قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق في حضور معشوقه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي ( 604 - 672 هـ )
قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق على مدونة عبدالله المسافر باللهقصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق في حضور معشوقه المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق ومطالعة رسائل العشق ،
في حضور معشوقه ، وعدم استحسان المعشوق لذلك ،
طلب الدليل عند حضور المدلول قبيح والاشتغال بالعلم
بعد الوصول إلى المعلوم مذموم
- كان أحدهم قد أجلسه حبيبه في محضره ، فأخرج رسالة وقرأها أمام حبيبه .
“ 135 “
- كانت تحتوي علي أبيات في المدح والثناء والشكوي والمسكنة وكثير الضراعات “ 1 “ .
- فقال المعشوق : إن كان هذا من أجلي وعند الوصول فهو تضييع للعمر .
1410 - أنا حاضر إلي جوارك وأنت قارىء للرسائل ، وليس في هذا أمارة العاشقين .
- فقال العاشق : إنك حاضر إلي جواري ، لكني لا أجد نصيبا منك جيداً
- وذلك الذي كنت أناله منك في السنة قبل الماضية ليس موجودا الآن وإن كنت أري الوصال .
- لقد شربت ماء زلالا من تلك العين ، وجددت قلبي وروحي من الماء الزلال .
- إنني أري العين ولكن لا ماء ، وكأن قاطع طريق قطع الماء علي .
1415 - قال : حسبك ، لست معشوقا لك ، أنا في البلغار ومرادك في “ قتو “ .
- إنك عاشق لحال ما “ يطرأ علي “ و “ الحال “ لا يدوم أيها الفتي .
- ومن ثم فلست مطلوبا لك بكليتي ، والجزء الذي تقصده مني كان لك في زمن ما .
- إنني منزل المعشوق ولست المعشوق “ نفسه “ ، والعشق يكون للنقد لا للصندوق .
- والمعشوق هو الذي يكون واحداً “ صمداً “ ، ويكون بالنسبة لك المبدأ والمنتهي .
1420 - وعندما تجده لا تظل منتظرا ، إنه يكون ظاهرا ويكون أيضا خفيا “ في الوقت نفسه “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 170 : والبكاء والصراخ والحزن والألم الذي لديه ، وذله وهو انه علي الأقارب والأباعد
- والألم والتعب في هجر الجيب ، وذكر من أرسلهم تفصيلا - وهكذا أخذ يقرأ لحبيبه ، ما يزيد عن الحد والحصر .
“ 136 “
- إنه أمير الأحوال لا يكون موقوفا علي حال ، بل يكون “ المرء “ عبدا لذلك القمر طوال الشهور والسنين .
- وعندما يتحدث يسيطر علي الحال كلية ، وعندما يشاء يجعل الأجساد أرواحاً .
- ولا يكون منتهي “ أمل “ ذلك الذي يكون موقوفا علي حال باحثا عنه
- تكون يده بالنسبة “ للحال “ كأنها الكيمياء ، ويحرك اليد فيصير النحاس ثملا به .
1425 - وإذا شاء الموت يكون الموت حلوا “ بالنسبة له “ ، ويكون الشوك والحسك بمثابة النرجس والنسرين .
- أما الذي يتوقف علي الحال فهو مجرد إنسان ، حينا في الزيادة وحينا في النقصان .
- والصوفي وإن كان “ ابن الوقت “ علي سبيل المثال ، فإن الصافي فارغ من الوقت والحال .
- فالأحوال متوقفة علي عزمه وعلي رأيه ، حية من “ نفسه “ الذي يشبه نفس المسيح .
- إنك عاشق لحال ولست عاشقا لي ، وإنك لتدور حولي املا في حال ما .
1430 - وذلك الذي يكون لحظة كاملا ولحظة ناقصا ، ولا يكون محبوبا للخليل بل يكون أفلا .
- وذلك الذي يكون أفلا وحينا “ هذا “ وحينا “ ذاك “ لا يكون محبوبا لقائل “ لا أحب الآفلين “ .
- وذلك الذي يكون حينا طيبا وحينا قبيحا ، ويكون حينا ماء وحينا نارا ،
- يكون برج قمر ولكن لا قمر ، ويكون صورة صنم ولكن لا حياة .
“ 137 “
- فالصوفي الباحث عن الصفاء هو ابن الوقت ، لقد تشبث بالوقت كأنه أبوه .
1435 - أما الصافي فهو غريق في نور ذي الجلال ، وليس ابنا لأحد بل هو فارغ من الوقت والحال .
