرجاء فيه ، ويسرعون في ركابه عدة أيام .- إنه يريد أن تشع هذه الرحمة على الجميع ، على الصالح والطالح ، من الرحمة العامة .- والحق يريد لكل أمير وأسير ، أن يكونوا حذرين ، وبين الرجاء والخوف ................................................................( 1 ) ج / 2 - 672 : - فانظر إلى العصاة بأجمعهم في عذاب ، وطأطيء رأسك والله أعلم بالصواب( 2 ) ج / 2 - 677 : - يتشرفون بعبادته ، ويشغلون بطاعته . « 324 » 3630 - وهذا الرجاء والخوف كلاهما في حجاب ، حتى يتناميا من وراء الحجاب .- وما دامت الحجب قد مزقت ، فأين الخوف والرجاء ، فقد صار للغيب شأن وجلال على الملأ .- ولقد خطر ظن على حافة الجدول لفتى من الفتيان ، فقال : إن سليمان ما هو إلا مجرد صياد سمك بيننا .- فإن كان هو هو ، فمن أي شيء هو حزين ومختف ؟ وإلا فأين سيماء " المجد " السليماني فيه ؟- وكان مستغرقا في هذا التفكير مترددا ، حتى صار سليمان ملكا متربعا . 3635 - ومضى الشيطان ، وهرب من ملكه ومن عرشه ، وسفك سيف إقباله دم هذا الشيطان .- ووضع في إصبعه خاتما ، وحُشر له جند من الشياطين والجن .- واجتمع الناس لمشاهدته ، وكان من بينهم ذلك الشاك المتردد .- وعندما رأى الخاتم في إصبعه ، ذهب عنه الظن والشك دفعة واحدة .- لقد كان الوهم موجودا عندما كان مخفيا عنه ، وكان هذا التحري لأنه لم ير . 3640 - ويصير خيال الغائب ضخما في الصدر ، وعندما يصبح حاضرا يمضي الخيال .- وسماء النور إن لم تكن بلا أمطار ، فإن الأرض المظلمة ، لا تكون بلا سامق أو نام - وإنما ينبغي لي مصداق " يؤمنون بالغيب " ، ومن هنا فقد أغلقت كوة الدار الفانية . « 1 »...............................................................( 1 ) ج / 2 - 680 : - لكن إعلم أن مقدار واحد في المائة من الإيمان بالغيب أمر طيب ، ودعك من التردد والشك .« 325 » - وما دمت أشق السماء عند الظهور ، فكيف أقول " هل ترى فيها من فطور " ؟- وما داموا يتحرون في هذه الظلمة ، فإن كل جماعة تمضي إلى جهة ما . 3645 - وتجري الأمور فترة على عكس ما ينبغي ، ويأتي اللصوص بالشرطة إلى المشانق .- حتى أن كثيرا من السلاطين علاة الهمم ، صاروا عبيدا لعبيدهم فترة من الزمن .- فالعبودية في الغيب طيبة وسامقة ، وحفظ الغيب يكون طيبا في العبودية " لله " .- وأين ذلك الذي يمدح الملك في وجهه ، ممن يكون في غيبته خجل الوجه منه ؟- ومحافظ القلعة الوجود على حدود المملكة ، ويكون بعيدا عن السلطان وظل السلطنة 3650 - يحرس القلعة من الأعداء ، ولا يبيع القلعة بمال لا يحصى- إنه غائب عن المليك ، على الحدود والثغور ، لكنه كالحاضر يحفظ الوفاء .- ويكون عند الملك أفضل من الآخرين الحاضرين في مجلسه ، المضحين بأرواحهم .- إذن فإن مثقال ذرة من حفظ العمل في الغيبة ، أفضل من مائة ألف ضعف في الحضور .- فالطاعة والإيمان يصيران الآن محمودين ، وبعد الموت يصيران مردودين عيانا 3655 - وما دام الغيب والغائب يجملان بالحجاب ، فاضمم شفتيك إذن ، فالشفة المضمومة أجمل .- ويا أخي ، إرفع يديك عن الحديث ، والله نفسه يبدي علمه من لدنه .- ويكفي شاهدا على الشمس وجهها ، " أي شيء أعظم الشاهد ؟ إله " « 1 »...............................................................( 1 ) بالعربية في المتن .
« 326 » - لا ، ولأقل ، ما دام قد قرنها به في البيان ، إنه الله والملائكة وأهل العلم .- " يشهد الله والملك وأهل العلوم ، انه لا رب إلا من يدوم " « 1 » 3660 - وما دام الحق قد شهد ، فما ذا يكون الملك حتى يشترك في الشهادة ؟- ذلك أنه في تألق الشمس وحضورها ، لا تسطع الأبصار ولا القلوب الخربة .- وتقطع الأمل ، وكأنها خفاش لا يتحمل ضوء الشمس .- فاعلم إذن أن الملائكة مثلنا ، لهم نفس الحبيب ، الذي يجعل الشمس تتجلى في كبد السماء .- قائلة : لقد وجدنا نحن هذا الضياء من شمس ما ، ونحن كنواب لها ، سطعنا على الضعفاء . 3665 - وكل ملك له من القدر والكمال والنور ، ما يكون لهلال أو لقمر غير مكتمل أو لبدر .- ومن أجنحة النور ، لكل ملك ذلك الشعاع ، على مراتب ، " مثنى " وثلاث ورباع- وذلك مثل أجنحة عقول الإنس ، توجد بينها فروق عديدة .- ومن ثم يكون قرينا للإنسان في الخير والشر ، ذلك الملك الشبيه به .- ولأن عين الأعمش لا تتحمل الشمس ، صار النجم شمعا له حتى يجد الطريق . قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لزيد لا تفش هذا السر أكثر ،
واحفظ المتابعة
3670 - قال الرسول : أصحابي نجوم ، هم شموع للسالكين وللشيطان رجوم ................................................................( 1 ) بالعربية في المتن . « 327 » - وكل من كانت له تلك البصيرة وتلك القوة ، متى كان يأخذ من شمس الفلك النور- ومتى تكون به حاجة إلى النجم أيها الذليل ، ومتى كانت الشمس دليلا له إلى النور ؟- إن القمر ليقول للتراب والسحاب والفيء ، لقد كنت بشرا ، لكن يوحى إليّ .- ولقد كنت مثلكم مظلما بطبعي وجبلتي ، لكن وحى الشمس أعطاني مثل هذا النور . 3675 - وإن بي لبعض الظلمة بالنسبة إلى الشموس ، لكن لدي النور من أجل ظلمات النفوس .- وأنا ضعيف ، من أجل أن تتحمل نوري ، فلست رجل الشمس الأكثر نورا .- وإنني لأمتزج إمتزاج الشهد والخل ، حتى أجد العلاج لآلام الكبد .- وما دمت قد نجوت من العلة يا رهينا " لدي " ، دعك من الخل ، وكل الشهد الخالص .- ولقد عمر عرش القلب طاهرا من الهوى، فانظر إلى "الرحمن على العرش استوى" 3680 - وإن الحق ليتحكم في القلب من بُعد بلا واسطة ، ما دام القلب قد وجد هذه الرابطة .- وهذا الكلام لا نهاية له ، فأين زيد ؟ حتى أنصحه قائلا : لا تبحث عن الإفتضاح . «1»...............................................................( 1 ) ج / 2 - 690 : - وليس من الحكمة البوح بهذه الأسرار ، ما دامت القيامة سوف تقوم من أجل الإظهار . .
يتبع