- إنه غريق في نور من لم يولد ، ومن لم يلد ولم يولد هو الله .
- فامض وابحث - عن - مثل - هذا العشق إن كنت حيا ، وإلا فإنك عبد للأوقات المختلفة .
- فلا تمعن النظر في صورتك الحسنة أو القبيحة ، ولكن تمعن في العشق وفي مطلوبك .
- ولا تنظر إلي كونك حقيراً أو ضعيفا ، ولكن انظر إلي همتك أيها الشريف .
1440 - وداوم الطلب أيا - كان الحال الذي أنت - فيه ، داوم علي طلب الماء يا - جافَّ الشفة .
- وذلك لأن شفتك الجافة تدل علي أنك سوف تصل في النهاية إلي المنبع .
- إن جفاف الشفة رسالة من الماء الذي سوف يقضي يقينا علي هذا الاضطراب .
- فإن هذا الطلب حركة مباركة ، وهذا الطلب في طريق الحق مانع للهلاك .
- وهذا الطلب مفتاح لمطلوباتك ، وهو جيشك ونصرة لراياتك .
1445 - وهذا الطلب مثل الديك الذي يصيح ، إنه يصيح “ مبشرا “ بأن الصبح ات .
“ 138 “
- وحتى إن لم تكن تملك الوسيلة فاطلب ، فلا حاجة إلي الوسيلة في طريق الإله .
- وكل من تراه طالبا يا بني ، كن رفيقا له وطأطىء رأسك أمامه .
- فمن جوار الطالبين تصير طالبا ، وتحت ظلال الغالبين تصير غالبا .
- فإذا كانت نملة قد طلبت مرتبة سليمان ، فلا تنظر إلي طلبها هذا هونا .
1450 - وكان مالك من حرفة ومال ، ألم يكن طلبا وفكرا من البداية ؟ “ 1 “
حكاية ذلك الشخص الذي كان يدعوا ليل نهار في عهد داود عليه السلام قائلا :
ارزقني رزقا حلالا دون تعب
- كان أحدهم في عهد داود النبي ، عند كل عالم وأمام كل غبي .
- يدعو بهذا الدعاء ملحا وقائلا : “ يا الله هبني ثروة دون تعب “ .
- فما دمت قد خلقتني كسولا بطيء الحركة والسعي .
- لا يمكن وضع أحمال الخيل والبغال ، علي الحمر جريحة الظهر .
1455 - وما دمت قد خلقتني كسولًا أيها الغني ، فارزقني أيضا عن طريق الكسل .
- فأنا كسول نئوم في ظل الوجود ، قد نمت في ظل هذا الفضل والجود .
- وأنت قد كتبت للكسالي النائمين في الظل رزقا علي شكل اخر ؟
- فكل من له قدم يبحث عن رزق ما ، فكن سلوي لكل من ليس له قد
- وسق الرزق نحو ذلك الحزين ، وسق السحاب دائما صوب كل أرض
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 172 : وإذا كان من النادر أن يجد أحدهم كنزا ، فإنه أن قعد عن الطلب فهو مقصر
- وكل من جد وجد ، ما دام قد أسرع في جده - فهيا ، لا تكن أيها السيد لحظة بلا طلب ، حتى تجد ما تريد دون تعب
- وفي النهاية من جد وجد ، ما دام في قد أسرع في الخدمة فكن جلدا في الطلب وهذا هو فتح الباب ، وداوم علي الطلب والله أعلم بالصواب .
“ 139 “
1460 - ولما لم يكن للأرض قدم “ تسعي بها “ ، فإن جودك يسوق السحاب إليها منحنيا “ طاعة “ .
- ولما لم يكن للطفل قدم فإن أمة تأتي وتصب رزقه فوق رأسه .
- أريد رزقا فجائيا دون سعي ، فليس لي من السعي سوي الطلب .
- وظل يردد هذا الدعاء مدة طويلة ، من النهار حتى الليل وطوال الليل حتى الضحي .
- فكان الناس يضحكون من قوله ، “ ويعذلونه “ علي طمعه الساذج وعلي إلحاحه .
1465 - قائلين : عجبا ، ماذا يقول هذا الأبله ؟ أتري قد دس له أحد حشيشا سالبا للعقل ؟
- إن طريق الرزق هو الكسب والسعي والتعب ، ولقد أعطي كل إنسان حرفة “ ووسيلة “ للطلب .
- “ اطلبوا الأرزاق من أسبابها : ادخلوا الأوطان من أبوابها “ “ 1 “ .
- بل إن الملك والسلطان ورسول الحق في زمامنا هذا هو داود النبي ذو الأفضال .
- ورغم كل هذا العز والألطاف الإلهية التي يعيش في ظلها ، بحيث اختارته العناية الإلهية .
1470 - ومعجزاته بلا حصر ولا عد ، وأمواج العطاء بالنسبة له متتالية في أثر بعضها .
- ولم يكن لأحد من بني ادم حتى الآن صوت كأنه الأرغنون .
- بحيث يميت في كل عظة مائتين ، فالله لم يجعل لأحد صوته الحلو .
- والأسد والغزال يجتمعان عند تذكيره هذا غافل عن ذاك .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
“ 140 “
- والجبال والطير تؤوب من إنشاده ، كلاهما في وقت الدعوة صفي ونجي .
1475 - هذا وأضعاف - هذا مع المعجزات ، ونوره “ مطلق “ في - كل الجهات وبلا جهات .
- ورغم كل هذا التمكين ، فإن الله سبحانه وتعالي قد جعل رزقه موقوفا علي الكدح والسعي .
- فلا يأتيه رزقه دون صناعة للدروع وكدح مع كل ما له من نصرة “ إلهية “
- “ ثم يأتي “ مثل هذا المخذول المتروك العاجز المتعفن داخل داره “ كسلا “ والمطرود من الأرض والفلك .
- “ يأتي “ مثل هذا المدبر ويريد أن يملأ حجره بالربح دون تجارة ! !
1480 - يأتي مثل هذا الأبله ويجهر بالقول : أريد أن أصعد إلي الفلك دون درجات .
- فكان هذا يقول له ساخرا : لقد وصلك الرزق اذهب وخذه ، لقد جاء “ بهذا “ البشير .
- وكان ذاك يضحك قائلا : أعطينا مما أعطاكه “ الله “ هدية يا عين الأعيان ! !
- لكن كل هذا العذل والسخرية ، لم يكن يقلل من دعائة وتقربه بالدعاء .
- حتى صار معروفا وشهيراً في المدينة ، إنه يبحث عن الجبن من قربة فارغة .
1485 - صار ذلك الشحاذ مثلا في الطمح المحال ، لكنه لم يقلع عن هذه الرغبة .
“ 141 “
إسراع ثور إلى منزل ذلك الملح في الدعاء قال النبي عليه السلام :
إن الله يحب الملحين في الدعاء ، ذلك أن عين الطلب من الحق
وإلحاح الطالب أفضل مما يطلبه منه
- حتى حدث ضحي ذات يوم ، بينما كان هذا “ الرجل “ يدعو بنحيب وتأوه .
- أن أسرع ثور فجأة إلي داخل منزله ، ضرب الباب بقرنه فكسر المزلاج والقفل .
- وقفز الثور الهائج إلي المنزل ، فهب الرجل واقفا وقيد قوائمه .
- ثم ذبح ذلك الثور في التو واللحظة ، بلا تمعن ولا انتظار ولا إمهال .
1490 - وعندما ذبحه ذهب إلي القصاب ، “ ليأتي به “ فيسلخ إهابه في الحال .
اعتذار الناظم مطلب المدد
- يا أيها السائل ، إن ما يدور “ في الباطن “ من معان كالجنين ، فكيف تسألني أن أكمله لك ؟
- فسهل وأبد الطريق ووفق ، أو دعك من هذا السؤال لا تضعه علي كاهلنا .
- وكيف تسأل المفلس ذهبا ، ألا فلتهبن الذهب للسر أيها الملك الغني .
- وبدونك من الذي يجزؤ علي التفكر في النظم و “ حبك “ القوافي في الليل أو الفجر أو يدور في خاطره هذا ؟
1495 - فالنظم والتجنيس والقوافي أيها العليم عبيد لأمرك “ تلبيه “ خوفا وهلعا .
“ 142 “
- وما دمت قد جعلت كل شئ مسبحا ، سواء الذات المميزة وغير المميزة .
- ولكل منهما تسبيح من نوع مختلف ، يقوله وهذا غافل عما قاله ذاك .
- والإنسان ينكر التسبيح علي الجماد ، في حين أن ذلك الجماد أستاذ في العبادة .
- بل إن الاثنتين والسبعين ملة كل ملة منها لا تدري شيئا عن الأخري وتشك فيها .
1500 - وإذا كان الناطقون كل منهم غافل عن الآخر فما بالك بالجدار والباب ؟
- وما دمت غافلا عن تسبيح الناطق ، فكيف يعلم قلبي تسبيح الصامت .
- فللسني تسبيح خاص ، ولا مناص للجبري من تسبيح مخالف لهذا التسبيح .
- والسني غافل عن تسبيح الجبري ، والجبري بلا خبر عن تسبيح السنى .
- هذا يقول : ذاك ضال وتائه ، وغافل عن الحال وعن الأمر بالقيام .
1505 - وهذا يقول : أي علم لهذا ؟ وأوقع الله الحرب بينهما من قدره .
- وذلك حتى يظهر أصل كل منهما عيانا ، وحتى يكشف المستحق من غير المستحق .
- وكل امرئ يعرف القهر من اللطف ، عالما كان أو جاهلا خسيسا .
- لكن هناك لطفا مخفيا في القهر ، كما أن هناك قهرا أتي في قلب اللطف .
- وقليل من يعرف هذا إلا من كان ربانيا ، ذلك الذي يكون في قلبه محك روحاني .
1510 - والباقون يسيرون علي الظن فيما يتصل بهذين “ القهر واللطف “ ويطيرون نحو أعشاشهم بجناح واحد .
“ 143 “
بيان أن للعلم جناحين وللظن جناحا واحدا فالظن ناقص وأبتر في طيرانه
ومثال الظن واليقين في العلم
- للعلم جناحان وللظن جناح واحد ، فالظن ناقص في طيرانه وأبتر .
- والطائر ذو الجناح الواحد سريعا ما يسقط منقلبا ، ثم يطير لكن خطوتين أو أكثر .
- يمضي طائر الظن متعثرا بجناح واحد املا في “ الوصول “ إلي عشه .
- وعندما يتخلص من الظن يبدو علمه ، ويصير ذا جناحين هذا الطائر ذو الجناح الواحد ، ويفتح جناحيه .
1515 - وبعد ذلك يمضي مستقيما ، ليس علي وجهه مكبا أو سقيما .
- أو يطير بجناحين مثل جبريل ، بلا ظن ولا تردد أو قال أو قيل .
- ولو أن كل العالم قال له : إنك تمشي باستواء علي طريق الله والدين .
- فإنه لا يصير من قولهم أكثر حماسا ، وروحه المغردة لا تأتلف مع “ أرواحهم “ .
- ولو قيل له : إنك ضال تظن نفسك جبلا وأنت لا تعدو قشة .
1520 - فإنه لا يقع في الظن من سبهم ، ويصير متألما من طعنهم .
- ولو أن البحر والجبل جاءا إليه وقالا له : إنك قد صرت علي ضلال .
- فإنه لا يسقط مثقال ذرة من الوهم ، أو يصير مريض الحال من طعن الطاعنين .
مثال مرض الإنسان بوهم تعظيم الخلق رغبة الطلاب فيه وحكاية المعلم
- لقد رأي أطفال المكتب من الأستاذ ، عناء من الجد والاجتهاد .
“ 144 “
- فتشاوروا من أجل تعطيل الأمور ، وذلك حتى يقع المعلم في الاضطرار .
1525 - “ أخذوا يتساءلون “ : كيف لا يصاب بمرض علي الإطلاق حتى يبتعد عشرة أيام ؟
- وحتى نستريح من الحبس والضيق والعمل ، إنه مثل حجر الصوان ثابت في مكانه .
- فدبر أكثرهم حيلة تدبيرا وهو أن يقول : يا أستاذ مالك شاحب الوجه ؟
- خيرا ، إن لونك ليس علي ما يرام ، أهو من أثر الهواء أو من حمي ؟
- وهو بهذا الشكل يقع بالتدريج في الوهم ، وأنت أيها الأخ ساعدني علي هذا النحو .
1530 - عندما تدخل من باب المكتب قل : خيرا يا أستاذ ، ماذا جري لك ؟
- فيزداد وهمه قليلا قليلا ، فمن الوهم يصير العاقل مجنونا ! !
- والثالث والرابع والخامس علي نفس النمط ، يبدون بعدنا الأسي والتفجع !
- فإذا تواتر الخبر عند أطفال “ المكتب “ الثلاثين ، واتفقوا عليه يصير ثابتا .
- فقال له كل واحد منهم : بوركت أيها الذكي ، وليكن حظك مستندا علي العناية الإلهية .
1535 - واتفقوا وأخذوا بينهم موثقا ألا يغير أحدهم أو يبدل في الكلام .
- ثم جعلهم جميعا يقسمون علي ألا يشي واش بما اتفقوا عليه .
- إن رأي هذا الطفل قد تغلب علي آراء الجميع ، كان عقله يسير إلي الأمام من القطيع .
- وهذا هو التفاوت في عقول البشر والذي يكون بين الحسان في الصور .
- ومن هذا القبيل ما قاله “أحمد “ في بيانه : “ إن حسن الرجال يكون مخبوءا تحت اللسان “.
“ 145 “
عقول الخلق متفاوتة في أصل الفطرة وعند المعتزلة متساوية
وتفاوت العقول من تحصيل العلم
1540 - إن اختلاف العقول موجود في الأصل ، وينبغي أن تسمع ذلك وفقا لأهل السنة .
- وهذا علي خلاف قول أهل الاعتزال ، وهو أن العقول متساوية في الأصل
- والتجربة والعلم قلا أو كثرا ، يجعلان أحدهم أعلم من الآخر .
- وهذا باطل وإلا فإن رأي الطفل الذي لا تجربة له في طريق ما .
- قد انبثق فكرا من ذلك الطفل الصغير ، لم يدرك منه شيخ واسع التجربة النذر اليسير “ 1 “ .
1545 - وإن الزيادة التي تكون من الفطرة ، أفضل من الزيادة التي تكون من الجهد والفكرة .
- وقل أنت : هل تكون عطية الله أفضل ، أو أفضل منها أعرج يسير كما يسير العداء ؟
إلقاء الأطفال للأستاذ في الوهم
- وطلع النهار وجاء هؤلاء الأطفال إلي المكتب وقد وقرت الفكرة في نفوسهم .
- وقفوا جميعاً خارج المكتب منتظرين ، حتى يأتي في المقدمة ذلك الرفيق المصر .
- وذلك لأنه كان منبع هذا الرأي من البداية ، فالرأس دائما ما تؤم القدم .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 197 : وإن رجال الأمر لتفيب عنهم الفكرة، ويعجزون عن العمل مضطرين.
“ 146 “
1550 - ويا أيها المقلد لا تطلب التقدم عليه ، “ فرأيه “ نابع من نور السماء .
- فدخل وقال : سلاماً أيها الأستاذ ، خيراً ، إنك شاحب الوجه .
- فقال الأستاذ : لا بأس علي ، أذهب ، اجلس “ مكانك “ ولا تهزل .
- لقد نفي الأمر لكن غبار الوهم السئ ، طرق قلبه فجأة وقليلا قليلا .
- فدخل اخر وكرر نفس القول ، فزاد الوهم قليلا لهذا الأمر .
1555 - وعلي هذا النمط “ فعلوا “ حتى قوي الوهم عنده ، وبقي في عجب شديد من حاله .
مرض فرعون أيضا بوهم تعظيم الخلق
- إن سجود الخلق من نساء وأطفال ورجال ، قد وقر في قلب فرعون فجعله مريضا .
- وخطاب كل إنسان له قائلا : أيها الملك الإله ، قد جعله متهتكا من الوهم .
- حتى جرؤ علي ادعاء الألوهية ، صار أفعي ولم يكن يشبع قط .
- فافة العقل الجزئي الوهم والظن ، وذلك أن موطنه في الظلمات .
1560 - ولو أن طريقا علي الأرض عرضه نصف ذراع ، فإن الإنسان الخالي من الوهم يسير عليه امنا .
- لكنك لو سرت علي جدار عال ، تسير مائلا ولو كان عرضه ذراعين .
- بل إنك تسقط من رعشة القلب بالوهم، فانظر جيدا إلي الخوف “ الناتج “ عن الوهم وافهمه.
مرض الأستاذ بالوهم
- لقد وهن الأستاذ من الوهم والخوف ، فقفز يتلفع بجبته .
- وغضب علي زوجته التي ضعف ودها له ، وأخذ يقول لنفسه : إنا علي هذه الحال وهي لم تسأل ولم تهتم .
“ 147 “
1565 - ولم تخبرني عن شحوب وجهي ، لا بد أنها تريد أن تتخلص من عيشتي النكدة .
- ولقد صارت مغترة بحسنها وهيئتها ، غافلة عن انكشاف أحوالي .
- فجاء إلي “ داره “ وفتح الباب بعنف ، والأطفال “ يجرون “ في أثر ذلك الأستاذ .
- فقالت المرأة : خيرا ؟ لماذا عدت سريعاً ؟ هل أصاب فضيلتك سوء لا قدر الله ؟
- فأجاب : هل أنت عمياء ؟ انظري إلي شحوبي وحالي ، إن الغرباء في حنين شفقة علي .
1570 - وأنت معي في منزل واحد ومن البغض والنفاق ، لا ترين حالي وأنا في احتراق .
- قالت المرأة : يا سيدي لا عيب فيك ، وما بك وهم وظن من لا شيء ولا معني لهما .
- قال لها : أيتها الفاحشة لا زلت في لجاج أفلا ترين هذا التغير والارتعاد ؟ !
- فإذا كنت قد صرت عمياء صماء فما ذنبنا ونحن في هذا الألم والحزن والابتلاء ؟
- فقالت : أيها السيد لتأت بمرأة ، حتى تعلم أنه لا ذنب لي .
1575 - قال لها امضي فلا كنت رفيقة لي ولا كانت مراتك ، فأنت دائما في حقد وبغض وعنت .
- فهيا ابسطي لي فراشي علي وجه السرعة ، حتى أنام فقد ثقلت رأسي .
- وتوقفت المرأة فصاح فيها الرجل : أسرعي أيتها العدوة فما أنا فيه خليق بك .
“ 148 “
سقوط الأستاذ في فراشه من الوهم وأنينه من وهم المرض
- فأحضرت المرأة الفراش وبسطته ، وهي تقول لنفسها : لا قدرة لي عليه وباطني مليء بالحرقة .
- فإذا أفصحت “ عن الحقيقة “ اتهمني ، وإذا سكت فسوف تنقلب الحكاية إلي جد “ لا هزل فيه “ .
1580 - فإن فأل السوء لا يزال يصيب بالمرض الإنسان الذي لا شئ به يشكو منه .
- ولا بد من أن تصدق قول الرسول عليه السلام “إن تمارضتم لدينا تمرضوا” “1”.
- فإذا تحدثت إليه “ بالحقيقة “ ، فسوف يظن بالتأكيد “ ويحدث نفسه “ بأن المرأة لا بد وأنها تريد الخلوة لفعل تفعله ؟
- ولا بد من أنها لا تريد وجودي في المنزل ، من أجل أن تخادن وتخدعني ؟
- فأعدت له الفراش وسقط الأستاذ ، وهو يطلق الصرخات والتأوهات .
1585 - وجلس الأطفال وهم يتمتمون بالدرس وقد تملكهم الحزن .
- كانوا يحدثون أنفسهم “ قائلين “ : لقد فعلنا كل ما فعلنا ولا زلنا سجناء ، كان بناء سيئا ونحن بناة سيئون “ 2 “
إيهام الأطفال الأستاذ ثانية قائلين : إن صداعك يزداد من قراءتنا للقرآن
- قال ذلك الذكي : أيها القوم المحمودون ، اقرءوا الدروس وارفعوا أصواتكم .
- وعندما أخذوا في القراءة قال ، أيها الأطفال : إن أصواتنا تضر بالأستاذ .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) ج / 7 - 325 : هيا ولتفكر في شئ اخر ، حتى نجد الفرج سريعا من هذه المحنة .
“ 149 “
- إن هذا الضجيج يزيد من صداع الأستاذ ، فهل يستحق الأمر أن يتألم من أجل دانق ؟
1590 - قال الأستاذ : إنه ينطق بالصدق ، اذهبوا ، لقد زاد صداعي فأخرجوا .
“ خلاص الأطفال من المكتب بهذا المكر “
- فسجدوا شكر لله “ وصاحوا : يا كريم ، أبعد الله عنك المرض والبأس .
- ثم قفزوا خارجين إلي منازلهم ، وكأنهم الطيور في طلب الحب .
- فغضبت أمهاتهم وقلن لهم : اليوم يوم دراسة وأنتم تلهون .
- إن الأوان هو أوان الدرس والتحصيل ، وأنتم تهربون من الكتاب والأستاذ ؟ “1”.
1595 - فاعتذروا قائلين : يا أمهاتنا تمهلن ، فليس الذنب ذنبنا وليس التقصير منا .
- فقد شاءت إرادة الله أن يصبح أستاذنا مريضا سقيما مبتلي .
- قالت الأمهات : مكر وكذب ، إنكم تكذبون مائة كذبة طمعا في المخيض .
- وسنمضي نحن في الصباح إلي الأستاذ ، حتى نري أصل مكركم هذا
- فقال الأطفال : امضين باسم الله ، وقفن علي كذبنا أو صدقنا .
ذهاب أمهات الأطفال لعيادة الأستاذ
1600 - في الصباح ذهب أولاء الأمهات ، كان الأستاذ نائما وكأنه شديد المرض .
- كان قد تصبب عرقا من كثرة الأغطية ، وربط رأسه ولف وجهه في سجاف اللحاف .
- كان يطلق الآهات بوهن ، فأخذن جميعا يحوقلن قائلات .
- خيراً يا أستاذ ، هذا الصداع “ الذي ألم بك “ ، بحق روحك لم يكن لنا علم به ؟
..............................................................
( 1 ) هذا البيت زائد في نسخة استعلامي .
“ 150 “
- قال : أنا نفسي لم يكن لي علم به ، لكن أولاد الفواحش أخبروني به .
1605 - لقد كنت غافلا مشغولا بقال وقيل ، وكان في داخلي مثل هذا الألم التقيل .
- وعندما يكون المرء مشغولا بالجد ، فإنه يكون أعمي عن رؤية الألم “ الذي يحيق به “ .
- لقد صار يوسف سمرا بين نسوة مصر ، بحيث فقدن الوعي من انشغالهن به .
- ولقد قطعن أيديهن ومزقنها إربا ، وروح الواله لا تري قدامها أو وراءها .
- وما أكثر الرجال الصناديد في الحرب ، الذي يجرح الطعان منهم اليد أو القدم .
1610 - وهم منهمكون فيما هم فيه من النزال ، ظنا منهم أنهم صامدون في أماكنهم .
- ثم يدرك المرء منهم أن يده قد ضاعت في المعركة ، وأن دما كثيراً قد نزف منه دون علم منه .
في بيان أن الجسد هو بمثابة لباس للروح وأن هذه اليد هي كم ليد الروح
وأن هذا القدم حذاء للروح
- وذلك حتى تعلم أن الجسد كاللباس ، فاذهب وابحث عن اللابس ولا تلعق اللباس .
- وأفضل للروح توحيد الله ، غير ما يبدو في الظاهر توجد يد أخري وقدم أخري .
- إنك تري في النوم اليد والقدم “ تعملان “ في ائتلاف ، فاعلم أن هذا الأمر حقيقة ولا تعده من جزاف القول .
“ 151 “
1615 - فأنت الذي تكون بلا بدن تملك البدن ، ومن ثم لا تخف من خروج الروح من الجسد “ 1 “ .
حكاية ذلك الدرويش الذي كان قد اعتزل في جبل
وبيان حلاوة الانقطاع والخلوة والدخول في هذه المنقبة القائلة :
أنا جليس من ذكرني وأنيس من أستأنس بي
لو أنك مع الناس جميعا فأنت * بدونهم جميعا إذا كنت بدونى
ولو أنك بدون الجميع فأنت * معهم جميعا إذا كنت معي” 2 “
- كان هناك أحد الدروايش قد أقام في جبل ، كانت الخلوة ضجيعا له ونديما
- ولما كانت الشمول تنصب له من الخالق ، فقد كان ملولا من أنفاس الرجال والنساء
- وكما يكون الحضر سهلا بالنسبة لنا ، يكون السفر سهلا بالنسبة لقوم آخرين .
- وكما يكون أحدهم عاشقا للسيادة ، يكون اخر عاشقا للحدادة .
1620 - لقد خلق الله كل إنسان من أجل عمل ما وألقي الميل إلي هذا العمل في قلبه .
- ومتي تتحرك اليد والقدم دون ميل ؟ ومتي يمضي الشوك والقذي دون ريح وماء ؟
- فإذا كنت تري ميلك نحو السماء فافتح جناح الدولة كأنك طائر البُلَح .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 333 : فللروح بدون البدن جلبة وشأن ، وو الطائر في القفص يكون شديد القلق
- فإنتظر حتى يخرج الطائر من القفص ، حتى ترى الأفلاك السبعة مساكين أمامه
( 2 ) ج / 7 - 336 : ولا قصن عليك حكاية إن سمعتها ، لملت حقيقة إلى الحقيقة .
“ 152 “
- وإذا كنت تري ميلك نحو الأرض ، فأكثر النواح ولا تقعد عن التفجع .
- والعقلاء هم الذين يبادرون بالنواح ، لكن الجهال هم الذين يلطمون الخدود عند عواقب الأمور .
1625 - فانظر إلي عواقب الأمور من بدايتها ، حتى لا تصير نادما يوم الدين .
رؤية الصائغ لعاقبة الأمر وحديثه إلى مستعير الميزان وفقا للعاقبة
- جاء أحدهم إلي صائغ قائلا : أعرني ميزانك فسوف أزن ذهبا .
- قال الصائغ : اذهب فليس عندي غربال ، فقال : أعطني الميزان ودعك من هذه السخرية .
- قال : ليس عندي مكنسة في الدكان ، قال : كفاك كفاك وتوقف عن هذا الهزل .
- أعطني الميزان الذي أطلبه ، ولا تتظاهر بالصم وتنتقل من موضوع إلي موضوع .
1630 - قال : لقد سمعت كلامك ولست بالأصم ، وحتى لا تظن أنني أتحدث بكلام لا معني له .
- لقد سمعت ما تقول لكنك شيخ مرتعش ، تهتز يدك وجسمك ليس بالمنتعش .
- وذلك الذهب الذي لديك هو برادة ذهب حقيرة ولا قيمة لها ، ويدك ترتعش ، ومن ثم فسوف تسقط منك برادة الذهب .
- وسوف تقول : أيها السيد هات المكنسة ، حتى أبحث عن ذهبي في التراب .
“ 153 “
- وعندما تكنس التراب سوف تجمعه ، وتقول لي : أريد غربالا أيها الهمام “ 1 “ .
1635 - ومنذ البداية رأيت النهاية تماما ، فاذهب من هنا إلي مكان اخر ، والسلام “ 2 “ .
قصة ذلك الزاهد المعتزل في الجبل الذي كان قد نذر قائلا :
إنني لن أقطع ثمرة من شجرة جبلية ،
ولن أهز الشجرة ولن أطلب من أحد تصريحا أو كنابة أن يهزها ،
وما آكله هو ما تسقطه الريح من الشجرة” 3 “
- كان في ذلك الجبل أشجار وثمار ، وكانت الكمثري الجبلية في ذلك المكان لا تحصي ولا تعد .
- وقال ذلك الدرويش : يا رب إنني أتعهد أمامك ألا أقطف من هذه “ الثمار “ في أي وقت .
- “ ولن أقرب “ إلا تلك الثمار التي تسقطها الريح ، وفيما عدا ذلك لن أقطف من هذه الأشجار النضرة .
- وقد أو في بعهده فترة من الزمن ، حتى حلت به امتحانات القضاء .
1640 - ولهذا السبب قال تعالي أن “ استثنوا “ ، قولوا : إن شاء الله ثم عاهدوا .
- ذلك أنني في كل لحظة أضع في القلب ميلا ما ، وفي كل نفس اسم القلب بوسم مختلف .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 342 : إن من يري البداية فحسب يكون أعمي ، وكل من يري العاقبة باله من صاحب معني
- وكل من ينظر في بداية الأمر إلي نهايته ، لا يكون خجلا في نهايته
- ولما كان الحكم قائماً علي العاقبة ، فإن المكولة عبدة للفقر الصوفي ، والناظرون إلي العاقبة هم أهل إشاد ، فانظر والله أعلم بالسداد .
( 2 ) ج / 7 - 342 : حتى أغربل التراب وأفصل عنه الذهب ، وحتى يكون غربال في محلي ؟ !
( 3 ) ج / 7 - 344 : هذا الكلام لا نهاية له فتحدث عن السر وقل قصة هذا الرجل الزاهد .
تمم الحديث الشيخ الفريد ، الذي كان عيشه في ذلك الجبل .
“ 154 “
- “ كل إصباح لنا شأن جديد : كل شيء عن مرادي لا يحيد “ 1 “ .
- وقد ورد من الحديث “ الشريف “ أن القلب مثل قشة في فلاة رهن بريح صرصر .
- فالريح تسوق القشة نحو كل صوب كيفما اتفق ، حينا ذات اليمين وحينا ذات اليسار وباختلاف شديد .
1645 - وورد في حديث اخر أن : اعلم أن هذا القلب كما يكون الماء الذي يغلي من النار في قدر .
- ففي كل لحظة يكون للقلب رأي مختلف ، وليس هذا منه بل من موضع اخر .
- إذن : لماذا تكون مطمئنا إلي رأي القلب ، وتتعهد ثم تصير خجلا في النهاية ؟
- إن هذا أيضا من تأثير الحكم والقدر ، أن تري البئر ولا تستطيع منه الحذر .
- وليس عجيبا من الطائر المحلق ألا يري الشراك ثم يسقط في العطب .
1650 - إن العجيب هو أن يري الشراك ويري الوتد ، ويسقط فيه طوعا أو كرها .
- فهو مفتوح العين مفتوح الأذن والشراك أمامه ، لكنه يطير نحو ذلك الشراك بجناحيه .
.
يتبع